المقترحات المقدمة من مندوبي الحكومة البريطانية على أثر المناقشات مع مندوبو الحكومة الأمريكية

مؤتمر فلسطين – مذكرة مندوبي المملكة المتحدة
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 795 – 801”

المقترحات المقدمة على أثر المناقشات
بين مندوب حكومة جلالة الملك في المملكة المتحدة (*)
ومندوبو حكومة الولايات المتحدة 1946
مذكرة مندوبي المملكة المتحدة

       أتم مندوبو حكومة جلالة الملك ومندوبو حكومة الولايات المتحدة، الذين سأصفهم بالمندوبين الخبراء، فحص التوصيات الواردة في تقرير اللجنة الانجليزية الامريكية للبحث في مشاكل اليهود في أوربا ومشاكل فلسطين وقد وضع الخبراء توصيات اجماعية عن السياسة التي يجب أن تتبع بخصوص كل المسائل التى عالجها تقرير اللجنة الانجليزية الأمريكية. وأرى لزاما على أن أوضح ببعض الاسهاب الأوجه الرئيسية لمقترحاتهم:

       ابتدأ المندوبون الخبراء بمعالجة توصيات اللجنة الانجليزبة الأمريكية بالنسبة لمركز اليهود في أوربا، فان حوادث السنوات الاخيرة التي تلت اعتلاء هتلر لمنصة الحكم أعطت أهمية خاصة لمعنى الوطن القومي لليهود كمأوى لمن يتمكن من الالتجاء اليه من البقية الباقية من يهود أوربا، ومازاد صعوبات المشكلة الفلسطينية استحكاما وتعقيدا الا ضغط المهاجرة من أوربا.

       وقد أدركت اللجنة الانجلبزية الأمريكية ان فلسطين وحدها لا تتمكن من القيام بحاجيات هجرة الضحايا اليهود للأضطهاد النازى والفاشى فأوصت حكومتنا بالتعاون مع البلاد الأخرى، حيث أن العالم أجمع يشترك في المسئولية، ان يسعيا في الحال لايجاد مواطن جديدة لجميع الأشخاص الذين لا مأوى لهم بدون تفرقة بين العقيدة أو الجنسية.

       وقد اقترح المندوبون الخبراء ان تتخذ الحكومتان الوسائل الآتية لتمكينهما من القيام في الحال بنصيبها في حل هذه المشكلة:

       أولا – تحاول الحكومتان أن تهيئا أحوالا مناسبة لاستيطان عدد وافر من الأشخاص الذين لا مأوى لهم فى أوربا حيث قد اتضع ان الأغلبية الساحقة ستستمر في المعيشة هناك، وتبذل الحكومتان الآن أقصى جهديهما في المنطقتين البريطانية والأمريكية في المانيا والنمسا في المساعدة على استيطان هؤلاء الأشخاص وعلى


        (*) من كتاب ” وثائق القضية الفلسطينية” اصدار جامعة الدول العربية.

مؤتمر فلسطين – (تابع) مذكرة مندوبي المملكة المتحدة
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 795 – 801”

استئصال جذور المبادىء المضادة للسامية، وفي ايطاليا والدول التي كانت موالية للعدو ستطالب السلطات بموجب معاهدات الصلح بأن تضمن لجميع الأشخاص الذين تحت حكمهم الحقوق البشرية والحريات الأساسية وعلاوة على ذلك يتحتم علينا في مساعينا لاستعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي في أوربا أن نستمر في القيام بنصيبنا في ارجاع تلك الحالات الأساسية التى تمكن من لم شعت عدد وافر من الأشخاص الذين لا مأوى لهم بما فيهم يهود أوربا.

      وبعد الانتهاء من انجاز كل ما يمكن عمله في أوربا يتحتم علينا أيضا ايجاد مواطن جديدة فيما وراء البحار لكثيرين من أولئك الذين انفصمت عرا علاقاتهم بجالياتهم السابقة بشكل لا يمكن اصلاحه.

      وقد وضع المندوبون الخبراء التدابير الآتية – وبعضها في دور التنفيذ الآن بقصد تنشيط هذا المشروع:

اولا:

يتحتم علينا البحث في انشاء هيئة دولية للاجئين مهمتها معالجة مشكلة اللاجئين والأشخاص الذين لا مأوى لهم عموما بشكل فعال.

ثانيا:

يتحتم علينا في مجلس الجمعية العمومية للأمم المتحدة ان نعضد ونحث بقوة جميع الحكومات الأعضاء لقبول نسبة معينة من الأشخاص الذين لامأوى لهم في أوربا – بما فيهم اليهود – في الأراضي التي – تحت ادارتهم، وأود أن أذكر في هذا الصدد أن حكومة جلالة الملك في المملكة المتحدة قد سبقت فشقت الطريق بقبولها تعهدا بتشجيع استيطان نحو 235.000 من الجنود البولنديين وتوابعهم، وهذا بالطبع بالاضافة الى اللاجئين السابق قبولهم أثناء الاضطهاد النازي ويقرب ما هو باق منهم في المملكة المتحدة من 70.000 يهودى.

      وقد سبق أن أخطرت حكومة جلالة الملك في المملكة المتحدة سائر حكومات الدومنيون عما قامت به من أعمال، وتأمل أن تعضد هذه الحكومات النداء الذي ستوجهه حكومة جلالة الملك الى الحكومات الأعضاء في جمعية الأمم المتحدة وهو نداء اليهم ليقبلوا عددا من الأشخاص البعدين في الأراضى التابعة لحكمهم. وانى أعلم أيضا ان الولايات المتحدة – حيث استوطن في نفس الوقت بشكل دائم نحو 275.000 لاجىء، منهم 180.000 يهودى – قد عادت الى قبول المهاجرة العادية وينتظر أن تقبل نحو 53.000 مهاجر سنويا من البلاد الأوربية التى يؤخذ منها الأشخاص الذين بدون مأوى، وسنستمر ريثما يتم تأسيس هيئة دولية للاجئين في التعاون مع حكومة الولايات المتحدة على تنشيط استيطان اللاجئين والأشخاص الذين لا مأوى لهم، وذلك بمساعدة اللجنة الحكومية المختصة بتحضير الخطط لاستيطان عدد كبير من الذين لا مأوى لهم في البرازيل وغيرها من بلاد أمريكا الجنوبية.

      فيتضح مما تقدم ان الأوجه الرئيسية لمشكلة اللاجئين والأشخاص الذين لا مأرى لهم لم تغفل، وكذا اصلاح الأحوال في أوربا بشكل يسمح باعادة استيطان أكبر عدد من الأشخاص الذين لا مأوى لهم، ممن أرادوا البقاء في تلك القارة، بما فيهم اليهود فان هناك احتياجا الى الانتفاع بمقدرة ومواهب اليهود وغيرهم في القيام بأعباء أعمال التعمير الجسيمة التى تواجهنا ونحن في نفس الوقت قائمون بدون توان

مؤتمر فلسطين – (تابع) مذكرة مندوبي المملكة المتحدة
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 795 – 801”

في اتخاذ خطوات عملية لضمان مساهمة بلاد أخرى بما فيها فلسطين في استيطان أولئك الأشخاص المبعدين، ومنهم اليهود، المضطرين الى التطلع الى بلاد غير الأقطار الأوربية للتوطن فيها بشكل دائم.

       وعندما صاغ المندوبون الخبراء سياسة جديدة لفلسطين قبلوا كأساس المبادئ الواردة في التوصية الثالثة للجنة الانجليزية الأمريكية وهي ان فلسطين في مجموعها لا يمكن أن تكون دولة يهودية ولا دولة عربية وأن لا حق لاحدى الجاليتين في فلسطين أن تسيطر على الأخرى، كما يجب أن تشكل الحكومة بحيث تضمن مصالح المسيحية والديانتين الإسلامية واليهودية في البلاد المقدسة.

       والمندوبون الخبراء يبنون حجتهم على ما يأتى:

       لا يمكن بأي وجه من الوجوه التوفيق بين المطامع السياسية للفريقين في فلسطين فالنزاع الذي أثارته هذه المطامع حاد لدرجة تترك قليلا من الأمل في الوصول في وقت معقول الى ذلك الحد من التعاون بين العرب واليهود الذى يساعد على تكوين حكومة موحدة في فلسطين تتفق مع هذه المبادئ التى لعب فيها كل من شعبيها دوره.

       ويظهر أن الأمل الوحيد في السلام وفي اتجاه سريع نحو أنظمة الحكم الذاتي ينحصر في صياغة دستور البلاد بشكل يعطى كلا من الفريقين أعظم قسط ممكن من السلطة لادارة شئونه الخاصة.

       ويعتقد المندوبون الخبراء ان الطريقة المثلى في الظروف الحالية لتحقيق ذلك هي انشاء مناطق عربية ويهودية تتمتع بقسط وافر من الحكم الذاتي تحت اشراف حكومة مركزية، ويقترحون لهذا الغرض تقسيم فلسطين الى أربع مناطق:

       منطقة عربية، ومنطقة يهودية، ومقاطعة للقدس وأخرى في النقب.

       وتشمل المنطقة اليهودية الجزء الأعظم من مساحة الاراضى التي استقر فيها اليهود ومساحة كبيرة حول وبين المستعمرات.

       وتشمل مقاطعة القدس مدينة أورشليم وبيت لحم وضواحيهما المباشرة.

       وتؤلف مقاطعة النقب من مثلث الأرض الفضاء غير المسكونة الكائن جنوبي فلسطين عبر الحدود الحالية للارض المنزرعة، أما المنطقة العربية فتشمل باقي فلسطين وتكون بذلك في الغالب عربية محضة من ناحيتي الأرض والسكان.

       أما حدود هذه المناطق فتكون حدودا ادارية بحتة تعين المنطقة التى يقع في داخلها مجلس نيابي محلي مخول له سن القوانين في أمور معينة وهيئة تنفيذية تقوم بتطبيق هذه القوانين، ولن يكون لهذه الحدود أية أهمية من ناحية الدفاع أو الجمارك أو المواصلات، وانما لاعطائها صبغة نهائية فانها بمجرد تقريرها تصبح غير قابلة لأي تغيير الا باتفاق بين المنطقتين المختصتين ، ويدمج نص بهذا المعنى في صلب اتفاقات الوصاية وكذا في الوثيقة التنفيذية لهذا المشروع وتخول الحكومات الاقليمية سلطة التشريع والادارة داخل مقاطعاتها في نطاق واسع من المسائل ذات الصبغة الاقليمية المحضة، وتخول هذه الحكومات أيضا السلطة لتحديد عدد الأشخاص الراغبين في الاقامة الدائمة في أراضيها وتقرير مؤهلاتهم هذه بعد عرض المشروع ويطلب من هذه الحكومة بواسطة الهيئات التي تسن القانون الاساسي أن تتخذ الطرق

مؤتمر فلسطين – (تابع) مذكرة مندوبي المملكة المتحدة
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 795 – 801”

اللازمة لضمان الحقوق المدنية والمساواة لجميع السكان أمام القانون وكذلك لضمان حرية الانتقال والتجارة بين المناطق وتخول هذه الحكومة أيضا السلطة لجمع الاموال اللازمة للقيام بوظائفها.

      وتنفرد الحكومة المركزية بالسلطة في وسائل الدفاع والعلاقات الخارجية والجمارك والضرائب، وكذا يحتفظ لها في البداية بنفس السلطة في تطبيق القوانين والمحافظة على النظام بما فيه البوليس والمحاكم وعدد معين من الامور التى تهم فلسطين بأجمعها.

      وتستأثر الحكومة المركزية أيضا بالسلطات التى لم ينص على منحها للمناطق في ادارة الحكم فينتخب مجلس نيابي لكل منطقة وكذا يعين المندوب السامي من بين أعضاء المجلس النيابي هيئة تنفيذية مؤلفة من وزير ورئيس ومجلس وزراء بعد استشارة الزعماء. وتتطلب القوانين التى تقرها المجالس النيابية مصادقة المندوب السامي وهذه المصادقة لا تمنع الا فى حالة تنافي القانون المختص مع أداة الحكم وهو شرط يؤدى لضمان السلام في فلسطين وحفظ حقوق الاقليات.

      كما أنه من الضروري أن يحتفظ للمندوب السامي في حالة الطوارىء بحق التدخل عند عجز أى حكومة اقليمية عن القيام بتأدية وظائفها الاصلية أو في حالة تجاوزها هذه الوظائف. ويقوم المندوب السامي في البدايه يعاونه في ذلك مجلس تنفيذي معين من قبله، بممارسة الوظائف التنفيذية والتشريعية للحكومة المركزية وقد يرأس الفلسطينيون بعض أقسام الحكومة المركزية اذا اعتبر المندوب السامي أن ذلك أصبح في حيز الامكان.

      وينشئ المندوب السامي مجلسا لمشروعات التقدم والعمران ومجلسا لتحديد الاسعار مؤلفين من مندوبى الحكومة المركزية وممثل المناطق، وكذلك بنشأ في منطقة القدس مجلس يتمتع بسلطات تماثل سلطات المجالس البلدية ويجرى انتخاب أعضاء هذا المجلس ما عدا عددا معلوما يعينه المندوب السامي أما منطقة النقب فتكون تحت ادارة الحكومة المركزية في الوقت الحاضر.

      هذا المشروع لمنح الحكم الذاتي للاقاليم يحفظ الى حد كبير من تعقيد مشكلة الهجرة اليهودية الى فلسطين ومع أن الرقابة اليهودية على الهجرة تبقى من خصائص الحكومة المركزية غير أنها يجب أن تمارس على أساس توصيات الحكومات الاقليمية وطالما لا يحدث تجاوز لطاقة التشبع الاقتصادي لأية منطقة فالحكومة المركزية ترخص بالمهاجرة التي ترغب فيها الحكومة الاقليمية لتلك المنطقة غير أنها لا تملك حق الترخيص بالمهاجرة بشكل يتجاوز الحد الذى تقترحه الحكومة الاقليمية. بناء على ذلك سيكون لحكومة المنطقة العربية حق التمتع بدورها بالسلطة التامة لمنع مهاجرة اليهود الى منطقتها غير أن المنطقة اليهودية تتمتع بدورها بحق قبول أى عدد من المهاجرين ترغب فيه حكومتها.

      ويقترح الخبراء، كجزء من هذا المشروع، أن يصبح في حيز الامكان قبول توصيات اللجنة الانجليزية – الأمريكية القائلة بادخال 100.000 مهاجر يهودي في الحال إلى فلسطين وباستمرار حركة المهاجرة بعد ذلك. وقد جهز الخبراء مشروعا بنقل 100.000 يهودي من أوربا إلى المنطقة اليهودية في فلسطين ، وسيبدأ بهذا المشروع اذا تقرر تنفيذه بأكمله. فتمنح شهادات المهاجرة بأسرع ما يمكن ويبذل كل مجهود لاستكمال عملية الانتقال في مدة اثنى عشر شهرا من تاريخ بدء المهاجرة.

مؤتمر فلسطين – (تابع) مذكرة مندوبي المملكة المتحدة
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 795 – 801”

       ويختار المهاجرون بادىء ذي بدء من بين اليهود في ألمانيا والنمسا وايطاليا وتمنح الأولوية لمن سبق وصرف ردحا من الزمن في مراكز الإقامة في تلك البلاد ولمن أطلق سراحهم من هذه المراكز ولا يزالون في ألمانيا والنمسا.

       وتمنح الأولوية من بين هذه الجماعات للصناع الماهرين في البناء والزراع والأطفال وذوي العاهات والطاعنين في السن، ويسحب السواد الاعظم من المائة ألف مهاجر من ألمانيا والنمسا وايطاليا، ولا تصرف الشهادات الممكن الحصول عليها لمهاجرة اليهود الموجودين في أى بلد آخر من بلاد شرق وجنوب شرق أوربا الا الاطفال الأيتام فقط. ويسرع في نقل المهاجرين بأقصى درجة تتناسب مع سرعة اخلاء معسكرات الانتقال في فلسطين المعدة لاقامتهم مؤقتا حتى يمكن استيعابهم.

       وينص هذا المشروع على دعوة حكومة الولايات المتحدة لتتحمل وحدها مسئولية نقل المهاجرين الذين نوهت عنهم من أوربا الى فلسطين فتقدم البواخر اللازمة لذلك وتقوم بدفع مصاريف الانتقال وتقوم أيضا بتقديم الطعام لهؤلاء المهاجرين لمدة الشهرين الأولين من وقت وصولهم الى فلسطين.

       ولا شك أن مصاريف نقل واسكان هذا العدد في فلسطين ستكون جسيمة ولما كانت الهيئات اليهودية قد أخذت على نفسها المسئولية المالية فلا يرى الخبراء أي مبرر لعدم الحصول على الاموال المطلوبة من التعويضات واكتتابات اليهود في أنحاء العالم وبواسطة الاقتراض.

       وقد قبل الخبراء توصيات اللجنة الانجليزية – الأمريكية بأن اصلاح شئون العرب الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين هو من الأمور المرغوب فيها وتشمل اقتراحاتهم في فلسطين في هذا الصدد انشاء مصلحة للصحة تضارع ما هو موجود الآن لليهود، وتوسيع نطاق وسائل التعليم، وتسهيل قروض بفائدة بسيطة للعرب المزارعين واتخاذ طرق أخرى تؤدى الى زيادة انتاج الارض، بتنشيط الحركة التعاونية والصناعات الخفيفة وتحسين طرق المعيشة في المدن والريف.

       ولقد لفت المندوبون الخبراء النظر إلى انجاز هذه المشروعات وغيرها لتحسين القروض الاقتصادية ومستوى المعيشة في فلسطين سيتطلب في ابان السنين القليلة الأولى رءوس أموال جسيمة لا يمكن الحصول عليها عن طريق القروض مما يجعل منها عبئا ثقيلا على مالية البلاد. كما أن تكوين النظام الاقليمي سيؤدى الى عجز في ميزانية المنطقة العربية تتطلب تغطية اعانة من قبل الحكومة المركزية. علاوة على ذلك ستحتاج فلسطين إلى مساعدة مالية أخرى في حالة تنفيذ المشروع في مجموعه.

       وقد رأى الخبراء لمواجهة هذه الحالة أن يطلب إلى الولايات المتحدة أن تقدم منحة وافرة إلى حكومة فلسطين للاستعانة بها خصيصا لتمويل مشاريع التحسين التي لا تصلح لنظام قروض الاستهلاك وللمساعدة في تغطية المصروفات الاستثنائية أثناء فترة الانتقال وأن تطالب الحكومة البريطانية بأن تأخد على عاتقها المسئولية النهائية لمقابلة العجز السنوي في ميزانية فلسطين إلى ذلك الوقت الذى تصل فيه ايرادات البلاد الى درجة تجعل ذلك أمرا غير ضروري.

       ويعتقد الخبراء أن احتياج فلسطين الى التقدم الاقتصادي يجب أن يعالج على ضوء

مؤتمر فلسطين – (تابع) مذكرة مندوبي المملكة المتحدة
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 795 – 801”

احتياجات الشرق الأوسط على العموم من هذه الناحية فهم يعلمون أن حكومات الدول الممثلة في الجامعة العربية تدرس الآن وسائل التقدم الاقتصادي في بلادهم فلذلك يقترحون في حالة ملاقاتهم أية صعوبة في سبيل حصولهم على قروض دولية لهذا الغرض أن ترخص الولايات المتحدة بعقد قروض على نطاق واسع للمساعدة على تنفيذ هذه المشاريع وتعقد هذه القروض بواسطة هيئة لائقة للقيام بتقدم شئون الشرق الأوسط بما فيه فلسطين ومن الضروري معاونة شرق الأردن، واذا أمكن سوريا ولبنان، في القيام بأغلب المشروعات الكبيرة التى يمكن استفادة فلسطين منها.

       ويقترح الخبراء في هذا الصدد، بشرط موافقة شرق الأردن، أن يقوم مهندسون خبراء بأسرع ما يمكن بمعاينة موارد المياه المشتركة بين فلسطين وشرق الأردن تحت اشراف الحكومة.

       وهنا أكون قد أتممت فحوى توصيات المندوبين الخبراء. وبما أن حكومة جلالة الملك تعتقد بأن هذه التوصيات هى الوسيلة المثلى للوصول إلى حل هذه المشكلة فقد أخطرنا حكومة الولايات المتحدة باستعدادنا لقبول هذه التوصيات كأساس للمفاوضات وكان أملنا أن تصلنا موافقة الرئيس ترومان قبل البدء في المناقشة ولكن علمنا بأنه قرر نظرا لتعقد هذه المسألة أن يناقش المندوبون الخبراء الأمريكيين بالتفصيل فيها وهم الآن في طريقهم إلى واشنطن لهذا الغرض. فيتضح من هذا أن الرئيس ترومان ينوى أن يستوفي البحث في هذه المسألة وأملنا أن يصل الينا رد منه بالتالى في الوقت المناسب.

       وفي نفس الوقت حيث أن الحالة في فلسطين لا تحتمل أي تأخير فقد دعونا مندوبي اليهود والعرب لمقابلتنا لبحث هذه المسائل ونأمل أن نضع أمامهم مشروع المندوبين الخبراء كأساس لهذه المفاوضات.

       فاذا صادف منهم قبولا فاننا ننوى أن ندمجه في أية اتفاقية وصاية على فلسطين وعلى كل حال أود أن أوضح بجلاء أننا نقصد الاستمرار في مباحثة العرب واليهود في مشروع دستوري على هذا الأساس، لأننا نعتقد أنه يحتوى على مزايا عديدة لكلا الفريقين في فلسطين.

       وسيكون اليهود أحرارا في ممارسة قسط وافر من مراقبة الهجرة إلى منطقتهم الخاصة وكذلك في السعي لتقدم مشروع الوطن القومي اليهودي في تلك المنطقة فتلغي قوانين نقل الأراضي وتصبح في نفس الوقت حكومة المنطقة العربية حرة في السماح أو الرفض لليهود في شراء الأراضي في منطقتها الا أن مساحة المنطقة اليهودية ستكون أوسع من التي لهم الحرية أن يبتاعوا منها الآن.

       وربح العرب هنا ينحصر في تخلص الأغلبية العظمى منهم نهائيا من شبح السيطرة اليهودية وتمتعهم في الحال بقسط وافر من الحكم الذاتي مصحوبا بضمانات قوية لصيانة حقوق الأقلية العربية في المنطقة اليهودية.

       ويفسح هذا المشروع الأمل لكلا الفريقين في رقي يكاد ألا يكون لهم أمل فيه اذا أصبحت فلسطين دولة موحدة.

       ولو أن الأمر لا يظهر جليا الآن فلا شك أن المشروع يترك الطريق مفتوحا للوصول الى تقدم سلمي وتطور دستوري ، اما نحو التقسيم أو نحو وحدة اتحادية

مؤتمر فلسطين – (تابع) مذكرة مندوبي المملكة المتحدة
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 795 – 801”

(فدرالية) بمعنى أن يشترك ممثلو الطرفين في ادارة الشئون المركزية فهناك احتمال أن هذا يؤدي في النهاية الى دستور اتحادي ناضج كل النضوج وان اتضح أن عوامل التباعد أشد من أن تقهر ، فالطريق مفتوح إلى التقسيم.

       ومقترحاتنا لا تمس في كلتا الحالتين هذه النتيجة بأي وجه من الوجوه لأننا نعتقد أن هذا المشروع أعدل وأصوب تسوية بين مطالب العرب واليهود يمكن الوصول اليها وانه أمثل وسيلة للتوفيق بين مصالح الفريقين المتضاربة وانما يتحتم علينا جلاء هذا الأمر ويتوقف التنفيذ الكامل لمشروع الخبراء في مجموعه على تعاون الولايات المتحدة وآمل ان يكون ذلك قريب التحقيق، فان لم يتم فلا مندوحة لنا من اعادة النظر في الحالة، وبالاخص فيما يتعلق بالتعقيدات المالية والاقتصادية مما من شأنه التأثير على سير وقف المهاجرة ومداها وتقدم البلاد.

Scroll to Top