بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين النظام الانتخابي
لمنظمة التحرير الفلسطينية
بيروت – ايلول-1965. (فلسطين – نشرة لهيئة العربية العليا لفلسطين – العدد 55 – ايلول – 1965)

        اعلنت “منظمة التحرير الفلسطينية “عن رغبتها في اجراء انتخابات عامة للشعب العربي الفلسطيني ووضعت نظاما لهذه الانتخابات بأسم “نظام انتخاب المجلس الوطني”. وقد رأت الهيئة العربية العليا لفلسطين، قياما بواجبها الوطني، ان تصارح الشعب العربي الفلسطيني بأرائها حول النظام المذكور، واطلاعه على الحقائق والوقائع التي تبذل جهود ضخمة لاخفائها، والاهداف والعوامل التي حفزت “منظمة التحرير” الى اعلان عزمها على اجراء الانتخابات ووضع نظامها. وتسترعي الهيئة العربية الانتباه الى ان بحثها لهذا “النظام” لا يعني قط الاعتراف بمنظمة التحرير التي وضعته، ولا ينطوي على اي تغيير في المواقف الصريحة التي اتخذتها منها، او اي تبديل في يقينها بشأن الاسباب والاعتبارات التي ادت الى اخراج هذه المنظمة ومحاولة فرضها على الشعب الفلسطيني، والاهداف التي انما عينت المنظمة المذكورة من اجل تحقيقها. وقبل الدخول في البحث عن “نظام انتخاب المجلس الوطني” فانه من الضروري تدوين الحقائق والحوادث والتطورات التالية:

المطالبة بانشاء الكيان الفلسطيني:
         ان الامة العربية، وفي طليعتها الشعب العربي الفلسطيني، تعتبر ان تحرير فلسطين هدف قومي مصيري، ونظرا لان الشعب العربي الفلسطيني عليه ان يقوم بدور طليعي في عملية التحرير، وللاوضاع السيئة التي انحدرت اليها قضية فلسطين، في المجالين العربي والدولي، وما يعانيه الفلسطينيون من مآسي التشرد والتشتت “فقد شعرت الهئية العربية العليا لفلسطين، وهى الممثلة – الشرعية لكفاح الشعب العربي الفلسطيني، بضرورة ماسة لاحياء كيان هذا الشعب الذي هدمته كارثة 1948، فتولت المطالبة بانشاء الكيان الفلسطيني منذ عام 1950، ولا تزال تطالب به، ولقد كان من سخرية القدر وهزال  الموقف العربي السياسى، ان يقيم الصهيونيون كيانا على انقاض كيان الشعب الفلسطيني، وان يظل هذا الشعب حتى اليوم يطالب باحياء كيانه المهدوم.

الاهداف والمبادئ:
        وكان من الدوافع الرئيسية التي حفزت الهيئة العربية الى السعي لانشاء الكيان، يقينها  بوجوب قيام جهاز سياسي نضالي، يعمل على صهر القوى والمنظمات والاحزاب الفلسطينية في وحدة وطنية، وتنظيم الشعب تنظيماً صحيحا، واعداده اعداداً جديا للكفاح، ويقاوم المؤامرات المبيتة لتصفية قضية فلسطين، وينقذها وشعبها من الاستغلال والتسخير، وينأى بها عن جميع الخصومات والمنازعات، وينسق جهود الفلسطينيين مع جهود سائر اخوانهم العرب، لانجاح عملية التحرير.

 بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

         والكيان الفلسطيني هو ضرورة تحتمها طبيعة معركة فلسطين. وحق من حقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولذلك فقد كان، ولا يزال، من اهداف الهيئة ومبادئها، ان يتسم الكيان المنشود بالصفة الشعبية المحضة، وان ينبثق من صميم ارادة الفلسطينيين،  فيكون حراً مستقلا، قادرا على الاضطلاع بجميع الواجبات الوطنية، ومسؤولا امام  الشعب العربي الفلسطيني، ومن اجل ذلك فقد اصرت الهيئة العربية على ان يتم انشاء الكيان بالطرق الديمقراطية الصحيحة، وباجراء انتخابات عامة حرة نزيهة.
        وقد اجمع الشعب العربي الفلسطيني على طلب احياء الكيان وانشائه بالانتخاب العام.

الجامعة العربية والكيان الفلسطيني:
        ونظراً لاستمرار المطالبة بانشاء الكيان الفلسطيني، استجابت الجامعة العربية، في آذار 1959، لطلب الهيئة العربية وتعهدت بتحقيق رغبة الشعب. ولكن الجهود التي بذلت خلال 1959 – 1962 لاخراج الكيان الفلسطيني الى حيز الوجود، باءت بالفشل لاسباب واعتبارات كثيرة ادت الى تجميده. فاستأنفت الهيئة العربية مساعيها لتحقيق طلب انشاء الكيان وبلغ الحاح الهيئة العربية والشعب الفلسطيني على الدول العربية، لانشاء الكيان، الذروة عام 1963.
        فلما اجتمع مجلس جامعة الدول العربية، في دورته الاربعين بالقاهرة، في ايلول 1963، ايد بقرارات اتخذها بالاجماع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وممارسة حقوقه الوطنية بالطرق الديمقراطية، وانشاء الكيان الفلسطيني بالانتخاب العام.
        ولكن الجامعة العربية، نتيجة لبعض الاعتبارات العربية، وعوامل الضغط، ما لبثت ان تغافلت عن قراراتها الانفة الذكر. وعمدت بعض دولها الى التدخل في شؤون الفلسطينيين الداخلية، مما اعاد قضية فلسطين وشعبها الى الوصاية والسيطرة فقد عينت الجامعة السيد احمد الشقيري ممثلا لفلسطين فيها، ورئيسا لوفد فلسطيني، يختار هو  اعضاءه، الى الامم المتحدة، وانتدبته للقيام بجولة في الاقطار العربية، لاستطلاع آراء الشعب الفلسطيني في كيفية انشاء كيانه، وقد استنكر الفلسطينيون هذا التدخل، واحتجوا على مخالفة الجامعة لقراراتها، واصروا على انشاء كيانهم بالطرق الديمقراطية الانتخابية، ولكن الجامعة لم تأبه لارادة الفلسطينيين، وسكتت عن التجاوزات السافرة على مقرراتها.

خطة التعيين والفرض:
        وقد تبين بأن الغرض من اتخاذ قرارات الجامعة الانف ذكرها، كان للتمويه على الشعب الفلسطيني، وليتسنى للمعنيين بلوغ اهدافهم الضارة بقضية فلسطين وسلامتها. وبدلا من ان يقوم السيد بالمهمة الاستطلاعية المنوطة به، فانه تولى مباشرة انشاء الكيان الفلسطيني وفق ما رسم له من مخططات، فتجاوز مقررات الجامعة العربية وعمل على

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

انشاء الكيان، واخراج “منظمة التحرير الفلسطينية ” بالتعيين، وبالاعمال الكيفية والديكتاتورية. وقد ادت تصرفات السيد الشقيري، وسكوت المسؤولين العرب عنها، والمحاولات التي بذلت لفرض منظمة التحرير على الشعب، الى اثارة الشقاق والنزاع في الصف الفلسطيني، وتمزيق وحدته، وتصديع جبهته.

معارضة مبدأ الانتخاب
         وقف السيد احمد الشقيري، والذين عينهم للتعاون معه على اخراج منظمته، ضد مبدأ الانتخاب، منذ البدء ودللوا باعمالهم واقوالهم على عدم ايمانهم به، واستهتارهم بحقوق الشعب الفلسطيني ورغائبه، ولما اشتد الانتقاد للخطة التي اتبعها السيد الشقيري، حاول تبريرها والدفاع عن موقفه بمختلف الاساليب ففي الحين الذي زعم استحالة اجراء انتخابات عامة، ادعى ان المنظمات الثورية لا تشكل بالانتخاب، وضرب مثلا على ذلك  بجبهة التحرير الجزائرية. ولكنه تناسى ان هذه الجبهة جاءت وليدة ثورة شعبية وتشكلت من مجاهدين صادقين خاضوا غمرات الكفاح الصحيح، كما تناسى ان منظمة التحرير الفلسطينية التي عينها وحاول فرضها على الشعب، ابعد ما تكون عن الثورية والجهاد.

نظام انتخاب المجلس الوطني:
         وفي تاريخ 17 تموز 1965، اي بعد مضي اكثر من عام ونصف العام على تعيين منظمة  التحرير، طلعت على الشعب الفلسطيني تعلن رغبتها في اجراء انتخابات عامة. واعلنت “نظاماً” وضعته لهذه الانتخابات باسم “نظام انتخاب المجلس الوطني”. وكان من البديهي ان يقابل الشعب الفلسطيني خطوة المنظمة هذه بالاستغراب والارتياب، حيث انه لا يستطيع ان يصدق المنظمة في دعوتها او اخلاصها لفكرة الانتخاب، التي  قاومتها باستمرار وحاربتها باصرار.

خطوة مريبة
         ولا ريب في ان المنظمة اقدمت على اعلان فكرة الانتخاب مرغمة، بسبب الاوضاع   التي تتخبط فيها، والازمات والانقسامات الداخلية التي تعانيها، والمشكلات التي   تواجهها، وما تعرضت له من الضغط الشعبي المتزايد المطالب باجراء الانتخاب، وما لازمها من فشل ذريع في اكتساب. ثقة الجماهير الفلسطينية واستقطاب المنظمات والهيئات الوطنية.
         ومن اهم الاهداف التي ترمي المنظمة الى بلوغها، عن طريق طرح نظامها الانتخابي ومحاولة  اخرى، استصدار قرار من مؤتمر القمة الثالث بتأييده، فتضع الدول العربية مرة تنفيذه امام الامر الواقع والتمويه على الشعب الفلسطيني، والهائه لفترة اخرى من الزمن بغية كسب الوقت لارساء قواعد المنظمة وفرضها على الفلسطينيين، فضلا عن ذلك فان المنظمة تحاول، عن طريق نظامها الانتخابي، ان تسبغ على نفسها ما تفتقر اليه من  صفة شرعية وسمة دستورية.

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

مبادئ عامة واصول دستورية:
          وقبل الخوض في جزئيات نظام الانتخاب المذكور، تود الهيئة العربية ان تتناول  الموضوع من حيث المبادئ العامة.
         ان الشعب هو مصدر السلطات، وهو صاحب الحق الوحيد في سن الانظمة والقوانين. وتمارس هذه السلطات وهذا الحق، نيابة عن الشعب وباسمه، مؤسساته الشرعية الدستورية التي ينتخبها بنفسه، وفي الحالات التي لا توجد مؤسسات شرعية تمثل الشعب تشكل جمعية او هيئة تأسيسية، تمثل جميع فئاته واحزابه، ومختلف آرائه واتجاهاته، تضع للشعب دستوراً، وتسن نظاماً للانتخاب العام، فتتولى المؤسسة التي ينجم قيامها  عن الانتخاب العام ممارسة سلطات الشعب.

         وانطلاقا من هذه القاعدة الاساسية، وبالنظر الى ان “منظمة التحرير” هي منظمة معينة، غير منتخبة من الشعب العربي الفلسطيني، وتفتقر الى الشرعية والى الصفة   التمثيلية الصحيحة، فانها لا تتمتع بأي حق لسن القوانين والانظمة للشعب العربى الفلسطيني.
        وبالنظر الى ان منظمة التحرير لا تعدو ان تكون، على احسن الافتراضات، منظمة حزبية ومؤسسة خاصة، يتسم بصورة تلقائية، كل ما يصدر عنها من انظمة وقوانين بالصفة الحزبية والسمة الخاصة، ان جاز تطبيقها والعمل بموجبها ضمن اطار المنظمة المذكورة، وفي نطاق المنتسبين الى عضويتها، فانه من غير الجائز اصلا اعتبارها انظمة وقوانين عامة لمجموع الشعب العربي الفلسطيني.

نظام باطل:
         ان للامم والشعوب اعرافا واصولا سارت ولا تزال تسير عليها، في انشاء كياناتها وسن انظمتها الانتخابية كما ان الفقة السياسي والقانون الدولي يتضمن نصوصا صريحة حول المبادئ العامة والسبل والوسائل الشرعية والقانونية التي يجب ان تتبع في انشاء الكيانات السياسية وسن القوانين والانظمة لها، وبالنظر الى ان هذه الامور غير متوفرة بأي حال من الاحوال، لا في “منظمة التحرير” ولا في “نظامها الانتخابي” الذي وضعته، فانه يعتبر باطلا من اساسه.
        لاجل هذه الاعتبارات فان الشعب العربي الفلسطيني لا يستطيع اعتبار هذا النظام الانتخابي نظاماً انتخابيا عاماً له. ويرى في اي محاولة من “المنظمة” لوضعه موضع التنفيذ، انتحالا منها لصفات ومقومات لا تتوفر فيها، وانتهاكاً لحقوقه، وتزييفا لارادته، ويحمل الذين يعملون على تطبيقه مسؤولية خطيرة امام الله والتاريخ.

 بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

نظام ديكتاتوري:
         ولو جاز الافتراض جدلا بان “النظام الانتخابي”، المذكور هو نظام انتخابي عام للشعب العربي الفلسطيني فان ما يشتمل عليه من مبادئ واسس تدعو الى الريبة والحذر، وتثير المخاوف والقلق. فهو نظام كيفي وديكتاتوري، ابعد ما يكون عن الديمقراطية الصحيحة، وليس له من هدف سوى فرض “المنظمة” على الشعب العربي الفلسطيني ومختلف منظماته، كما انه لا يوفر اسباب الحياد والحرية والنزاهة التي تحتم ان تكون اساسا لكل انتخاب عام. ففضلا عن ان “النظام الانتخابي” المذكور يعطي المنظمة جميع الاختصاصات والصلاحيات الانتخابية، فانه يحصر فيها وحدها الاشراف على اجراء الانتخابات واعلان نتائجها.
        ونظراً للظروف التي يجتازها الشعب الفلسطيني، وما يصدع جبهته ويمزق وحدته من انقسامات ومشاحنات، تسبب عن تشكيل منظمة التحرير بالتعيين والوسائل المشبوهة. ونظرا لتعدد فئاته ومنظماته، فان من الحق والديمقراطية ان تتولى هيئة محايدة الاشراف على الاعداد للانتخاب واجرائه، وقد جرت العادة في دول مستقلة عديدة تتمتع بالنظام الديمقراطي، لغرض تأمين “الحياد” التام في الانتخابات، ان تشكل   حكومات حيادية تكون مهمتها الوحيدة الاشراف على الاعداد للانتخابات واجرائها،  كما جرى في لبنان، في عدة مناسبات.
        فوفقاً لنصوص هذا “النظام الانتخابي” ومواده، فان اللجنة التنفيذية للمنظمة  ورئيسها ومدراء مكاتبها هم وحدهم الذين يشرفون على الاعداد للانتخابات وعلى اجرائها، فهم يضعون جداول الناخبين، ويوافقون على ادراج اسماء المرشحين، ويعينون لجان الفرز، ولجان الاعتراضات ويبتون فيها، كما تنص على ذلك المواد 5 و9 و 13 من الفصل الثاني للنظام، والمادة 13 من الفصل الثالث، والمادة 34 من الفصل الخامس والمادة 53 من  الفصل السادس والمادة 69 من الفصل السابع.

سوء النية:
         ويكشف “نظام انتخاب المجلس الوطني”، وفي عدة نصوص واحكام اخرى، النقاب عن سوء نية منظمة التحرير وخطتها المريبة الكامنة خلفه، من ذلك:
        1 – نص نظام الانتخاب على ان “الفلسطيني هو كل عربي ذكراً او انثى كان  يقيم اقامة عادية في فلسطين” حتى عام 1947 او كل من ولد لاب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ.

 بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

         ان هذا النص يجافي الحقيقة ويناقض الواقع، ويخفي وراءه اهدافا مؤذية لقضية  فلسطين وضارة بشعبها. فقد ظل الشعب العربي الفلسطيني يقيم اقامة عادية في فلسطين حتى عام 1948 (عام الكارثة)، فما هو المقصود من اختيار عام 1947″، وليس عام 1948، للاقامة العادية؟ ومن المعروف ان قرارات الامم المتحدة بتقسيم فلسطين وتدويل مدينة القدس ومنطقتها صدرت عام 1947 وان المرء ليتساءل عما اذا كانت  هناك خطة مبيتة لتحديد عام 1947، للاقامة العادية بفلسطين، وعما اذا كانت “المنظمة” تعتقد ان عروبة فلسطين تنتهي بصدور قرارات عام 1947؟
         ومن ناحية اخرى فان اعدادا كبيرة من رجال الحركة الوطنية الفلسطينية وقادة  الثورات الفلسطينية والمجاهدين والشباب الاحرار، كانوا يقيمون خارج فلسطين عام 1947، بل قبله بعدة اعوام، وذلك تخلصا من اذى الاستعمار البريطاني وملاحقته المستمرة لهم، والاحكام التعسفية القاسية التي كانت تصدرها المحاكم العسكرية البريطانية   ضدهم، في حين اقتضت مصلحة الدفاع عن قضية فلسطين، والاعداد لثوراتها، وتوفير الأسلحة و المعدات للمجاهدين، ان يقيم الكثيرون من العاملين خارج فلسطين عام 1947 وقبله. لذلك فان المعنى الوحيد لتحديد عام 1947 للاقامة العادية للفلسطينيين الذين لهم حق الانتخاب والترشيح، هو ابعاد هذه العناصر الوطنية المجاهدة من الاشتراك في الانتخاب  وبالتالي حرمانها من الدخول في عضوية المجلس الوطني.
         يضاف الى ما تقدم ان عشرات الالوف من الفلسطينيين هاجروا الى الخارج خلال   الاعوام التي سبقت عام 1947، ولكنهم احتفظوا بجنسيتهم الفلسطينية، ولم يقطعوا علاقاتهم بالوطن، وكانوا سنداً لجهاده وثوراته، فهؤلاء الفلسطينيون (وقد عاد الكثيرون منهم الى فلسطين فى الاعوام الاخيرة) يحرمهم نظام الانتخاب الذي وضعته منظمة التحرير من حقهم في ممارسته.

شروط الترشيح:
         حددت المنظمة في المادة الثالثة (الفصل الثاني) الصفات التي يجب ان تتوفر في الناخب، كما حددت في المادة العشرين من النظام (الفصل الثالث) الصفات التي يجب ان تتوفر في المرشح لعضوية المجلس الوطني، ومنها “ان لا يكون محكوماً بجناية او بجريمة  تمس الشرف الوطني” . وانه لمن المستغرب ان تضع المنظمة مثل هذه الشروط وهي التي انبثقت عما تسميه “بالمؤتمر الوطني الفلسطيني” الذي عين اعضاؤه تعيينا. وقد كان بينهم عدد من الاشخاص الذي سبق لهم التعاون مع الاعداء، فعمل بعضهم في دوائر المخابرات البريطانية، فكان حرباً على المجاهدين والعاملين، في حين تعاون بعضهم الاخر مع اليهود، فباعهم اراضي الوطن او سمسر عليها لحسابهم، بينما ضم “المؤتمر الوطني

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

الفلسطيني” المذكور في عضويته، بعض الذين حكمت عليهم القيادات الوطنية الثورية بمختلف الاحكام بجرائم تمس الشرف الوطني، فضلا عن ان هذا المؤتمر ضم في عضويته المعينة ايضا اشخاصا ثبت اتصالهم باليهود، بعد كارثة 1948، وتباحثوا معهم بشأن الوصول الى تسوية لقضية فلسطين، وشراء املاك العرب في المنطقة المحتلة.

سيطرة وتسلط
         ان منظمة التحرير الفلسطينية ترمي من وراء تنفيذ نظامها الانتخابي وتطبيقه الى   التسلط على قضية فلسطين والسيطرة على الحركة الوطنية واحتكار العمل في سبيل فلسطين،  وجعل اعضاء المجلس الوطني بأكملهم من اتباعها وانصارها الذين تعتمد عليهم السياسة التي اوجدتها، وابعاد كل فلسطيني “مشبوه” بعدم الولاء للمنظمة ورئيسها عن ميدان الترشيح. ففضلا عن انها اتخذت لنفسها جميع اسباب السيطرة على الانتخاب، فانها  احتكرت ايضا حق الموافقة على ادراج اسم الشخص المرشح، فضلا عن الناخب، في  جداول الانتخاب، واذا ما تقدم احد بأي اعتراض فان المنظمة نفسها هي التي تنظر في هذا الاعتراض وتبت فيه، عن طريق اللجان التي تعينها حسب اهوائها واتجاهات مدرائها.
         ولعل ابلغ مظهر لخطة المنظمة في السيطرة على القضية الفلسطينية، نجده في الفقرة 6  من المادة العشرين (الفصل الثالث) التي تنص على انه يشترط في المرشح لعضوية المجلس الوطني ان يكون عضوا عاملا في التنظيم الشعبي.. اي التنظيم الشعبي الخاص بالمنظمة والتابع لها.
         ان هذا النص الذي يقطع بأن نظام الانتخاب هو نظام انتخابي حزبي خاص بالمنظمة  ينطوي على الاهداف التالية:

 

أ –

اكراه الفلسطينيين الذين قد يوافقون على الاشتراك في انتخابات المنظمة، على الانضمام الى “التنظيم الشعبي” اي الانضواء تحت لوائها.

 

ب –

حرمان الفلسطينيين الذي يؤثرون عدم الانضمام الى المنظمة ( عن طريق الانضمام الى تنظيمها الشعبي)  من حق الانتخاب.

 

ج –

تمكين المنظمة من رفض ترشيح اي شخص لا تريده، ولا تطمئن اليه، بحجة عدم كونه عضوا عاملا في التنظيم الشعبي.

 

د –

استبعاد العقائديين والحزبيين والملتزمين بالمنظمات الفلسطينية الاخرى، من “المنظمة” والانتخاب.

 

هـ –

تكريس الولاء للمنظمة بدلا من الولاء لفلسطين نفسها.

 بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

مراكز التجمع والدوائر الانتخابية:
         نصت المادتان (30) و (31) (الفصل الرابع) على تأليف المجلس الوطني من 217 عضوا، وزعوا على مراكز التجمع كما يلي: المملكة الاردنية الهاشمية 100، قطاع غزه 40، الجمهورية اللبنانية 14 الجمهورية العربية السورية 13، دولة الكويت 10، الجمهورية العربية المتحدة 5، الجمهورية العراقية 2، المملكة العربية السعودية 5، امارة قطر 3، الجزائر 2، ليبيـا 3، المهجر 15، جيش التحرير5.
         ان هذا التوزيع ان لم يكن كيفيا ولغرض معين، وهو الارجح، فانه اعتباطي وغير منطقي من اساسه. وبين الامثلة على ذلك ان عدد الفلسطينيين المقيمين في الاردن يبلغ اكثر من نصف مجموع الشعب الفلسطيني، ومع ذلك فان النظام يخصص لهم 100 عضو أي أقل من نصف مقاعد المجلس الوطني. ويخصص 10 مقاعد للفلسطينيين في الكويت الذين يقرب عددهم من 40 الفا، في حين لا يخصص للفلسطينيين في لبنان وعددهم 170 الفا سوى 14 عضواً.
         ويتجاوز عدد الفلسطينيين المقيمين في العراق عدد الفلسطينيين المقيمين في الجمهورية العربية المتحدة ومع ذلك فان نظام الانتخاب يخصص للجمهورية العربية المتحدة 5 اعضاء وللعراق عضوين، وكذلك الحال في توزيعات اخرى كالتوزيع في قطر الذي يقل فيه عدد الفلسطينيين عن 10 آلاف يخصص لهم 3 أعضاء وفي ليبيا حيث لا يزيد عددهم عن 2000 خصص لهم عضوين، في حين يخصص للجزائر عضوين أيضا بينما لا يتجاوز عدد الفلسطينيين فيها بضع مئات. وقد استثنى النظام تونس والمغرب والسودان وعدن وغيرها من الاقاليم العربية، من تخصيص اعضاء للفلسطينيين الذين يقيمون فيها، وعددهم غير قليل.

الفلسطينيون في المنطقة المحتلة:
         يقيم في المنطقة الفلسطينية التي يحتلها الصهيونيون نحو 300 الف عربي فلسطيني، لهم حقوق مماثلة لحقوق سائر ابناء فلسطين، ومنها حق انتخاب كيانهم وممثليهم. وقد اهمل “النظام الانتخابي” هؤلاء الفلسطينيين وموضوع تمثيلهم، فلم يورد اي نص يتعلق بهم. وان اغفالهم على هذا الشكل جانب “المنظمة” يثير التساؤل عما اذا كان هذا الاغفال ينطوي على الاعتراف بالامر الواقع وسلخ هؤلاء الفلسطينيين عن الشعب العربي الفلسطيني
          ولا ريب ان وجود هؤلاء الفلسطينيين تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني، يحول دون تمكينهم من ممارسة حقهم في اي نظام عام يوضع للشعب الفلسطيني، في حين توجد عدة وسائل واساليب لتأمين اشتراك ممثلين عنهم في المجلس الوطني.

 بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

جيش التحرير الفلسطيني:
         وقد نص “النظام الانتخابي” على تمثيل جيش التحرير الفلسطيني بخمسة اعضاء فقط  في المجلس الوطني، وهو امر لا يتناسب مطلقاً مع ضخامة مسؤولية هذا الجيش في العمل التحريري المرتقب ولقد كان من الضروري وضع قاعدة ثابتة وواضحة لتمثيل قطاعات هذا الجيش في جميع المناطق التي يعسكر فيها بحيث يراعى موضوع الاقدمية والرتب العسكرية

مدة المجلس الوطني:
          
ان جميع الانظمة النيابية والانتخابية تحدد مدة وعمر كل مجلس نيابي ينتخب، وتعين له دوراته العادية، وتنص على كيفية دعوته لعقد دورات استثنائية حسب الاقتضاء. اما (النظام الانتخابي) لمنظمة التحرير فقد تجاهل هذا المبدأ، فلم ينص على المدة التي ينتخب المجلس الوطني لها، الامر الذي يجعله اما مجلسا دائمياً، واما ان يربط مصيره  بارادة المهيمنين على”المنظمة”، وهذه هي الديكتاتورية بعينها.

مشروع الهيئة العربية للانتخاب:
          
لم تكتف الهيئة العربية بالاصرار على وجوب انشاء الكيان الفلسطيني بالانتخاب العام، فأعربت عن ارائها ووجهات نظرها بشأن كيفية وضع انظمة للانتخاب واجرائه.
         ووضعت الهيئة عام 1964 مشروعا كاملا لانشاء الكيان الفلسطيني الشعبي على أساس ديمقراطي انتخابي لا غموض فيه ولا تعقيد، وقدمته الى الدول العربية ونشرته على الرأي العام العربي. وقد حرصت الهيئة في مشروعها على توفير بداية دستورية سليمة وعملية لسن الانظمة الانتخابية ووضعها موضع التنفيذ.
         وبالنظر الى ان اخر مؤتمر فلسطيني مثل الشعب العربي الفلسطيني تمثيلا شرعيا صحيحا، كان “المجلس الوطني الفلسطيني” المنعقد في غزة بفلسطين في خريف عام 1948، ونظراً لان الدول العربية أقرت الصفة التمثيلية لهذا المجلس اذ اعترفت “بحكومة عموم فلسطين” رسميا، بعد ان أعلن المجلس المذكور قيامها، ووضع لها دستوراً، ومنحها  ثقته فقد اقترحت الهيئة العربية، ان يؤلف رئيس هذا المجلس الوطني الفلسطيني “لجنة تحضيرية” تعاونه في توجيه الدعوة الى عقد مؤتمر وطني فلسطيني تنحصر مهمته في وضع قانون انتخاب عام للشعب العربي الفلسطيني يتم بموجبه انتخاب “مجلس وطني فلسطيني” يتولى عملية انشاء الكيان الفلسطيني.

جمعية تأسيسية فلسطينية:
         ومع اعتقاد الهيئة العربية بأن اقتراحها الانف الذكر هو الاسلوب العملي الذي يحسم كل اختلاف قد ينشأ حول كيفية البدء في انشاء الكيان الفلسطيني بالطرق الديمقراطية الصحيحة، فقد رأت، تيسيراً لتحقيق مبدأ الانتخاب، وتفويتا لكل فرصة لاجهاضه، وازالة للاختلافات والمشاحنات التي استفحلت بين الفلسطينيين رأت ان تطرح على الشعب

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بشأن النظام الانتخابي لمنظمة التحرير الفلسطينية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 515 – 525”

العربي الفلسطيني والدول العربية الموقرة، اقتراح تشكيل “جمعية تأسيسية فلسطينية” تمثل جميع الفئات والاطراف الفلسطينية، تنحصر مهمتها في وضع نظام عام للانتخاب وتحديد الجهاز المحايد الذي يناط به الاشراف على اجرائه.
         اما كيفية تشكيل “الجمعية التأسيسية الفلسطينية” فان الهيئة العربية ترى ان تتولى  الدول العربية تأليف لجنة محايدة من رجال القضاء والقانون من مواطني الدول العربية البعيدة كل البعد عن جو الخصومات والمنازعات العربية، فتجري هذه اللجنة اتصالات مباشرة بجميع الفئات الفلسطينية في الاقطار العربية، دون ما تفريق او تمييز، ودعوة ممثلي هذه الفئات الى تشكيل الجمعية التأسيسية الفلسطينية المقترحة.
         وتعتقد الهيئة العربية ان الاسس التي وضعت في جدة لتسوية المشكلة اليمنية، وأعترفت للشعب اليمني الشقيق بحقه في تقرير مصيره، وتصريف شؤونه، واختيار النظام الذي يريدة بطريق الاستفتاء العام، جدير بها أن تتخذ سابقة لمعالجة الوضع الفلسطيني ايضاً، على ضوء الاسس التي تضمنتها.
         وبعد فان الهيئة العربية ترى، بكل صراحة ووضوح، ان المشروع الذي اقترحته اساسا لاحياء الكيان الفلسطيني الشعبي المنتخب، هو السبيل الوحيد لانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني الذي يقوم بدوره بانتخاب الجهاز التنفيذي، اذا كان انشاء الكيان يستهدف اصلا مصلحة فلسطين وشعبها بصورة خاصة، والمصلحة العربية العليا بصورة عامة. وهي تؤكد ان اي مشروع اخر يفرض فرضا على فلسطين وشعبها، لا يكون القصد من فرضه، بالضرورة، سوى فرض حل للقضية الفلسطينية يناقض الهدف القومي للامة العربية في هذه المرحلة الخطيرة التي تتعرض فيها هذه القضية المصرية لمؤامرات التصفية على اساس الامر الواقع. وان اية جهة تقف في هذا الاتجاه الخطير تتحمل مسؤولية احباط فكرة الكيان الفلسطيني، ومبدأ الانتخاب العام الحر النزيه، ووزر اضاعة الفرصة على الشعب العربي الفلسطيني، بعد سبعة عشر عاما من الضياع، لاعادة تشكيل كيانه القوي المنشود وفق مشيئته وارادته الحرة.


Scroll to Top