بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر 1930

 

بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

بيان اللجنة التنفيذية العربية
في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في
أكتوبر سنة 1930

مقدمة:

         1 – اطلعت اللجنة التنفيذية العربية بعد انتظار طويل على البيان الذي أصدرته. الحكومة الإنجليزية بشأن السياسة التي عزمت على انتهاجها في فلسطين وكنا نرقب صدور هذا البيان بفارغ الصبر آملين أن نجد فيه ما يزيل مخاوف العرب الناشئة عن سياسة حكومة فلسطين الممثلة للحكومة الإنجليزية التي سارت عليها منذ الاحتلال والتي كان من شأنها إبادة القومية العربية.

         ان العرب كانوا يشعرون منذ البدء بالخطر الهائل الذي يهدد كيانهم القومي من جراء هذه السياسة وكانوا يعلنون دائما هذا الخطر للحكومة الإنجليزية ولعصبة الأمم وللأمم المتمدنة.

         وقف السر هربرت صموئيل سنة 1919 في البرت هول في لندن وأعلن رأيه السياسي في الصهيونية كما يلي:

         “ان السياسة الصهيونية التي تعرض اليوم على مؤتمر الصلح والتي يتمسك بها كل صهيوني بكل ما أوتي من حول وطول تتطلب أن توضع البلاد في حالات موافقة للهجرة اليهودية والاستعمار اليهودي وأن تمنح أكثر امتيازات المشاريع التي تحتاج إليها البلاد للهيئات اليهودية وأن يوسع نطاق التعليم والتربية القومية اليهودية وأن تتمتع البلاد بالحد الأقصى من الحكم الذاتى لكي يتمكن القائمون في النهاية من تأسيس دولة مستقلة تحت إشراف أكثرية يهودية”.

         وهذا الشخص نفسه هو الذي أرسلته الحكومة الانجليزية في سنة 1920 إلى فلسطين مندوبا ساميا والذي عمل بكل ما أوتي من قوة في مدة السنوات الخمس التي تولى زمام الحكم في خلالها على تحقيق الغايات الصهيونية التي كان يتوخاها كصهيوني صميم.

         2 – فلقد كانت البلاد سنة 1920 في ضنك شديد والسر هربرت صموئيل نفسه وصف الحالة في تقريره عن إدارة فلسطين في سنى 1920 – 1925 كما يلي:

         “قد وجدت البلاد في عام 1920 مضطربة من جراء التأثيرات التي عقبت عواصف الحرب. فقد كانت البلاد لبضع سنين خلت مسرحا للأعمال الحربية التي قامت بها جيوش جرارة فهناك قرى تهدمت وقطعان من المواشي والخيل هلكت وأشجار زيتون قطعت



(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

بكميات كبيرة وقودا للجيوش التركية والقطارات العسكرية وبيارات برتقال عديدة تركت بلا ري فلم تعط ثمرا وكانت البلاد في حالة فقر وبؤس عامة”.

         3 – غادر السير هربرت صموئيل فلسطين سنة 1925 دون أن يصلح شيئا في الحالة التي تقدم وصفها. فكانت همته وغيرته في خلال الخمس السنوات المشار إليها مصروفتين لوضع البلاد اقتصاديا وإداريا وسياسيا في حال يسهل معها تأسيس الوطن القومي اليهودي بقطع النظر عن الأضرار الجسيمة التي كانت تلحقها هذه السياسة بالحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

         4 – وقد أسس حكومة مدنية في فلسطين أوسع نطاقا عما كانت عليه الإدارة التركية بثمانية أضعاف بدون حاجة لذلك وأرهق الفلاح بضرائب ثقيلة لا قبل له بها لا سيما أن البلاد لم تكن حينئذ فقيرة فقط بل كانت مشرفة على الإفلاس التام وقد عمل فوق هذا كله على تنزيل أسعار غلال البلاد تنزيلا عظيما بإصداره أوامر من وقت إلى آخر بمنع تصديرها إلى الخارج. ففي سنة 1920 مثلا كانت أسعار حاصلات البلاد عالية جدا وكان الفلاح واثقا بتصفية ديونه ويستند إلى أساس مالي ثابت فأمر السير هربرت صموئيل، بمنع تصدير الحبوب والزيت وهي أساس ثروة البلاد فتضخمت الأسواق المالية بهذه الحاصلات وعقب ذلك هبوط في الأسعار بصورة هائلة.

         فالفلاح لم ير له مخرجا أمام هذه الكوارث الاقتصادية إلا ببيع أرضه أو قسم منها للمشتري اليهودي الوحيد الذي خرج بهذه الصورة من أسواق الأراضي بصفقة رابحة جدا. وكأن الحكومة لم تكتف بذلك حينئذ بل ضغطت في سنة 1921 على الفلاح لدفع أقساط ديونها وبدأت في تصفية البنك الزراعي العثماني وحصلت قسما كبيرا منه جبرا فما أتت سنة 1922 حتى وجد الفلاح نفسه عاجزا عن حرث أراضيه وهذا ما اعترف به السير هربرت صموئيل نفسه في تقريره المشار إليه دون أن يذكر أنه هو السبب الفعال في ذلك:

         “ان القسم الأعظم من الأراضي الزراعية باق تحت تصرف العرب وفي كل عام يترك قسم كبير منها بلا حرث”.

         وغير خفي أن الفلاح الفلسطيني كان يزرع في الماضي أراضيه كلها وكان، يجهل تماما الأزمات الاقتصادية التي وضع السير هربرت صموئيل البلاد فيها عن عمد.

         5 – فالعرب الذين كانوا يرون أنفسهم مهددين بإضاعة منابع ثروتهم من جراء السياسة الخانقة التي كانت تتبعها حكومة فلسطين اضطروا إلى إرسال وفد إلى لندن في سنة 1922 لمفاوضة الحكومة الانجليزية بشأن إلغاء وعد بلفور وتأسيس حكومة وطنية ذات مجلس نيابي في فلسطين ولقد كان من نتيجة هذه المفاوضة أن أصدرت الحكومة الكتاب الأبيض الذي بينت فيه خطتها السياسية والمعنى الحقيقي الذي قصدته من وعد بلفور.

         وقد أخذت حكومة مكدونالد بهذا المعنى في سياستها الحاضرة.

تفسير الحكومة الانجليزية لعبارة “الوطن القومي اليهودي”:

         6 – إن الكتاب الأبيض الصادر في سنة 1922 فسر في هذا الوعد بالصورة الآتية:

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

        “وقد أعاد اليهود في القرنين أو الثلاثة قرون الأخيرة إنشاء طائفة لهم في فلسطين يبلغ عددها الآن ثمانين ألفا ربعهم تقريبا مزارعون أو عملة في الأرض.

        ولهذه الطائفة إدارات سياسية خاصة منها مجمع منتخب لإدارة شئونها الداخلية ومجالس منتخبة في المدن ورئاسة حاخامين ومجلس رباني لإدارة شئونها الدينية. وتستعمل هذه الطائفة اللغة العبرية كلغتها الوطنية ولها صحف عبرية تفي بحاجاتها وهي تتبع نمطا تهذيبيا يميزها عن سواها وتبدي نشاطا كبيرا في الحركة الاقتصادية. فهذه الطائفة بسكان المستعمرات والمدن وهيئاتها السياسية والدينية والاجتماعية ولغتها الخاصة وعاداتها وطرق معيشتها الخاصة لها في الحقيقة مميزات قومية ومتى سأل سائل ماهو معنى تنمية الوطن القومي اليهودي في فلسطين يمكن أن يجاب على ذلك بأنه لا يعني فرض الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين إجمالا بل زيادة نمو الطائفة اليهودية بمساعدة اليهود الموجودين في أنحاء العالم حتى تصبح مركزا يكون فيه للشعب اليهودي برمته اهتمام وفخر من الوجهتين الدينية والقومية. ولكن حتى يكون للطائفة اليهودية أمل وطيد لتقدمها الحر ويفسح للشعب اليهودي مجال واف كي يظهر فيه مقدرته كان من الضروري أن يعلم بأن وجوده في فلسطين هو كحق وليس كمنة. ذلك هو السبب الذي جعل من الضروري ضمان انشاء الوطن القومي لليهود ضمانا دوليا والاعتراف رسميا بأنه يستند إلى رابطة تاريخية قديمة”.

        ان العرب صرحوا مرارا بأنهم يرفضون هذا الوعد المخالف للعهود المقطوعة للعرب في أثناء الحرب العامة (معاهدة الملك حسين مكماهون سنة 1915) وللمادة 22 من نظام عصبة الأمم والمجحف بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأنهم لن يترددوا لحظة واحدة في رفضه بالرغم من تفسيره بالكيفية المشار إليها لأن فلسطين العربية لن تكون إلا عربية وإن سياسة من شأنها جعل فلسطين ذات صبغة سياسية أخرى لن تكون نتيجتها سوى الفشل.

        ان هذا التفسير لم يذهب الغموض والإبهام الموجودين في نص وعد بلفور نفسه. وفضلا عن ذلك فإنه يوجد هنالك ذكر لا لتأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين فقط بل لتنميته أيضا.

        7 – فالكتاب الأبيض الصادر في سنة 1922 يكون بهذه الصورة قد أدخل في وعد بلفور نصا جديدا لم يكن يحتوي عليه من قبل لأن تأسيس الوطن القومي اليهودي شيء والسعي لتنميته بعد أن يكون قد تأسس شيء آخر.

        والحق أن اللجنة التنفيذية العربية لا تقدر – كما أن غيرها لا يقدر – أن تستخرج معنى صحيحا من التفسير المشار إليه فإن إنشاء الوطن القومي اليهودي هو حسبما جاء في الكتاب الأبيض الصادر في سنة 1922 عبارة عن إيجاد طائفة يهودية في فلسطين يكون لها مميزات قومية بسكان المستعمرات والمدن وهيئاتها السياسية والدينية والاجتماعية ولغتها الخاصة وعاداتها وطرق معيشتها الخاصة.

        فلما وجدت اليوم في فلسطين طائفة يهودية لها هذه المميزات فالوطن القومي اليهودي المفسر بهذه الصورة يكون قد حصل

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         غير أن تنمية هذا الوطن القومي التي فسرت بأنها زيادة في الطائفة اليهودية في فلسطين إلى أن تصبح مركزا يكون فيه للشعب اليهودي برمته اهتمام وفخر من الوجهتين الدينية والقومية لهي من مختلقات التفاسير السياسية. “فوعد بلفور وصك الانتداب” لا يحتويان على شيء من ذلك لأن التنمية المشار إليها ليس لها حد وإنها تلزم الحكومة بالبقاء في فلسطين مدى الدهر الأمر المخالف لوعد بلفور ولجوهر الانتداب الذي هو موقت في ذاته.

         فالعرب الذين لم يفهموا شيئا من هذه الألغاز في سنة 1922 حينما صدر الكتاب الأبيض المشار إليه لم يزدادوا فهما بعد صدور الكتاب الأبيض الأخير.

         8 – غير أن زعماء الصهيونيين لم يبالوا بالعبارات السياسية المبهمة فقرروا هم أنفسهم أن الحكومة الإنجليزية إنما جاءت لفلسطين لتعمل على تشجيع المهاجرة اليهودية وحشد اليهود في الأراضي إلى أن تصبح فلسطين ذات يوم دولة مستقلة تحت إشراف أكثرية يهودية لأن المهم في نظرهم ليس مصلحة البلاد ولكن تأسيس الوطن القومي اليهودي الذي هو غاية والذي اعتبر كذلك بزعمهم في صك الانتداب.

         ويكفي لإثبات هذا أن نورد هنا ما قاله الدكتور حاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية في لندن في كتابة المؤرخ في 2 مارس 1930، المرسل إلى فخامة المندوب السامي لفلسطين بمناسبة تقريره السنوي إلى لجنة الانتدابات الدائمة وما قاله المستر هاري ساكر رئيس اللجنة الصهيونية في فلسطين حينئذ أمام لجنة شو.

         أما الأول فلقد قال في الكتاب المشار إليه:

         “إذا كان حقنا في الدخول لفلسطين متوقفا على ما يصيب أكثرية الأهالي الحاليين من الفوائد فإن حالتنا لا تختلف حينئذ في شيء عن حالة سائر المهاجرين للبلاد الأجنبية وأن مواد صك الانتداب التي تؤسس وطنا قوميا لليهود في فلسطين تفقد في هذه الحالة كل معانيها”.

         وأما الثاني فقد أجاب بصفته شاهدا أمام لجنة شو عن أسئلة وجهها إليه أحد محامي العرب:

         المستر ستوكر: ما قولك في الوطن القومي اليهودي، هل تم تأسيسه حتى الآن؟

         ساكر: إن الوطن القومي في طور التكوين.

         المستر ستوكر: متى ترى أنه يكون قد تأسس؟

         ساكر: ليس هنالك من زمن معين يمكن أن يعتبر فيه ذلك الوطن القومي قد تأسس ووقف فيه هذا التأسيس وقد بينت أن حقوق اليهود في ظل الانتداب يجب أن تتزايد وتتسع اتساعا من شأنه اطراد الوطن القومي في النمو تبعا لبعض الأحوال وبذلك أقصد أن الوطن القومي ليس من الأمور التي تقف عند حد خاص في زمن ما.

         المستر ستوكر: هل وجهة نظرك هي أن الحالة الحاضرة حالة موقتة وأن هذا النظام التأسيسي سيستمر عددا من السنين دون أن ينتهي أو يصل إلى حد ما؟

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

        ساكر: ليس في تاريخ أمة حد ينتهي به تأسيسها.

        المستر ستوكر: وهل يكون هذا الانتداب أبديا ؟

        ساكر: لا ريب.

        المستر ستوكر: أفلا تكون بذلك قد جردت المادة 22 من عهد عصبة الأمم من معناها الذي يتضمن أن تتمتع تلك البلاد أو الجماعات أو الأمم التي بلغت درجة كافية من الرقي بحكومة مستقلة؟

        ساكر: هذه مسألة يقع على عصبة الأمم أمر تعيينها.

        المستر ستوكر: إن المادة 22 هذه تنص على ما يلي:
        “ان بعض الجماعات التي كانت تابعة للدولة التركية قد بلغت درجة من الرقي يمكن معه الاعتراف بوجودها مؤقتا كأمم مستقلة على أن تسدي إليها إرشادات ونصائح إدارية من قبل دولة منتدبة إلى أن تصبح قادرة على الوقوف وحدها”.

        اليس من الواضح إذا أن عهد عصبة الأمم يترقب زمنا في المستقبل تكون فيه تلك البلاد قادرة على السير وحدها وذلك من غير أن تتطلب من الدولة المنتدبة معونة أو تدريبا أو ما شابه ذلك؟

        ساكر: ربما يحل ذلك الزمن في تاريخ فلسطين.

        المستر ستوكر: أليست إذن وجهة نظرك أن الوطن القومي اليهودي لم يتأسس بعد؟ وهو لا يزال في دور التكوين.

        ساكر: نعم هو في دور التكوين.

        ستوكر: متى ترى أن هذا الوطن يتأسس نهائيا وما هو رأيك في ذلك؟

        ساكر: أرى أن الصلة التاريخية بين اليهود وفلسطين هي صلة مستمرة وليست مما يقف عند حد.

        ستوكر: وهل تقصد أنه متى يزيد يهود فلسطين عن الجماعات الأخرى بعدد كبير يكون من المرغوب فيه إعطاء فلسطين حكومة ذاتية؟

        ساكر: لا. إن وجهة نظري هى بقاء الانتداب البريطاني إلى الأبد.

        ستوكر: ولكن ترى زيادة عدد السكان اليهود؟

        ساكر: بقدر ما أستطيع

        ستوكر: وترى أيضا أن الوطن القومي اليهودي لا يكون قد تأسس بوجه واف وإنما يظل سائرا في طريق التأسيس على الدوام فهل هذه هي وجهة نظرك؟

        ساكر: نعم تلك وجهة نظري.

        ستوكر: وهل هذه وجهة نظرك الشخصية أم وجهة نظر اللجنة التنفيذية الصهيونية؟

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         ساكر: هي وجهة نظر كل شخص وذلك بقدر ما أعلم.

         ستوكر: لنفرض أن السكان اليهود زادوا وهم في دور تكوين الوطن القومي عن السكان العرب ضعفين أو ثلاثة أضعاف فهل ترون حينئذ أن الوقت قد حان لتأسيس دولة يهودية؟

         ساكر: حقا إنكم تسألونني عما يجب أن أنظر إليه في وقت بعيد لا أكون فيه حيا.

         ستوكر: إذا وجهة نظرك هي أنه مهما وصل إليه الوطن القومي اليهودي من تقدم ورقي ومهما كان عدد اليهود بالنسبة إلى بقية السكان فإن الانتداب يجب أن يستمر إلى الأبد.

         ساكر: أظن أن هذا ما تقتضيه مصلحة الكل.

         إن ليونارد شتاين الذي وضع بيان اللجنة الصهيونية على الكتاب الأبيض في نوفمبر 1930 كان أصرح من المستر ساكر في هذا الصدد. فلقد قال في هذا البيان إن جميع اليهود قد فهموا وعد بلفور كما فهمه الجنرال سمطس بأنه عبارة عن تحرير فلسطين والاعتراف بأنها وطن اسرائيلي.

         ولكن العرب الذين لم يوافقوا على انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين لن يوافقوا طبعا على ما قد تختلقه التفاسير السياسية من هذا الوعد ولن يقبلوا أن تكون لفلسطين يوما ما صبغة غير صبغتها العربية.

         9 – إن الكتاب الأبيض ذكر أن الالتزام المتعلق بحماية مصالح جميع السكان في فلسطين له المكان الأول وأن سائر الالتزامات لا تعتبر إلا إذا كانت لا تعارض مصلحة الأهالي على الإجمال.

         فاللجنة مع موافقتها على هذا ترى أن الحكومة الإنجليزية لم تعر جميع البنود الواردة في المادة الثانية من صك الانتداب نفس الاهتمام.

         والحق أن هذه المادة تجعل الحكومة الإنجليزية مسئولة عن انشاء وطن قومي لليهود وعن العمل بذات الوقت على ترقية أنظمة الحكم الذاتي وضمان الحقوق المدنية والدينية لجميع السكان.

         10 – إن من المستحيل أن يفهم أحد من العرب إصرار الحكومة الإنجليزية على عدم تعرضها مطلقا للشق الأول من الفقرة الثانية من هذه المادة والاكتفاء بطمأنة اليهود والعرب معا على القيام بالتزاماتها فيما يتعلق بالوطن القومي وضمان حقوق السكان. فهذه المادة توجب على الحكومة الإنجليزية وضع البلاد في حالات اقتصادية وإدارية وسياسية تضمن معها لا تأسيس الوطن القومي اليهودي فقط بل ترقية مؤسسات الحكم الذاتي التي هي عبارة عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية أيضا ويفهم من هذه المادة بصورة صريحة أن الحكومة الإنجليزية محظور عليها البدء بتنفيذ الالتزام الأول قبل الثاني لأن عليها أن تشرع ربما حسبما جاء في نص المادة باللغة الفرنسية التي لها رسميا ذات القوة فيما يتعلق بصكوك الانتدابات ولا يمنع من ذلك خلو النص الإنجليزي من عبارة بذات الوقت الواردة في المادة المذكورة بعد عبارة إنشاء الوطن القومي اليهودي والتي نظن أنها حذفت منه سهوا.

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         11 – ولا يمكن القول بأن مؤسسات الحكم الذاتي تعني مجالس البلديات والمجالس المحلية في القرى لأن هذه إنما أنشئت في فلسطين وفقا للمادة الثالثة من صك الانتداب القائلة بأن على الدولة المنتدبة أن تشجع بقدر ماتسمح الأحوال بذلك الاستقلال المحلي.

         12 – ومما تجب ملاحظته هنا أن عبارة الحقوق المدنية والدينية قد وردت بفقرة واحدة في المادة الثانية مع عبارة مؤسسات الحكم الذاتي وهذا يدل على أن هذين الشيئين مربوطان معا وأنه يجب ترقية هذه المؤسسات لأجل ضمان الحقوق المشار إليها لأنه لا يتسنى لأحد المحافظة على هذه الحقوق بدونها ويستحيل حقا على أية حكومة أجنبية مهما كانت راقية أن تعرف احتياجات الأهالي فتسن ما يلزمهم من القوانين وتحسن إدارة البلاد والفصل في قضاياها بصورة تضمن حقوق الأهالي.

         13 – والوكالة اليهودية تزعم أن التزامات الحكومة الانجليزية المتعلقة بالعرب ليس لها نفس الاعتبار الذي للالتزامات المتعلقة باليهود. لأن وضعية هذه الحكومة بالنسبة إلى تلك الالتزمات على زعمهم هي المحافظة على الشيء الموجود بخلاف الالتزام الثاني الذي يلزمها القيام بأعمال معينة في صك الانتداب .

         ان المادة 11 من هذا الصك تنص على ما يلي:

         “على الحكومة الإنجليزية أن تتخذ جميع الوسائل اللازمة لصون مصالح الجمهور بكل ما له علاقة بترقية البلاد وعليها أيضا أن توجد نظاما للأراضي يلائم احتياجات البلاد ناظرة فيما تنظر فيه إلى الرغبة في زيادة حشد السكان في الأراضي وتكثيف الزراعة”.

         ويتضح جليا من هذا أن الحكومة ملزمة بالمحافظة لا على ماهو موجود في البلاد فقط بل عليها أن تعني أيضا بكل ماله علاقة بترقيتها وعليها أيضا أن تعني بترقية الزراعة وإقطاع أراض زراعية للعرب الذين ليس لهم أراض في البلاد.

         14 – وفضلا عن ذلك فإن المادة السادسة من صك الانتداب ألزمت الحكومة الانجليزية بالمحافظة على حقوق العرب ووضعيتهم باعتبارهم أمة فعليها أن تحظر انتقال أية أرض عربية لليهود إذا كان هذا الانتقال مجحفا بهذه الحقوق والوضعية.

         ومن السفسطة التي لا مثيل لها قول الوكالة إن المقصود من عبارة “وضعية العرب” المنصوص عليها في هذه المادة هي الوضعية السياسية وإذن فالمادة على زعمهم تعني محافظة الحكومة على وضعية العرب السياسية ولو فقدوا كيانهم الاجتماعي والاقتصادي من جراء المهاجرة اليهودية واستيلاء اليهود على أراضي البلاد.

         15 – اجتهدت الحكومة الإنجليزية في الكتاب الأبيض الأخير أن تدحض ادعاءات اليهود من هذه الوجهة وأن تنفي كون الفقرات المتعلقة بالوطن القومي اليهودي هي الأساس الرئيسي لصك الانتداب وكون الفقرات التي ترمي إلى صيانة مصالح غير اليهود إنما هي اعتبارات ثانوية تقيد نوعا ما يدعى بأنه القصد الرئيسي الذي وضع صك الانتداب لأجله ولقد توصلت بنتيجة استقرائها مواد “صك الانتداب” الى الأمرين الآتيين:

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

(أ)

إن الالتزامات المثبتة في صك الانتداب بشأن فريقي السكان لهي ذات قوة متساوية.

(ب)

إن الالتزامين المفروضين على الدولة المنتدبة ليسا بأي جه كان مما لا يمكن التوفيق بينهما.

         16 – بيد أنه ليس من المستطاع أن نقول إن ذينك الالتزامين بشأن تأسيس الوطن القومي اليهودي وحماية مصالح العرب في فلسطين هما في درجة متساوية لأن الالتزام بتسهيل تأسيس الوطن القومي اليهودي مشروط فيه عدم الإضرار والاجحاف بمصالح العرب ووضعيتهم. وقد يكفينا لاثبات هذا أن نورد هنا المادة السادسة من صك الانتداب.

         “على حكومة فلسطين، مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق ووضعية الجماعات الأخرى أن تسهل الهجرة اليهودية في أحوال وشروط مناسبة وأن تشجع بمعونة الوكالة اليهودية المشار إليها في المادة الرابعة حشد اليهود في أراضي البلاد ومن جملتها أراضي الحكومة والأراضي الموات غير المطلوبة للمشاريع العامة”.

         فالالتزام بتأسيس الوطن القومي اليهودي مقيد إذن بعدم إلحاق الضرر بالعرب ووضعيتهم الذي هو مطلق وغير مقيد بأي شرط كان.

         فإذا ظهر أن تأسيس الوطن القومي اليهودي يعارضه هذه المصالح والوضعية وجب أن يسقط حينئذ حتما.

         17 – إن اللجنة التنفيذية لا توافق أيضا الحكومة الإنجليزية على قولها إن هذين الالتزامين ليسا بأي وجه كان مما لا يمكن التوفيق بينهما. فإن لدى اللجنة ما يدعو إلى الاعتقاد الجازم باستحالة التوفيق بين هذين الالتزامين فضلا عن كون تأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين يحول دون تمتع العرب بالحقوق السياسية التي بتمتع بها إخوانهم في العراق وسورية وشرق الأردن فقد ثبت أنه ضربة قاضية على حياة البلاد الاقتصادية والاجتماعية.

         وإذا كان في الاستطاعة القول بكل جزم أنه لا يوجد في فلسطين أرض ميسورة للمزارعين من المهاجرين الجدد كما قرر الكتاب الأبيض الأخير وكان الوطن القومي اليهودي لا يؤسس بدون أراض ولا رجال كما أشار إلى ذلك الدكتور حاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية في كتابه المشار إليه آنفا فلنا أن نقول إذن بصورة جازمة أنه لا يمكن التوفيق بين الالتزامين المذكورين.

         وان الحكومة الإنجليزية نفسها اضطرت بعد قولها بإمكان التوفيق بين هذين الالتزامين إلى الاعتراف بأن موقفها بينهما شاق ودقيق جدا وأنها لا تأمل النجاح إلا إذا رغب زعماء العرب واليهود في التعاون عن طيبة خاطر مع إدارة فلسطين والحكومة الإنجليزية. وأن لها في هذا الصدد اعترافا هو تأييد لهذا القول:

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         ومع ذلك فمن الضروري في هذا الصدد إيضاح مسألة واحدة هي من الأهمية بمكان ذلك أنه في الأحوال الخاصة بفلسطين لا يمكن لأية سياسة مهما كانت نيرة جلية أو مهما بذل من جهد في سبيل تنفيذها أن يقيض لها النجاح ما لم تنل التأييد من جميع هذه الجماعات التي وضعت لمنفعتها وخيرها ليس بقبولها فقط بل بتعاونها عن طيبة خاطر.

         18 – إن اللجنة التنفيذية تصرح هنا حالا باستحالة تأييد مختلف الجماعات في فلسطين للسياسة المشار إليها.

         ان الصهيونيين لا يستطيعون أن يؤيدوا فعلا هذه السياسة للسبب الآتي: وهو أن الصهيونيين معتدلين كانوا أم متطرفين يرمون جميعا إلى غاية إيجاد أكثرية يهودية في فلسطين على الأقل ولا يمكنهم أن يفهموا وطنا قوميا لا يتضمن هذه الغاية فلو قضي عليهم بالبقاء أقلية في فلسطين ما اختلفت حالتهم فيها، بزعمهم عما هم في البلاد الأخرى التي هم فيها أقلية أيضا.

         فما يرمون إليه إذن هو أن يكون لهم في فلسطين وطن قومي يكون فيه للستة عشر مليونا من اليهود المنتشرين في أقطار العالم أكثرية وبالتالي سيادة قومية.

         ولما نشرت الحكومة الإنجليزية هذه المرة الكتاب الأبيض الذي أشارت فيه إلى تحديد المهاجرة اليهودية وشراء الأراضي اضطروا أن يظهروا نياتهم وأغراضهم بشأن فلسطين وقاموا بدعاية هائلة ضد هذا الكتاب الذي من شأنه أن يحول دون مطامعهم الاستعمارية. فبينما كان جواب الدكتور حاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية على الكتاب الأبيض الصادر في سنة 1922 للمستر تشرشل وزير المستعمرات حينئذ التأكيد بالعمل بمقتضى هذا الكتاب الذي لا يعارض رغائب جمعيته التي كانت في جميع الأوقات ترغب من صميم فؤادها في أن تتعاون مع جميع طبقات السكان في فلسطين وتمقت كل المقت الإجحاف لأدنى درجة بحقوق الأهالي غير اليهود المدنية أو الدينية أو بمصالحهم المادية فإننا نرى اليوم هذا الرجل نفسه يجيب اللورد باسفيلد عن كتابه الأبيض باستقالته من رئاسة الوكالة اليهودية كما أننا رأينا العالم الصهيوني يملأ الأرض صراخا وعويلا احتجاجا على هذا الكتاب بالرغم من عدم وجود أي اختلاف في المبادئ الواردة في الكتابين القديم والجديد.

         ان السبب في موقفي الدكتور حاييم وايزمان المتناقضين تجاه هذين الكتابين بسيط جداً فالصهيونيون كانوا يشعرون حينما صدر الكتاب الأبيض في سنة 1922 بأن الحكومة الإنجليزية على وفاق معهم في كون المهم في الأمر هو تأسيس الوطن القومي اليهودي ولو أضر ذلك بالعرب وإن المبادئ المثبتة في هذا الكتاب لن يعمل بها إلا على هذا الأساس ولقد زعموا أن الحكومة الإنجليزية نفسها لم تأت إلى فلسطين إلا لأجل القيام بهذه المهمة وأنه ليس لوجودها في فلسطين سبب آخر.

         واعتقدوا لذلك بأن الكتاب الأبيض المشار إليه من شأنه أن يزيد وضعيتهم السياسية تثبيتا وتمكينا. أما الكتاب الابيض الجديد فإنه يختلف في نظرهم عن الكتاب السابق ليس في المبادئ التي بنت عليها الحكومة الإنجليزية خطتها السياسية الجديدة ولكن بكيفية تنفيذ هذه المبادئ.

         ومن المفيد أن نورد في هذا الصدد تصريحات المستر هاري ساكر أمام لجنة شو:

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         الرئيس شو: يوجد في صك الانتداب ذكر الأمرين: تأسيس الوطن القومي اليهودي والمحافظة على حقوق العرب المدنية والدينية فإذا تعارض هذان الأمران. أيهما يسقط؟

         المستر ساكر: لا أعتقد أنهما يتعارضان.

         الرئيس شو: ولكن افرض أنهما تعارضا مرة، خصوصا وأنه يمكن أن يحصل ذلك في نواح عديدة؟

         المستر ساكر: أني لا أرى أنهما يتعارضان ولا يمكن أن يتعارضا.

         الرئيس شو: لأضرب لك مثلا: إذا تم تأسيس الوطن القومي كما نظن أنه سيتم، فيمكن أن لا يتم إلا باستيلاء اليهود على جميع أراضي السكان الحاليين. وهذا يلحق طبعا بهؤلاء السكان ضررا باعتبارهم أمة فإذا فرضنا إمكان وقوع هذا الحادث فأي من هذين التعهدين يجب أن يسقط حينئذ، أتأسيس الوطن القومي اليهودي أم المحافظة على حقوق الأهالي؟

         المستر ساكر: ترغبون في معرفة وجهة نظري؟

         الرئيس شو: يوجد احتمال تعارض هذين الأمرين دائما بصورة من الصور ولا أعلم كيف يقع ذلك. ولكن توجد احتمالات عديدة في وقوع تعارض بينهما، والذي أرغب في معرفته هو إذا وقع تعارض مثل هذا فأي التعهدين يعتبر الأول؟

         المستر ساكر: من الصعب جدا القول أي التعهدين هو الأول حسب “صك الانتداب” ولكن فيما يختص بي فإني أرى أن التعهد الأول، وفاقا لهذا الصك، هو إيجاد الوطن القومي اليهودي.

         الرئيس شو: وهذا الذي كنت فهمته منك. ولكن على فرض صحة وجهة نظرك هذه بالنسبة إلى أحكام “صك الانتداب” ألا تعتقد أن ذلك يكون مخالفا لوعد بلفور الذي نص على أنه لا يعمل شيء في هذا الشأن يكون من شأنه إلحاق ضرر ما بحقوق الأهالي. فالاعتبار الأول في هذا الوعد إذن ليس لتأسيس الوطن القومي اليهودي. ولكن الوطن القومي هذا يجب أن يؤسس بصورة لا تضر بحقوق الأهالي. إني أسألك هذا بصفتك محاميا.

         المستر ساكر: إذا كنت تسألني ذلك بصفتى محاميا، فإني أعترف بصعوبة المسألة.

         الرئيس شو: ماهي وجهة نظر الجمعية الصهيونية في هذه المسألة الحقوقية.

         المستر ساكر: لا أعلم فيما إذا كانت هذه المسألة عرضت على الجمعية الصهيونية بالصورة التي هي موضوع البحث الآن.

         الرئيس شو: أظن أنه لابد أن تكون هذه المسألة قد كانت موضوع البحث كثيرا في الجمعية الصهيونية وأرى أنكم تعتقدون أن الالتزام الأول هو تأسيس الوطن القومي اليهودي وأنه إذا تعارض هذا الالتزام الثاني وهو المحافظة على حقوق الأهالي فإن هذا الالتزام هو الذي يجب أن يسقط أليس هذا هو وجهة نظر الجمعية الصهيونية؟

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

        المستر ساكر: إني أميل لوجهة النظر هذه.

        19 – إن العرب اعتادوا أن يعيشوا بأمان مع اليهود في جميع القرون السالفة وظلوا على وفاق معهم لكل ما فيه مصلحة البلاد وخيرها إلى أن ظهرت مطامعهم السياسية الاستعمارية التي من شأنها بناء قومية يهودية على أنقاض القومية العربية في فلسطين. فالعرب الذين أقاموا في هذه البلاد قرونا عديدة والذين عاشوا طيلة هذه المدة مع إخوانهم في سورية الشمالية والعراق أمة واحدة ولا يزالون جزءا منها بالرغم من التقسيمات السياسية لا يستطيعون أن يبقوا على ما كانوا عليه مع اليهود ما دام هؤلاء متمسكين بسياستهم الاستعمارية المشار إليها ومادامت غاياتهم تعارض غايات العرب القومية.

        ويظهر جليا من هذا أن العرب لا يمقتون اليهود لكونهم يهودا ولا يرفضون التعاون معهم لهذا السبب بل إنهم يتقبلون كل سياسة ترمي إلى مصلحة هذه البلاد العربية ونفعها غير أن اللجنة تؤكد أن اليهود الصهيونيين لن يعدلوا عن سياسة ترمي إلى إيجاد أكثرية يهودية في فلسطين الأمر الذي لا يستطيع العرب التسليم به أبدا.

        ان العرب لم يعتدوا على أحد وإن غاية ما يتوقون إليه هو المحافظة على كيانهم القومي وأن كل سياسة من شأنها أن تحول دون هذه الغاية لهي سياسة جائرة وإن القائمين بها هم وحدهم مسئولون عن نتائجها.

حقوق العرب بتأسيس الحكومة الوطنية:

        20 – بحثت الحكومة الإنجليزية في الكتاب الأبيض الأخير في بعض المواد الواردة في صك الانتداب والتي تحتوي على حقوق العرب في فلسطين وأكدت أنها عازمة على تنفيذها تماما في هذه المرة.

        21 – إن اللجنة التنفيذية العربية التي رفضت في كل فرصة الموافقة على صك الانتداب لمخالفته للعهود المقطوعة للعرب وللمادة 22 من نظام عصبة الأمم تشكر للحكومة الإنجليزية مع ذلك توخيها في بحثها هذا طمأنة العرب على حقوقهم المادية والدينية. ولكنها تنكر عليها من جهة أخرى إصرارها على عدم البحث في المواد المتعلقة بحقوق العرب السياسية.

        فصك الانتداب يحتم مثلا على الحكومة الإنجليزية تأسيس حكومة وطنية في فلسطين حالا:

(أ)

إن كلمة الانتداب تفرض وجود دولة منتدبة وحكومة منتدب عليها ولا يوجد في فلسطين أثر لهذه الحكومة.

(ب)

إن المادة 22 من عهد عصبة الأمم التي هي الأساس الرئيسي لصك الانتداب تحتم وجود دولة مرشدة غير أن هذه الدولة لم تخلق بعد.

(جـ)

إن الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من صك الانتداب ألزمت الدولة المنتدبة بوضع البلاد في حالات اقتصادية وإدارية وسياسية يسهل معها ترقية الحكم الذاتي.

         فالحكم الذاتي الذي يتألف من السلطات التشريعية والإدارية والقضائية ليس له أي وجود بعد في فلسطين.




(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

(د)

إن مواد صك الانتداب كلها تبحث في واجبات حكومة فلسطين وعلاقاتها بالحكومة الإنجليزية ولكن حكومة فلسطين هذه لم تولد بعد فالحكومة الإنجليزية قائمة اليوم مقام الحكومة المنتدبة والحكومة المنتدب عليها معا.

       22 – جاء في الكتاب الأبيض الأخير مايلي:

       “كما أنه من العبث أيضا من الجهة الثانية للزعماء العرب أن يصروا على مطالبهم بوضع نوع من الدستور يجعل قيام حكومة جلالته بالتعهد ذي الشقين المشار إليه آنفا في حكم المستحيل”.

       ان اللجنة لا توافق الحكومة الإنجليزية على هذا الرأي، ولا تقرها على أن العرب يصرون عبثا على المطالبة بحقوقهم الأساسية.

       لم تر اللجنة الحكومة الفرنسية في سورية ولا الحكومة الإنجليزية في العراق، تتخذان العهود الدولية، حجة لحرمان أهالي هذه البلاد من تمتعهم بحكومات وطنية ومجالس نيابية.

       ففرنسا التي مازال الشرقيون يرون من سياستها الاستعمارية ما يرون، لم تهضم شيئا من حقوق البلاد التي انتدبت إليها، بالنسبة إلى الحقوق التى حرم الإنجليز العرب منها في فلسطين.

       احتلت الحكومة الإنجليزية هذه البلاد، وإدارتها في الثلاث عشرة سنة التي خلت، إدارة مباشرة، لا يجهل أحد ما كان لها من سوء تأثير وأعمال غاشمة. ولقد كنا نميل إلى الاعتقاد أن الحكومة الإنجليزية التي عرفت بالاختبار خطل هذه السياسة واطلعت على مانجم من أضرار لن تلبث أن تغير سياستها في هذه البلاد تغييرا أساسيا.

       23 – فاللجنة رأت اليوم، مع الأسف، أن الحكومة الإنجليزية لن تغير شيئا من شكل الإدارة السابقة. وغاية ماهنالك أنها ظلت واقفة عند اقتراحها بتأسيس المجلس التشريعي الذي عرضته منذ ثماني سنوات.

       وان حجة الحكومة الانكليزية في ذلك هي، كما قلنا سابقا، خشيتها. أن لا تستطيع القيام بما تسميه “التزاماتها الدولية” تجاه عصبة الأمم إذا هي رفضت بالموافقة على تمتع العرب بحقوقهم السياسية. ولكن الحكومة الانكليزية قد عهدت إلى المندوب السامي في فلسطين وحده في أمر القيام بهذه الالتزامات. فلقد ورد في “الكتاب الأبيض” تحت فصل “التطورات الدستورية” نص خاص بذلك:

       .. وسيبقى المندوب السامي متمتعا بالصلاحية الضرورية التي تمكن الدولة المنتدبة من القيام بالالتزامات المترتبة عليها إزاء عصبة الأمم ومن ذلك صلاحية وضع أي تشريع تقتضيه الحاجة الماسة وتوطيد النظام.

       فالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، كل هذه السلطات التي تتكون منها حكومة فلسطين ليس لها إذا أي علاقة بهذه الالتزامات وفقا لهذا النص إذ أن أمر القيام بها منوط بالمندوب السامي وحده.

       فإذا كانت الحالة هي هذه فما معنى إصرار الحكومة الإنجليزية إذن على حرمان الفلسطينيين من تأسيس حكومة مسئولة لدى مجلس نيابي؟

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         ان اللجنة تعتقد أن مشروع المجلس التشريعي المقترح في الكتاب الأبيض ناقص ولا يوافق رغبات الأمة وأمانيها وهي من أجل هذا ترى لزاما عليها أن تستمر على المطالبة بحقوق الأمة إلى أن تتحقق تلك الأماني والرغبات كاملة.

         24 – تؤكد اللجنة التنفيذية على نور التجربة الطويلة أن هذه البلاد لن يقيض لها أن تعيش بسعادة مادامت تحكم بواسطة إدارة إنجليزية صرفة. واللجنة تعتقد أن الحالة في فلسطين لن تتحسن من الوجهتين الاقتصادية وتوطيد النظام مادامت الحكومة الإنجليزية لا تعدل عن سياستها الحاضرة ولا توافق على إدارة فلسطين بواسطة أهلها. ذلك لأن نتيجة الاختبار. ليس في فلسطين فقط ولكن في جميع العالم أثبتت أن البلاد لا تترقى ويستتب الأمن فيها إلا بواسطة أهلها فشرق الأردن ما كانت لتحصل على الأمن الذي نشاهدها تتمتع في نعيمه اليوم لو لم يسلم أمر إدارتها إلى أهلها العرب.

         ان البلاد المقدسة لم تكن تعرف قبل الاحتلال البريطاني الثورات والاضطرابات التي أصبحت تهددها اليوم بصورة دائمة فالحكومة الإنجليزية لم تر مندوحة من أن تحتفظ في الوقت الحاضر بفرقتين من المشاة وسربين من الطيارات وأربع فرق من السيارات المصفحة وأن تقوي فرقتي البوليس البريطاني والفلسطيني وتضع مشروعا للدفاع عن المستعمرات اليهودية كما أنها ترغب في أن تتخذ وسائل أخرى كثيرة في هذا الشأن.

         واللجنة تؤكد أن سياسة تقوم على الحديد والنار لن تكون عاقبتها إلا الفشل. لأن دعائم السلام لا تقوم إلا على أسس العدل والإنصاف.

         اما السياسة المؤسسة على الإرهاب إذا نجحت يوما فإنها لا محالة فاشلة في يوم آخر ففلسطين بلاد فقيرة. وقد ازدادت فقرا وبؤسا منذ الاحتلال البريطاني وثبت فوق ذلك أن الضريبة التي يدفعها الفلسطيني فادحة جدا وأن السياسة الصهيونية كانت العمل الأساسي في تضخم ميزانية الحكومة وأن ميزانية البوليس وحدها تبتلع مبلغا كبيرا من هذه الميزانية. وليس من الإنصاف والعدل في شيء أن تلجأ الحكومة لأجل تطبيق السياسة الصهيونية وتأسيس الوطن القومي اليهودي كما أشارت إلى ذلك في الكتاب الأبيض إلى زيادة الطيارات والجند والبوليس فتصبح هذه الميزانية أكثر ضخامة وأشد بلاء على هذه الأمة التعسة الحظ من ذي قبل. وقد اعترفت الحكومة الإنجليزية بهذه الحقيقة المرة على الكيفية الآتية:

         “وقد وقع على كاهل مالية فلسطين عبء ثقيل من جراء الضرورة التي دعت إلى زيادة قوات الأمن العام زيادة كبرى. إلا أن هذه الزيادة اعتبرت ضرورية في نور الحوادث التي وقعت في خريف سنة 1929، وليس في الاستطاعة التنبؤ بالزمن الذي يمكن فيه تخفيض النفقات في هذا الباب بدون خطر. إذ أن ذلك التخفيض يجب أن يتوقف لدرجة كبرى على نجاح هذه السياسة الجديدة وعلى تحسين العلاقات المتبادلة بين العرب واليهود ذلك التحسين الذي تأمل حكومة جلالته أن يكون إحدى نتائج تلك السياسة.

         ولكن وعد بلفور الذي يمقته العرب كل المقت لم يفرض على الحكومة الإنجليزية تأسيس الوطن القومي اليهودي بالقوة لأن كل ما ورد في هذا الوعد هو كتابة عن أن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين




(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

وأن تبذل أحسن مجهوداتها في سبيل تسهيل الوصول إلى هذه الغاية” لا سيما إن هذه الحكومة لم تعط هذا الوعد إلا بعد أن أكدت أنها “لن تعمل شيئا في هذا السبيل يكون من شأنه إلحاق الضرر بالحقوق المدنية أو الدينية التي للجماعات غير اليهودية في فلسطين”.

         فاللجنة تؤكد لذلك أنه يوجد في تذرع الحكومة الانكليزية بالقوة من جهة وبإرهاق العرب بالضرائب الفادحة من جهة أخرى لتأسيس الوطن القومي اليهودي مخالفة لوعد بلفور نفسه.

         حسن من الحكومة الانكليزية أن تعمل قبل كل شيء على توطيد أركان السلام. لكن الأحسن أن تلتزم اليهود، في سبيل هذه الغاية ليس فقط بالتنازل من جهتهم عن التصورات الاستقلالية الانفصالية التي أخذت تنشأ في بعض الدوائر فيما يتعلق بالوطن القومي اليهودي. بل بالعدول عن كل سياسة تعارض حقوق العرب القومية مما يضمن بقاء البلاد المقدسة مركزا للسلام العام.

السواحل:

         38 – ورد في الشهادات التي أديت أمام لجنة شو، وثبت من التحقيق الذي قام به المستر فولكاني، المهندس الزراعي اليهودي، وهو لا يتهم طبعا بمحاباته للعرب. إن القسم من هذه السواحل الصالح لزراعة البرتقال، وهى أغنى أراضي فلسطين قاطبة، يتراوح بين 220.000 و 250.000 دونم وإن اليهود استولوا على ما يزيد عن 200 ألف دونم من هذه الأراضي حتى الآن. وفضلا عن ذلك فإن القسم الأكبر منها يملكه صندوق المال الوطني اليهودي باسم جميع يهود العالم. وأصبح العربي لا يأمل أن يستفيد منها يوما ما، لا بالإيجار ولا بالشراء. إن العرب كانوا يملكون قبل الاحتلال البريطاني جميع الأراضي، وكانوا يزرعونها كلها برتقالا وبطيخا، ولكن زراعة البطيخ أصبحت نادرة بسبب ضياع القسم الأوفر من هذه الأراضي.

مرج بني عامر وسهل عكا:

         39 – استولى اليهود على معظم مرج بني عامر وعلى السهل الواقع بين حيفا وعكا في سنة 1925 ويجدر بالذكر أن السهل الثاني الذي هو أصغر مساحة من سهل مرج بنى عامر هو وحده أكبر من كل السهول الباقية للعرب.

         وكان العرب يزرعون هذين السهلين سمسما وذرة في موسم الصيف وهذان النوعان من الزراعة يأتيان رأسا بعد زراعة البرتقال والبطيخ من حيث القيمة والفائدة. فالعرب قد خسروا هذا النوع من الزراعة بسبب فقدهم هذه السهول وأصبح الفلاح العربي مهددا بقضاء الموسم الصيفي بلا عمل.

         40 – لابد للجنة هنا من أن تشكر السرجون هوب سمبسون الذي كذب بصورة قاطعة ادعاء الصهيونيين، ومنهم السر هربرت صموئيل، بأن اليهود قد جعلوا هذا السهل جنة عدن بعد أن كان خرابا. فلقد ثبت من الشهادات الواردة أمام لجنة شو ومن التحقيق الذي قام به السرجون هوب سمبسون أن العرب كانوا يزرعون هذا السهل بصورة أوفى من اليهود.

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

الحولة:

        41 – تتصرف بهذا الحقل الخصيب شركة سورية، بمقتضى الامتياز الذي كان قد منح لها في زمن الحكم التركي. واللجنة توافق على اقتراح السير جون هوب سمبسون القائل بتملك هذا الحقل من قبل الحكومة على أن يقطع بعد ذلك للفلاح العربي.

        42 – ورد في المادة السادسة من صك الانتداب ضرورة تشجيع حشد اليهود في الأراضي، بما فيها أراضي الحكومة. ويظهر أن واضع هذا الصك كان يظن أن الحكومة التركية تملك مساحات شاسعة من الأراضي خالية من السكان، وأنه من الممكن منحها للجمعية اليهودية ليستعمرها مهاجرو اليهود.

        ان تلك الأراضي التي قيل إنها ملك الحكومة هي، بالحقيقة، كناية عن أراض يملكها المتصرفون الحاليون منذ القديم، وقد سجلت باسم الحكومة بفضل الأنظمة الاستبدادية التي كانت تشن في العهد التركي ويرغبة السلطان عبد الحميد في تملك أراضي في البلاد المقدسة. وإن الحكومة التركية التي كانت تعلم حقيقة الأمر لم تحاول مرة واحدة إخراج أحد أولئك المتصرفين من تلك الأراضي. وعلى فرض أن الحكومة التركية تملكت الأراضي المذكورة بمسوغ مشروع، فليس من شريعة سماوية أو موضوعة تجيز أن يهب أجنبي ملك غيره لأجنبي آخر وأن يخرج منها أصحابها الشرعيين.

        ويظهر أن السير هربرت صموئيل الذي لا يتهم بمحاباته للعرب قد أدرك هذه الحقيقة فاعترف بها في تقريره الرسمي عن إدارة فلسطين لسنتي 1920 – 1925، حيث قال:

        “جاء في المادة السادسة من صك الانتداب لفلسطين أن على الحكومة مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق ووضعية الجماعات الأخرى، أن تسهل المهاجرة اليهودية في أحوال وشروط مناسبة وتشجع حشد اليهود في الأراضي، ومن جملتها أراضي الحكومة وأراضي الموات غير المطلوبة للمشاريع العامة، إلا إنه لم يكن من المستطاع تنفيذ القسم الأخير من هذه المادة لأن أغلب أراضي الحكومة يتصرف بها العرب ولا يمكن انتقالها إلى غيرهم بدون إلحاق الضرر بهم وبدون مس هذه المادة التي وضعت للمحافظة على حقوقهم. ومعظم الأراضي الأخرى إما صخرية أو لا ماء فيها. وكل محاولة لإسكان اليهود فيها تكون مجلبة للكوارث”. وقد اعترف في مكان آخر بأن “أراضي بيسان، وإن كانت انتقلت ملكيتها بمقتضى القانون العثماني إلى الحكومة قد كان للزراع العرب حق معنوي قوي لاستمرارهم على التصرف بها، مما اضطر إلى الاعتراف بهذا الحق”.

        فأراضي الحولة، هي كأراضي بيسان، يزرعها العرب من قديم ولهم فيها حقوق معنوية قوية. وليس هنالك ما يسوغ، بأي وجه كان إخراجهم منها، لأجل إسكان مهاجري بولونية وروسية وغيرهم فيها.

        أما أراضي الموات المذكورة في المادة السادسة المشار إليها، فهذه كناية عن أراض حجرية أو جبلية لا يملكها أحد، وإن قانون الأراضي العثماني الصادر في سنة 1274 هـ (1857م) بحث فيها لوجود أراض من نوعها في المملكة العثمانية.

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         ان المادة 103 من هذا القانون لا تعد أرضا مواتا، إلا إذا، اجتمعت فيها الأوصاف الآتية:

1 –

أن تكون بعيدة عن أقاصي العمران لحد لا يسمع منه صوت الشخص الجهوري.

2 –

أن تكون غامرة كالصخر أو الوعر أو ماشابه ذلك.

3 –

أن لا تكون ملكا لأحد.

4 –

أن تكون مخصصة لمنفعة بعض المدن والقرى.

         فيكاد يستحيل وجود أراض في فلسطين تتوفر فيها هذه الأوصاف.

         ذلك لأن هذه البلاد مقسمة إلى قرى يحد بعضها بعضا دون أن يكون هنالك فاصل ما بين حدود قرية وأخرى، وأن جميع قرى فلسطين يملكها أهلها، بما فيها من جبل ووعر. فالحكومة العثمانية التي كانت تعرف هذه الحقائق، الزمت مأموري الأراضي بإعطاء وثائق رسمية – سندات طابو – لأصحاب الأراضي لتقوم دليلا على ملكيتهم لها. وقد طاف هؤلاء المأمورون البلاد منذ خمسين سنة وقيدوا قسما من الأراضي في سجلاتهم وأعطوا أصحابها ” سندات طابو ” حسب إشارة الخبيرين بأحوال القرى، غير أن قسما كبيرا من الأراضي بقي بدون تسجيل.

         غير أن ذلك ما كان ليضر أحدا، لأن الحكومة العثمانية لم تحاول مرة أن تحظر على أحد أن يتصرف في أراضيه، بحجة عدم حصوله على ” سند طابو ” يشعر بملكيته لهذه الأراضي. وفضلا عن ذلك فلقد كانت تشجع الأهالي على زرع الأراضي التي لا مالك لها وتمنحها لهم مجانا أو لقاء دفع مبلغ جزئي من المال. وقد دامت الحال. على هذا المنوال إلى أن تأسست حكومة السر هربرت صموئيل. فهذه الحكومة التي كانت مسئولة عن ” إيجاد نظام للأراضي يلائم احتياجات الأهالي. وفقا للمادة 11 من صك الانتداب قد سلبت، بقوانين وضعتها لغايات سياسية ما كان للأهالي من حقوق زراعية، في عهد الحكم العثماني. فالسرهربرت صموئيل لم يضع هذا الخمر الجديد في زق جديد ” كما أشار إلى ذلك في تقريره الرسمي عن سياسة فلسطين في سنتي 1920 – 1925 ولكنه أراق ما كان في زقنا القديم من خمر عتيق جيد، دون أن يعوض البلاد بما هو أطيب منه.

         ان المادة 103 من قانون الأراضي العثماني تخول كل إنسان زراعة أية أرض موات، وتلزم مأمور الأراضي بتسجيلها له مجانا، إذا هو زرعها بإذن منه أو مقابل مبلغ قليل من المال، إذا زرعها بدون إذن.

         ففي سنة 1921 أصدر السر هربرت صموئيل أمرا بالغاء هذه المادة وحظر على أي كان زرع أرض غامرة وعرض المخالف للمحاكمة والعقاب.

         ولم تكتف الحكومة بهذا، إذ أنها حاولت الاستيلاء على الأراضي المتروكة منذ القديم لمنفعة أهالي القرى، كما أنها استولت حتى الآن على مليون ونصف مليون دونم ونيف من الأراضي لتجعلها اخراجا وقد سجلت نصف هذه الأراضي باسمها وأنها تحاول الآن تسجيل الباقي.

         ان إدارة فلسطين لم تكن تجهل أن جميع أصحاب الأراضي في فلسطين لم يسجلوا، في زمن الحكم العثماني، أراضيهم كلها. فلقد كان الكثيرون منهم يكتفون

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

بزراعة أراضيهم ويعدون تصرفهم القديم فيها عنوانا ثابتا لملكيتهم، فلقد خسر بعض هؤلاء أراضيهم وأصبح الباقون مهددين بالالتحاق بطبقة المزارعين العاطلين الذين لا أرض لهم.

         ان اللجنة، لا تنسب هذا الظلم الفادح الذي ابتلي به العرب إلى سياسة الحكومة الانكليزية بصورة مباشرة، ولكنها لا تقدر من جهة أخرى إلا أن تعدها مسئولة عن كل ما أصاب البلاد من بلاء في هذا الشأن فإنها هي التي أناطت مراقبة الأراضي في فلسطين بصهيونيين، يسيطرون على دوائر الأراضي يسيرونها حسب رغائب الصهيونيين، ولهؤلاء الصهيونيين محام من جنسهم يتعاونون معه على حل المسائل القانونية العوصة. وهذا المحامي هو النائب العام لحكومة فلسطين.

         ان اللجنة التنفيذية كانت قد احتجت في حينه على هذه الأنظمة وهذه الأعمال، لا سيما على إناطة مراقبة الأراضي بصهيونيين يصرفون همتهم وغيرتهم في سبيل استيلاء اليهود على أراضي البلاد.

         ولا يسع اللجنة إلا أن تكرر بهذه المناسبة احتجاجها الشديد على نظام الأراضي الحاضر وتولية الصهيونيين لتنفيذه، وتصر اللجنة على طلب تغيير هذه السياسة تغييرا أساسيا، لا سيما وقد أثبت تقرير السير جون هوب سمبسون أنه يوجد بين العائلات القروية العربية، التي يبلغ عددها 86.980 عائلة نحو 29.4 في المائة بلا أرض، وأن الأراضي الزراعية الباقية للعرب غير كافية لاحتياجاتهم وأن مواليد العرب تزداد كثيرا، في كل سنة، عن عدد الوفيات فيها.

         43 – ومما هو جدير بالذكر تكذيب الحكومة الانكليزية في الكتاب الأبيض الأخير، لتبجحهم وقولهم أن الاستعمار الصهيوني كان مفيدا للجميع في فلسطين. فقد أشارت في هذا الكتاب إلى هذا الأمر المهم، بلباقة:

         “.. لكنه من الضروري عند البحث في هـذا القسم من المعضلة (تأثير استعمار اليهود في السكان العرب) أن يميز بين الاستعمار الذي تقوم به جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين (المعروفة عموما بالبيكا) وبين الاستعمار الواقع تحت إشراف الجمعية الصهيونية…”

         فإذا ما نظرنا إلى السياسة الماضية التي اتبعتها جمعية “البيكا” نرى أن العرب لم يتضرروا كثيرا من إنشاء المستعمرات اليهودية. وقد كانت العلاقات حسنة فيما مضى بين أهالي المستعمرات وجيرانهم العرب.

         أما المحاولات التي قامت لإثبات الادعاء القائل بأن الاستعمار الصهيوني لم يلحق مزارعي الأراضي التي يملكها اليهود بالطبقة التي لا أرض لها، فقد كذبها التحقيق الذي قام به أخيرا السير جون هوب سمبسون.

         واذا علم أن جمعية “البيكا” أسست في العهد العثماني، وأن الأراضي التي تملكتها في البلاد قليلة، ظهر جليا أن القول بأن الاستعمار الصهيوني كان مفيدا لجميع أهالي فلسطين، هو افتراض محض، فالعرب لم يستفيدوا من الاستعمار الصهيوني شيئا قط، بل خسروا كل فائدة من أية أراض استولى عليها صندوق رأس المال المشار إليه.

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         44 – وفضلا عن ذلك فقد حرم اليهود العرب من حقوق المزارعة التي خولهم إياها القانون، دون أن تحاول إدارة فلسطين مرة واحدة المحافظة على حقوقهم هذه. ومن ذلك أن اليهود استولوا في سنة 1925 على مرج بني عامر الذي كان يعيش فيه: 1270 مزارعا عربيا وقد كان على اليهود أن يقطعوا لكل مزارع فيه أرضا كافية لمعيشته وفقا لقانون حماية المزارعين لسنة 1921. ولكن اليهود لم يبالوا بذلك فطردوا من استطاعوا طرده من مزارعي العرب في هذه الأراضي، وخدعوا البعض بإعطائهم مبالغ زهيدة لا تفي بحاجاتهم، وقد لقنوهم درسا بقتل أحدهم لأصراره على البقاء في الأراضي التي اعتاد هو وآباؤه زرعها منذ القديم. وكذلك كانت الحالة في أراضي وادي الحوارث التي استولى عليها اليهود في سنة 1929 حيث أخرجوا منها المزارعين العرب الذين يعدون بألفي شخص والذين كانوا يزرعون هذه الأراضي هم وآباؤهم من قبل. غير أن ما حل بهؤلاء العرب كان أشد وأفظع مما حل بإخوانهم في مرج بني عامر. إذ أن مزارعي وادي الحوارث لم يخرجوا من أراضيهم إلا بعد أن بطش بهم البوليس، وأسال دماء بعضهم، ولا يزال الكثيرون منهم هائمين في البراري والقفار بدون ملجأ ولا قوت.

         45 – فهنا تؤيد اللجنة التنفيذية قول الحكومة الانكليزية أنه لا يوجد اليوم في فلسطين أية أرض ميسورة لحشد مزارعي اليهود. واللجنة مع ترحيبها بالمشاريع التي عزمت الحكومة على القيام بها لتحسين الزراعة فإنها تعتقد أن هذه المشاريع لا تهيىء لليهود أراضي إضافية يمكن للعرب الاستغناء عنها. فلقد ثبت لنا أن العرب لا يملكون أراضي زراعية كافية للقيام بأود معيشتهم، وإنهم في حاجة إلى ما يقرب من مليوني دونم عما يملكونه الآن، وأنه يوجد بعين العائلات القروية 29.4 في المائة بلا أرض.

         ان احتياج العرب إلى الارض سوف يزيد كثيرا عن هذا المقدار في السنين الآتية من جراء زيادة المواليد على الوفيات في هذه البلاد.

         فوالحالة هذه لا يكفي ملاحظة احتياج العرب الحاليين إلى الأراضي الزراعية فقط، بل يجب التفكير في مصلحة الأجيال الآتية أيضا.

         واذا لوحظت هذه المسألة، أمكننا أن نقول فورا أن أساليب الزراعة الجديدة المنوي إنتهاجها لتحسين الأراضي حسب توصيات السرجون هوب سمبسون يجب السير عليها لمصلحة السكان العرب الحاليين والآتين معا في فلسطين لا فردا فردا، ولكن المحافظة على حقوق العرب بصفتهم أمة. ولا يلاحظ في حياة الأمة مصلحتها في قرن معين. ولكن في كل القرون.

         فعلى نور الحقائق الآنفة الذكر يجب تفسير العبارات الآتية التي وردت في الكتاب الأبيض وهي:

         “ان وجود أراض زائدة لليهود يتوقف على مايتم من التقدم في زيادة إنتاج الأراضي العامرة .. فباتباع مثل هذه السياسة (التحسين الزراعي) فقط يستطاع حشد مزارعين آخرين من اليهود في الأراضي على وجه موافق للأحكام المثبتة في المادة السادسة من “صك الانتداب” ومثل هذه النتيجة لا تحصل إلا بأعمال تستغرق سنوات عديدة. ولذا فمن حسن حظ الجمعيات اليهودية أن تكون مالكة الآن أراضي واسعة احتياطية لم تسكن ولم تعمر بعد. وعلى ذلك ستمكن استمرار اليهود على عملهم بدون انقطاع

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

ريثما توضع تدابير عمومية أخرى لتحسين الزراعة يستطيع العرب واليهود الاستفادة منها.

         46 – والنتيجة الطبيعية التي يستطاع استخراجها من هذه المقدمات هي منع انتقال الأراضي الزراعية من العرب لغير العرب.

         ولكن اللجنة تأسف أن ترى الحكومة الانجليزية قد ابتعدت عن القول لهذه النتيجة واتبعت طريقا لحل معضلة الأراضي، لا تلائم تلك المقدمات. فهي بدلا من أن تقرر حالا منع انتقال الأراضي الزراعية من العرب لغيرهم، أناطت مراقبة التصرف بالأراضي بحكومة فلسطين وخولتها القيام بأمر تقديرها. وهذا ما ورد في الكتاب الأبيض.

         ومع ذلك فمن الواجب بحكم الضرورة، أن تناط مراقبة التصرف في الأراضي بالسلطة القائمة بهذا التحسين، فلا يسمح به إلا متى كان ذلك الانتقال لا يعارض خطط تلك السلطة. وإذا نظرنا إلى مسئوليات الدولة الانجليزية ظهر أن هذه السلطة يجب أن تكون إدارة فلسطين ومن هذا النص نستخرج النتيجتين الآتيتين:

(أ) يستطيع اليهود الاستيلاء على أراض زراعية جديدة، بشرط الحصول على موافقة المندوب السامي لفلسطين.

(ب) لا يسمح بانتقال الأراضي بين العربي وأخيه العربي إلا بإذن المندوب السامي.

         فهاتان النتيجتان لا توافقان المادة 6 من “صك الانتداب” لأن هذه المادة تجعل الحكومة مسئولة عن حقوق العرب ووضعيتهم تجاه خطر الاستعمار اليهودي. كان على الحكومة الإنجليزية، إذن أن تقرر حالا وفقا لهذه المادة، منع أية أرض من العرب إلى اليهود، وليس في هذه المادة من شيء يقيد حرية تصرف العرب فيما بينهم بالأراضي بأي قيد كان، كما أنه لا خطر على حقوق العرب ووضعيتهم من بقاء هذه الحرية.

         فقد نصت المادة السادسة المذكورة على صون أراضي العرب إزاء اليهود لأن المقصود من ذلك، المحافظة على كيان الأمة العربية. فإبقاء حرية التصرف بهذه الأراضي فيما بين العرب لا يؤثر في هذا الكيان.

         ويلوح للجنة أن عدم تقرير هذا المبدأ حالا يكون سببا لإيجاد قلاقل جديدة. لأن الصهيونيين لن يتركوا حيلة للضغط على المندوب السامي للحصول على ما يلائم غايتهم الاستعمارية في الأراضي الزراعية فتعليق انتقال الأراضي الزراعية لليهود على موافقة المندوب السامي ليس من شأنه، على هذه الصورة، أن يزيل مخاوف العرب.

         ان حكومة فلسطين السابقة لم تنفذ المبادئ التي قررها “الكتاب الابيض” الصادر في سنة 1922 لمصلحة العرب، ولا يوجد أي ضمان لهؤلاء بأن حكومات فلسطين اللاحقة سوف تنفذ المبادئ التي قررها لصالحهم “الكتاب الأبيض” الأخير.

         وليس من الممكن تفسير موقف الحكومة الانكليزية هذا إلا بما يشاع عن ضعفها تجاه الضغط اليهودي الشديد. ولكن ضعفا مثل هذا لن يكون مثالا حسنا للفلسطينيين.

         فاللجنة لذلك تلح بإصرار على أن يقرر حالا مبدأ منع انتقال الأراضي من العرب لغيرهم.



(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         وقد بقيت هنا مسألة لم يشر إليها “الكتاب الأبيض” وهي مسألة الديون في فلسطين.

         فمسألة الديون التي هي معقدة في ذاتها قد أصبحت مخيفة وخطرة في الزمن الحاضر. وليس من ينكر أن للسياسة الصهيونية علاقة كبيرة فيها. لأن مزارعي العرب الذين أصبحوا عاجزين عن القيام بأود معيشتهم من جراء الضرائب الفادحة التي يدفعونها للحكومة اضطروا إلى الالتجاء، بحكم الضرورة، إلى المرابين الذين يقرضونهم المال بفوائد فاحشة جدا. وقد اضطر بعضهم إلى بيع أراضيهم وفاء لديونهم المذكورة.

         ويرزح القسم الغالب من مزراعي العرب اليوم تحت عبء هذه الديون التي لا يستطيعون تسديدها. إذا كانت الحكومة راغبة في تحسين حالة الفلاح، فيتحتم عليها حل معضلة الديون قبل كل شيء.

         واللجنة تقترح أن تعين الحكومة لجنة خاصة لتصفية هذه الديون على وجه يلائم مصلحة الفلاح العربي.

المهاجرة:

         47 – جاء في “الكتاب الأبيض” إن الحكومة الانكليزية بحثت أخيرا في النظام الذي تتبعه حكومة فلسطين في مراقبة المهاجرة اليهودية ودققت في المسألة من جميع وجوهها، وأنها أوقفت في شهر آيار الماضي الإذن الذي منحته حكومة فلسطين للجنة التنفيذية الصهيونية بادخال عدد من المهاجرين اليهود للبلاد، وذلك ريثما تظهر نتيجة التحقيق الذي يقوم به السرجون هوب سمبسون في مسائل الأراضي والمهاجرة والبطالة في فلسطين. فالحكومة الانكليزية توصلت بنتيجة البحث والتدقيق المذكورين إلى الأمور الثلاثة الآتية:

(أ)

إن النظام الذي اتبعته حكومة فلسطين في السنين الماضية لا يوافق أبدا الخطة السياسية التي أعلنها الحكومة الانكليزية في “الكتاب الأبيض” الصادر في سنة 1922.

(ب)

إن السياسية التي قررها اليهود في مؤتمر زوريخ لم تراع فيها أحكام “صلة الانتداب”.

(جـ)

إن القرار الذي أصدرته في أيار الماضي بشأن وقف الإذن بالهجرة اليهودية كان في محله.

         48 – ولكن ماهي الوسائل التي ترغب الحكومة الانجليزية في التذرع بها لاتقاء الأخطار التي تنشأ حتما من سياسة المهاجرة المتبعة في فلسطين والتي ظهر الآن خطلها وفسادها.

         لم تبين لنا الحكومة الانكليزية بوضوح هذه الوسائل وأن كل ما صرحت به في “الكتاب الأبيض” هو أنها عزمت على جعل حكومة فلسطين السلطة لفصل كل الأمور السياسية المتعلقة بالمهاجرة.

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

        فاللجنة التنفيذية العربية تعلم أن حكومة فلسطين كانت دائما هي السلطة الحقيقية التي تفصل بهذه السياسة. والحق أن المهاجرين اليهود الذين يؤمنون فلسطين هم على ثلاثة أصناف: الصنف الأول هو المهاجر ذو الوسائل المستقلة والثاني هو المهاجر الذي يستند في معيشته إلى أحد المقيمين في فلسطين، والثالث هو المهاجر العامل والمهاجرون من هذه الأصناف الثلاثة إنما يدخلون تحت إشراف حكومة فلسطين وبإذن منها، على الوجه الآتي: وهو أن مهاجري الصنفين الأولين يبرهنون رأسا لدائرة المهاجرة على أنهم حائزون على الأوصاف المطلوبة قانونا. ويسمح لهم إذ ذاك بالدخول إلى فلسطين. وأما مهاجرو الصنف الثالث فيدخلون البلاد، حسبما يأتي: وهو أن اللجنة التنفيذية الصهيونية تطلب من رئيس دائرة المهاجرة في حكومة فلسطين مرتين في السنة، إعطاء إذن لقدر معين من عمال اليهود بالدخول إلى البلاد، بمقتضى جدول تقدمه له، وتبرهن اللجنة المذكورة لرئيس المهاجر المذكور على أن عدد المهاجرين المطلوب إدخالهم، وفقا للجدول المذكور لا يزيد على مقدرة البلاد الاقتصادية. وهذا الرئيس، وهو يهودي يرفع تواصيه في هذا الشأن، إلى المندوب السامي لفلسطين الذي يقرر بناء على هذه التواصي، إعطاء الإذن بدخول أولئك المهاجرين أو عدم ذلك.

         لذلك لم تقدر اللجنة التنفيذية العربية أن تفهم كيف أن الحكومة الانكليزية ترى لمعالجة المهاجرة اليهودية في المستقبل على وجه لا يضر العرب أن تنبط مراقبة هذه المهاجرة بحكومة فلسطين.

        وإليك ما جاء في “الكتاب الأبيض”:

        “بالنظر إلى المسئولية المترتبة على الدولة المنتدبة، ترى هذه الدولة من الضروري أن تؤمن حكومة فلسطين، وهي الوكيلة عنها السلطة التي تفصل في جميع أمور السياسة المتعلقة بالمهاجرة، وذلك بالنظر إلى الصلة الوثيقة بين هذه المهاجرة وسياسة البطالة والأرض. ولا يمكن حصول أي تحسين في النظام الحاضر ما لم تكن هنالك ثقة بين الحكومة من جهة والوكالة اليهودية من جهة أخرى، في قيام كل منهما بواجباته الخاصة. على أن يلاحظ في ذلك ما تؤثر به نقابة العمال اليهودية في سياسة الوكالة اليهودية”.

        ويظهر من ذلك أن سلطة الفصل في السياسة المتعلقة بالهجرة بيد حكومة فلسطين وحدها.

        49 – فالحكومة الانكليزية التي اطلعت على خطيئات إدارة فلسطين الماضية في شأن سياسة المهاجرة المذكورة، تصر، إذن، على إبقاء سلطة الفصل في المهاجرة في قبضة هذه الإدارة على أن تتعاون هي والوكالة اليهودية، كما كانت الحالة في السابق وكل ما رأته الحكومة الانكليزية من علاج شاف في هذا الباب هو إسداء النصائح للوكالة بأن تحافظ على واجباتها السياسية وأن تتخلص من نفوذ نقابة العمال اليهودية، حينما تتعاون هي وحكومة فلسطين على تنفيذ سياسة الهجرة اليهودية.

        فاللجنة التنفيذية العربية لا ترى في هذا العلاج ما يخفف من مضار سياسة المهاجرة التي اتبعت في فلسطين حتى الآن.

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

         50 – وزيادة على ذلك، لا فرق بين سياسة الوكالة اليهودية وسياسة نقابة العمال المذكورة التي بنيت على أسس سياسية خطرة.

         فالحكومة الانكليزية لاتجهل أن قسما كبيرا من أعضاء مؤتمر زوريخ ينتمى إلى هذه النقابة، وأن هذا المؤتمر الذي تسير الوكالة اليهودية على سياسته، كان قرر، فيما قرر، ما يأتي:

(أ)

يرحب المؤتمر الصهيوني السادس عشر بإنعاش المهاجرة إنعاشا يفسح المجال لهجرة مستمرة زائدة وينفخ في الشعب اليهودي في فلسطين وفي الحركة الصهيونية العالمية روحا قوية. والمؤتمر يعرب، في الوقت نفسه، عن أسفه الشديد لعدم استواء مدى المهاجرة حتى الآن مع احتياجات اليهود وما فيهم من قوى كاملة على العمل، ولأن ما وضع من العراقيل والقيود التي لا مبرر لها في سير الهجرة، قد سبب فقدان أشغال كثيرة للعامل اليهودي في أرض اسرائيل. (كذا)

(ب)

يدون المؤتمر السادس عشر إن مجال العمل الذي فتح حديثا في فلسطين يمكن من توسيع المهاجرة في السنة القادمة. فالأشغال الواسعة التي تقوم بها الحكومة والمباني التي تنشئها الشركات الاممية وأعمال التشجير وتكثيف الزراعة ورقي الصناعة والتجارة، كلها أمور تتطلب تدفق آلاف المهاجرين من العمال في البلاد. والمؤتمر طمعا في توطئة تلك الأشغال لعمال اليهود يوجب على اللجنة التنفيذية الصهيونية أن تدخل إلى البلاد، بشتى الوسائل، عددا وافرا من المهاجرين في الزمن المعين.

(جـ)

يطلب المؤتمر تخويل اللجنة التنفيذية حق التصرف بوثائق المهاجرة التي تمنحها حكومة فلسطين تصرفا مطلقا.

         فمن ذلك ترى أن الوكالة اليهودية مضطرة إلى اتباع نفس سياسة نقابة العمال في فلسطين.

         واننا كدليل على إيغال تلك النقابة في التطرف، نقتبس العبارة الآتية من تقرير “لجنة شو” عن حوادث آب سنة 1922، وهي:

         وقد ذكرت نقابة العمال اليهودية العامة في فلسطين مذكرة رفعتها إلينا، أن يكون في مقدمة برامج الأعمال التي يجب على حكومة فلسطين أن تقوم بها في المستقبل تقديم معونة مادية لزيادة السكان اليهود بسرعة عن طريق المهاجرة والأراضي.

         ويظهر من تقرير السرجون كامبل عن إدارة المستعمرات اليهودية أن السياسة المتطرفة التي تتبعها نقابة العمال المذكورة هي سياسة جميع الصهيونيين أيضا. وإليك ما جاء في ذلك التقرير:

         “رأيت أن المذهب القائل بأن يدخل أقصى عدد مستطاع من اليهود إلى فلسطين هو عقيدة راسخة، لكل المستعمرات وكبار موظفي الحكومة الحاليين والسابقين الذين لهم علاقة بالحركة الصهيونية على السواء.

 

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

        ومما ظهر لى ان تدفق الهجرة اليهودية نحو فلسطين هو ما تراه بعض الأوساط ذات النفوذ اليهودي، أمرا لا محيص عنه لنجاح الوطن القومي. ويظهر أن هؤلاء يرون الأمور تعالج نفسها بنفسها بعد تدفق ذلك السيل من المهاجرين في فلسطين…”

        تلك هي سياسة جميع الصهيونيين في أمر الهجرة اليهودية. ونؤكد أن الحكومة الانكليزية وغيرها لن تقدر على تعديل شيء منها باسداء النصائح والمواعظ.

        51 – اعترفت الحكومة الانكليزية بأن عدد العرب العاطلين عن العمل قد بلغ حدا خطرا، وبأن للهجرة اليهودية كبير فعل في ذلك فاللجنة التنفيذية العربية تسجل للحكومة الإنجليزية هذا الاعتراف. وقد أنعمت اللجنة النظر في النصوص الواردة في “الكتاب الأبيض” عن الوسائل التي تزيل بها تلك الأضرار فهي تقول، ولكن مع الأسف، إنها لم تر ما يبدد مخاوف العرب الراهنة، إذ كل ما جاء في هذا الكتاب هو أن الحكومة الانكليزية ستنظر في الوسائل اللازمة لمعرفة عدد العاطلين من العرب في فلسطين، وأنها ستبذل قصارى جهدها للتأكد من مقدرة البلاد الاقتصادية، عند طلب إدخال مهاجرين جدد إلى البلاد.

        وكانت الحكومة الانكليزية أتت لنا في سنة 1922 “بكتاب أبيض” أكدت لنا فيه أمر المهاجرة اليهودية.

        وهذا ما صرح به المستر تشرشل في ذلك البيان:

        “.. ولا يجوز أن تكون هذه المهاجرة كبيرة لدرجة تزيد على مقدرة البلاد الاقتصادية ومن الضروري أن يضمن لأهالي فلسطين كافة أن لا يكون المهاجرون عبئا عليهم، وأن لا تحرم أية فئة من السكان الحاليتين أشغالها…”

        وها قد مضت ثماني سنوات على هذا الوعد من غير أن تفكر الحكومات الانكليزية التي تناوبت السلطة، في احترام هذا الوعد، ولو مرة واحدة على الرغم من صيحات اللجنة التنفيذية العربية.

        52 – وكان هذه اللجنة قد وجهت نظر الحكومة الانكليزية منذ البدء إلى أن مراقبة المهاجرة لا تكون مؤثرة، غير ضارة، بمصالح البلاد إلا إذا أنيط أمرها بالسكان الأصليين. فقد كتبت في سنة 1922 للمستر تشرشل وزير المستعمرات، ما يأتي:

        “وبما أن هجرة عنصر غريب إلى بلاد ما يؤثر في الأهالي الوطنيين – سياسيا واقتصاديا واجتماعيا – فإن من العدل والانصاف أن يكون للأهالي الذين يتأثرون من هذه الهجرة القول الفصل في ذلك. فاللجنة المقترح إنشاؤها، لا تعطى أهالي فلسطين حق الإشراف على المهاجرة … ولا شيء يصون مصالح الأهالي العرب إزاء أخطار الهجرة سوى إنشاء حكومة وطنية نيابية تشرف على المهاجرة”.

        53 – لقد صدقت نبوءة اللجنة التنفيذية بالأضرار التي أصابت العرب من مراقبة الأجنبي للمهاجرة اليهودية. ولذلك تطلب اللجنة من الحكومة الانكليزية أن لا تعيد هذه التجربة الخاسرة، لأن نفس المقدمات تؤدي حتما إلى نفس النتائج.

(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

الخاتمة:

         54 – هنا ينتهي بيان اللجنة التنفيذية العربية على “الكتاب الأبيض” الذي أصدرته الحكومة الانكليزية في أكتوبر 1930، والذي من شأنه أن يزيل مخاوف العرب في مسائل الأراضي والمهاجرة والبطالة في فلسطين. وإذا كنا نقول أن من شأن هذا الكتاب أن يزيل بعض مخاوف العرب في تلك المسائل، فإننا لا نستطيع أن نقول أنه أزالها أو أزال قسما منها. ذلك لما نعرفه عن مقدرة اليهود في الدعايات الخادعة وعن ضعف الحكومة الانكليزية إزاء هذه الدعايات.

         55 – والحق، أنه لم يكد يظهر “الكتاب الأبيض” حتى قام اليهود ضد تلك الدعايات الطويلة العريضة في العالم كله، مما أدى إلى تراجع الحكومة الانكليزية. فالحكومة لم تكتف بإجازة إدخال 1.500 مهاجر يهودي خلافا لما قررته في “الكتاب الأبيض” من مباديء، بل قام أحد أركانها ينسخ منه بالتدريج الأحكام، المثبتة فيه.

         فها هو اللورد باسفيلد، وزير المستعمرات، ينفي في الكتاب الذي نشره في جريدة “التايمس” في 6 نوفمبر 1930، عزم الحكومة على وضع تشريع يحظر على الوكالة اليهودية والجمعيات اليهودية الاستمرار على سياستها المعروفة في الأراضي والاشغال، مع أن “الكتاب الأبيض” انتقد هذه السياسة بشدة، ونص على أنها مخالفة للمادة السادسة من “صك الانتداب”.

         “ومهما كانت هذه الحجج منطقية (أي الحجج التي أدلى بها لتبرير هذه السياسة) من جهة الحركة الوطنية الصرفة، فيجب القول أنها لم تراع فيها أحكام المادة السادسة من “صك الانتداب” التي تشترط صراحة على حكومة فلسطين أن تضمن، عند تسهيلها المهاجرة اليهودية وحشد اليهود في الأراضي، عدم إلحاق أي ضرر بحقوق ووضعية الجماعات الأخرى”.

         ولقد قال المستر ليونارد شتاين، بمناسبة كتاب اللورد باسفيلد المذكور في البيان الذي وضعه عن الوكالة اليهودية، ردا على “الكتاب الأبيض” أن الأمر لايخلو من وجهين: إما أن يكون “الكتاب الأبيض” قد افترى على مخالفة للمادة السادسة من “صك الانتداب” وإما أن تكون الحكومة الانكليزية مع اعترافها بمخالفة تلك السياسة “لصك الانتداب” تصر على الاشتراك مع الوكالة اليهودية على خرق أحكام هذا الصك واللجنة التنفيذية العربية تعتقد أن تلك السياسة مخالفة لا “لصك الانتداب” فقط، بل لجميع مباديء الحقوق والأخلاق العامة.

         56 – وقد نشر اللورد باسفيلد في جريدة “رينولدزنيوز” المصورة تفسيرا لما جاء في “الكتاب الأبيض” عن مسألة تأثير المهاجرة اليهودية في البطالة، فقال إن ماعنته الحكومة الانكليزية من ذلك، هو أنه عند النظر في كل طلب للسماح بهجرة فريق من اليهود إلى فلسطين، بجب انعام النظر فيما إذا كان من شأن هذه الهجرة أن تزيد عدد العاطلين من العرب زيادة كبيرة أم لا.

         اننا نقدر منزلة اللورد باسفيلد العلمية حق قدرها. فهو لا يمكن أن يجهل أن تفسير كهذا، لايوافق النصوص والمباديء الواردة في “الكتاب الأبيض” في هذا



(تابع) بيان اللجنة التنفيذية العربية في الرد على الكتاب الأبيض الإنجليزي الصادر في أكتوبر سنة 1930
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 441 – 465”

الشأن. لأن الفرق عظيم بين قولنا أنه لا يجوز أن تكون المهاجرة اليهودية سببا “لحرمان العرب من الحصول على الأشغال الضرورية لمعيشتهم” وبين القول أن هذه المهاجرة “لا يجوز أن تكون سببا في زيادة العاطلين من العرب زيادة كبيرة”.

         57 – إن واجب كل حكومة أن تحافظ على حقوق كل فرد من أفراد الأمة التي تحكمها. وليس من الجائز أن يؤذن لعمال يهود بولونية أو روسية بالدخول إلى فلسطين، في حين أنه يوجد عربي واحد عاطل عن العمال في فلسطين.

         نعم، وعدت الحكومة الانكليزية أنها لن تحيد عن تنفيذ سياستها بالضغط أو التهديد، وأنها لن تنحرف عن اتباع سياسة ملائمة لمصالح أهالي فلسطين. وقد أكدت في “الكتاب الأبيض”، أنه لا سبيل لأحد أن يضطرها إلى اتباع سياسة تكون لصالح جماعة دون أخرى، وإن كل سياسة من هذا القبيل، قائمة على أمر فاسد.

         إلا أن اللجنة التنفيذية العربية تصرح هنا، آسفة، أن الحكومة الانكليزية قد نقضت هذا الميثاق، قبل أن يجف مداده.

         58 – ليس في الكتاب الأبيض من جديد في حقوق العرب السياسية وإن النصوص والمبادئ الواردة عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية لا تضمن للعرب حقوقهم القومية ومصالحهم الاقتصادية. فالمهم ليس بالنصوص والمبادئ ولكن بتنفيذها.


Scroll to Top