بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 965 – 967”
بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول السياسة الاميركية في الشرق الأوسط.
| (الحرية، العدد، 444، بيروت، |
بعد مرور ثمانية عشر شهرا على هزيمة حزيران (يونيو)، ومرور عام كامل على قرار مجلس الأمن التصفوي، عادت نغمة الرهان على السياسة الاميركية لحل أزمة الشرق الأوسط متخذة من نيكسون وسيلة الرهان الجديدة. وبرغم تصريحات نيكسون قبل انتخابه “بضرورة ضمان أميركة لأمن إسرائيل وتفوقها على جيرانها العرب”، وتصريحاته بعد انتخابه بأن حل الأزمة كامن في “اتفاق دول المنطقة على تسوية دائمة للنزاع العربي الإسرائيلي”، برغم هذه المواقف المحددة في صالح إسرائيل، فان البعض بدأ يصور السياسة الاميركية في عهد نيكسون بأنها ستكون أكثر تفهما لازمة الشرق الأوسط من سياسة جونسون، معلقين آمالا عريضة على زيادة سكرانتون “الاستطلاعية”، وهو الذي صرح في القاهرة وبيروت وعمان بأنه “لا يتوقع أي تغيير في المبادئ العريضة للسياسة الاميركية في الشرق الأوسط في عهد نيكسون”.
ان السياسة الاميركية في الشرق الأوسط وفي العالم تقررها المصالح الامبريالية أولا وأخيرا – مصالح شركات الاحتكار التي تتحكم بسياسة الولايات المتحدة في داخلها وخارجها – هذه السياسة التي تعلن حربا ضارية على حركة التحرر الوطني في بلدان آسية وأفريقية واميركة اللاتينية، وهي ذات السياسة التي تملي التحالف العضوي بين إسرائيل والولايات المتحدة الاميركية.
ومن هنا، فان أية محاولة لتصوير السياسة الاميركية، في أية بقعة من العالم، بأنها مرهونة بسياسة أفراد، انما هي ضرب من الدجل على الجماهير. فان الدعاية التي تروج لها الدوائر الامبريالية الاميركية بقيادة نيكسون، وهو الشديد الارتباط بالاحتكارات الاميركية في الشرق الأوسط، ان هذه الدعاية لا تغير من واقع السياسة الاميركية في المنطقة، بل هي أشد ارتباطا بإسرائيل وقوى الثورة المضادة في المنطقة العربية ضد حركة التحرر الوطني الفلسطينية والعربية.
أما محاولة الربط بين موقف ادارة الحزب الجمهوري عام 1956 من العدوان الثلاثي، وبين موقف ذات الإدارة من الهجمة الامبريالية الاميركية الصهيونية عام 1967، فانها مغالطة تاريخية يرتكبها عملاء اميركة وأبواقها في هذه المنطقة. ففي عام 1956 كان التناقض بين المصالح الاميركية من جهة والمصالح البريطانية – الفرنسية من جهة أخرى، هو الذي دفع بإدارة الحزب الجمهوري للتحرك لحماية مواقعها وتوسيع مجالات احتكارها في المنطقة على حساب المصالح والاحتكارات البريطانية والفرنسية.
وفي عام 1967، مثلت هجمة حزيران (يونيو) ذروة الصراع بين المصالح الاميركية الامبريالية والصهيونية من جهة وبين حركة التحرر الوطني والأنظمة المعادية للاستعمار الاميركي في المنطقة، فوقع الصدام لتصفية حركة التحرر الوطني في المنطقة لصالح المصالح الاميركية والقوى الرجعية، قوى الثورة المضادة المتحالفة الاستعمار والامبريالية ولصالح إسرائيل بتصفية القضية الفلسطينية.
في عام 1956، وقفت اميركة ضد العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي، لان مصالحها تتطلب ذلك. وفي عام 1967، وقفت اميركة مع العدوان الصهيوني، واحتضنته منذ البداية، وألقت بكل ثقلها الدولي للدفاع عنه، لان مصالحها مع هذا العدوان. ومن هنا، فان أية تسوية سياسية للقضية لا بد وأن تفرض تراجعا من جانب الأنظمة العربية لصالح تسوية مع الامبريالية الاميركية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي تصفية قضية فلسطين عبر قرار مجلس الأمن السيئ الذكر.
ان المنطقة تشهد مؤامرة مسرحية على يد الإدارة الاميركية الجديدة، وان تصفية القضية تلبس هذه الأيام ثوبا جديدا. فالحملة التي يقودها نيكسون وسكرانتون، جارية لخلق مناخ سياسي ونفسي يسمح للإدارة الجديدة أن تطمس ما علق بأذهان الجماهير الفلسطينية والعربية حول العلاقة العضوية
<1>
بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 965 – 967”
بين الامبريالية الاميركية وإسرائيل، وإيهام هذه الجماهير بأن الإدارة الجديدة أكثر تفهما للنزاع العربي الإسرائيلي من ادارة جونسون. وانطلاقا من هذا الواقع الملموس، فقد أخذت المنطقة تعج بالمشاريع الاميركية الخاصة التي تطرح على الجمهورية العربية المتحدة والأردن لتصفية القضية الفلسطينية، وكان آخرها المشروع الذي نشرت تفاصيله الصحف البيروتية بتاريخ 9/12/68 منسوبا لمصدر اردني من مسؤول على طريق تصفية ثنائية بين الأردن وإسرائيل. وقبله قدمت أميركة مشروعا خاصا لتسوية ثنائية بين مصر وإسرائيل نشرت تفاصيله الصحف البيروتية بتاريخ 6/12/68. وبنفس الخطوط جاءت المشاريع التي تحاول إسرائيل دفعها عبر بعض “الشخصيات الفلسطينية” في الأرض المحتلة، مثل حمدي كنعان، وعزيز شحاده، وغيرهم لتسوية ثنائية بين الأردن وإسرائيل لتحميل مسؤولية هذه القضية لشعب فلسطين صوريا، وتبرئة ساحة الأنظمة العربية منها شكليا.
ان هذه المشاريع الاميركية الإسرائيلية تلتقي كلها عند نقطة واحدة، هي تصفية قضية فلسطين، “دون مفاوضات مباشرة” أو “وثائق صلح رسمية”. ومع هذه المشاريع الناشطة في المنطقة لتسوية القضية الفلسطينية، عاد يارينج إلى المنطقة وعلى فمه ابتسامة تفاؤل عريضة. ان المسألة تدخل المراحل الأخيرة بالتسوية والتصفية السياسية، وبذات الوقت تتصاعد العمليات العسكرية المسلحة على المواقع المدنية الأردنية ومواقع القوات العراقية والأردنية العسكرية لخلق مناخ سياسي ونفسي لإمرار المؤامرة على القضية الفلسطينية عبر قرار مجلس الأمن والتفسيرات الإسرائيلية الاميركية للحدود الآمنة.
ان الركض وراء التسوية والتصفية السياسية للقضية عبر قرار مجلس الأمن السيئ الذكر، والركض وراء السياسة الاميركية للضغط على اسرائيل لتنفيذ هذا القرار الذي يضمن لإسرائيل “حق الحياة” و”الاعتراف الواقعي بها والحدود الآمنة” و”المرور بالمياه الإقليمية”، ان مثل هذا الموقف الذي يطرح من جانب الدول العربية كبديل للمجابهة الحقيقية لإسرائيل ومن هم وراءها، انما يمثل خطرا حقيقيا على القضية الفلسطينية ومصير حركة التحرر الفلسطيني والعربي، في الوقت الذي تقف فيه القوى الرجعية وقوى الثورة المضادة مستسلمة للمؤامرة الاميركية – الصهيونية بحكم مصالحها وخوفها من وجود السلاح بيد الشعب، الأمر الذي يعني بالضرورة معركة طويلة الأمد تتعرض فيها امتيازها للخطر، لان المواجهة الحقيقية لإسرائيل وأعوانها تعني حرب تحرير طويلة الأمد، تفترض اخضاع كل الطاقات الاقتصادية والمادية لمصلحة حرب التحرير، وتفرض تسليح الجماهير الشعبية واختلاط حرب الطوابير المنظمة مع حرب الأنصار والعصابات.
ان حركة المقاومة الفلسطينية، بكافة فصائلها، مطالبة باليقظة والحذر لمؤامرة تصفية قضية فلسطين، مطالبة بكشف كل هذه التحركات المشبوهة وتوكيد الحس السياسي الثوري المرهف لدى الجماهير الفلسطينية لمقاومة أية تصفية لقضية بلادها.
انها مطالبة بالعمل الجاد والثوري لتشكيل جبهة وطنية عريضة تضم كافة القوى الطبقية والسياسية الفلسطينية المناضلة ضد الامبريالية والصهيونية وبقيادة القوى الثورية المقاتلة. انها مطالبة بالقتال ضد كافة القوى المعادية والمعرقلة لمواصلة الكفاح المسلح على طريق حرب تحرير شعبية، طويلة المدى، يتحقق فيها بالنتيجة النصر لشعب فلسطين العربي، وقضيته العادلة.
<2>