الكتاب الأبيض لسنة 1930

الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

الكتاب الأبيض لسنة 1930 

         بيان الخطة السياسية لحكومة جلالته البريطانية:

         قد كان تقرير اللجنة المخصوصة برئاسة السير ولتر شو الذي نشر في شهر نيسان مبعثا لجدال عنيف ظهر في أثنائه أن هنالك سوء فهم كبير حول ما قامت به حكومة جلالته في الماضي عن الأعمال في إدارة فلسطين وما تقصد القيام به في المستقبل وأصبح من المؤكد أن الحالة تستدعي الإسراع في نشر بيان واضح شامل عن الخطة السياسية يرمي إلى إزالة سوء الفهم هذا وما نشأ عنه من التباس وتخوف غير أن إعداد مثل هذا البيان اقتضى اتخاذ تدابير أولية ضرورية أفضت حتما إلى تأخير إتمامه.

         1 – وقد لفت تقرير لجنة شو النظر إلى بعض نواح من المشكلة رأت حكومة جلالته أنها تستدعي اجراء تحقيق عاجل شامل بالنظر لما لها من صلة وثيقة بالسياسة المقبلة. ولذلك تقرر أن يوفد إلى فلسطين محقق كبير الاختبار (هو السير جون هوب سمبسون) للتداول مع المندوب السامي بشأن تسوية الأراضي والمهاجرة وترقية الشئون الاقتصادية وتقديم تقرير بذلك إلى حكومة جلالته. وبالنظر لأهمية هذه المواضيع البارزة ولتماسك بعضها ببعض تأكد لحكومة جلالته بأن ليس في الاستطاعة وضع بيان عن الخطة السياسية قبل أن تأخذ بعين الاعتبار تقريرا وافيا مفصلا عن الحالة في فلسطين فيما يتعلق بهذه الأبواب الثلاثة الهامة مما في استطاعة السير جون هوب سمبسون وصفه بجدارة وقد ألح على حكومة جلالته بشدة أن يتقدم استلام تقرير السير جون هوب سمبسون إصدار تصريح عن السياسة المقبلة التي تود السير عليها. غير أن حكومة جلالته رغما عن تقريرها للحاجة الماسة التي تستدعي الإسراع في إصدار مثل هذا التصريح رأت أنها ملزمة بالتمسك بقرارها من حيث انتظار تقرير السير هوب سمبسون معتبرة في ذلك على الأخص ما تجمع لديها من الأدلة بشأن صعوبة المشكلة وتعقدها الحاجة إلى تحقيق واف في جميع الحقائق الواقعية قبل الوصول إلى أية استنتاجات حاسمة.

         وقد قدم الآن السير جون هوب سمبسون تقريره ووضع هذا البيان بعد إمعان التدقيق في مضمون ذلك التقرير وفي غيره من المعلومات التي نشرت في المدة الأخيرة عن الحالة في فلسطين.

         2 – وفي بلاد كفلسطين حيث تتغاير في الوقت الحاضر بل تصطدم من بعض الوجوه أماني فريقي السكان ليس من المنتظر أن يأتي أي بيان عن السياسة مهما كانت صيغته موافقا كل الموافقة لأماني أي فريق غير أن حكومة جلالته تود أن تأمل بأنه سيكون لإزالة سوء الفهم السائد الآن ولتفسير مقاصدها تفسيرا أتم وأوفى الأثر الطيب في إزالة القلق وإعادة الطمأنينة لكلا الفريقين.


         من كتاب “وثائق القضية الفلسطينية” جامعة الدول العربية.

 

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

         وستبذل حكومة جلالته جهودها ليس عن طريق هذا البيان الحالي فحسب بل بما يليه من الأعمال الإدارية لإقناع العرب واليهود بتصميمها علي ترقية مصالح الشعبين الأساسية بكل ما أوتيت من قوة على العمل بكل ثبات حتى تتوصل إلى تكوين شعب ميسور الحال في فلسطين يعيش في أمان واطمئنان تحت لواء إدارة غير متحيزة راقية ومع ذلك فمن الضروري في هذا الصدد إيضاح نقطة واحدة هى من الأهمية بمكان كبير ذلك أنه في الظروف الخاصة المحيقة بفلسطين لا يمكن لأية سياسة مهما كانت نيرة جلية أومهما بذل من جهد في سبيل لتنفيذها أن يقيد لها النجاح ما لم تنل التأييد من جميع الطوائف التي وضعت لمنفعتها وخيرها ليس بقبولها فحسب بل بتعاونها عن طيب خاطر.

         ليس من حاجة في هذا المقام للبت في الحوادث المشئومة التي وقعت في العام الماضي وفي الأحوال المؤسفة التي نشأت عنها. غير أن حكومة جلالته ترى نفسها مضطرة لأن تلاحظ أنها لم تنل من الجانبين سوى مساعدة طفيفة في سبيل إزالة التنابذ الذي ساد بينهما في أثناء الأشهر التي توترت فيها العلاقات وزاد فيها القلق بعد اضطرابات آب سنة 1929 وبأن هنالك عقبة أخرى خطره أضيفت إلى الصعوبات التي نشأت عن الريب والخصومة المتبادلة بين الشعبين ألا وهي خطة عدم الثقة بحكومة جلالته التي غذتها حملة صحافية ساعدت على طمس حقائق الحالة وتشويهها. ولا حاجة إلى التأكد بأن توطيد السلام والرفاهية في البلاد في المستقبل اللتين يتوق إليهما كلا الشعبين يتوقف على تحسين العلاقات بين العرب واليهود.

         تلك هي الغاية التي ما فتئت تصبو إليها حكومة جلالته وهي تشعر أن في الإمكان الوصول إليها إن تعاون كلا الفريقين عن طيب خاطر مع الحكومة ومع إدارة فلسطين وتأكد من أن حكومة جلالته يمكن الاعتماد عليها عند قيامها بالالتزامات المرتبة عليها في صك الانتداب بل في جميع صلاتها بفلسطين بالمحافظة على مصالح كلا الشعبين والعمل على ترقيتها.

         3 – ويلوح أن كثيرا من سوء الفهم الذي أخذ يساور لسوء الحظ كلا الفريقين نشأ عن العجز عن فهم الواجب الملقى على عاتق حكومة جلالته بموجب أحكام صك الانتداب ولذلك فإن النقطة الثانية التى تشعر حكومة جلالته بوجود تأكيدها بأقوى حجة مستطاعة هي أن هنالك على حد البيان الذي أدلى بة رئيس الوزارة في مجلس العموم البريطاني في اليوم الثالث من شهر نيسان سنة 1930: –

         “تصريح يتضمن تعهدا ذا شقين الشق الواحد منهما للشعب اليهودى والشق الآخر للأهالي غير اليهود في فلسطين، ويظهر أن كثيرا من القلق الذي ساور النفوس في السنة الماضية نشأ عن عدم التأكد من أهمية هذه الحقيقة الأساسية للتأكد. وقد وجه كلا العرب واليهود إلى الحكومة سيلا من المطالب والملامة المستند على الظن الفاسد بأن من واجب حكومة جلالته أن تنفذ خططا سياسية يحظر عليها في الواقع تنفيذها بموجب أحكام صك الانتداب الجلية”.

         وقد أعلن رئيس الوزراء في البيان المشار إليه أعلاه بعبارة غاية في الوضوح والجلاء بأن حكومة جلالته قد استقر قرارها على الاستمرار في إدارة فلسطين وفقا لأحكام صك الانتداب كما أقره مجلس جمعية الأمم إذ أن ذلك الصك على حد قول المستر رمي مكدونالد “تعهد دولي لا يمكن العدول عنه” ويلوح أنه رغما عن هذا البيان الصريح خامر البعض آمال أنه في الاستطاعة بطريقة من الطرق اجتناب

 

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

الحدود التي تفرضها بكل وضوح وجلاء أحكام صك الانتداب. فيجب والحالة هذه أن يتأكد الجميع بصورة باتة نهائية بأن من العبث للزعماء اليهود من الجهة الواحدة أن يلحوا على حكومة جلالته لأن تسير في سياستها فيما يتعلق بالمهاجرة والأراضي مثلا حسب أماني طبقات الرأي العام الصهيوني الأكثر تصلبا إذ إن قيامها بذلك ليس سوى تجاهل منها للواجب الملقى على الدولة المنتدبة ازاء غير اليهود من أهالي فلسطين ذلك الواجب الذي لا يقل عنه أهمية. كما أنه من العبث أيضا من الجهة الأخرى للزعماء العرب أن يصروا على مطالبهم لوضع نوع من الدستور يجعل قيام حكومة جلالته أوفى قيام بالتعهد ذي الشقين المشار إليه أعلاه في حكم المستحيل. ان لدى حكومة جلالته ما يدعوها للظن بأن من الأسباب التي آلت إلى بقاء التوتر في العلاقات والقلق بين كلا الفريقين ذلك الأمل الفاسد الذي أوجده المستشارون المضللون بأن في بذل – المجهودات لتخويف حكومة جلالته والضغط عليها ما ينجم عنه في النهاية إجبارها على اتباع سياسة تكون في صالح الفريقين الواحد أو الآخر.

         ولذلك أصبح من الضروري أن توضح حكومة جلالته بادئ ذي بدء بأنها لن تحيد بالضغط أو بالتهديد، عن النهج المبينة حدوده في صك الانتداب كما أنها لن تنحرف عن اتباع سياسة ترمي إلى ترقية مصالح أهالي فلسطين العرب واليهود بكيفية تتفق مع الالتزامات المفروضة عليها في صك الانتداب.

         4 – ليست هذه بالمرة الأولى التي بذلت فيها حكومة جلالته جهدها لإيضاح سياستها في فلسطين ففي سنة 1922 نشرت بيانا وافيا بلغته للوفد العربي الفلسطيني الذي كان عندئذ في لندن وللجمعية الصهيونية. أما الوفد العربي فقد قابل ذلك البيان بالرفض بينما اتخذت اللجنة التنفيذية للجمعية الصهيونية قرارا أكدت فيه لحكومة جلالته بأن أعمال الجمعية الصهيونية ستسير طبقا للخطة السياسية التي يتضمنها البيان. وفضلا عن ذلك فقد ذكر الدكتور وايزمن في الكتاب الذي أرفق به هذا القرار لحكومة جلالته مايلي: –

         “لقد كانت الجمعية الصهيونية ترغب باخلاص على الدوام في أن تسير في أعمالها بالتعاون الودي مع جميع طبقات الأهالي في فلسطين. وقد أوضحت مرارا وتكرارا قولا وفعلا بأنه لن يخطر لها ببال الإجحاف بأقل درجة بحقوق غير الأهالي اليهود المدنية أو الدينية أو بمصالحهم المادية”.

         وكان من نتيجة الاختبار الذي اكتسب في هذه السنوات التي مرت منذ ذلك الحين أن كشف القناع حتما عن بعض نقائص إدارية ومشاكل اقتصادية خاصة يجب أخذها بعين الاعتبار عند النظر في مصالح جميع طبقات الأهالي ومع ذلك فإن بيان الخطة السياسية الذي صدر في سنة 1922 بعد إمعان النظر والتوفيق المطول يعتبر الأساس الذي يجب أن تبنى عليه السياسة البريطانية المقبلة في فلسطين.

         5 – وفضلا عن الاقتراحات لوضع نظام حكم دستوري في فلسطين التي يتناولها البحث في الفقرات التالية توجد ثلاث نقاط هامة بحث فيها هذا البيان وهي:

         (أ) المعنى الذي تعلقه حكومة جلالته على عبارة “الوطن القومي لليهود” الواردة في صك الانتداب.

         أما بشأن هذه النقطة ففي الاستطاعة اقتباس الفقرة التالية من بيان الخطة السياسية الواردة سنة 1922.

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

        “وقد أعاد اليهود في الجيلين أو الاجيال الثلاثة الأخيرة انشاء طائفة لهم في فلسطين يبلغ عددها الآن ثمانين ألفا ربعهم تقريبا مزارعون أو عمله في الأرض، ولهذه الطائفة إدارات سياسية خاصة منها مجمع منتخب لإدارة شئونها الداخلية ومجالس منتخبة في المدن ورئاسة حاخامين ومجلس رباني لإدارة شئونها الدينية.

        وتداول أعمال هذه الطائفة باللغة العبرية كلغتها الوطنية ولها صحف عبرية تفي بحاجاتها وهي تتبع نمطا تهذيبيا يميزها عن سواها وتبدي نشاطا كبيرا في الحركة الاقتصادية. فهذه الطائفة بسكان المستعمرات والمدن وهيئاتها السياسية والدينية والاجتماعية ولغتها الخاصة وعوائدها وطرق معيشتها الخاصة لها في الحقيقة مميزات قومية. ومتى سأل سائل ما هو معنى ترقية الوطن القومي اليهودي في فلسطين يمكن أن يجاب على ذلك بأنه لا يعنى فرض الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين إجمالا بل زيادة رقي الطائفة اليهودية بمساعدة اليهود الموجودين في جميع أنحاء العالم حتى تصبح مركزا يكون فيه للشعب اليهودي برمته اهتمام وفخر في الوجهتين الدينية والقومية ولكن حتى يكون للطائفة اليهودية أمل وطيد في تقدمها الحر ويفسح للشعب اليهودي مجال واف كي يظهر فيه مقدرته كان من الضروري أن يعلم بأن وجوده في فلسطين هو كحق وليس كمنة. ذلك هو السبب الذي جعل من الضروري ضمان انشاء الوطن القومي لليهود ضمانا دوليا والاعتراف رسميا بأنه يستند إلى صلة تاريخية قديمة”.

        إذن هذا هو التفسير الذي تفسر به حكومة جلالته تصريح سنة 1917 – ويرى وزير المستعمرات أن هذا التصريح إن فهم على هذا الوجه لا يتضمن صراحة أو ضمنا شيئا من شأنه أن يثير مخاوف عرب فلسطين أو يسبب استياء اليهود.

        (ب) المباديء التي يجب أن تسير المهاجرة بموجبها:

        وقد ورد في ذلك البيان بشأن هذه النقطة مايلي: –

        “ومن الضروري لأجل تطبيق هذه السياسة تمكين الطائفة اليهودية في فلسطين من زيادة عددها بالمهاجرة. ولكن هذه المهاجرة لا يمكن أن تكون كبيرة إلى حد يزيد في أي ظروف كانت على مقدرة البلاد الاقتصادية إذ ذاك على استيعاب مهاجرين جدد ومن الضروري ضمان عدم صيرورة المهاجرين عالة على أهالي فلسطين عموما وعدم حرمان أية فئة من السكان الحاليين من أشغالها. وقد جرت المهاجرة حتى الآن على هذه الشروط وبلغ عدد المهاجرين منذ الاحتلال البريطاني 25 ألف مهاجر.

        ومن الضروري أيضا ضمان عدم إدخال الأشخاص غير المرغوب فيهم سياسيا إلى فلسطين وقد اتخذت الإدارة وستتخذ جميع الاحتياطات لهذه الغاية”.

        يلاحظ أن المبادىء المبينة أعلاه تجعل من الضروري عند تقرير مقدرة البلاد على استيعاب مهاجرين جدد في أي وقت كان أن يؤخذ بعين الاعتبار عدد العاطلين من العرب واليهود لتقرير نسبة المهاجرين التي يجب السماح بها وفي نية حكومة جلالته أن تتخذ التدابير التي من شأنها أن تضمن بصورة أوفى تطبيق هذه المباديء تطبيقا تاما في المستقبل.

        (جـ) مركز الوكالة اليهودية:

        نشير إلى الفقرة المقتبسة أدناه للدلالة على القيود الواردة ضمنا في صك

 

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

الانتداب والمقيدة بحكم الضرورة لواجبات الوكالة اليهودية التي ورد النص عليها في المادة الرابعة من صك الانتداب.

         “وهنالك أمر آخر لابد من لفت النظر إليه وهو أن اللجنة الصهيونية في فلسطين المعروفة الآن باللجنة التنفيذية الصهيونية لا ترغب في أن يكون لها كما أنها لا تملك أى قسط في إدارة البلاد العامة. كما أن المركز الذي تتمتع به الجمعية الصهيونية بموجب المادة الرابعة من صك الانتداب لا يخولها صلاحية هذه الوظيفة وإنما ينحصر مركزها الخاص في التدابير التي تتعلق باليهود ومساعدة البلاد على تقدمها دون أن يخولها ذلك حق الاشتراك في حكومتها في أي حال من الأحوال”.

         6 – ترغب حكومة جلالته في أن تؤيد بوجه عام السياسة المتضمنة في البيان الصادر سنة 1922 وعلى الأخص الفقرات الثلاث التي اقتبست منه أعلاه. ويظن بأن كل محاولة لتوسيع المعنى المفهوم من هذه النقاط الثلاث الهامة لن يكون نصيبها سوى جدال عقيم الفائدة. ومع ذلك فإن من المعترف به في نور الاختبار السابق أنه لا يزال هنالك متسع للعمل على تحسين كيفية تطبيق المبادئ – المعلنة في الفقرات السابقة تطبيقا فعليا.

         وفي نية حكومة جلالته بالإشارة مع إدارة فلسطين أن تتخذ التدابير الفعالة لإيجاد وسائل إدارية وافية لأجل تلاقي احتياجات العرب واليهود من جهة هذه النقاط الثلاث.

         ومن المعترف به بوجه خاص أن الضرورة تستدعي زيادة مجهودات المندوب السامي في سبيل إيجاد طريقة للتعاون والاستشارة أوثق وأكثر امتزاجا بين إدارة فلسطين والوكالة اليهودية على أن يكون ذلك متفقا على الدوام مع المبدأ الذي يجب اعتباره أساسا وهو أن مركز الوكالة اليهودية الخاص الذي يخولها تقديم النصح والمعونة لا يخولها بصفتها هذه الاشتراك في إدارة حكومة البلاد وعلى نفس المنوال يجب إيجاد الوسائل الإدارية التي يكفل في الوقت ذاته صيانة المصالح الأساسية للطبقات الأخرى من السكان غير اليهود تمام الصيانة وأن يتاح لتلك الطبقات فرصة وافية للاستشارة مع إدارة فلسطين حول الأمور المتعلقة بتلك المصالح.

         7 – ومن الرغوب فيه في هذا الصدد إزالة أى سبب لسوء الفهم مما يكون قد علق بالأذهان من جراء الفقرات الواردة في صك الانتداب التي تبحث في ضمان حقوق الطوائف غير اليهودية في فلسطين أما الأحكام التي تتناول هذه النقطة بوجه خاص فهي واردة في مواد صك الانتداب الثانية والسادسة والتاسعة والحادية عشرة والثالثة عشرة والخامسة عشرة.

         8 – ومما يلاحظ من الجهة الأولى أن المادة الثامنة تجعل الدولة المنتدبة مسئولة عن ضمان الحقوق المدنية والدينية لجميع أهالى فلسطين بقطع النظر عن الاجناس والأديان ومن الجهة الثانية أن التعهد الوارد في المادة السادسة الذي يقضي بتسهيل الهجرة اليهودية واستقرار اليهود بكثرة مشترط فيه وجوب ضمان عدم إلحاق أي حيف وضرر بحقوق ومركز سائر طبقات الأهالي. وفضلا عن ذلك فإن المادة الحادية عشرة تقتضي أن تتخذ حكومة فلسطين جميع التدابير اللازمة لصون مصالح الجمهور في كل ماله علاقة بترقية البلاد.

         ويتضح من نص هذه المادة أن سكان فلسطين على الإطلاق لا فئة منهم فحسب هم الذين يجب أن يكونوا موضعا لعناية الحكومة. ومما يلاحظ بهذا الشأن أن

 

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

النص القائل باتخاذ التدابير مع الوكالة اليهودية لإقامة أو إدارة الأعمال والمصالح والمنافع العمومية هو نص اختياري فقط لا إجباري وليس من الجائز أن يتعارض مع مصلحة الأهالي المطلقة. وقد أوردت هذه النقاط بالنظر للادعاءات التي وجهت بالنيابة عن الوكالة اليهودية بأن لهذه الوكالة مركزا يخولها الاشتراك في إدارة البلاد العمومية تلك الادعاءات التي وجهت بالنيابة عن الوكالة اليهودية بأن لهذه الوكالة مركزا يخولها الاشتراك في إدارة البلاد العمومية تلك الادعاءات التي لا تستطيع حكومة جلالته إلا أن يعتبرها قد تجاوزت كل التجاوز مقاصد صك الانتداب الصريحة. وفضلا عن ذلك فقد حاول البعض أن يجادل تأييدا للادعاءات الصهيونية بأن الفقرات المتعلقة بالوطن القومي اليهودي هي الأساس الرئيسي لصك الانتداب وبأن الفقرات التي ترمي إلى صيانة مصالح غير اليهود إنما هى اعتبارات ثانوية تقيد نوعا ما ما يدعى بأنه القصد الرئيسى الذي وضع صك الانتداب من أجله. إن حكومة جلالته ما فتئت تعتبر أن من الخطأ الكلي فهم هذه الأحكام على هذا الوجه وهي ترى أن من المستحيل أن تحاول حل المشكلة باعتبار أن أي من هذين الالتزامين هو أقل أهمية من الآخر حلا يتفق مع مقاصد صك الانتداب الصريحة مهما كانت الصعوبة التي تعترضها في هذا السبيل.

         وقد حاول المندوب البريطاني المفوض في البيان الذي أدلى به أمام لجنة الانتدابات الدائمة في اليوم التاسع من شهر حزيران الماضي أن يوضح موقف حكومة جلالته ازاء الصعوبات المستقرة في صك الانتداب. وفي التقرير الذي رفعته لجنة الانتدابات الدائمة لجمعية الأمم المتضمن مطالعاتها على هذا البيان وردت العبارة التالية وهي من الأهمية بمكان:

         “ومن جميع هذه البيانات يظهر لنا أمران يجب ذكرهما هنا وهما:

         1 – أن الالتزامات المفروضة في صك الانتداب بشأن فريقي السكان هي من درجة متساوية.

         2 – أن الالتزامين المفروضين على الدولة المنتدبة ليسا مما لا يمكن التوفيق بينهما من أى وجه من الوجوه.

         وليس لدى لجنة الانتدابات ما تعترض به على هذين التأكيدين اللذين يعربان في رأيها تمام الإعراب عما تدركه من روح صك الانتداب على فلسطين وضمانا لمستقبلها” .

         إن حكومة جلالة الملك لعلى تمام الاتفاق مع روح هذا البيان وكأنه لمن دواعي اغتباطها أن يكون هذا البيان قد اكتسب الصيغة النهائية باقترانه بموافقة مجلس جمعية الأمم.

         إنه لواجب شاق ودقيق ذلك الواجب المفروض على حكومة جلالته الذي يقضى عليها استنباط الوسائل لإعطاء نفس الاعتبار في جميع الأحيان عند تنفيذ سياستها في فلسطين لكلا الالتزامين اللذين يفرضهما عليها صك الانتداب بشأن فريقي السكان والتوفيق بينهما هذين الالتزامين حيثما تتعارض حتما مصلحة الفريقين.

         ومن المأمول أن يئول إيضاح الواجب المفروض على عاتق حكومة جلالته على هذا الوجه إلى بيان ضرورة تعاون زعماء العرب واليهود عن طيب خاطر على إدارة فلسطين وحكومة جلالته تلك الضرورة التي أعرب عنها فيما تقدم.

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

         9 – إن الفقرات المتقدمة توضح المباديء التي يجب اعتبارها السياسة الشاملة في فلسطين والشروط المقيدة التي يجب أن تسير تلك السياسة بموجبها ولذلك وجب الآن البحث في المشاكل العملية التي تواجهها حكومة جلالته في فلسطين.

         وهذه المشاكل يمكن حصرها بوجه التقريب تحت الأبواب الثلاثة التالية:-

         1 – الأمن العام.

         2 – التطورات الدستورية

         3 – التطورات الاقتصادية والاجتماعية.

1 – الأمن العام:

         10 – إن من أولى واجبات الإدارة توطيد أركان السلام والنظام وحسن انتظام الحكم في فلسطين وقد أعلنت حكومة جلالته في مقام آخر بأنها لن تحيد عن القيام بواجبها بعامل الضغط أو التهديد.

         إن الاضطرابات التي وقعت فيما مضى قد أخمدت فورا. واتخذت تدابير خاصة لمعالجة أية حالة اضطرارية قد تنشأ في المستقبل. ويجب أن يفهم تماما أن التحريض على الاضطراب أو الشقاق مهما كان مصدره سينال أشد عقوبة وستتوسع سلطات الإدارة بقدر ما تستوجبه الضرورة كي يتمكن بصورة أوفى وأتم من معالجة مثل هذه المحاولات الخطرة التي لا مسوغ لها.

         وقد قررت حكومة جلالته أن التحفظ في فلسطين في الوقت الحاضر بفرقتين من المشاة وفضلا عن ذلك سيكون سربان من الطيارات وأربعة فرق من السيارات المسلحة ميسورة في فلسطين وشرقي الأردن. كما هو معلوم كان المستر دبجن مفتش البوليس العام في سيلان قد أوفد إلى فلسطين للتحقيق في نظام قوة البوليس الفلسطيني وقد رفع تقريرا مفصلا قيما وهو الآن موضع النظر الدقيق وقد وضع البعض من تواصيه موضع التنفيذ ومن ذلك زيارة فرقتي البوليس البريطاني والفلسطيني ووضع مشروع للدفاع عن المستعمرات اليهودية أشير إليه في الفقرة التاسعة من بيان خطة السياسة البريطانية في فلسطين الذي نشر بصيغة كتاب أبيض تحت رقم 3582 وهنالك تواصى كثيرة أخرى وردت في تقرير السير دوبجن لا تزال موضع البحث والتدقيق بالاشتراك مع المندوب السامي لفلسطين وستجري تغييرات أخرى متى اتخذت قرارات بشأنها. وتغتنم حكومة جلالته هذه الفرصة كما تؤكد تصميمها على اتخاذ جميع التدابير المستطاعة لقمع الجرائم وتوطيد النظام في فلسطين.

         وترغب في أن تؤكد في هذا الصدد أنها عند تقرير نوع وكيفية تأليف قوات الأمن العام في فلسطين الضرورية لهذه الغاية تسترشد برأي مستشاريها الاختصاصيين وإنها في كل ذلك سترمي إلى تأمين كون القوات المستخدمة ملائمة للواجبات التي ستقوم بقطع النظر عن أية اعتبارات سياسية.

2 – التطورات الدستورية:

         11 – أشير فيما تقدم إلى المطالب التي وجهها الزعماء العرب لإيجاد شكل دستوري يتنافى مع الالتزامات المترتبة على حكومة جلالته بصفتها الدولة المنتدبة

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

ومع ذلك فإن حكومة جلالته ترى بعد التبصر الدقيق أن الوقت قد حان للسير في مسألة منح فلسطين درجة من الحكم الذاتي تلك المسألة الهامة لمصلحة جميع السكان على الإطلاق بدون أى تأخير آخر وقد يكون من المناسب في بادئ الأمر إيراد خلاصة موجزة عن تاريخ هذه المسألة منذ تشكيل الإدارة المدنية.

         ففي شهر تشرين الأول سنة 1920 شكل في فلسطين مجلس استشاري ألف من عدد متساو من الأعضاء الموظفين وغير الموظفين. وقد كان من العشرة الأعضاء غير الموظفين، أربعة من المسلمين وثلاثة من المسيحين وثلاثة من اليهود.

         وفي اليوم الأول من شهر أيلول سنة 1922 صدر دستور فلسطين وهو يقضي بتأليفه حكومة فلسطين توقيتا لأحكام قانون الاختصاص الأجنبي. وقد قضى الفصل الثالث من هذا الدستور بتشكيل مجلس تشريعي يؤلف من المندوب السامي رئيسا ومن عشرة أعضاء من الموظفين واثني عشر عضوا منتخبا من غير الموظفين. وقد وضعت أصول انتخاب الأعضاء غير الموظفين في الأمر الصادر في المجلس الخاص بشأن تأليف المجلس التشريعي لسنة 1922 وفي شهري شباط وآذار من سنة 1923 حاولت الحكومة اجراء انتخابات توفيقا لتلك الأصول فأخفقت تلك المحاولة بسبب رفض الأهالي العرب التعاون مع الحكومة (يراجع في هذا الصدد التقرير المفصل الذي صدر عن هذه الانتخابات المتضمن في الكتاب الأبيض رقم 1889 بشأن انتخابات المجلس التشريعي سنة 1923) وعندئذ أوقف المندوب السامي تأليف المجلس التشريعي المقترح واستمر على تسيير الإدارة باستشارة المجلس الاستشاري كالسابق.

         وقد سنحت فرصتان أخريان لزعماء العرب في فلسطين للتعاون مع الإدارة على حكم البلاد أولا :

         بإعادة تأليف مجلس استشاري يعين تعيينا على أن يكون عدد أعضائه مساويا. لعدد أعضاء المجلس التشريعي الذي كان في النية تشكيله. ثانيا: بالاقتراح الذي عرض عليهم لتأليف وكالة عربية وكان المقصود أن يناط بهذه الوكالة نفس الواجبات المناطة بالوكالة اليهودية بموجب المادة الرابعة من صك الانتداب.

         غير أن زعماء العرب رفضوا قبول كلا هاتين الفرصتين وبناء على رفضهم هذا تألف في شهر كانون الأول سنة 1923 مجلس استشاري من أعضاء موظفين فقط. ولا تزال الحالة كذلك حتى الآن وكل ما طرأ عليها من تغيير هو أن عدد أعضاء المجلس الاستشاري قد زيد بإضافة أعضاء موظفين آخرين اقتضى تقدم الإدارة إضافتهم إلى المجلس.

         ومما يذكر في هذا الصدد أن حكومة جلالته مسئولة بموجب أحكام المادة الثانية من صك الانتداب عن جعل البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل انشاء الوطن القومي اليهودي وترقية أنظمة الحكم الذاتي والمحافظة على الحقوق المدنية والدينية لجميع الأهالي.

         قد أوضحت فيما تقدم المجهودات التي بذلت في السنين الأولى المدنية بشأن التطور الدستوري. ورغبة في تمكين أهالي فلسطين من الحصول على اختبار فعلي في الطرق الإدارية ونظم الحكومة والتدرب على حسن التمييز في اختيار ممثليهم

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

ادخل اللورد بلومر الذي شغل منصب المندوب السامي في فلسطين من سنة 1925 إلى سنة 1928 درجة من الحكم الذاتي المحلي أوسع مما كانت عليه الحال في عهد الإدارة البريطانية فيما مضى.

        وعند تسلم السير جون تشانسلور زمام منصب المندوب السامي في شهر كانون الأول سنة 1928 نظر في مسألة التطور الدستوري وأخذ رأي ممثلي مختلف طبقات الأهالي.

        وبعد انعام النظر في الحالة رفع بعص اقتراحات في شهر حزيران سنة 1929 غير أنه تأجل النظر في هذه المسألة بسبب الاضطرابات التي وقعت في شهر آب سنة 1929

        12 – وقد أمعنت الآن حكومة جلالته النظر في هذه المسألة في نور درجة التقدم والرقي الحالي معتبرة على الأخص الالتزام الملقى على عاتقها الذي يقضي عليها بجعل البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل ترقية أنظمة الحكم الذاتي. وقررت أن الوقت قد حان للتقدم خطوة أخرى في سبيل منح أهالي فلسطين درجة من الحكم الذاتي تتلاءم مع أحكام صك الانتداب.

        وبناء على ذلك تنوي حكومة جلالته أن تشكل مجلسا تشريعيا ينطبق عموما على الأصول المبينة في بيان الخطة السياسية الذي أصدره المستر تشرشل في شهر حزيران سنة 1922. ونشر كذيل خاص لتقرير لجنة التحقيق عن اضطرابات فلسطين التي وقعت في شهر آب سنة 1929.

        وتأمل حكومة جلالته أنها ستنال في هذه المرة معاونة جميع طبقات السكان في فلسطين وترغب في أن تعلن بكل وضوح وجلاء بأنها بينما تأسف كل الأسف لأية محاولة قد يقوم بها أى فريق من السكان للحيلولة دون تنفيذ قرارها لتتخذ جميع التدابير المستطاعة لقمع كل محاولة كهذه إن وقعت إذ أنها ترى إن من مصلحة أهالي البلاد على الإطلاق أن لا تؤجل قط الخطوة التي تنوي الآن أن تخطوها.

        وتود حكومة جلالته أن تبين بأنه لو تم تشكيل هذا المجلس التشريعي عندما عقدت النية على تشكيله في المرة الأولى لكان أهالي فلسطين قد نالوا الآن درجة أوفر من الاختبار في كيفية تسيير النظم الدستورية. ذلك أن مثل هذا الاختبار لا مفر منه لنجاح التطور الدستوري فكلما أسرع جميع طبقات الأهالي في ابداء رغبتهم في المعاونة مع حكومة جلالته في هذا الصدد كان في الإمكان إجراء هذا التطور الدستوري الذي تتوق حكومة جلالته لمشاهدته في فلسطين.

        أن هنالك فوائد جلية يجتنيها جميع طبقات السكان من جراء تشكيل مثل هذا المجلس ذلك أنه قد يأتي بفائدة مخصوصة للأهالي العرب الذين ليس لديهم الآن وسائل دستورية تمكنهم من وضع آرائهم حول الأمور الاجتماعية والاقتصادية أمام الحكومة. وبالطبع إن ممثليهم في المجلس الذي يراد تشكيله سيتمكنون ليس من أبداء آراء الأهالي العرب في شأن هذه الأمور وخلافها فحسب بل من الاشتراك أيضا في البحث والتداول فيها. وهنالك فائدة أخرى تجتنيها البلاد على الإطلاق من تشكيل المجلس التشريعي إذ أن اشتراك ممثلي الفريقين من الأهالي بصفتهم أعضاء المجلس التشريعي سيئول إلى تحسين العلاقات بين اليهود والعرب.

        13 – إن المجلس التشريعي الجديد سيؤلف كما ذكر فيما تقدم على النحو

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

المعين في بيان الخطة السياسية الذي صدر سنة 1922. وسيشكل من المندوب السامي ومن اثنين وعشرين عضوا منهم عشرة أعضاء موظفين واثنا عشر عضوا من غير الموظفين وسينتخب الأعضاء غير الموظفين بطريق الانتخاب الأولى والثانوي. ومع ذلك ترى حكومة جلالته أن من الأهمية بمكان لاجتناب إعادة حبوط الانتخابات كما حدث في سنة 1923 استنباط تدابير تؤمن تعيين العدد المطلوب من الأعضاء غير الموظفين للمجلس فيما إذا لم يتمكن عضو واحد أو أكثر من الانتخاب بسبب موقف عدم التعاون الذي قد تقفه أية فئة من السكان أو لأي سبب آخر. وسيبقى المندوب السامي متمتعا بالصلاحية الضرورية التي تضمن تمكين الدولة المنتدبة من القيام بالالتزامات المترتبة عليها ازاء جمعية الأمم ومن ذلك صلاحية وضع أي تشريع تقتضيه الحاجة الماسة وتوطيد النظام. ومتى نشأ خلاف حول قيام حكومة فلسطين بأحكام صك الانتداب يستطاع تقديم عريضة بذلك إلى جمعية الأمم توفيقا لأحكام المادة 85 من دستور فلسطين لسنة 1922.

3 – التطور الاقتصادي والاجتماعي:

        14 – إن المشاكل العملية التي يجدر البحث فيها في هذا الباب هى مسائل الأراضي والمهاجرة والبطالة على الإجمال. فهذه المسائل الثلاث مرتبطة معا كل الارتباط مع مالها من وجوه سياسية واقتصادية وعلى حلها يجب أن يتوقف كل تقدم يرتجى فيما يتعلق بتوطيد السلم واستقرار اليسر والرخاء في فلسطين.

        ان هذه الأمور ما زالت منذ أن لفت النظر إليها في تقدير لجنة شو موضع تحقيق دقيق محلي من قبل لجنة عينها المندوب السامي في شهر نسيان الماضي للتحقيق في أحوال المزارعين الاقتصادية وطريقة استيفاء الضرائب منهم ومن قبل السيرجون هوب سمبسون الذي توجه إلى فلسطين في شهر آيار الماضي بناء على تكليف وزير المستعمرات للبحث في مسائل المهاجرة وتسوية الأراضي واقتصاديات البلاد.

        15 – وكان من نتيجة هذه التحقيقات الواسعة المطولة أن كونت بعض استنتاجات وكشف القناع عن بعض حقائق ذكرت فيما يلى بإيجاز:

1 – الأراضي:

        في الاستطاعة الآن القول بكل حزم إنه لا يوجد في فلسطين في الوقت الحاضر نظرا للطرق الإدارية الحالية التي يتبعها العرب أية أرض ميسورة لاستقرار المزارعين من المهاجرين الجدد إذا استثنيت الأراضي التي تملكها الوكالات اليهودية المختلفة على سبيل الاحتياط.

        وقد وجه فيما مضى انتقاد شديد بشأن الأراضي الأميرية القليلة المساحة التي وضعت تحت تصرف المزارعين اليهود. إلا أنه من الخطأ أن يتبادر إلى الذهن أن حكومة فلسطين تملك مساحات شاسعة من الأراضي المحلولة التي في الإمكان وضعها تحت تصرف اليهود لاستعمارها. ذلك أن مساحة الأراضي المحلولة التي تملكها ليست مما يعتد بها. فالحكومة تدعى بمساحات كبيرة من الأراضي التي يتصرف العرب فيها في الواقع ويفلحونها. غير أنه حتى ولو سلم بملكية الحكومة لهذه الأراضي وملكيتها مختلف فيها في كثير من الأحوال فليس في الإمكان وضعها تحت

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

تصرف اليهود لاستقرارهم فيها بالنظر لوجودها في أيدي المزارعين العرب ولضرورة إيجار أراضي إضافية أخرى لإسكان المزارعين العرب الذين أصبحوا الآن بلا أرض.

         ان إيجاد أراض يمكن وضعها تحت تصرف المستعمرين اليهود يتوقف على ما يتم من التقدم في زيادة قوة إنتاج الأراضي المشغولة الآن.

         16 – ويتراءى الآن في ضوء أفضل التقديرات الميسورة أن مساحة الأراضي القابلة للزراعة في فلسطين (إذا استثنيت منطقة بئر السبع) تبلغ 6.544.000 دونم. وهذه المساحة هي أقل بكثير من التقديرات الرسمية بين عشرة وأحد عشر مليون دونم.

         ويلوح أيضا أنه بينما تحتاج عائلة الفلاح إلى 130 دونما من الأراضي على الأقل للقيام بأود معيشتها معيشة لائقة في الأراضي البعل (غير المسقية) نجد أنه لو قسمت الأراضي الزراعية الميسورة في البلاد إذا استثنيت الأراضي التي في أيدي اليهود بين المزارعين العرب الحاليين لنال العائلة الواحدة 90 دونما.

         ولكى يتسنى إعطاء العائلة الواحدة من جميع المزارعين 130 دونما من الأرض وهو المعدل الذي يحتاج إلى ثمانية ملايين دونم أخرى من الأراضي الزراعية ويظهر أيضا أنه من بين العائلات العربية القروية التي يبلغ عددها 86980 عائلة يوجد 29.4 في المائة بلا أراض. وليس المعلوم عدد العائلات التي كانت تزرع أرضا فيما مضى ثم فقدتها إذ أن هذه النقطة هي من جملة النقاط التي ليس في الاستطاعة الآن حصرها بتأكيد بل يؤمل التثبت منها في أثناء الإحصاء الذي سيجري في السنة القادمة.

         17 – أن حالة الفلاح العربي تحتاج إلى كثير من العناية ومن المقتضى وضع سياسة خاصة بالأراضي إن كان يراد تحسين أحوال معيشته.

         وقد كانت الهيئات الاستعمارية اليهودية العمومية منها والخصوصية الوكالات الوحيدة التي اتبعت لغاية الآن سياسة ثابتة في تحسين الأراضي.

         وكان لأهالي المستعمرات اليهود كل فائدة يمكنهم اجتناؤها مما تيسر لهم من رأس المال والعلم والتنظيم. فإلى ذلك وإلى نشاط أهالي المستعمرات أنفسهم يرجع الفضل في هذا النجاح الفائق. ومن الجهة الأخرى فإن الأهالي العرب بينما تعوزهم هذه الفوائد التي يتمتع بها أهالي المستعمرات اليهود قد زاد عددهم بسرعة فائقة من جراء زيادة المواليد على الوفيات في الوقت الذي نقصت فيه الأراضي الميسورة لإعاشتهم بنحو مليون دونم انتقلت إلى أيدي اليهود.

         18 – قد سبقت الإشارة فيما تقدم إلى النشاط والنجاح الفائقين اللذين تما في ميدان استعمار اليهود للأراضي. وليس من العدل في شيء أن يقبل الادعاء الذي أدلى به في معرض الخلاف الناشيء بشأن العلاقات بين اليهود والعرب في فلسطين بأن نتيجة استعمار اليهود على السكان العرب كانت في جميع الأحوال مضرة بمصالح العرب فهذا الادعاء لا يمكن التسليم به إجمالا. لكنه من الضروري عند البحث في هذه الناحية من المشكلة أن يميز بين الاستعمار الذي تقوم به جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين (المعروفة عموما بالبيكا) وبين الاستعمار الجاري تحت رعاية الجمعية الصهيونية.

         فبقدر ما يتعلق الأمر بالسياسة الماضية التي اتبعتها جمعية (البيكا) لا ريب أن العرب قد استفادوا كثيرا من إنشاء المستعمرات اليهودية وقد كانت العلاقات حسنة

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

البلاد أن تكفل “عدم إلحاق أى حيف أو ضرر بحقوق ومركز سائر طوائف الأهالي الأخرى”.

        فيما مضى بين أهالي المستعمرات وجيرانهم العرب والحالات التي تستند عليها المراجع اليهودية في تأييد ادعائها بأن نتيجة استعمار اليهود كانت مفيدة لمجاوريهم العرب فهي فيما يختص بالمستعمرات التي أنشأتها جمعية (البيكا) قبل أن يشرع الاستعمار من صندوق رأس المال الفلسطيني الذي هو الآن المصدر المالي الرئيسي للوكالة اليهودية.

        أما المحاولات التي أجريت لإثبات أن الاستعمار الصهيوني لم ينتج عنه انضمام مستأجري الأراضي التي باعها أصحابها إلى الطبقة التي لا أرض لها، فقد ثبت بالتحقيق أنها غير مقنعة إن لم تكن مضللة.

        19 – وفضلا عن ذلك فإن نتيجة الاستعمار اليهودي على الأهالي الحاليين تتأثر تأثرا كليا بالشروط التي تمتلك الهيئات اليهودية المختلفة بموجبها الأراضي وتستغلها وتؤجرها فقد نص دستور الوكالة اليهودية الموسعة الموقع في زيورخ في اليوم الرابع عشر من آب سنة 1929 (الفقرتان “د” و “هـ” من المادة الثالثة) على أن الأراضي التي تمتلك تعتبر ملك الشعب اليهودي وملكيتها غير قابلة الانتقال، وعلى وجوب مراعاة مبدأ تشغيل العمال اليهود في جميع الأشغال والمشاريع وفضلا عن ذلك فقد ورد في المادة 23 من عقد الإيجار الذي في النية تنظيمه بشأن الأراضي التي تمنحها جمعية رأس المال القومي اليهودي، تعهد يقضى على المستأجر بأن يقوم بجميع الأشغال المتعلقة بزراعة الأراضي بواسطة العمال اليهود فقط وفرضت شروط شديدة لتأمين مراعاة التعهد.

        وهنالك تعهد يرتبط به أهالي المستعمرات الواقعة في السهل الساحلي يقضي عليهم باستئجار العمال اليهود فقط. كلما اضطروا إلى استئجار عمال، وهذا التعهد يدرج في الاتفاقات التي تعقد بين صندوق رأس المال الفلسطيني والذين يستغلون أموالا منه وورد نفس هذا الحكم في الاتفاقات المستعملة في مستعمرات مرج ابن عامر.

        ان من الصعب أن تتفق هذه الأحكام المشددة مع التصريح الذي أدلى به في المؤتمر الصهيوني المنعقد سنة 1921 بأن “الشعب اليهودي يرغب في أن يعيش مع الشعب العربي. بصلات صداقة واحترام متبادلين وأن يعمل بالاشتراك مع الشعب العربى على ترقية البلاد المشتركة بينهما بحيث تؤمن رفاهية كلا الشعبين”.

        20 – وقد كان الزعماء اليهود صريحين كل الصراحة في تبرير سياستهم هذه. فقد ادعت اللجنة التنفيذية لجمعية العمال اليهود التي لها نفوذ كبير في تكييف السياسة الصهيونية بأن هذه القيود ضرورية لتأمين إدخال أكبر عدد مستطاع من المهاجرين اليهود وللمحافظة على أسلوب معيشة العمال خشية أن ينحط إلى أسلوب معيشة العمال العرب.

        ومهما كانت هذه الحجج منطقية من وجهة الحركة الوطنية الصرفة فيجب القول بأنها لم تراع فيها أحكام المادة السادسة من صك الانتداب التي تشترط صراحة على حكومة فلسطين عند تسهيلها الهجرة اليهودية واستقرار اليهود بكثرة في أراضي

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

2 – التحسين الزراعي:

        21 – إن من واجب الإدارة بموجب صك الانتداب على نحو ما ورد في الفقرة السابقة أن تكفل عدم إلحاق أي حيف أو ضرر بمركز “سائر طوائف الأهالي الأخرى” من جراء المهاجرة كما أنه من واجبها أيضا بموجب صك الانتداب أو تشجيع استقرار اليهود بكثرة في أراضي البلاد مراعية في ذلك على الدوام الشرط المتقدم ذكره.

        22 – وقد اقتنعت حكومة جلالته من نتيجة التحقيقات الأخيرة بأن الضرورة تقضي رغبة في الوصول إلى هاتين الغايتين باجراء تحسين فعلي في أساليب الزراعة المتبعة الآن بقصد تأمين زيادة الاستفادة من الأرض.

        23 – فباتباع مثل هذه السياسة قد يستطاع استقرار مزارعين آخرين من اليهود في الأراضي بصورة تتفق مع الشروط المقررة في المادة السادسة من صك الانتداب والنتيجة المتوخاه لا يمكن نيلها إلا بعد مرور سنوات من الجد والعمل. ولذا فمن حسن الحظ أن يكون لدى الهيئات اليهودية أراض واسعة احتياطية لم يستقر فيها المستعمرون بعد ولم تعمر. وعلى ذلك يمكنهم الاستمرار في عملهم بدون توقف ريثما توضع تدابير عمومية أخرى لتحسين الأراضي يستطيع الاستفادة منها كلا العرب واليهود. ومع ذلك فمن الواجب بحكم الضرورة أن تناط مراقبة التصرف بالأراضي بالمرجع القائم بهذا التحسين فلا يسمح بانتقال الأراضي إلا متى كان ذلك الانتقال لا يتعارض مع خطط ومشاريع ذلك المرجع.

        وإذا اعتبرت المسئوليات المترتبة على عاتق الدولة المنتدبة اتضح أن هذا المرجع يجب أن يكون حكومة فلسطين.

        24 – ومن جملة المشاكل التي تستوجب النظر مسائل الري وجعل هذا التحسين مع أعمال دائرة الزراعة وغيرها من دوائر الحكومة وتقرير مجال العمل لكل منها رغبة في اجتناب الاحتكاك والاختلاف والتجاوز في العمل وبغية الحصول على أعظم فائدة مما يبذل من مجهود مشترك.

        ويجب انعام النظر أيضا في حماية المستأجرين بمنحهم حقا من حقوق الإجارة بأية وسائل أخرى لتأمين عدم إخراجهم من الأرض أو تعريضهم لإجارات فاحشية.

        ثم إن هنالك مسألة ذات صلة وثيقة بمثل هذا التحسين هي الإسراع في أعمال التسوية والتثبت في الملكية وتسجيل عقود الإيجار. وهنا تخرج إلى حيز الوجود مشكلة هامة بسبب وجود مساحات واسعة من الأراضي في القرى العربية مملوكة بطريق المشاع ذلك أن نصف القرى العربية بوجه التقريب مملوك بطريق المشاع وهنالك اتفاق في الرأي أن مثل هذا النظام هو عقبة كبرى في سبيل ترقية الزراعة في البلاد.

        ويلوح أن تأليف جمعيات تعاون بين الفلاحين هو من الأمور الأولية المهمة في سبيل تقدمهم ورقيهم. وقد قام مؤخرا خبير ذو اختبار واسع باجراء تحقيق في هذه المسألة برمتها بالنيابة عن حكومة فلسطين.

 

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

        25 – وقد وقع على كاهل مالية فلسطين عبء ثقيل من جراء الضرورة التي دعت إلى زيادة قوات الأمن العام زيادة كبرى. إلا أن هذه الزيادة اعتبرت ضرورية في نور الحوادث التي وقعت في خريف سنة 1929 وليس في الاستطاعة التنبؤ الآن بالزمن الذي يصح فيه تخفيض النفقات في هذا الباب تخفيضا محسوسا. إذ أن التخفيض يجب أن يتوقف لدرجة كبرى على ما يطرأ من التحسين في العلاقات المتبادلة بين العرب واليهود ذلك التحسين الذي تأمل حكومة جلالته بأن يكون من إحدى نتائجه.

        ان السياسة العمومية التي تتبعها حكومة جلالته ترمي فيما ترمي إليه إلى جعل فلسطين قادرة على سد نفقاتها بنفسها فالتحسين المنوي اجراؤه في الطرق والأساليب الزراعية لن يستغرق وقتا فحسب بل يستلزم نفقات باهظة أيضا. مع أنه يؤمل أن يكون بعض النفقات التي تصرف في هذا السبيل قابلة الاسترداد. وحكومة جلالته تنظر بكل تدقيق في المركز المالي الذي ينبلج عن هذه الحالة وتبحث الآن في اتخاذ التدابير الضرورية لوضع سياستها هذه موضع التنفيذ.

        3 – المهاجرة:

        26 – قد وضع مؤخرا النظام الذي تتبعه حكومة فلسطين في مراقبة المهاجرة إلى فلسطين على بساط البحث والتدقيق من جميع وجوهه. وفي شهر آيار الماضي رأت حكومة جلالته أن من الضروري توقيف إصدار شهادات لإدخال المهاجرين بموجب جدول العمال أي الأشخاص الذين يشتغلون عند الغير (زيادة على الـ 950 شخصا الذين سبقت الموافقة على ادخالهم) في الستة الأشهر التي تنتهي في 30 أيلول سنة 1930 دون أن تتعرض لأصناف المهاجرين الآخرين وذلك ريثما تظهر نتيجة هذا التحقيق وتقرر الخطة السياسية المقبلة. وقد أسفر هذا التحقيق عن إظهار بعض العجز في النظام الحالي وثبت أنه بموجب هذا النظام أدخل كثير من الأشخاص ممن لم يكن في استطاعتهم أن يحصلوا على التأشير على جوازاتهم (فيزا) لو كانت جميع الحقائق عنهم معلومة. والحكومة لا تباشر مراقبة فعالة فيما يتعلق باختيار المهاجرين من الخارج إلى فلسطين يستند على إيجاد مستعمرات مشتركة وعلى مبدأ “اشتغال العامل بنفسه” (أي إن كل إنسان يجب أن يشتغل بنفسه ويتجنب تشغيل العمال المستأجرين) وإن لم يكن في استطاعة العامل “الاشتغال بنفسه” فهي تحتم عليه استخدام وتشغيل العمال اليهود دون غيرهم.

        ونظرا للمسئولية المترتبة على الدولة المنتدبة من الضروري أن تكون حكومة فلسطين بصفتها وكيلة عنها المرجع الذي يفصل في جميع الأمور السياسية المتعلقة بالمهاجرة وتتضح ضرورة ذلك على الأخرى متى أخذت بعين الاعتبار درجة صلة المهاجرة بالبطالة وسياسة تحسين الأراضي. غير أنه لا يمكن استنباط أية تحسينات وافية في الإدارة الحالية إلا إذا حصلت موافقة بين الحكومة من جهة والوكالة اليهودية من جهة أخرى فمما يتعلق بواجبات كل منهما وأخذ بعين الاعتبار التام ذلك النفوذ الذي تصرفه نقابة العمال اليهود العمومية في تكييف سياسة الوكالة.

        27 – أما فيما يتعلق بصلة المهاجرة بالبطالة فهنالك صعوبات جمة في الوقت الحاضر بسبب عدم وجود وسيلة وافية يمكن بواسطتها تقدير درجة البطالة فى أي وقت ما.

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

         ويصدق ذلك على الأخص فيما يتعلق بالأهالي العرب. ورغما عن عدم وجود احصاءات يصح الاعتماد عليها فقد أبديت بيانات كافية تحمل على الاعتقاد بأن درجة البطالة بين الأهالي العرب قد وصلت حدا خطرا وأن البطالة بين اليهود قد أدت إلى نواح غير مرضية بالمرة وفي الاستطاعة القول بأنه قد ثبت بصراحة أن تحضير جدول العمال يجب أن يبنى على التثبت من مجموع عدد العمال العاطلين في فلسطين ويلي ذلك وجوب التأكد تمام التأكيد من مقدار عدد العمال العاطلين وستنظر حكومة جلالته بكل إمعان وتدقيق في إيجاد وسيلة لهذا الغرض ولذلك يجب الحكم على مقدرة فلسطين الاقتصادية على استيعاب مهاجرين جدد بالاستناد إلى مركز فلسطين إجمالا فيما يتعلق بالبطالة ويجب بذل كل عناية عند التأكد من مقدرة البلاد الاقتصادية بحيث يؤخذ بعين الاعتبار أي طلب على العمال يمكن اعتباره مؤقتا بسبب زيادة التداول في السوق المالية الناشئة عن الأموال المنفقة على التعمير والتحسين أو عن أية أسباب أخرى.

         28 – تفرض المادة السادسة من صك الانتداب عدم إلحاق أي حيف أو ضرر بحقوق ومركز سائر طوائف الأهالي من جراء الهجرة اليهودية. فمن الواضح أنه إذا كانت مهاجرة اليهود تسبب حرمان السكان العرب من الحصول على الأشغال الضرورية لمعيشتهم أو إذا كانت حالة البطالة بين اليهود تؤثر في مركز العمال على العموم تحتم على الدولة المنتدبة توفيقا لأحكام صك الانتداب أما أن تخفض المهاجرة أو توقفها إذا استدعت الضرورة ذلك ريثما يتسنى للعاطلين من (الطبقات الأخرى) إيجاد عمل لهم. ومما يلاحظ بهذا الصدد أن حكومة جلالته في نور التحقيق الذي جرى في مشكلتي المهاجرة والبطالة تعتبر بأن توقيفها المهاجرة بموجب جدول العمال في شهر أيار الماضي كان مبررا تماما.

         وقد ادعى بأن موافقة المندوب السامي على شهادات المهاجرة بموجب جدول العمال يفيد ضمنا وجود مجال لإدخال مهاجرين من طبقة العمال. وبأن حكومة جلالته بالتالي كانت مدفوعة بعوامل سياسية عندما أوقفت إصدار هذه الشهادات. غير أن الحال ليست كذلك. ذلك أن حكومة جلالته عندما قررت توقيف إصدار هذه الشهادات أخذت بعين الاعتبار الآراء التي أعرب عنها في تقرير لجنة شو من جهة عدم وجود أراض كافية ومن جهة ضرورة تشديد المراقبة على لمهاجرة. وقد ثبت أن هذه الأمور تستوجب تحقيقا بواسطة خبير غير أن حكومة جلالته شعرت أنه ريثما يتم التحقيق فيها على هذا الوجه لا يجوز اتخاذ أية تدابير من شأنها أن تؤكد في سوء الحالة الاقتصادية التي كانت مدعاة للقلق في رأي أكثرية لجنة شو.

         وكل قرار يتخذ لإدخال المهاجرين اليهود دون اعتبار هذه القيود يجب استنكاره ليس فقط بالنظر إلى مصالح سكان فلسطين عموما وإنما بالنظر إلى مصالح الطائفة اليهودية المخصوصة أيضا. وما زال الريب يساور الأهالي العرب – وهذا مما لا شك فيه – من أن الضائقة الاقتصادية أسفرت عن عدم وجود احتياطات تحول دون وقوع الاحتلال في إصدار شهادات المهاجرين غير المرغوب فيهم. وهناك ناحية أخرى غير مرضية هي أن عددا كبيرا من المسافرين الذين يدخلون البلاد بالاستناد على إذن يخولهم الإقامة مدة محدودة يبقون في البلاد بدون موافقة ويقدر عدد الذين دخلوا من هذا

 

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

الصنف في السنوات الثلات الأخيرة بنحو 7800 شخص ثم يلي ذلك ناحية خطيرة أخرى هي عدد الذين يدخلون البلاد مجتنبين أماكن المراقبة على الحدود.

         وفي كل محاولة تجري لاستنباط وسيلة حكومية وافية لمراقبة المهاجرة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار الدور المهم الذي تلعبه في الوقت الحاضر نقابة عمال اليهود العمومية فيما يتعلق بمهاجرة اليهود. إن نفود هذه النقابة واسع المدى وأعمالها مضاعفة. فهى تكون عاملا هاما ضمن الحركة الصهيونية في العالم. وفي مؤتمر زيوريخ الأخيرة كان أكثر من ربع الأعضاء الذين نابوا عن الدوائر الصهيونية سواء في فلسطين أو في الخارج ممن ينتسبون لهذه النقابة… ويظهر النفوذ الذي تستطيع هذه النقابة أن تبذله إزاء المهاجرين بتحريمها على أي عضو من أعضائها الرجوع إلى المحاكم للفصل في أي خلاف يقع بينه وبين عضو آخر ذلك أن لها محاكمها المخصوصة من الدرجتين الابتدائية والثانوية ومحكمة عليا للعمال تستأنف إليها الأحكام التي تصدرها المحاكم الابتدائية.

         وقد اتبعت هذه النقابة سياسة ترمي إلى ادخال نظام اجتماعي للحالة التي يقاسونها الآن هى بلا شك ناشئة بالأكثر عن مهاجرة اليهود الزائدة وما زالت هنالك أسباب يمكن أن يظهر منها بوضوح من أن هذا الريب متأصل تماما فلا يبقى هنالك سوى أمل ضعيف لأي تحسين في العلاقات المتبادلة بين الشعبين.

         غير أنه على مثل هذا التحسين في العلاقات يتوقف بالأكثر إيجاد الطمأنينة والرفاهية في فلسطين.

         ومن المأمول أن يجري تعديل في طريقة تحضير جداول العمال يئول إلى إنماء العلاقات الودية بين المراجع اليهودية في فلسطين ودائرة المهاجرة. ومن الجلى أن من المرغوب فيه توثيق التعاون بين المراجع اليهودية والحكومة إذ كلما كان التعاون وثيقا ووديا كلما سهل جدول للاتفاق مبني على أساس حسن إدراك احتياجات البلاد الاقتصادية من كلا الجانبين.

         29 – وقد سبق القول في الفقرات السابقة أن مشاكل تحسين الأراضي والمهاجرة والبطالة متصلة بعضها ببعض وبأن مستقبل فلسطين يجب أن يتوقف على إيجاد سياسة تؤخذ فيها بعين الاعتبار التام جميع هذه العوامل الثلاثة. ولا يمكن تحقيق تصورات الوطن القومي اليهودي بأي وجه من الوجوه إلا متى كانت فلسطين متمتعة بالطمأنينة والسلام والرخاء. فبالتعاون الودي بين العرب واليهود والحكومة يمكن أن يخيم الرخاء في البلاد.

         ويظهر من الحالة التي كشف القناع عنها التحقيق الدقيق في العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة أن فلسطين تواجه دوراً عصيبا في رقيها وتقدمها ويمكن القول أن الحكومة فيما مضى تركت القوى الاقتصادية والاجتماعية تعمل عملها بأقل تداخل أو رقابة منها. غير أنه قد اتضح كل الاتضاح أنه لايمكن الاستمرار في هذه السياسة فبالتعاون الوثيق بين الحكومة وزعماء العرب واليهود قد يستطاع الحيلولة دون سقوط فلسطين إلى حالة قد تقضي من الجهة الواحدة على العمل المجيد الذي قام به أولئك الذين وضعوا نصب أعينهم بناء الوطن القومي اليهودي ومن الجهة الأخرى على مصالح أكثرية الأهالي الذين يملكون في الوقت الحاضر موارد طفيفة تمكنهم من

(تابع) الكتاب الأبيض لسنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 423 – 439”

الكفاح لحفظ كيانه. والأمر الذي تدعو الحاجة إليه هو أن يتفق كلا الشعبين على العيش معا وأن يحترم كل شعب منهما احتياجات ومطالب الشعب الآخر.

         لذلك فإن حكومة جلالته تدعو العرب إلى الاعتراف بحقائق الحالة وإلى بذل الجهد المستمر في التعاون على الوصول بالبلاد على الإطلاق إلى حالة من الرخاء واليسر تشمل فائدتها الجميع. كما أن حكومة جلالته تطلب من الزعماء اليهود أن يعترفوا بضرورة إجراء بعض التنازل من جهتهم عن التطورات الاستقلالية الانفصالية التي أخذت تنشأ في بعض الدوائر فيما يتعلق بالوطن القومي اليهودي وأن يعتبروا أن من العوامل الفعالة فى تكييف سياستهم أن يتم رقي البلاد بكيفية تضمن نوال مصالح العرب واليهود الاعتبار الوافي بقصد انماء الرفاهية في كافة أنحاء البلاد وذلك في أحوال لا تبعث إلى إيجاد أسباب للاتهام بالتحيز لفريق دون آخر بل تمكن كلا الشعبين العربي واليهودي من الرقي. والتقدم بوفاق وقناعة.

Scroll to Top