بيان اللجنة السياسية العليا لشؤون الفلسطينيين في لبنان حول الحوادث الأخيرة في البلد

بيان اللجنة السياسية العليا لشؤون الفلسطينيين في لبنان حول الحوادث الأخيرة في البلد”

المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 190 – 193ا”

بيان اللجنة السياسية العليا لشؤون الفلسطينيين في لبنان
حول الحوادث الأخيرة في البلد.

بيروت، 28/3/1970

 

(الاحرار، العدد 675، بيروت،
3/4/1970، ص4)

          على الرغم من انكشاف الخطة الجهنمية اللئيمة التي خطط لها الاستعمار وعميلته إسرائيل لتصفية العمل الفدائي في لبنان، وعلى الرغم من افتضاح جميع العناصر العميلة والجهات المتواطئة التي كانت أداة لهذا المخطط، فان حركة المقاومة الفلسطينية، إيمانا منها بحق جماهير شعبينا اللبناني والفلسطيني بالاطلاع الكامل على حقائق الأمور وخفايا المؤامرة، فانها تضع اليوم، أمام هذه الجماهير شريط المؤامرة كما تمت بمراحلها المتعددة، ومحذرة مما تبقى من مراحل قد يلجأ اليها المخططون والمنفذون من عملاء العدو المجرم الذي وضع لبنان والثورة الفلسطينية على شفير هاوية خطيرة كان من الممكن أن نسقط بها جميعا لولا وعي جماهير شعبنا التي لفظت الطائفية واحتقرت مثيريها، ولولا الانضباط الثوري الرائع الذي تحلت به حركة المقاومة، ولولا الموقف المسؤول لوزير الداخلية.

          والواقع أن هذه الخطة الجهنمية لم تكن سرا على حركة المقاومة، ولذلك فهي لم تفاجأ بها، بل وقد حذرت المسؤولين في لبنان قبل وقوعها ولفتت أنظارهم إلى العواقب الوخيمة التي قد تترتب عليها، والتي شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية نماذج رهيبة منها.

          ان حركة المقاومة قد تضاعفت امكانياتها وتراصت صفوفها، وأصبحت في الفترة الأخيرة على أهبة الدخول إلى مرحلة نوعية جديدة من مراحل نضالها ضد إسرائيل.

          وقد هال الاستعمار وإسرائيل هذه الحقائق فعمدت بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ خطة خبيثة ولئيمة تستعمل فيها أدوات محلية لإغراق المنطقة العربية في صراعات جانبية لاستنزاف قوى الثورة وللتمهيد لا تزال قوى استعمارية أجنبية تكون كفيلة بحماية إسرائيل وضرب القوى العربية التقدمية وإكراهها على قبول الحلول الاستسلامية والتصفوية. فكانت مؤامرة الأردن في الشهر الماضي التي أحبطها شعبنا البطل هناك والتي ادت – على عكس ما خطط المتآمرون – إلى تلاحم فصائل الثورة الفلسطينية في قيادة موحدة تلتف من حولها كل جماهير الشعب.

          وعندئذ تلفت الاستعمار وعملاؤه إلى الساحة اللبنانية في محاولة رخيصة ودنيئة لاستثمار الحساسيات الاجتماعية والطائفية في هذا البلد، واخذ يتربص بانتظار الفرصة المواتية لإشعال فتيل الفتنة مستفيدا من الصراعات المحلية والتناقضات العنيفة التي تدور حول انتخابات الرئاسة.

          والمعروف ان أعداء الثورة في لبنان ما برحوا منذ اليوم الأول لوجود العمل الفدائي في لبنان يحاولون إقحام الثورة في السياسة اللبنانية والعكس وذلك لارباك الرأي العام اللبناني ولصرف الثورة عن أهدافها الأساسية والتي لن تحيد عنها.

          واذا توخينا الترتيب الزمني لشريط المؤامرة بمراحلها، فانه يمكننا التنبيه إلى مجموعة من الإشارات الفاضحة كما يلي:

الإشارة الأولى:

          تلكؤ السلطات اللبنانية في الالتزام بالشق العسكري من اتفاقية القاهرة. وقد أشار وفد المقاومة أكثر من مرة في اجتماعاته الأسبوعية مع المسؤولين اللبنانيين إلى خطورة هذا التلكؤ الذي أصبح مدعاة لشك حركة المقاومة بشرف الوعد الذي أخذته السلطات على نفسها في هذا المجال.

          ثم استثمرت السلطات اللبنانية حوادث الحدود التي وقفت أمامها مكتوفة الأيدي لتضرب معنويات الجماهير ولتحول نقمتها على الثورة الفلسطينية.

          ولكنه لما فشلت جميع هذه المؤامرات لجأت العناصر المتحركة في هذه المؤامرة إلى الجريمة المكشوفة والتصفية العلنية والمجابهة الصريحة، فأقدمت على جريمة اغتيال المناضل واصف شرارة ورفاقه عندما أطلقوا عليهم النار علنا وهم عزل من السلاح.

          ومرة أخرى يفشل العدو المتآمر داخل السلطة اللبنانية فوجد جماهير الشعب ما تزال ملتحمة مع الثورة متضامنة معها كما أثبتت مظاهرات بيروت الشعبية التي قامت استنكارا لهذه المؤامرة.

<1>

بيان اللجنة السياسية العليا لشؤون الفلسطينيين في لبنان حول الحوادث الأخيرة في البلد

المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 190 – 193ا”

  • الاشارة الثانية:

         وانتقلت المؤامرة إلى مرحلة ثانية، استعمل فيها العدو المتآمر داخل السلطة سلاحا أكثر خبثا ودهاء، عندما لجأ إلى بعض العناصر العميلة التي كان قد زرعها داخل حركة المقاومة وحولها ليستعملها في الوقت المناسب.

         من هذه العناصر المشبوهة مجموعة من مهربي الحشيش والهيرويين والسجاير الذين كانوا يتاجرون بمخدراتهم في حماية بعض أجهزة الدولة، ويعرفون بجماعة “أبو أحمد ستيتيه”.

         والجدير بالذكر ان حركة المقاومة كانت في إحدى جلساتها مع المسؤولين اللبنانيين قد طلبت من الدولة تصفية هذه المجموعة ومعاقبتها، بل وأبدت كل استعداد لتسهيل مهمة رجال الجيش والدرك أثناء عملية التصفية هذه. ولكن السلطات لم تتحرك، لأن هناك من لا يريد مثل هذا التحرك حماية لهذه المجموعة العميلة.

         وفي يوم الثلاثاء 24/3، وبينما كانت قيادة حركة المقاومة مجتمعة في مقر قيادة الكفاح المسلح لتقرير موقفها من السلطات حول جريمة بنت جبيل، فوجئت مجموعة من رجال الكفاح المسلح بعصابة أبو أحمد ستيتيه وهي تتصدى لها وتحول دون قيامها بواجبها. وفي بداية الأمر ظنت قيادة الكفاح المسلح أن المشكلة عابرة وانه من الممكن ضبطها. غير انه اتضح فيما بعد ان تحرش رجال هذه العصابة الحقيرة برجال الكفاح المسلح كان يستهدف استدراج كل الكفاح المسلح لمعركة مدبرة سلفا.

         وبالفعل استدرج الكفاح المسلح لهذا الفخ ووجدت عناصره نفسها مطوقة بالسلاح من اسطحة المباني وأخذ الرصاص ينهال عليهم كالمطر. ولولا شجاعة الضابط البطل الشهيد سعيد الغواش لوقع المئات من الضحايا الأبرياء والفدائيين الشرفاء.

         ولما تم اقتحام وكر العصابة عثر فيه على عشرات الرشاشات وصناديق الذخيرة وكميات كبيرة من الحشيش، وآلة لطحن الهيرويين، ثم جهاز للإرسال والاستقبال وبعض الأوراق التي قد تكشف انه كان لهذه العصابة علاقات مشبوهة على مستوى أوسع ومع إسرائيل بالذات.

         وبدلا من أن تتقدم السلطات اللبنانية بتهنئة حركة المقاومة وقيادة الكفاح المسلح، فمن العجيب والغريب ان عناصر عديدة في السلطة اتصلت لحماية هذه العصابة ومساندتها مما يثبت ان هذه العصابة لم تكن موجودة على جانب العمل الفلسطيني من قبيل الصدفة. وانما كانت مزروعة عن قصد وفي سبيل خدمة مخطط معروف.

          كذلك فان العناصر المتآمرة في السلطة اللبنانية ما تزال مستمرة في إثارة هذا الموضوع واستغلاله عن طريق نشر إشاعات كاذبة بأن الكفاح المسلح لا يزال يلاحق العديد ممن كانوا على علاقة بهذه العصابة بقصد إرهاب الناس واجبار البعض على التعامل مع هذه العناصر وحمل السلاح معها ضد الثورة كما حدث في عرب المسلخ.

         كما عمدت بعض العناصر المتآمرة في السلطة بكل وقاحة إلى الادعاء الكاذب بأن تصفية هذا الوكر الموبوء كانت بسبب خلاف حول شحنة أسلحة، وكأن حركة المقاومة التي تتصدى لإسرائيل بحاجة إلى مثل هذا النوع من البشر لتزويدها بالسلاح.

         ويهم حركة المقاومة بهذه المناسبة ان توجه عناية الجماهير إلى حقيقة راسخة وهي أن الحركة ليست مهمتها ملاحقة تجارة المخدرات في لبنان ومن يتعاملون بها، فهذه مهمة الحكومة وقوى الأمن فيها، ولكنها ترفض في الوقت ذاته لأي انسان ان يستعمل اللباس الفدائي أو سلاحه تمويها لمثل هذه التجارة أو غيرها من أنواع المتاجرات الرخيصة. كما يهم حركة المقاومة ان تكشف بهذه المناسبة زيف بعض الأشخاص الذين يدعون صداقتها. واذا بهم وقت التجربة ينكشفون في مواقع الثورة المضادة ومع الأجهزة المتآمرة عليها.

  • الإشارة الثالثة:

         ان العناصر المتآمرة في السلطة وقد أذهلتها الضربة الساحقة التي وجهتها حركة المقاومة لعصابتها المدسوسة على العمل الفدائي، فقدت صوابها واضمرت اللجوء إلى المرحلة الثالثة من المؤامرة، واختارت الطائفية لها سلاحا.

         ففي صباح 25/3، وبساعات قليلة قبل توجه موكب الشهيد الغواش إلى عمان عن طريق البر، أوعزت العناصر المتآمرة في السلطة إلى بعض عملائها وبعض المضللين والمندسين من رجال حزب الكتائب للذهاب إلى الكحالة والتحرش بموكب الشهيد.

          وهكذا صار، ووقعت الجريمة البشعة في ذهاب الوفد المشيع لجثمان الشهيد وفي عودته، مما انزل بالفدائيين عددا كبيرا من الضحايا كان كافيا – لولا وعي الفدائيين وضبطهم لأعصابهم – لاحداث معركة دامية ماحقة في هذه البلدة، بل وفي لبنان بأسره.

          ومرة أخرى يفشل المتآمرون، عندما تحرك أهل الكحالة على الفور ليعلنوا براءتهم مها جرى واعتذارهم للدم الزكي الذي أريق غدرا ولؤما، وليجدوا في نفس الوقت رحابة

<2>

بيان اللجنة السياسية العليا لشؤون الفلسطينيين في لبنان حول الحوادث الأخيرة في البلد
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 190 – 193”

صدر واسعة من جانبنا وقبولا كاملا لاعتذارهم ومبادلتهم الزيارة فورا وفي بلدتهم.

          وشعر المتآمرون في السلطة ان جميع أسلحتهم ووسائلهم قد استنفدت دون أن ينجحوا في إثارة الفتنة الطائفية وإحراق البلد توطئة لتدخل الجيش وحكم البلد وهو جزء من اللعبة المحلية.

          ولكن هل يستسلم المتآمرون؟ بالطبع لا.

  • الإشارة الرابعة:

          ونام لبنان، ليلة متوترة، لم ينم فيها المتآمرون الذين كانوا يخططون ليوم دموي جديد.

          وفي ظهر 26/3، وبينما كان الفلسطينيون، بكل ألم وصبر، يدفنون ضحاياهم في مقبرة الشهداء، كانت العناصر المتآمرة من السلطة بالتعاون مع بعض رجال الكتائب، يهيئون لكمائن في منطقة الدكوانة لإثارة الفتنة هناك. وبالفعل نجحوا في إشعال النار ولكنهم لم ينجحوا في حرق البلد.

          وكان يوما حافلا وقع خلاله العديد من حوادث القتل والخطف مما جعل البلاد تعيش على حافة خطيرة.

          كل هذا لكي تثبت حركة المقاومة حرصها على تطويق الفتنة وعدم الدخول في معركة يريدونها طائفية ونرفضها كل الرفض.

          ولملمنا جراحنا وضحايانا، وقلنا لأبناء شعبنا ان يصبروا ويصمدوا ويتساموا على ما أصيبوا به انتصارا للثورة وحركة المقاومة ضد العناصر المتآمرة والمتواطئة معها.

  • الإشارة الخامسة:

          واستمرت المؤامرة يوما آخر، وكان المتآمرون قد نجحوا في فرض جو من الإرهاب والارتباك والقلق الطائفي الذي كانوا يغذونه بالإشاعات الكاذبة المغرضة والأعمال المشينة كوضع قنبلة في إحدى كنائس الاشرفية وضرب صهريج فارغ بصاروخ لم ينفجر وذلك ترويعا للأبرياء والشرفاء. ثم تسللوا في عتمة الليل إلى اسطحة المباني في حارة حريك المواجهة لمخيم برج البراجنة لإشعال النار هناك واظهار الوضع على انه خلاف بين الفدائيين والأهالي كما أصرت جريدة “العمل” على تسميته.

          وفشلت المؤامرة في مرحلتها الخامسة، عندما التقى أهل حارة حريك مع قادة العمل الفدائي وطوقوا المؤامرة في بدايتها. وعندما دخلت قوات الأمن بأمر وزير الداخلية وأخرجت العناصر المسلحة الغريبة من اسطحة المباني توقف إطلاق النار بعد وقوع عدد من الضحايا الأبرياء من الجانبين مما زاد في مخاوف الطرفين وبقائهما على أهبة الاستعداد.

  • الإشارة السادسة:

          وفي مساء نفس هذا اليوم 27/3، وبعد ساعات من انتهاء الاشتباكات في حارة حريك، حاولت العناصر المتآمرة في السلطة إطلاق رصاصتها الأخيرة عندما أرسلت بعض السيارات المسلحة لتطلق النار في الهواء إرهابا في المنطقة الغربية بقصد إثارة الفتنة الكلاسيكية بين المنطقة الغربية والمنطقة الشرقية.

          وكان على حركة المقاومة ان تتحرك على الفور، فأبلغت وزارة الداخلية ان لا علاقة لها بأي شيء يحدث خارج المخيمات، وانه لا يوجد أي مسلح من الفدائيين لا بالمنطقة الغربية ولا بالمنطقة الشرقية.

  • الخلاصة:

          من كل ما تقدم يمكن تلخيص كل ما جرى وقد يجري بما يلي:

          أولا: ان كل ما حدث هو نتاج خطة موضوعة وليس امرا عفويا. وان المخططين والمنفذين هم من أعداء الثورة، قسم منهم في السلطة وقسم آخر من خارجها. وسنسمي الأمور بأسمائها عند انتهاء التحقيق الذي نصر على المضي فيه حتى النهاية.

          ثانيا: ان المؤامرة تستهدف ضرب العمل الفدائي عن طريق صدام بينه وبين قوى غير نظامية متواطئة مع بعض العناصر المتآمرة في السلطة. كما يستهدف استغلال كل ما يجري في أهداف محلية لا نريد ان نكون طرفا فيها.

          ثالثا: المؤامرة لم تنته بعد، ونهيب بالرأي العام ان يبق متيقظا وواعيا وان يضبط الجميع أعصابهم لتفويت الفرصة على المتآمرين فتبقى وحدة البلاد وسيادة الوطن لتستمر الثورة في مهمتها الأساسية وهي تحرير فلسطين.

          رابعا: ان حركة المقاومة الفلسطينية أقوى من أن تضربها أي قوة، وان من يتصدى لإسرائيل ومن ورائها الاستعمار والامبريالية لن يهزه عصابة من المهربين أو زمرة من المتآمرين والمرتزقة.

          خامسا: تؤكد حركة المقاومة حرصها على استقلال لبنان وسيادته بنفس الشدة التي تحرص بها على استمرارها وقيامها بواجباتها النضالية المقدسة.

          سادسا: ان حركة المقاومة الفلسطينية على الرغم من كل تجاربها المريرة اذ تؤكد ثقتها بالجيش اللبناني كمؤسسة وطنية شأنها شأن جميع المؤسسات العسكرية العربية، تعلن تحفظها حول عناصر محددة بهذه المؤسسة لم تعد مواقفها العدائية ضدنا بخافية على أحد، ولا بد من إقصائها وذلك حرصا على بقاء علاقات الثقة والتعاون قائمة بين الثورة والجيش.


<3>

 

Scroll to Top