بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى أبناء الضفة الغربية
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 566 – 567 “
بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى
ابناء الضفة الغربية.
10 / 8 / 1967
( الحياة، بيروت، 10 / 8 / 1967 )
أيها الشعب الكريم
ان الكارثة الاليمة التي نزلت بك، ليست أول كارثة اصابك بها الاستعمار والصهيونية في النفس والوطن، والمال والولد، فما زالت الكوارث والمصائب تترى على امتنا المجاهدة ووطننا، المقدس منذ وطئت أرضه المباركة اقدام المستعمرين عام 1918، حاملين معهم جراثيم الصهيونية ووباء الاراء المستوردة، والديمقراطية المزيفة التي طالما ضللوا بها الشعوب وامعنوا فيها ظلما وارهاقا، ووطدوا اسس سيطرتهم على جماجم الشهداء واشلاء الضعفاء وما زالت الويلات والمحن تتوالى عليك أيها الشعب للقضاء على وجودك وكيانك وكل مقومات حياتك، وتقاليدك الكريمة وميراثك المجيد الذي ورثته من آباء كرام واسلاف عظام، ولكنها لم تستطع ان تفت في عضدك ولا أن تنزع من صدور ابنائك نعمة الإيمان وقوة اليقين بان مصير الباطل إلى اندثار وزوال، وان للباطل جولة ثم يضمحل وان الحق يعلو ولا يعلى عليه لان الله هو الحق المبين.
أيها الفلسطينيون
لقد انقضى قرابة نصف قرن على مقارعتكم الاستعمار الغاشم والصهيونية الباغية، ومقارعتكم سياستهما الرامية إلى اخراجكم من وطنكم، وتبديد شملكم، والتعفية على اثاركم، لم تنقصهم فيها وسائل البطش والدمار، ولا حيل الدسائس والمؤامرات التي تمرسوا بها في استعمارهم الشعوب والاقوام، وما زلتم صامدين في وجه الظلم والطغيان، لم تتوانوا دون واجب، مهما صعب، ولم تقصروا في بذل وفداء مهما عز وغلا، وما زال شملكم المبدد في ديار هجرتكم، وصوتكم المدوي في افاق نكبتكم، دليلا ناصعا ومثلا رائعا على قوة ايمانكم بحقكم وعزيمتكم التي لا تغلب على اقتحام كل العقبات والمصاعب في سبيل استرداد وطنكم من الغاصبين وانتزاع حقكم وحريتكم من ايدي الظالمين.
فكما صبرتم للكوارث السابقة والمحن المتلاحقة، التي ما ألانت ” منكم قناة صلبة، ولا ذللتكم للتي ليس تجمل، فكذلك سيكون صبركم لهذه الكارثة الكبرى رغم عمومها وشمولها، ولا يعنى الصبر الاستكانة والخضوع والقبول بالأمر الواقع، لكنه يعني ترويض النفس واعدادها لليوم الموعود، وتربيتها على الخصائص التي لا بد لها من ان تتحلى بها للاضطلاع بعبء الجهاد المفروض، وشحنها بكل الطاقات التي تضمن الوصول إلى الغاية الشريفة المنشودة، طال الزمن ام قصر، وسهل الامر ام صعب.
ان ابصار العالمين العربي والإسلامي تتطلع اليكم، وقلوبهم تهوي نحوكم، ونحو المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وسائر الأماكن المقدسة التي يضمها بيت المقدس، وهم معكم في ساعة المحنة والصبر، كما هم معكم حين يدعو داعي الجهاد، ويحين اليوم الموعود الذي تستأنفون فيه البذل والفداء. ولن يتخلف احد عن القيام بواجبه، وتأدية زكاة الدم والمال، ما استحق منهما وما سيستحق، في سبيل الذود عن مسرى الرسول الأعظم ومعراجه الشريف وعن مهد السيد المسيح وسائر الأماكن المقدسة التي يضمها هذا البلد المقدس، ومن هان عليه دينه ووطنه فقد هانت عليه نفسه وكرامته.
وما للمرء خير في حياة
اذا ما عد من سقط المتاع
واذكروا قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع
بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى أبناء الضفة الغربية
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 566 – 567 “
الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
أيها الفلسطينيون.
لعل هذه الكارثة التي منينا بها تكون خاتمة مصائبنا، ونهاية الامنا، وبإذن الله بعدها الفرج والنصر، فلا بد لنا من التصميم على ازالة هذا الحيف لنفسه ورفع هذا المظلم المبين، فان من يقبل الظلم لنفسه وقومه ووطنه، جدير بان يظلم، ولا بد ان ينصر الله المؤمنين ويمحق الظالمين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا، ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا أن نصر الله قريب.
بلى ان نصر الله قريب من المؤمنين وسبيلهم اليه واضحة مبينة، وقد كان لنا في السنين الطويلة الأليمة التي مرت بنا دروس وعبرة وموعظة، ولا شك في أن المرحلة المقبلة من مراحل جهودنا تفرض علينا ان نتبين مواطئ، اقدامنا حتي لا يقودنا التخبط في السير إلى الهاوية، وان لا نبرئ انفسنا من الأخطاء التي ارتكبها كثيرون منا عمدا أو جهلا، فقد تفرق كثيرون منهم شيعا واحزابا وجماعات، معتنقين مبادىء متنافرة، وعقائد متباينة، وسادت بينهم الفرقة والضغينة بدلا من الوحدة والاخاء، مأخوذين بأوهام الدعايات، واضاليل الإذاعات، ومتتبعين سنن الوثنية الجاهلية، فذاقوا وبال امرهم، وما كان لهم من دون الله من ولى ولا نصير. ولا شك في ان أول ما يجب على الفلسطينيين الحرص عليه، وحدتهم الكاملة، واخوتهم المتبادلة مع اخوانهم الأردنيين في الضفة الشرقية وتعاونهم واياهم في السراء والضراء، والا يتركوا سبيلا للدعايات المضللة توهن اواصر هذه الأخوة التي يفرضها الواقع وتحتمها الروابط والمصالح الوطنية
أيها الفلسطينيون
لتكن هذه الكارثة درس عبرة لنا جميعا، وان كانت درسا قاسيا، وضربة اليمة، ولنرجع إلى انفسنا لنؤدي حسابا عن تصرفاتنا واعمالنا خلال هذه السنين التي مرت بنا، فما كان لله منها فهو المتصل الذي يؤتي ثمرة جنيا يانعا، وما كان لهوى النفس المريضة الامارة بالسوء فهو العقيم الذي لا يتصل إلى الخير بسبب ولا نسب، فهو كما قال الله تعالى:وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا. وليكن اتينا خيرا من حاضرنا، ولنجاهد في سبيلنا الذي هو سبيل الله حق جهاده، فقد أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
ان امال مئات الملايين من العرب والمسلمين معلقة بكم، وعيونهم متطلعة إلى وحدتكم واجتماع كلمتكم، وان مسؤولية تاريخية كبرى تترتب على موقفكم من هذه الكارثة الداهمة، فليكن الموقف الجدير بماضيكم المشرف وتاريخ امتكم المجيد. وثقوا ان باطل الصهيونية والاستعمار سيلفظ انفاسه في لجج هذا البحر الطامي المؤلف من مئات الملايين من العرب والمسلمين. انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، والله معكم ولن يترك اعمالكم.