بيان اللورد رئيس القضاة في 16 مارس 1939
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 713 – 715″
بيان اللورد رئيس القضاة
16 مارس سنة 1939
في الجلسة الثالثة التى عقدتها اللجنة أصغى اللورد رئيس القضاة الى البيانين القويين: الأول بيان السير متشيل ماك دونيل، عن طائفة من النقط القانونية والثانى بيان المستر انطونيوس عن “الظروف المحيطة” بالمكاتبات.
وسيحاول اللورد رئيس القضاء في هذا البيان أن يتناول النقط الرئيسية التى يعتمد عليها مندوبو العرب في نقض القول بأن فلسطين كانت مخرجة في المكاتبات من منطقة الاستقلال العربى.
وقد تأثر اللورد رئيس القضاة ببعض الحجج التى سبقت فيما يتعلق باخراج فلسطين اعتمادا على عبارة ” أجزاء من بلاد الشام واقعة الى الغرب من ولايات دمشق وحمص وحماة وحلب “وهو يرى أن وجهة نطر العرب في هذه المسألة ظهرت أقوى مما كان يبدو من قبل، وان كان لا يوافق على أن من المستحيل اعتبار فلسطين مشمولة بعبارة ” أجزاء من بلاد الشام الخ.”
على انه من جهة أخرى لا يرى أن قوة التحفظ الخاص بمصالح فرنسا قد أضعفتها الحجج التى سيقت لنقضها.
وهو على الخصوص يختلف اختلافا تاما مع القول بأن المكاتبات كانت خطوة أولى في مشروع مدير أرادت به حكومة جلالته اخراج ما يسمى الآن ” فلسطين” من منطقة النفوذ الفرنسى، وانها نجحت على الايام في ذلك والقول بأن حكومة جلالته بدأت المكاتبات، وهذه الغاية نصب عينها، لا يبدو أن هناك ما يؤيده. وهو لا ينكر انه في خريف سنة 1915 رغبت حكومة جلالته في تقييد مطالب حليفتها في فلسطين اذا استطاعت حكومة جلالته أن تفعل ذلك بالطريق الوحيد المفتوح أمامها – أى التفاهم مع حليفتها. ومنها لا يمكن أن تكون قد ظنت انها تجعل مركزها أقوى في أية مفاوضة تأتى بعد ذلك اذا كانت تتقيد في الموضوع سلفا مع فريق ثالث. والحكومة الفرنسية كانت خليقة ان لا تعد هذه الارتباطات صحيحة فيما يتعلق بها وكان الأرجح أن تكون نتيجة مثل هذا السلوك من جانب حكومة جلالته أن يصبح تحقيق عرضها أصعب.
فاللورد رئيس القضاة يرى من أجل ذلك ان التحفظ الخاص بالمصالح الفرنسية ينطبق – وكان المراد أن يكون منطبقا – على كل الأراضي التى كانت تشملها مطالب فرنسا في ذلك الوقت، بما فيها ما يسمى الآن فلسطين.
بيان اللورد رئيس القضاة في 16 مارس 1939
” ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 713 – 715″
ولكن مطالب فرنسا لم تكن هى وحدها التى جعلت بريطانيا العظمى غير حرة في اعطاء وعود خاصة بفلسطين في خريف سنة 1915. فقد كان من الواجب أن يدخل في الحساب اهتمام كل بلاد العالم تقريبا بفلسطين. وهنا يود اللورد رئيس القضاة أن يقول انه وان كان لا يريد أن يختلف مع الثقات الذين استشهد بهم السير متشيل ماك دونيل، فهو يرى أنة قد يكون هناك بعض الخطأ في فهم حجته.
وهو لا يجب أن يكون مفهوما من كلامه انه يقول أن فلسطين مخرجة من منطقة الاستقلال العربى لا لسبب سوى انها لم تذكر. والذي يعلمه ان هذا القول لم يصدر قط وان هذه الحجة لم تعرض أمام اللجنة الملكية ولا أمام سواها، وانما الذى يقوله اللورد رئيس القضاة هو ان التفسير المنصف للمكاتبات مع مراعاة الظروف التى كتبت فيها، يجعل فلسطين مخرجة في الواقع حتى ولو لم يرد لها ذكر.
وبعبارة أخرى يرى اللورد رئيس القضاة ان المكاتبات على الجملة والتحفظ المتعلق بالمصالح الفرنسية في كتاب السير هنرى مكماهون المؤرخ في 24 أكتوبر 1915 تخرج فلسطين، وانه كان ينبغى أن يكون هذا هو المفهوم نظرا الى مركز فلسطين الفريد في بابه.
وقد أعرب اللورد ملنر بقوة، عن هذا الرأى في خطبة ألقاها في مجلس اللوردات في السابع والعشرين من يونية سنة 1923 حيث قال:
“إني نصير قوى للسياسة الموالية للعرب.. وانى لأومن باستقلال البلاد العربية.. واتطلع الى ظهور اتحاد عربى.. ولكن فلسطين لا يمكن أن تعد مماثلة للبلدان العربية الأخرى. وليس في وسعكم ان تغفلوا التاريخ كله والتقاليد أجمعها في هذا الموضوع. وليس في طاقتكم أن تنسوا ان هذه البلاد هى مهد دينين من أكبر أديان العالم. وانها بلاد مقدسة عند العرب كما هي بلاد مقدسة أيضا عند اليهود والمسيحيين. وليس في الامكان ترك مستقبل فلسطين يتقرر بالاحساسات الوقتية للأغلبية العربية الموجودة في البلاد في الوقت الحاضر”.
أما من حيث العوامل الفردية التى تتكون منها الظروف المحيطة بالموضوع فان اللورد رئيس القضاة قد أخذ علما بالملاحظات المبنية على معاهدة برلين وبالاقتراحات الخاصة بالتعاون العربى البريطانى المشار اليها في خلال المكاتبات. ومما يلاحظ ان المادة 62 تنص بصراحة على تحفظ خاص بحقوق فرنسا.
وهذه المادة تعزز رأى رئيس القضاة، فان بريطانيا لم يكن عليها – فيما يتعلق بفلسطين – ان تفكر في نفسها فقط ، بل في العالم كله. فلو انها كانت في الواقع تنوى أن تعترف باستقلال العرب في فلسطين وتؤيده لما استطاعت أن تفعل ذلك من غير ان تبين بوضوح الحقوق التى يجب الاحتفاظ بها لا لنفسها فقط بل لكل من يعنيه الأمر سواها.
أما النقطة الخاصة بالأماكن المقدسة، فأمرها مختلف، ومن رأي اللورد رئيس القضاة ان عبارة “الأماكن المقدسة” كما وردت في المكاتبات، كان المقصود بها الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. وعلى فرض ان العبارة تشمل القدس والأماكن الاخرى بفلسطين، فان كون بريطانيا كانت مستعدة لحماية الاماكن المقدسة
بيان اللورد رئيس القضاة في 16 مارس 1939
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي،ج 1، ص 713 – 715″
في فلسطين، ضد الاعتداء الخارجى ليس معناه ولا من مقتضياته أنها هي أو أية دولة مسيحية أخرى قد اكتسبت أي حق فيما يتعلق بهذه الاماكن المقدسة ومن غير المحتمل أن تكون بريطانيا قد قبلت هذه التبعة من غير توضيح لهذة الحقوق.
ولا يرى اللورد رئيس القضاة أن يدخل في مناقشة اتفاق “سايكس – بيكو” وان كان لا يسعه الا أن يحتفظ برأيه في الموضوع. ولكن لما كان قد دعى بصفة خاصة لتعديل رأيه فيما قال اللورد جراى أوف فالودن فانه يقول كلمة في الموضوع.
وهو يود أن يقول انه لا يرى سببا يدعوه الى تغيير رأيه. فان العبارة التى استعملها اللورد جراى وردت في خلال مناقشة برلمانية وقد قال أنه لم تكن أمامه نصوص التصريح. وعلى كل حال فان رأى اللورد رئيس القضاة مبنى على ما يستفاد من عبارة تصريح بلفور الذى صدر في سنة 1917 ورأيه عن رجال مشهورين وخاصة لأن هذه التفسيرات لم يقبلها آخرون يستطيعون أن يكونوا رأيا صحيحا.