إلى جناب النبيل مالكولم ماكدونالد عضو مجلس العموم ووزير المستعمرات لجلالته مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد”

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

الى جناب النبيل مالكولم ماكدونالد
عضو مجلس العموم ووزير المستعمرات لجلالته (*0)
مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد”
وخلاصة عن التقرير نفسه

 

1 –

لقد تم تعيننا في شهر آذار الماضى من قبل سلفكم جناب النبيل و. ج. أ. أورمسبى غور (وهو الآن اللورد هارليك) وكانت شروط اختصاصنا التى نشرت في الكتاب الأبيض (رقم 5634) بتاريخ 4 كانون الثانى سنة 1938 كما يلي:

     بعد النظر بعين الاعتبار الى مشروع التقسيم المبينة تفاصيله في الفصل الثالث من تقرير اللجنة الملكية ومع تخويلنا ملء الحرية في اقتراح تعديلات لذلك المشروع بما فى ذلك تغيير المناطق الموصى بابقائها تحت الانتداب.

     وبعد النظر بعين الاعتبار في أية بيانات تتقدم بها الجماعات في فلسطين وشرق الاردن، لقد عهد إلينا:

1 –

ان نوصى بحدود فاصلة بين المنطقتين العربية واليهودية المقترحتين وحدود المناطق الخاصة الوجب الاحتفاظ بها بصورة دائمة أو مؤقتة تحت الانتداب البريطانى على أن يكون من شأن تلك الحدود:

(أ)


(ب)

(جـ)

ان تنطوى على أمل معقول في أن تنشأ في النهاية دولة عربية ودولة يهودية تستطيع كل منهما أن تسد نفقاتها بذاتها مع توفر أسباب الطمأنينة الوافية.
وألا تستوجب الا ادخال أقل عدد ممكن من العرب والمشاريع العربية في المنظمة اليهودية والعكس بالعكس.
وأن تمكن حكومة جلالته من تحمل تبعات الانتداب التى أوصت بها اللجنة الملكية في تقريرها بوجوب اضطلاعها بها بما في ذلك الالتزامات التى تفرضها المادة 28 من صك الانتداب فيما يتعلق بالأماكن المقدسة.

2 –

أن نبحث في المسائل الاقتصادية والمالية التى ينطوى عليها التقسيم مما يترتب اتخاذ قرارات بشأنها وأن تقدم تقريرا بذلك على أن يشتمل بحثنا وتقريرنا المشار اليهما على:


       (*) من كتاب “وثائق القضية الفلسطينية” اصدار جامعة الدول العربية

 

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

 

(أ)

بيان ما يصيب كل منطقة من هذه المناطق من موجودات فلسطين العامة وديونها العامة وسائر الالتزامات المالية التى تحملتها ادارة فلسطين بصورة مشروعة أثناء مدة الانتداب المشار اليها في المادة الثامنة والعشرين من صك الانتداب بالقدر الذى يكون فيه ذلك ضروريا.

 

(ب)

الوسائل التى تؤمن احترام الالتزامات المالية المشار اليها آنفا احتراما كليا وفقا للمادة الثامنة والعشرين من صك الإنتداب.

 

(جـ)

ادارة مصالح سكك الحديد والمرافىء والبريد والبرق والتليفون.

 

(د)

التدابير المتعلقة بالنقد.

 

(هـ)

ادارة الجمارك والتعريفات الجمركية.

 

(و)

المسائل المتعلقة بميزانيات مختلف الادارات التى ستشكل في المناطق.

 

(ز)

المحافظة على حقوق موظفى الحكومة وفقا لاحكام المادة الثامنة والعشرين من صك الانتداب.

 

(ح)

معالجة الامتيازات الصناعية وغيرها من الامتيازات.

 

(ط)

امكان اجراء تبادل اختيارى في الأراضى والسكان واحتمال ايجاد متسع آخر للاستيطان عن طريق تحسين الأراضى وعمرانها وذلك سدا لاحتياجات الأشخاص الذين يرغبون في الانتقال من منطقة الى أخرى.

 

(ى)

وضع ضمانات وافية لحقوق الاقليات الدينية والعنصرية في كل من المنطقتين المخصصتين للعرب واليهود بما في ذلك حماية الحقوق الدينية و الاملاك.

      لم نعقد أى اجتماع لسماع الشهادات قبل مغادرتنا لندن في اليوم الحادى والعشرين من شهر نيسان لأننا كنا حريصين على ارجاء أخذ الشهادات التى تتهيأ لنا الفرص للحصول شخصيا على بعض المعلومات عن فلسطين وللسبب نفسه لم نعقد جلستنا الأولى الا بعد مرور بضعة أسابيع على اليوم السابع والعشرين من شهر نيسان وهو اليوم الذى وصلنا فيه الى القدس.

      ولقد تمكنا خلال هذه المدة من زيارة مختلف أنحاء البلاد ومن تكوين فكرة عامة عن طبيعتها الأمر الذى عاد علينا بأجل الفوائد في أعمالنا التى تلت ذلك.

      وقد رأينا في الواقع أن نوع التحقيق الذى سنقوم به يحتم علينا أن نطلع بأنفسنا على أحوال البلاد أتم اطلاع تبيحه لنا المدة الميسورة لنا – ولذلك قمنا بطوافنا أنحاء فلسطين وشرق الأردن خلال شهر آيار والقسم الأول من شهر حزيران – وقد أثبتنا الرحلات التى قمنا بها في الخربطة رقم 2.

2 –

لقد قضينا في شرق الأردن تسعة أيام تمكنا خلالها من تكوين فكرة عامة عن القسم الأكبر في المنطقة الزراعية في تلك البلاد ونود أن نغتنم هذه الفرصة للأعراب عن عظيم تقديرنا للحفاوة التى لقيناها من صاحب السمو الأمير

 

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

 

عبد الله ومن حكومة شرق الأردن وللاعتراف بجميل المعتمد البريطانى اللفتننت كولونيل السير هنرى كوكس للترتيبات الفائقة التى أجراها لرحلاتنا اذ مكنتنا من مشاهدة القسم الأعظم من البلاد خلال المدة القصيرة الميسورة لنا.

4 –

ولدى وصولنا الى القدس اتخذنا الترتيبات اللازمة لنشر بلاغ أعلنا فيه أن الأشخاص الذين يودون الحضور أمامنا يملكون مطلق الحرية في أداء شهاداتهم بصورة علنية. على أننا لم نتسلم في الواقع الا طلبين اثنين أعرب فيهما مقدماهما عن رغبتهما في أداء الشهادة بصورة علنية. وقد عقدنا في القدس خمسا وخمسين جلسة لسماع الشهادات وكان عدد الجلسات العلنية منها اثنتين فقط أما الجلسات الأخرى فكانت سرية.

       ولدى عودتنا الى لندن عقدنا تسع جلسات كانت كلها سرية. ولم يتقدم أى شاهد من العرب لتأدية الشهادة أمامنا.

5 –

لقد غادرنا فلسطين في اليوم الثالث من شهر آب عن طريق حيفا وتريستا واستأنفنا عقد جلساتنا في لندن في اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر. وقد استمرت أعمال العنف في فلسطين بعد سفرنا منها وازدادت شدة عن ذى قبل ولم يفت عن أذهاننا فقط أننا سنكون حريين بأشد اللوم اذا أسفر أى تأخير أو امهال منا عن اطالة حالة الشك وعدم الاستقرار السائدة الآن في فلسطين دون مبرر. وقد أعلمتمونا أنتم أيضا ان حكومة جلالته حريصة جد الحرص على تسلم تقريرنا في أقرب وقت ممكن. ولذلك قررنا أنه من المستطاع اجتناب التأخير والامهال اذا أرجأنا درس بعض المسائل المتعلقة بموضوع تحقيقاتنا الى وقت آخر. فهناك عدد من المسائل رأينا أن درسنا لها في هذه المرحلة لا يسفر عن أية فائدة وذلك اما لأن هذه الدرس ينطوى على تأخير لا مبرر له دون أن يؤثر في القرارات الأساسية التى أدرجناها في تقريرنا أو لأن درسها بصورة مفصلة لا يمكن الشروع فيه قبل تقرير الأسس الرئيسية لمشروع تقسيم معين. والمسائل التى أرجأنا بحثها الى وقت آخر تشتمل على النقاط التالية التي أشير اليها خصيصا في القسم الثانى من شروط اختصاصنا.

(أ)

تعيين نصيب كل منطقة من المناطق من الموجودات العامة

(ب)

الترتيبات المتعلقة بالنقد.

(جـ)

المحافظة على حقوق موظفى الحكومة.

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

خلاصة تقرير اللجنة :

      نرى لزاما علينا أن نبسط الغايات التى ترمى اليها شروط اختصاصنا حسب رأينا كيما نوضح الشكل الذى سنقدم فيه استنتاجاتنا. فالصلاحيات المخولة لنا تقضى علينا أولا أن نوصى بحدود الدولتين العربية واليهودية ومناطق الانتداب المقترح انشاؤها بحيث تتوفر في تلك الحدود بعض الشروط وثانيا أن نقوم بدراسة الشئون الاقتصادية والمالية التى ينطوى عليها التقسيم وان نقدم تقريرا بذلك. ولقد ذكر صراحة في الكتاب الذى أرسله سلفكم الى المندوب السامى بتاريخ 23 كانون الأول سنة 1937 بشأن شروط اختصاصنا أن المهام المنوطة بنا في العمل كلجنة فنية أى الاقتصار على تعيين الحقائق والنظر مفصلا في امكان تطبيق أى مشروع من مشاريع التقسيم وكذلك “تقديم اقتراحات لمشروع مفصل للتقسيم الى حكومة جلالته” وقد ورد في الكتاب المذكور بعد تعيين شروط اختصاصنا ان حكومة جلالته هى التى تقرر ما اذا كان مشروع التقسيم الذى سنعرضه كنتيجة لأبحاثنا عادلا وعمليا على أنه لم يطلب الينا أن نقدم تقريرا في عدالة التقسيم أو امكان تطبيقه بصورة عامة. وقد ذهب معظمنا في تأويل التعليمات كما يلى:

1 –

ان حكومة جلالته ترغب في أن نقدم لها على كل حال أفضل مشروع للتقسيم نستطيع تقديمه واذا رأينا أن ذلك المشروع لا تتوفر فيه بعض الشروط أو أنه غير عملى فهى تريد منا أن نقول ذلك وأن نبين الأسباب التى تدعونا الى ذلك الرأي.

2 –

انه لا يطلب منا وليس من حقنا أن نناقش مبدأ التقسيم بصورة عامة من حيث كونه مطابقا للعدالة أو الضمير ذلك أننا عينا كهيئة فنية ونرى أن خير ما نقدمه من المساعدة لحكومة جلالته هو أن نعنى بألا تتأثر آراؤنا في المسائل الفنية بأية آراء نكون قد كوناها كأفراد بشأن المبدأ الذى ينطوى عليه التقسيم.

      ثم إننا نود أن نبين بتأكيد أن مسألة ” قابلية التطبيق ” هى مسألة تحتاج إلى أخذ ورد ولا يمكن الاعراب عن رأى نهائى فيها دون أن تؤخذ بعين الاعتبار مسائل أخرى كالنتائح التى تنشأ عن رفض التقسيم وعدالة الحلول التي قد تقدم بدلا منه وقابليتها للتطبيق وقد أخرجت هذه المسائل من نطاق اختصاصنا.

      لقد أتينا في الفصل الحادى عشر والرابع عشر تحت عنوان المشروع (ج) على وصف أفضل مشروع للتقسيم تمكنا من استنباطه. وسنلخص الآن في عناوين مختلفة النقاط الرئيسية التى نرى لزاما على حكومة جلالته أن تنظر اليها بعين الاعتبار لدى تقريرها فيما اذا كان هذا المشروع عادلا وعمليا أم لا وسنبين آراءنا بشأن كل نقطة من تلك النقاط.

حجم الدولة اليهودية:

      لقد أعربت لجنة الانتدابات الدائمة عن الرأى التالى في تقريرها الذى رفعته الى مجلس عصبة الأمم في دورته الثانية والثلاثين غير الاعتيادية.

 مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

       “ولذلك يشترط في أى حل كيما يكون مقبولا ألا يؤدى الى حرمان العرب الا من أقل عدد ممكن من الأمكنة التى يعلقون عليها أهمية خاصة اما لوجود منازلهم الخالية فيها أو لدواع دينيه ويشترط فيه أيضا أن تكون المناطق المخصصة لليهود متسعة وخصبة وملائمة للمواصلات البحرية والبرية الى درجة يتسنى معها تحسين تلك المناطق تحسينا اقتصاديا واسع النطاق وجعلها بالتالي قابلة للاستيطان المحتشد السريع”.

       وتدل الحقائق التى أتينا عليها فى تقريرنا على أن هذه الغايات لا يمكن التوفيق بينها فاذا كان المراد أن ينتزع من العرب أقل عدد ممكن من منازلهم وأن تشتمل الدولة اليهودية على أصغر عدد ممكن من العرب وحسب ما جاء في شروط اختصاصنا فان الدولة اليهودية لا يمكن أن تكون دولة كبيرة ولا يمكنها أن تشتمل على مناطق قابلة للتحسين والاستيطان بالمعنى الذى رمت اليه لجنة الانتدابات الدائمة فهل يجعل هذا الأمر وحده مشروع التقسيم الذى اقترحناه غير قابل للتطبيق؟ واننا لا نرى هذا الرأى ما دام في الامكان تهيئة السبيل لاستمرار هجرة خاضعة للمراقبة إلى معظم المناطق التى نقترح الاحتفاظ بها تحت الانتداب البريطاني وتحسين تلك المناطق بغية افساح المجال لاستيطان اليهود فيها استيطانا خاضعا للرقابة أيضا. ولكن هذا الأمر يتطلب ارصاد مصروفات وافرة من الخزينة العامة لتحسين المناطق المنتدب عليها وانشاء الخدمات الأخرى فيها وهذه المصروفات (ونقترح ألا تتجاوز مليون جنيه للخدمات غير المتكررة ومبلغا لا يزيد عن 75.000 جنيه سنويا للخدمات المتكررة لمدة عشر سنوات فقط) لا يمكن الحصول عليها الا من حكومة المملكة المتحدة ذلك أن حكومة المناطق المنتدب عليها ستكون على كل حال عاجزة عن موازنة ميزانيتها وسنبحث في تأثير هذا الأمر فيما يلى باعتباره جانبا من المشكلة المالية العامة التى ينطوى عليها التقسيم.

       أما حجم الدولة اليهودية المقترحة من حيث كونه عاملا يتوقف عليه أمر الأسواق الأهلية المقترحة لأصحاب المصانع من اليهود فسنبحث فيه على حدة.

موقوف العرب واليهود:

       لقد ذكرنا فيما سبق أن السكان العرب في فلسطين سيقفون كما نعتقد موقف عداء مستحكم من التقسيم مهما كان شكله واننا موقنون ان المشروع الذى أوصت به اللجنة الملكية من شأنه أن يؤدى الى نشوب ثورة عامة لا يمكن اخمادها الا باجراءات عنيفة طويلة الأمد. ولكن لا ندرى ماذا يكون موقف العرب من المشروع (ج) فقد كان من رأى أحد الشهود الرسميين الذين استطلعنا آراءهم بشأن المشروع (ج) قبيل مغادرتنا فلسطين في أوائل شهر آب أن العرب سيقاومون بالعنف كل مشروع للتقسيم مهما كان شكله ولم يكن في وسع أحد من هؤلاء أن يقول أن العرب سيقبلون بالمشروع بهدوء وطيبة خاطر. وقد أدى هؤلاء الشهود شهادتهم في جلسات سرية على

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

شكل لا يستحسن معه أن ننقل مقتبسات موجزة من آرائهم ولكن الفكرة العامة التى انطبعت في أذهاننا من شهادة الأشخاص الذين استطلعتا آراءهم بشأن المشروع (ج) كانت أن بعض الشهود على الأقل لا يستبعدون امكان التسوية على هذا الأساس فى حين أنه لم يكن من بينهم من يتفاءل بالخير بيد أننا موقنون أنه لو عدنا الى استشارة هؤلاء الأشخاص اليوم لرأيناهم أشد تشاؤما من ذي قبل ومن سوء الحظ انه لم يواجهنا أحد من العرب ليطلعنا على وجهة النظر العربية بهذا الشأن. ونحن نرى أن أحكم استنتاج يمكن أن يتوصل اليه بهذا الصدد هو أنه تستحيل معرفة موقف العرب ازاء المشروع (ج) قبل أن تنشر تفاصيله على الرغم من أن هذا المشروع يكلفهم تضحيات تقل كثيرا عن التضحيات التى يقتضيها المشروعان الآخران اللذان تناولناهما بالبحث.

      تشتمل مقررات المؤتمر الصهيونى العشرين المنعقد في زيوريخ في شهر آب سنة 1937 على المقررات التالية:

      “إن المؤتمر يرفض ما أكدته اللجنة الملكية لفلسطين من ثبوت عدم قابلية الانتداب للتطبيق ويطلب انجازه كما يطلب الى اللجنة التنفيذية أن تقاوم كل تجاوز يقع على حقوق الشعب اليهودى المضمونة دوليا بواسطة وعد بلفور وصك الانتداب.

      ويصرح المؤتمر بأن مشروع التقسيم الذى عرضته اللجنة الملكية لا يمكن قبوله.

      ويخول المؤتمر اللجنة التنفيذية صلاحية الدخول في مفاوضات للتأكد من حقيقة الشروط التى تفرضها حكومة جلالته بشأن الدولة اليهودية المقترح انشاؤها.

      ولا يجوز للجنة التنفيذية لدى قيامها بهذه المفاوضات ان تربط نفسها أو تربط الجمعية الصهيونية بشيء ولكن اذا أسفرت المفاوضات عن مشروع معين لانشاء دولة يهودية وجب عرض هذا المشروع على مؤتمر ينتخب من جديد لاتخاذ قرار بشأنه “.

      وقد ألحت علينا الوكالة اليهودية أكثر من مرة بوجوب اطلاعها على ما يدور بخلدنا لتضمن بذلك ان توصى المؤتمر الصهيونى بقبول مشروع التقسيم الذى قد تتقدم به اذا كان مما يمكنها قبوله. وقالت في معرض البحث ان عبارة ” بعد التشاور مع الجماعات المحلية”. الواردة في رسالة سلفكم تشير الى ان حكومة جلالته كانت ترمى الى تلك الغاية. ولكننا لم نستطع قبول هذا الرأى. فلو كان في الامكان التشاور مع ممثلين للعرب واليهود معا على أمل الوصول الى مشروع يحتمل أن يرضى به الفريقان لامكن اعتبار التشاور الذى طلبته الوكالة اليهودية أمرا مرغوبا فيه. ولكن ذلك كان مستحيلا في تلك الظروف ولذلك رأينا أن التشاور على الوجه الذى ترغب فيه الوكالة اليهودية سيكون ضرره أكثر من نفعه. فقصرنا تشاورنا معا على توجيه الأسئلة اليها لاستطلاع رأيها شفويا وتحريريا في أى شأن من الشئون التى اعتبرنا أن رأيها فيها قد يساعدنا في مهمتنا على أن هذه الشئون لم تتناول المقترحات المفصلة التى يشملها المشروع (ب) أو المشروع (ج ) فيما يتعلق بحدود المناطق المختلفة أو بتحسين المناطق التى سيحتفظ بها تحت الانتداب بغية فسح المجال لاستيطان اليهود فيها. ولقد قيل لنا في معرض البينة إن اليهود لن يقبلوا بأى مشروع يمكنهم من انشاء دولة لا تفى بحاجاتهم ولا سيما اذا كانت تلك الدولة لا تشمل حيفا والجليل وقسما من القدس ولكنه يلوح لنا

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

أن قرارهم النهائى بهذا الصدد لابد من أن يتوقف على ما قد تعرضه حكومة جلالته عليهم كبديل من التقسيم في حالة رفضهم للتقسيم ويبدو لأكثريتنا أن ابداء الرأى حول قرارهم النهائى المحتمل يكون سابقا لأوانه قبل أن تعرف ماهية ذلك البديل بيد أنه ليس من السهل علينا أن نبين كيف يمكن اعتبار انشاء دولة قائمة بنفسها في المنطقة العربية أو المنطقة اليهودية أمرا قابلا للتطبيق سواء من الوجهة الادارية أو السياسية اذا كانت الجماعة المختصة سترفض قبول الاستقلال المعروض عليها وفقا لهذه الشروط.

الأقلية العربية في الدولة اليهودية:

     لقد افترضت اللجنة الملكية ان الوسائل اللازمة ستتخذ لنقل معظم السكان العرب الموجودين في الدولة اليهودية نقلا اجباريا اذا اقتضى الأمر وبموجب مشروع توافق عليه كلتا الدولتين. ولكن سلفكم بين في كتابه المؤرخ في 23 كانون الأول سنة 1937 ان حكومة جلالته لم توافق على اقتراح النقل الاجبارى وقد رأينا نحن انه يستحيل علينا أن نفترض أن مشكلة الأقلية يمكن حلها بنقل السكان نقلا اختياريا وان حراجة الموقف التى يسفر عنها ذلك الأمر هى السبب الاكبر في حملنا على رفض مشروع اللجنة الملكية الذى يكاد يكون بموجبه عدد العرب الذين يقطنون أراضى الدولة اليهودية مساويا لعدد اليهود فيها. غير أنه قد يقال اذا كان من الخطأ من حيث المبدأ وضع نحو من 300.000 عربى ضد ارادتهم تحت سيطرة اليهود السياسية حسب مشروع اللجنة الملكية فكيف يكون صوابا وضع 50.000 عربى على هذه الصورة بمقتضى المشروع (ج)؟ انه لمن الصعوبة بمكان كبير تقدير الناحية الأدبية لهذه المسألة فلو توبع الجدل فيها الى آخر حدود المنطق لقضت هذه الحجة على التقسيم بالمرة اذ يستحيل تخطيط حدود من شأنها ألا تدخل أحدا من العرب في الدولة ولكن مما لا يمكن تصوره أن اللجنة الملكية لدى تحبيذها التقسيم أو أن حكومة جلالته لدى قبولها به كأفضل حل يرجى لهذه المشكلة اعتبرت هذه الحقيقة في نفسها كافية للقضاء على أى مشروع للتقسيم. وشروط اختصاصنا تنطوى في الواقع على أن حكومة جلالته كانت قابلة بادخال عدد من العرب في الدولة اليهودية وعدد من اليهود في الدولة العربية وان كانت تود أن يكون هذا العدد أقل ما يمكن في كلتا الحالتين. ولذلك يلوح انه من المسلم به أن هذه المسألة هى مسألة أخذ ورد أكثرمنها مسألة مبدأ ولذلك اذا نظرنا الى المواقف من هذه الناحية نرى أنه ليس ثمة من داع يبرر لنا رفض المشروع (ج) لكونه يحتم اشتمال الدولة اليهودية على 50.000 نسمة من العرب.

الدفاع:

     إن الدولة اليهودية حسب المشروع (ج) على الرغم من صغرها تؤلف مجموعة متراصة يسهل الدفاع عنها كأحسن ما تكون عليه أية دولة يسفر عنها تقسيم فلسطين ولكن السلطات العسكرية قد أقنعتنا بأنه لا يوجد غير نهر الاردن حد يصلح لأن يكون خطا عسكريا مرضيا اذا اخذت أساليب الحروب الحديثة بعين الاعتبار فجل ما يمكن عماله بمقتضى أى مشروع للتقسيم هو تعيين خط يمكن الدفاع عنه عسكريا ضد غارات الأشخاص المسلحين بالبنادق والمدافع الرشاشة ولا يمكن اعتبار الحد

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

المرسوم في المشروع (ج) صالحا لضمان السلامة الكافية للمناطق المقترحة الا من وجهة النظر هذه. والضمانة الحقيقية الوحيدة لأى جزء مقتطع من فلسطين هى أن يعيش مع الجزء المجاور له بسلام وصداقة وقد كنا في بدء عهدنا بالتحقيق نعلق أملا معقولا على امكان وضع مشروع للتقسيم يؤدى الى هذه النتيجة ولكن الحوادث التى جرت في الأشهر الاخيرة لابد أن يحسب حسابها لدى تقدير العواقب التى يحتمل أن يسفر عنها تنفيذ أى مشروع من مشاريع التقسيم بصورة فعلية.

الادارة:
      
من البديهيات المسلم بها التى لا تحتاج الى جدل أن المصالح التى يمكن تقسيمها تقسيما تاما كالمعارف مثلا ستقل الفائدة منها بعد التقسيم بالنسبة للأموال التى تنفق عليها كما ان مصالح المواصلات التى تؤمن الاتصال بين المناطق الناتجة عن التقسيم أو داخل تلك المناطق كالسكك الحديدية والبريد والبرق ستكون بمجموعها أقل كفاية وأكثر نفقة من ذى قبل. أما ما يتعلق بالحرية الشخصية للتنقل بين المناطق المختلفة فلا مفر من فرض بعض القيود على الاشخاص الذين يعتبرون الآن فلسطينيى الجنسية حتى ولو عمل بالشروط التى أوصينا بها في الفصل الرابع عشر كما أن مقدار الازعاج والنفقة مما سيتحمله الفرد والدولة في سبيل مراقبة ذلك على أى شكل من الاشكال يكون كبيرا. وأخيرا سيكون قيام الدولتين العربية واليهودية كحاجز بين منطقة القدس الخاصة والمنطقتين الأخيرتين من الأراضى المنتدب عليها مصدرا للصعوبات الادارية ولكن هذه الصعوبات ليست مما لا يمكن تذليله ولا يمكن اعتبارها بحد ذاتها كافية لجعل المشروع (ج ) غير عملى.

المالية:
         أما مسألة المالية فهى من المصاعب الرئيسية الكبرى. وقد أدى بنا البحث في الفصل الثامن عشر الى أنه يستحيل انشاء دولة عربية تكون قادرة على سد نفقاتها بذاتها مهما كانت الحدود التى توصى بها . فالتخمين الذى أعده لنا مدير مالية فلسطين ورضينا به بعد أن أدخل عليه بعض التعديلات وهو أقرب شيء يمكن الوصول اليه لتقدير ميزانية كل ادارة من الادارات المختلفة المنصوص عليها في المشروع (ج) يشير الى عجز سنوى في ميزانية الدولة العربية (بما فيها شرق الاردن) يبلغ مقداره 610.000 جنيه تقريبا وعجز سنوى في ميزانية المناطق المنتدب عليها يبلغ مقداره 460.000 جنيه في السنة تقريبا ويشير في الوقت ذاته الى وفر سنوى في ميزانية الدولة اليهودية يبلغ 600.000 جنيه تقريبا باستثناء نفقات الدفاع لكل من تلك المناطق. وقد وجدنا أنه لا يمكن تكليف الدولة اليهودية بتقديم اعانة مباشرة الى الدولة العربية كما أنه ليس من الممكن ولا من الانصاف انشاء دولة عربية تقل ايراداتها عن مصروفاتها بمبلغ كبير كهذا ونستنتج من ذلك انه أريد تنفيذ التقسيم فلا يبقى مناص من تكليف البرلمان بتقديم اعانة للدولة العربية على وجه من الوجوه بحيث تكون تلك الاعانة كافية لتمكين الدولة العربية من موازنة ايراداتها بمصروفاتها.

      وبالاضافة الى ذلك تكون حكومة المملكة المتحدة بحكم العرف المتفق عليه مضطرة لمساعدة المناطق المنتدب عليها على موازنة ميزانيتها وسيدخل في تلك

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

المساعدة مبلغ قدره 175.000 جنيه في السنة تقريبا للانفاق على أعمال التحسين والعمران في المناطق المشار اليها في الفقرة 2888. وهذا يعنى ان التقسيم سيكلف المكلف في المملكة المتحدة نفقة سنوية مقدارها 1.250.000 جنيه فلسطينى على وجه التقريب باستثناء نفقات الدفاع. ومن الجهة الاخرى ستتمكن الدولة اليهودية من توقع وفر في ميزانيتها يقرب من 600.000 جنيه في السنة بقطع النظر عن نفقات الدفاع. ويمكننا أن نقول بصورة عامة أن هذه النتائج سنبقى على هذا الشكل تقريبا بموجب أى مشروع للتقسيم يمكن التفكير فيه.

       وغني عن البيان أن مثل هذه الحالة لايمكن للخزينة البريطانية أن ترضى عنها ولكن قبل اصدار القرار في عدم صلاحية التقسيم بالمرة بناء على هذا الاستنتاج يجب أن ينظر في مقدار ما تكلف فلسطين المكلف البريطانى في الاحوال الحاضرة. ان أكثريتنا ترى انه لا يمكن اجراء مقارنة صحيحة بين نفقات التقسيم وبين ما يحتمل أن يكون عليه الوضع المالى في فلسطين دون تقسيمها على فرض أن الأمن قد استرد فيها وان الاحوال رجعت الى مجراها الطبيعى. ومما لا شك فيه أنه من الميسور احلال السلم بفلسطين في يوم واحد بناء على شروط معينة أما اذا كانت تلك الشروط لا تنطوى على احداث انقلاب تام في الكيان المالى والاقتصادى من شأنه أن يستلزم تخفيض المستوى الحالى للخدمات تخفيضا فعالا لموازنة الدخل بالخرج فتلك مسألة أخرى بالمرة. ولذلك لا تصح مقارنة نفقات التقسيم الا بالنفقة التى تدفعها المملكة المتحدة في الاحوال الحاضرة. وتقدر هذه النفقة بما يتراوح بين مليونين ونصف مليون جنيه وبين ثلاتة ملايين جنيه في سنة 1938 وغنى عن البيان أنه على الرغم من استحالة التنبؤ بطول المدة التى ستظل فيه نفقاتنا بهذا المقدار فالاستعاضة عن الوضع الحاضر بمشروع يكلف الخزينة البريطانية دفعات سنوية مستمرة قد تبلغ 1.250.000 جنيه في السنة باستثناء نفقات الدفاع ليس من الضرورى أن يخرج المشروع من نطاق البحث بالمرة لأسباب مالية اذا ظهر أن ذلك المشروع قابل للتطبيق من نواح أخرى. ولكن اذا أجيز دفع المبلغ على أن تفرض الرقابة المالية التى تفرض عادة على كل بلاد تابعة للامبراطورية تنال اعانة مالية منها فلا يمكن اعتبار الدولة العربية دولة مستقلة واننا لم نتمكن من استنباط وسيلة من شأنها أن تذلل هذه الصعوبة لو قدمت الاعانة المذكورة مباشرة كمنحة.

المصالح الاقتصادية:
1 – التعريفات وادارة الجمارك:
       
لقد تبين لدى البحث في حدود المناطق المقترحة بمقتضى شروط اختصاصنا أن جعل المناطق المنتدب عليها وحدة سياسية منفصلة هو أمر أساسى لأى مشروع لتقسيم يمكننا التوصية به. ولكن جعل تلك المناطق وحدة منفصلة فيما يتعلق بالتعرفة الجمركية سيكون ضربة قاضية على اقتصاديات الدولة اليهودية التى يجب عليها توسيع صناعاتها بغية ايجاد العمل لعدد عديد من المهاجرين الجدد ذلك ان الدولة اليهودية تستطيع أن تأمل تحقيق ذلك دون أن تضمن لمنتجاتها سوقا أوسع من السوق التى يؤلفها سكان تلك الدولة وحدهم كما أن بقاء الدولة العربية من الناحية الاقتصادية يتوقف على ايجاد سوق خارج أراضيها لتصريف ما تستطيع تصديره من الحاصلات الزراعية التى تنتج منها كمية كبيرة تفيض عن حاجاتها وخاصة

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

القمح. فنستنتج من ذلك أنه لابد من وجود نوع من الاتفاق الجمركى ما بين المناطق المنتدب عليها وكل من تينك الدولتين. وانه لا يفى في الحقيقة بحاجات الدولة اليهودية والمناطق المنتدب عليها الا اتحاد جمركى تام وتجارة حرة متحدة في التعرفة في حين أن وجود ما يماثل هذه الترتيبات بين الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها يعتبر أمرا مرغوبا فيه كثيرا ولو لم يكن أساسيا. ان مقتضيات الدولتين العربية واليهودية قد تختلف والحق يقال اختلافا جوهريا من حيث التعرفة اذ يحتمل أن تفضل الدولة العربية التى أغلب سكانها من المزارعين فرض تعرفة متوسطة من أجل الايرادات مع حماية حبوبها وحاصلاتها الزراعية الاخرى الى درجة لا تقل عن درجة الحماية الحالية في حين أن اليهود يحتمل أن يأخذوا بسياسة التعرفات المرتفعة لحماية صناعاتهم وأن يعملوا على حفظ سعر القمح أو بالاحرى سعر الحاصلات الزراعية على وجه العموم في أدنى درجة ممكنة ولكننا على الرغم من ذلك نعتقد أن بين الدولتين والمناطق المنتدب عليها من الأسس المشتركة ما يكفى لتوحيد التعرفة وان حاجة كلتا الدولتين الى اتخاذ تعرفة موحدة هى حاجة ماسة الى الدرجة القصوى اذ أنه دون هذه التعرفة الموحدة لا يمكن تأمين البقاء الاقتصادى لاحداهما أو التوسع الصناعي للاخرى بمقتضى المشروع (ج).

       ثم أنه يبدو لنا أن انشاء اتحاد جمركى من شأنه أن يتيح الفرصة لتخفيف العبء المالى الذى سيلقى على عاتق حكومة جلالته بسبب التقسيم ولو كان ذلك التخفيف جزئيا ونرى أن ايجاد سوق مضمونه لليهود في سائر أنحاء فلسطين يبرر دفعهم مقابل ذلك اعانة خاصة للايرادات تقيد لحساب الدولة العربية مما يخفف العبء الذى تضعه هذه الدولة على عاتق المكلف البريطانى وقد وجدنا أنه اذا طبقت القاعدة التى وضعناها في الفصل الحادى والعشرين واستعملت الارقام التخمينية للميزانية التى قدمها لنا مدير المالية وأوردناها في الفصل الثامن عشر فينتظر أن ينقص هذا الترتيب صافي الكلفة التى يتحملها المكلف البريطانى نحو 175.000 جنيه في السنة الأولى أى أنه ينقصها من 1.250.000 جنيه الى نحو 1.075.00 جنيه وهذه الزيادة في موارد الدولة العربية يرجع بعضها الى المناطق المنتدب عليها التى سيزداد العجز في ميزانيتها من جراء ذلك بمبلغ يربو على 100.000 جنيه (وهذا العجز ستغطيه الخزينة البريطانية) ولكن يرجع القسم الاكبر منه الى الدولة اليهودية التي سيبقى في ميزانيتها مع ذلك وفر يبلغ نحو 400.000 جنيه بقطع النظر عن نفقات الدفاع.

       ويستحسن وضع الدولة العربية المالى بهذا المقدار أيضا غير أن ميزانيتها سيظل فيها عجز بمقدار 334.000 جنيه والطريقة الوحيدة التى نستطيع اقتراحها لتغطية هذا العجز هى اعادة توزيع حصة الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها المشتركة من واردات الجمارك توزيعا تحكميا بحيث يغطى العجز على حساب مناطق الانتداب وهذا يعنى بالطبع زيادة الاعانة التى ستقدمها المملكة المتحدة الى المناطق الواقعة تحت الانتداب بهذا المقدار غير أن القاعدة التى اقترحناها في الفصل الحادى والعشرين (المادة ب – الفقرة 473) تنص على امكان اجراء تخفيضات تدريجية في هذا العبء الاضافى الذى سيقع على عاتق الخزينة البريطانية اذا ازداد الوفر الصافى في ايرادات الاتحاد الجمركى.

 مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

       وتنص القاعدة نفسها أيضا على امكان نيل الدولة العربيه بعض النصيب من أية زيادة في ايرادات الجمارك تنشأ عن توسع التجارة وازدياد الرخاء في باقي فلسطين ومن رأينا أن احدى الحجج الرئيسية التى يمكن أن يدلى بها ضد التقسيم ان كل مشروع من مشروعات التقسيم يبنى على أساس ادخال أصغر عدد ممكن من اليهود والمشروعات اليهودية في المملكة العربية والعكس بالعكس وعلى ايجاد منطقة القدس الخاصة وممرها يحتم ترك القسم الأعظم من الثروة التى يملكها العرب في فلسطين خارج الدولة العربية وبذلك تحرم بصورة خاصة من الموارد الطبيعية والممتلكات المصطنعة والثروة الموروثة ويحتمل أن تظل بلادا فقيرة كل الفقر ويصبح تأخرها النسبى بروزا اذا أسفرت مشروعات التحسين والعمران المقترحة في المشروع (ج) عن تحسن كبير في أحوال العرب المادية في المناطق المنتدب عليها. ولذلك فانه يرحب بأى ترتيب ينطوى على ادخال بعض الزيادات في ايرادات تلك الدولة بحيث لا تكون تلك الزيادة على شكل مساعدة من دولة أجنبية مع ما تتطلبه تلك المساعدة من الاشراف المالى ويلوح ان الحاجة لن تتطلب الاشراف المالى بموجب هذا الترتيب اذ أن حسابات الدولة العربية ستسوى نفسها بنفسها بموجب القاعدة (ب) المبسوطة في الفصل الحادى والعشرين ولذلك يبدو لنا أن مثل هذا الترتيب يساير شوطا بعيدا في تذليل الصعوبات المالية الملازمة للتقسيم ويهيىء في الوقت نفسه الاستقرار الاقتصادى اللازم لكلتا الدولتين العربية واليهودية.

       غير أننا لاسباب دستورية وجدنا نفسنا لسوء الحظ عاجزين عن التوصية بانشاء اتحاد جمركى الا على شروط تضمن الغلبة لرغبات الدولة المنتدبة في وضع سياسة التعرفة وحيث ان هذا يتعارض مع منح الاستقلال المالى للدولتين العربية واليهودية فقد اضطررنا الى التخلى عن فكرة انشاء اتحاد جمركى بين دولتين مستقلتين كحل للمشاكل المالية والاقتصادية الناشئة عن التقسيم.

2 – التأثير الذى قد تحدثه سياسة الهجرة التى تتبعها الدولة اليهودية في أنحاء فلسطين الاخرى:
       
ان هذه الناحية من نواحى المشروع (ج) التى نرى من الضرورى لفت الانظار اليها بوجه خاص لما يترتب عليها من نتائج اقتصادية ومالية. ان من الصعوبة بمكان عظيم أن يتنبأ الانسان بالمستقبل الاقتصادى للدولة اليهودية لان ذلك المستقبل سيتوقف على مزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية والعنصرية والعاطفية. وقد سلم الشهود اليهود بأن الدولة اليهودية يجب عليها أن تتوقع المصاعب واجتياز فترات من الضيق اذا اتبعت سياسة فعالة للهجرة ولكننا نرى أنهم كانوا يميلون الى الانقاص من شدة التقلبات الاقتصادية التى يحتمل أن تتعرض لها الدولة اليهودية حين تأخذ على عاتقها كدولة مستقلة جميع المسئولية المتعلقة بالهحرة وقد أكد لنا هؤلاء الشهود أنفسهم مدفوعين برغبتهم الشديدة في ايضاح سياسة الدولة اليهودية المستقبلة بهذا الشأن أن عدد العمال المهاجرين الذين يسمح بدخولهم في أى وقت معين لا بد من تقديره على أساس العدد الذى ينتظر ايجاد عمل له والموارد المتيسرة للانفاق على هذا العمل. ونحن لا نشك في أن تلك اللحظة هى ما ينوى الزعماء انتهاجه ولكن يساورنا كثير الشك في مقدرتهم على المحافظة على هذه القاعدة

 مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

الصارمة ازاء الضغط الشديد الذى يوجه الى الدولة الحديثة لقبول مئات الالوف من اليهود المضطهدين الذين سيطلبون ملجأ في الدولة اليهودية كحق من حقوقهم القومية.

        ومما لا شك فيه انه حالما تنشأ الدولة اليهودية تصبح المسئولية كلها في هذه الامور ملقاة على عاتق اليهود وان من مغريات التقسيم الخاصة في الواقع أن يتولى اليهود أنفسهم منذ ذلك الحين معالجة هذا الموضوع المتنازع فيه مع ما هوعليه من الاهمية العظمى. وهذه الحجة تنطوى على الافتراض بأن الدولة اليهودية هى وحدها التى ستتعرض للمخاطر المتصلة باتباع سياسة فعالة للهجرة كما أنها هى وحدها التى ستجنى فوائدها غير أنه ليس من المحقق أن يثبت الاختبار صحة هذا الافتراض مهما كانت الظروف التى ستقام فيها الدولة اليهودية. ثم انه اذا نفذ المشروع (ج) الذى يتحتم معه عقد اتحاد جمركى بين المناطق الثلاث مع كل ما يشتمل عليه ذلك من العلاقات المالية والاقتصادية فمن المؤكد أن حكومتى الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها لا يسعهما أن تنظرا دون مبالاة الى حدوث انهيار اقتصادى في الدولة اليهودية فاذا وقع شيء من ذلك فلا مفر من أن ينال النظام الاقتصادى والميزانية في تينك المنطقتين ضرر فادح مما يجره ذلك الانهيار من العواقب.

        فالحالة اذن كما يلى: اذا أنشئت دولة يهودية واضطلعت تلك الدولة بالمسئوليات المطلقة بشأن سياسة الهجرة. . فلا بد في رأينا من التسليم باحتمال حدوث ضائقة اقتصادية فائقة الخطورة. وقد قال أولئك الشهود اليهود أنفسهم في معرض الجدل ان الضائقات اذا حدثت لا تدوم الى الابد وان من المعقول توقع استرداد الدولة اليهودية رخاءها في النهاية كما حدت في بلاد أخرى ومما لا ريب فيه على كل حال ان الطائفة اليهودية ترى ان كفة الفوائد ترجح على كفة المخاطر مهما عظمت أما حكومة جلالته فالمسألة التى تعنيها في هذه القضية هي هذه هل تكون الاخطار التى تصيب السكان العرب وحكومة المناطق المنتدب عليها من وراء ذلك الحكومة البريطانية من جراء التقسيم بالغة الى درجة تجعل الشروع في التقسيم أمرا غير حكيم؟ وجواب ذلك فيما يتعلق بالعرب هو أنه اذا كان من المحتمل أن يتعرضوا لضرر من جراء حدوث ضائقة من الدولة اليهودية فانهم سينتفعون أيضا حين تكون تلك الدولة في رخاء وفي الواقع أن هذا الامر هو من أركان القاعدة التى افترضناها في الفصل الحادى والعشرين.

        ثم انه اذا رؤي ان ميل الدولة اليهودية الاقتصادى قد يكون متجها في طريق يؤدى الى زيادة الثروة والرخاء على مرور الزمن فمن المحتمل أن يؤدى اتصال العرب الاقتصادى بالدولة اليهودية في نهاية الأمر الى نفعهم أكثر من ضررهم وتنطبق الحجة نفسها الى حد كبير على حكومة المناطق المنتدب عليها وعلى الحكومة البريطانية اذ إنهما كلتيهما لا تستطيعان أن تتوقعا التمتع بالفوائد التى تأتى بها القواعد المقترحة دون ان تكونا مستعدتين لقبول ما يلازمها من الاخطار. ولكن الخطر لا يتوقف بالكلية على قبول هذه القواعد ولو أن عواقبه ستكون أبلغ اذا قبلت تلك القواعد. فالخطر في رأينا ملازم للتقسيم مهما كان شكله وتختلف درجته باختلاف الشكل الذى يتخذه – وعلى حكومة جلالته قبل اتخاذ قرار في كون المشروع (ج) أو أي مشروع آخر للتقسيم عمليا أن تسائل نفسها عما اذا كانت مستعدة للدخول في ترتيب يحتمل بمقتضاه أن تتضرر النظم الاقتصادية والمالية للجماعتين التى تتحمل مسئولية مالية تامة تجاه

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

مشروع التقسيم الذي
قدمته لجنة ووهيد
سنة 1938

 مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

احداهما ومسئولية جزئية تجاه الاخرى تضررا مؤقتا على كل حال من جراء سياسة تتبعها دولة مجاورة لأسباب عنصرية في جوهرها وليس لحكومة جلالته شئ من الرقابة عليها.

3 – الحاجة الى أعمال اضافية يعمل فيها مزارعو الدولة العربية بعض الوقت تكملة للدخل الذى يجنونه من زراعتهم:

       لقد أشرنا في الفصل العاشر الى أهمية حيفا كمورد لأعمال اضافية يستخدم فيها الفلاحون الذين ليس لهم أراض أو الذين لا يستطيعون كسب الرزق الكافى من أراضيهم سواء أكانت اقامتهم العادية في المناطق المنتدب عليها أم في الدولة العربية أم اليهودية ولكن حيفا ليست المورد الوحيد لمثل هذا الاستخدام في الوقت الحاضر ففى جهات السهل الساحلى تنشأ الحاجة الى العمل الاضافى في (بيارات) بساتين الاثمار الحمضية خلال موسم القطاف الذى يبتدىء في شهر تشرين الاول وينتهى في شهر نيسان ويجذب من القرى العربية عمالا مؤقتين.

       وحتى في أيامنا الحالية لا يزال الرخص النسبى في الاجور العربية يؤدى الى اقبال أصحاب الاعمال اليهود اقبالا محسوسا على استخدام العمال العرب بالرغم مما يحاوله المتحيزون من جعل العمل في المزارع اليهودية مقصورا على العمال اليهود دون سواهم. ويجب ألا ننسى أن العرب يملكون نحوا من 56.000 دونم من مجموع الاراضى المغروسة بالاشجار الحمضية في الدولة اليهودية المقترحة وقد قال لنا الشهود اليهود ان هجرة العمال العرب الوقتية الى الدولة اليهودية ستحظر. وليس في وسعنا أن نعين عدد العمال العرب الذين يستخدمون استخداما وقتيا في بيارات البرتقال والذين ستقع أماكن اقامتهم خارج الدولة اليهودية وليس لدينا احصاءات بهذا الشأن. ولكننا نعتقد أننا لا نبالغ اذا قلنا ان كثيرين من سكان القرى العربية الواقعة خارج تلك الدولة سيحرمون بعد التقسيم هم وعائلاتهم من وسيلة هامة من الوسائل الاضافية لكسب الرزق وسيكون لفقدهم ذلك المورد من الرزق أثر خطير في حالتهم الاقتصادية.

4 – ازدياد السكان:

       تبين لنا فى الفصل الثالث أنه بالنظر لمعدل الزيادة الطبيعية الخارقة للعادة الذى ازداد به عدد السكان العرب تحت حكم الانتداب يمكن منذ الآن القول بأن الحالة الاقتصادية لهؤلاء السكان ستتعرض في المستقبل للخطر مالم يحدث أحد التطورات التالية: كارتفاع مستوى الزراعة بحيث تصبح الأرض قادرة على أن تعيل عددا أكبر من السكان أو ازدياد الأعمال الصناعية وبذلك تتاح الفرصة للاستخدام الثانوي أو تحديد عدد العائلة (تحديد المواليد) أو النزوح عن البلاد واذا نفذ التقسيم تظل الحالة الاقتصادية في الدولة العربية مهددة بالأخطار نفسها ويقل في الوقت نفسه احتمال وقوع أى تحسن في تلك الحالة لدى وقوع أى أمر من الأمرين الاولين المذكورين ويحرم العرب بعد التقسيم من فرصة ايجاد عمل اضافى في الدولة اليهودية كما أن وقوع تحسن في مستوى الزراعة سيكون بعيد الاحتمال اذ لن يتيسر بعد

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

التقسيم المال اللازم لمثل هذا التحسين. ثم أنه ليس من المحتمل أن يلجأ العرب الى تحديد المواليد أو أن يقل معدل الزيادة الطبيعية في سكان الدولة العربية من جراء أى ارتفاع محسوس في معدل الوفيات ينشأ عن تخفيض مستوى الخدمات الادارية تخفيضا كبيرا. وفى الواقع انه اذا ارغمت الدولة العربية على الاعتماد على مواردها الخاصة اعتمادا كليا ولم يقدم أحد من سكانها على المهاجرة فقد يتوقع حصول ارتفاع في معدل الوفيات مع مرور الزمن بسبب التزاحم على وسائل المعيشة . ولكنه يحتمل قبل ذلك أن يؤدى هذا التزاحم المتزايد الى حمل فضلة السكان على الاعتماد أكثر فأكثر على مناطق الانتداب المجاورة في سبيل ايجاد عمل اضافى لهم وسيتوقف مقدار هذا العمل الاضافى من حين الى آخر على مقدار رءوس الاموال التى يأتى بها المهاجرون اليهود الى تلك المناطق وبالتالي على التقلب بين الرخاء والضيق الناشئ عن سياسة الهجرة اليهودية بوجه عام.

       نخرج من هذه الملاحظات بالاستنتاجات التالية:

(أ)

ليس هنالك من سبب يدعو الى الافتراض بأن المعدل الحالى للزيادة الطبيعية في عدد السكان المسلمين في الدولة العربية سينخفض بعد التقسيم الا اذا وقعت مجاعة حقيقية وأسفرت عن زيادة معدل الوفيات.

(ب)

وبسبب هذه الزيادة المستمرة في عدد السكان ستصبح الحالة الاقتصادية في الدولة العربية اذا تركت وليس لها سوى مواردها الخاصة على شفا الخطر ويزداد خطرها بمرور الزمن.

(جـ)

وذلك من شأنه أن يضاعف الحاجة الى تهيئة السبيل لايجاد عمل اضافى للسكان العرب الزائدين في المناطق المنتدب عليها.

(د)

ولكن هذا العمل لا يمكن تهيئته بمقدار كاف الا بواسطة رءوس الاموال اليهودية التى يأتى بها المهاجرون اليهود الى المناطق المنتدب عليها. ولذلك فإن من صالح العرب أنفسهم افساح المجال لهذه الهجرة بل والعمل على تشجيعها على أن تكون خاضعة للاشراف الذى اقترحناه في الفصلين الثالث عشر والرابع عشر ويلوح لنا اننا لا نخالف الواقع اذا قلنا ان العرب المقيمين خارج الدولة اليهودية سيجابهون في حالة توقف اعمار المناطق المنتدب عليها من جراء ايقاف الهجرة مشاكل اقتصادية أشد هولا من المشاكل التى يحتمل أن يجابهوها لو فسح المجال لاستمرار الهجرة مقيدة بالشروط المقترحة في ذينك الفصلين.

(هـ)

ومن المحتمل كما أشرنا في الفقرة (501) أن يؤدى تشابك العلاقات الاقتصادية القائمة بين الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها من الجهة الواحدة والدولة اليهودية من الجهة الاخرى – ذلك التشابك الذى لا مندوحة عنه بعد التقسيم – الى رد فعل سيئ في الدولة العربية ومناطق الانتداب عندما يحدث الضيق المحتوم في الدورة الاقتصادية للدولة اليهودية التى ستجابه حالة رخاء يعقبها أزمة. وكلما ازداد اعتماد الدولة العربية على المناطق المنتدب عليها من الناحية الاقتصادية ازداد خطر ذلك التأثير على حكومة المناطق المنتدب عليها وبالتالى على حكومة المملكة المتحدة نفسها.

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

       واذا نظرنا الى جميع هذه الامور بعين الاعتبار لا نجد بدا من القول اننا غير قادرين على التوصية بحدود للمناطق المقترحة من شأنها أن تنطوى على أمل معقول بانشاء دولة عربية وأخرى يهودية تكون كل منهما في النهاية قادرة على سد نفقاتها بذاتها مادمنا ملزمين بعدم تجاوز شروط اختصاصنا. ولكننا لا نعتقد أن انهاء تحقيقنا بمجرد استنتاج سلبي يتفق ورغباتكم أو الصالح العام. ولذلك رأينا أن نسير في طريقنا خطوة أخرى وان كنا نتجاوز بذلك شروط اختصاصنا من احدى نواحيها.

       ولذلك فانا نرى الآن أن حكومة جلالته قد ترى بدلا من اهمال فكرة التقسيم بالمرة على اعتبار أنه غير عملى ان من الملائم أن تشترط لتنازلها عن الانتداب الحالى الذى لا يجوز ادخال تغيير عليه الا بموافقة عصبة الامم أن تكلف الدولتان العربية واليهودية بالدخول في اتحاد جمركى مع المناطق المنتدب عليها وفقا للشروط التالية:

1 –

تدير الحكومة المنتدبة مصلحة الجمارك لجميع فلسطين.

2 –

تقرر الحكومة المنتدبة السياسة المالية للجمارك حسبما تستصوب بعد التشاور مع ممثلى كل من الدولة العربية والدولة اليهودية وبعد النظر بعين الاعتبار الى مصالح (أ) جميع المناطق المشمولة بهذا الاتحاد و (ب) خزينة المملكة المتحدة ما دامت حكومتها تدفع اعانة مالية لتسديد العجز في ميزانية حكومة أى قسم من فلسطين. ويجب أن ينطوى هذا الترتيب على أن الحكومة المنتدبة لن تسير السياسة المالية للاتحاد على وجه ينيل التجارة البريطانية معاملة ممتازة.

3 –

من النواحى الاخرى تكون الترتيبات المالية ما بين المناطق المختلفة مطابقة للقاعدتين (أ) و (ب) المقترحتين في الفصل الحادى والعشرين مع مراعاة التعديلات التى قد يقرر ادخالها فيهما عن طريق المفاوضة بين حكومة جلالته وممثلين عن العرب واليهود.

       ومما لا ريب فيه أن الدول التى تنشأ خاضعة لمثل هذه الشروط وتكون محرومة من حق تقرير سياستها المالية لا تكون بالطبع دولا ذات سيادة واستقلال بالمعنى الذى قصدته اللجنة الملكية. وكذلك لا نستطيع أن نعتبر حتى الترتيب الذى يوضع على هذا الاساس موضعا لرضاء خزينة حكومة جلالته رضاء تاما لان الحسابات التى أجريناها ليست على كل حال سوى حسابات تقديرية مبنية على الحدس واستمرار أية قاعدة تتفق عليها ينبغى أن يعتبر أمرا غيرمحقق كما أن المبلغ الذى لابد من مطالبة البرلمان بتخصيصه كاعانة لتسوية العجز في ميزانية المناطق المنتدب عليها (بما فى ذلك مادعوناه “بالحصة الاضافية” للدولة العربية) سيزيد في بادىء الامر على مليون جنيه. وخير ما نرجوه هو التوصل الى وضع ترتيب يمكن من تقديم هذه الاعانات على وجه يكون أقل مما يمكن تعرضا للاعتراضات الدستورية كما سقت الاشارة الى ذلك في الفصل الحادى والعشرين ومما لا شك فيه أن ترتيبا كهذا من شأنه أن يزيد في احتمال وقوع الخطأ الذى وصفناه في الفقرة (500) وهو أن كل أزمة اقتصادية تحل في الدولة اليهودية من جراء سياسة الهجرة اليهودية قد يمتد أثرها الى الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها ويؤدى الى احداث أسوأ تأثير في أنظمتها المالية والاقتصادية ولكن اذا أريد اللجوء الى التقسيم لا بد من قبول هذا الخطر عظم أم صغر فهذا الخطر ليس بالامكان ازالته بالمرة بيد أننا مع مراعاة هذه التحفظات نرى أنه يمكن أن يقال الآن بأن الاحتياجات المالية والاقتصادية للدولتين

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

العربية واليهودية قد وفيت على وجه مرض ونرى أنفسنا مستعدين للقول مع اعتبار التحفظات الآنفة الذكر ان الحدود التى أوصينا بها في المشروع (ج) تنطوى على أمل معقول بأن تنشأ دولة عربية وأخرى يهودية تكون كل منهما في النهاية قادرة على سد نفقاتها بذاتها. وعندما يبقى على حكومة جلالته أن ترى رأيها اذا اعتبرت مشروع التقسيم الذى عرضناه عادلا وعمليا من النواحى الاخرى في أفضلية قبول المسئولية المالية التى يتضمنها أم رفض التقسيم بالمرة واللجوء الى طريقة أخرى بدلا منه.

      وقبل ختام هذا الفصل من تقريرنا نضيف ملاحظتين وجيزتين:

1 –

اذا قررت حكومة جلالته أن ترتيبا كهذا من شأنه أن يهيئ حلا مرضيا لمشاكل التقسيم المالية والاقتصادية كان في ذلك ما يغرى على السير خطوة أخرى ووضع حل مشابه لهذا الحل بشأن بعض المشاكل الادارية التى ألمحت اليها في سياق بحثنا واذا احتفظت الدولة المنتدبة بادارة المواصلات بين المقاطعات – من سكك حديدية وبريد وتلغراف (بما في ذلك التليفونات) ولو كان ذلك خلال خمس سنوات في بادئ الامر فاننا نرى أن هذا يكون بلا ريب أنفع للجمهور من تقسيم تلك المصالح بين ثلاث ادارات. ولكننا ندرك أنه ليس من الممكن لأسباب سياسية أن تخص مصلحة الاذاعة اللاسلكية بمنطقة واحدة الا باتفاق الدول ذات الشأن.

2 –

واذا أريد وضع اصطلاح لوصف الاجراء الدستورى الذى اقترحناه فقد تكون عبارة (التحالف الاقتصادى) وافية بالمرام. وقد استعمل هذا الاصطلاح فعلا شاهد يهودى درس الموضوع دراسة خاصة. ولما سئل ذلك الشاهد نفسه لماذا لا يرضى بأن تقام الدولتان طبقا لمشروع التقسيم ومن ثم يترك لهما أمر الدخول في تحالف اقتصادى اذا رغبتا في ذلك أجاب قائلا: “اننى موقن بأن ذلك سيكون عبارة عن سياسة انتحار فأول أمر لابد من وقوعه حتما هو أن تتجه الدولة العربية نحو دمشق وبغداد بدلا من اتجاهها نحو القدس وحيفا”. وهذا تعليق حافل بالمعانى.

      ونحن لا نود مطلقا عرقلة حركة تؤدى الى تقوية الاتحاد بين الدولة العربية والاقطار العربية الاخرى ولكننا موقنون بأنه اذا حدث شيء من ذلك كان في صالح الدولة اليهودية أن يفسح لها المجال للانضمام الى تلك الحلقة السياسية والاقتصادية نفسها.

      ويبدو لنا ان من فوائد المشروع الذى اقترحناه قبل قليل أن تنفيذ مثل هذا الترتيب اذا سبقه ضم المناطق التى تتألف منهما فلسطين وشرق الاردن في اتحاد جمركى يكون أسهل بكثير منه اذا كانت منفصلة اقتصاديا هذا اذا كانت الحالة السياسية تواتى مثل هذا التطور. على أن الفطنة تقضى بأن يسار في الأمر بتؤدة على سبيل التجربة وأن يشجع الفرقاء على التعاقد على اتفاق اقتصادى كخطوة أولى أما الانتقاد الذى كثيرا ما وجه ضد التقسيم من أنه سير الى القهقرى لدى اعتباره مجرد سياسة نظرية ففيه ما فيه من القوة – ولسنا نجرؤ على التنبؤ بأن التحالف الاقتصادى سيؤدى في النهاية الى حلف سياسى ولكن ذلك ان وقع لن يكون موضعا للدهشة والاستغراب وفي الوقت ذاته نعتقد ان كلا من اليهود والعرب قد يشعرون بعد ما حدث

مقدمة لتقرير لجنة التقسيم “وودهيد” وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 – 659”

في العام الماضى من نزاع مضن مرير بالميل الى تحبيذ مشروع يقضى ببقاء فلسطين وحدة غير مجزأة في جهة واحدة على الاقل أى أن تظل مرتبطة باتحاد جمركى ونظام مشترك للمواصلات.

الخاتمة:

      وفي وسعنا الآن أن نلخص الموقف فنقول ان مسألة كون التقسيم قابلا للتطبيق على اعتبارات عملية وسياسية فالاعتبارات العملية تتعلق بصورة خاصة بالمالية والاقتصاد. والصعوبات الادارية كبيرة ولكن اذا توفرت الادارة لايجاد حل لا يمكن أن يقال انها لا تذلل. غير أن الصعوبات المالية والاقتصادية التى وصفناها في هذا الفصل وهى من نوع لا نستطيع معه أن نجد ضمن نطاق شروط اختصاصنا حلا ممكنا لتذليلها ولكننا بدلا من أن نقر بعجزنا عن استنباط أى مشروع عملى اقترحنا في الفقرة 506 شكلا معدلا للتقسيم على ادارة شئونهما المالية أنه يصلح بعد مراعاة بعض التحفظات لان يكون أساسا للتسوية اذا كانت حكومة جلالته مستعدة لتحمل ما ينطوى عليه من التبعة المالية الكبرى.

      وبعد ذلك تبقى الصعوبات السياسية. اننا لا نستطيع أن نتجاهل أن أحد الفريقين أو كليهما يمكن أن يرفض التقسيم مهما كان شكله. وليس من واجبنا باعتبارنا لجنة مهمتها البحث في الحقائق أن نشير بما يقتضى عمله في تلك الحال.

      ولكن احتمال قبول الفريقين بتسوية معقولة لا يزال قائما. ومع أنه لا يسعنا أن نعتمد على امكان ذلك فقد أوردنا المقترحات التى أدرجناها في هذا الفصل آملين أن تكون أساسا لتسوية تأتى عن طريق المفاوضة.

Scroll to Top