وثائق الحرب البريطانية لعام 1917 والتى كشف النقاب عنها عام 1967
مجلس الوزراء – معاداة الحكومة الحاضرة للسامية
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الارشاد القومي، ج 2، ص 1644 – 1647”
مجلس الوزراء 24/24
موزعة وزير الدولة للهند
سرى
معاداة الحكومة الحاضرة للسامية
ان اختيارى لعنوان هذه المذكرة المذكورة اعلاه لا يحمل معنى العداء وليس شجارا مع أية وجهة نظر معادية للسامية قد يحملها بعض الزملاء بأى حال من الأحوال ولا رغبة منى فى انكار أن عقلاء الناس قد يؤمنون بالعداء للسامية بل اننى لا أقصد حتى الايحاء بأن الحكومة معادية للسامية عن عمد انما اود أن اسجل رأيى وهو أن سياسة حكومة صاحب الجلالة معادية للسامية من حيث النتيجة وانها سوف تصبح صعيدا لتجمع المعادين للسامية فى كل بلد من بلدان العالم.
والدافع الذى حفزنى الى هذا الرأى هو المراسلات المتبادلة بين لورد روتشلد ومستر بلفور التى تسلمتها بالأمس.
ان خطاب لورد روتشلد مؤرخ فى 18 يوليو. ورد مستر بلفور سيؤرخ فى أغسطس عام 1917 وأخشى أن يكون احتجاجى قد جاء متأخرا، وثمة احتمال كبير بأن الحكومة كانت ملتزمة عمليا حين كتب لورد روتشلد خطابه وقبل أن أصبح عضوا فى الحكومة ذلك أنه من الواضح أنه كانت هناك بعض المراسلات أو المحادثات قبل ذلك الخطاب. الا أننى باعتبارى الوزير اليهودى الوحيد فى الحكومة أشعر بأنه يجدر بزملائى أن يمنحونى فرصة للتعبير عن وجهات نظر قد انفرد بها وحدى ولكننى أتمسك بها تمسكا شديدا ولابد لى أن أطلب السماح لى بالاعراب عنها حينما تسنح الفرصة.
أننى اؤمن ايمانا راسخا أن هذه الحرب كانت ضربة قاتلة “للدولية” وانها قد اتاحت الفرصة لتجدد الشعور بالقومية الذى كان قد بدا يفتر، ذلك انه لم يصبح فقط من المتفق عليه ضمنا بين الساسة فى معظم الدول ان اعادة التوزيع الاقليمى نتيجة للحرب يجب ان يتم على أسس قومية بل اصبحنا ندرك بالتجربة ان بلدنا يناصر مبادئ واهداف وحضارة لا تناصرها بنفس الدرجة أية دولة أخرى وانه مهما كان عليه الحال فى الماضى أصبح لزاما علينا أن نعيش ونناضل مستقبلا فى السلم والحرب من أجل هذه الأهداف والآمال، ومن ثم فعلينا أن نعد وننظم حياتنا وصناعاتنا بحيث نكون متأهبين للتحدى فى أى وقت. وثمة حالة نسوقها على سبيل المثال وهى أن علم الاقتصاد السياسى الذى لا يعرف فى نقائه أية قومية من القوميات سوف يصبغ وينظر اليه من الآن فصاعدا فى ضوء هذه الحاجة القومية للدفاع والأمن.
ان الحرب قد بررت الوطنية بالفعل بمثابة الدافع الرئيسى للتفكير السياسى.
وثائق الحرب البريطانية لعام 1917 والتى كشف النقاب عنها عام 1967
مجلس الوزراء – معاداة الحكومة الحاضرة للسامية
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الارشاد القومي، ج 2، ص 1644 – 1647”
تلك هى الظروف التى تعتزم الحكومة فيها الموافقة على تكوين أمة جديدة لها وطن جديد فى فلسطين. والمفروض أن هذه الأمة ستتكون من اليهود الروس والانجليز والرومانيين والبلغاريين والمواطنين اليهود من كافة الأمم الباقين من بين أقاربهم الذين حاربوا أو ضحوا بحياتهم من اجل الدول المختلفة التى ذكرتها وذلك فى وقت توحد فيه موقفهم وتفكيرهم مع البلاد التى يعيشون فيها كمواطنين بصورة أوثق من أى وقت مضى بفعل السنوات الثلاث التى مروا بها.
ان الصهيونية ما فتئت تبدو لى دائما مذهبا سياسيا خبيثا لا يمكن أن يعتنقه أى مواطن مخلص للمملكة المتحدة فاذا تطلع يهودى انجليزى الى جبل الزيتون وأضحى بتحرق شوقا الى اليوم الذى يستطيع فيه أن ينفض فيه تراب بريطانيا عن حذائه ويعود الى احتراف الزراعة فى فلسطين يكون – كما تراءى لى دائما- قد اعترف بأهداف لا تتفق مع هويته البريطانية واعترف بأنه لم يعد صالحا للمشاركة فى الحياة العامة فى بريطانيا العظمى أو لأن يعامل كمواطن انجليزى. لقد كنت أفهم دائما أن الذين يمارسون هذا المذهب انما كانوا مدفوعين الى ذلك الى حد كبير بسبب القيود المفروضة على اليهود ورفض منحهم الحرية فى روسيا. ولكن فى الوقت الذى تم فيه الاعتراف بهؤلاء اليهود باعتبارهم يهودا روسيين ومنحوا كافة حرياتهم يبدو أنه من غير المعقول أن تعترف الحكومة البريطانية رسميا بالصهيونية وأن يخول مستر بلفور سلطة القول بأنه سوف يعاد تأسيس فلسطين لتكون “الوطن القومى للشعب اليهودى”. وأنا لا أعلم ما ينطوى عليه ذلك وان كنت أستنتج أنه يعنى ان على المسلمين والمسيحيين أن يخلوا السبيل لليهود وانه يجب أن يتبوأ اليهود مراكز الأفضلية ويصبحون مرتبطين ارتباطا خاصا بفلسطين كارتباط الانجليز بانجلترا أو الفرنسيين بفرنسا كما يعني أن الأتراك وغيرهم من المسلمين فى فلسطين سوف يعتبرون أجانب تماما مثلما سيعامل اليهود من الآن فصاعدا كأجانب فى كل بلد آخر غير فلسطين. بل لعل الجنسية أيضا لن تمنح الا بعد اختبار دينى.
وثمة مبادئ أربعة أعرضها مع التأكيد:
1 – | أؤكد انه لا توجد أمة يهودية. ان أفراد أسرتى مثلا الذين عاشوا فى هذا البلد عدة أجيال لا يشتركون بأية صورة أو بأى شكل مع اية أسرة يهودية فى أى بلد آخر فى رأى أو رغبة ولا يجمع بينهم أى شيء أكثر من الحقيقة الماثلة فى أنهم يعتنقون نفس الديانة بدرجات متفاوتة وأن القول بأن اليهودى الانجليزى واليهودى المغربى ينتميان لأمة واحدة لا تقل مجافاة للحقيقة عن القول بأن المسيحى الانجليزى والمسيحى الفرنسى ينتميان لأمة واحدة ولعلهما ينتميان لجنس واحد. نعم. اذا نحن تتبعنا جذورهم عبر القرون الطويلة من تاريخ جنس يتميز بصفة خاصة بقابليته للتكيف. ان رئيس الوزراء والمستر برياند ربما تكون بينهما وشائج قربى عبر القرون احدهما كمواطن من ويلز والآخر كبريطانى ولكنهما لا ينتميان لنفس الأمة بكل تأكيد. |
2 – | حين يقال لليهود أن فلسطين هى وطنهم القومى فسوف ترغب كل دولة فورا فى التخلص من مواطنيها اليهود وسوف تجدون فى فلسطين سكانا يطردون اهاليها الحاليين ويأخذون احسن ما فى البلد. يفدون اليها من كافة أركان الارض ويتحدثون بكل لغة من اللغات على وجه الأرض ولا يستطيعون التفاهم مع بعضهم بعضا الا عن طريق المترجم. ولقد كنت افهم دائما أن ذلك هو ما حدث |
وثائق الحرب البريطانية لعام 1917 والتى كشف النقاب عنها عام 1967
(تابع) مجلس الوزراء – معاداة الحكومة الحاضرة للسامية
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الارشاد القومي، ج 2، ص 1644 – 1647”
| عند بناء برج بابل- اذا صح أنه بنى على الأخلاق كما واننى لا أختلف بالتأكيد مع الرأى الذى كنت أعتقد دائما انه الرأى السائد بين اليهود قبل ظهور الصهيونية وهو ان عودة اليهود اليها ليكونوا أمة فى البلد الذى تفرقوا منه يحتاج الى قيادة من السماء. واننى لم أسمع أبدا أن بلفور أو لورد روتشلد سوف يثبت أنه “المسيح” حتى من أشد معجبيها تحمسا. اننى أقيم الدعوى على أن الحياة التى عاشها اليهود البريطانيون والأهداف التى وضعوها نصب أعينهم والدور الذى لعبوه فى حياتنا العامة ومؤسساتنا قد أكسبتهم الحق فى أن يعتبروا بريطانيين يهودا وليس يهودا بريطانيين. اننى على أتم استعداد لحرمان كل صهيونى من الحقوق المدنية. بل لعلنى اجد دافعا قويا لتحريم المنظمة الصهيونية باعتبارها غير قانونية ومنافية للمصالح القومية ولكنى لا أجد مناصا من ان اطالب الحكومة البريطانية أن تكون على قدر كاف من التسامح بحيث ترفض الموافقة على نتيجة من شأنها أن تجعل من مواطنيها اليهود، ضمنا أن لم يكن بنص القانون، أغرابا وأجانبا. |
3 – | اننى أنكر أن لليهود اليوم علاقة بفلسطين أو انها مكان صالح لهم كي يعيشوا فيه. ان الوصايا العشر قد أعطيت لليهود على أرض سيناء. وصحيح أن فلسطين تلعب دورا كبيرا فى التاريخ اليهودى ولكن الأمر كذلك أيضا بالنسبة للتاريخ الاسلامى الحديث كما انها أصبحت بعد عهد اليهود تلعب دورا أكبر من أى بلد آخر فى التاريخ المسيحى. لعل المعبد كان موجودا فى فلسطين ولكن موعظة (السيد المسيح لتلاميذه) على الجبل والصلب قد حدثا أيضا في فلسطين. اننى لا انكر على اليهود فى فلسطين حقوقا استعمارية مساوية لغيرهم ممن يعتنقون أديانا أخرى ولكن اعتبار الدين اختبارا لازما للحصول على اليهودية الوطنية يبدو أمرا لا يقره. الذين تتسم نظرتهم الى حقبة معينة فى تاريخ فلسطين بالتعصب وضيق الأفق ومن ثم فهم يطالبون لليهود بمركز لا حق لهم فيه. اذا كانت ذاكرتى لا تخوننى فان تعداد اليهود فى العالم يبلغ ثلاثة أضعاف العدد الذى تستطيع فلسطين أن تستوعبه حتى ولو طرد جميع السكان الموجودين بها حاليا. أى أن ثلث عدد اليهود فقط هو الذى يستطيع العودة الى فلسطين. وماذا يحدث للباقين؟. |
4 – | أستطيع أن أفهم بسهولة أن يكون محررى “المورننج بوست” و “نيوزويتنس” من الصهاينة، ولا يدهشنى على الاطلاق ترحيب غير اليهود بانجلترا بهذه السياسة ذلك اننى مازلت أدرك دائما عدم شعبية طائفتى. وهى أقوى بكثير مما يعتقد بعض الناس. لأننا نحصل على نصيب من خيرات هذا البلد وفرصة أكبر بكثير مما يحق لنا من الناحية العددية. “فاننا نبلغ عموما مرحلة النضج قبل غيرنا مما يجعلنا ننافس من هم فى مثل سننا منافسة غير عادلة، وكثيرون منا يحصرون صداقتهم على بنى طائفتهم ولا تتسم مواقفهم بالتسامح، ومن ثم فاننى أفهم بسهولة أن عددا غير قليل من غير اليهود فى انجلترا يرغبون فى التخلص منا. ولكن كما أنه لا يوجد اجماع بين المسيحيين الانجليز فى التفكير وأسلوب الحياة فذلك هو الحال أيضا بين اليهود الانجليز واننا نقبل بصورة متزايدة على التعلم فى المدارس العامة والجامعات وعلى القيام بدورنا فى السياسة وفى الجيش والخدمة المدنية فى بلدنا. ومن دواعى سرورى أن |
وثائق الحرب البريطانية لعام 1917 والتى كشف النقاب عنها عام 1967
(تابع) مجلس الوزراء – معادة الحكومة الحاضرة للسامية
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الارشاد القومي، ج 2، ص 1644 – 1647”
التحامل ضد الزواج المختلط أخذ يتصدع ولكن عندما يصبح لليهودى وطن قومى فسوف يترتب على ذلك بلا شك ازدياد الدافع على حرماننا من حقوقنا كمواطنين بريطانيين زيادة هائلة، وسوف تصبح فلسطين الحى اليهودى الجتيو للعالم. فلماذا اذن يعطى الروس لليهودى حقوقا متساوية. ووطنه القومى فلسطين؟.. ولماذا يعطى لورد روتشلد تلك الاهمية الكبيرة للفارق بين اليهود البريطانيين والأجانب؟ ان جميع اليهود سوف يصبحون يهودا أجانب بوصفهم سكان البلد العظيم فلسطين
اننى لا أعلم كيف سيتم اختيار الثلث المحظوظ ولكن اليهودى بغض النظر عن البلد الذى ينتمى اليه والذى يحبه ويعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ منه. سوف يصبح لزاما عليه أن يختار بين ان يذهب لفلسطين ويعيش مع قوم غرباء عنه قال له مواطنوه المسيحيون انه سوف ينتمى اليهم، وبين أن يبقى كضيف غير مرغوب فيه فى البلد الذى كان يعتقد انه ينتمى اليه.
ولا يدهشنى ان تقدم الحكومة على هذه الخطوة بعد تكوين لواء يهودى وهانذا فى انتظار ان اسمع ان اخى الذى جرح فى الفرقة البحرية او ابن اخى الذى يخدم فى حرس المشاة قد يضطر تحت ضغط الرأى العام أو بسبب تنظيمات الجيش أن يصبح ضابطا فى لواء يتألف اساسا من اناس لا يفهمون اللغة الوحيدة التى يتكلمها وهى الانجليزية واننى افهم كذلك انه عندما تقرر ارغام اليهود الأجانب فى هذا البلد على الخدمة فى الجيش، وهو عين الصواب، كان من العسير وضعهم فى ألوية بريطانية للصعوبة الناشئة عن اللغة، ولكن هذه الصعوبة نشأت لأنهم اجانب وليس لأنهم يهود. ويبدو لى أن انشاء فرقة اجنبية لهم كان هو الاجراء السليم. أما انشاء فرقة يهودية فانه يجعل موقف اليهود فى الألوية الأخرى أكثر صعوبة ويفرض هوية وطنية على أناس لا يشتركون مع بعضهم البعض فى شيء.
اننى اشعر أن الحكومة مطالبة بأن تصبح أداة لتحقيق رغبات منظمة صهيونية كان يديرها – فى الماضى على أى حال حسب معلوماتى- رجال من سلالة أو أبناء العدو، وبذلك فقد سددوا ضربة قوية للحريات ولحركة وفرص الخدمة المتاحة لمواطنيهم اليهود.
ولو كان الأمر بيدى لقلت للورد روتشلد أن الحكومة مستعدة لعمل كل ما فى وسعها لتحصل لليهود فى فلسطين على الحرية الكاملة للاقامة والحياة على قدم المساواة مع سكان هذا البلد الذين يعتنقون أديانا أخرى ولا يسعني سوى أن أطلب من الحكومة ألا تذهب لأبعد من ذلك.
23 أغسطس 1917
أ. س. م