برقية الملك حسين إلى العقيد معمر القذافي بمناسبة اجتماع بعض الرؤساء العرب في طرابلس
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 650 – 652 “
برقية الملك حسين إلى العقيد معمر القذافي، رئيس مجلس
قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء الليبي، بمناسبة
اجتماع بعض الرؤساء العرب في طرابلس للتداول في
حوادث الأردن.(1)
عمان، 29 / 7 / 1971 |
| ( الرأي، عمان، 30 / 7 / 1971 ) |
السيد الرئيس معمر القذافي، رئيس الجمهورية العربية الليبية – طرابلس.
أود أولا أن أشكر لك دعوتك التي لم تصلني لحضور المؤتمر الذي ينعقد في بلدكم الشقيق . واعتذر عن عدم حضوري المؤتمر العتيد، وهو المكرس لبحث أمور تتعلق أولا وآخرا بالاردن ودوره في المسيرة العربية المشتركة.
وأحب من بعد، أن اعيد الى الذاكرة بأن بلدي الذي يجري البحث على ما يبدو لتحديد المواقف منه ، هو البلد العربي الصامد في وجه ما يتهدد مصير الامة العربية في المشرق العربي بعامة والقضية الفلسطينية خاصة من تحديات واخطار، وهو هو البلد الواقف على أطول خط من خطوط المجابهة الفعلية مع العدو المشترك . ولقد كان بلدي وسيظل رمزا للارادة العربية الاصيلة التي تواجه التحديات بشرف ورجولة وكرامة، وكانت قواته العربية المسلحة وستظل مثلا للبطولة الحقة والتضحية الصادقة، تجسد فيما تجسد قيم شعبنا الواحد في ضفتي المملكة ومثل أمتنا الماجدة في وطنها الكبير.
من هنا فان رسالتي هذه اليك موجهة معك الى كل من يحضر المؤتمر من المسؤولين العرب، املاها واجبي نحو بلدي وأمتي وقضيتها المقدسة، وحدا بي الى ارسالها كونك واخوانك تحملون المسؤوليات الاولى، كل في بلده الشقيق، ورجائي ان تنقلوها اليهم جميعا بالسرعة الممكنة.
وقد يكون من حق الاردن قبل كل شيء أن أعيد أيضا الى الذاكرة انه كان أول من نادى بوحدة خطوط المجابهة مع العدو ايمانا منه بوحدة أمته هدفا ومسيرة ومصيرا، ومن هنا كانت مواقف الاردن في كل محنة تعرضت لها أمته، ومسارعته الى الوقوف بجانب أشقائه كلما ألمت بهم محنة العدوان. وكانت ذروة تلك المواقف خوضه المعركة عام 1967 رغم كل ما كان يحذر منه ويدركه من أسباب الضعف العربي في الاعداد والحشد والتخطيط. وهو قد خاضها لأن الشرف يفرض عليه ان يخوضها ووفاء منه لما آمن به على الدوام من أن المصير العربي هو مصير واحد، وان الخطر الذي يهدد العرب في أي جزء من وطنهم انما يتهددهم جميعا في كل مكان.
ولقد كان الاردن حتى عام 1967 لا يبيح لأية جهة أن تتسلل الى داخل الارض المحتلة للقيام بأية عمليات، وذلك تنفيذا لتعليمات القيادة العربية الموحدة وقرارات القمة العربية المتتابعة التي رأت ان تمنع ذلك ريثما يتحقق للعرب ما يطمعون فيه من توازن في القوى مع عدوهم، وكيلا نعطي عدونا مبررا امام العالم لفرض المعركة علينا قبل اوانها، وهو ما وقع بالفعل وأدى الى ما أدى اليه من احتلال فلسطين بكاملها باضافة الى اجزاء غالية من الاراضي العربية الاخرى. واما بعد عام 1967 فقد هيأت الظروف، وفرض قيام الاحتلال، وجوب مقاومة العدو في كل الارض المحتلة، وهو ما آمن به الاردن الايمان كله، ففتح ابوابه امام المقاومة على مصاريعها، وكذلك فقد آمن الاردن بأن عليه أن يعيد على الفور بناء قواته المسلحة وهو ما عمد الى تحقيقه معتمدا على بذل شعبه وعطائه، وعلى دعم اشقائه ومساندتهم ولا سيما بعد مؤتمر القمة بالخرطوم.
(1) اشترك في هذا الاجتماع الرؤساء أنور السادات رئيس الجمهورية العربية المتحدة، وحافظ الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية، والعقيد معمر القذافي، وعبد الرحمن الارياني، رئيس المجلس الجمهوري في الجمهورية العربية اليمنية، وسالم علي ربيع.
<1>
برقية الملك حسين إلى العقيد معمر القذافي بمناسبة اجتماع بعض الرؤساء العرب في طرابلس
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 650 – 652 “
وجاءت حركة الأردن في هذين الاتجاهين الرئيسيين في إطار ادراكه التام بانه لا حل للقضية إلا من خلال توفر الحد المطلوب من التنسيق – والتعاون العربيين، وبالتالي توجيه الفاعليات العربية من أجل انقاذ المقدسات وتحرير الشعب وانتزاع الحق كاملا اقتناعا منه بأن أية تجزئة للقضية لا بد وان تعود بالضرر علينا أجمعين.
ثم أود أن الفت النظر الى الرسالة التي وجهتها الى جميع الاخوة القادة العرب في السابع والعشرين من رمضان المبارك سنة – 1390 هجرية الموافق 25 تشرين الثاني ( نوفمبر ) سنة 1970 ميلادية داعيا إياهم الى الاجتماع بمستوى القمة لبحث موضوع من أخطر المواضيع وأهمها وأدقها، وهو القضية الفلسطينية وذلك في ضوء ما وجدناه يحيط بها من تطورات وأخطار. ولئن كانت دعوتنا لم تحقق غرضها في عقد الاجتماع المطلوب، فاننا نرى ان ظروف اليوم ليست الا نتيجة مباشرة لبعض تلك التطورات والاتجاهات التي أشرنا اليها في تلك الرسالة بصراحة ووضوح، والتي كنا نأمل ان يتم بحثها وتجري مواجهتها بصراحة ووضوح كذلك.
كما أود ان الفت النظر أيضا الى رسالتي الاخيرة بتاريخ 21 / 7 / 1971 والتي شرحت فيها العديد من المرتكزات التي تقوم عليها مواقف الاردن واتجاهاته. وقد رحبت في تلك الرسالة بالاشقاء يأتون الينا على أي مستوى ليشاهدوا ويتحروا الحقيقة بأنفسهم قبل أن يندفعوا في طريق الاتهام والتجني، وقبل ان يحددوا المواقف ويتخذوها من بلدهم هذا، بلد التضحية والصمود.
لقد علمت بأنكم تجتمعون اليوم في ضوء اتفاقية القاهرة وما تبعها من اتفاقات. وأحب هنا ان أقرر بأنني لم أذهب يومها الى القاهرة الا رغبة في انهاء كل أسباب الضعف والتفكك في الموقف هنا، وفي العالم العربي، والقضاء على ما نعانيه من أسباب الفوضى والتشتت والضياع، وانطلاقا من حرصنا الدائم على حقن الدماء وصون الطاقات والامكانات وادخارها للمعركة. فقد أردناها نقطة تحول كبير تحقق لنا فاعلية في مقاومة الاحتلال حيث يفرض ظله على الاهل في الارض المحتلة، وتؤمن صفاء الوحدة الوطنية لشعبنا الصامد في وجه المعتدين، وتحمي جبهتنا الداخلية من مراكز القوى التي تنمو على حساب الشعب وتتاجر بمصالحه وأمانيه،: تعمل في صفوفه. تهديما وتخريبا، والوصول بتلك الجبهة الى درجة من المناعة تكون فيها ظهيرا لقواتنا المسلحة، تزيد من صلابتها ومعنوياتها وتضاعف من قدرتها على اداء واجبها القومي الخطير.
ومنذ التوقيع على تلك الاتفاقية، أو الاتفاقيات، والطرف الاخر يفتعل المشاكل ويثيرها في المدن التي نصت الاتفاقية على اخلائها من السلاح والمسلحين. ومنذ ذلك الحين والطرف الآخر يحشد في المدن آلاف الاطنان من: الأسلحة الثقيلة التي ما زلنا نكشف عن مستودعاتها حتى اليوم. ومنذ ذلك الحين والطرف الآخر ماض في اعلامه بغوغائية فاجرة جاوزت في افكها وبهتانها كل الحدود. ومنذ ذلك الحين والطرف الاخر يقيم التنظيمات السرية التي تمارس اغتيال المواطنين الابرياء وتقترف جرائم الهدم والتخريب في الاقتصاد الوطني ومرفق الحياة العامة في البلد كله. ومنذ ذلك الحين، وقبل ذلك الحين، والطرف الاخر مصر على التواجد في اماكن، كجرش وعجلون مما لا علاقة له باسرائيل وتحرير الاراضي المغتصبة.
ويقينا أن المقاومة لو كانت جادة في التزامها باتفاقية القاهرة وغيرها، او جادة في التزامها بهدف التحرير المقدس، لكانت لمت صفوفها ووحدت قياداتها، وطهرت مسيرتها من العناصر التي لم يتردد أخيرا سيادة رئيس الجمهورية العربية المتحدة نفسه من وصفها بالعمالة والانحراف، ولكانت اعدت مخططا مفصلا يبنى على معطيات الواقع ومقتضيات المقاومة داخل الاراضي المحتلة، وهو ما لم نفتأ نطالبها به منذ البداية.
لقد جاءت اتفاقية القاهرة لتعالج موضوع المقاومة، وكان المأمول من الطرف الآخر أن يلتزم بها وينتقل بالمقاومة من بعدها الى حالة تصبح معها جزءا من عمل عربي مشترك وتخطيط عربي موحد. لكن الطرف الآخر هو الذي تنكر لها في الوقت الذي سيظل الاردن مؤمنا الايمان كله بالركيزتين الاساسيتين لتلك الاتفاقية وهما حرية العمل الفدائي حيث يجب ان يكون وسيادة الدولة.
ان الاردن مع العمل الفدائي الذي يستهدف التحرير، ولكنه ليس مع العمل الفدائي الذي لا يسعى الا الى الوصول الى الحكم والوثوب اليه. والاردن مع العمل الفدائي الفلسطيني دما وروحا، لكنه ليس مع العمل الآخر المقنع بالفداء بينما هو في حقيقته عمل تخريبي وعميل. والاردن مع العمل الفدائي الذي يؤمن بوحدة الامة العربية، ولكنه ليس مع العمل الفدائي الذي لا يتورع عن شطر الشعب الواحد في البلد الواحد الى شطرين. والاردن مع العمل الفدائي بأعلى مستوياته وأرقى صوره وانبلها، ولكنه ليس مع الاعمال الاجرامية التي تحفل بها ملفات المحاكم ومكاتبها، مما يندى له جبين الانسان وتخجل به الاخلاق.
<2>
برقية الملك حسين إلى العقيد معمر القذافي بمناسبة اجتماع بعض الرؤساء العرب في طرابلس
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 650 – 652 “
لقد آمن الأردن، وسيظل يؤمن بأن هدف التحرير هو هدف مقدس، وانه بعد تحقيق هذا الهدف ينبغي أن يتاح للشعب الفلسطيني ان يقرر مصيره بنفسه، لكل خطوة تتم لتكريس أية جهة من الجهات كصاحبة الحق في تقرير ذلك المصير نيابة عن الشعب الفلسطيني هي خطوة خاطئة، لا يرضى بها الشعب الفلسطيني نفسه، فالشعب الفلسطيني بحاجة لمن يعينه على تحرير ارضه وليس بحاجة لمن يتكلم باسمه رغما عنه. وان اكثرية ذلك الشعب تعيش في الاردن، فهناك الاهل في الارض المحتلة، ولهم قبل غيرهم ان يختاروا ويقرروا بعيدا عن أية غوغائية او تسلط او ارهاب. وهناك ابناؤنا في الضفة الشرقية، وهم مع اخوانهم في الضفة الغربية مواطنون في الدولة متساوون في الحقوق والواجبات مع اخوانهم سكان الضفة الاصليين، هم من أهل البلد وأصحابه، ومن رجال الدولة و أبنائها، من بناة الاقتصاد وأربابه، من صفوة العمال وطليعة العاملين، ولا مجال للتشكيك في وطنيتهم وصدق ولائهم وصفاء انتمائهم، جاؤوا الى بلدهم هذا، يوم حلت النكبة ببلدهم الاول قبل أكثر من عشرين عاما، واقتسموا مع اهله الاصليين لقمة العيش وفرصة العمل وامكانات الحياة، ومنهم خرج جيل لم تكتحل عينه بغير سماء الاردن، ولا ارتوى الا من ينابيعه وغدرانه. وهؤلاء، وهؤلاء ليس لاحد ان يتكلم باسمهم، فهم سادة انفسهم، وعندما تشرق شمس التحرير سيقولون كلمتهم في مستقبلهم، وليس لهم منا الا العون والمباركة والتأييد.
انكم تجتمعون في مرحلة من أخطر المراحل في تاريخ أمتكم الحديث، والمسؤولية التي يحملها كل منكم في بلده، ويحملها بالتالي نحو أمته والقضية المقدسة، تحتم عليكم ان تتقوا الله والوطن فيما تقولون وتفعلون.
وانني من مكاني هنا، في قلب المشرق العربي وبلد القضية، لادعو لكم بالتوفيق سائلا الله عز وجل أن يمنحكم الحكمة والسداد في كل خطوة من خطواتكم انه نعم المولى ونعم النصير.
<3>