بلاغ من قيادة الثورة العربية العامة في سورية الجنوبية ـ فلسطين إلى عموم المجاهدين والرأي العام العربي والإسلامي والعالمي

 

بلاغ من قيادة الثورة العربية العامة في سورية الجنوبية – فلسطين إلى عموم المجاهدين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي ج 1، ص 573 – 576”

بلاغ من قيادة الثورة العربية العامة
في سورية الجنوبية – فلسطين
إلى عموم المجاهدين والرأى العام العربي والاسلامي والعالمي(*)
11 سبتمبر سنة 1936

       نذيع فيما يلي على جميع المجاهدين وعلى الرأى العام العربي – الاسلامي والرأي العام العالمي البيان الذى أصدرته حكومة الثورة العربية في فلسطين بتاريخ 11/9 سنة 1936 ردا على بيان مجلس الوزراء الانجليزى الذى أذيع في مساء 7/ 9/ 1936.

       من تدقيق البلاغ الذى اذاعته الحكومة البريطانية بتاريخ 7 ايلول 1936 عطفا على تعيين قائد عام وإرسال نجدات جديدة الى فلسطين ومن استعراض احوال هذه البلاد العربية منذ الاحتلال البريطاني حتى يومنا هذا تبين لمجلس الثورة العربية ان الحكومة البريطانية كانت وما زالت تتبع سياسة اللف والدوران ازاء الحقوق العربية في سورية الجنوبية وأنها تمكنت بأخاديعها من فصل فلسطين عن سورية الكبرى وعزلها عن البلاد العربية المحررة وهى جادة في جعلها في أحوال سياسية وادارية واقتصادية تكفل انشاء وطن قومي يهودي على حساب المصالح والحقـوق العربية مهملة حتى ما أوجبه عليها صك الانتداب نفسه من التزامات دولية نحو العرب وهي:

1 –

حكومة البلاد راجع المواد 11 و 13 و 17 و 28 من “صك الانتداب”.

2 –

ترقية أنظمة الحكم الذاتي وتشجيع الاستقلال المحلي راجع المادة 6 حقوق ومركز الأهالي ورد مطلقا في هذه المادة بحيث يفهم من ذلك شموله الحقوق السياسية والكيان العربي في فلسطين دون قيد أو شرط.

       ولكن يظهر أن الحكومة البريطانية المستخذية للصهيونية قد كانت ومازالت تتجاهل هذه النصوص الاساسية الخاصة بالتزاماتها نحو العرب وبدلا من اقرارها الحقوق الوطنية في فلسطين وتشجيعها الاستقلال المحلي قد استعاضت عن ذلك مدة ثمانية عشر عاما بادارة يهودية بريطانية تستمد وجودها وصلاحياتها من حكومة لندن رأسا ومن الوكالات اليهودية في فلسطين وجعلت همها ابطال العمل بالتزاماتها الدولية نحو العرب إرضاء لليهود الذين تمكنوا من تسخيرها لاطماعهم ففتحت لهم باب هجرة طاغية الحقت ومازالت تلحق أعظم الاضرار بحقوق ومركز الاهلين خلافا لصراحة المادة 6 من “صك الانتداب” حتى لتكاد تزيح هذه الهجرة الطاغية الشعب العربي عن مركزه وتقضى على كيانه الموروث وحقوقه الوطنية المقدسة.


         * خضر العلى محفوظ. تحت راية القاوقجى. دمشق. مطبعة بابيل 1938 ص 66 – 72.

 

(تابع) بلاغ من قيادة الثورة العربية العامة في سورية الجنوبية – فلسطين إلى عموم المجاهدين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 573 – 576”

        ولقد كان مؤسفا للغاية أن تثابر الحكومة البريطانية على سياسة التحيز لليهود واتباع خطة التهويد واجلاء الشعب العربي الموعود من قبلها بالاستقلال عن وطن آبائه ولجان تحقيق بريطانية رسمية أجمعت على وجوب انصاف العرب فلم يؤبه لتقاريرهـا ولم تنفذ توصياتها بل ظلت السياسة البريطانية راكبة رأسها ممعنة في الكيد للعرب تعمل ليل نهار على زيادة المظالم بدلا من ازالتها. حتى انتهى الأمر بالعرب الى اليأس من انصاف الحكومة البريطانية واعتقاد جازم بسوء نيتها. فكان لزاما عليهم ان يتحدوا هذه السلطة الأجنبية الغاشمة مهما كلفهم ذلك من ضحايا على اعتبار انها سلطة غير مشروعة سواء بالنسبة لإخلالها بعهد عصبة الامم أم بالعهود أو بالوعود الرسمية المقطوعة للعرب أم بمبادئ الحقوق الطبيعية الواجبة الاحترام.

        ذلك ما جعل الشعب العربي في فلسطين يعلن اضرابه العام ويقوم مضطرا بأعمال العنف لا ليهدد الحكومة البريطانية كما تزعم بل ليلفت نظرها ونظر العالم الى أعظم مظلمة عرفت فى تاريخ البشر.

        بيد أن الحكومة البريطانية وقد فتحت عينها على سيول الدماء واركام الاشلاء لم ترتعد لضحايا غدرها وختلها بل ظلت تحاول التغافل عما جنت واقترفت حتى اذا تقدم اليها زعماء العرب المعتدلون بمطالبهم الثلاثة المشروعة وهى:

( أ ) قيام حكومة وطنية مسئولة
(ب) منع الهجرة اليهودية منعا باتا لما الحقت وتلحق من اضرار بحقوق ومركز الاهالي.
(جـ) منع بيع الاراضي للاسباب نفسها.

        عمدت على عادتها الى الختل والمراوغة وسياسة اللف والدوران معلنة بصراحة أنها غير مستعدة لادخال تغييرات على سياستها حيال فلسطين وانها سترسل لجنة ملكية للتحقيق في حدود صك الانتداب مع العلم ان المطالب الثلاثة التي تقدم بها المعتدلون من العرب لم تكن في الواقع دعوة الى ادخال تغيير في السياسة البريطانية الواجبة الاتباع حيال فلسطين كما يزعم مجلس الوزراء الانجليزي بل دعوة الى تنفيذ ما أجمع عليه خبراء بريطانيون ولجان تحقيق بريطانية رسمية والى احترام الالتزامات البريطانية نحو العرب المثبتة في صك الانتداب المزيف نفسه.

        وقد ورد فيه الاعتراف بحكومة مستقلة للبلاد الفلسطينية منفصلة عن الدولة المنتدبة (المواد 11 و 13 و 17 و 28) وتعد للوقوف وحدها أي للاستقلال التام عملا بالمادة 22 من عهد عصبة الأمم وفيه وجوب ترقية انظمة الحكم الذاتي المادة (22) ومنع الهجرة اليهودية عندما تلحق ضررا بحقوق ومركز الاهالي المادة (6) ولكن يظهر ان هذا كله مما تحاول الحكومة البريطانية تجاهله عمدا استبقاء للسلطة بيده من جهة وإذعانا لمشيئة اليهود وترويجا لأطماعهم من جهة أخرى حاسبة العرب سلسلة من السلع تباع وتشرى.

ان حكومة الثورة العربية في سورية الجنوبية تأسف أسفا عميقا لعسف الحكومة البريطانية وتماديها في اطماعها الاستعمارية. ولطغيان السلطان اليهودي على سياستها ازاء العرب وهي اذ تحاول ان تضع تسوية دائمة للمسألة الفلسطينية كما تدعى. كان يجدر بها ان تصدر تصريحا رسميا بتأييد مطالب العرب المنطوية على أقل ما يمكن أن يطمئنهم على مستقبلهم وكيانهم الوطني بل إنه لمن دواعي العجب أن



(تابع) بلاغ من قيادة الثورة العربية العامة في سورية الجنوبية – فلسطين إلى عموم المجاهدين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي ، ج 1، ص 573 – 576”

لا تغتنم الحكومة البريطانية فرصة تدخل أصحاب الجلالة والسمو ملوك وأمراء العرب وبعض كبار رجالهم بدافع من حسن النية والحرص على مستقبل علائق الامتين العربية والبريطانية فتصدر ذلك التصريح الرسمي المعقول تبريرا لوساطة اصحاب الجلالة والسمو في نظر الأمة ولدى حكومة الثورة عندما يباشرون دعوتهم الى حل الاضراب أو توقيف أعمال العنف بل إن تفسير الحكومة البريطانية لهذه الوساطة الشريفة كهدية بلا عوض وركوبها مركب التهديد الخشن والتحكم الممقوت وإطالة أمر الفتنة بلا جدوى في هذا الجزء المقدس من بلاد العرب ان دل على شيء فانه لا يدل الا على تقهقر السياسة البريطانية واستسلامها للحكم الصهيوني والاطماع اليهودية استسلاما مطلقا كلما طال امده . زاد في اشتعال نار العداوة والبغضاء وأفقدها ثقة العالمين العربي والاسلامي وهي الثقة القيمة التى ستدفع الامبراطورية ثمنها غاليا في الشرق.

        لقد أمعنت حكومة الثورة العربية نظرها في موقف الحكومة البريطانية من وساطة ملوك وامراء العرب وفي اشادتها على سبيل التهديد برحابة صدر السلطات البريطانية في فلسطين في الوقت الذي تزهق هذه السلطات أرواح الاهلين الآمنين وتنسف مدنهم وبيوتهم وتصادر أموالهم وحرماتهم وتسبى نساءهم وتروع اطفالهم كما امعنت النظر في اقرارها ارسال نجدات عسكرية الى فلسطين ملوحة بالاحكام العرفية وباستعدادها لصب مظالم هذه الاحكام على رأس الشعب الآمن فاقتنعت أن حكومة لندن مازالت فريسة للمطامع الصهيونية التى تزين لها الاستمرار في خطة العسف والظلم ومصادرة الاماني القومية المشروعة بقوتى الحديد والنار توسيعا لشقة الخلاف بين الامة العربية والشعب البريطانى وهي الخطة التى لا تتفق قط مع ما تدعيه الحكومة البريطانية في بلاغها الأخير من ان هدفها الدائم هو تأمين وصيانة العلاقات الودية مع الشعوب الاسلامية. ومن دواعي العجب أن لا تدرك الحكومة البريطانية وهي الحكومة المجربة ان القوة الغاشمة ليست هى الوسيلة الصالحة لاقامة سلم دائم في فلسطين بل هو العدل واحقاق حق الامة . وان الانتداب ليس بعلاقة ابدية بل هو وسيلة من وسائل مساعدة الشعب الى ان يقف وحده متمتعا باستقلاله التام. وإن الشعب العربي الذي خاض غمار الحرب العالمية الى جانب الحلفاء معتمدا على عهودهم وشرف وعودهم لتحقيق حريته واستقلاله لم يعترف قط في سائر البلاد العربية المحررة بمشروعية الانتداب الذى فرض عليه فرضا لاغراض استعمارية مفضوحة بل رفضه ومازال يرفضه باتا بإباء وإن تجارب ثمانية عشر عاما قد أثبتت فشل الانتداب البريطاني في فلسطين كما ثبت من قبل فشله الانتداب في البلاد العربية الاخرى حتى استعاضت عنه بريطانيا نفسها في العراق، وفرنسا في سورية الشمالية بمعاهدة تعترف باستقلال البلاد التام ولم يبق من العدل والمنطق السياسي ان تظل فلسطين وهي جزء لا يتجزأ من البلاد العربية أقل حظا من اخواتهـا في ممارسة حريتها السياسية وحقوقها الاستقلالية المؤيدة بحكم المادة (22) من عهد جمعية الامم ومبادئ الرئيس ولسن والتصريح البريطاني الفرنسي المشترك عام 1918 وعهود ووعود انجلترا الرسمية للعرب.

        واذا كانت الحكومة البريطانية لا تنوي التخلي عن انتدابها كدولة مستعمرة تحاول استبعاد فلسطين واستغلالها باسم الانتداب ووعد بلفور الباطل فإن عرب فلسطين ومن ورائهم العالم العربي بأسره قد اعتزموا ان لا يتخلوا عن بلادهم ووجودهم كأمة تريد الحياة الشريفة مهما كلفها ذلك من تضحيات وضحايا. أما مطالب الثورة

 

(تابع) بلاغ من قيادة الثورة العربي العامة في سورية الجنوبية – فلسطين إلى عموم المجاهدين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى علم 1949، وزارة الارشاد القومي، ج1، ص 573 – 576”

العربية في فلسطين فقد بسطها بلاغنا العام رقم (1) تاريخ 11 جمادى الآخرة سنة 1355 و 28 أغسطس سنة 1936 وهي المطالب القومية المشروعة التي لا يرضى عنها المجاهدون بديلا.

        إن لجنة التحقيق البريطانية الجديدة ليست في الواقع بحاجة للتحقيق في ظلامات العرب وهي ترى مظلمتهم الكبرى بارزة في تجريدهم من حقوق سيادتهم القومية في بلادهم وحرمان فلسطين العربية من حقوقها السياسية وادارتها ادارة مباشرة منذ الاحتلال حتى يومنا هذا للتمكن من اغراقها بسيول الهجرة اليهودية الطاغية واجلاء الشعب العربي عن وطنه المقدس ظلما وعدوانا. وها قد كشفت الحكومة البريطانية لآخر مرة عن سوء نيتها ازاء العرب بحسبانها وساطة ملوكهم وامرائهم وسيلة من وسائل التخدير لا امرا يتعلق بشرف أولئك الملوك والامراء الكرام ازاء الامة العربية التي يحرصون عليها حرصا عليهم ويشعرون بشعورها وآلامها بأكثر مما يتصور ساسة الانجليز لذلك لم يكد يعرض أولئك الوسطاء الكرام أسس وساطتهم المعقولة حتى ظهرت الحكومة البريطانية وكشفت عن نواياها المبيتة الخبيثة التي كانت وستظل هى العامل الوحيد في استمرار الاضطرابات وفي فشل كل وساطة شريفة قائمة على حسن النية. وإن حكومة الثورة العربية ليؤسفها الأسف الشديد أن تعلن بأن الصداقة العربية البريطانية التى تجازف بها الحكومة البريطانية الحاضرة بتحريض من اليهود ستنتهى الى عداء عربي بريطانى خطر حتى اذا شعر البريطانيون بعظم الكارثة التي تنتظرهم في الشرق ادركوا ان الحديد والنار لا يوطدان السلام وان الظلم الصارخ لا يضمن مستقبل الامبراطورية بل يعد الأمة العربية ومن ورائها العالم الاسلامي بأسره ليوم عصيب سيجعل من فلسطين قبرالمصالح الامبراطورية وسمعتها في المشرق والمغرب.

                                  قائد الثورة الحربية في سورية الجنوبية “فلسطين”
                                    فوز الدين القاوقجي

Scroll to Top