بيان حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” عن “سير الأزمة وتطورها في الأردن”

بيان حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” عن “سير الأزمة وتطورها في الأردن”
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 861 – 863”

بيان حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” عن “سير الازمة وتطورها في الاردن”.

9 / 11 / 1968

 

(محفوظات مؤسسة الدراسات الفلسطينية)

         1 – في ذكرى وعد بلفور المشؤوم في 2/11/1968، أنطلقت مسيرات شعبية ومظاهرات جماهيرية عارمة في شوارع عمان وضواحيها وفي كبريات المدن الاردنية ومخيمات العائدين، لتعبر عن سخطها واستنكارها لما كان قد تم في هذا اليوم الاسود، ولتعرب عن تأييدها ومبايعتها للعمل الفدائي والثورة الفلسطينية. وقد عمدت المخابرات الاردنية الى دس عدد من رجالها في صفوف تلك المسيرات في محاولة للتخريب وتشويه الصورة المشرفة للعمل الفدائي في اذهان الجماهير، وبالرغم من ذلك فقد جرت المسيرات والمظاهرات بشكل حسن الذي أحبط كل المحاولات المشبوهة لكبح جماح ارادة الجماهير المصممة على حماية الثورة. وحتى لا يكون هناك أي مبرر أو أي ذريعة لافتعال صدام مع رجال الأمن، صدرت التعليمات إلى رجال الحركة ومؤيديها بعدم الاشتراك في المسيرات، وان تبقى الكوادر في أماكن اقامتها هادئة مستعدة.

         2 – وفي تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الاحد، الموافق في 3/11/1968، استدعت الأركان العامة الأردنية بعض الأخوة، وعلى الاثر تم لقاء مع رئيس الاركان، عامر خماش، ونائبه مشهور حديثه. وتركز الحديث حول اعتقال طاهر دبلان ورغبة الحكومة في ان يستتب الامن في البلاد. وفي هذا اليوم تم اعتقال طاهر دبلان على يد سلطات الامن، وقد رد الاخوة، ان هذه مسألة ستعرض على مجلس التنسيق العسكري للمنظمات الفدائية للبت فيها.

         3 – وفي الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم الاثنين، بلغ اخواننا من قبل الاركان العامة ان جماعة تابعة لـ “كتائب النصر” قد أطلقت الرصاص على سيارة عسكرية واحتجزت من فيها.

         4 – وخلال تلك الفترة، نزلت قوات من الحرس الملكي الى شوارع عمان، واحتلت مفارق الطرق. وعلى الاثر قامت مظاهرات جماهيرية صاخبة تعالت هتافاتها المتنوعة، وقد اندس فيها عدد كبير من رجال المخابرات الاردنية. ورد الحرس الملكي ورجال البادية على تلك المظاهرات باطلاق نيران كثيفة، مما أدى الى سقوط عدد من الشهداء المدنيين، واطلقت صفارات الانذار في محاولة لايهام الشعب بأن هناك غارة جوية، وكانت الفئات العميلة تشيع اشاعات كاذبة، ان قادة الفدائيين قد اعتقلوا واستشهد بعضهم ثم يهتفون باسماء المنظمات الفدائية.

         5 – وفي غمرة هذه الاحداث، وجهت حركتنا عاجلا الدعوة الى كافة المنظمات للتشاور وتدارس الموقف، فتقرر اذاعة بيان على الشعب لتهدئة الخواطر للحيلولة دون وقوع الفتنة وتجنبا للمجازر البشرية.

         6 – وعلى اثر ذلك، تشكل وفد من ممثلي المنظمات الفدائية، قابل الرئيس التلهوني وعاكف الفايز وأحمد طوقان، وطالب الوزارة برفع نظام منع التجول، والغاء كافة الاجراءات العسكرية. وتبين من خلال هذه المقابلة ان الوزارة الاردنية ليس لها أي علم بما حدث، أو أي اطلاع كامل على الموقف. وشرح الاخوة، ممثلو المنظمات، الموقف بكل وقائعه للوزارة الاردنية، وأوضحوا للوزارة حقيقة طاهر دبلان وارتباطه بالاستخبارات الاردنية، وقد أقر الوزراء الاردنيون هذه الحقيقة، وقالوا بأن الفئة العابثة قد أودعت السجن.

<1>

بيان حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” عن “سير الأزمة وتطورها في الأردن”
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 861 – 863”

         7 – وفي نفس الوقت، توجه وفد آخر من الاخوة إلى الاركان العامة حيث تم لقاء مع الملك حسين واخيه الحسن ورئيس الاركان عامر خماش ونائبه مشهور حديثه، وكان الجو مشحونا بالتوتر والملك في قمة غضبه مما أدى الى فشل محاولات الاخوة في شرح الموقف للملك الذي كان يستدل من حديثه ان لديه اصرار مسبق على تصفية العمل الفدائي. وقد تم هذا اللقاء بحضور العقيد حسن النقيب، قائد القوات العراقية في الاردن، الذي اطلع على الموقف بكامله.

         8 – وفي اثناء ذلك، كانت قوات الحرس الملكي تواصل اطلاق النيران على التجمعات الشعبية والتظاهرات لارهاب المواطنين واحاطتهم بجو من الرعب والذعر وتفريق جموعهم الثائرة، بينما اتجهت عشرات الدبابات والمصفحات الى مخيمات الوحدات والحسين وشنلر وطوقتها وأخذت تطلق الرصاص، مستفزة بذلك مشاعر الجماهير الغاضبة، ما أدى الى سقوط عدد من القتلى والجرحى من الطرفين، ولم تتمكن قوات الحرس الملكي ورجال الامن – بعد محاولات متكررة – من اقتحام المخيمات، فقد اعتصم الشعب خلف المتاريس وكانت التعليمات قد اعطيت الى رجال الميليشيا الشعبية بالالتزام بالهدوء والسكينة مهما كان نوع الاستفزازات التي يمارسها رجال الحرس الملكي وقوات البادية واللواء الستين المدرع.

         9 – وعند ظهر يوم الاثنين الواقع في 4/11/1968، قامت قوات الحرس الملكي بقيادة زيد بن شاكر بضرب مخزن التموين والفرن التابع لحركة “فتح” في مخيم الوحدات، فاستشهد لنا ثلاثة، وبالرغم من ذلك فقد التزمت الميليشيا الشعبية بالهدوء. وطلب في هذه الاثناء من السلطات الاردنية ان توقف الرماية التي أودت بحياة العشرات، وخلقت جوا من التوتر والقلق لدى الجماهير.

         10 – وفي محاولة لتهدئة الخواطر الشعبية الملتهبة، حضر اللواء مشهور حديثه والعقيد حسن النقيب وخرج معهما الاخوة الى المخيمـات، الا انه كان من العسير دخولهـا فالمدافع عيار (106) ورشاشات (500) ومدافع الدبابات كانت مصوبة الى مخيمي الحسين والوحدات، وقوات الحرس الملكي محيطة بهما من كل جانب. وتلافيا لوقوع أي صدام بين قوات الحرس الملكي وقوى الشعب، طلب من اللواء مشهور حديثه ان تخفف هذه الاجراءات العسكرية، وان توقف الاستفزازات بشتى أنواعها، بما في ذلك اطلاق الرصاص في الهواء لارهاب الشعب.

         11 – وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء هذا اليوم، حضر اللواء مشهور حديثه، وهو يحمل رسالة من مجلس الحرب، مفادها ان على المنظمات الفدائية أن تسحب الاسلحة التي وزعتها على الشعب وتسلمها للجيش، والا سيتولى الجيش هذه المهمة، وعليكم ان تتحملوا مسؤولية ما يترتب على ذلك من نتائج. واعتبر الاخوة ان ما جاء في هذه الرسالة لا يقصد منه الا التهديد، ورفضوها رفضا قاطعا قائلين: نحن نرفض أي انذار أو تهديد، كما نرفض ان تكلمونا من مواقع القوة، وحملوا مصدر الرسالة مسؤولية كل النتائج التي يمكن ان تحدث، ثم توجه جميع الاخوة الى منطقة الاغوار، وجرى استنفار جميع القطاعات الفدائية تحسبا لاي طارئ.

         12 – في الساعة العاشرة مساء حضر اللواء مشهور يحمل رسالة خطية من الملك مفادها ما يلي:
         أ – القضية هي اعادة هيبة الحكم.
         ب – لا يمكن تخفيف الاجراءات العسكرية الا بعد ضمان عدم تكرار الحوادث.
         جـ – يقدر الملك للمنظمات الفدائية الرئيسية موقفها وتعاونها وحرصها على المصالح المشتركة.
         د – لا صحة لاي قول يقصد من ورائة التشكيك في نية الحكم تجاه التعاون مع الفدائيين.
         هـ – تجاوبا مع المنظمات الفدائية، فلن يجري التفتيش على الاسلحة الموزعة على الشعب دون تمييز، سواء في عمان أو غيرها، على أن تتعاون المنظمات الفدائية في تنظيم توزيع الاسلحة.
         و – يجري حصر كميات الاسلحة، وتبقى في ايدي المواطنين الطيبين.
         ز – يرفع منع التجول من الساعة العاشرة صباحا حتى الساعة الرابعة مساء، وتكون هذه الفترة تجريبية.
         ح – تبقى قوات الحرس الملكي في أماكنها حيث ترابط، وتخفف حسب الظروف.

<2>

بيان حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” عن “سير الأزمة وتطورها في الأردن”
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 861 – 863”

         ط – يبدأ التنسيق الفوري والتعاون الكامل بين المنظمات الفدائية والجيش للقيام بالواجب الأساسي.
         ي – يجري اعتقال أصحاب الفتنة ورؤوس الشر اعتبارا من رفع منع التجول بالتعاون مع المنظمات الفدائية.

         13 – كان رد الفدائيين على هذه الرسالة مشروطا برفع منع التجول فورا، والغاء الاجراءات العسكرية، وعدم دخول الحرس الملكي ورجال الأمن أو أي قوات عسكرية اخرى الى المخيمات أو القيام بأي حملات تفتيشية في المدن والقرى.

         14 – اما على صعيد العدو، فقد كانت دولة الصهاينة تراقب الموقف والأحداث الجارية في الأردن. وكان الطيران الإسرائيلي يحلق بكثافة فوق المناطق الوسطى والشمالية (اربد – السلط)، وقام العدو باشتباك مسلح على الحدود، كما ان موشي دايان صرح بأن إسرائيل لا تنوي التدخل في الصراع بين الفدائيين والسلطة في الأردن.

         15 – ضربت قوات الحرس الملكي معسكرا للتدريب، فاستشهد من اخواننا سبعة عشر فدائيا من الميليشيا الشعبية.

         16 – ضربت قوات الحرس الملكي سيارة لاندروفر تابعة للجبهة الشعبية، فاستشهد فيها عدد من الفدائيين مع أحد الملازمين.

         17 – لم تصطدم قوات الفدائيين الرئيسية مع قوات الحرس الملكي والبادية واللواء الستين المدرع وبقيت في مواقعها مستفزة.

         18 – كانت الجماهير مع قوات الميليشيا الشعبية هي التي تتصدى لمقاومة جيش البادية والحرس الملكي ولدباباتهما عندما يحاولون دخول المخيمات أو التعرض للشعب.

مبررات الأزمة ونتائجها:
         حاولت السلطات الأردنية تبرير الأزمة بالقاء القبض على الفئات المارقة العميلة التي تعبث بأمن الدولة وتقصد بها (جماعة طاهر دبلان). ولكن الإجراءات التي اتخذت بواسطة رجال البادية والحرس الملكي وبعض كتائب الجيش التي انسحبت من الجبهة، تدل ان وراء الأزمة المفتعلة محاولة تصفية جدية للعمل الفدائي ومؤيديه، ومظاهر ذلك تتلخص فيما يلي:
         1 – اظهار الحكم بمظهر الضعيف المعتدى عليه.

         2 – اشغال الجبهة الأردنية بأحداث مفتعلة داخلية لتخفيف الضغط على العدو في الأرض المحتلة.

         3 – ضرب الشعب بالمدافع الثقيلة والقنابل اليدوية، وخاصة في مخيم الوحدات، وأصبحت كل مفارق الطرق المؤدية إلى المدن مطوقة بأكثر من فرقة عسكرية.

         4 – مهاجمة مراكز تكوين الحركة في مخيم الوحدات لفترات طويلة.

         5 – قتل اكثر من سبعين مدنيا معظمهم من النساء والأطفال، وجرح أكثر من مائة.

         6 – ترك الجرحى بدون علاج مما أدى إلى استشهاد عدد من المواطنين.

         7 – عامل رجال البادية ولواء الحرس الملكي الفدائيين والشعب معاملة قاسية ولا إنسانية.

تعزيزات الموقف:
         بناء على ما تقدم يتضح ما يلي:
         1 – ان الأزمة مفتعلة، وأن أداتها كانت “كتائب النصر” التي انشأها “طاهر دبلان” ومولتها الاستخبارات العسكرية الأردنية.

         2 – كانت النية مبيتة عند القصر لضرب العمل الفدائي وتصفيته، بعد ان تسحب الأرض من تحت اقدامه قطعة قطعة، بضرب الشعب وعزله والانفراد بكل منظمة فدائية على حدة.

         3 – المعركة بالنسبة لنا معركة حياة أو موت، ولا يمكن التهاون اطلاقا في مصير الثورة مهما كانت النتائج، بعد بذل كل الجهود المخلصة من اجل تفادي الكارثة وتجنب المجازر الشعبية وحرق المدن.

         4 – انتهت الأزمة وانتصر الفدائيون بلا تراجع عن اهدافهم، وواجبنا مزيدا من الحذر والحيطة والتربص بكل اعدائنا وأعداء الثورة الفلسطينية. ونحن على قناعة تامة بأن الأزمة المفتعلة ما انتهت الا لتبدأ من جديد. وما كل الأزمات الماضية الا حلقات في سلسلة تآمرية تنفذ على مراحل لتصفية الثورة الفلسطينية والعمل الفدائي وتحقيق الحل السياسي.


<3>

Scroll to Top