احتجاج اللجنة التنفيذية العربية على البيان التفسيري للكتاب الأبيض
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 531 – 532”
احتجاج اللجنة التنفيذية العربية
على البيان التفسيري للكتاب الأبيض (*)
21 / 2 / 1931
اطلع مكتب اللجنة التنفيذية العربية على الكتاب الذي أرسله النبيل ج. ماكدونالد رئيس الوزارة البريطانية إلى الدكتور حاييم وايزمن رئيس الوكالة اليهودية والذي يتضمن نسخا تاما لجميع ما جاء في “الكتاب الأبيض” الصادر في أكتوبر 1930 في مسائل الأراضي والمهاجرة ويزيد عليه حقوقا سياسية واجتماعية جديدة لليهود لم تكن منحت لهم من قبل.
إن لجنتكم التنفيذية التي لم تكن راضية تماما عن كل ما جاء في “الكتاب الأبيض” المشار إليه لم تخدع حينئذ بوعود الحكومة البريطانية فيما يتعلق بمسائل الأراضي والمهاجرة إذ أنها كانت لخصت الكتاب المذكور في البيان الذي وضعته ردا عليه بالصورة الآتية:
ليس في “الكتاب الأبيض” من جديد في حقوق العرب السياسية وإن النصوص والمبادئ الواردة فيه عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية لا تضمن للعرب حقوقهم القومية ومصالحهم الاقتصادية. فالمهم ليس بالنصوص والمبادئ ولكن بتنفيذها”.
وفي الحق أنه ما كاد يمر شهر واحد على هذا حتى حقق المستر ماكدونالد تنبؤ لجنتكم المشار إليها تماما.
إننا واثقون أن العرب وجميع العالم المتمدن في سائر البلاد ينظرون إلى هذه الوثيقة الجديدة كخرق جديد للعهود التي قطعتها الحكومة البريطانية باسم الشعب البريطاني للعرب ولعصبة الأمم نفسها. وتجاه هذه الكارثة الفظيعة فإن كلمتنا للأمة العربية هي أنه علينا معاشر العرب أن نقوي أواصر اتحادنا ونوحد صفوفنا ونعمل بكل ما أوتينا من قوة بجميع الوسائل المشروعة لدفع الأخطار العظيمة التي ينزلها بنا هذا الكتاب. وعلينا قبل كل شيء أن ننزع من مخيلتنا الاعتماد على الحكومة البريطانية في الدفاع عن كياننا القومي والاقتصادي إذ أن هذه الحكومة ضعيفة تجاه القوى اليهودية العالمية. فلندع إذن هذه الحكومة تتملق اليهود ما شاءت. ولنطلب النجدة من أنفسنا ومن العالم العربي والإسلامي لنتذرع بالوسائل الفعالة المشروعة التي توصلنا إلى حقوقنا المهضومة.
لا جرم أن الخصم شديد وعنيد وقوي ولكننا نحن معاشر العرب بالحق الصريح الذي لنا أكثر منه شدة وعنادا وأكبر قوة ومراسا. فهو يهاجمنا اليوم في عقر دارنا
* الجامعة العربية – القدس – 22 /2 / 1931 ص 10.
(تابع) احتجاج اللجنة التنفيذية العربية على البيان التفسيري للكتاب الأبيض
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 531 – 532”
بلا رحمة ولا شفقة ويضع يده على منابع الثروة في البلاد فيحرمنا من قسم كبير منها بصورة مخالفة لجميع الحقوق الإنسانية ومبادئ الحقوق العامة وإنه يعمل اليوم بقوة أكثر من ذي قبل للاستيلاء على ما بقي من منابع الثروة التي بأيدينا.
فعلينا نحن العرب أن نفهم جيدا الخطر المحدق بنا وأن نقوم بالواجب الذي يترتب علينا نحو هذا الوطن المقدس وأن نفهم العالم العربي والإسلامي والعالم المتمدن ما يرتكبه الصهيونيون في هذه البلاد من جرائم وحشية تحت حماية ورعاية الحكومة البريطانية.
ففلسطين عربية وستبقى عربية وليس لأية حكومة في العالم أن تتصرف بمقدراتها على الرغم من أهلها.
قسمت الدول الأوربية البلاد العربية إلى مناطق عديدة وطوقت أعناقها بسلاسل ثقيلة وقطعت لليهود في فلسطين عهد بلفور المشهور كأن فلسطين ملك من أملاكهم الخاصة. ولكن العالم العربي يقف اليوم في فلسطين وقفة الرجل الواحد الذي يدافع عن عرضه ودينه ووطنه ودينه.
إن وثيقة المستر مكدونالد الجديدة قد قضت على البقية الباقية من الحرمة الرفيعة التي كان يحملها العربي في نفسه للحكومة البريطانية فلقد رأى العربي أن هذه الحكومة لا تبالي بالمتناقضات من الأمور، ولا تستحي أن تقول عن الأسود أبيض ولا عن الأبيض أسود.
فبينما تقول جازمة أنه لا توجد أراض إضافية يمكن حشد اليهود فيها وإنه ليس من الجائز أن يفتح باب المهاجرة ليهود بولونية وروسية وفي البلاد عاطلون من العرب إذا بها تتراجع اليوم عن هذا القول بلا خجل وتسمح لليهود بشراء الأراضي القليلة الباقية بيد العرب وتفتح لهم باب المهاجرة على مصراعيه كما كان في السابق. وبينما تصرح بكون شراء الجمعيات الصهيونية أراضي العرب باسم جميع يهود العالم وحصر الأشغال بعمال اليهود دون العرب هي أعمال غير مشروعة ومخالفة للمادة السادسة من “صك الانتداب” إذا بها تقول اليوم بغير مشروعية هذه المبادئ الوحشية في حين أنها جعلت التحريض على مقاطعة العرب لليهود إثما يعاقب عليه جاعله في ذلك الغرم كل الغرم على العربي وحده والغنم كل الغنم لليهودي وحده، وهي مع ذلك مازالت تزعم أنها قابضة على قسطاس العدل بين الفريقين.
ومهما يكن من أمر الحكومة البريطانية وتقلبها الفظيع في سياستها العامة في فلسطين فعلينا نحن العرب أن ندافع عن حقوقنا المقدسة بكل ما أوتينا من قوة إيمان وثبات في الوطنية عظيم.
فيا أيها العرب من فلسطينيين وسوريين وعراقيين وغيرهم، إن الخصم يريد إرهاقنا بأنواع المظالم حتى يحرجنا فيخرجنا من ديارنا.
فيجب على كل عربي إلى أي قطر ينتمي وإلى أي عمل ينتسب أن يذكر فلسطين العربية وأن يعامل اليهود مثل ما يعاملون إخوانهم في فلسطين من ضروب المقاطعة والاضطهاد وأن يعمل بدون انقطاع للمحافظة على هذه البلاد المقدسة وعلى أهلها الذين يمتون إليهم بصلة الوطنية وأن لا يميل الكفاح حتى يقضي على السياسة الصهيونية قضاء مبرما ويعيد إلى فلسطين المقدسة عهد السلام الذي كانت تنعم فيه من قبل.