بيان اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول التطورات الأخيرة في الأردن
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 319- 321”
بيان اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول التطورات الأخيرة في الأردن. (1)
عمان،28 / 4 / 1971 |
| ( فتح، دمشق، 29 / 4 / 1971 ) |
لقد جاءت اتفاقية القاهرة التي وقعها الملوك العرب بتاريخ 28 / 9 / 1970 لتحسم بشكل واضح في موضوع حرية الثورة في تواجدها وخطوط مواصلاتها وإمدادها وممارساتها في القتال والتعبئة. وتعهد الذين وقعوا هذه الاتفاقية يومها أن يكونوا على الذي لا يحفظ العهد ولا يلتزم، واختار المؤتمر يومها دولة الباهي الأدغم، الذي استقال مؤخرا بعد بيانه الذي أدان فيه السلطة في الأردن، ليكون على رأس لجنة تقوم بالإشراف على تنفيذ الاتفاقية ورعايتها.
واندفعنا بجهد مخلص لتنظيم اتفاقية عمان مرتفعين بذلك فوق جراحنا ومتجاوزين فوق كل دماء شهدائنا الذين قاتلوا ببسالة دفاعا عن حقهم في الحياة والإرادة الحرة في الثورة، لكن السلطة ومنذ اللحظة الأولى أصرت على المضي في تخطيطها لتصفية الثورة، متبعة سياسة، عبر عنها إعلامها وممارساتها وقائمة على الدعائم الثلاث التالية:
أولا – الإرهاب الجماهيري بالملاحقة والاعتقال والسجن ومحاولات الدس والتشويه والإشاعة لتحقق بالإرهاب انتصارا لم تحققه بالسلاح.
ثانيا – رغم الضجيج الإعلامي والتصريحات المتكررة عن الوحدة الوطنية فإن أجهزة الدولة تمارس اضطهادا إقليميا ضد الفلسطينيين وذلك لتمزيق وحدة الشعب الفلسطيني- الأردني.
ثالثا – الحرائق الصغيرة في سلسلة من الصدامات والمعارك التي داوم النظام على افتعالها من أجل تأجيج الحقد والكراهية بين رفاق السلاح في الجيش والثورة.
وقد بلغت هذه – السياسة المحمومة قمتها في مجزرة أربد وما رافقها من سعار وغطرسة ودموية وإقليمية عمياء، هيأ لها إمكانية الاندفاع في تخطيطها لتصفية الثورة بمجزرة جديدة تذبح فيها جماهير عمان بأيلول ( سبتمبر ) جديدة، تحقق لها كما تتمنى ما فشلت في أن تحققه بمجزرة أيلول ( سبتمبر )، طبقا لمخطط امبريالي أميركي صهيوني ينفذ فوق أردننا الحبيب.
وبكل وسائل إعلامهم وإعلام حلفائهم، وكل القوى المعادية في إذاعتي لندن وإسرائيل، وكل الصحف العميلة، حاولوا تصوير قرار اللجنة المركزية بإنهاء المظاهر العسكرية في عمان وكأنه استسلام المقاومة أمام انتصار السلطة، علما بأن اللجنة المركزية هدفت من وراء قرارها هذا الوفاء لالتزاماتها للاتفاقيات وتجنب سفك المزيد من دماء الفدائيين والجيش وحماية الجماهير من القتل والترويع، وقد شارك كل من في السلطة على كل المستويات بالزيارات والاستعراضات والمواكب والتصريحات والإشاعات والهمس إلى افتعال انتصار مزيف وخلق جو من الملاحقة والمطاردة والاعتقال والاستفراد بالجماهير وهز نفسياتها ومعنوياتها وإيمانها. وكأنهم قد حرروا الأرض المحتلة من العدو الصهيوني الجاثم فوقها.
وقد تركزت السياسة الأردنية في المرحلة الأخيرة على عناوين رئيسية ثلاثة هي:
أولا – تجاهل وتصفية الشخصية السياسية للثورة
(1) تلا السيد ” أبو أياد ” هذا البيان في المؤتمر الصحافي الذي عقده في عمان.
<1>
بيان اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول التطورات الأخيرة في الأردن
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 319- 321 “
الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد، الشرعي والحقيقي، لإرادة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وباعتبارها تشكل قيدا على حرية التصرف في الحق الفلسطيني ومستقبل هذا الشعب، ومحاولة الادعاء بتمثيل هذا الشعب محاولين تجاوز حقائق أساسية أهمها أن الثورة هي ممثلة الشعب الفلسطيني وأن قسما كبيرا من خارج نطاق وحدة الضفتين وأن من يضطهد الجماهير لا يحق له أن يمثلها، وينسون أن إصرارهم في التآمر على الشخصية السياسية للشعب الفلسطيني قد يدفع بالحتمية التاريخية إلى الإسراع في حماية هذه الشخصية من خلال كيان سياسي مادي، وأن الهجوم على سمي بمشروع الدولة ليس هو الطريق الصحيح لمواجهة المأزق الذي صنعوه، ولكن تصحيح الممارسة في التعامل مع جماهير الشعب الفلسطيني هو الطريق الصحيح وليس طريق الضجيج الإعلامي المفتعل.
ثانيا – الانكفاء الداخلي ورفض الاهتمام العربي بالمشاكل القائمة بين الثورة والسلطة، وتشويه هذا الاهتمام والافتراء عليه باعتباره نوعا من الوصاية الخارجية تفرضها الدول العربية على الأردن، على الرغم من أنه من البديهي أن يتدخل العرب في مثل هذه القضية القومية الخطيرة التي تنعكس أبعادها لا على الأردن وحده بل على العرب جميعا، وعلى الرغم أيضا من أن هذا الاهتمام العربي قد بدأ بطلب من السلطة الأردنية في مؤتمر طرابلس، ونظمته فيما بعد اتفاقية القاهرة التي وقع عليها الملوك والرؤساء ووقعها الملك باعتباره رأس السلطة الأردنية، ليكون هذا التواجد ضمانة الالتزام والوفاء بالاتفاق.
ثالثا – محاولة تشويه الثورة والإلحاح على اتهامها بالانحراف إلى ثورة في داخل الأردن بدلا من أن تكون ثورة من خلف الخطوط، وتعكس هذه المحاولة بوضوح حقيقة تفكير السلطة الذي يريد الثورة خلف الخطوط كمجموعة من المقاتلين يرسلها الجيش متى أراد خلف الخطوط ولا يقبل تواجدهم على أرض الضفة الشرقية بما يخلقه هذا التواجد من تفاعل جماهيري واسع يحرك إرادة القتال في البلد، وينسى من هم وراء هذه المحاولة إنها تطرح للتساؤل مدى ونوع الانتماء بين الضفتين، وإن نصف شعبنا يقيم في الضفة الشرقية ومن حقه أن يضرب العدوان الخارج وما يمليه هذا الانتماء والتواجد من حقوق وواجبات وأعباء.
هذه هي أهم القضايا التي تحاول السلطة عبر أجهزتها المختلفة تكريسها في أذهان الجماهير من خلال تصفية الشخصية السياسية للشعب الفلسطيني، وتحجيم الثورة الفلسطينية في شكل مجموعات من المقاتلين، وانعزال عربي يمنع أي تداخل في التصفية القائمة الآن، ومن أجل هذا الهدف الذي يحكم تصرفاتها وممارساتها تقوم أجهزتها في تجاهل مطلق للنصوص الواضحة للاتفاقيات بما يلي:
أولا – تقييد حرية التواجد والانتشار لقواعد الثوار في منطقة الأغوار، ولا سيما الأغوار الشمالية، وإقامة حاجز عازل من حقول الألغام وكمائن الجيش الشعبي في وجه دورياتنا التي تعبر النهر إلى الأرض المحتلة، ولا زالت دورياتنا الذاهبة والعائدة من الأرض المحتلة تواجه مخاطر الاشتباك مع قوات السلطة وقتلها وملاحقتها ومطاردتها واعتقالها على الضفة الشرقية من النهر أكثر مما تلقاه على ضفة النهر الغربية.
ثانيا – تقييد حرية التحرك والتنقل.
نصت الاتفاقيات على الحرية الكاملة في التحرك والتنقل في المناطق الواقعة غرب طريق عمان- الرمثا ومنعت [ كلا ] الطرفين من إقامة الحواجز والمواقع على الطرق، إلا أن السلطة قد أقامت سلسلة من نقاط التفتيش والدوريات التي أصبحت تشكل حصارا على قوات الثورة تعترض المقاتلين وتمنع وصول التموين إليهم والاتصال بين قواعدهم، كما أقفلت الحدود في وجه المقاتلين وقوافل التموين والتسليح ووضعت قيودا على حركة المقاتل جعلته مهددا في أمنه وحريته.
ثالثا – حظر التعامل مع الثورة وتقييد الحرية السياسية.
تقوم أجهزة السلطة بملاحقة كل مواطن يتعامل مع الثورة أو يتعاطف معها، وتهدد سكان مناطق تواجد القواعد الفدائية بعدم بيع المواد التموينية لهم أو إقامة أي علاقة معهم، ولقد نشطت في المدن والقرى أجهزة الاستخبارات القمعية في تعميم جو الإرهاب من خلال الإشاعة الملاحقة والمطاردة والاعتقال لكل مواطن يكون له انتماء أو تعاطف مع الثورة.
ولقد نشطت في الفترة الأخيرة حملة الطرد من الوظائف والمؤسسات، لا سيما الحكومية منها، بتمييز واضح ومقصود، ولا زالت سجون السلطة مكتظة بحوالي ألفين من المعتقلين والمحكومين من الفدائيين والمواطنين المتهمين بالتعاون معهم.
بعد توضيح هذه الحقائق عن مسلك السلطة الأردنية ومسيرتها خلال الشهور الستة الماضية، نرى كمحاولة أخيرة جادة من جانبنا أن اتفاقيتي القاهرة 27 / 9 / 1970 وعمان 13 / 10 / 1970، لا تزالان هما الأساس الذي ينظم العلاقة التفصيلية بين الثورة والسلطة، بشكل يحافظ على استمرار الثورة ووحدة واستقرار البلد من خلال التزام واف ودقيق، وتطبيق أمين للنصوص بدون تلاعب
<2>
بيان اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول التطورات الأخيرة في الأردن
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 319- 321 “
أو مماطلة.
إننا ونحن نصر على الالتزام الدقيق بنصوص الاتفاقيات وتنفيذها، باعتبارها الأساس الذي ينظم العلاقة فيما بين الثورة والسلطة بما يكفل لنا الحرية في التحرك لقتال عدونا وتعبئة وتنظيم وتسليح جماهيرنا، نرى أن قيام السلطة بتنفيذ هذه الاتفاقيات سينعكس بالضرورة على الوضع المالي والسياسي والعسكري للأردن في مواجهة واجباته الأساسية نحو الاحتلال القائم الآن على الضفة الغربية.
وحتى يتحمل الكل واجبه ومسؤوليته فإننا نتوجه ببياننا هذا إلى الجماهير في الأردن، وإلى كل الجماهير العربية من أجل تحقيق تنفيذ دقيق لهذه الاتفاقيات حتى نتجنب القتال والمجازر، وحتى لا يضيع مزيد من الدم العربي في غير موضعه، وحتى تتوجه كل الجهود وكل البنادق إلى العدو المحتل.
وكما نتوجه بهذا البيان إلى الدول العربية وإلى الذين وقعوا على اتفاقية القاهرة لنسمع رأيهم في الطريقة التي يريدون بها أن يلزموا السلطة الأردنية على تنفيذ التزامها بعد أن نفذت الثورة من جانبها كل التزاماتها، وننتظر من هذه الحكومات موقفا واضحا وعلنيا، وسنعتبر كل موقف صامت أو سلبي موقفا ” من الثورة الفلسطينية وموقفا ” من شرف التوقيع على هذه الاتفاقية.
كما أننا نطلب من السلطة الأردنية موقفا واضحا ومريحا من هذه الاتفاقيات تعكسه المقاومة الفعلية والتطبيق الوافي والدقيق لنصوصها.
بعد كل هذا إننا لا يمكن أن نقبل الغطرسة والغرور حكما بيننا، ولتظل اتفاقيتا القاهرة وعمان الأساس الذي ينظم العلاقة فيما بيننا، وسنقاتل دفاعا عن حقوقنا قتالا لا يتوقف ضد كل من يحاول أن يسلب الثورة حقا لها.
إننا هنا لا نهدد ولكننا لا نقبل أن نساوم على الثورة وخنقها وتصفيتها بالقطعة وعلى مراحل، ويومها ليتحمل كل إنسان عربي وكل مسؤول أردني مسؤولية ما يحدث.
نحن باختصار لن نتراجع، لن نساوم، ولن نقبل بوصاية الحكم الأردني على الثورة، أو على شعبنا بأي وصاية عربية على هذه الثورة، إننا نعتبر هذه الأرض أرضنا، وهذه الساحة ساحتنا فلسنا موالي في هذا البلد، ولسنا مواطنين من الدرجة الثالثة، لسنا ضيوفا، نحن أصحاب حق وأصحاب قضية، ولن نسمح أن يمر مخطط تصفية الثورة لتنفيذ الاتفاقيات الثنائية المشبوهة مع إسرائيل وحمايتها من الامبرياليين الأميركيين وغيرهم وسنظل نقاتل من أجل شعبنا، من أجل قضيتنا، من أجل حماية هذه الثورة، ومن أجل حقوقنا وحقوق شعبنا، ولن تسمح جماهير شعبنا، لأي متآمر أن يفرض على أمتنا العربية مشاريع الاستعمار وأحلافه القديمة في منطقتنا.
وأمتنا أقوى من كل متآمر، وشعبنا أقوى من كل متسلط، وستظل الثورة الفلسطينية ومسيرتها في قلب كل فلسطيني، وكل أردني، من شعبنا وجيشنا، وستظل في قلب كل عربي. وإنها لثورة حتى النصر.
<3>