بلاغ حكومة الانتداب عن عمليات الإرهاب اليهودي في فلسطين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي،ج 1، ص919 – 920”
بلاغ حكومة الانتداب
عن عمليات الإرهاب اليهودي في فلسطين
(1/3/1948)
أعلنت الحكومة مرارا وتكرارا عزمها على بذل كل ما في وسعها للمحافظة على القانون والأمن دون التحيز إلى أية طائفة في فلسطين. وهى تعلن أن هذه ما زالت سياستها، وان صدور البيان التالي على ضوء الحادث العدواني الذي وقع أمس في ديران يجب أن لا يؤخذ على أنه إشارة إلى أحداث أي تغيير في هذه السياسية.
كانت الحكومة قد طلبت إلى الوكالة اليهودية والمجلس المحلي اليهودي في الثالث من شباط سنة 1948 دعوة الطائفة اليهودية إلى تقديم المساعدة في احضار أفراد الجماعات الإرهابية الذين ارتكبوا جرائم القتل وغيرها من الجرائم خلال فترة طويلة.. في إحضارهم إلى العدالة. وأوضحت الحكومة آنذاك إن ما تطلبه هو الاعتراف بالمسئوليات الأدبية والقانونية العادية للتعاون ضد الجرائم التي ترتكب من قبل المواطنين والمؤسسات في أية دولة متمدينة وقد رفضت الوكالة اليهودية طلب الحكومة بحجة أنه يخالف مصالح اليهود السياسية. ومنذ ذلك الحين لم تستمر الجرائم العدوانية التي قامت بها تلك الجماعات فحسب بل إنها ازدادت في عددها وفي الوحشية التي صحبتها . وليس من الضروري تعداد الجرائم المروعة التي ارتكبها أولئك الأشخاص خلال السنة الماضية وربما يكفى أن تعاد إلى الذاكرة حوادث اغتيال عضوين رئيسين من قوات الأمن شنقا في ظروف ملؤها الوحشية، وكذلك الحالات العديدة التي قتل فيها أفراد قوات الأمن غيلة وغدرا بنيران أطلقت من الخلف وكذلك تدمير البنايات المتعمد مع التأكد من الموت والإصابات التي تلحق حتما بالنساء والأطفال والقتل المتعمد لبعض رعايا الدول الأجنبية واطلاق النار عمدا على بريطانيين جرحى بالمستشفيات والسطو المسلح والاغتصاب، وأخيرا الحادث العدواني الذي أرتكب أمس والذي ذهب ضحيته سبعة وعشرون جنديا بريطانيا.
وقد شعر زعماء الطائفة اليهودية انهم عاجزون لأسباب سياسية عن اتخاذ أية خطوات لإحضار الأشخاص المسئولين عن هذه الجرائم الى العدالة وبموقفهم هذا ساعدوا على انتشار الفوضى وخرق القوانين إلى درجة أصبحت معها الطائفة اليهودية نفسها مهددة بالدمار من قبل عناصر من بين صفوف الطائفة ذاتها.
وقد حاولت الوكالة اليهودية بإهمالها لمسئولياتها هذه تبرئ نفسها باللجوء إلى فيض من الدعاية المتعمدة والأكاذيب الموجهة ضد أعضاء قوات الأمن البريطانية الذين يتولون فعلا وفي كل يوم المحافظة على الممتلكات اليهودية أو إنقاذ مئات من الأرواح اليهودية ومخاطرين في ذلك بأرواحهم هم.
وقد فضحت هذه الدعاية أربابها بين الخاصة والعامة، ولهذه الدعاية نتائج
بلاغ حكومة الانتداب عن عمليات الإرهاب اليهودي في فلسطين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي،ج 1، ص919 – 920”
خطيرة أخرى وهى أنه من الآن فصاعدا سيكون من الصعوبة بمكان على القوات البريطانية أن تنظر إلى أعضاء الطائفة اليهودية على انهم أشخاص يستحقون الحماية وهم بالفعل يستحقونها.
وعلى الرغم من التكذيبات الرسمية فقد أصرت الوكالة اليهودية على القول بان قافلة سيارات عسكرية بريطانية كانت مسئولة عن الحادث العدواني في شارع بن يهودا ، ولا يعتقد أي شخص خارج الدوائر اليهودية بصحة هذا القول.
ولن يخدم تكرار هذا القول أي هدف سوى إثارة الكراهية العنصرية والحقيقة هي أن السيارات المسئولة عن هذا الحادث العدواني ليست سيارات بريطانية أكثر من أن تكون من السيارات التي سرقت مرارا وتكرارا من قبل اليهود والتي استخدمت في مناسبات عديدة للفتك بعدد كبير من الناس يفوق عدد الذين قتلوا في شارع بن يهودا.
وان البيان الذي أصدرته الوكالة اليهودية أخيرا والذي قالت فيه إنها تقف بجانب القانون والأمن بينما لا تفعل الحكومة ذلك . إن هذا البيان يجب أن يحكم عليه على ضوء الحقيقة الواقعة وهى انه لعدة سنوات خلت دأبت هذه المؤسسة الدولية على خرق القوانين في فلسطين وعلى انتهاك حرمة القوانين في البلاد الأخرى التي لها فروع فيهـا.
والبرهان الأخير على ذلك رفض الوكالة اليهودية تقديم أي شهود من اليهود للإدلاء بإفادات في التحقيقات الرسمية التي تجرى حول حادث شارع هاسوليل وشارع بن يهودا ، ولم ترفض الوكالة ذلك فحسب بل دعت رجال البوليس إلى تقديم إفادات بأنفسهم إلى لجنة التحقيق التي عينت نفسها بنفسها بأمر من الوكالة اليهودية.
وقد تعهدت الوكالة اليهودية في شهر تشرين الثاني الماضي بتأليف قوة حرس مدني في غضون عشرة أيام تعرف بقوة “مشمار” لمعالجة أمر الجماعات الإرهابية المتمركزة في هذه المنطقة وبنتيجة هذا التعهد سحبت قوات الجيش والبوليس البريطاني بغية تجنب التدخل في أعمال هذه القوة ، وهاهي القوة حتى يومنا هذا لم تخرج إلى حيز الوجود ، وفي هذه المنطقة تواصل الجماعات الإرهابية علنا وبحرية أعمال قتل المواطنين اليهود أنفسهم ونهبهم ، ولم تقدم الوكالة اليهودية أية إيضاحات حول خرق تعهدها الذي قدمته.
وتعترف الحكومة أن “الهاجاناه” أحبطت بين الحين والآخر أعمال هذه الجماعات الإرهابية ولكن لا توجد حتى الآن وسيلة لمعالجة أمر هؤلاء الأشخاص معالجة فعالة إلا باستخدام الأداة التي نص عليها القانون.
وان الحكومة في الوقت الذي تقرر فيه واجب قوات الأمن في المحافظة على القانون والأمن ،وفي حين تواجه السياسة المتعمدة التي تسير عليها الوكالة اليهودية في جعل مهمة قوات الأمن من أشق ما يكون وأصعبه ، تود “أي الحكومة” أن تسترعى مرة أخرى – متشددة في ذلك كل التشدد – انتباه الطائفة اليهودية إلى الحقيقة الواقعة ، وهى أن استمرار أعمال الاغتيال الهوجاء والسكوت على الإرهاب لا يمكن أن يؤدى إلا إلى فقدان الطائفة اليهودية جميع الحقوق التي تؤهلها بأن تعتبر في نظر العالم من بين الشعوب المتمدينة.(*)
(*) نقلا عن كتاب ” كارثة فلسطين ” عبد الله التل .