بيان لمنظمة فلسطين العربية حول موقفها الرسمي من شعار “الدولة الديمقراطية”
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت مج 6، ص 210- 211”
بيان لمنظمة فلسطين العربية حول موقفها الرسمي من شعار
” الدولة الديمقراطية “.
( السياسة، الكويت، 5/4/1970 )
منذ نشأت قضية فلسطين، ومنذ بدأ تنفيذ المؤامرة ضد الأمة العربية على أرض فلسطين، متمثلا في وعد بلفور عام 1917 وفى صكوك الانتداب البريطاني بالعمل على إقامة (إسرائيل) وشعبنا يناضل ويقوم بالثورة تلو الثورة وبشتى أنواع النضال، ورغم ضراوة مقاومة شعبنا واتساع تضحياته، ورغم انفعال الأمة العربية بالقضية الفلسطينية أكثر من أية قضية أخرى، ورغم التغييرات التي أحدثتها القضية الفلسطينية في كل ساحة عربية، فان النضال الفلسطيني بقي يعاني النكسة تلو النكسة.
مع قيام المقاومة الفلسطينية من وسط هزيمة الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967، وبداية مرحله جديدة في النضال من أجل فلسطين، تنتاب صفوف الجماهير الفلسطينية وجماهير المقاومة شعارات كثيرة وتساؤلات حول هذه الشعارات، ويقوم حوار يتسع يوما بعد يوم حرصا على سلامة المقاومة وتصاعدها وحمايتها من الانحراف والتزوير والانتكاس. وتحاول القوى الاستعمارية والرجعية ان تربط هذه المقاومة بسياساتها بوسائل دعمها لها ومحاولة احتوائها لحرقها او ضربها في الوقت المناسب.
وشعورا منا لخطورة هذه المرحلة وأثرها على مستقبل القضية الفلسطينية، ومع تزايد وضوح تدخل الدول العربية في المقاومة ومحاولة إحكام ربط علاقات ومستقبل هذه المقاومة بسياساتها، ومع ازدياد نشاط القوى المعادية لاستثمار أوضاع نتائج الهزيمة، وتداخلات القوى المختلفة المتناقضة في المقاومة، واستغلالا لعدم وضوح رؤية أبعاد المعركة، وعدم تحديد بعض فصائل المقاومة لعلاقاتها مع القرى المعادية، وعدم إرساء علاقاتها مع قواعدها وجماهيرها على أسس فكرية وأهداف ومسالك نضالية واضحة تأخذ بعين الاعتبار جميع مجالات القضية وأبعادها.
ازاء كل ذلك لا بد من ابداء وجهة نظر في أخطر الشعارات المرفوعة بين حركات المقاومة الا وهو شعار الدولة الديمقراطية. قبل نكسة 1948 كانت هناك بين بعض المشاريع المقترحة إقامة دولة فلسطينية مشتركة بين العرب واليهود، أو إقامة دولتين يهودية وعربية يقوم بينهما تعاون أو اتحاد فدرالي. ولقد نادت بذلك قوى يمينية ويسارية ماركسية أيضا. ثم جاءت نكسة 1948، ومضى العدو المثلث يمحو وجود شعب فلسطين – شعب القضية – واظهار القضية كقضية لاجئين واسكانهم، ولكن شعبنا رفض كل هذه المحاولات وعيا منه للسياسة الاستعمارية الرجعية الصهيونية بسحب اعتراف الفسلطينيين والعرب بوجود إسرائيل على الأرض العربية ثم التمكين لهذا الوجود وتوسيعه خطوة خطوة.
ومن مواقع الانفصال والانتكاسات الوحدوية بعد عام 1961 نشط التحالف المثلث في محاولة جديدة للتصفية محاولا هذه المرة من جديد أن يبعث الكيان الفلسطيني معزولا عن حركة الثورة العربية وعن الأمة العربية ليساوم – إسرائيل – تحت سياسة ” خذ وطالب ” البورقيبية: كما عبر عنها حين ذاك بورقيبة بتصريحاته أثناء زيارته للبلاد العربية بعد مؤتمر القمة العربي الأول. وكان قد سبقه في ذلك كل من الهيئة العربية العليا وعبد الكريم قاسم. ولقد حاول الاستعمار والصهيونية بين عامي 1948 – 1961 ان يمحوا الكيان الفلسطيني ليتفاهم هو مع العرب، وعندما أحس بفشل هذه السياسة رسم مخططه على التفاهم مع الكيان الفلسطيني نفسه وذلك يقتضي إقامة كيان فلسطيني إقليمي معزول عن حركة الثورة العربية ويكون للرجعية تحريكه ضمن مخططات العدو المثلث.
ثم جاءت هزيمة حزيران (يونيو) 1967، وحاول العدو ايجاد الكيان الفسلطيني على الأراضي المحتلة كيانا يحترم الوجود الإسرائيلي ويتعايش معه كمحاولة العميل الجعبري وزمرته المعروفة، وقاوم شعبنا من جديد هذه المحاولة وأحبطها في مهدها.
وعادت الدوائر المعادية تثير هذا الموضوع على أساس ان تجربة العشرين سنة الماضية أثبتت انه ما لم تحل ” مشكلة الفلسطينيين” فستظل القضية غير قابلة للتصفية، وستظل مثيرة للقلاقل وعدم الاستقرار في المنطقة.
وجاءت مرة أخرى شعارات الدولة الفلسطينية العلمانية الديمقراطية، وأحيانا الاتحادية دون تحديدها لهويتها وكيفية نشأتها وتعايشها مستقبلا ضمن الدولة العربية الواحدة، ودون إعطائها حتى صفة الدولة العربية.
في التصدي لقضايا تاريخية حاسمة لا بد من العناية بالشعارات الأساسية، ولا بد من وضع خطة للشعارات التكتيكية لا تتجاوزه حتى لا تضيع الأحداث الأساسية، وحتى لا تستغل هذه الشعارات التكتيكية من القوى المعادية وتعمل على توظيفها لمصلحة أهدافها وجعلها استراتيجية.
<1>
بيان لمنظمة فلسطين العربية حول موقفها الرسمي من شعار “الدولة الديمقراطية”
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت مج 6، ص 210- 211”
وشعار الدولة الفلسطينية لا يمكن الا ان يكون شعارا أساسيا، لأنه يتناول هدف الثورة الأساسي والهدف النضالي للحركات التي ترفعه، ومن الوقت الذي رفع فيه هذا الشعار حتى الآن، وبالتركيز عليه، بدأ يتحول النقاش والحوار من هدف التحرير إلى هدف اقامة الدولة الفلسطينية.
فكيف نقبل أو نبرر شعارا تكتيكيا لا يذكر عروبة فلسطين ولا يذكر صفة مستقبلها العربي ولا حتى هويتها الاجتماعية، في حين ان من الاهداف الاساسية للتحرير اعادة فلسطين عربية حرة. فهل نرفع بذلك شعارين متناقضين احدهما “دولة فلسطينية” ديمقراطية أو اتحادية واحدهما عاشت فلسطين حرة عربية؟ وما تعريف ومعنى عربية في هذا الشعار الأخير اذا نزعنا صفة العروبة عن الدولة المنشودة؟
وكيف تميز جماهيرنا هذا الهدف – هدف اقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية – عن هدف بورقيبة باقامة الكيان الفلسطيني الذي لا علاقة له بالواقع العربي الا علاقة الجوار من دعم ومساندة؟
ان أي شعار أساسي يربك الاهداف، ويربك مسيرة النضال، ويخلق مجالا واسعا لتفسيرات متناقضة، يصبح شعارا خطيرا على حساب وحدة النضال نحو الاهداف العامة. ان هذا الشعار – شعار الدولة – بدأ يعطي تفسيرات مصدرها وسببها راجع لدعم الدول العربية المشبوهة لهذا الشعار، حتى جاء تصريح شارل الحلو مؤخرا داعيا فيه إلى اقامة دولة فلسطينية شبيهة بدولة لبنان العنصرية، وتبعه في ذلك جناح الشباب في حزب الاحرار البريطاني حين تبنى فكرة الدولة الديمقراطية.
كما ان تفسيرات هذا الشعار لدى الرأي العام الدولي ليست ايجابية في جميع جوانبها، فبدأ يفسر النضال الفلسطيني وكأنه صراع بين عناصر مختلفة أو طوائف مختلفة على أرض فلسطين، وذلك التفسير يطمس حقيقة مطامح وأهداف الوجود الاسرائيلي الاستعماري على أرض فلسطين. وبدأت القوى المعادية تلعب دورا في اضفاء رائحة التسوية والاقليمية على هذا الشعار حتى انها بدأت تتحدث عن دستور الدولة المقترحة وشكل وزارتها وعلاقتها مع الضفة الشرقية للاردن وحدودها وكيفية اخراج هذه الدولة كأمر واقع وثبوت مرحلي وطني.
من هنا فاننا نقول – للذين يرفعون هذا الشعار تكتيكيا – انه شعار خاطئ وخطير مسيء إلى الاهداف العامة للنضال الفلسطيني، وان هذا الشعار يمكن استغلاله لخدمة خلق كيان فلسطيني كأحد الكيانات العربية المجزأة الموجودة، وليس كيانا طليعيا للتحرير يشكل جزءا من الثورة العربية الشاملة.
لا بد ان يسبق هذا الشعار والشعارات الاساسية تعريف واضح لا لبس فيه لتصور المعركة والتحرير وبتحديد دور الكيان الفلسطيني المقاتل – وليس الكيان الدولة – في المعركة العربية من أجل التحرير والوحدة، فيجب أن يسبق شعار الدولة – ان جاز – شعار التحرير.
ان الاستعمار والصهيونية يتحملون المسؤولية الاولى في مصير من جلبوهم من كل أقطار الدنيا تحت دعاوى مضللة ليحاربوا الأمة العربية ويعرقلوا مسيرتها نحو الحرية والاشتراكية والوحدة، وهؤلاء مسؤولون عن طرد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه، وتشريده بعيدا عن وطنه، ولا يتحمل شعب فلسطين مسؤولية نتائج دفاعه عن أرضه واسترداده لها لانه هو نفسه سيدفع في سبيل ذلك مزيدا من الدماء والدموع والتشريد. لماذا نتراجع – تكتيكيا – عن عروبة فلسطين وعن هدف التحرير كشعار لهدفين أساسيين؟ ولسنا مسؤولين عن هذه المعركة التي فرضها الاستعمار والصهيونية علينا، وعانينا وعانى الشعب العربي وسنعاني منها الكثير. لماذا نرفع شعارا يصور الصراع كأنه صراع بين طوائف مسلمين ومسيحيين ويهود؟ أي فائدة اعلامية من هذا الشعار؟ وكذلك فان علينا أن نكون حذرين من التورط في شعارات خاطئة تشوه تاريخ نضالنا وحقيقة قضيتنا فتنطلي علينا الدعايات الماكرة التي يروجها العدو عن الشعب العربي بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، اذ انهم يضعون العرب في دعاياتهم بأنهم شعوب متوحشة متخلفة قبلية متعصبة دينيا وهذا – برأيهم – سبب نشأة القضية الفلسطينية ووجود اسرائيل.
فحين نتحدث عن الدولة الديمقراطية لتعايش عنصرى أو ديني نقر بالاستنتاج ما يروجه العدو عن حقيقة الصراع في المنطقة بأنه صراع بين شعوب تعيش على أرض واحدة مختلفة القوميات أو مختلفة المذاهب ويفصل بينهما حاجز حضاري، ويفترض هذا الاقتراح – لاقامة الدولة – اننا ارتقينا أو في سبيلنا للارتقاء انسانيا وحضاريا وذلك بدء يمكننا من التعايش مع الاجناس أو الاديان الاخرى في دولة واحدة.
ان أي حل للقضية، سواء بدولة فلسطينية ديمقراطية علمانية أو اتحادية أو كيان فلسطيني، بمعزل عن تحديد طبيعة هوية الدولة، بمعزل عن ارتباطه بالنضال القومي لحركة الثورة العربية والمستقبل العربي، انما هو جزء من سياسة أقلمة القضية وعزلها عن حركة الثورة العربية، ستظل جماهيرنا ترفضه.
<2>