تقرير اللجنة التنفيذية إلى لجنة الانتداب في عصبة الأمم

تقرير اللجنة التنفيذية إلى لجنة الانتداب في عصبة الأمم
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 375 – 377″

تقرير اللجنة التنفيذية
إلى لجنة الانتداب في عصبة الأمم 
11 / 5 / 1927

        من الحقائق العامة أن البلاد الواقعة تحت الانتداب هي وديعة مقدسة وضعتها عصبة الأمم في أيدى المنتدبين بمقتضى عهد عصبة الأمم لأجل مساعدة أهلها على إدارة شئون بلادهم “لبينما يتمكنوا من القيام بذلك بأنفسهم”. لهذا فإن اللجنة التنفيذية ترغب في إلفات نظركم إلى ما ورد في خطاب للمستر ايمري ناظر المستعمرات في مجلس العموم بلندن في بحر هذه السنة مما يناقض هذا المبدأ الذي من أجله وجد مجلسكم الموقر. وبهذه المناسبة ترغب اللجنة التنفيذية العربية في فلسطين أن تنظر نظرة عامة إلى حالة فلسطين من وجهة علاقتها المزدوجة بانجلترا وعصبة الأمم مدة السنين التسع الماضية كي ترى ما إذا كانت الدولة المنتدبة قد طبقت بالفعل قول المستر ايمري المنوه عنه أعلاه وبذلك سلبت العرب حقوقهم السياسية المعترف بها مخالفة في ذلك نصوص عهد عصبة الأمم.

الهجرة اليهودية:

        جاء في تقرير مجلسكم الموقر المصدق في مجلس عصبة الأمم سنة 1924 “أن الهجرة لم تكن دائما متناسبة مع حالة البلاد الاقتصادية” وقرر أن تتخذ الحكومة مباديء أساسية للهجرة “تكون بمقتضاها قائمة على حاجة البلاد الاقتصادية في الدرجة الأولى”. وفوق ذلك فإن المادة 6 من “صك الانتداب” توجب على حكومة فلسطين. “أن تسهل الهجرة اليهودية بشرط أن لا يخل ذلك بحقوق ووضعية السكان غير اليهود. وأن تجرى الهجرة مناسبة”. أما حكومة فلسطين فبرغم اكفهرار الجو الاقتصادي في البلاد فقد فتحت لليهود أبواب الهجرة وسمحت بدخول ما يقارب الخمسين ألفا منهم في السنتين اللاحقتين وهما 1925 و 1926. وأن هذه السياسة الخرقاء المنافية لما أوجبته وأوحت به لجنة الانتدابات في تقريرها المذكور أعلاه وللمادة 6 في “صك الانتداب” قد ولدت بالطبع مصائب اقتصادية اكتنفت اليهود والعرب معا.

        فقد ازدادت الأزمة الاقتصادية تعقدا وبدلا من أن نرى الذهب الكثير الذي قيل بأنه سيتدفق على البلاد مع الهجرة رأينا أزمة اقتصادية لم يسبق لفلسطين أن شعرت بمثلها. وبقي ما يقرب من عشرة آلاف عامل يهودي بلا عمل يهددون الأمن العام طيلة


        الجامعة العربية – القدس – 23 / 5 / 1927 ص 2.

 

(تابع) تقرير اللجنة التنفيذية إلى لجنة الانتداب في عصبة الأمم
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 375 – 377”

العام الماضي. وبالنظر لكثرة التفاليس بين تجار اليهود الناتجة عن المضاربة والمزاحمة غير المعقولة التي ولدتها سياسة الهجرة الخرفاء وقفت معاملة البنوك وتسمم الجو التجاري. وهكذا فإن الحكومة بالنظر لاقتصارها على تطبيق الوجهة اليهودية في “صك الانتداب” ولإهمالها تواصي لجنة الانتدابات الدائمة في أهم الأمور الأساسية التي ترتكز عليها القضية الفلسطينية فقد دفعت البلاد إلى الخراب الاقتصادي وحيث أن اليهود يمكنهم أن يتركوا فلسطين راجعين إلى بلادهم فلا تصيبهم مصائب هم المسئولون عنها فإن العرب المربوطين في بلادهم ولا يمكنهم مفارقتها يضطرون أن يتحملوا مصائب لم تكن لهم يد في إيجادها.

تأسيس الحكم الذاتي:

         أوصت لجنة الانتدابات في جميع تقاريرها إلى الحكومة المنتدبة “أن توسع أنظمة الدوائر الاستقلالية” بمقتضى المادة 2 وأن “تشجع على توسيع الحكم الذاتي” لا بمقتضى المادة 3 في “صك الانتداب” ولكن برغم هذه التواصي فإن البلاد بالعكس هي الآن خالية من أي مؤسسة استقلالية خلاف الدوائر الدينية حتى أصبحت البلاد بعيدة عن الحكم الذاتي بعد أحط المستعمرات البريطانية. إذ يدير فخامة المندوب السامي الحكومة بمجلسه التنفيذي وجميع أعضائه بريطانيون. ويسن القوانين في مجلسه الاستشاري وعموم أعضائه من رؤساء دوائر الحكومة وكلهم بريطانيون. ولم يتمكن الأهالي إلا مؤخرا وبعد إلحاح منهم وتواصى متوالية من لجنة الانتدابات من انتخاب مجالسهم البلدية ولكن بعد أن نزع الكثير من سلطتها وبموجب قانون انتخاب لم يكن لممثلي الأهلين في وضعه يد مما زاد عداء الطوائف فالسكان الذين كانوا يتمتعون إبان الحكم التركي بمجلس بلدية ومجالس إدارية منتخبة في المقاطعات ومجالس عمومية تمثل الولايا ت بقطع النظر عن ممثليهم في البرلمان العثماني يرون هذا عوضا ضئيلا من عصبة الأمم المعروف أنهم تحت حمايتها.

         ثم إنه يفهم من نظام الانتداب أن الدولة المنتدبة تسهل السبل للسكان كي يتبوءوا مناصب الحكم فيتمرنوا على إدارتها تحت اشراف الدولة المنتدبة ولكننا نرى حكومة فلسطين تجرى على خلاف ذلك فإن رؤساء الدوائر ومساعديهم وفي كثير من الحالات رؤساء الكتاب هم بريطانيون لا بل نرى أن وظائف البريطانيين تزداد في وقت تتناقض فيه وظائف السكان بحجة الاقتصاد مع أن الوظائف البريطانية المتزايدة هي التي ترهق الميزانية بثقلها وهي التي يجب الاقتصاد فيها وفوق هذا فقد سنت الحكومة قانونا جديدا لترقي مأموريها حصرت فيه الوظائف العليا بالفعل بالأجانب دون غيرهم.

         وهكذا فإنا نرى الحكومة المنتدبة ذاهبة في إدارة البلاد حسب أهوائها غير مكترثة للأهلين ولأفكارهم العامة. فقد قررت القيام بمشاريع أساسية عامة كإدخال عملة فلسطينية جديدة وعقد قرض فلسطيني بدون استشارة السكان. وأخذت تبحث في المشاريع الحيوية كمشروع استخراج أملاح البحر الميت وفيها أماني فلسطين الاقتصادية وتنظر في منحه للطالبين بدون علمهم. وبالإجمال فإن الحكومة المنتدبة المدينة بوجودها للمادة 22 من عهد عصبة الأمم والمفروض عليها تطبيق المادة الثالثة من “صك الانتداب” مازالت على مدى الزمن تبتعد عنها حتى أصبحت فلسطين تسير وراء انجلترا كما تسير وراءها أحط مستعمرات أفريقيا.



(تابع) تقرير اللجنة التنفيذية إلى لجنة الانتداب في عصبة الأمم
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 375 – 377”

اللغة:

         ان المادة 22 من “صك الانتداب” تنص على أن “اللغات الانجليزية والعربية والعبرانية تكون هى اللغات الرسمية. وكل عبارة أو نقش على الطوابع والنقد والخ كتب في العربية يعاد بالعبرانية” والعكس بالعكس ورغما عن شدة هذه المادة التي توجب أن تتساوى لغة أقلية ضئيلة لا يتكلم فيها من تلك الأقلية إلا أقلية مثلها بلغة أهل البلاد الذين يتحملون من أجل ذلك نفقات باهظة فإن حكومة فلسطين قد تجاوزت هذه المادة وناقضتها بأن أخذت تكتب وتنقش على عموم ماتكتب وتنقش عليه حرفي (ا . ى) بجانب كلمة “بالاستينا” العبرية دلالة على كلمة “أرض اسرائيل” وعدا عن هذا فإن أهم أعمال الحكومة لا تكتب إلا بالانجليزية.

         حتى إن التقارير العامة كتقرير ضريبة الإعشار المطلوب إلى السكان انتقاده لم يطبع إلا بالانجليزية.

         لهذا فإن عرب فلسطين يرغبون في أن يعرفوا من مجلسكم الموقر كيف يمكنهم أن يستفيدوا من حماية عصبة الأمم إن كانت هي عاجزة عن حمايتهم في الأمور المتقدمة الذكر وهي المسئولة عنها لأنها من وضعها وتواصيها ومنها يطلب أمر تطبيقها في النهاية.

         وان اللجنة التنفيذية ترغب أن ترفع مع هذا وبرسالة منفصلة تقريرا عن قضية برة قيسارية المعروفة، والمقدم من قبل وكيل أصحابها العرب كي يتمكن مجلسكم الموقر من أن يرى إلى أي درجة وصل مندوب الدولة المنتدبة في مغالطته عند إيراد الأمور التي يطلب أن تكون خالية من الغلط. وهي ترفعه كمثال يبين وجه الخطأ في اتباع الأصول المرعية في مجلسكم الموقر من استماع وجه واحد في أوجه القضية بسماع أحد المتداعين فقط، وفي عدم إمكانكم من زيارة فلسطين لدرس القضية في مكان وجودها.

     وتفضلوا….

 

سكرتير اللجنة التنفيذية
جمال الحسيني

Scroll to Top