بحث في أساليب الاعتقال والتحقيق والتعذيب التي تتبعها السلطات الإسرائيلية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 618 – 623”
بحث في أساليب الاعتقال والتحقيق والتعذيب التي تتبعها السلطات الإسرائيلية.
(الوطن، المحتل، العدد الثاني والثلاثون، 1/8/1970)
فترة الاعتقال
باشرت سلطات العدو عمليات اعتقال المواطنين الفلسطينيين في المناطق المحتلة بعد حرب حزيران (يونيو) مباشرة، واستمرت العملية حتى وقتنا الحاضر، منتحلة الأسباب والمبررات المختلفة. أما بالنسبة لفترة الاعتقال فتمتد من أسابيع إلى سنوات بحسب المراحل التي تتخذها عملية التحقيق ومحاولة نزع الاعترافات من الموقوفين وكذلك بحسب التهم التي تسند إلى المعتقلين، كما تتوقف فترة الاعتقال على مدى الإهمال والتأخير الذي تتعمده سلطات العدو في البت في قضايا الموقوفين والمعتقلين. وتعمد سلطات العدو إلى الإبقاء على المعتقلين في السجون أطول مدة ممكنة، اذ أنهم يعتقدون انه كلما طالت فترة بقاء المتهم تحت التعذيب في السجن كلما ساهم في الإسراع بالاعتراف والإدلاء بالمعلومات التي تريدها السلطات المحتلة لأغراضها. وعادة، لا يتم الإفراج الا بإبعاد المعتقل أو إرغامه على مغادرة الأرض المحتلة بشتى الأساليب.
دوافع الاعتقال
الدافع الأساسي لسلطات العدو في اعتقال شباب وفتيات المقاومة والثورة الفلسطينية في المنطقة المحتلة هو حصر هذه العناصر ومراقبتها وإضعاف قوتها والحد من نشاطها. ونلاحظ ان حجم الاعتقالات أخذ بالتزايد إلى ان غصت السجون في الوقت الحاضر بالآلاف وتزداد حركة الاعتقال الجماعي بعد كل حادث يقوم به أبطال المقاومة والثوار في ضرب أهداف إسرائيلية سواء في المناطق المحتلة بعد حزيران (يونيو) أو في قلب فلسطين المحتلة.
ومن الدوافع الأخرى لحركة الاعتقالات الواسعة بتر وسائل الاتصال المباشر وغير المباشر بين المناضلين، وقطع العلاقات التنظيمية بين المنظمات الفدائية وبين الثوار في المناطق المحتلة.
أما بالنسبة للاتهامات التي توجهها سلطات الاحتلال إلى المعتقلين للقبض عليهم فهي متنوعة. فقد يعتقل العديد من الشباب لمجرد الاشتباه بهم، وقد يكون سبب الاعتقال توجيه التهمة بحمل المتفجرات والتنظيم السري وتدريب آخرين على المقاومة وتوزيع النشرات والتحريض علي الإضراب والمظاهرات والاتصال مع المنظمات الفدائية، إلى غير ذلك، أو القيام بما يسمونه بالتسلل إلى المنطقة المحتلة وحمل السلاح واستعماله ضد الإسرائيليين أو تفجير المتفجرات.
مكان الاعتقال
عندما يتوفر لدى سلطات الاحتلال ما تعتبره براهين وأدلة أولية على اتهام أحد الأفراد، تلجأ إلى اتباع أسلوب المفاجأة في مواجهة الفرد المطلوب في مكان عمله، في الشارع، في الأماكن العامة، أو في البيت دون أي اعتبار إلى القواعد الإنسانية وحرمة البيت أو المكتب.
وتتم عملية الاعتقال بواسطة استخدام عدد من السيارات محملة بالجنود مدججين بكامل أسلحتهم، ورجال المخابرات والشرطة بحيث يفرضون جوا من الإرهاب لكي تستطيع هذه القوة إجراء عملية الاعتقال دون إعطاء الفرصة للفرد لإبداء وجهة نظره أو الدفاع عن نفسه أو الفرار، وكثيرا ما تكون علنية لإرهاب المواطنين وإلقاء الرعب في قلوبهم. ولا يلتفت الجنود ورجال الشرطة إلى توسلات ذوي المعتقل أو حتى لإعداد الملابس والحاجات اللازمة له في الطريق المجهول. ولالقاء القبض على الفرد المطلوب يقوم الجنود ورجال الشرطة بضرب طوق على البيت وتدخل قوة منهم مصوبة الرشاشات نحو الفرد، ويأمرونه بالتوجه إلى العربة تحت الحراسة الشديدة، ثم يؤمر بالتمدد في أرضية العربة ملقى على وجهه بعد ان يعصبوا عينيه ويضعوا على جسمه كيسا من الخيش، ويقوم الجنود المرافقون بوضع أرجلهم على جسم المعتقل الذي يبقى في هذا الوضع حتى وصوله إلى أول مخفر للشرطة في المنطقة ويركلونه بين الفينة والأخرى.
<1>
بحث فى أساليب الاعتقال والتحقيق والتعذيب التي تتبعها السلطات الإسرائيلية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 618 – 623”
مراحل الاعتقال
تتخذ عملية الاعتقال عدة مراحل منذ اللحظة الأولى التي يلقى فيها القبض على المواطن في أحد الأماكن التي أشرنا اليها، إلى ابعاده للضفة الشرقية من الأردن أو الحكم عليه بالسجن لعدة سنوات في معتقلاتهم. ويجري في المرحلة الأولى المباشرة للاعتقال، التحقيق مع المناضل المعتقل في مركز الشرطة أو في مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي، وتحاول السلطات الإسرائيلية إرغام المعتقل على الاعتراف بالأسلوب اللين ثم بالتهديد والوعيد. واذا لم يعترف المعتقل يصار إلى المراحل التالية التي تتميز بالانتقال من سجن إلى آخر مع التعرض لأنواع شتى من التعذيب والإذلال في كل حالة.
ينقل المعتقل من مركز الشرطة إلى سجن المنطقة مثل نابلس لمنطقة محافظة نابلس، وسجن غزة لقطاع غزة، وسجن رام الله لمنطقة رام الله، والمسكوبية لمنطقة القدس وبيت لحم، وهكذا. واذا لم يحصل المحققون على أي اعتراف أو معلومات من المعتقل تقوم السلطات الإسرائيلية بنقله إلى سجن صرفند معصوب العينين وتحت الحراسة الشديدة، ويكون في انتظاره برنامج حافل بشتى ألوان التعذيب لإرغامه على الاعتراف.
أما اذا تمكن المعتقل من ضبط النفس وعدم الاعتراف أو الإدلاء بأية معلومات قد تساهم في ادانته أو القبض على زملائه أو أفراد أسرته بالرغم من التعذيب الشاق الذي يتعرض له في سجن صرفند، فان عدم اعترافه هذا، يؤدي بالسلطات المحتلة إلى اخراجه من سجن صرفند تحت الحراسة الشديدة إلى سجن المنطقة حيث يتم ايقافه لفترة ما إلى ان يبت في أمره بعد المحاولات الأخيرة لنزع أي اعتراف منه والحصول على معلومات حول نشاط المعتقل، ومن ثم يتم ابعاده إلى الضفة الشرقية أو تشكيل محكمة صورية، بحيث يعلن الحكم عليه بالسجن عدة أشهر أو عدة سنوات بحسب التهمة التي تتفق مع أهواء القضاء والمحققين العسكريين. وفي حالات أخرى، يطلق سراح المعتقل ويبقى تحت المراقبة وتفرض عليه الإقامة الجبرية في منزله.
التحقيق والمحققون
من يقوم بعملية التحقيق وعددهم ونمط التشكيلات المتنوعة التي تضم الإخصائيين في المجالات المختلفة؟ وما الأسلوب المتبع في التحقيق ومدة التحقيق في كل جلسة والحالة الجسمية والنفسية التي يكون فيها المناضل العربي المعتقل قبل وأثناء وبعد للتحقيق؟
لقد جندت السلطات الإسرائيلية فريقا من الخبراء المدنيين والعسكريين من اليهود الشرقيين والغربيين، ويدخل ضمن هؤلاء أفراد حصلوا على التدريب في أوروبا حيث تتبع أحدث الأساليب الجسمية والمعنوية في التعذيب الذي يصل إلى التشويه الجسمي أو احداث الخلل العقلي للأفراد المحقق معهم.
وقد تبين من الدراسة ان عدد المحققين في كل جلسة يتراوح بين محقق واحد إلى خمسة محققين من ذوي الاختصاصات المختلفة، مثل علماء النفس وعلماء الجريمة، والتحليل النفسي، والخبراء العسكريين والسياسيين، وقد ترددت أسماء بعض المحققين الإسرائيلين بحيث تمكن المعتقلون الذين أجريت معهم الدراسة من معرفة الأسماء الأولى لهم أو ألقابهم وقد وردت الأسماء التالية على سبيل المثال لا الحصر: جولان، ليفي سامي، ابو الشوارب، توفلسكي اسبير ابوزليخه، مردخاي، يعقوب سابير، زكي، هارون، موشيه، شواد، باروخ، هالبورن.
ويتضح لنا من التدقيق في هذه الأسماء ان أصحابها من الإسرائيلين الشرقيين والغربيين على السواء، وبذلك فإن السلطات الإسرائيلية تستخدم اليهود الشرقيين الذين ترعرعوا في الوسط الثقافي العربي والفوا التقاليد والقيم العربية فعرفوا بالتالي الجوانب المختلفة للشخصية العربية ومقوماتها، وتنعكس هذه الظاهرة في اختيار أساليب التعذيب التي تهز كيان المناضل العربي في الصميم.
وهناك ملاحظة أخرى تدور حول تقسيم العمل بين المحققين مع المناضل المعتقل، اذ ان تقسيم العمل يبدو واضحا في عملية التحقيق حيث يعمل المحققون بالتناوب فترة زمنية قد تمتد من ثلاث إلى أربع ساعات متتالية، يتخللها الضرب والتعذيب الجسماني أو تخدير المعتقل بواسطة الشراب أو التطعيم بأمصال لها تأثيرها على فقدان الذاكرة. ويستهدف المحققون بإطالة فترة التعذيب وتنويعه ارهاق المعتقل جسميا وعقليا.
ويتراوح معدل عدد الجلسات الخاصة بالتحقيق ما بين عشر وخمسة عشر جلسة للمعتقل الواحد طوال فترة الإعتقال، وقد يقضى المعتقل عدة أسبايع في السجن دون ان يطلب مرة واحدة للتحقيق.
وهناك حالات يخضع المعتقل فيها لعدة جلسات من التحقيق والتعذيب خلال أيام قليلة. هذا وتتكرر جلسات التحقيق والتعذيب في حالة اعادة اعتقال المواطن العربي للمرة الثانية أو الثالثة قبل ابعاده نهائيا خارج الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وبالإضافة إلى المحققين، يقف حول المعتقل عدد من الأشخاص على أهبة الاستعداد للحراسة والتعذيب الجسماني اذا رأى المحققون ضرورة مثل هذا الإجراء.
ونستنتج من هذا كله ان عملية التحقيق تتم بالتعاون مع
<2>
بحث فى أساليب الاعتقال والتحقيق والتعذيب التي تتبعها السلطات الإسرائيلية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 618 – 623”
فريق من الاخصائيين والخبراء في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الجرائم، بالإضافة إلى اولئك الأشخاص الذين توافرت لديهم الخبرة العملية في التحقيق مع المواطنين العرب منذ قيام دولة إسرائيل.
التعذيب أثناء التحقيق
مع المعتقلين في سجون العدو
أشرنا في الفقرات السابقة إلى ان السلطات الإسرائيلية تسعى جاهدة لضرب المقاومة العربية بشتى الوسائل والأساليب الإرهابية النازية. وبما ان إسرائيل تعمل على ضم الأراضي العربية التي احتلتها بعد حرب الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967 تحت شعار إسرائيل الكبرى، فهي تعتقد بضرورة اخضاع المواطنين العرب في الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان تحت سيطرتها منتهجة أسلوب الترغيب والإغراء تارة، والتهديد والوعيد تارة أخرى. غير أنه أصبح من الواضح انه فات إسرائيل ان تقدر حق التقدير ان اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم وسلبوا ممتلكاتهم ووطنهم وعاشوا طوال فترة العشرين عاما على فتات ما تقدمه وكالة الغوث الدولية من قوت ومأوى، قد هيأوا جيلا يحمل السلاح وشعار المقاومة ضد الاحتلال والصهيونية ولاسترداد الوطن السليب. وأصبح حمل السلاح والانخراط في سلك الفدائيين شرفا عظيما ينتظم تحت لوائه الفلسطينيون من سكان المخيمات وكذلك المقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة والمناطق المحتلة عام 1948.
ولقد استعمل الإسرائيليون كافة الوسائل للتفريق ولتمزيق وحدة المجتمع العربي في مدن الضفة الغربية وقراها، وجندوا بعض العملاء وقوى الأمن لمتابعة الاجتماعات والحركات التي ينظمها أبناء فلسطين، ونتيجة لهذه المتابعة زجت سلطات العدو بالألوف من الشباب والفتيات في السجون، واتخذت احكاما متنوعة بعد عقد المحاكمات الصورية.
وتعرض المواطنون إلى أشكال متنوعة من التعذيب والتنكيل على أيدي أناس لا يعرفون معنى للإنسانية ولا يدرون شرف الدفاع عن الوطن والذود عن الكرامة.
ولكي نوضح الأساليب البشعة التي تتبعها السلطات الإسرائيلية في تعذيب المواطنين في السجون فقد اهتمت هذه الدراسة بتسجيل تفاصيل التعذيب كما رواها المواطنون الذين أبعدوا عن منازلهم إلى الضفة الشرقية.
والهدف من السجن والتعذيب كما تبين من خلال الوثائق والحقائق التي أفضى بها الأخوة الذين أمضوا فترة زمنية تمتد إلى عدة أشهر في سجون إسرائيل هو:
أ – تحطيم الشخصية وإذلال المواطن العربي الحر.
ب – التعذيب النفسي عن طريق رفع الشهية إلى أعلى حد ممكن.
جـ – عملية غسل الدماغ أو تنظيف العقل الباطن حتى فقدان الذاكرة ثم محاولة تثبيت الدعاية الصهيونية في تفكير المعتقل.
مراحل التحقيق والتعذيب
ويمكن تقسيم أساليب التعذيب في السجون إلى أربع مراحل يمر بها المعتقل، كل مرحلة لها خصائص ومميزات.
المرحلة الأولى
تبدأ المرحلة الأولى في سجن المنطقة التي يقيم بها المواطن الحر بعد اعتقاله بالطريقة التي أسلفنا ذكرها.
ويبدأ التعذيب باستعمال الطرق البدائية المعروفة، ويقوم المحقق أو المسؤول في مركز الشرطة أو السجن باستجواب المعتقل وحثه على الاعتراف الفوري والتحدث معه بنوع من اللين، مستخدما الجوانب العاطفية والثناء على المعتقل وإبراز خصائصه ومقومات وذكر تاريخ حياة المعتقل وأهم نشاطاته المختلفة وذلك لإقناع المعتقل بأن لدى السلطات الإسرائيلية المعلومات الوافية عن حياته وعن نشاطه السياسي، وما عليه الا الاعتراف طالما ان السلطات تعرف كل شيء عنه. وبعد ذلك يأخذ المحققون في تهديد المعتقل بنسف منزله والتنكيل بأفراد أسرته وعائلته والقضاء على حياته اذا أصر على عدم الادلاء بأية معلومات، وفي هذه المرحلة يسعى المحققون جاهدين لتحطيم شخصية المعتقل والنفاذ إلى مواطن الضعف لإيجاد مداخل إلى النفس البشرية، وعلى ضوء استنتاجاتهم يحددون نوع الأدوات التي سيستعملونها في المراحل التالية من التعذيب.
المرحلة الثانية
ينقل المعتقل إلى سجن آخر ويكون عادة سجن المسكوبية بالقدس، وقد خصصت السلطات الإسرائيلية هذا السجن لعمليات تعذيب الشهية لدى المعتقل، ويقصد بالشهية أو (الانا الهو) على رأي سيغموند فرويد وهى تلك الأمور والحاجات الأساسية من ضرورات الحياة مثل المأكل والملبس والمشرب والنوم والجنس. وتعذب الشهية لدى الانسان عن طريق منع الأكل والنوم والشرب والراحة والضرب وشد أطراف الجسم وتمرير التيار الكهربائي على الجسم والرأس والتعرض لحالات جنسية مهيجة.
ولا بد من التفصيل في أنواع التعذيب المختلفة في هذه المرحلة:
التعذيب الجسمي
يتخذ التعذيب الجسمي للمعتقلين عدة أشكال نورد منها ما جاء على لسان المعتقلين الذين كانوا موضوع الدراسة، والذين طردتهم السلطات الإسرائيلية وأبعدتهم بالرغم من
<3>
بحث في أساليب الاعتقال والتحقيق والتعذيب التي تتبعها السلطات الإسرائيلية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 618 – 623”
ارادتهم إلى الضفة الشرقية من الأردن.
1 – الضرب:
تستخدم العصي من الخيزران وأنابيب من الحديد والأسواط الجلدية في ضرب المعتقل على مختلف أنحاء الجسم من الرأس إلى القدم دون تحديد، ويستمر الضرب حتى يترك آثاره على الجسم أو إلى ان يغمى على المعتقل. ويقصد بالضرب المبرح ايذاء المعتقل.
هذا ويحرم المعتقل من مراجعة الطبيب في حالات الشعور بالألم أو الاصابة بسبب الضرب.
كما وتستخدم السلطات المحتلة اليدين والرجلين في ضرب المعتقل وركله مدركة بأن هذا النوع من الضرب يؤدي إلى إهانة المناضل العربي وتحطيم شخصيته وكرامته.
2 – التيار الكهربائي:
تستخدم السلطات الإسرائيلية التيار الكهربائي في التعذيب الجسماني للمعتقلين وذلك كما يلي:
أ – ربط اليدين أو الرجلين بتيار كهربائي تتراوح قوته بحيث ينتفض له جسم المعتقل.
ب – تسليط التيار بواسطة أسلاك مربوطة بجهاز يوضع على رأس المعتقل.
جـ – تيار كهربائي في الماء ويجبر المعتقل على وضع يديه في حوض الماء المشحون بحيث يرتعش جسم المعتقل.
د – يرتدي المعتقل معطفا مبطنا بأسلاك كهربائية وكلما استنشق المعتقل الهواء (شهيق) يلتصق المعطف بالجسم التصاقا وثيقا وفي حالة اخراج الهواء (زفير) يضغط المعطف على صدر المعتقل المنكمش، وتستمر العملية فترة عشر دقائق بشكل يشعر المعتقل معه بالاختناق نتيجة الضغط المتواصل من المعطف المكهرب على الصدر.
3 – التعليق وتمديد الجسم:
يستعمل المحققون والقائمون على تعذيب المعتقلين العرب وسائل تهدف إلى خلخلة مفاصل الجسم وتفتيت الأنسجة والشرايين، وقد يترتب على ذلك نزيف دموي داخلي.
ويتم التعليق بواسطة ربط اليدين بسلاسل حديد، وتثبت في بابين كل واحد في زاوية من زوايا الغرفة، ثم تغلق الأبواب بطريقة تدريجية بحيث تمتد يدا المعتقل إلى اقصى حد ممكن، وكثيرا ما تسبب هذه العملية شل اليدين من مواقع الكتفين.
4 – الزجاجى والمسامير:
اتضح ان القائمين على التعذيب في سجن صرفند يجبرون المعتقلين على المشي حفاة في منطقة حول السجن مرشوشة بالزجاج المحطم والمسامير الصغيرة، ويكون المعتقل في هذه الحالة معصب العينين بحيث لا يتمكن من رؤية الطريق التي يسير فيها.
وتكون النتيجة أن يعود المعتقل إلى زنزانته مثخنا بجروح في أسفل القدمين.
5 – الزنزانة:
الزنزانات التي يعيش فيها المعتقلون الفلسطينيون العرب هي عبارة عن غرف مظلمة معزولة عن ضوء الشمس ولا يزيد حجمها عن نصف متر في الطول والعرض ومترين في الارتفاع، ويوجد فيها سطل يحتوي على الماء القذر، وتستخدم أيضا كمرحاض للمعتقل ويثبت في أحد جدران الزنزانة مكبر للصوت بحيث اذا تحدث المعتقل أو طلب الماء يسمع صدى صوته في قاعة السجن، وهذا يزيد من توتر أعصاب كافة السجناء في القاعة الواحدة.
ويجبر المعتقل على الوقوف طوال الوقت، ويحال بينه وبين النوم، اذ يقوم أحد الخفراء بالضرب على باب الزنزانة بحيث تحدث دويا مزعجا، هذا بالاضافة إلى رش الماء على أرض الزنزانة، وفي الشتاء لا يزود المعتقلون بالأغطية مما يعرض معظمهم إلى امراض الروماتيزم في مختلف أنحاء الجسم.
التعذيب الجنسي:
يتخذ التعذيب الجنسي أشكالا متنوعة نورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر.
أولا – الضرب بعصي من البلاستيك على الأعضاء الجنسية للرجال، ومحاولة ايلاج العصي البلاستيكية في العضو الأنثوي التناسلي أو شرج الرجل، وذلك لإهانة الكرامة وجرح كبرياء العرب.
ثانيا – استخدام المومسات الإسرائيليات في السجن في محاولة اغراء الشباب العرب بتقديم المشروبات الروحية وهن في ثياب مغرية لاستدراج الشباب إلى ممارسة العملية الجنسية معهن، وهذا – بنظر الإسرائيليين – يضعف مقاومة الأسرى والمعتقلين ويدفعهم إلى الاعتراف.
ويقصد بالتعذيب الجنسي اغراء المعتقل ورفع شهيته الجنسية لاعتقاد الإسرائيليين بأن الشباب العرب يعانون من الكبت الجنسي خلال فترة المراهقة وما بعدها، مما يعرضهم للضعف المعنوي ازاء العرض الجنسي للإناث.
أما المرحلة الثانية من التعذيب فتعتبر من أهم المراحل التي لها تأثيرات نفسية واضحة على المعتقل ومن أشد المراحل تأثيرا على العقل الباطني.
ويكون المعتقل في حالة جسمية منهكة بعد كل فترة تعذيب قد تصل حالته فيها إلى الإغماء وعدم المقدرة على الحركة، وان الانهيار الذي يصيب المعتقل لا يكون بتأثير الضرب والتعذيب الجسماني فحسب، بل نتيجة للصراع النفسي الذي ينتاب المعتقل بين العقل الباطني والشهية. أي أن إحتمال الإنهيار والاعتراف في هذه المرحلة محتمل،
<4>
بحث في أساليب الاعتقال والتحقيق والتعذيب التي تتبعها السلطات الإسرائيلية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 618 – 623”
وذلك لان القوى الجسمية والمقدرة على المقاومة تضعف تدريجيا أمام التعذيب المتواصل والتعرض إلى مواقف قد يكون لها تأثير سلبي على صموده بحيث يتحمل المزيد من آلام الضرب والشد والإرهاق والجوع.
المرحلة الثالثة
اذا أصر المناضل المعتقل رغم المرحلتين السابقتين على عدم الاعتراف أو الادلاء بأية معلومات تفيد العدو، واذا ما شعرت السلطات الإسرائيلية بان جميع المحاولات السالفة الذكر لم تحقق النتائج المترقبة، فانهم ينقلون المناضل المعتقل إلى سجن صرفند، وفي هذا السجن يتركز توجيه التعذيب إلى العقل الباطني بالإضافة إلى التعذيب الجسماني.
والجدير بالذكر ان المعتقل الذي يساق إلى سجن صرفند من سجن نابلس أو رام الله أو المسكوبية، يكون معصوب العينين، وتحتوي العصابة على مساحيق كيمائية لها تأثير على استنزاف الماء من أعين المعتقل. وعندما تفك العصابة يتساقط الماء (بحجم كوب) ويكون مصدر الماء الدموع التي تذرفها العينان والتي ترتبط بالأعصاب المتصلة بالدماغ.
يدخل المعتقل إلى غرفة ضيقة قذرة وملطخة بالدم، ويمنع من الأكل والشرب لمدة 24 ساعة، تقدم له وجبة مؤلفة من قطعة صغيرة من الخبز الجاف وحبة بندورة وكمية قليلة من الزيتون.
ومن الأساليب المتبعة في إثارة الرعب والخوف في نفس المعتقل استخدام الكلاب والتهديد بالرمي والقتل. عندما يخرج المعتقل من زنزانته وهو معصوب العينين ( وذلك خوفا من رؤية المعتقلين الآخرين في الزنزانات المجاورة ) يتعرض لهجوم من الكلاب المدربة التي تقفز على صدره. وبعد ذلك يقاد إلى ساحة خارج السجن ويتعرض نفسيا للقتل رميا بالرصاص اذا لم يعترف. واذا أصر المناضل ان لا شيء لديه ليعترف به، فان المعذبين الإسرائيليين يقودونه إلى مكان فيه حفرتان مما يعد لدفن الموتى، وتكون في الأولى دمية تشبه الرجل مغطاة باستثناء الرأس والقدمين، ويقولون للمعتقل ان هذا الرجل قتل بالرصاص لانه لم يعترف، وسيكون مصيرك مثله ويطلقون الرصاص على الحفرة الأولى، وينطلق صوت رجل أخر مختبئا بجوار الحفرة الأولى، ويظن المعتقل بأن الرصاص أصاب الرجل (الدمية) الممددة في تلك الحفرة. وبعدها يجبر المعتقل على ان يتمدد في الحفرة الثانية وهو معصوب العينين، ويقوم جندي بإطلاق الرصاص في الهواء وعلى جانبي الحفرة ليوهم المعتقل بانه يطلق الرصاص عليه، وبعد ان ينتهي الجندي من إطلاق الرصاص ينهض المعتقل، ويقول له الجندي هذه المرة لم نقتلك ولكن اذا لم تعترف ففي المرة الثانية لا مفر لك من الموت، وتعاد الكرة مرة أخرى وثالثة ثم يعود المعتقل إلى زنزانته اذا لم يعترف.
ويلجأ المحققون الصهاينة بعد ذلك إلى التحقيق مع المناضل المعتقل بواسطة التحليل النفسي الجرائمي، اما بواسطة شراب بارد بعد منع الماء عن المعتقل مدة من الزمن، ويكون الشراب إما توتا أو برتقالا أو ليمونا يحتوي على كميات من المواد الكيمائية التي تلعب دورا هاما في تخدير المعتقل.
وهناك طريقة أخرى يتبعونها وهي الحقن، حيث يعطى حقنة في العضل لها نفس المفعول مثل الشراب المخدر. وتساعد هذه العقاقير على وضع المعتقل في حالة يفقد فيها السيطرة على العقل الخارجي في حين ان العقل الباطني لا يزال نشيطا. ويقدر المحققون انه في خلال ساعتين من تناول المخدرات يحصلون على الاعتراف الكامل من المعتقل، ويقومون في الفترة المتبقية، وهي مدة تتراوح ما بين 22 ساعة و44 ساعة، بعملية غسل دماغ حيث يقوم المحللون النفسانيون بتلقين المعتقل أفكارا جديدة تستهدف بجوهرها إقناع المعتقل بالتخلي عن كافة المحاولات التي يقوم بها المناضلون، وان لا فائدة ترجى من أعمال المقاومة، وان الدول العربية برمتها غير قادرة على مقاومة إسرائيل، وان لإسرائيل عملاء في جميع الدول العربية حتى بين كبار الشخصيات، وان العرب لن يتمكنوا من التغلب على إسرائيل مهما حاولوا، وان الفدائيين لا يستطيعون تحرير فلسطين حيث ان الجيوش العربية النظامية برمتها فشلت في تحقيق هذا الهدف، إلى غير ذلك من الأفكار التي تقلل من قيمة العمل الفدائي والمقاومة الشعبية وجدواهما.
وتهدف عملية غسل الدماغ إلى تكوين عقل باطني جديد للمعتقل حسب رغبات المحققين النفسانيين وأهوائهم، وتتم العملية بواسطة المحقق النفساني بمعدل ساعة كل ساعتين أو بواسطة المسجل ولنفس المدة المذكورة.
ولا بد لنا من الإشارة في هذا الصدد بأن التحليل النفسي للمعتقلين قد حرم دوليا، وتأخذ الدول المتقدمة كلها بهذا المفهوم، ولا تطبق التحليل النفساني للمعتقلين مهما كانت دوافع السجن والاعتقال. أما السلطات الإسرائيلية فانها كالعادة لا تكترث بالقوانين الدولية أو الإنسانية المحضة.
والسبب في تحريم التحليل النفسي للمعتقلين هو المضاعفات التي تلحق بالمعتقل بعد التحليل، فربما يصاب المعتقل بمرض عقلي أو يفقد ذاكرته ولا يستفاد منه في المحاكمة، ويصبح بعد ذلك عالة على المجتمع ويفقد المنطق
<5>
بحث في أساليب الاعتقال والتحقيق والتعذيب التي تتبعها السلطات الإسرائيلية العقلي المتزن (العقل الباطني). وبعد ان ينتهي الإسرائيليون من التحليل النفسي للمناضل المعتقل وغسل دماغه يعيدونه إلى السجن الأول. المرحلة الرابعة يضع المحققون تقريرا وافيا عن المعتقل، وبيانات ببرنامج العمل بعد ان يعود من سجن صرفند إلى السجن الأول، ثم يخلى سبيله بعد فترة من الزمن ويبعد إلى الضفة الشرقية نهائيا. هذا اذا لم يقدم للمحاكمة ويحكم عليه بالسجن للمدة المقررة. <6> |