البيان الذي وجهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 484 – 491”
البيان الذي وجهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث *
تونس 13/9/1965 (العمل- التونسية – 14/9/1965)
نذكر جميعا ان السبب الذي دعانا إلى عقد ندوة جانفي 1964 ** إنما هو تأهب إسرائيل لاحياء صحراء النقب، بتحويل المياه العربية، والاستئثار بها، لتدعيم كيانها البشري والاقتصادي. وكنا مجمعين على وجوب الحيلولة دون تنفيذ هذا المأرب.
غير انه سرعان ما اتفقنا، في أولى جلساتنا اذ ذاك، ان مشكل مياه الأردن، على خطورته وجدارته بالاهتمام في حد ذاته، مشكل فرعي، وان القضية الرئيسية إنما تتعلق بتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني.
على هذا الأساس تقرر (اعتبار ان قيام إسرائيل هو الخطر الأساسي …….) وتقرر لذلك انه (على الدول العربية ان تضع الخطط اللازمة لمعالجة الجوانب السياسية والاقتصادية والإعلامية، حتى اذا لم تحقق النتائج المطلوبة، كان الاستعداد العسكري .. هو الوسيلة الأخيرة العملية للقضاء على إسرائيل نهائيا).
هذه فحوى المقررات التي وقع الاتفاق عليها في ندوة القاهرة. ولم يزدها اجتماع الإسكندرية الا توضيحا، اذ وقع التنصيص على ان الخطة العربية تستهدف أمرين: هدفا عاجلا وهو تنفيذ عدة مقررات، (وفي مقدمتها المشروعات العربية لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده)، وهدفا نهائيا وهو تحرير فلسطين.
اما الهدف العاجل فقد تشكلت لبلوغه هيئات فنية وعسكرية انهمكت في دراسات ومناقشات مع البلدان التي يهمها الأمر مباشرة. وطال بها الأخذ والرد حتى انغمست اشغالها في الجزئيات والتفاصيل، بينما تمكنت اسرائيل من الشروع في تنفيذ برامجها، الرامية إلى الاستفادة من المياه العربية.
اما الهدف النهائي فبقدر ما أكدت ندوتا القاهرة والإسكندرية عزم الملوك والرؤساء على العمل في سبيل تحقيقه، بقدر ما أشارت المقررات المتفق عليها إلى ان هذا العمل لا بد ان تكون له جوانب سياسية واقتصادية وعسكرية ولا بد ان يكون طويل المدى.
وكان الاعتقاد السائد في عامة الوفود، ان تحرير فلسطين لن يتأتى بصورة عاجلة، وانه صراع ينبغي ان تتضافر فيه الطاقات السياسية والعسكرية.
لذلك تقرر إنشاء منظمة كفاحية شعبية تتكفل بتنظيم الطاقات الفلسطينية بالذات لتمكينها من القيام بدورها في تحرير أرض الوطن، بينما تقوم الدول الأعضاء في الجامعة
* اقتصرنا عند نشر هذا البيان على الفقرات المتصلة اتصالا مباشرا بوجهة نظر الرئيس التونسي من قضية فلسطين.
** إشارة إلى مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد في كانون الثاني – يناير- 1964. (المحرر)
البيان الذي وجهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث بحملة سياسية واسعة النطاق في العواصم الأجنبية، للدعوة لقضية فلسطين، وشرح جوانبها السياسية والإنسانية، وكسب الأنصار لها في العالم.
|
البيان الذي وجهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 484 – 491”
فمن الغريب ان يجتمع مجلس رؤساء الحكومات العربية بعد ذلك بالقاهرة للنظر في هاته التصريحات، فلا يمعن النظر في مراميها البعيدة، ولا يلم بكل جوانب القضية المعروضة عليه للدرس والتمحيص.
ويقرر ما نصه:
“أولا: الرفض البات للمقترحات التي انفرد السيد رئيس جمهورية تونس بإعلانها خروجا على الإجماع العربي الحكومي والشعبي، ونقضا للالتزام القومي والرسمي بالعمل لتحرير الوطن العربي من الاستعمار الصهيوني في فلسطين.
ثانيا: التأكيد التام لتمسك الدول العربية المشتركة في الاجتماع بمقررات مؤتمر القمة الأول والثاني، وتصميمها على تنفيذها تنفيذا كاملا.”
فبقطع النظر عما اذا كان لرؤساء حكومات الحق في اصدار قرار بشأن أحد رؤساء الدول الأعضاء بالجامعة، وما تشكله هذه السابقة من خطورة، فان المنطق النزيه يفند هذا القرار، ويجعله غير ذي موضوع.
فالموقف التونسي لم يكن بأي صورة من الصور خروجا لا على ولا حتى عن الإجماع العربي الذي ظهر في مقررات المؤتمرين المشار اليهما. فكلاهما كما أسلفنا، وكما يتبن من مراجعة الوثائق، كلاهما حدد الهدف واشار إلى ان الوسائل من أنواع ثلاثة: اقتصادية وسياسية وعسكرية، ولكنه جعل الوسائل العسكرية في المرتبة الأخيرة “اذا لم تتحقق النتائج المطلوبة” بواسطة الوسائل السياسية والإعلامية والاقتصادية.
فمقررات الندوتين اذن مقررات اطارية تعين الاتجاه ولا تحدد التفاصيل، وهي تجعل الأولوية للمساعي التي من شأنها ان تهيئ أسباب النجاح والانتصار اذا ما اصبح الصدام الحل الناجح الوحيد.
فالذي نادينا به ليس الا خطة سياسية تهدف إلى تحريك القضية من سباتها، والدخول بها في طور يجعلها من جديد في صميم الضمير العالمي ويكسبها، إلى جانب العدالة، قوة القانون الدولي الذي يشكل في ظروفنا الراهنة أقوى سلاح يمكننا التذرع به مقاومة إسرائيل.
وقد قال البعض: كان من واجب الرئيس التونسي اطلاع مجلس الملوك والرؤساء على آرائه قبل الإعلان عنها.
وهل فعلت غير ذلك، سواء في المناقشات، أو في الخطاب الذي ألقيته في مستهل أشغال ندوة القاهرة.
البيان الذي وجهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث فقد كانت النقطة الأولى التي ركزت عليها كلامي ان الوضع بفلسطين يشبه إلى حد بعيد أوضاع البلاد المستعمرة، وانه ينبغي توخي الطرائق الكفاحية التي نجحت في تلك البلاد. وهي تعتمد الدوام في المضايقة والشغب وحرب العصابات في الداخل، وفي الخارج (تهدف إلى عزل العدو في الميدان الدولي وإظهاره لدى الرأي العام العالمي بما يكره ان يظهر به، وفضح كل ما يرتكبه من شنائع، حتى تتألب الدنيا عليه تدريجيا، وحتى يضطر حلفاؤه إلى الابتعاد عن مناصرته شيئا فشيئاً).
|
البيان الذي وجهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث بهذا الاستعراض السريع لما ورد في خطابي لمجلس الملوك والرؤساء في ندوته الأولى بالقاهرة، يظهر جليا ان ما ذهبت اليه في خصوص مبدأ المطالبة بتنفيذ مقررات الأمم المتحدة انما هو تطبيق لخطة وقع التعرض لها في اولى ندواتنا ولم ينكرها عليّ أحد. |
البيان الذي وجهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث فالذي ظنه حضرات رؤساء الحكومات انفراداً وشقا للاجماع العربي يرجع اصله اذن إلى مواقف كادت تصبح تقليدية. |
البيان الذي وجهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 484 – 491”
ولئن ذهبت انا إلى اعتبار تطبيق تلك المقررات مرحلة نحو الحل النهائي، فان المفهوم من تصريحات الرئيس المصري ان المقررات الدولية تمثل اقصى ما يمكن ان يطالب به العرب الفلسطينيون من حقوق.
وقد يتبادر إلى بعض الاذهان ان ما عناه السيد جمال عبد الناصر من كلامه ذلك، هو ما يذهب اليه عادة المسؤولون العرب عندما يتحدثون عن مقررات الأمم المتحدة بشأن فلسطين، وذلك بان يقفوا عند نصف الآية – ويعنوا – بضرب من الاحتراز الذهني مألوف – ان ما يؤيدونه من هذه القرارات إنما هو المتعلق برجوع اللاجئين لا غير.
وقد تنبه الصحفي ممثل المجلة الفرنسية إلى هذه النقطة فقال: “لنفرض لحظة – وان كان ذلك غير واقعي – ان إسرائيل تقبل برجوع اللاجئين العرب، وان مقررات الأمم المتحدة يمكن تطبيقها، فانه يبقى بعد ذلك لا محالة كيان لدولة إسرائيل، وسط العالم العربي، فهل تقبلون هذا الوضع؟
الجواب: “إن الأمم الأفريقية الآسيوية قالت في ندوة باندونج إنها ترضى بتطبيق مقررات الأمم المتحدة، والدول العربية متفقة معها في ذلك”.
فبالرغم من ان الرئيس عبد الناصر لم يشأ ان يتلفظ مباشرة بموافقته على بقاء دولة إسرائيل، في صورة تقسيم التراب الفلسطيني بين دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية، فان الكلمات والصيغ لا تكفي لتغطية الحقائق وان ما صرح به هو عين ما ذهبت إليه في مختلف تصريحاتي في نفس الصدد. فكل هذه الوثائق التي أشرت اليها، سواء الخاصة بندوة باندونج أو المتعلقة بتصريحات الرئيس المصري وتصريحات السيد الشقيري كان من النزاهة والانصاف ان تحال إلى نظر رؤساء الحكومات العربية حتى يقع درسها إلى جانب التصريحات التي فهت بها من جهتي، وحتى تتخذ القرارات بشأنها جميعاً بدون ميز ولا تلبيس.