بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بمناسبة 15 آيار (مايو)

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بمناسبة 15 آيار
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت مج 1، ص 224 – 226

   بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بمناسبة 15 آيار
بيروت 15/5/1965 (فلسطين – نشرة الهيئة العربية العليا لفلسطين – العدد 52/ حزيران 1965)

         ان اليوم الخامس عشر من آيار عام 1948، هو في حقيقته وواقعه، اكثر من كونه مجرد بداية لافدح كارثة نزلت بالشعب العربي الفلسطيني، اذ هو في الواقع نقطه تحول خطيرة في تاريخ الأمة العربية وتجربة عظيمة الشأن، وضعت فيها هذه الأمة على المحك وتحت مجهر الفحص، فلم تلبث ان ظهرت بجلاء ووضوح أسباب ضعفها، وعدم تمكنها من  إطلاق طاقاتها الهائلة، البشرية والمادية، لتجابه اعظم تحد وأكبر خطر كانت عرضة له في تاريخها.
        ومن نافلة القول والعمل، ان نستقبل هذه الذكرى، المريرة، بإقامة المهرجانات، وإذاعة البيانات، والقاء الخطب والقصائد الحماسية، والتهديدات الجوفاء، الا ما كان منها في سبيل التبصرة والاعتبار، والتوعية الحقة، فالواجب المفروض ان نقف من هذه الكارثة في يوم ذكراها الأليمة الصادعة، موقف الواعي المتربص الذي استفاق من هول الصدمة، وأخذ يستقصي أسبابها الحقيقية، ويقوّم بدقة واناة أوضاع الأمة العربية، وطاقتها ومشاكلها الداخلية والخارجية، والتطورات الطارئة على الوطن العربي، ويرقب بعين  ساهرة وقلب ذكي ما يعده الأعداء لهذه الأمة سواء في القسم المحتل من فلسطين، او في عواصم الدول الاستعمارية الكبرى وقواعدها، من وسائل الكيد والاذى، وبذلك نصل بعد دراسة الماضي والحاضر، إلى نتيجة منطقية سليمة نستطيع معها ان نحدد موقفنا في المستقبل، والخطة التي يجب ان نسير عليها لتحرير وطننا وإنقاذ شعبنا واعادة امتنا العربية سيرتها المجيدة الاولى.
         لقد شهد اليوم الخامس عشر من آيار 1948 افظع خطأ ارتكبته السياسة العربية الرسمية لا في حق الشعب العربي الفلسطيني فحسب، بل في حق الأمة العربية، وسلامة شعوبها واقطارها، بالطرق والوسائل العقيمة التي اتبعتها في قضية فلسطين وحولت بها معركتها من مستواها الشعبي الى المستوى الرسمي الذي لعبت فيه متناقضات السياسة العربية الرسمية النابعة من عوامل التجزئة والمتأثرة بالضغط الاستعماري دورها الفعال في قلب الأوضاع  رأسا على عقب، وترجيح كفة ميزان الحرب لصالح الاعداء بعد ما كانت في صالح العرب.
        كما ان انتزاع القضية الفلسطينية، في الميدانين السياسي والعسكري، من ايدي الفلسطينيين، اصحاب الحق الأصيل، والرأي الأول والأخير في قضيتهم أدى إلى خسارة المعركة كما أدى إلى تكبيل الجانب العربي الرسمي بقيود الالتزامات الدولية الثقيلة التي

 بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بمناسبة 15 آيار
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت مج 1، ص 224 – 226

ساعدت الدول الاستعمارية المؤيدة للصهيونية، على فرض الهدنتين الأولى والثانية، ثم على عقد اتفاقيات رودس ومن ثم إبرام بروتوكول لوزان، كل ذلك أدى إلى انهيار كيان الشعب الفلسطيني وقيام كيان صهيوني على أنقاضه لم يلبث ان اصبح دولة عضوا في الأمم المتحدة لها من المقومات وأسباب القوة والمنعة ما اخذت تهدد بها الدول العربية مجتمعة، دون خشية أو وجل.
        ومن المؤسف حقا، أن تستمر السياسة العربية الرسمية، في السير على هذه الخطة، في معالجة القضية الفلسطينية بعدما ظهر فشلها وعقمها وما نتج عنها من وخيم العواقب ، متجاهلة المطالب الحقيقية للشعب الفلسطيني، وضاربة عرض الحائط بمطالبته المستمرة باطلاق يده لتنظيم صفوفه ضمن كيان شعبي سليم وقادر على الوقوف في وجه التحدي الصهيوني، وعلى التصدي للمؤامرات الرامية الى تصفية قضيته لصالح الصهيونية والاستعمار وأن تصر في عام 1964، بعد ستة عشر عاما من الكارثة، على فرض كيان فلسطيني خال من محتواه النضالي، ومجرد من قواعده الشعبية، وعاجز عن مجابهة المؤامرات والدسائس  التي تحيق بالقضية الفلسطينية.
        وقد كان هذا الأسلوب المتخاذل، جديرا بأن يطمع الأعداء فينا، ويحمل بعض المسؤولين من بني قومنا على إعلان رأيهم بقبول قرارات الأمم المتحدة الخاصة بتقسيم فلسطين وتدويل مدينة القدس ومنطقتها، بل وبمناداة بعضهم بمفاوضة الصهيونيين الغزاة على أساس هذه القرارات.
        ومن المؤلم أن تتردى القضية الفلسطينية نتيجة هذه السياسة المتخاذلة، في هذا الدرك الأسفل من الانحدار بطرحها في المحافل الدولية على أساس المطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، على حين تنطوي تلك القرارات على الاعتراف بقيام الدولة اليهودية في صميم فلسطين  وعلى قيام اتحاد اقتصادي بين العرب والصهيونيين وفي ذلك ما فيه من الخطر على البقية الباقية من أرض فلسطين بل على الوطن العربي نفسه، لأنه يؤدي إلى فرض السيطرة الاقتصادية الصهيونية والاستعمارية على العالم العربي.
        ولا يخفى ان الأسباب التي حملت الدول العربية على رفض التقسيم عام 1947، وهي  قومية وسياسية واقتصادية، ما تزال قائمة، بل هي اليوم أقوى وأشد منها منذ صدور قرار التقسيم، بعدما ظهر من استفحال الخطر الصهيوني وغرور الصهيونيين واتساع نطاق مطامعهم التي لا حد لها، مما اكد تأكيدا قاطعا ان اغتصاب فلسطين ليس الا المرحلة الأولى من مراحل المخطط الصهيوني الذي يشمل الرقعة العربية الواقعة ما بين النيل والفرات التي يسميها الصهيونيون (المجال الحيوي لدولة اسرائيل الكبرى).

 بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين بمناسبة 15 آيار
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت مج 1، ص 224 – 226

        ان الهيئة العربية العليا لفلسطين التي تؤمن بقدر الأمة العربية، بما لها من طاقات وثروات هائلة، على تحرير فلسطين، ترى ان الظروف الحرجة الخطرة الراهنة، تستدعي المبادرة الى عقد مؤتمر عربي على اعلى المستويات يعلن فيه المسؤولون قرارات التقسيم والالتزام بميثاق قومي عربي علني ينص على تحرير فلسطين واجتثاث الاحتلال الصهيوني وتعبئة الأمة العربية تعبئة شاملة لوضع هذا الميثاق موضع التنفيذ.
        والهيئة العربية العليا تؤكد ما سبق لها اعلانه من ان الكيان الفلسطيني الذي يمثل الشعب الفلسطيني تمثيلا صحيحا وينتظم جميع فئاته هو الضمان الوحيد لاحباط المؤامرات المتتالية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وهو الكيان القادر على تحمل مسؤولياته والكفيل بتعبئة هذا الشعب في سبيل تقدم الصفوف العربية لتحرير فلسطين.
        والهيئة العربية العليا اذ تعاهد الأمة العربية على المضي في طريق الكفاح والنضال ملتزمة حدود الميثاق الوطني تعلن ان الشعب العربي الفلسطيني لا يقبل عن وطنه بديلا وانه يرفض كل حل يقوم على التقسيم والتدويل والتعويض وهو مصمم على السير قدما في سبيل تحقيق اهدافه وانقاذ وطنه السليب حتى يتم له الفوز والنصر المبين.


Scroll to Top