بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول الأحداث التي طرأت على قضية فلسطين في العامين الأخيرين
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1357 – 1360”
بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين
حول الأحداث التي طرأت على قضية فلسطين في العامين الأخيرين
بيروت – 30 / 6 / 1965
شهدت القضية الفلسطينية في العامين الأخيرين أحداثا وتطورات عديدة تتعلق بصميمها وتشكل بمجموعها نقطة تحول خطير بالنسبة لها كان أبرزها:
1 – | تصميم الصهيونيين على اغتصاب المياه العربية وتحويلها إلى النقب. |
2 – | تنادي العرب بالمبادرة إلى منع هذا الاغتصاب بالقوة. |
3 – | إقرار جامعة الدول العربية في دورتها الأربعين المنعقدة في أيلول 1963 حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وتولي زمام قضيته وإنشاء كيانه بالطرق الديمقراطية الانتخابية. |
4 – | انعقاد مؤتمري القمة العربيين. |
5 – | إعلان الصهيونيين اغتصابهم المياه العربية خلال فترة ما بين انعقاد المؤتمرين. |
6 – | فرض كيان مصطنع على الشعب الفلسطيني. |
7 – | انعقاد عدة مؤتمرات للحكومات العربية ولجان المتابعة. |
ومن المؤسف حقا أن يشهد العامان المنصرمان تراجعات عربية جاءت مخيبة للآمال وزادت من تردي القضية الفلسطينية. فقد كان الهدف من عقد مؤتمر القمة العربي الأول في مطلع عام 1964 كما سبق إعلانه منع الصهيونيين بالقوة على اغتصاب المياه العربية. وأعلنت الهيئة العربية العليا لفلسطين رأيها الصريح في أن معركة المياه على أهميتها وخطورتها إنما هي فرع من أصل وأن مؤتمر القمة يجب أن يواجه تحويل الأعداء لمجرى نهر الأردن بتحويل جذري لمجرى الفكر العربي والطرق والوسائل العربية في معالجة القضية الفلسطينية من أساسها غير أن مؤتمر القمة بدلا من أن يضع خطة حازمة لتحرير فلسطين ومنع العدو من اغتصاب المياه اكتفى بقراره المعروف بتحويل بعض الروافد وإنشاء القيادة العربية الموحدة لحماية هذا التحويل من العدوان الصهيوني المتوقع. وقد تقبل بعض المتفائلين من العرب هذا القرار على ضعفه بقبول حسن على أمل أن أي عدوان صهيوني سيكون ذريعة للعرب لخوض معركة التحرير واستئصال الوجود الصهيوني.
* فلسطين – نشرة الهيئة العليا لفلسطين – العدد 53 – تموز 1965.
بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول الأحداث التي طرأت على قضية فلسطين في العامين الأخيرين
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1357 – 1360”
على أن قرارات مؤتمر القمة العربي الأول أصبحت سلسلة متصلة من التراجعات التي قلبت الخطة العربية الرسمية من موقف الهجوم التحريري إلى موقف الترقب الدفاعي مما أدى إلى انتقال زمام المبادرة من أيدي العرب إلى أيدي الأعداء.
وقد جاء تحدي الصهيونيين العرب بعد أربعة أشهر فقط من انعقاد مؤتمر القمة العربي الأول حينما أعلنوا على الملأ إنجاز مشروعهم المائي ووصول المياه العربية المغتصبه إلى النقب. وكان الرد العربي الرسمي على هذا التحدي الفظيع صمتا مطبقا وتجاهلا تاما.
وبعد أيام معدودات من هذا التحدي الذي هو في حقيقته وجوهره كارثة جديدة أصابت القضية الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني في الصميم كما أصابت الأمة العربية قاطبة أقيم في القدس مهرجان فلسطيني للتمويه. وصرف أبصار الفلسطينيين عن فظاعة الكارثة الجديدة اطلق عليه اسم ” المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول ” تمخض عن كيان شكلي مصطنع لإلهاء الشعب بالعرض عن الجوهر وبالظواهر عن الحقائق وبالتوافه عن الإعداد الجدي لتحرير الوطن السليب وإيقاع الفرقة بين صفوفه بدلا من العمل على شعثه وشد أزر وحدته الوطنية.
ثم تعاقبت التراجعات العربية الرسمية على مسرح القضية الفلسطينية فلم يتخذ مؤتمر القمة العربي الثاني أي إجراء عملي على مستوى خطورة اغتصاب المياه العربية ولم يقدم على تنفيذ قراره بمعاملة الدول الأجنبية على أساس مواقفها من قضية فلسطين واتضح ذلك التراجع في أزمة العلاقات العربية مع ألمانيا الغربية إذ اكتفت السياسة العربية الرسمية بقطع العلاقات الدبلوماسية معها وحدها وضربت صفحا عن تحدي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها.
وقد أدى هذا الاتجاه الجديد بالتخلي عن فكرة التحرير والعدول التدريجي عن تحويل روافد الأردن إلى ظهور ما هو أوضح من هذا الاتجاه وأصرح إذ صدرت تصريحات لبعض رؤساء الدول العربية تتضمن الدخول في مفاوضات مع الأعداء على أساس الأمر الواقع أو على أساس المطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين مما ينطوي على اعتراف بالوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة.
ثم وضعت السياسة العربية الرسمية على المحك عندما عقد مؤتمر رؤساء الحكومات العربية بالقاهرة في 26 أيار 1965 في أعقاب الاعتداءات الصهيونية على مشاريع التحويل في سورية وعلى بعض المواقع الأمامية في جنين وقلقيلية والشونة خلال انعقاده ومن المؤسف أن موقف هذا المؤتمر كان استمرارا للمواقف السابقة التي تميزت بالتخاذل والتراجع وعدم الجد فلم يأت بجديد سوى “مناشدة” الدولتين المتحيزتين بريطانيا والولايات المتحده الأمريكية ألا تخفي مساعداتهما المالية لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين.
وجاءت الحلقة الأخيرة في سلسلة التراجعات العربية الرسمية واضحة في الخطاب الذي افتتح به المهرجان الفلسطيني الثاني بالقاهرة في 31 أيار 1965 الذي سموه “المؤتمر الفلسطيني الثاني” والذي تم فيه إعلان عجز الجامعة العربية ومؤتمري القمة والقيادة العربية الموحدة لا عن تحرير فلسطين فحسب بل حتى عن مجرد حماية
بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول الأحداث التي طرأت على قضية فلسطين في العامين الأخيرين
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1357 -1360”
مشاريع التحويل العربية واقترح فيه تأجيل القيام بعمليات التحويل إلى حين توفر القوة العربية الكافية لحمايتها. ولشد ما جاء هذا الخطاب مخيبا للآمال ومثبطا للهمم إذ أنه يعبر عن سياسة الدولة العربية الكبرى التي تملك أكبر قوة عربية بشرية وعسكرية وتحجم رغم ذلك عن خوض معركة تحرير فلسطين. في حين أن قضية المصير العربي بأسره تحتم تحرير فلسطين قبل كل شيء. وليس أغرب من أن يسجل الذين يزعمون. تمثيل الشعب الفلسطيني في المهرجان على أنفسهم إقرار هذه السياسة التراجعية والانسياق في تيارها.
في خضم هذه الأحداث والتطورات وفي هذه السلسلة المتلاحقة من التراجعات العربية الرسمية وفي نفس الشهر الذي حلت فيه بالشعب الفلسطيني كارثة اغتصاب المياه العربية وفي إطار هذه الصورة المحزنة فرضت سياسة التخاذل وعدم الجد على الشعب العربي الفلسطيني بعد سبعة عشر عاما من التشرد والتفرق كيانا مصطنعا عاجزا عن التعبير عن إرادة الشعب الحقيقية وعن التصدي لما يحاك ضد قضيته ومستقبله من مؤامرات التجميد والتصفية وعن تجميع الشعب وتوحيد قواه وإعداده إعدادا جديا لمعركة التحرير.
إن الهيئة العربية العليا لفلسطين الأمينة على قدسية كفاح الشعب العربي الفلسطيني والحريصة على مصيره لتهيب بالعرب عامة والفلسطينيين خاصة رغم هذا الجو القاتم الملبد بغيوم التخاذل والتراجع وادعاء العجز ألا يدعو مجالا لتسرب اليأس إلى نفوسهم وأن يظلوا واثقين من أن الأمة العربية بقواها البشرية الوفيرة وموقعها الاستراتيجي الممتاز لقادرة دون ريب على خوض معركة التحرير إذا صدقت العزائم وحسنت النيات وحشدت الطاقات للقضاء على الاستعمار الصهيوني وغسل العار واسترداد الكرامة والوطن.
والهيئة العربية تشجب سياسة ادعاء العجز والتخاذل وعدم الجد في معالجة قضية فلسطين التي هي قضية المصير العربي وتندد بسياسة التراجع في المواقف العربية تجاه الأعداء وترى أن العجز العربي إذا كان حقيقة واقعة فإن مسئوليته تقع على عاتق الذين صارت إلى أيديهم مقاليد أمور الأمة العربية بعد هذه السنين الطوال ورصد الأموال على الجيوش والتسلح وإذا كان الأمر تعاجزا فلا يفيد منه سوى الأعداء الذين يحتاجون إلى فترة طويلة من الاستقرار يرسخون خلالها أقدامهم ويثبتون وجودهم العدواني تمهيدا للانقضاض على الوطن العربي لتحقيق برامجهم التوسعية المعروفة.
وتؤكد الهيئة العربية العليا أن الحل الوحيد لقضية فلسطين هو تحريرها من الاحتلال الصهيوني بالكفاح العربي الجدي وترى أن تحقيق هذا الهدف الوطني العظيم، يستدعي:
1 – | أن تعيد الدول العربية نظرها في سياستها المتعلقة بقضية فلسطين على الصعيدين العربي والدولي وذلك بوضع ميثاق عربي موحد لتحرير فلسطين تلتزم به وتجعله هدفها الأساسي الذي يوحد صفوفها وجهودها ويقضي على الاختلافات والخصومات والمهاترات الناشبة بينها ومعالجة قضية فلسطين في المحافل الدولية |
بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول الأحداث التي طرأت على قضية فلسطين في العامين الأخيرين
|