بيان مجلس قيادة الثورة العراقية حول موقف الحكومة العراقية من حوادث الأردن
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970 مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 851- 853 “
بيان مجلس قيادة الثورة العراقية حول موقف الحكومة
العراقية وحزب البعث العربي الاشتراكي من حوادث
الأردن.
بغداد ، 26 / 9 / 1970 |
| ( الثورة ، بغداد ، 28 / 9 / 1970 ) |
يا جماهير الأمة العربية،
يا جماهير شعبنا في العراق،
تواجه الأمة العربية في هذه الأيام مؤامرة من أخطر المؤامرات التي تتكاتف لتنفيذها الامبريالية العالمية، وفي مقدمتها الامبريالية الأميركية والصهيونية وقوى الرجعية العربية وعلى رأسها السلطة الرجعية الفاشية في الأردن، والأوساط العربية المتخاذلة اللاهثة وراء الحلول الاستسلامية التصفوية بزعامة سلطات القاهرة.
وإن الأهداف الأساسية لهذه المؤامرة هي تصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاغتصاب الصهيوني إلى الأبد، والإجهاز على القوى الثورية الحقيقية في الوطن العربي، وفتح أوسع الأبواب أمام عودة النفوذ الامبريالي المتقهقر، والسيطرة الرجعية المهزومة.
وإذا كان لا بد من تحديد بداية للمشروع الفعلي بتنفيذ هذه المؤامرة فإن جماهير الأمة العربية وكل القوى الثورية في الوطن العربي لا تشك في أنها اليوم الذي أعلنت فيه سلطات القاهرة وعمان قبولها لمشروع روجرز الاستسلامي التصفوي.
ولقد كان واضحا منذ البداية أن هذا المشروع المشبوه لا يمكن أن يطبق بالصورة التي تريدها له الامبريالية والصهيونية، تلك الصورة التي قبلت بها الرجعية العربية وسلطات القاهرة إلا بعد تحقيق هدفين أساسيين أولهما تصفية المقاومة الفلسطينية تصفية نهائية وعند فشل مثل هذه المحاولة العمل على تفكيك وحدة المقاومة وزرع الحيرة والبلبلة في صفوفها مع إدراك ما بين الأسلوبين من ترابط، وعند ذلك لا تكون المقاومة قوة حاسمة في مواجهة المشاريع التصفوية فتضطر إلى الركوع أو المساومة.
وثانيهما- تشويه مواقف الحلفاء الحقيقيين الثابتين للمقاومة وفي الطليعة منهم حزب البعث العربي الاشتراكي وسلطته الثورية في القطر العراقي وعزل المقاومة عن هؤلاء الحلفاء منعا لقيام جبهة الصمود والرفض العربية التي دعا إليها وشدد على ضرورتها حزب البعث العربي الاشتراكي. وعندما تنعزل المقاومة عن حلفائها لا تصبح تصفيتها أو تفتيتها أمرا سهلا فحسب وإنما يمكن في تقدير المخططين أيضا ضرب كل القوى الثورية الرافضة وإخلاء الساحة للعملاء والرجعيين والمتواطئين والانهزاميين.
وعندما صمدت المقاومة أمام محاولات البلبلة والتفكيك التي استهدفتها بعد إعلان القبول بمشروع روجرز، وبعد أن فشلت خطة تصفيتها بالتقسيط وهي الخطة التي مارستها الرجعية العربية وفي مقدمتها الرجعية الأردنية وقتا طويلا في الماضي. عندما فشلت تلك المحاولات والخطط ولمست الأوساط المتآمرة أن المقاومة تتجه بسرعة نحو الاتحاد ونحو ترصين جبهة الرفض والصمود قررت كل القوى الضالعة في الحلول الاستسلامية أن تشن على حركة المقاومة معركة تصفية سريعة وحاسمة. وقبل أن تقدم الرجعية الأردنية على هذه الخطوة كانت الأجهزة الامبريالية وأجهزة إعلام سلطات القاهرة وكل الأجهزة المشبوهة في المنطقة قد وفرت غطاء إعلاميا واسع النطاق من التبريرات لما ستقدم عليه السلطة الأردنية.
وبعد هذا وبشكل مسرحي كشرت السلطة الأردنية الرجعية عن أنيابها السوداء مرة واحدة فتشكلت الحكومة الفاشية في 16 أيلول ( سبتمبر ) التي بدأت فورا حرب إبادة شرسة وواسعة النطاق ضد الفدائيين والقوى الوطنية وجماهير الشعب في الأردن.
ولما كانت الامبريالية والأوساط الضالعة في المخططات المشبوهة تشك في قدرة النظام الأردني العميل على تحقيق التصفية النهائية للعمل الفدائي وتخشى من عواقب الفشل، بدأت الاستعدادات العسكرية للتدخل في الساعة المناسبة وبحجة إنقاذ الرعايا الأجانب تارة، ونجدة النظام الحليف تارة أخرى، مع غطاء إعلامي واسع النطاق يستهدف إرهاب المقاومة وحلفائها وفرته أجهزة إعلام القاهرة وكل الأجهزة المشبوهة في المنطقة والعالم.
ومع بدء المذبحة التي دبرتها السلطة الفاشية في الأردن، وعند استكمال استعدادات الامبريالية انفتحت ومن جميع الجهات كل أبواق الامبريالية الاميركية والبريطانية وأبواق إيران العميلة في تناسق تام مع أبواق سلطات القاهرة ومن لف لفها من الراكضين وراء
<1>
بيان مجلس قيادة الثورة العراقي حول موقف الحكومة العراقية من حوادث الأردن
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 851- 853 “
الحلول الاستسلامية، لتشن حملة لا مثيل لها من الدس والتضليل والتوريط ضد حزب البعث العربي الاشتراكي وسلطته الثورية في القطر العراقي وضد قواته المسلحة الباسلة الرابضة في الساحة الأردنية.
وعلى الرغم من كثافة الدخان والغبار الذي أثارته الحملة فإنها كانت تتحدد في اتجاهين الأول هو عزل المقاومة عن حلفائها في الساعة التي هي أحوج ما تكون فيه إلى هؤلاء الحلفاء، والثاني هو دفع العراق بشتى الوسائل إلى تصرف يعطي للامبرياليين الأميركان والانكليز حجة يبررها القانون الدولي والمجتمع الدولي والهيئات الدولية للتدخل العسكري لإنقاذ السلطة الفاشية، وتصفية المقاومة، وإحكام طوق المؤامرة ضد القطر العراقي المناضل.
يا أبناء شعبنا العظيم
إن نظرة حزب البعث العربي الاشتراكي إلى العمل الفدائي تنطلق من مبادئه القومية الثورية الاشتراكية. وهو لا يساند المقاومة المسلحة ويقف إلى جانبها من مواقع المتفرجين من خارج الساحة. وإنما يتعامل معها باعتبارها فصيلة أساسية من فصائل الثورة العربية التي يشكل الحزب طليعة صدامية لها والتي حمل لواءها طيلة ثلاثين عاما. لذلك فإن الحزب وسلطته الثورية في القطر العراقي قدما للعمل الفدائي كل ما في اليد من عون مادي ومعنوي وعسكري. كما ضاعفت الثورة القطعات العسكرية العراقية في الجبهة مرات عديدة حتى زاد عدد القوات العراقية عن ستين ألف جندي.
وكان وجود القوات العراقية في الجبهة في حد ذاته يكلف الخزينة نفقات إضافية طائلة، الأمر الذي اضطر الثورة إلى إيقاف العديد من مشاريع التنمية.
وعندما بدأت خيوط المؤامرة تتكشف وبخاصة بعد إعلان القاهرة وعمان قبولهما بمشروع روجرز الامبريالي، وبدا أن في الأفق مجابهة لا مفر منها بين المقاومة والسلطة الأردنية الرجعية، دعا حزب البعث العربي الاشتراكي إلى ضرورة التنسيق السريع والشامل مع المقاومة لمواجهة متطلبات الموقف. وقد جرت اتصالات مباشرة وعديدة كان منها اتصالات جرت في بغداد بين ممثلين عن الحزب وممثلين عن المقاومة برئاسة السيد ياسر عرفات.
وقد تم في هذه الاتصالات الاتفاق على تحليل الموقف كما تم فيها تحديد احتياجات المقاومة وأسلوب دعمها من جانبنا في كل مرحلة من مراحل المواجهة المنتظرة ووفقا لتحور قيادة المقاومة نفسها للظروف وللإمكانيات. وقد اتقق في تلك الاتصالات وبوضوح تام على أن المقاومة ترى أن دور العراق كحكومة وجيش في أية مواجهة بين المقاومة والسلطة الأردنية إنما يتحدد بتقديم المساعدة بالسلاح والعتاد والمال إلى جانب التنسيق السياسي والإعلامي.
وقد نفذت السلطة الثورية في العراق كامل التزاماتها قبل المجابهة وأثناء المجزرة التي دبرتها السلطة الأردنية الفاشية بل تجاوزت تلك الالتزامات. وإننا إذ نورد هذه الحقائق، نذكر بأن العراق لا يمن على إخوانه في المقاومة، لأنه عندما يقدم لها العون الذي تحتاج لا يقوم بغير واجبه القومي. ولكننا مجبرون على ذلك لكي نفوت الفرصة على أبواق الدس والكذب والتضليل.
وقد لمست جماهير الأمة العربية طيلة الأيام العشرة الماضية بأن الأوساط الامبريالية الأميركية والبريطانية، وكل الأوساط المرتبطة بهما، وأجهزة الإعلام سيئة الصيت في القاهرة ومن لف لفها، كانت تلح وتحرض وتختلق الأخبار والتعليقات بحماسة لا نظير لها وبكثافة ندر مثلها، من أجل دفع القوات المسلحة العراقية الموجودة في الأردن إلى مواجهة مباشرة مع الجيش الأردني.
وفي هذا الشأن نعلن للأمة العربية جمعاء أن الالتزام الثوري بمساندة العمل الفدائي لا يعني بالضرورة الدخول في معركة عسكرية مباشرة مع القوات الأردنية المسلحة. والمساندة بمعناها القومي والثوري الحقيقي لا تعني زج الدولة العراقية في حرب مع الدولة الأردنية إلى جانب المقاومة. فالمقاومة لم تكن تخوض حربا ضد الدولة الأردنية كما صور الامبرياليون والصهاينة والرجعية الأردنية، وإنما كانت تخوض معركة ضد السلطة الأردنية الفاشية التي تحاول تصفية العمل الفدائي وكانت المقاومة تقاتل ومعها القوى الوطنية وجماهيرالشعب في الأردن.
وإن دور العراق كدولة وجيش في مساندة العمل الفدائي يتحدد من خلال التصور المشترك الذي تم التوصل إليه بين المسؤولين في الحزب والدولة وبين قيادة المقاومة. وإن الذين تاجروا في الأيام العشرة الماضية تجارة رخيصة ومشبوهة الغايات والمقاصد بمسألة اشتراك القوات العراقية في المعارك بالسلاح والعتاد وغير ذلك من متطلبات القتال أكثر نفعا في المعركة، بالأساليب التي تتبعها المقاومة الفلسطينية، من بضع دبابات أو طائرات قد تعطي كل المبررات المطلوبة للجلادين وتبرر الإنزال الأجنبي ونحر المقاومة.
إن جبهة التحرير في فيتنام، وإن المقاتلين من أجل الحرية في لاوس وكمبوديا لا يقاتلون بالاعتماد على الدعم المباشرمن جانب الجيش السوفييتي أو الصيني وإنما هم يقاتلون اعتمادا على إمكانياتهم ومبادراتهم الذاتية واعتمادا على المساندة غير المحدودة وغير المباشرة التي يقدمها لهم حلفاؤهم.
<2>
بيان مجلس قيادة الثورة العراقي حول موقف الحكومة العراقية من حوادث الأردن
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 851- 853 “
والجيش العراقي لا يجوز له أن يخوض معركة الفدائيين بديلا عنهم فعند ذاك لا يعود الفدائيون فدائيين. وتنقلب الصورة، وتتشوه القضية الجوهرية. وقضية حق شعب فلسطين العربي في الكفاح لتحرير أرضه واسترداد حقوقه. وإن القوات العراقية التي فرض عليها قبول الأردن بمشروع روجرز ووقف إطلاق النار إيقاف مجابهاتها اليومية مع العدو الصهيوني لم تكن تؤدي غير واجب حماية العمل الفدائي قبل المؤامرة وأثناءها من مواقع متقدمة وفعالة.
وإذا كانت الحقائق السابق ذكرها عن طبيعة المعركة والظروف الخاصة والدولية المحيطة بها تشترط هذا الأسلوب من المساندة من خلال الإطارات الرسمية، فإن ذلك لا يعني إطلاقا أن العراق شعبا وحزبا ومقاتلين، ومن خلال كل الإمكانات، لم يقاتل بصورة مباشرة إلى جانب الفصائل الفدائية. إذ هذا هو ما حدث.
إن الثورة في هذا القطر في الوقت الذي كانت تؤدي فيه الواجب القومي بكل أمانة وشجاعة كانت أيضا مفتحة العيون أمام المخططات المشبوهة التي أعدتها بخبث ورياء الأوساط الامبريالية والرجعية والأوساط الضالعة في مشروع روجرز لدفع العراق تحت ضغط التضليل والتشهير إلى إعطاء مبرر مادي للامبريالية لكي تنفذ مشاريعها اللئيمة. ليس خوفا من هجمة الامبريالية، لأن الثورة منذ أن قامت بحسم وشجاعة على كل صعيد، ولكن تقديرا من الثورة بأن الثوري المسؤول هو الذي يحدد طبيعة المجابهة ولا يكون ذلك بتقديم المبرر للامبريالية لكي تضرب بالصيغة التي تحددها هي من حيث الزمان والمكان.
إن الشعب والحزب والسلطة والقوات المسلحة في هذا القطر كانوا جميعا يتصرفون تصرف الثوري الواثق بنفسه وبماضيه وبثقة الجماهير به وليس تصرف الذين يحاولون غسل عار قديم يمتد إلى ما قبل ثلاث سنوات وآخر جديد هو عار الركوع أمام الحلول التصفوية والاستسلامية.
وعلى الصعيد السياسي والإعلامي حرصت الثورة في هذا القطر حرصا شديدا، قبل المعارك وأثناءها، على التنسيق الكامل مع المقاومة.
وعندما قامت الدعوة إلى مؤتمر القمة تم الاتفاق وضمن صيغة التنسيق مع قيادة المقاومة، على أن يقاطع العراق هذا المؤتمر دعما لشعار المقاومة في الاستمرار في القتال إلى حين إسقاط السلطة العسكرية الفاشية وإقامة سلطة وطنية في الأردن. وكي نفوت الفرصة على قرارات قد يصدرها مؤتمر القاهرة تقضي بوقف إطلاق النار فترفضها المقاومة، الأمر الذي قد تتخذه السلطة الفاشية في الأردن غطاء جديدا لنحر المقاومة.
يا جماهير الأمة العربية،
هذه هي بعض الحقائق التي يجد مجلس قيادة الثورة نفسه مضطرا إلى الكشف عنها في هذه الظروف الدقيقة لكي يعرف كل مناضل ثوري في الوطن العربي موقعه الحقيقي وواجبه الحقيقي. ولكي يعرف كيف يواجه. آلة التضليل والدس والتوريط التي تديرها الامبريالية والرجعية وعناصر الهزيمة.
إن مجلس قيادة الثورة ينبه جماهير الأمة العربية وفصائل المقاومة الباسلة إلى أن المؤامرة التي حيكت لتصفية العمل الفدائي وتصفية القوى الثورية الرافضة للمشاريع الاستسلامية لم تتوقف عند التراجعات الجزئية والمناورات التي تمت في الأيام الأخيرة وبخاصة في اجتماعات القمة التي دعا إليها بورقيبة وتحمس لها عبد الناصر زعيم فريق الانهزاميين في الوطن العربي.
فبعد أن فشلت خطة التصفية العسكرية السريعة للعمل الفدائي بصمود المقاتلين وبسالتهم طيلة عشرة أيام وبعد أن انهارت المحاولات المشبوهة لإعطاء التبرير للامبرياليين بالتدخل لمصالح الحكومة الأردنية بسبب الموقف الصلب والشجاع والبعيد النظر الذي وقفته الثورة في هذا القطر، بعد هذا عادت المؤامرة تتجه إلى التركيز على عزل المقاومة عن حلفائها الثوريين أولا وعلى تفتيت المقاومة نفسها وزرع البلبلة والميوعة في صفوفها ثانيا.
إن المقاومة التي صمدت ببسالة نادرة طيلة عشرة أيام سيخلدها التاريخ أصبحت اليوم أكثر خطورة على أنظمة الهزيمة والاستسلام مما كانت عليه قبل 16 أيلول ( سبتمبر ) . فلقد أعطت تجربة الأيام العشرة المجيدة دليلا ساطعا على قدرة القوى الثورية، إذا ما هي اتحدت وتخلت عن المواقف الوسطية والمترددة، على مجابهة أعتى المؤامرات وأكثرها شراسة.
وإن القوى العربية الراكعة والمتخاذلة ترى في هذه الظاهرة خطرا كبيرا عليها يفضح حقيقتها أمام الجماهير ويقرب من نهايتها. لذلك فإنها ستعمل بكل الأساليب على إفراغ ملحمة الأيام العشرة من محتواها الثوري لتبرئة ذمتها من جريمة ما حصل في هذه الأيام كنتيجة حتمية وطبيعية لمشروع روجرز وعلى إعادة المقاومة إلى دوامة المناورات والحلول الوسطية وما يعنيه ذلك من تآمر على وحدتها لأن مثل هذا الوضع لابد وأن يخلق الفرقة والبلبلة في صفوفها. وهكذا تحقق أنظمة الاستسلام ما عجزت عن تحقيقه السلطة الفاشية.
إن قوى الثورة العربية كلها ومنها قوى المقاومة الباسلة يجب أن تدرك هذه الحقائق. والنصر لشعبنا في نضاله البطولي من أجل استرداد أرضنا السليبة في فلسطين.
<3>