بيان الوفد الفلسطيني الثاني عن أعماله أمام المؤتمر العربي الفلسطيني السادس

 

بيان الوفد الفلسطيني الثاني عن أعمال المؤتمر العربي الفلسطيني السادس
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 353 – 355”

بيان الوفد الفلسطيني الثاني
عن أعماله أمام المؤتمر العربي الفلسطيني السادس
1923

          لما أعلن انعقاد مؤتمر لوزان الأول ليتداول في أمر تقرير الصلح مع الترك رأت اللجنة التنفيذية ضرورة إيفاد وفد إلى لوزان ليكون في محيط هذا المؤتمر الذي ستتناول أبحاثه أمر مصير البلاد العربية التي انسلخت عن الاتراك والتي لا تزال من الوجهة الحقوقية قبل انعقاد الصلح من ممتلكات الدولة العثمانية سيما وقد أعلن الترك الوطنيون أنهم لا يحيدون في مفاوضتهم الصلحية عن ميثاقهم الملي الذي تنص مادته الأولى على ترك مصير البلاد التي انسلخت عنها لأهلها. وكان القصد من هذا الوفد أن يبذل جهده في حمل مفوضي الترك على الثبات في ميثاقهم الملي في أمر بلادنا من جهة وإسماع صوت هذه البلاد لأعضاء ذلك المؤتمر بأنها لن ترضى عن أى حل لا يتفق مع رغائبها وحقوقها المشروعة من جهة ثانية. فغادر وفدنا البلاد ووجهته الاستانة لعله يجتمع بأولي الحل والعقد من الأتراك ومفوضيهم فيها فيبسط لهم قضيته بصورة خاصة. وقد عرج في طريقه على القاهرة حيث اجتمع مع اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني الذي عقد في جنيف عام 1921 وكان وفدنا الأول ممثلا فيه البلاد. وقد اقترحت اللجنة علينا أن نوحد أعمالنا مع الوفد السوري الذي سافر فريق من أعضائه إلى الاستانة للغاية التي توخيناها نحن أيضا فحبذنا الاقتراح وواصلنا السير.

          وكان في ودنا أن نمر بأزمير ولكن الاحتياطات العسكرية التي كانت حكومة الأناضول قد اتخذتها حالت دون ما نريد فجئنا إلى الاستانة واجتمعنا مع رأفت باشا القائد العام فيها وبسطنا له آمالنا فأكد لنا أن حكومة المجلس الوطني الكبير متمسكة تمام التمسك بالميثاق الملي. وقد كان عصمت باشا والوفد التركي قد سافروا قبلنا إلى لوزان فرأينا أن يذهب قسم من وفدنا إلى لوزان ليلحق بعصمت باشا وأن يبقى قسم آخر وهو الأستاذ المظفر في الاستانة ينتظر فرصة يذهب فيها إلى أنقره.

          وصلنا لوزان يوم افتتاح المؤتمر فرأينا من المصلحة أن نوحد خطتنا مع الوفد السوري وأن نشتغل معاً باسم الوفد السوري الفلسطيني أيضا. ومن ثم أخذ الوفد يجتمع بوفود الدول المشتركة في المؤتمر ويبسط لهم قضيته بحذافيرها. واجتمع بصورة خاصة بعصمت باشا وقص عليه حالة البلاد ورغائب الأمة فوعد بالمحافظة على نص الميثاق الملي بتصريحه الرسمي الأخير بعد أن فشل المؤتمر بأن الدولة التركية


       فلسطين. يافا. 29 / 6 / 1923.

 

(تابع) بيان الوفد الفلسطيني الثاني عن أعمال المؤتمر العربي الفلسطيني السادس
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 353 – 355”

تعترف باستقلال البلاد العربية التي انسلخت عن المملكة العثمانية بعد الحرب العامة. وفد اجتمع وفدنا أيضاً بالوفد الإيطالي وذكره بقرار حزب الفاشستي الذي وضعه قبل استلامه مقاليد السياسة وهو ينص على المساعدة في استقلال سورية وفلسطين وعلى رفض الانتداب بشكله الحاضر. ويجمل بي هنا أن أذكر بالشكر والخير الوفد السوري الكريم الذي، واصل جهاده في أوروبا بعد أوبتنا الأولى وكان ذلك القرار نتيجة من نتائج هذا الجهاد. أقمنا في إيطاليا شهراً وبعض الشهر في لوزان وبينما كانت، مداولات المؤتمر سائرة من وجهة لا تأتلف مع مصلحة بلادنا ورد على الوفد تشجيع من أنصارنا في لندن بوجوب السفر إليها والتثبيت لدى وزارة المحافظين الجديدة التي لنا أنصار كثيرون في حزبها.

         وكان قد اجتمع في لوزان وفود سورية والعراق ومندوب جلالة الملك حسين والكل يبذل سعيه في تعضيد القضية العربية وهي أول مرة اجتمع فيها وفود هذه الأقطار وجعلوا وجهتهم نحو القضية العربية جميعها كقضية كلية لا تفيدها التجزئة. وقد ترك وفدنا هذه الوفود تواصل سعيها في مشروعها القومي وسافر إلى لندن حيث اجتمع بالأنصار الكثيرين المحافظين الذين كانوا متفائلين جدا بعد أن انتقل أمر الوزارة إلى الحزب المحافظ وقرروا توجيه حملة صحفية جديدة وقوية فى الصحف والنوادي بشأن قضية فلسطين وضرورة حلها على وجه عادل يتفق مع العهود المقطوعة للعرب.

         وقد نشرنا بيانات موضحة للعهود وعلاقتها بفلسطين بشكل لا يدع مجالا للشك ولماهية الحكومة الحاضرة في فلسطين وغرابة الدستور المفروض فرضا على البلاد ووزعناها على النوادي، السياسية وأعضاء البرلمان الذي كان زمن انعقاده قد قرب. وقد كان لهذه البيانات الأثر الحسن سيما وقد جاءت داحضة للنشرات الكاذبة التي كان يختلقها خصومنا السياسيون. وفي تلك الأثناء نشر المستر جفريس كتابه الذي أسماه خديعة فلسطين والذي ضمنه وضعية فلسطين ودخولها في عهود العرب وأشار فيه الإجحاف الذي يحيق بأهلها من جراء السياسة الحاضرة فيها مما لا يتفق مع تلك العهود. وقد كان لهذا الكتاب تأثير حسن جداً في الظرف الذي نشر فيه سيما والمستر جفريس رجل محايد بالنسبة إلينا ويؤيدنا في دعوانا كل التأييد وربما كان هذا الكتاب أحسن ما نشر في الموضوع لقوته وصراحته وما فيه من الوثائق المحسوسة والرسمية التي أتى بها لتأييد مطالبنا، الاستقلالية الحقة وإلغاء السياسة الصهيونية الغاشمة.

         وقد قابل وفدنا وزير المستعمرات الجديد الدوق ديفونشير فأجابنا في هذه المقابلة بأن المسألة الفلسطينية تحت البحث العادل في الوزارة الجديدة ولكنه لا ينتظر أن يحصل تغيير في السياسة المندرجة في “الكتاب الأبيض” الذي نشرته الوزارة السابقة. فقامت ضجة على هذا الجواب في الصحف الموالية واتصل بنا أيضاً أنه كان لا علم لأكثر أعضاء الوزارة بهذا الجواب وأنهم لم يرتاحوا إليه وأن المسألة ليست مناطة برأي وزير المستعمرات وقراره وإنما هي عائدة إلى الوزارة بهيئتها العامة وقد سعينا في تهيئة بحث جديد في المجلس حول قضيتنا وجرت مناقشة في مجلس اللوردات طلب فيهـا تنفيذ قراره المعلوم الذي أصدره سنة 1922 فاستمهلته الحكومة ريثما تمحص المسألة.

(تابع) بيان الوفد الفلسطيني الثاني عن أعمال المؤتمر العربي الفلسطيني السادس
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 353 – 355”

       وقد كنا ننتظر في الوقت ذاته نتيجة انتخابات المجلس التشريعي وأنصارنا ينتظرونها معنا لما علمنا من عظيم تأثيرها على سير قضيتنا فوصلتنا البشرى العظيمة قبل مغادرتنا لندن بيومين عن نجاح الأمة في موقفها الشريف الذي وقفته وإحباط مشروع الانتخابات احباطا تاما الأمر الذي أثبت للذين يشتغلون معنا ولخصومنا أن فلسطين جادة في حركتها الوطنية وأنها لن ترضى عن سياسة يراد فرضها عليها فرضا وأن الحركة فيها حركة شعبية اجماعية لا إفرادية شخصية.

       وقد علمنا قبل مغادرتنا لندن بأن باب مفاوضات قد فتح بين مندوب جلالة الملك حسين والحكومة البريطانية حول عقد معاهدة تؤيد العهود المقطوعة الأولى وترضي العرب. فأوقفنا ذلك المندوب الدكتور ناجي بك الأصيل على ما لدينا من الوثائق والمخابرات السياسية المتعلقة بقضية فلسطين والتي قد دحضت كل قول بخروج فلسطين عن دائرة العهد المقطوع وصار في إمكانه أن يقف وقفة العارف المطلع على قضية فلسطين أثناء مفاوضاته في القضية العربية التي هي جزء منها.

       كذلك اجتمعت وفود العرب في لندن فانتهزنا الفرصة وجرت مذاكرات اشتركنا بها انتهت بوضع قرارات بشأن توحيد السعي في السير بالقضية العربية عمليا وقد نشرت الصحف ملخص هذه القرارات كما تعلمون. والقصد الذي توخيناه جميعنا من ذلك هو توحيد مساعي المشتغلين في القضية العربية في كل قطر والاهتمام بقضيتهم كقضية دون أن يكون هنالك مجال لضياع المساعي الافرادية على أن يكون لكل قطر استقلاله الداخلي التام.

       هذا ملخص عمل الوفد في سفرته الثانية.

       لقد رجعنا من أوربا ونحن قانعون أن قضيتنا أصبحت من القضايا العالمية التي تهتم لها الأمة الانجليزية في الدرجة الأولى والدول الكبرى التي لها علاقة بالشرق الأدنى في الدرجة الثانية. وأننا كلما ازددنا ثباتا وتمسكا بحقوقنا ومطالبنا وكلما انتبهنا إلى كل شرك ينصب للبلاد فتوقيناه اقتربت قضيتنا من الحل العادل وضعف مركز خصومنا السياسى وأباطيلهم التي أصبحت لا تقوم على أساس. وأنه يجمل بنا قبل الختام أن نشير أن الموقف الشريف الذي وقفه إخواننا المخلصون الذين انتدبوا للمجلس الاستشاري الجديد سيكون ذا أثر عظيم في سلسلة جهادنا الوطني الذي نجحنا فيه نجاحا كبيرا. نشير إلى ذلك الموقف مرسلين لهم الاحترام وجزيل الشكر.

Scroll to Top