لجنة كنج – كراين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 259- 262”
لجنة كنج – كراين
28 أغسطس سنة 1919
وصلت اللجنة الامريكية إلى يافا يوم 10 يونيو 1919 واذاعت البيان التالى:
ان الشعب الامريكى ليس له مطامع سياسية في أوروبا أو الشرق الادنى بل يفضل – على قدر الامكان – تجنب كل علاقة بالمشاكل الأوروبية والاسيوية والافريقية ويرغب باخلاص أن يسود السلام الدائم وانه بهذه الروح يدنو من مشاكل الشرق الأدنى
“لقد عين مجلس الاربعة لجنة دولية لدرس الحالة في المملكة التركية لعلاقاتها بالوصايات، وغاية اللجنة الفرعية الأمريكية الموجودة الآن الوقوف جهد المستطاع على أحوال السكان والطبقات وعلاقاته ليكون الرئيس ولسون والشعب الأمريكى على بينة من الحقائق فى كل سياسة يدعى إلى، السير عليها فيما يتعلق بمشاكل الشرق الأدنى سواء أكان ذلك فى مؤتمر الصلح أو فى جامعة الأمم”.
ولقد اتضح لهذه اللجنة أن الشعور العدائى نحو الصهيونية ليس قاصرا على فلسطين فحسب بل يشمل سكان سوريا بوجه عام فان 72 فى المائة من مجموع العرائض التى تناولتها اللجنة في سوريا مضادة للصهيونية ولم ينل مطلب نسبة أكثر من هذه. النسبة سوى الوحدة السورية والاستقلال. وبعد أن ذكر التقرير أن اللجنة قضت أسبوعا في القدس واستفتت، رؤساء الطوائف المختلفة وزارت خلاله بيت لحم والخليل وبئر السبع ثم طافت شمالى فلسطين واستقبلت الوفود في رام الله ونابلس وجنين والناصرة وحيفا وعكا واجتمعت بمستعمرة (ريشون زيون) بزعماء عدة مستعمرات يهودية وبأعضاء اللجنة الصهيونية المركزية تناول التقرير مطالب الشعب الفلسطينى على الوجه التالى:
اجتمعت كلمة المسلمين وهم حسب الاحصاء الانجليزى الأخير نحو أربعة أخماس السكان على المطالبة باستقلال سوريا المتحدة ولم تشذ منهم سوى طائفة معروفة من الموظفين كانت تسير مع تيار النفوذ السياسى. وقررت الاحزاب التى اجتمعت فى يافا ان سوريا أهل لحكومة مستقلة بلا دولة وصية وانه اذا أصر مؤتمر الصلح على تعيين دولة فانهم يفضلون الولايات المتحدة.
وقد أيد الناس فى القدس وغيرها. من مدن فلسطين هذا القرار وكانوا يحيلون مسألة الوصاية إلى المؤتمر السوري الذى ينطق بلسانهم ورفض بعض المسلمين ولا سيما فى الجنوب قبول الوصايا رفضا باتا مهما كان نوعها. وقد ظهر منذ أعلن المؤتمر السورى رغبته فى مساعدة أمريكا بالدرجة الأولى وانكلترا فى الدرجة الثانية
من كتاب “يقظة العرب” جورج أنطونيوس
(تابع) لجنة كنج – كراين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 259 – 262”
ورفض الوصاية الفرنسية بتاتا. ان هذا هو ما يطلبه سواد المسلمين في فلسطين. ويرجح ان ذلك كان يجول في خواطرهم حينما أحالوا اللجنة على المؤتمر.
وكانت مطالب المسيحيين في فلسطين وهم (10) في المائة من مجموع السكان مختلفة فكانت جماعات الشمال كاللاتين والكاثوليك في طبريا وحيفا وأكثر مسيحى الناصرة مع المسلمين في طلب الاستقلال وترك تقرير مسألة الوصايا الى المؤتمر السورى وكان الروم الكاثوليك والموارنة يطلبون الوصاية الفرنسية وكان الارثوذكس في كل مكان متفقين على طلب الوصاية الانكليزية وهناك جماعات أخرى لم يطلب أحد منها وصاية أمريكا مباشرة ولكنها كانت تقول بأنها لو تأكدت من قبول الولايات المتحدة فإنها لا تختار سواها وأكثر المسيحيين من هذا الرأي وكلهم في جانب الوصاية يريدون دولة ذات حكم صحيح.
وكان اليهود الذين يؤلفون أكثر من (10) في المائة من سكان فلسطين يؤيدون الصهيونية الانكليزية في الحين الذي اتفقت فيه كلمة المسلمين والمسيحيين على مقاومة الصهيونية وهذه المسألة ذات علاقة كبيرة بوحدة سوريا.
وبما يتعلق بالصهيونية ذكر التقرير عنها ما يأتى:
ولقد أعلن يهود فلسطين تأييدهم للصهيونية بوجه عام واختلفوا في التفاصيل والطرق الموصلة إلى تحقيقها ويمكن وصف الامور التى اتفق عليها بما يلى:
جعل فلسطين “وطنا قوميا” في الحال وان يصبح الحكم السياسى في البلاد عاجلا أو آجلا معروفا باسم الحكومة اليهودية. والسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين من كل مكان في العالم وأن يكون شراء الأراضى مباحا لهم وأن تكون العبرانية لغة رسمية. وأن تكون بريطانيا هى الدولة الوصية على فلسطين فتحمي اليهود وتساعدهم على تحقيق مشروعهم. ولما كانت الدول الكبرى في العالم قد استحسنت فكرة الصهيونية فهى لا تحتاج سوى التنفيذ. أما الذى اختلف عليه اليهود فهو مسألة الحكومة اليهودية وهل يجب انشاؤها عاجلا أو بعد زمان طويل وهل يسيرون على حسب الطقوس والتقاليد اليهودية القديمة أم على الطريقة العصرية فيهتمون بالمسائل الاقتصادية واستثمار الموارد وتوليد القوى الكهربائية من الأنهار.
ثم بحثت اللجنة البرنامج الصهيونى فقالت:
تشير اللجنة بتنقيح البرنامج الصهيوني لفلسطين تنقيحا كبيرا لا سيما مهاجرة اليهود غير المحدودة التى ترمى إلى جعل فلسطين بلادا يهودية.
1 – باشرت اللجنة درس الصهيونية وهى ميالة إلى استحسانها ولكن الحقائق الحسية التى وجدتها في فلسطين مع قوة المبادىء العامة التى أعلنها الحلفاء وقبلها السوريون حملتها على وضع المشورة الآنفة.
2 – تلقت اللجنة من اللجنة الصهيونية فصولا انشائية كثيرة عن البرنامج الصهيونى وسمعت كثيرا عن المستعمرات الصهيونية ومطالبها في المؤتمر ورأت بنفسها شيئا مما فعلته ووجدت عددا كبيرا يؤيد أمانى الصهيونيين وخططهم وهى تعجب من انصراف تلك الجوالى إلى العمل وتغلبها بالوسائط الحديثة على العقبات الطبيعية.
3 – تعتقد اللجنة أن الصهيونيين حصلوا علي تشجيع معلوم من الحلفاء في
(تابع) لجنة كنج – كراين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 259 – 262”
تصريح اللورد بلفور الذي كثر اقتباسه والاستشهاد به وتصديق ممثلي الحلفاء الآخرين عليه. إنما إذا عمل بهذا التصريح الذي يقضي بإنشاء “وطن قومي لليهود في فلسطين مع الفهم الصريح بأنه لا يجب أن يعمل شيء يمس بالحقوق المدنية والدينية التي للجماعات غير اليهودية في فلسطين”
إذا عمل بهذا النص لا يبقى شك في أنه يجب إدخال تعديل كبير على البرنامج الصهيوني.
إن إنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” لا يعني جعل فلسطين بلادا يهودية كما أنه لا يمكن إقامة حكومة يهودية بدون اهتضام الحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية في فلسطين والحقيقة التي وقفت اللجنة عليها في أحاديثها مع ممثلي اليهود هي أن الصهيونيين يتوقعون أن يجلوا السكان غير اليهود من فلسطين بشراء الأراضي منهم.
إن الرئيس ولسن في خطبته التي ألقاها في 4 يوليو سنة 1918 وضع المبدأ التالي كواحد من المقاصد الأربعة الكبرى التي يحارب الحلفاء من أجلها وهو:
“حل كل مسألة سواء كانت تتعلق بالأرض أو السيادة أو المسائل الاقتصادية والسياسية يجب أن يبنى على قبول الناس الذين يتعلق بهم قبولا حرا لا على المصالح المادية أو الفائدة لأي دولة أو أمة أخرى ترغب في حل آخر خدمة لنفوذها الخارجي أو لسيادتها” فإذا كان هذا المبدأ سيسود وإذا كانت رغائب السكان في فلسطين سيعمل بها فيما يتعلق بفلسطين فيجب الاعتراف بأن السكان غير اليهود في فلسطين، وهم تسعة أعشار السكان كلهم تقريبا يرفضون البرنامج الصهيونى رفضا باتا والجداول تثبت “ان سكان فلسطين لم يجمعوا على شىء مثل اجماعهم على هذا الرفض فتعريض شعب هذه حالته النفسية لمهاجرة يهودية لا حد لها ولضغط اقتصادى اجتماعى متواصل ليسلم بلاده – نقض شائن للمبدأ العادل الذى تقدم شرحه واعتداء على حقوق الشعب وان كان ضمن صور قانونية.
وقد اتضح أيضا أن الشعور العدائى ضد الصهيونية غير قاصر على فلسطين بل يشمل سكان سورية بوجه عام فان 72 في المائة من مجموع العرائض في سورية ضد الصهيونية في فلسطين وسورية بالغ أشده وليس من السهل الاستخفاف به فان جميع الموظفين الانكليز الذين حادثتهم اللجنة يعتقدون أن البرنامج الصهيوني لا يمكن تنفيذه الا بالقوة المسلحة ويجب أن لا تقل هذه القوة عن خمسين ألف جندى وهذا في نفسه برهان واضح على ما فى البرنامج الصهيونى من الاجحاف بحقوق غير اليهود. لابد من الجيوش لتنفيذ قرارات جائرة. هذا فضلا عن أن مطالب الصهيونيين الاساسية في حقهم على فلسطين مبنية على كونهم احتلوها منذ ألفى سنة وهذه دعوى لا تستوجب الاكتراث والاهتمام.
وهناك أمر لا يجوز اغفاله اذا كان العالم يريد أن تصير فلسطين مع الوقت بلادا يهودية وهو أن فلسطين هى الأرض المقدسة عند اليهود والمسيحيين والمسلمين على السواء يهم أمرها ملايين من المسيحيين والمسلمين في العالم ولا سيما ما يتعلق من تلك الأحوال بالعقائد الدينية والحقوق فمسألة فلسطين وما يتفرع منها مسألة دقيقة حرجة ومن المستحيل أن يرضى المسلمون والمسيحيون بوضع الأماكن المقدسة تحت
(تابع) لجنة كنج – كراين
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 259- 262”
رعاية اليهود مهما حسنت مقاصد هؤلاء والسبب في ذلك هو أن الأماكن الأكثر تقديسا عند المسيحيين هو ماله علاقة بالمسيح والاماكن التى يقدسها المسلمون غير مقدسة عند اليهود بل مكروهة ولا يستطيع المسيحيون والمسلمون في هذه الاحوال وضع تلك الاماكن تحت اشراف اليهود. ثم هناك أماكن أخرى لها في نفوس المسلمين مثل هذا الشعور ولما كانت هذه الأماكن كلها مقدسة ومحترمة من المسلمين كانت وصايتهم عليها فيما مضى أمرا طبيعيا فالذين يطلبون صيرورة فلسطين يهودية لم يحسبوا للنتائج حسابها ولا للشعور العدائى ضد الصهيونية في فلسطين وفي جميع أنحاء العالم التى تعتبر فلسطين أرضا مقدسة.
وبناء على ما تقدم تشعر اللجنة مع عطفها على مسألة اليهود أن الواجب يقضى عليها بأن تشير على المؤتمر بألا يؤيد غير برنامج صهيونى معتدل يجب العمل فيه بالتدريح وبعبارة أخرى يجب تحديد المهاجرة اليهودية إلى فلسطين والعدول بتاتا عن الخطة التى ترمى إلى جعل فلسطين حكومة يهودية.
ولا يوجد هناك سبب يمنع ضم فلسطين إلى سورية المتحدة فأقسام البلاد الأخرى ووضع الاماكن المقدسة تحت إدارة لجنة دولية دينية تكون كما هى الحال في الوقت الحاضر تحت اشراف الدولة الوصية وجمعية الأمم ويكون لليهود بالطبع عضو في هذه اللجنة.