تقرير السيد الباهي الأدغم رئيس اللجنة العربية العليا للمتابعة إلى الملوك والرؤساء العرب حول التطورات التي صادفت مهمته في الأردن

تقرير السيد الباهي الأدغم إلى الملوك والرؤساء العرب حول تطورات مهمته في الأردن
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 287- 289 “

تقرير السيد الباهي الأدغم، رئيس اللجنة العربية العليا
للمتابعة، إلى الملوك والرؤساء العرب حول التطورات
التي صادفت مهمته في الأردن.

11 / 4 / 1971

 

( فتح، دمشق،26 / 4 / 1971 )

         أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول العربية،
         تحية طيبة واحتراما وافرا وبعد،
         فقد تعرضت الرسالة التي وجهتها إلى أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول العربية، والمذكرة المرفقة بها بتاريخ 9 / 1 / 71 لشرح الموقف بالنسبة للوضع في الأردن، وبالنسبة لمهمة اللجنة العربية العليا للمتابعة. وقد تركز الاهتمام في هذه الرسالة على نقطتين أساسيتين وهما:
         أولا – ضرورة التنفيذ العاجل للتوصيات المنصوص عليها في المذكرة التي قدرتها بتاريخ 28 / 12 / 1970 إلى كل من حكومة المملكة الأردنية، واللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

         ثانيا – ضرورة بذل مجهود مشترك على أسس جديدة غير التي اتبعتها اللجنة في أداء رسالتها. وفي الاجتماع الذي عقدته في القاهرة بسفراء الدول العربية بتاريخ 10 / 1 / 1971، وكذلك في الندوة الصحفية التي عقدتها في القاهرة أيضا بتاريخ 11 / 1 / 1971 أوضحت الشروط التي اعتبرتها أساسية لمواصلة أعمال اللجنة حتى نهايتها الطبيعية وهي:
         أولا – تصحيح الأوضاع مع جلالة الملك حسين في مدينة لندن وحيث كان يباشر العلاج.

         ثانيـا – وقف إطـلاق النـار في كـافة أنحـاء الأردن حيث اندلعت بمجرد مغادرتي عمان حـوادث دامية بدأت في مدينـة الـرصيفة ثم انتشـرت إلى أماكن أخرى وتـواصلت من 4 – 11 / 1 / 1971.

         ثالثا – الالتزام بتنفيذ عاجل للقرارات المتخذة سابقا بموافقة الجانبين حسب جدول زمني قصير المدى.

         رابعا – استئناف أعمال اللجنة لمدة زمنية محددة وإضافة عضوين لها يمثلان دولتين من الدول الموقعة على اتفاقية القاهرة، والتزام الجانبين بتمكينها من أداء مهمتها.

         وعرضت هذه الاقتراحات على جلالة الملك حسين بن طلال، أثناء اجتماعي الثاني به في لندن يوم الخميس 14 / 1 / 1971، فقبلها واعدا بالمساعدة على تنفيذها بمجرد رجوعه إلى الأردن.

         وفي يوم 13 / 1 / 1971 حصل اتفاق بين الطرفين الأردني والفلسطيني بعد مناقشات دامت يومين توصلا فيه إلى إيجاد حلول موقوتة لمختلف المشاكل التي تعذرت تصفيتها إلى ذلك التاريخ، على أن هذا الاتفاق امتاز ببعث مكتب ارتباط مكلف بمراقبة وتسهيل كافة الممارسات التي جاءت بها بنود الاتفاقية. ويتركب هذا المكتب من ضباط ممثلين للطرفين المتعاقدين باستثناء اللجنة العربية العليا.

         وقد وجهت في 31 / 1 / 1971 السفير السيد السحباني إلى عمان لاستطلاع ومراجعة الأوضاع والقيام بالإجراءات المترتبة على سير اللجنة وخصوصا من الناحية العسكرية ومشاكل الإغاثة وما عسى أن تتطلبه بعض المشاكل القائمة من معالجة.

         وكنت أنوي، على ضوء ما يفيدني به السفير السيد الطيب السحباني من معلومات، وضع تقرير نهائي يرفع إلى أصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء.

         إلا أنه تبين أن اتفاق 13 / 1 / 1971 كان يتعرض إلى نفس العراقيل التي وجدتها اللجنة العربية أثناء قيامها بمأموريتها نتيجة عدم اتفاق الطرفين على أهداف الكفاح والخرق المتواصل للمواثيق المبرمة. وتبين لي أن الخلاف بين الطرفين أضحى خلافا مبدئيا إذ إن التعايش المبني على أخوة السلاح ووحدة الأهداف أمر منعدم لا أثر له إلا في الألفاظ.

         ويرجع السبب في هذا التباين إلى أن مفهوم السيادة في الأوساط الحكومية الأردنية طغى على غيره من الاعتبارات، وصار من الواضح أن الامتيازات والمعاملات الاستثنائية التي اعترفت بها اتفاقيتا القاهرة وعمان. فائدة الجانب الفلسطيني أصبح الجانب الأردني لا يقبلها إلا عن مضض، ولا يخفى أن الظروف التي سبقت حوادث أيلول ( سبتمبر ) 70 كانت عاملا كبيرا في تركيز هذا السلوك نحو الفلسطينيين وفي نظري أن هذه الظروف قد تغيرت بعد، ولم يبق أي مبرر لالتجاء الحكومة الأردنية إلى وسائل القمع التي تلتجئ إليها لمعالجة الخلافات التي يرتكبها الأفراد ولو كانوا ينتمون إلى المقاومة الفلسطينية.

         أما الجانب الفلسطيني فلقد لمست به الشعور بعدم الاطمئنان إلى السلطات الأردنية وخاصة إلى قوات الأمن،

<1>

تقرير السيد الباهي الأدغم إلى الملوك والرؤساء العرب حول تطورات مهمته في الأردن
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 287- 289 “

مدنية كانت أو عسكرية، مما جعل هذا الجانب في حالة فزع دائمة، ويحرص على التسلح وامتلاك الأسلحة الفردية خاصة للدفاع الشرعي عن النفس، وهذا ما يفسر- في نظري – الصعوبات التي وجدها القادة الفلسطينيون في نقل أسلحتهم من المدن، ويعزي ذلك إلى مخلفات مأساة أيلول ( سبتمبر )، واستمرار المخاوف من القمع والمضايقات المتنوعة التي يلاقيها جانب كبير من الفلسطينيين.

         ومن جهة أخرى فقد سلكت في معالجتي للمشاكل القائمة طريق الحكمة والهدوء والإنسانية، وسعيت طيلة إقامتي بالأردن إلى تطويق الحوادث التي تندلع من حين إلى آخر حتى لا يفتح رد الفعل سلسلة من الأحداث، ولطالما ناشدت الطرفين بسلوك هذا الطريق، إلا أن الحكومة الأردنية لم تستجب – من سوء الحظ – لهذه الرغبة بل لاحظت عكس ذلك، فسرعان ما ينقلب التدخل في حوادث بسيطة إلى استعمال أسلحة ثقيلة ثم إلى عمليات عسكرية هامة، وهو يخالف اتفاقية القاهرة التي جاءت بوقف إطلاق النار وإنهاء جميع العمليات المركزية. ومهما كانت المخالفات التي كانت تصدر أحيانا عن بعض العناصر الفلسطينية فلا يمكنني أن أقيس بنفس المقاييس تصرف الدول وتصرف الأفراد.

         ومن المهم جدا أن نلاحظ أنه لم يتسن للجنة العربية ممارسة مهمتها لحقن الدماء وتحديد المسؤوليات لأنها كانت في غالب الأحيان أمام الأمر المقضي.

         وقد ظللت ولا أزال أتلقى من اللجنة المركزية تقارير وشكاوى تفيد اعتداء الجيش الأردني على قوات الفدائيين أو معسكرات اللاجئين أو مضايقة المقاومة في تنقل رجالها وعتادها وفي ممارستها لواجباتها، بينما اتصل بي في مدينة جدة بتاريخ 1 / 2 / 1971 السيد رياض المفلح، ممثل الحكومة الأردنية باللجنة العربية العليا، وطلب مني كتابيا أن أرفع تقريرا إلى ملوك ورؤساء الدول العربية لإعلامهم بحل كافة المشاكل بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ورجوع الحياة إلى مجاريها العادية، وشروع القوات المسلحة الأردنية في الالتحاق بمواقعها، وإن هاته العملية على وشك الانتهاء، الأمر الذي يتنافى مع الواقع الذي يشاهده يوميا الملاحظون العسكريون، وما الأحداث التي جرت أخيرا بأربد وغيرها إلا دليلا قاطعا على ذلك.

         وقد أعلمنا رئيس الحكومة الأردنية برغبته في إنهاء مهمة المكتب العسكري المنبثق عن اللجنة وترحيل ضباطه نظرا إلى أن الحالة كما كان يراها أصبحت لا تستوجب حضورهم، ونظرا إلى أن الطرفين أنشأ مكتبا للارتباط مهمته نفس المهمة التي كان الضباط العرب يضطلعون بها.

         ثم حصل بعد ذلك أن ضربت بعض التضييقات على نشاط الضباط العرب مما جعلهم عاجزين عن القيام بواجبهم، وقد قررت التخفيف من عدد هؤلاء الضباط، على مراحل وحسب الظروف، إلى أن اقتصر المكتب العسكري على خمسة ضباط اعتبارا لتضاؤل مهمة هذا الجهاز وللرغبة التي عبر الضباط أنفسهم عنها حفظا لكرامتهم. إلا أن هذا التخفيف نفسه لم يجد نفعا إذ منع عن الضباط العرب كل تحرك في سبيل الاطلاع أو المراقبة.

         من كل هذا يستخلص أن الحكومة الأردنية أصبحت غير راغبة في بقاء اللجنة العربية العليا مباشرة لمأموريتها في الأردن، وهي تعتقد، كما صرح به ممثلوها مرارا، أن مهمة اللجنة مس بسيادة الدولة الأردنية وتدخل في شؤونها، كما تعتقد أن الحوادث التي تندلع بين حين وآخر في الأردن لا تعدو أن تكون حوادث أهلية داخلية للحكومة، وللحكومة وحدها حق الحكم عليها واتخاذ ما تراه من إجراءات لمعالجتها. وليس أدل على تردي الأوضاع نتيجة لهذا الاعتقاد من الأحداث المفصلة التي نص عليها تقرير رئيس المكتب العسكري العميد أحمد عبد الحميد حلمي الذي لا يسعني بهذه المناسبة إلا أن أشيد بنزاهته وتفانيه هو ومساعدوه من الضباط العرب في أداء المهام العصيبة الموكلة إليهم.

         ونظرا إلى أن الوثائق التي تقدمت بها إلى أصحاب الجلالة والفخامة في شهر كانون الثاني ( يناير ) 1971، والتي تضمنت وصفا دقيقا لتدهور العلاقات من جديد بين الحكومة الأردنية والمقاومة الفلسطينية، مع شرح أسباب هذا التدهور، وعرضا لبعض الاقتراحات المتأكدة لمعالجة هذا الوضع، منها توسيع اللجنة العربية العليا وتحوير أسس عملها، لم تلق صدى لدى الدول الموقعة على اتفاقية القاهرة مما جعل مهمة اللجنة العربية العليا في حكم المنتهية.

         ونظرا إلى أن مهمة مكتب الرقابة العسكرية أصبحت مجمدة، فقد رأيت من المتأكد أن أرفع هذه الرسالة إلى أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول العربية حتى أطلعهم على التطورات التي مرت بها المهمة التي تفضلوا بتكليفي بها، وحتى يقرروا ما يرونه صالحا تجاه الأوضاع المتدهورة في الأردن والتي لا يمكن لرئيس اللجنة العربية العليا تحمل تبعاتها.

         وتفضلوا – أصحاب الجلالة والفخامة- بقبول وافر تحياتي واحتراماتي.


<2>

Scroll to Top