تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
تقرير اللجنة الدولية
المقدم إلى عصبة للأمم عن حائط المبكى
ديسمبر 1930
جناب النبيل أرثور هندرصن وزير الشئون الخارجية لحكومة جلالته البريطانية
تتشرف لجنة حائط المبكى الدولية بأن ترفع التقرير التالي إلى حكومة جلالته البريطانية.
وقد علمت اللجنة بأن نسخة من هذا التقرير سترفع إلى مجلس جمعية الأمم.
الفصل الأول
مقدمة
على أثر الاضطرابات التي وقعت في فلسطين في شهر آب سنة 1929 عين وزير المستعمرات لحكومة جلالته البريطانية في اليوم الثالث عشر من شهر أيلول لجنة للتحقيق في الأسباب المباشرة التي أدت إلى وقوع الاضطرابات ولوضع التواصي بشأن التدابير الواجب اتخاذها لمنع تكرارها.
وفي شهر كانون الأول سنة 1929 بعثت لجنة التحقيق هذه برسالة إلى وزير المستعمرات تضمنت، فيما تضمنته، توصية بأن تتخذ حكومة جلالته فيما وسعها من التدابير لتعيين لجنة مؤقتة، بأقرب ما يمكن، بموجب المادة 14 من صك الانتداب لفلسطين لتحديد الحقوق والادعاءات والمطالب بشأن حائط المبكي في القدس. وقد رأت لجنة التحقيق إن تحديد الحقوق والادعاءات والمطالب بشأن حائط المبكي بأسرع ما يمكن لتدبير ضروري حبا في توطيد الأمن وانتظام الحكم في فلسطين، لذلك رأت اللجنة أنه يجب الإسراع بكل وسيلة ممكنة في تشكيل لجنة تقوم بهذه المهمة وفي سفرها إلى فلسطين.
وفي الاجتماع الذي عقده مجلس جمعية الأمم بعد ذلك عرض المندوب البريطاني المفوض على المجلس بضعة اقتراحات تتفق مع تواصي لجنة التحقيق. وبعد أن نظر مجلس جمعية الأمم في آراء لجنة الانتدابات الدائمة اتخذ القرار الآتي في 14 كانون الثاني سنة 1930.
نقلا عن كتاب “الحق العربي في حائط المبكي في القدس” الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية (سلسلة الوثائق الأساسية).
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
“إن المجلس
“رغبة منه في وضع الدولة المنتدبة، بناء على طلبها، في مركز يمكنها من القيام بالمسئوليات الملقاة على عاتقها بموجب المادة 13 من صك الانتداب على فلسطين في أحوال وظروف تكون أكثر موافقة لصيانة المصالح المادية والأدبية للشعب الذي وضع تحت انتدابها”.
“ورغبة منه في عدم البت بأي وجه كان، قبل البحث والاستقصاء في المسائل المتعلقة بالأماكن المقدسة في فلسطين التي قد يقتضي حلها في المستقبل”.
“وبما أنه يرى أن مسألة حقوق ومطالب اليهود والمسلمين في حائط المبكي تستدعي حلا سريعا نهائيا”.
فقد قرر:
1 – | أن يعهد إلى لجنة بتسوية هذه الحقوق والمطالب. |
2 – | أن تؤلف هذه اللجنة من ثلاثة أعضاء من غير التبعة البريطانية على أن يكون أحدهم على الأقل من المتضلعين بالقانون ومن ذوي الاختبار القضائي الذي يؤهله لهذا المنصب. |
3 – | أن تعرض أسماء الأشخاص الذين تود الدولة المنتدبة تعيينهم لعضوية هذه اللجنة على المجلس لأخذ موافقته عليهم على أن يستشير رئيس المجلس الأعضاء بشأنهم إن كان المجلس غير ملتئم. |
4 – | ان تنتهى مهمة هذه اللجنة حالما تضع قرارها بشأن الحقوق والادعاءات المشار اليها أعلاه. |
ومن أراد التوسع في معرفة الأسباب التي دعت إلى تعيين هذه اللجنة فليراجع ما جاء في تقرير لجنة شو الذي سنقتبس منه في مناسبات عديدة فيما يلي من هذا التقرير.
وقد بعثت حكومة جلالة الملك برسالة إلى السكرتير العام لمجلس جمعية الأمم في اليوم الثاني من شهر أيار سنة 1930 – ذكرت فيها أسماء الأشخاص الذين اختارتهم لعضوية اللجنة، وهم:
اليل لوفغرن | : | وزير الشئون الخارجية في حكومة اسوج سابقا ومن أعضاء مجلس الأعيان فيها- رئيسا. |
شارلس بارد | : | نائب رئيس محكمة العدل في جنيفا (سويسرا) ورئيس محكمة التحكيم النمساوية – الرومانية المختلطة. |
س. فان كمبن | : | حاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة سابقا ومن أعضاء برلمان حكومة هولاندا. |
وقد وافق مجلس جمعية الأمم في 15 أيار سنة 1930 على تشكيل اللجنة حسب اقتراح الحكومة البريطانية. وتبلغ رئيس وأعضاء اللجنة نبأ تعيينهم رسميا بكتاب مؤرخ في 26 أيار سنة 1930 بعثت به إلى كل منهم وزارة الشئون الخارجية لحكومة
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
جلالته البريطانية. وقام المستر ستيغ سالين من موظفي السلك السياسي لحكومة اسوج بوظيفة سكرتير للجنة.
وقد اجتمعت اللجنة، للمرة الأولى، في جنوا في 12 حزيران سنة 1930 وأبحرت منها إلى فلسطين في اليوم التالي بعد أن زودت قبل مغادرتها بمختلف الوثائق والمستندات المتعلقة بحائط المبكى مما نشره مجلس جمعية الأمم والحكومة البريطانية حتى ذلك الحين (أي التقارير والرسائل والمذكرات ووقائع الجلسات وهلم جرا).
ووصلت اللجنة إلى القدس في 19 حزيران وأقامت في فلسطين شهرا واحدا إذ أنها غادرت القدس في 19 تموز.
وقد عقدت اللجنة جلستها الأولى يوم الاثنين الواقع في 23 حزيران ولم تعقد جلسة ما في يومي الجمعة والسبت في 20 و21 حزيران لأنهما يوما عطلة للمسلمين واليهود. وكانت اللجنة، في أثناء إقامتها في القدس، تعقد جلسة أو جلستين في كل يوم من أيام الأسبوع تقريبا خلا يومي الجمعة والسبت. وبلغ عدد الجلسات التي عقدتها 23 جلسة خصصت الجلسة الأولى منها لالقاء الخطب الافتتاحية وللبحث في الأصول التي تتبع في التحقيق كما أن الجلسات الأربع الأخيرة خصصت لإلقاء الخطب الختامية. وفي الجلسات الثماني عشرة الأخرى سمعت اللجنة إفادات وشهادات الشهود. وقد عقدت جميع الجلسات في بناية دوائر الحكومة بالقرب من باب العمود. وأننا نرفق بهذا التقرير محضرا كاملا باجراءات اللجنة (الذيل الأول) (*).
ذكر الرئيس في الجلسة الافتتاحية أن اللجنة، كي تقوم بالمهمة التي أنيطت بها ستجري تحقيقا نزيها وكاملا، إن أمكن، في المسائل المتعلقة بحائط المبكى وإنها ستصدر بعد انتهاء التحقيق قرارا يبني كليا على اعتقادها الصادق مراعية ما للشرائع ومباديء العدل والانصاف من حكم وشأن في القضية المختلف فيها. ولما كان هذا ما تصبو إليه اللجنة فقد رجا الرئيس الفريقين المختصين أن يبذلا كل مساعدة لازمة لتسهيل مهمتها.
وقد تم الاتفاق في هذه الجلسة أن يحضر اجراءات التحقيق هيئة من المندوبين المفوضين المعترف بهم كوكلاء عن كل من الفريقين المتداعيين. وطبقا لهذا الاتفاق ناب عن فريق اليهود الدكتور مردخاي الياش والمستر داود يلين والحاخام موشى بلاو، الذين أبرزوا أوراق اعتماد من رئاسة الحاخامين في فلسطين وجمعية الحاخامين العالمية، والوكالة اليهودية لفلسطين والمجلس الملى اليهودي (فأعاد لومي) وجمعية اجودات اسرائيل. أما وكلاء فريق المسلمين فقد كانوا موكلين من قبل المجلس الإسلامي الأعلى وهم عوني بك عبد الهادي وأمين بك التميمى وأمين بك عبدالهادي والشيخ سليمان أفندي الجوخدار وأحمد زكي باشا وفخري بك الحسيني وفخري بك البارودي وفائز بك الخوري والشيخ حسن أفندي أبو السعود وجمال أفندي الحسيني وعزت أفندي دروزة ومحمد على باشا والشيخ راغب أفندي الدجاني وعبدالله أفندي الفضللي وعبد العالي أفندي جوابحي والشيخ حسن أفندي الأنصاري. وفي الاستطاعة القول أن الأشخاص الواردة أسماؤهم أعلاه ومن جملتهم أعضاء مختلف الوفود الذين مثلوا أمام اللجنة قد مثلوا مسلمي جميع الأقطار الإسلامية تقريبا في
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
العالم بما في ذلك مراكش والجزائر وطرابلس الغرب ومصر وغيرها من البلاد الأفريقية وفلسطين وسوريا وشرقي الأردن والعراق والعجم والهند البريطانية والهند الهولاندية الشرقية وغير ذلك من البلاد في الشرقين الأدنى والأقصى.
وكان قد تقرر بموافقة الفريقين أن يقوم اليهود مقام المدعي وعلى ذلك يفتتحون الدعوى بينما أن المسلمين يقومون مقام المدعى عليه.
أما فيما يتعلق بالأصول الواجب اتباعها فقد تقرر بموافقة الجانبين أن تتبع حيثما يستطاع الأصول القضائية العادية المتبعة في المحاكم الانكليزية وهكذا فإن وكلاء الفريقين يستدعون شهودهم ويستجوبونهم ويبرزون للجنة البينات التحريرية والفنية ويناقشون الشهود الذين يستدعيهم الفريق الآخر ويدلون بمرافعاتهم كلما رأوا ذلك مناسبا. بينما أن اللجنة تصغي، على العموم، إلى ما يقوله الشهود الذين يستدعيهم الفريقان وإلى البينات الأخرى التي يدلي بها محتفظة لنفسها بحق استجواب شهود آخرين تستدعيهم بذاتها أو بناء على طلب حكومة فلسطين. على أن اللجنة بحكم صفتها هذه، لم يكن من صلاحيتها تحليف الشهود ولذلك يمكن تحليفهم أو تكليفهم بإعطاء تأكيد على صحة كلامهم يضاهي اليمين أمام قاض ذي صلاحية في القدس توفيقا لأحكام قوانين فلسطين.
وفي أثناء الجلسات التي عقدتها اللجنة سمعت شهادة 52 شاهدا استدعى واحدا وعشرين منهم وكلاء فريق اليهود وثلاثين منهم وكلاء فريق المسلمين وشاهدا واحدا، هو موظف بريطاني، استدعته اللجنة. وقد ألحق بهذا التقرير قائمة بالجلسات التي عقدتها اللجنة وبأسماء الشهود الذين أدوا الشهادة أمامها (الذيل الثاني). وقد أبرز في أثناء الجلسات 61 وثيقة أو مجموعة من الوثائق، منها 35 وثيقة قدمها فريق اليهود و26 وثيقة قدمها فريق المسلمين. وقد أثبتنا في الذيل الثالث موجز هذه الوثائق.
وقد اتخذت اللجنة، فضلا عن الجلسات العادية التي عقدتها، تدابير مختلفة للوقوف على معلومات وافية بقدر الإمكان بشأن المسائل التي لها علاقة بالأمور المختلف عليها. وهكذا قامت اللجنة على أثر وصولها إلى القدس، مصحوبة بموظفين بريطانيين بزيارة الحرم الشريف وحائط المبكى وضواحيه وأهم الكنائس العائدة للطائفة الاشكنازية والطائفة السفاردية فتمكنت بذلك من درس حالة المباني المختلفة وما جاورها ومزيتها الخاصة عن كثب، فضلا عن أنها ألمت بأمور أخرى ذات علاقة بموضوع الخلاف، وبشعائر وطقوس العبادة المتبعة لدى المذاهب المختلفة. وعلاوة على ذلك فقد ذهبت مرات عديدة بصفة شخصية وبدون أن يرافقها أحد إلى حائط المبكى والحرم الشريف كما أنها أوفدت أحد أعضائها إلى المحكمة الشرعية الإسلامية بالقدس كى يتمكن بالاشتراك مع وكلاء الفريقين وموظفي المحكمة ذوي الشأن من الكشف على سندات الملكية الخاصة بحائط المبكى وجواره.
ونظرا للأهمية الخاصة التي تعلق على الحالة الراهنة (ستاتيكو) في الأماكن المسيحية المقدسة فقد قامت اللجنة بزيارات طويلة لهذه الأماكن وعلى الأخص كنيسة القبر المقدس وكنيسة المهد في بيت لحم حيث أوضح للجنة موظفون بريطانيون من ذوي الإلمام والخبرة ورجال الدين من مختلف الكنائس المسيحية الحالة الراهنة (الستاتيكو) الخاصة بهذه الأماكن.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
وفي جميع أدوار التحقيق بذل مندوبو الفريقين للجنة، عن طيب خاطر وبمقدرة فائقة، كل مساعدة في التحقيق الذي قامت به.
وقد أدت حكومة فلسطين وموظفوها على اختلافهم خدمات قيمة للجنة ولذا فإن اللجنة تود بوجه خاص أن تعرب في هذا المقام عن تقديرها لروح الثقة التي أديت بها هذه المساعدة لها، وقد أعربت قبيل مغادرتها فلسطين عن شكرها في كتاب بعثت به إلى حكومة فلسطين أثبت في آخر هذا التقرير (الذيل الرابع).
ولا يسع اللجنة في الختام إلا أن تقول أنها رأت أن الواجب يقتضي عليها بالسعي لإجراء تسوية ودية بين الفريقين وأن تكن براءة تعيينها لم تشر صراحة إلى إجراء ذلك وكي يتسنى للجنة الوصول إلى هذه الغاية، إن أمكن، عقدت عددا من الجلسات السرية مع مندوبي كل من الفريقين على انفراد ومع مندوبي الفريقين معا. ثم عاد الرئيس فأكد للفريقين في الجلسة الختامية أن الوصول إلى حل يتفق عليه بينهما يفضل كثيرا على قرار تصدره اللجنة ووعد بأن يبقى المجال مفتوحا لغاية أول ايلول وبأن اللجنة في هذه الفترة تقبل أية مقترحات أو اتفاقات قد يضعها الفريقان في سبيل تحقيق تلك الغاية. وقد استمرت المفاوضات، بعد سفر اللجنة، بين الفريقين بحضور مندوبي حكومة فلسطين. وتلبية لرجاء رفع إلى اللجنة مددت المدة المعينة لاتمام المفاوضات بين الفريقين، إلى 15 ايلول في المرة الأولى ثم إلى 8 تشرين الأول. وأنه لمن بواعث الأسف الشديد أن تتحقق اللجنة أن تلك المفاوضات قد أحبطت وأنها ما زالت كذلك لغاية الآن.
وبناء على ذلك فقد اجتمعت اللجنة في استوكهلم من 27 تشرين الأول إلى 1تشرين الثاني، وعقدت جلستها الختامية في باريس من 28 تشرين الثاني إلى 1 كانون الأول.
الفصل الثاني
في وصف حائط المبكى والأماكن المجاورة له
من أراد الإلمام بموقع الحائط الغربي أو حائط المبكى (ويطلق عليه باللغة العربية اسم “البراق” وباللغة العبرية اسم “كوتل معرافى”) والأماكن المجاورة له فليراجع خارطة أعدتها حكومة فلسطين وأرفقت بهذا التقرير (الذيل الخامس) *.
ان حائط المبكى جزء لا يتجزأ من الحائط الغربي للحرم الشريف القائم في موقع الهيكل اليهودي القديم، حيث يقوم الآن مسجدان. وفي الواقع أن الحرم الشريف مرتفع فسيح قائم الزوايا تبلغ مساحته بضع مئات من الأمتار طولا وعرضا. والمسجد الأقصى وهو أحد هذين المسجدين يلاحق الحائط الخارجي الجنوبي للحرم الشريف ويمتد من جهته الجنوبية لغاية حائط المبكى. أما المسجد الآخر وهو المعروف بقبة الصخرة أو كما يطلق عليه عادة “مسجد عمر” فيقع في وسط ساحة الحرم الشريف.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
والحائط الغربي للحرم الشريف هو، على العموم، بناء يبلغ طوله ما يزيد على المائة متر وعلوه نحو العشرين مترا. والحجارة الضخمة الكبيرة الكائنة في أسفل بناء الحائط وعلى الأخص المداميك الستة المنحوتة منها يرجع عهدها حسب رأى أغلب علماء الآثار إلى زمن هيكل هيرودس (أي الهيكل الثاني الذي أعيد بناؤه). ويرى على عدد من هذه الحجارة كتابات عبرية بعضها منقوش والبعض الآخر محفور. ويعلوها ثلاثة مداميك من الحجارة غير المنحوتة يرجح أنها من بقايا العصر الروماني (ويرجع تاريخها إلى الزمن الذي أعاد فيه الإمبراطور ادريانوس بناء مدينة القدس كمستعمرة رومانية). أما الطبقات العليا من حجارة الحائط فهي أحدث عهدا ومن المرجح أنها ترجع إلى سنة 1500 بعد الميلاد. وتدل الأبحاث الحديثة أن حدود الحائط تتفق مع حدود ساحة هيكل الملك سليمان ويظن أن بعض مداميك من الحائط لا تزال مدفونة تحت الأرض.
أما ذلك القسم من الحائط الذي يقوم حوله الخلاف بين اليهود والمسلمين فهو عبارة عن ثلاثين مترا من الحائط الخارجي المذكور آنفا. ويمتد أمام ذلك القسم من الحائط رصيف لا يستطاع السلوك إليه من الطرف الشمالي إلا بواسطة زقاق ضيق يبتدي من شارع الملك داود (باب السلسلة) ويمتد هذا الرصيف جنوبا إلى حائط آخر. ويفصل هذا الحائط بخط مستقيم رصيف حائط المبكى عن بضعة بيوت خصوصية وعن موقع مسجد البراق في الجهة الجنوبية. وفي سنة 1929 فتح باب عند الطرف الجنوبي من الحائط الأخير يؤدي إلى تلك البيوت وإلى المسجد. ويقوم عند الطرف الشمالي من الرصيف حائط ثالث فيه باب يفصل هذه الجهة عن الفناء الكائن أمام مقر المفتي الأكبر.
ويبلغ عرض الرصيف الكائن أمام الحائط نحو أربعة أمتار. وقد شرحنا حدوده من جهاته الثلاث فيما تقدم. أما من جهته الرابعة (أى الجهة المقابلة لحائط المبكى) فيحدها الحائط الغربي وبيوت المحلة المعروفة بمحلة المغاربة. ويوجد في هذه الجهة بابان يؤديان إلى بيوت المغاربة.
هذا هو الرصيف الكائن عند أسفل الحائط الذي أشرنا إليه أعلاه والذي اعتاد اليهود الذهاب إليه لأداء التضرعات (*).
وعلى مسافة قصيرة من الرصيف في الجهة الجنوبية منه، توجد داخل الحائط غرفة صغيرة (أو تجويف) تقول التقاليد الاسلامية بأن النبى محمدا ربط براقه فيها ليلة اسرائه من المسجد الحرام. ولهذا السبب أصبح الحائط معروفا لدى المسلمين بالبراق.
وقبل أن نتقدم بالبحث لابد لنا من القول أنه لما كنا في القدس لم يكن الحائط وما جاوره بنفس الوضعية التي كان فيها قبل الحرب. ذلك أنه كما ذكرت لجنة شو في تقريرها أجريت فيه بعض تغييرات هي:-
1 – إقامة بناء جديد فوق الطرف الشمالي منه.
2 – تحويل دار كائنة في الطرف الجنوبي من الرصيف إلى زاوية.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
3 – | فتح الباب الذي أشرنا إليه فيما تقدم والذي يؤدي من الزاوية إلى الرصيف الكائن أمام الحائط وبذلك أصبح هنالك ممر من ساحة الحرم (بواسطة باب المغاربة) إلى الرصيف. |
الفصل الثالث
لمحة تاريخية
تحقيقا للغاية التي ننشدها لا نرى حاجة إلى سرد تاريخ فلسطين بإسهاب. إلا أن المسألة التي نبحث فيها لذات صلة وثيقة بتاريخ البلاد تجعل من المرغوب فيه ذكر الحوادث الرئيسية.
كان يقطن فلسطين في العصور الأولى عدد من الشعوب معظمهم من الجنس السامي. وأقدم هذه الشعوب على ما هو معلوم الكنعانيون الذين كانوا تحت حكم المصريين.
وفي عهد الكنعانيين، حسب التقاليد التي يحتفظ بها كلا الشعبين، اليهود والعرب، غادر إبراهيم – جدهما المشترك – مدينة أور في أرض الكلدانيين إلى أرض كنعان التي أصبحت فيما بعد مهدا لشعب اسرائيل (*) وهذه الفكرة القائلة بأن اليهود والعرب هم في الأصل من سلالة واحدة والتي تقوت على مدى الأجيال، كما هو الواقع، بما نسبته إليها التقاليد من حوادث عديدة مهمة قد لعبت دورا مهما في العلاقة المتبادلة بين الشعبين.
وبعد خلاص اليهود من عبوديتهم في مصر وعودتهم إلى فلسطين، جمع الملك داود شمل أسباط اسرائيل وأسس مملكة تولى عرشها حوالى سنة ألف قبل الميلاد. وقد بلغت هذه المملكة قمة مجدها في زمن الملك سليمان الكبير ابن داود. وبنى الملك سليمان في مدينة القدس الهيكل الأول الذي ذاع صيت عظمته وجماله في جميع الأقطار بفضل الكتب المقدسة والمؤرخين. وقد بنى هذا الهيكل على مرتفع جبل موريا وهو المكان المعروف الآن بساحة الحرم الشريف.
وعلى أثر وفاة الملك سليمان، أصبح تاريخ شعب إسرائيل أو بالأحرى شعب مملكتي إسرائيل ويهودا في أغلب أدواره – وكانت القدس إذ ذاك عاصمة مملكة يهودا – عبارة عن سجل حروب أهلية ومناوشات مع قبائل غربية.
وحوالى سنة 720 قبل الميلاد دمر الأشوريون مملكة اسرائيل وسبوا سكانها.
وهاجم نبوخذ نصر، ملك بابل مملكة يهودا حوالي سنة 600 قبل الميلاد، ودمر مدينة القدس وهيكل سليمان في سنة 587، وسبي أكثر سكانها الذين لم يستطيعوا الرجوع إلى بلادهم إلا بعد مرور 50 سنة تقريبا لما افتتح كورش ملك الفرس بابل.
(*) دفن إبراهيم في مدينة الخليل ( حبرون ) حيث أقام العرب الحرم الابراهيمي – نسبة إليه – ولا يسمح لليهود بالدخول إلى هذا الحرم. إلا أن اليهود اعتادوا لغاية سنة 1929 أن يقدموا تضرعاتهم عند القسم السفلي من الحائط الخارجي للحرم الإبراهيمي.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
ومما جاء في سفر أرميا أن اليهود الذين بقوا في الأرض المقدسة مدة السبي ألغوا عادة الذهاب إلى أطلال الهيكل للعبادة. وبعد عودة اليهود إلى فلسطين أعيد بناء الهيكل في مكانه الأول حوالي سنة 520 – 515 قبل الميلاد. وفي القرن التالي وضع عزرا ونحميا طقوسا دينية لليهود.
وفي سنة 322 قبل الميلاد خضع اليهود لحكم المكدونيين وعاملهم الملك انطيوخوس الرابع بشدة وقساوة وهدم الهيكل الثاني بعد قمع الفتنة التي قام بها اليهود سنة 170 قبل الميلاد. ثم استقل اليهود في حكم البلاد مدة من الزمن إلى أن افتتحها الرومان ودخل القائد بومبيوس القدس سنة 63 قبل الميلاد.
وحسبما تروي التقاليد – (التلموذ البابلى- سفر مكوث 64) اعتاد اليهود في هذه المدة أيضا، أي بعد خراب الهيكل الثاني، الذهاب إلى أطلال هيكلهم المقدس.
وفي سنة 40 قبل الميلاد أصبح هيرودوس ملكا على اليهودية بمساعدة الرومانيين واستعادت المملكة اليهودية في زمن حكمه بعضا من عظمتها السابقة. وقد أعاد الملك هيرودوس بناء الهيكل للمرة الثالثة.
غير أن حياة هذا الهيكل كانت أقصر من حياة الهيكلين اللذين سبقاه إذ أنه في سنة 70 بعد الميلاد افتتح مدينة القدس طيطس الذي أصبح بعدئذ قيصر الرومانيين ودمر كما فعل نبوخذ نصر قبله بستة قرون ونصف، المدينة بأسرها والهيكل أيضا ولم يبق من الهيكل سوى قسم من حائطه الغربي فقط.
وقد جاء في كتاب “جروسالم نوفيل” لمؤلفيه فنسانت وابل من الاباء الدومنيكان (طبعة باريس سنة 1922 – 26) إن اليهود في أثناء الدور الأول بعد خراب هيكل هيرودس استمروا على الذهاب إلى أطلاله والبكاء عندها. وتقول التقاليد إن مكان بكاء اليهود في ذلك الزمن كان الصخرة القائمة على جبل موريا حيث يقوم الآن مسجد قبة الصخرة.
وقد جعل الامبراطور ادريانوس (سنة 117 – 138 بعد – الميلاد) مدينة القدس. مستعمرة رومانية أطلق عليها اسم العاصمة إيلياء وحظر على اليهود دخول القدس ومن هنا يبدأ عهد تشتت اليهود في جميع أقطار العالم. وفي الاستطاعة القول أنه منذ ذلك الحين لم تكن تقيم في فلسطين أمة يهودية مع أنه رغما عن ذلك كان يقطن البلاد بعض اليهود يختلف عددهم بالكثرة والقلة باختلاف درجة التسامح التي كان يبديها نحوهم من تعاقب على البلاد من الحكام.
وجاء أيضا في كتاب اباء الدومنيكان المشار إليه أعلاه أن اليهود، حتى بعد أن حظر عليهم دخول البلاد، نجحوا في المجيء إلى القدس مرة في السنة على الأقل. ويلوح أن مكان نواح اليهود كان في ذلك الزمن على جبل الزيتون حيث كان يستطيع المصلون مشاهدة أطلال الهيكل عن بعد. ومنذ سنة 333 بعد الميلاد وصاعدا عندما زار “حاج بوردو” الأرض المقدسة وعرف أن “جميع اليهود كانوا يأتون مرة في السنة فيبكون وينوحون بالقرب من الحجر كان البقية الباقية من الهيكل المقدس” كانت هنالك تقاليد مستمرة نوعا ما بشأن قيام اليهود بتضرعاتهم عند أطلال الهيكل أو بالقرب منه.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
وبعد تفكك عرا الامبراطورية الرومانية خضعت فلسطين لقياصرة البيزنطيين الذين حكموا البلاد منذ سنة 400 بعد الميلاد تقريبا.
وحوالي سنة 637 بعد الميلاد دخل العرب الفاتحون فلسطين واستولوا على القدس فجعل الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس عاصمة مملكة فلسطين العربية، وأخذ العرب يقيمون المباني الإسلامية المقدسة على جبل موريا المهجور الذي كان لا يزال مطلا على المدينة، وفي القرن السابع بنى في القسم الجنوبي الغربي من ساحة الهيكل المسجد الأقصى، وهو مسجد ذو قدسية خاصة للمسلمين لكونه ثالث الحرمين بعد الحرم المكي والحرم المدني (نسبة إلى مكة والمدينة) ولذلك ينظر إليه المسلمون بعين الاحترام والتقديس ويحجون إليه من جميع الأقطار الإسلامية. وقد أقيم في وسط جبل موريا مسجد قبة الصخرة. وبذلك أصبحت ساحة الهيكل أو الحرم الشريف كما أسماه العرب مكانا ذا قدسية عظيمة للمسلمين في جميع أنحاء العالم. ومما تجدر ملاحظته بوجه خاص أن هذا العهد يرجع مبدأه إلى ما قبل ثلاثة عشر قرنا، إذا استثنينا الفترة التي احتل فيها الصليبيون البلاد.
وهناك عدد من المؤرخين اليهود في القرنين العاشر والحادي عشر نذكر منهم بن ماير والرابي صموئيل بن بالطيل وصولومون بن يهودا وغيرهم ممن كتبوا عن ذهاب اليهود إلى حائط المبكى لإقامة الشعائر الدينية عنده حتى لما كانت مقاليد البلاد في يد العرب.
وقد ورد في كتاب وضعه أحد الزوار المسيحيين في القرن الحادي عشر الذي تحاشي ذكر اسمه ما يفيد استمرار مجيء اليهود إلى القدس كل سنة.
وقد تخلل الحكم العربي وصول الصليبيين واحتلالهم القدس سنة 1099 للميلاد، فعاملوا اليهود في باديء الأمر بكل قساوة وشدة إلا أنهم أصبحوا أكثر تسامحا معهم فيما بعد. ويقول بنجامين توديلا – (سنة 1167) إن حائط المبكى أصبح في الدور الأخير من عهد الصليبيين مكانا تقام فيه الصلاة الدائمة. ثم عاد العرب فاستولوا على البلاد في أواخر القرن الثاني عشر ودعا صلاح الدين الملك العربي العظيم، اليهود إلى العودة إلى فلسطين.
وفي القرنين التاليين لذلك العهد لم يرد لفلسطين ذكر في التاريخ تقريبا. ومما يجب ذكره في هذا الصدد أنه في سنة 1193 للميلاد وقف الملك الأفضل بن صلاح الدين مساحة من الأرض تجاه الحائط وقفها لجهات الخير والبر حسب الشرع الإسلامي. وسنبحث في حكم الوقف في فصل تال من هذا التقرير. وفي سنة 1320 وقف أبو مدين الغوث البيوت المعروفة باسم محلة المغاربة (راجع ما تقدم) على حجاج المغاربة ومازالت هذه المحلة تعرف باسمهم لغاية الآن.
وفي سنة 1517 افتتح البلاد الأتراك واستولوا عليها وقد دام الحكم التركي لغاية الحرب العظمى، إذا استثنينا تسع سنوات، اعتبارا من سنة 1831، احتل فيها المصريون البلاد. أما فيما يتعلق بحائط المبكى وكيفية اعتباره في أثناء العهد التركي فهنالك آراء شتى في هذا الصدد تفوق مانستطيع سرده في هذا التقرير – وردت في مؤلفات مختلف السياح الذين ساحوا الأرض المقدسة وعلى الأخص في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي تدل على أن اليهود استمروا على المجيء إلى
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
حائط المبكى وجواره لتقديم تضرعاتهم. وفي سنة 1625 وردت إشارة لأحد الباحثين، الذي لم يذكر اسمه، إلى إقامة “صلوات منظمة” عند الحائط لأول مرة.
وفي أثناء المدة المبحوث عنها اتخذ أولياء الأمر الذين عنوا بمعالجة هذه المسألة قرارات ذات أهمية في شأن حائط المبكى. و في أثناء قيام اللجنة بالتحقيق في القدس أبرز وكلاء فريق المسلمين مرسوما أصدره إبراهيم باشا في شهر أيار سنة 1840 حظر به على اليهود تبليط الممر الكائن أمام الحائط ورخص لهم بزيارته فقط “على الوجه القديم”. وأشار وكلاء فريق المسلمين أيضا إلى القرار الذي كان قد اتخذه مجلس الإدارة سنة 1911 وبه حظر على اليهود استعمال بعض أدوات عند الحائط. بينما أن وكلاء فريق اليهود لفتوا نظر اللجنة بوجه خاص إلى فرمان صادر من السلطان عبد الحميد سنة 1889 منع فيه التعرض للأماكن التي يجري فيهما اليهود الزيارات الطقسية والكائنة في الجهات التابعة لرئاسة الحاخاميين ولمراسيمهم الدينية. ولفتوا نظر اللجنة أيضا إلى فرمان صادر سنة 1841 يقال بأنه بنفس المعنى وإلى فرمانين آخرين صادرين سنة 1893 و 1909 يؤيدان ما جاء به الفرمان الصادر سنة 1889 وقد أرفقنا بهذا التقرير ترجمة المرسوم الصادر سنة 1889 وقرار مجلس الإدارة المتخذ سنة 1911 والفرمان الصادر سنة 1889 (الذيول 6 – 8) أما الفرمان الصادر سنة 1841 فلم يبرز في معرض البينة.
وفي شهر تشرين الأول سنة 1914 انضمت تركيا إلى دول الائتلاف في الحرب العظمى. وفي خريف سنة 1917 دخلت فلسطين جيوش الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي واحتلت القدس في أوائل كانون الأول من تلك السنة. وقد أصدر الجنرال اللنبي المنشور الآتي عندما دخل القدس رسميا في كانون الأول سنة 1917…
“… وطالما أن اتباع الأديان الثلاثة الكبرى في العالم ينظرون إلى مدينتكم بعين العطف والاحترام، وبما أن أرضها قد تقدست من الصلوات والزيارات التي قام بها جماعات كبيرة من الورعين والأتقياء من الأديان الثلاثة لأجيال عديدة، لذلك أعلن لكم بأن جميع المباني والأماكن والمواقع والمقامات المقدسة والأوقاف على اختلاف أنواعها وأماكن العبادة المعتادة العائدة للأديان الثلاثة سيحافظ عليها وتصان وفقا للعادات المرعية واعتقادات أولئك الذين ينظرون إليها بعين التقديس”.
وفي أثناء زحف جيوش الحلفاء في فلسطين وضع المستر بلفور، وكان آنذاك وزير الشئون الخارجية لحكومة جلالته البريطانية، التصريح الآتي بالنيابة عن حكومة جلالته في 2 تشرين الثاني سنة 1917.
“إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، مع البيان الجلي بألا يفعل شيء يغير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين الآن ولا الحقوق أو المركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.
وقد دامت الإدارة العسكرية البريطانية في فلسطين لغاية 1 تموز سنة 1920 عندما أنشئت إدارة مدنية يرأسها المندوب السامي لحكومة جلالته.
وفي 20 كانون الأول سنة 1921 أصدر المندوب السامي نظام المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى وبموجبه عهد لهذا المجلس بإدارة شئون الأوقاف الإسلامية والمحاكم
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
الشرعية الإسلامية في فلسطين. أما أعضاء هذا المجلس فينتخبون انتخابا من هيئة انتخابية.
وقد عهد مجلس عصبة الأمم في 24 تموز لسنة 1922 إلى الحكومة البريطانية بالانتداب على فلسطين، ذلك الانتداب الذي أشارت إليه معاهدة سيفر لسنة 1920 مع أن هذه المعاهدة لم توضع موضع الاجراء قط وقد وضع الانتداب موضع التنفيذ رسميا في 26 أيلول سنة 1923 بعد أن وقعت تركيا على معاهدة لوزان. وفيما يلي نص بعض مواد صك الانتداب على فلسطين التي لها علاقة بالمسألة المتنازع عليها.
المادة الثالثة عشرة
“تأخذ الدولة المنتدبة على عاتقها، مع ضمان جميع مقتضيات الأمن والنظام، كل مسئولية بشأن الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية في فلسطين وصيانة جميع الحقوق المرعية وتأمين حرية السلوك إلى الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية وحرية العبادة ولا تكون مسئولة عن جميع الحقوق المتعلقة بها إلا تجاه جمعية الأمم على أنه ليس في هذه المادة ما يمنع الدولة المنتدبة من أن تتفق مع الحكومة على ما تراه ضروريا لأجل تنفيذ أحكام هذه المادة وعلى ألا تفسر أحكام صك الانتداب هذا بأنها تخول الدولة المنتدبة حق التعرض لجوهر أو إدارة المقامات الإسلامية البحتة المقدسة المصونة امتيازتها”.
المادة الرابعة عشرة
“تعين الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدروس وتعريف وتحديد جميع الحقوق والادعاءات المختصة بالأماكن المقدسة والعائدة لمختلف الطوائف الدينية في فلسطين وتعرض شكل تعيين أعضاء اللجنة وتأليفها ومهامها على مجلس عصبة الأمم للموافقة عليها. ولا تعين اللجنة ولا تقوم بمهامها بغير موافقة المجلس”
المادة الخامسة عشرة
“على الدولة المنتدبة أن تتأكد من أن الحرية الدينية التامة وحرية القيام بجميع شعائر العبادة مضمونتان لجميع المذاهب بشرط المحافظة على النظام العام والآداب فقط. ويجب ألا يكون هنالك أى تمييز بين سكان فلسطين سواء بسبب الجنس أو الدين أو اللغة، وألا يمنع شخص من دخول فلسطين بسبب معتقده، الديني فقط.
ويجب ألا تمس حقوق الطوائف في تولي شئون مدارسها لتعليم أبنائها بلغتهم ولا أن يجحف بها على أن يكون ذلك مطابقا لمقتضيات التعليم العمومية التي قد تفرضها الحكومة”.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
المادة السادسة عشرة
“تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن القيام بما تقتضيه المحافظة على النظام العام والحكم المنتظم من الإشراف على الهيئات الدينية والخيرية من جميع المذاهب في فلسطين. ومع مراعاة هذا الإشراف لا يجوز أن تتخذ أية تدابير في فلسطين من شأنها عوق أعمال هذه الهيئات أو التعرض لها ولا إجراء تمييز بين ممثلي هذه الهيئات أو أعضائها بسبب دينهم أو جنسيتهم”.
**
أما الجمعية الصهيونية وهي “الوكالة اليهودية الصالحة” المعترف بها في المادة الرابعة من صك الانتداب فقد كانت تمثلها في فلسطين لغاية شهر آب 1929، اللجنة التنفيذية الصهيونية التي انتخب أعضاءها المؤتمر الصهيوني. أما الآن فقد حلت محل هذه اللجنة الوكالة اليهودية. وقد انتخبت هذه الوكالة في المؤتمر المشترك الذي عقده الصهيونيون وغير الصهيونيين في مدينة زوريخ في شهر آب سنة 1929.
وقد فرضت المادة الحادية والعشرون من صك الانتداب وضع قانون للآثار القديمة ويعرف هذا القانون بقانون الآثار القديمة لسنة 1929. ويعتبر حائط المبكى مكانا أثريا بالمعنى المفهوم من القانون ولذلك فهو مشمول بحماية دائرة الآثار القديمة.
وقد حملت الاختلافات الناشئة عن مشكلة حائط المبكى وزير المستعمرات البريطانية على نشر “كتاب أبيض” في شهر تشرين الثاني سنة 1928 يحدد خطة حكومة جلالته في المسألة. وقد أرفقنا نسخة من هذا الكتاب بهذا التقرير (الذيل التاسع) وبعد الاضطرابات التي وقعت في السنة الماضية أصدر المندوب السامي في أواخر شهر أيلول سنة 1929 تعليمات مؤقتة بشأن استعمال حائط المبكى وقد أرفقنا نسخة من هذه التعليمات بهذا التقرير أيضا (الذيل العاشر).
الفصل الرابع
مطالب وادعاءات
ننتقل الآن إلى البحث في مطالب. وادعاءات كل من الفريقين والظروف التي أدت إلى إثارتها.
أدلى الدكتور مردخاي الياش والمستر دافديلين والحاخام موشى بلاو بحجج وبراهين فريق اليهود شفهيا أمام اللجنة وقدموا لها أيضا مذكرة خطية وضعها بالنيابة عن مختلف الهيئات والجمعيات اليهودية الدكتور كورش ادلر وبعض كبار رجال اليهود في القدس كما أن عوني بك عبد الهادي وأحمد زكي باشا ومحمد علي باشا أدلوا بحجج وبراهين العرب شفهيا وأبرزوا وثائق ومستندات عديدة.
وتلخص حجج وبراهين الفريقين التي أدلوا بها أمام اللجنة في أثناء التحقيق الذي قامت به في القدس بما يلي:
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
مطالب وادعاءات اليهود
(أ) عادة اليهود بالذهاب إلى الحائط للنواح.
تستند هذه العادة إلى فكرة أساسية منشؤها الديانة اليهودية كما ورد في سفر الملوك الأول (الاصحاح الثامن- العدد 11) هي أن الحضور الإلهي يملأ هيكل الملك سليمان. وهذا ما جاء في ذلك الاصحاح بالحرف: “لأن مجد الرب ملأ بيت الرب” وعلى هذا الأساس ما فتئ اليهود يعتبرون الهيكل من أقدس الأماكن المقدسة لديهم، ولذلك أخذوا لأجيال عديدة خلت، وما زالوا إلى الآن ينوحون على خراب الهيكل ومن هنا نشأت عادة مجيئهم إلى بقايا وآثار المكان الذي كان فيما مضى بيتا للرب كي يقوموا عند الحائط بالبكاء والنواح.
ويزعم اليهود أن هذه العادة ترجع إلى أقدم الأزمنة، أي إلى ما بعد خراب الهيكل.
ويدعي اليهود بأن ذلك يؤيده ما ورد في سفر ارميا (الاصحاح الحادي والأربعون، العدد 5) حيث قيل إن “ثمانين رجلا جاءوا من مختلف أنحاء البلاد وبيدهم تقدمة ولبان ليدخلوها إلى بيت الرب”. ولما كان الهيكل غير قائم في ذلك الحين فلا بد من أن التقدمات كانت توضع في المكان الذي كان الهيكل قائما عليه. وكان اليهود، حسبما جاء في مؤلفات كتابهم في الأجيال الأولى من التاريخ المسيحي، يأتون إلى الحائط حتى في الزمن الذي لم يكن في مدينة القدس أحد من مواطنيهم تقريبا. ويعتقد اليهود أن “الكوتل معرافى” لا يمكن هدمه على الإطلاق لأن الحضور الإلهي (شكينة) مستقر فيه على الدوام.
وقد جاء في كتاب وضعه أحد الربانيين من عصر التلمود البالي والتلمود الأوشليمي وصف “الحضور الإلهي” الذي يثبت إيمان المؤمنين. وينبئنا كتاب “جروسالم نوفيل” (القدس – الجديدة) لمؤلفيه فنسانت وآبل، من الآباء الدومنيكان، الذي أشرنا إليه فيما تقدم أن أباطرة الرومان كانوا يسمحون لليهود في العصور الأولى بالمجيء إلى القدس وباداء فروض العبادة داخل ساحة الهيكل وبالصعود في بعض الأحيان إلى جبل الزيتون لرؤية المكان المقدس عن بعد وتلاوة الصلوات والنواح. وقد أيد فريق اليهود حجتهم القائلة بأن اليهود كانوا يؤدون تضرعاتهم عند الحائط بدون انقطاع بما ذكره أولئك الكتاب الذين أتينا على ذكر أسمائهم في الفصل التاريخي آنفا وغيرهم كالأب غريغوريوس وقد ورد ذكر نواح اليهود عند الحائط في أغلب كتب السياح الذين زاروا فلسطين في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وقد جاء في القسم التاريخي من دليل السياح عن فلسطين المعروف باسم بديكر (فلسطين وسوريا طبعة ليبزج وباريس سنة 1912 – صفحة 62) وصف بقلم المستشرق البرت سوكن لعادات اليهود عند الحائط والصلوات التي كان يتلوها الشماسون وترددها جماعات المصلين. وبالطبع إن كتاب اليهود في هذا الصدد أكثر عددا وأخبارهم أكثر تفصيلا وإسهابا.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
(ب) تكرر وصفة العبادة عئد الحائط.
1 – في أثناء القرون الأولى بعد خراب الهيكل اعتاد اليهود الذهاب إلى الحائط مرة في السنة. من المرجح أن تكون يوم تذكار خراب الهيكل (9 آب عبري) وبعد ذلك أخذوا يكررون ذهابهم إلى الحائط، ليس كزوار فقط بل في الأعياد الدينية المختلفة وفي أيام السبت أيضا (إذا استثنينا مدة من الزمن انقطعوا فيها عن الذهاب إليه في عهد الصليبيين). وبعد أن افتتح العرب مدينة القدس لم يمنعوا اليهود من الذهاب إلى الحائط. ومنذ أواخر القرن الثامن عشر ازدادت إقامة اليهود – وازدادت التضرعات عند الحائط ازديادا كبيرا بسبب نمو الشعب اليهودي في فلسطين وبوجه خاص في القدس.
2 – ورد في المذكرة التي قدمها فريق اليهود أن صلوات اليهود عند الحائط كانت في خلال الأجيال العديدة تقتصرعلى البكاء والنواح وأن الأتقياء منهم كانوا يقتربون من الحائط ويلمسونه بجباههم ويبللونه بدموعهم ويضعون في شقوق الحجارة أحيانا قصاصات من الورق تتضمن استرحامات وتمنيات دينية.
غير أن اليهود أخذوا بعد ذلك يقرأون أو يتلون بعض المزامير وقطع من أسفار. موسى أو الصلاة عند الحائط ومنذ القرن الثامن عشر على الأقل أخذوا يستعملون كتبا مطبوعة تتضمن ترتيب الخدمة الدينية ومختلف الصلوات التي تتلى عند الحائط. وقد أخذت الصلاة بعدئذ صبغة خدمة دينية حقيقية تتطلب استعمال بعض الأدوات التي تستعمل أثناء الصلاة في الكنيس.
ويدعي اليهود بناء على ذلك أن استعمال أدوات كالمقاعد وستار لفصل الرجال عن النساء وخزانة تتضمن أسفار التوراة وقناديل طقسية وطشت للغسيل الخ. كان شائعا عند الحائط ومسموحا به من الحكومة أيضا قبل نشوب الحرب العظمى بمدة طويلة. فوفقا لحجة اليهود يجب اعتبار هذه الحالة بأنها هي الحالة الراهنة (ستاتيكو) والحقوق المرعية التي تشير إليها (المادة 13) من صك الانتداب. ولهذه الغاية أشار اليهود أيضا إلى الفرمانات الممنوحة سنة 1481 و 1889 و 1893 المار ذكرها. وفضلا عن ذلك يدعي اليهود أنهم في بعض الأحيان أثناء الدور التركي اشتركوا في نفقات رصف الممر عند الحائط ويزعمون بأن ذلك لما يثبت أن من المسلم به أنه كان لليهود بعض الحقوق وعليهم بعض الواجبات بذلك الشأن.
فضلا عن ذلك يدعي فريق من اليهود أيضا أن “المادة 15” من صك الانتداب تقضي على الدولة المنتدبة بأن تضمن لليهود حرية العبادة عند الحائط حسب الطريقة المفروضة في شعائرهم وطقوسهم الدينية بدون أدنى تداخل من العرب أو من أتباع أي مذهب آخر، بل يطلبون، فضلا عن ذلك، أن يمنع العرب من ازعاج اليهود في أثناء صلواتهم سواء بسوق الدواب في الممر عند الحائط أو بتكليف مؤذن بالآذان في جوار الحائط أو بإقامة “الذكر” في الساحة الكائنة عند الطرف الجنوبي من الحائط الأمور التي يعترض اليهود على إقامتها لما يحدث فيها من الضجة المقلقة. ويرى وكلاء فريق اليهود أن هذه اللجنة لها نفس الصلاحية التي للجنة الأماكن المقدسة. إلا أن فريق اليهود لم يدع بملكية الحائط. وفي رأيه أيضا أن الحائط لا يعتبر ملكا حسب المعنى المفهوم من هذه الكلمة إذ أنه من صنف الأملاك المقدسة أو التي لا يمكن الاتجار فيها. واستنادا إلى هذا الرأي احتج على كل الانشاءات الجديدة على اختلاف أنواعها
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
التي أقامها المسلمون في الحائط وفي جواره الملاصق له. وقد قدم فريق اليهود إلى اللجنة مذكرة مسهبة عن انشاءات المسلمين الحديثة في الحائط ارفقناها بهذا التقرير (الذيل الحادي عشر). ويشير الفريق المدعي إلى ما قاله الشيخ اسماعيل الحافظ في أثناء تأدية الشهادة أمام اللجنة فيما يتعلق بالأملاك الموقوفة (صفحة 711 – 712) (من محضر اللجنة) بأن بعض العلماء والفقهاء يقولون أن الوقف ملك الله بينما أن البعض الآخر يقولون أنه ليس ملكا لأحد. وبناء على ذلك فقد طلب وكلاء فريق اليهود من اللجنة أن تقبل هذا التفسبر الذي قد يؤدي إلى حل المشكلة برمتها.
(ج) هل الحائط مكان مقدس من الوجهة الإسلامية
مسألة البراق. مسألة الوقف.
1 – | ينفي اليهود إمكان اعتبار الحائط والرصيف الكائن أمامه ومحلة المغاربة أماكن إسلامية مقدسة. وحجتهم في ذلك أن المسلمين أنفسهم لا يعتبرون ما ذكر من الأماكن الإسلامية المقدسة لأنهم لو كانوا يعتبرونها كذلك لما لطخوا الحائط بالقذارة – كما يدعي اليهود أن المسلمين فعلوا ذلك في بعض الأحيان – ولما سمحوا ببناء مرحاض ملاصق للحائط المتمم لحائط المبكى من الجهة الجنوبية والذي هو جزء من حائط الحرم الشريف. |
2 – | إن اليهود، بينما لا يخالفون ورود ذكر البراق في كتب بعض المؤرخين، يؤكدون أن هذه الأسطورة يرجع عهدها إلى عدة أجيال بعد زمن النبي محمد وأن البراق لم يرد ذكره في القرآن. وهم يقولون، بناء على ذلك، أنه ليس هنالك ما يدعو للادعاء بقدسية الرصيف الكائن أمام الحائط لكون النبي مر به ليلة الاسراء ذلك أنه لم يرد ذكر لهذا الأمر في الكتب الإسلامية المقدسة. ويدعي اليهود أيضا أن الطريق التي سلكها النبي محمد قبل دخوله إلى ساحة الهيكل ليست معروفة تماما وأن المسلمين أخذوا يقولون من عهد قريب فقط بأن النبي مر من ذلك المكان وأن براقه ربط في حلقة من الحديد في الحائط الذي هو الآن قسم من مسجد البراق، وأن المسلمين فضلا عن ذلك لم يطلقوا اسم البراق على الحائط إلا في السنوات الأخيرة كما أن الدليل الرسمي للحرم الشريف الذي نشره المجلس الإسلامي سنة 1924 – لا يشير إلى أن للحائط قدسية خاصة. |
3 – | أما فيما يتعلق بوقفية الحائط والرصيف الكائن أمامه ومحلة المغاربة فيقول اليهود أن مدى اتساع المنطقة التي يشملها الوقف غير واضح تمام الوضوح في سجلات المحاكم الشرعية وأن حدودها على الأخص ليست واضحة. وفي رأيهم علاوة على ذلك أن وقف أي عقار لا يؤثر في قيام اليهود بفروض العبادة عند الحائط وعلى الأخص لأن اليهود كانوا يقيمون دائما طقوس عبادتهم قبل إنشاء الوقف وبعده ولأن حرية العبارة مضمونة بصك الانتداب. |
واستنادا إلى هذه الحجج طلب فريق اليهود إلى اللجنة أن تتخذ الاجراءات الآتى بيانها:
أولا – | أن تعترف بالحق الذي ما فتئ اليهود يدعون به منذ القدم بأن حائط المبكى هو مكان مقدس ليس ليهود فلسطين فحسب بل لليهود في العالم قاطبة. |
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
ثانيا – | أن تقرر بأن لليهود الحق في السلوك إلى الحائط للقيام بالتضرعات والصلوات وفقا لطقوسهم الدينية بدون مداخلة أو ممانعة. |
ثالثا – | أن تقرر السماح لليهود بالاستمرار على القيام بشعائرهم الدينية مع مراعاة اللياقة والاحتشام مما هو من مميزات هذه العادة المقدسة التي اتبعوها أجيالا عديدة بدون أن يتعدوا على حقوق الآخرين الدينية. |
رابعا – | أن تقرر بأن من صلاحية رئاسة الحاخامين في فلسطين وضع أي أنظمة ضرورية للقيام بهذه التضرعات والصلوات وبأن تأخذ هذه الرئاسة على عاتقها المسئولية التامة بهذا الشأن وتستشير في ذلك رئاسة الحاخامين في العالم. |
خامسا – | أن تقترح على الدولة المنتدبة – إن حاز هذا المشروع قبولا لديها – اتخاذ التدابير الضرورية لإخلاء أملاك وقف المغاربة على أن تقبل دائرة الأوقاف بدلا منها بعض مبان جديدة تقام في موقع لائق في القدس حتى يستمر تحقيق الغاية الخيرية التي أنشيء من أجلها هذا الوقف. |
حجج المسلمين
قبل أن نشرع في إيضاح وجهة نظر فريق المسلمين، يجدر بنا أن نشير إلى التصريحات التي أدلى بها بالنيابة عن المسلمين أحمد زكي باشا في أمور تتعلق بالمبدأ وكررها بعدئذ محمد على باشا.
“مع تقديرى لعمل اللجنة المحترمة واحترامي لها أراني مضطرا قبل التكلم في الموضوع إلى إبداء الاحتياطين الآتيين:
الأول – إن الأمة الفلسطينية أعلنت رسميا وفي كل الظروف عدم اعترافهما بالانتداب البريطاني على فلسطين وهي لذلك لا تريد أن تتقيد بأي نظام مستمد من هذا الانتداب ولا الإقرار بأية نتيجة ترجع إلى ما يسمى بوطن قومي لليهود. فدفاعي في هذا النزاع يجب أن لا يغير شيئا مما احتفظت به الأمة الفلسطينية لنفسها لأنها هي وحدها صاحبة الحق في تقرير مصيرها.
الثاني – يقرر المسلمون إن النزاع على ملكية أماكن العبادة أو على حقوق مدعى بها على هذه الأماكن يجب أن يرفع إلى الهيئة المختصة دون غيرها بالفصل في أمر الوقف والأماكن الإسلامية المقدسة. وما عداها فهو غير مختص أصلا لعدم وجود حق له في ولاية الحكم على هذه الأماكن.
ومع الاحتفاظ بهذين الاحتياطين أتشرف بابداء ما يأتي: –
وقد أدلى فريق المسلمين بالحجج الآتية مع الاحتفاظ الصريح بالاحتياطين المتقدم ذكرهما.
(أ) الوجهة التاريخية:
يدل التاريخ على أن اليهود بعد أن تملكوا فلسطين بحق الفتح طردهم الرومان منها على أثر تدمير الامبراطور طيطس لمدينة القدس وحكم المسيحيون البلاد بعدئذ لغاية الفتح العربي بقيادة عمر بن الخطاب واستمرت البلاد في حوزة العرب جيلا بعد
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
جيل، إذا استثنينا مدة تسعين سنة كانت فيها بحوزة الصليبيين. ولم يتعرض العرب لليهود الذين جاءوا إلى فلسطين بل أكرم مثواهم حكام البلاد المسلمون. وفي أثناء هذه المدة الطويلة لم تقع حوادث ما عند البراق. ولم يدع اليهود يوما من الأيام أي حق في الحائط بل كانوا قانعين بالذهاب إليه للنواح، حينا بعد آخر، وراضين بالتأكيدات التي أعطيت لهم بأن العرب المتسامحين لن يتعرضوا لهم. إن وعد بلفور الذي ادمج في أحكام صك الانتداب هو السبب في وقوع الخلاف الذي أدى أخيرا إلى إراقة الدماء في فلسطين وحرض اليهود على تقديم مطالب لم يحلموا بها فيما مضى. فإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، البلاد العربية، التي خسرها اليهود منذ مئات ومئات من السنين، لا بد أن ينجم عنه اضطرابات وقلاقل لا نهاية لها. ثم خسر اليهود ثانية البلاد بعد أن استولوا عليها بحق الفتح فاستولى عليها العرب بدورهم ليس من اليهود الذين كانوا قد طردوا من البلاد قبل ذلك بأجيال عديدة بل من البيزنطيين. ولم تكن البلاد التي احتلها العرب في القرن السابع مملكة يهودية بل بلادا لم يكن لليهود حق فيها على الإطلاق.
(ب) حقوق اليهود في الحائط والرصيف وما جاورهما وصبغة تضرعاتهم:
أن المسألة التي نبحث فيها الآن تدور حول ملك ما زال في تصرف المسلمين منذ قرون عديدة. فالبراق جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف وليس فيه حجر واحد يعود إلى عهد الملك سليمان، والممر الكائن عند الحائط ليس طريقا عاما ولكنه أنشئ فقط لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى مسجد البراق ومن ثم إلى الحرم الشريف. والمنطقة التي حوله يقطنها مسلمون من المغاربة ممن جاءوا إلى المدينة المقدسة كحجاج أو يودون قضاء ما بقي من حياتهم فيها. وبالتالي فهذه المحلة إسلامية بحتة. ولن يرضى العرب على الاطلاق بنزع ملكيتها لليهود الذين ترمي غايتهم القصوى إلى إنشاء كنيس في ذلك المكان. وبما أنه ليس لليهود حقوق في ذلك المكان فإن وجودهم عند الحائط في أيام معلومة لا يعني سوى أنه من قبيل التسامح الذي أبداه نحوهم المسلمون والذي يفوق ما أبداه المسيحيون لهم ولذا فلا يستطيع اليهود أن يستعملوا هذا التسامح كوسيلة لتقديم مطالب بحقوق مطلقة كما يحاولون أن يفعلوا الآن. إذ إن السماح لهم بالسلوك إلى الحائط من قبيل التسامح فقط جلي كل الجلاء في المرسوم الصادر من ابراهيم باشا في سنة 1840 م. والذي مر معنا ذكره.
ومن البيانات والأقوال العديدة التي وردت في مؤلفات السياح والمؤرخين والجغرافيين وغيرهم يتضح جليا أنه لما كان يسمح لليهود بالاقتراب من الحائط وما كان ليسمح بذلك دائما، لم يكن ما يبدونه عند الحائط يتجاوز حد النواح ولم يحاولوا قط إقامة شعائر دينية بالفعل. وفضلا عن ذلك، كان اليهود في بعض الأحيان لا ينوحون عند الحائط بل يذهبون إلى خارج المدينة للنواح.
ومما قاله فريق المسلمين أن اليهود لم يبرزوا أية مستندات رسمية أو قرارات تأييدا لمدعاهم بأن لهم حق إقامة الصلوات عند الحائط. فالفرمان الصادر سنة 1889 م. وغيره من الوثائق التي يستندون إليها ليس لها المزية، التي يدعونها.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
(ج) الحالة الراهنة (الستاتيكو):
وقد صرح فريق المسلمين بأن ما ورد في الأحكام بشأن تطبيق الحالة الراهنة (الستاتيكو) في الأماكن المقدسة ليس له علاقة البتة بالبراق. فالقواعد التي وضعت بشأن الأماكن المقدسة ترمي إلى تقرير حقوق كل طائفة من الطوائف المختلفة في مكان مقدس معين. وليست الحالة كذلك فيما يتعلق بالبراق ذلك لأن الحق فيه سواء من جهة ملكيته أو الانتفاع به أو استعماله عائد للمسلمين. والأمر الوحيد الذي يمكن البحث فيه فيما يتعلق بالبراق هو مدى التسامح الذي يستطيع أصحاب البراق ابداؤه ذلك التسامح الذي لا يمكن أن يتجاوز الحدود التي يعينونها.
وفضلا عن هذا فإن الكولونيل سايمس كان قد اعترف بهذا الأمر عندما مثل الدولة المنتدبة أمام لجنة الانتداب الدائمة في دورتها التاسعة لسنة 1926م. (صفحة 174 من محضر اللجنة).
“طلب الموسيو يماناكا بعض التفاصيل عن الحادث الذي جرى بسبب نواح اليهود عند الحائط الغربي للهيكل.
فأجاب الكولونيل سايمس بأن اليهود قد جرت عادتهم بالتوجه إلى قرب حائط الهيكل الغربي للبكاء على سقوط عظمة اسرائيل. على أن الموقع الذي يحصل فيه العويل عائد لوقف إسلامي. وبينما أنه يسمح لليهود في التوجه إلى هذا المكان فليس لهم من الوجهة القانونية الحق في أن يحدثوا أي شيء يمكن أن يترتب عليه إيجاد أثر في النفس بأن الموقع المشار إليه هو ملكهم. فكل طائفة دينية تسعى بكل ما في وسعها لمنع أية طائفة أخرى من اكتساب أي حق قانوني في ما تعتبره ملكا لها. وعلى ذلك، فإن المسلمين الذين يملكون الموقع المذكور قد اعترضوا على جلب اليهود كراسي إليه. لأنهم يقولون إن هذه الكراسي قد تصبح مقاعد وأن هذه المقاعد لا تلبث أن تصير ثابتة في الأرض وأنه لا يمضي على المقاعد الثابتة زمن طويل حتى يكون اليهود قد أوجدوا لأنفسهم حقا شرعيا في هذا الموقع.
هذا ومهما كان العطف الذي تشعر به الإدارة نحو هؤلاء اليهود فإن واجبها – بصفتها الانتدابية – هو احترام الحالة الراهنة. وبناء على ذلك فكلما أحضر اليهود كراسي إلى هذا الموضع أحضر البوليس إلى رفعها، إذ من المقرر أن اليهود يكونون من الوجهة القانونية قد تجاوزوا حقهم. ولو تهاون البوليس في رفع الكراسي لحدثت أمور توجب الأسف مثل الحوادث التي وقعت في الماضي.
فالمسألة لايتسنى تسويتها إلا بالتراضي بين المسلمين وبين اليهود. وأما الحكومة فستفتعل كل ما في وسعها لترويج هذا الاتفاق”
وبناء على ذلك، لا يستطيع اليهود أن يستندوا إلى مبدأ الحالة الراهنة لتأييد أي ادعاء كان يدعون به، والدموع التي أذرفوها في القرون الماضية لا تنيلهم أي حق في ملكية الحائط ولا حق الانتفاع فيه، كمكان يترددون إليه.
(د) قدسية الرصيف الكائن عند الحائط والمكان المجاور له:
إن قدسية الحائط الغربي، الذي هو جزء من الحرم الشريف، لا ينازع فيه منازع. وقد ورد ذكر اسراء النبي إلى القدس في القرآن الكريم على الوجه الآتي:
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله.
ومما يجب ملاحظته في هذا المقام أنه لما أسري بالنبي محمد إلى القدس أصبح موقع الهيكل القديم ، الذي كان موضع احترام وتقديس المسلمين، يعرف بالمسجد الأقصى لتمييزه عن المسجد المكي والمسجد الحرام. لأن مكة المكرمة كانت في ذلك الزمن مناوئة للنبي محمد. وبناء على ذلك أصبحت القدس وعلى الأخص ساحة الهيكل، مدة من الزمن القبلة الأولى للمسلمين، أي أن المسلمين في ذلك الزمن كانوا يولون وجوههم شطر القدس عند الصلاة، وذلك قبل أن يتوجهوا إلى قبلة بيت الله الحرام في مكة.
إن هذه الأمور توضح صريحا القدسية الخاصة التي للحرم الشريف والمباني التابعة له في نظر المسلمين في جميع أقطار العالم. أما تقديس الحائط والرصيف فآت من أنه محل البراق، نزل فيه النبي ومر به ثم ربط براقه في الحائط نفسه ليلة الإسراء. وبناء على تقديس المسلمين لهذا المحل وقف أصحاب الأملاك المجاورة أملاكهم فأنشئت فيها “زوايا” وبيوت لحجاج المغاربة.
(هـ) الوقف وحكمه الشرعي:
الوقف هو حبس العين عن تمليكها لأحد والتصدق بريعها على جهة أو أكثر من جهات البر. فإذا وقف شخص ريع ملك خرجت ملكيته من يده أيضا والنوع الأول من الوقف، وهو المباني أو الأراضي الموقوفة للتصدق بريعها على المساجد أو المستشفيات أو سائر طرق الخير، يقسم إلى ثلاث مراتب: أعلاها مرتبة المساجد والمعابد الموقوفة لتأدية الصلاة. وثانيها الزوايا ومدارس العلم التي وقفت للذكر وتعليم القرآن الشريف وتلقي الشريعة. وثالثها الأماكن التي وقفت لتكون مستشفيات للأمراض ورباطا للمنقطعين ونحو ذلك من وجوه الخير. أما النوع الثاني فهو ما وقف، لا لأجل الانتفاع بعينه، بل بثمرته وريعه بدون انقطاع على مسجد أو مستشفى أو رباط وغير ذلك من وجوه الخير. وعلى هذا يمكن وقف المبانى والدكاكين والأراضي الزراعية. ومتى وقفت هذه الأشياء يخصص ريعها لجهة من جهات النوع الأول من الوقف.
وفضلا عن ذلك فلا تجيز الشريعة الإسلامية بيع الوقف ولا تحويله خلافا لشرط الواقف.
وعلى ذلك فالبراق، لكونه جزءا من الحرم الشريف، يعتبر وقفا من المرتبة الأولى من النوع الأول. كما أن الرصيف عند الحائط ومحلة المغاربة وقف من المرتبة الثالثة من النوع الأول لأن أصحابها وقفوها لاستعمال زوار المسلمين وحجاجهم. والشريعة الإسلامية تحظر على اليهود أن يدعوا بأية حقوق كانت في هذه الأماكن.
إن الوقف لا يسقط بتقادم الزمن إلا إذا كان الغاصب قد اغتصب الوقف مدة ثلاث وثلاثين سنة على الأقل بلا ممانعة ولا انقطاع. والواقع أن المسلمين تسامحوا مع اليهود، مع مرور الزمن، فأذنوا لهم بالذهاب إلى الحائط للبكاء بنفس الشروط التي أذنوا بها لغيرهم من سكان القدس والأجانب بزيارة الحائط لا يعطيهم أي حق كان سواء في ملكيته أو في الانتفاع بهذا الامتياز في المستقبل.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
أما فيما يتعلق بطلب اليهود أن يؤذن لهم بجلب أدوات إلى الحائط كالمقاعد والكراسي والستار الخ. فطلبهم هذا لا يستند إلى عادة مقررة أو بالأقل إلى عادة جرى عليها اليهود منذ القدم. ذلك لأن العرب، والأتراك من قبلهم، كانوا دائما يمانعون في اجراء مثل هذه البدع كما يتضح من مرسومي سنة 1840 م. وسنة 1911 م. ومن المكاتبات الكثيرة التي دارت حول هذه المسألة بين المجلس الإسلامي الأعلى وحكومة فلسطين (وثيقتا فريق المسلمين رقم9 ورقم 10). إن الأنظمة المؤقتة التي أصدرتها حكومة فلسطين لا يمكن اعتبارها بأنها تمنح اليهود أي حق بذلك. وفضلا عن هذا فإن الدولة المنتدبة في كتابها الأبيض الذي أصدرته في شهر تشرين الثاني سنة 1928 قد اعترفت صراحة بأن الحائط الغربي والمنطقة المجاررة له ملك المسلمين الخاص.
وليس لليهود أن يدعوا بأن لهم حق ارتفاق. فحق الارتفاق، كما هو معروف قانونا، لا يتفق مع حجج ومزاعم اليهود إذ أنه يجب أن يكون لمنفعة عقار آخر لا لمنفعة أشخاص. وعلى كل حال لا تستطيع اللجنة أن تمنح اليهود أكثر من زيارة الحائط زيارة مجردة.
وقد قال فريق المسلمين أن كل ما ذكروه بشأن الوقف مبني على أحكام الشريعة الإسلامية وشروحها.
(و) نوايا اليهود الحقيقية:
ليس الغرض من حركات اليهود ومشاغباتهم وضع مقاعد عند الحائط للطاعنين في السن والعجزة للاستراحة عليها فقط. بل إن ما يجب أن نتناوله بالبحث في هذا الصدد تلك الحركات الصهيونية التي ترمي إلى تأمين منافع لليهود ليس لهم فيها أدنى حق. أن غايتهم الحقيقية هي وضع يدهم على الحرم الشريف رغما عن كل التصريحات والأقوال التي أدلى بها اليهود بأن ذلك ليس ما يصبون إليه.
وقد اعترفت لجنة شو نفسها بأن مخاوف العرب من اليهود في هذا الشأن معقولة (تقرير شو صفحة 97).
إن وعد بلفور هو الذي أثار اليهود لطلب بعض الحقوق التي لا وجود لها في الحقيقة وهم يشعرون، لعدم إمكانهم إبراز أية بيانات على ثبوت ادعاءاتهم ومطالبهم بأنهم يستطيعون الاعتماد على معونة من الخارج حتى إنهم حاولوا أن يؤيدوا مزاعمهم بالقوة كما وقع أثناء الاضطرابات سنة1929 م. ولو قالوا أمام اللجنة بأنهم لا يدعون بحق الملكية في الحائط فإنهم يرمون بالحقيقة إلى تحقيق هذه الغاية.
إن مطمح الصهيونية الأساسي هو الاستيلاء على مسجد قبة الصخرة وساحة الهيكل برمتها وإخراج العرب من فلسطين فيحلون عندئذ محلهم. ويود وكلاء فريق المسلمين في هذا المقام أن يستدل بما جاء في دائرة المعارف البريطانية عن الصهيونية (طبعة سنة 1926م. المجلد 27 – 28، صفحة 986 – 987). وهذا ما ورد فيها.
“إن من أكبر النتائج التي تلفت النظر والعناية والتي تولدت من العداء نحو الساميين ظهور حركة اليقظة القومية في اليهود بمظهر سياسي، وهي الحركة التي عرفت بالصهيونية… إن اليهود يتطلعون إلى افتداء اسرائيل، واجتماع الشعب في
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
فلسطين، واستعادة الدولة اليهودية، وإعادة بناء الهيكل، وإقامة العرش الداودي في القدس ثانية وعليه أمير من نسل داود”.
غير أن ما جاء في دائرة المعارف اليهودية في هذا الصدد أكثر صراحة.
وقد صرح اللورد ملتشت (السر الفرد موند سابقا) سنة 1922 م. بقوله: “إن اليوم الذي سيعاد فيه بناء الهيكل أصبح قريب جدا”. وصرح جابوتنسكي وزانكويل والبروفسور كلوزنر، أحد أساتذة الجامعة العبرية بالقدس وغيره من كبار زعماء اليهود بمثل هذه التصريحات. وما نشره اليهود من الرسوم والصور في مختلف جرائدهم يكشف القناع عن نوايا الصهيونيين لإعادة بناء الهيكل حيث يقوم الآن الحرم الشريف.
وهذه الحالة التي أوجدها اليهود في الأرض المقدسة وعلى الأخص في القدس لمصدر خطر دائم يهدد السلام، إن طلب اليهود بنزع ملكية محلة المغاربة لدليل على أن نوايا اليهود الحقيقية هي أن يستولوا تدريجيا على جميع الأماكن الإسلامية المقدسة وأن يصبحوا أسياد البلاد. ولما كانت مطالب اليهود غير مستندة على أية حجة قانونية فمن الواجب ردها. وأفضل حل للمسألة برمتها هو منع اليهود من الاقتراب من الحائط.
الفصل الخامس
في البيانات والشهادات
إن البيانات التي أدلى بها الفريقان أمام اللجنة تبحث في الدرجة الأولى فيما يلي:
أولا: صبغة تضرعات اليهود عند الحائط.
ثانيا: الأدوات التي يستعملها المصلون اليهود.
1 – يؤكد اليهود أن تضرعاتهم هي من نوع الصلاة. وهم يميزون بين الصلاة التي يقيمها الأفراد والصلاة إلى تقيمها الجماعات (أي جماعة من الرجال لا يقل عددهم عن العشرة وتعرف بالمنيان). ولذلك فإن التضرعات التي يقيمها اليهود عادة عند الحائط. هي حسب زعمهم، صلاة جماعة كالصلاة التي تقام في الكنيس.
وقد أبرز وكلاء فريق اليهود بينات مختلفة لإثبات هذا الادعاء. وبهذا الصدد يقول السائح الألماني اليهودي ل. أ. فرانكل في كتاب وضعه في منتصف القرن التاسع عشر (الوثيقة اليهودية رقم 20) ما يلي:- لما جئت إلى حائط المبكى تذكرت حالا الكلمات العادية التي تتلى في صلاة ألـ “منحة” أي العصر). وقد جاء في الكتاب المعروف بـ “مهازة ارتز ماسكدوشه” (أي مشاهدة الأرض المقدسة) المطبوعة سنة 1891م. (الوثيقة رقم 1 صفحة 43) “ففي أثناء الصيف يتراوح عدد المجتمعين عند الحائط يوم الجمعة بين 1000 و1800 نسمة وتنتهي صلاة استقبال السبت مع ظهور النجوم وتبتدئ صلاة المساء بعد ظهور النجوم.” وقال الحاخام ميشيل في كتابه إن حاخاما آخر كان حوالي السنة 1860 م.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
يستأجر عددا من الأشخاص لإتمام العدد المعين للجماعة لأجل إقامة صلاة كل يوم في الصباح وبعد الظهر وفي المساء عند الحائط (الوثيقة اليهودية رقم 1 صفحة 39). وفي الكتاب الذي وضعه الحاخام موسى خاكيز سنة 1671 م. وصف الصلاة الخصوصية التي أداها عند حائط المبكى وقال إنه يفضل إضافة صلوات أخرى إلى الصلاة العادية (الوثيقة اليهودية رقم 1 صفحة 34). وقد قال رئيس حاخامي يافا عوزيل، وهو أحد الشهود الذين سمعت اللجنة شهادتهم، (محضر اللجنة صفحة 196 – 197) إنه لا يوجد فرق بين الصلاة التي تقيمها الجماعة في الكنيس والصلاة التي تقيمها الجماعة عند الحائط لا في الشكل ولا في الترتيب، وإن صلاة المساء يوم الجمعة عند الحائط موجودة في كتاب الصلاة العادي. وشهد الشاهد اليهودي الحاخام شور، (محضر اللجنة صفحة 165) أنه لا فرق بين الصلاة التي تقام عند الحائط والصلاة التي تقام في الكنيس. وقد أيد هذه الشهادة الشاهد غولدبرج (محضر اللجنة صفحة 336) وغيره وقد قال الشماس اليهودي ميوحاس، في أثناء شهادته، (محضر اللجنة صفحة 262) إن المصلين اليهود في أثناء صلاة الجماعة عند الحائط، اعتادوا أداء الصلاة المقررة في كتاب الصلاة وهي نفس الصلاة التي تؤدى في الكنيس. وذكر المستر رتشارد هيرز، وهو شاهد انكليزى استدعاه فريق اليهود لاداء الشهادة، أنه سكن القدس نحو 38 سنة واعتاد الذهاب إلى الحائط في فترات متعددة في السنوات السابقة للحرب (محضر اللجنة صفحة 154) وهو يظن – من مشاهداته أن الصلاة التي تقام عند الحائط هي صلاة جماعة. وشهدت الآنسة هزى، وهي انكليزية أيضا. (محضر اللجنة صفحة 309) أنها شاهدت مرة واحدة، وذلك قبل الحرب ببضع سنوات، جمهورا كبيرا عند الحائط ورجلا يقول شيئا فيردده الآخرون. وتراءى لها أن ذلك يشبه ما يردده المصلون في صلاة الجماعة.
وقد أحضر فريق المسلمين من الجهة الأخرى عددا كبيرا من الشهود وعلى الأخص من “الآباء” أو “الإخوان” (رهبان) من مختلف الكنائس المسيحية فشهدوا بأنهم لا يعتبرون ما اعتادوا أن يشاهدوه من نوع صلاة الجماعة. أن الأب دريسار (محضر اللجنة صفحة 604) شهد أنه في أثناء المدة الواقعة بين سنة 1899 م. وسنة 1905 م.، حينما كان يتردد علي الحائط، كان يرى بعد ظهر يوم الجمعة المصلين اليهود يؤدون الصلاة عادة بإرشاد رجل يرأس الجماعة.
إن البينات التي أدلى بهـا كلا الفريقين، فيما يتعلق بالمدى الذي استعملت فيه الأدوات الطقسية اليهودية عادة لم تكن كاملة أو وافية. ويجدر النظر بوجه خاص في الشهادة الآتية، التي أداها رئيس حاخامى يافا عوزيل، وهو أحد الشهود الرئيسيين الذي استدعاهم فريق اليهود، بصدد الشعائر اليهودية بوجه عام وما تتطلبه من اتباعها، وقد أتى هذا الشاهد على وصف مختصر للطقوس المتبعة عادة في مذكرة وضعها خصيصا (الوثيقة اليهودية رقم 11) ومما تجب ملاحظته أنه لم يكن في وسعه أن يؤكد من اختباراته الشخصية أن جميع تلك الطقوس كانت متبعة عند الحائط قبل الحرب العظمى.
مما قاله هذا الشاهد إن الصلوات في الأيام العادية هي ثلاث: – أي صلاة الصباح وصلاة العصر وصلاة المساء. ففي أيام السبت وفي رءوس الأشهر القمرية وأيام الأعياد تقام صلاة صباحية إضافية (تعرف بصلاة “مصاف”) وتقام في يوم
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
عيد الغفران صلاة ختامية إضافية (يطلق عليها “نيلاح”). وعلاوة على هذه الصلوات تقام صلاة يوميا عند منتصف الليل من 17 تموز إلى 9 آب (عبري).
إن جميع هذه الصلوات يجب، والحق يقال، أن تؤديها الجماعة إلا أنه يسمح للأفراد بإقامتها في ظروف مخصوصة وعند عدم التئام عقد الجماعة. وهنالك بعض أقسام من الصلاة لا يمكن تأديتها إلا عند وجود الجماعة. هذه هي الحالة فيما يختص بتلاوة التوراة في صلاة الصباح أيام الاثنين والخميس والسبت ورءوس الأشهر القمرية وعيد الفصح والعنصرة وعيد المظال ويومي رأس السنة اليهودية ويوم عيد الغفران، والخانوكاه والبوريم ويوم 9 آب وبعض أيام الصوم. أما في أيام السبت ويوم عيد الغفران وبعض أيام الصوم فتقرأ أسفار التوراة في أثناء صلاة العصر أيضا. وفي معظم هذه الأيام والأعياد تقرأ أسفار الأنبياء أيضا.
ويقرأ أحد “الأسفار الخمسة” كل يوم من أيام الأعياد الخمسة المعينة.
وتتلى في بعض فصول السنة صلوات للتكفير عن الذنوب والخطايا. كما تقام أيضا صلوات مخصوصة من قبل الحاخامين للشفاعة عن الجمهور أو الأفراد وذلك عند وقوع مصائب ونكبات عمومية، كالطاعون أو الجفاف الخ. ويقيم الأفراد أيضا صلوات مخصوصة عند وقوع المصائب عليهم. ومن المعتاد في مثل هذه الظروف تلاوة بعض إصحاحات من الكتاب المقدس.
أما ترتيب الصلاة التي تقام عند الحائط فهو نفس الترتيب المتبع في الكنيس. وتقام عند الحائط أيضا شعائر دينية وصلوات مخصوصة من قبل الجماعات بالنيابة عن الذين في احتياج إلى الرحمة الإلهية ، كما أنه قد جرت العادة عند المصلين المداومين في كنائس معينة أن يذهبوا إلى الحائط من وقت إلى آخر في مساء أيام الجمعة أو أيام السبت أو الأعياد ويقيمون الصلاة هناك بواسطة مرشد (حزان) مخصوص لكل فئة من المصلين.
إن الصلوات التي تقام لاستقبال السبت هي صلاة العصر العادية وصلاة دخول السبت وصلاة المساء. والمصلون يأتون عادة إلى الحائط بدون دعوة مخصوصة أو أمر بل بمطلق إرادتهم. إلا أنه عند وقوع حاجة أو مصيبة أو نكبة عمومية يعلن الحاخامون عن إقامة صلاة عمومية عند الحائط. وهذا هو الظرف الوحيد الذي ثبت فيه للجنة إن المصلين يدعون للصلاة عند الحائط (الشاهد زوكرمان – بعد الحرب العظمى – محضر اللجنة صفحة 392).
2 – ننتقل الآن للبحث في الأدوات المستعملة أو التي ادعى أنها استعملت من قبل المصلين اليهود عند الحائط.
قد شهد رئيس حاخامي يافا عوزيل بشأن الأدوات المقتضى استعمالها عند الحائط. وقال إن الأدوات الآتي ذكرها تستعمل عند الحائط وقت الصلاة التي، يقيمها الأفراد – أي الشال ذو الحواشي، وكتاب الصلاة، وأسفار موسى الخمسة، وكتاب المزامير، ومشناه، وتفلين وسعف النخل، وليمونة حامض في عيد المظال وبعض أغصان من الآس في اليوم السابع من عيد المظال. أما في الصلاة التي تقيمها الجماعة فيستعمل من الوجهة الطقسية الأدوات الآتي ذكرها – أي، القناديل الطقسية وطشت للغسيل ووعاء للماء وصندوق لجمع الإحسان وكوب وعلبة نشوق –
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي (بهارات). وفي مثل هذه الظروف عندما تكون تلاوة سفر التوراة فرضا واجبا (راجع ما تقدم) بمقتضى وجود أسفار التوراة وخزانة لحملها ومائدة للقراءة كما أنه ينفخ في البوق في ظروف مخصوصة. وتستعمل الأدوات الآتي ذكرها لراحة المصلين – وهي، في الدرجة الأولى، مقاعد للطاعنين في السن والعجزة، وحصر ليوم عيد الغفران كي يركع عليها المصلون. ويحتاج أيضا إلى ستار لفصل النساء عن الرجال إذ إنه لا يسمح للرجال والنساء بإقامة الصلاة معا، وأخيرا يحتاج إلى أوتاد أو مسامير تدق في حائط محلة المغاربة ليعلق عليها المصلون قبعاتهم ومعاطفهم. ننتقل الآن إلى البينات التي أدلى بها أمام اللجنة فيما يتعلق بجلب واستعمال هذه الأدوات عند الحائط قبل الحرب العظمى. أسفار التوراة والخزانة والموائد التي توضع عليها ومنضدة كتب الصلاة. ذكر عدد من الشهود في شهاداتهم أمام اللجنة بأنه كانت تقام صلاة جماعة “كاملة” عند الحائط قبل الحرب العظمى أيضا. إلا أنه يظهر من المعلومات التي جمعتها اللجنة بشأن الطقوس اليهودية أنه حتى تكون بعض الصلوات كاملة في أيام الاثنين والخميس والسبت وبعض أيام الصوم الخصوصية والأعيان الكبيرة يتحتم القراءة من أسفار التوراة ومن الجهة الأخرى فإن البينة التي أدلى بها بشأن جلب أسفار التوراة وبعض الأشياء المتعلقة بها إلى الحائط فليست مقنعة تماما. وقد شهد الشاهد اليهودي ايزاخروف، الذي اعتاد الذهاب إلى الحائط مدة اثنتين وأربعين سنة، (محضر اللجنة صفحة 104 وما يليها) بأن الجماعة التي ينتمي إليها كانت تقيم صلاة كاملة شاملة لقراءة التوراة في أيام الاثنين والخميس والسبت صباحا ولذلك كان اليهود يأخذون معهم سفر توراة صغير يضعونه على مائدة صغيرة ومربعة. وأدلى الشاهد فدرمان في شهادته (محضر اللجنة صفحة 446) بأنه هو أيضا رأى سفر التوراة داخل الخزانة والمائدة الموضوع عليها قبل الحرب بعدة سنوات ليس في الأعياد الكبيرة فقط بل في أثناء الصلاة العادية التي كانت تقام صباح أيام السبت أيضا. وقال الشاهد اليهودي موصيري في شهادته (محضر اللجنة صفحة 435) أنه في أثناء زيارته للقدس سنة 1897 م. اشترك في صلاة جماعة أقيمت عند الحائط بعد ظهر أحد أيام الجمعة وأنه لم يكن هنالك أدنى فرق بين تلك الصلاة والصلاة العادية التي تقام في الكنيس وقد رأى، فيما رآه، خزانة تراءى له بأنها تحتوي على سفر التوراة من المرجح أنه كان يراد القراءة منه صباح السبت التالي. ومن الجهة الأخرى ذكر الحاخام شور فى شهادته (محضر اللجنة صفحة كلم 187) بأن عادة نقل سفر التوراة من الكنيس إلى حائط المبكى لم تنشأ، على ما يذكر، إلا منذ حوالي ثماني أو عشر سنوات. وقال الشماس اليهودي ميوحاس (محضر اللجنة صفحة 261 – 263) بأنه، على ما يذكر، جرت في خلال الثلاثين السنة الماضية عادة جلب سفر التوراة في يومي عيد الغفران ورأس السنة وأيضا في الأيام التي تقام فيها صلوات خصوصية عند وقوع جفاف أو مصيبة. إلا أنه لا يتذكر بأنه شاهد سفر التوراة عند الحائط في أيام السبت قبل الحرب بل إن المصلين كانوا يقيمون الصلاة عند الحائط ثم ينصرفون إلى
|
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
الكنيس لقراءة سفر التوراة فيه. وقد أدى الشاهد اليهودي غولدبرج (محضر اللجنة صفحة 333) الذي ألف عادة الذهاب إلى الحائط مدة 45 سنة شهادة بنفس المعنى تقريبا. وورد في كتاب وضعه الحاخام جداليا من سميتتز الذي زار القدس سنة 1699 م. (الوثيقة اليهودية رقم 1 صفحة 35) ما يدل على أن سفر التوراة كان يجلب إلى الحائط منذ القدم عند وقوع المحن والشدائد. وورد ذكر لهذا الأمر أيضا في كتب يرجع عهدها إلى القرن التاسع عشر استدل بها فريق اليهود ككتاب “التجول حول مدينة القدس وجوارها” لبارتلت (طبعة 1841 م). و”مشاهداتي في الشرق” لدوربن (طبعة 1845 م).
أما فيما يختص بنقل سفر التوراة من الكنيس فقد قال رئيس حاخامي يافا عوزيل في أثناء شهادته الشفوية (محضر اللجنة صفحة 207 و 214) إن الاحترام الواجب لسفر التوراة يفرض عدم إخراجه من الكنيس إلا في ظروف مخصوصة. مثال ذلك إذا لم يتمكن رجل عظيم الشأن من الذهاب إلى الكنيس بسبب مرضه أو وجوده في السجن أو يجلب إلى جماعة مؤلفة من عشرة أشخاص مجتمعين في مكان لائق. وأبدى الحاخام شور اعتراضا (محضر اللجنة صفحة 162) من وجهة الطقوس الدينية اليهودية على نقل سفر التوراة من الكنيس إلى أماكن أخرى إلا أنه اعترف بأن إخراجه من الكنيس مستطاع في أحوال مخصوصة.
أما مسألة المنضدة التي تتضمن كتب الصلاة فلم يبحث فيها في أثناء التحقيق بحثا مليا كما بحث في مسألة سفر التوراة ولكن وردت بينة بأن كتب الصلاة كان المصلون يجلبونها معهم على كل حال إلى الحائط قبل الحرب بزمن طويل.
القناديل الطقسية
قد ورد في الشهادة التي أداها ايزاخاروف (صفحة 119) وميوحاس (صفحة 303) وموصيري (صفحة 436) من شهود اليهود أنهم رأوا قبل الحرب مائدة وضعت عليها قنابل* طقسية عند الحائط. وقد أيد هذه الشهادة شهود آخرون.
طشت الغسيل ووعاء الماء
شهد الشاهد ايزاخاروف (صفحة 108) والشاهد ميوحاس (صفحة – 266) وغيرهم من الشهود أنه كان يوجد عند الحائط قبل الحرب العظمى طشت للغسيل ووعاء للماء.
البوق
جاء في شهادة بعض الشهود الذين استدعاهم فريق اليهود أن البوق كان ينفخ في مناسبات مخصوصة قبل الحرب العظمى عند الحائط وذلك في يومي رأس السنة وعيد الغفران.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
المقاعد والكراسي
شهد شهود عديدون استدعاهم فريق اليهود بأنه في خلال الخمس والعشرين سنة السابقة لسنة 1911 م.، أي المدة التي تناولتها ذاكرتهم، كانت تجلب مقاعد إلى الحائط للطاعنين في السن والعجزة في ظروف مخصوصة وذلك على ما يظهر بالاتفاق مع بعض السكان في محلة المغاربة. وقد أبرز وكلاء فريق اليهود عددا من الصور وشريطا مصورا (وفيلم) لإثبات صحة هذه الشهادة. كما أن فريق العرب من الجهة الأخرى استدعوا عددا من الشهود شهدوا بأنهم لم يروا عند الحائط مقاعد قط مع أنهم كانوا يذهبون عادة إلى الحائط في أثناء المدة المار ذكرها. وفي سنة 1911 م وضعت السلطة التركية المختصة آنذاك أي مجلس الإدارة في اللواء قرارا جاء فيه:
“إن … فضيلة المفتي ودائرة الأوقاف والمحكمة الشرعية … أفادوا بأنه محظور بموجب الشرع من جميع الوجوه وضع كراسي أو ستار أو أشياء أخرى من هذا القبيل أو إحداث أية بدعة مما يدل على الملكية، وأنه ليس لأحد الحق في وضع أشياء كهذه أو إحداث أية بدعة مما يئول إلى احتلال موقع حائط المسجد الأقصى الشريف، وأنه يجب اتخاذ التدابير لمنعهم.
وبعد المذاكرة في الأمر قرر المجلس عدم السماح بوضع أية أشياء تعتبر أنها من دلائل الملكية سواء في الوقف المذكور أو عند حائط الحرم الشريف وأنه يجب أن لا يعطي فرصة لأحد بوضع أشياء كهذه ومن الضروري المحافظة على العادة القديمة”
وقد اعترف الشهود الذين استدعاهم فريق اليهود أن المقاعد لم تجلب إلى الحائط في مدة معينة بعد وضع ذلك القرار. وقد لفت وكلاء فريق اليهود نظر اللجنة إلى ما ورد في جريدة “هاشيرون” وجريدة “لورور” اللتين صدرتا في الاستانة في شهر شباط سنة 1912م. (الوثيقة اليهودية رقم 15 و 16- محضر اللجنة صفحة 313 – 315) من أن وزير الحقانية والمعارف إجابة إلى استرحام رئيس الحاخاميين حايم ناحوم أصدر أمرا إلى متصرف القدس بإلغاء هذا المنع. – وقد أرسل رئيس الحاخامين إلى اللجنة إقرارا مشفوعا باليمين بشأن التدابير التي اتخذها في ذلك الوقت (الوثيقة اليهودية رقم 31) أشار فيه إلى برقية يقال إن الوزير التركي المتقدم ذكره أرسلها إلى متصرف القدس في شهر كانون الثاني سنة 1912 م. إلا أن هذه البرقية لم تبرز للجنة في معرض البينة. وقد افترض فريق المسلمين على صحة هذا الإقرار المذكور أعلاه وبين أن جلب أية مقاعد إلى الحائط في المدة الواقعة بين سنة 1911 م. وتاريخ الاحتلال البريطاني لا صحة له وقدم بينات مختلفة تأييدا لذلك.
الحصر
قال الدكتور كرستي في إقراره المشفوع باليمين المشار إليه آنفا أن الحصر كانت تستعمل عند الحائط في سنة 1894 م.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
الستار
ورد في شهادة الشاهد مندل هاكوفان باكوفر التي أداها أمام اللجنة (محضر اللجنة صفحة 398 – 401) بأنه في سنة 1900 م. أمر بوضع ستار عند حائط المبكي لفصل الرجال عن النساء وأنه كان يتولى أمر ذلك الستار بالنيابة عن المحاكم اليهودية الثلاث (بيوت الدين) وكان يضعه عند الحائط أيام السبت والأعياد زهاء عشر سنوات. وشهد شهود آخرون استدعاهم فريق اليهود بأنهم رأوا الستار عند الحائط في بعض المناسبات. إلا أن فريق المسلمين، من الجهة الأخرى، استدعى شهودا بأنهم كانوا يذهبون إلى الحائط بانتظام فلم يروا ستارا قط.
*
وقد أشار وكلاء فريق المسلمين على الأخص إلى المرسومين الصادرين في سنتي 1840 م و1911 م. وإلى الوثائق الخاصة بالوضعية القانونية للمنطقة المنازع عليها وإلى الشرع الإسلامي.
ذكرنا فيما تقدم أن وكلاء فريق المسلمين استدعوا شهودا عديدين كانوا يزورون الحائط بانتظام خلال سنوات عديدة قبل وقوع الحرب العظمى- فشهدوا بأنهم لم يروا هنالك شيئا يشبه صلاة طقسية يقيمها اليهود ولا أدوات دينية ولكنهم رأوا أفرادا من اليهود ينوحون ويبكون. وأبرز فريق المسلمين أيضا المرسومين الصادرين في سنتي 1840 م. و1911 م.
وقد أشار وكلاء فريق المسلمين إلى مرسوم سنة 1840 م. على وجه خاص،. كدليل على المبادئ التي كان اليهود على حد قول المسلمين يزورون بموجبها حائط المبكى قبل الحرب العظمى، قد وضعت قبل نشوب هذه الحرب بأربع وسبعين سنة. وهذا ما جاء في المرسوم المذكور.
“…. لا تحصل المساعدة لليهود بتبليطه (أي الرصيف) وأن يتحذروا اليهود من رفع الأصوات وإظهار المقالات ويمنعوا عنها. فقط يعطي لهم الرخصة بزياراتهم على الوجه القديم….”
ويعترض اليهود على صحة هذه الوثيقة بقولهم إن لقب “الخديوي” المنسوب فيها إلى محمد على لم يمنح لوالي مصر إلا بعد ذلك التاريخ بمدة طويلة – بينما أن فريق المسلمين من الجهة الأخرى أبرز مذكرات لمحمد على يتضح منها بأنه أطلق على نفسه هذا اللقب منذ سنة 1838 م.
لقد أشرنا فيما سبق إلى سنة 1911 م. الذي أبرزه وكلاء فريق المسلمين وفي رأيهم أن هذا المرسوم شامل للمبادئ المقررة في مرسوم سنة 1840 م.
أما فيما يتعلق بالوضعية القانونية للحائط الغربي وللرصيف الكائن أمامه ولمحلة المغاربة فقد أشار وكلاء فريق المسلمين إلى ما ورد في سجلات المحكمة الشرعية في القدس وعلى الأخص إلى الصكوك الوقفية لسنتي 1193 و1320 للهجرة واقتبسوا الفقرة الآتية المتعلقة بالأوقاف من كتاب الإقناع للشيخ منصور بن إدريس الحنبلي دلالة على أن الشرع الإسلامي يحظر إقامة كنيس على الرصيف: –
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
“ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة راهب أو بيت نار أو لبيع خمر أو للقمار ونوعه، سواء شرط بالعقد أو عرف بأنه محرم”.
تبليط الممر
ومما يجدر ذكره، في هذا الصدد، أن وكلاء فريق اليهود أبرزوا بيانات مآلها أن الممر عند الحائط جرى تبليطه في المرة الأخيرة منذ 35 – 40 سنة تقريبا على نفقة الطائفة اليهودية ولكن وكلاء فريق المسلمين من الجهة الأخرى أبرزوا بينات دحضوا بها بينات فريق اليهود وبينوا أن البلدية هي التي قامت بتبليط الممر.
*
وبناء على طلب اللجنة ألقى المستر كيث روش حاكم مقاطعة القدس، وهو موظف بريطاني، بيانا مختصراعما يعرفه بشأن الأحوال السائدة عند الحائط ومختلف المسائل المختلف عليها بين اليهود والمسلمين. وبهذه المناسبة لفت المستر كيث روش نظر اللجنة إلى بعض النقاط التي لم يشملها القرار الصادر من المندوب السامي (التعليمات الموقتة) وهي: – حفلة الذكر والمؤذن والكيفية التي يحق للمسلمين واليهود اتباعها في إقامتهم الصلوات عند الحائط من حيث رفع الأصوات الخ. ووضع قصاصات من الورق يتضمن صلوات باللغة العبرية في شقوق الحائط، وصلاحية رفع هذه الأوراق من مكانها، ومسألة حمل اليهود الشموع في أيديهم في بعض المناسبات، وما إذا كان يجوز لليهود أن يشربوا الخمر عند الحائط، وتعليق المعاطف وخلافها على جدران منازل المغاربة، والمتسولون والمنيان وروائح المراحيض الكريهة، والتصوير، والكتابة على الحائط باللغة العبرية أو العربية، وحق الحكومة في ختم الأدوات التي توافق على استعمالها عند الحائط والعقوبة المفروضة على إزالة هذه الأختام، وتعيين الشماسين.
الفصل السادس
في آراء اللجنة والاستنتاجات التي توصلت إليها.
إن اللجنة بعد التداول والبحوث والتدقيق في الأمور المبينة أعلاه وفيما تيسر لها من البينات في هذه القضية، قد توصلت إلى الآراء والاستنتاجات المبينة أدناه:
1 – المهمة التي أنيطت باللجنة.
إن المقصود من مهمة اللجنة هو التحقيق في النزاع الذي نشأ بين العرب واليهود فيما يتعلق بعادة اليهود الذهاب إلى الحائط الغربي أو حائط المبكى (ويطلق عليه العرب البراق) لأجل التضرعات وإصدار قرارها في ذلك. إن علاقات الفريقين فيما يختص بهذا الأمر تجاه بعضهما منظمة في الوقت الحاضر ببعض أحكام إدارية صدرت وفقا لأحكام صك الانتداب على فلسطين الذي عهدت به جمعية الأمم إلى الحكومة البريطانية كدولة منتدبة، فالمواد 13 و 14 و 15 و 16 من صك الانتداب تتناول
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
الأحكام المتعلقة في المسائل المختلف عليها. كما أن المادة 14 تفرض تعيين لجنة خصوصية، ذات صفة دائمة الدرس وتحديد وتعيين الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة والحقوق والادعاءات الخاصة بالطوائف الدينية المختلفة في فلسطين إلا أن هذه اللجنة لم تؤلف بعد ولذا فالدولة المنتدبة تتحمل وحدها مسئولية الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية الأخرى في فلسطين. وقد نصت المادة 13 على الواجب الملقى على الدولة المنتدبة. وبمقتضى هذه المادة يجب على الدولة المنتدبة أن تتخذ التدابير الضرورية مع إدارة فلسطين لأجل وضع أحكامها موضع التنفيذ وهي تفرض على الدولة المنتدبة واجبا خاصا هو صيانة الحقوق المرعية وضمان “حرية السلوك” ليس إلا الأماكن المقدسة المسيحية فحسب بل إلى “المباني والمواقع الدينية” الأخرى وضمان حرية العبادة.
إن تنفيذ الشروط المار ذكرها لمصلحة جميع الأجناس والأديان مشروط فيه، حسب نص المادة نفسها، قيدان – أولهما -: – ضمان وضع الأنظمة الضرورية لصيانة النظام العام والاحتشام. وثانيهما – عدم صلاحية الدولة المنتدبة في التعرض لإدارة أي المقامات الإسلامية المقدسة الصرفة التي يضمن صك الانتداب ضمانا تاما عدم التعرض لامتيازاتها.
وقد احتج رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في كتاب بعث به إلى جمعية الأمم بتاريخ 17 شباط سنة. 1930 م. على تعيين لجنة دولية للبت نهائيا في حقوق ومطالب اليهود بشأن الحائط الغربي نظراً لأن كل تلميح أو إشارة إلى حقوق ومطالب اليهود في ذلك المكان تعتبر، بين أسباب أخرى، تعديا خطرا على حقوق المسلمين، أي حق ملكيتهم للحائط وحق التصرف فيه. ورغما عن أن الأمة العربية في فلسطين قد رفضت الانتداب فإن المجلس الإسلامي الأعلى قد أشار في كتابه هذا إلى المادة 13 من صك الانتداب التي بموجبها ضمنت امتيازات المقامات الإسلامية المقدسة الصرفة وحظر كل تعرض لجوهر أو إدارة هذه المقامات.
إن التحفظين اللذين وردا فيما تقدم واللذين اتخذهما وكلاء فريق المسلمين أساسا للحجج التي أدلوا بها لهما من جميع الوجوه ولجميع الغايات نفس المآل والمعنى كالكتاب المتقدم الذكر.
وتصرح اللجنة، آخذة هذين التحفظين بعين الاعتبار بأنها لا تنوي التعرض لعلاقات الفريقين السياسية تجاه الدولة المنتدبة أو جمعية الأمم. فالحكومة البريطانية بصفتها الدولة المنتدبة قد عينت هذه اللجنة، بعد موافقة مجلس جمعية الأمم، للتحقيق في الأمور المختلف عليها وإعطاء قرار بها تنفيذا لأحكام المادة 13 من صك الانتداب. وبناء على ذلك فاللجنة، كي يتسنى لها القيام بمهمتها، وجب عليها أن تتحقق في، وتعطي قرارا بشأن جميع الوقائع التي يمكن في رأيها اتخاذها أساسا لقرار عادل. وبالطبع يهم اللجنة، عند قيامها بمهمتها هذه، أن تراعى أحكام صك الانتداب فيما يتعلق بالامتيازات المضمونة للمقامات الإسلامية المقدسة، ولا ترغب قط في التعرض لجوهر أو إدارة هذا المقامات.
وترغب اللجنة من الجهة الأخرى، أن تبين بأن مهمتها ليست مماثلة للمهمة المنوطة بلجنة الأماكن المقدسة التي حددتها المادة 14 من صك الانتداب على فلسطين.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
ولا مندوحة لنا في هذا الصدد عن إيضاح الفرق بين معنى المادة 13 والمادة 14 من صك الانتداب اللتين تبحثان في التدابير المستطاعة لصيانة الحقوق الدينية في بعض الأماكن في فلسطين.
قد كانت الحقوق في الأماكن المسيحية المقدسة منذ عدة أجيال من الأمور المختلف عليها من عدة وجوه بين الكنائس المختلفة التي تدعى بملكيتها أو بحق التصرف فيها ولا تزال هذه حالها حتى يومنا هذا. وقد كان لهذه الخلافات الدائمة غالبا صدى في العلاقات المتبادلة بين الدول العظمى في أوروبا. وفضلا عن ذلك، فقد كانت مسائل ملكية الأماكن المقدسة في فلسطين، منذ أواخر القرن السادس عشر فصاعدا في مقدمة الأمور السياسية الدولية. كما أن المناظرات والمجادلات في النقاط المتعلقة بهذه المسائل كانت بالفعل أحد الأسباب التي أدت إلى حرب القرم. ولما عقد الصلح في سنة 1855 م. عرضت المسائل المختلف عليها، والتي كانت لا تزال غير مفصول فيها، على الدول الموقعة على معاهدة الصلح فتعهدت هذه الدول بالمحافظة على الحالة الراهنة (ستاتيكو) التي كانت مرعبة قبل نشوب الحرب. ثم بحث في مسألة حماية الأماكن المقدسة أثناء مفاوضات الصلح التي أعقبت الحرب الروسية – التركية سنة 1878 م. وأثبت عندئذ في معاهدة الصلح نفسها بند يمنع اجراء أية تغييرات في الحالة الراهنة بدون موافقة الدول الموقعة على معاهدة الصلح. وفي سنة 1878 م وسنة 1858 م. أيضا بنى تقرير الحالة الراهنة على نفس القواعد والمبادئ المثبتة في الفرمان الصادر من تركيا في سنة 1852 م.، تلك المبادئ التي يتفق معظمها مع ما ورد في الفرمان الصادر سنة 1757 م.
أما المباني والمواقع التي كانت موضع عبادة أو احترام اليهود فلم يشملها الاتفاق المذكور أعلاه. غير أن هناك عددا من الفرمانات التي تبحث في الأماكن والمواقع اليهودية المقدسة. وفي سنة 1878 م. ضمنت لليهود الحرية الدينية أيضا *
أشرنا فيما تقدم إلى فرمانات من هذا النوع تتعلق في مسألة تقرير وضعية اليهود. وقد تناولنا هذه الفرمانات بالبحث في مكان آخر من هذا التقرير.
هكذا كانت الحالة عند نشوب الحرب. الحرب العظمى وبقيت كذلك إلى أن احتلت الجيوش البريطانية فلسطين سنة 1917. وقد أصبحت الأماكن المسيحية المقدسة بالطبع، تحت حكم دولة مسيحية، موضع حماية خاصة. ولكن ما هو الموقف الذي اتخذته الحكومة الجديدة ازاء الديانتين الأخيرتين في البلاد قد أجيب على هذا السؤال حالا، أولا: بالتصريح الذي أصدره اللورد بلفور بالنيابة عن الحكومة البريطانية في شهر تشرين الثاني ومنشور أذاعه الجنرال اللنبي بعد ذلك ببرهة قصيرة عند دخوله القدس في كانون الأول سنة 1917. فالتصريح الأول ينظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين مع أنه يؤكد في الوقت ذاته بأنه لا يفعل شيئا يضير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف
(*) كان قبر راحيل الكائن بقرب بيت لحم ويعتقد أن زوجة يعقوب دفنت فيه موضع نزاع بين العرب و اليهود. فاليهود الذين توجد مفاتيح المكان في حوزتهم يدعون بحقهم في المكان مستندين إلى فرمان يقال إنه صادر سنة 1615 م. وبما أنه لم يمكن الوصول إلى اتفاق بين الفريقين فقد قامت إدارة فلسطين بإجراء التعميرات الضرورية لخارج ذلك المقام.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين وقد ورد في منشور الجنرال اللنبي بأن الديانات الثلاث الكبرى ستنال نفس المعاملة (راجع الصفحة 141 من محضر اللجنة) *.
إن المبادئ المثبتة في هذين. التصريحين أيدتها فيما بعد الإدارة المدنية في فلسطين ثم تأيدت نهائيا بأحكام صك الانتداب الصادر طبقا لعهد جمعية الأمم. والمبدأ الرئيسي في جميع هذه التصاريح المتتابعة هو ضمان حرية العبادة لاتباع الديانات الثلاث.
ورغما عن أن عبارة “الأماكن المقدسة” المثبتة في المادة 14 من صك الانتداب قد تفهم حسب معناها التاريخي المحصور فإن امتيازات المباني والمواقع الدينية على وجه عام مضمون للطوائف الأخرى غير المسيحية. ومما ورد في المادة 14 من صك الانتداب يتضح أن لجنة الأماكن المقدسة المخصوصة قد أنيط بها فضلا عن مهمتها مهمة أخرى هي درس وتحديد الحقوق والادعاءات العائدة “للطوائف” الدينية المختلفة في فلسطين. حتى ولو كانت هذه المادة تنطوي على تقييد صلاحية لجنة الأماكن المقدسة فيما يتعلق بغير المسيحيين فمن الجلي أن الصلاحية العامة المتعلقة بالحماية التي تعهد بها المادة 13 إلى الدولة المنتدبة تشمل شمولا واضحا جميع المباني والمواقع الدينية والحقوق المرعية فيها أيضا وتضمن حرية الوصول إليها لجميع أتباع الديانات المختلفة وطبقا لأحكام المادة 13 من صك الانتداب تتناول هذه الحماية مختلف الديانات في جميع أنحاء العالم ولا تنحصر في “الطوائف” الدينية الكائنة في فلسطين. ولذا فمن الطبيعي أن يمثل أمام اللجنة مندوبون عن مختلف جماعات بين اليهود والمسلمين من أقاصي المعمور كي يوضحوا آراءهم ويحددوا مطالبهم في هذا الشأن.
وقد أصبحت مسألة ما إذا كان يجب اعتبار الحائط الغربي والمنطقة الواقعة أمامه “موقعا دينيا” وبالتالي شمولها بحماية الدولة المنتدبة حسب أحكام المادة 13 من صك الانتداب، مسألة ذات أهمية دولية كان من الطبيعي أن تعامل على أساس العدل الدولي. وعلى الأخص لأن مثل هذه الخلافات، حسب القانون المرعى في فلسطين، مستثناة صراحة من صلاحية المحاكم المحلية، طبقا للأمر الصادر من مجلس جلالته الخاص والمؤرخ في 25 تموز سنة 1924 (أي الأمر الصادر من مجلس جلالته الخاص بشأن الأماكن المقدسة في فلسطين سنة 1924).
2 – تطبيق مبادئ الحالة الراهنة
إن الطريقة التي سارت عليها إدارة فلسطين، في صيانة ما اعتبرته “حقوقا مرعية” في الأماكن المقدسة وفي المباني والمواقع الدينية تنفيذا لأحكام صك الانتداب هي السعي للمحافظة على الحالة الراهنة التي سنأتي على شرح مبادئها وأصولها بإيجاز فيما يلي.
أما فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، بما في هذه العبارة من معنى محصور، فقد طبقت إدارة فلسطين، سواء، قبل وضع صك الانتداب أو بعده، نفس قواعد ومبادئ
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
الحالة الراهنة التي كانت مرعية قبل الحرب، أي القواعد المبنية على الفرمان الصادر سنة 1852 – تلك القواعد التي ليست إلا مجرد تأييد للحالة الراهنة في سنة 1757. أما الأماكن المقدسة وأقسامها التي تشترك فيها الطوائف الرئيسية الثلاث وهي: الروم الارثوذكس، واللاتين، والأرمن الأرثوذكس، فيمكن تبويبها حسب الترتيب الآتي:
أولا – | بعض الأقسام المعترف بأنها ملك مشترك بين الطوائف الثلاث بحصص متساوية. |
ثانيا – | الأقسام الأخرى التي تدعي الطائفة الواحدة أنها تحت صلاحيتها المطلقة بينما تدعي طوائف أخرى أنها شريكة في ملكيتها. |
ثالثا – | الأقسام التي يوجد خلاف على ملكيتها بين طائفتين. |
رابعا – | وأخيرا الأقسام التي يعود حق ملكيتها لطائفة واحدة فقط على أنه يحق لطوائف أخرى أن تبخر فيها أو تجري مراسيم طقسية لمدى معين بطرق أخرى. |
وقد سنحت للجنة فرصة خاصة للتحقيق بالتفصيل من الكيفية المنظمة عليها بالفعل امتيازات الطوائف في كنيسة القبر المقدس (القيامة). بالقدس وكنيسة المهد في بيت لحم. إن طريقة استعمال كل قسم من المذابح والهياكل وسير المواكب الاحتفالية وهلم جرا قد جرى تحديدها وتسويتها بمنتهى الدقة تجنبا لوقوع المنازعات والمشاحنات بين مختلف الطوائف. وتتبع في ذلك بكل تشديد بعض المبادئ في تطبيق الحالة الراهنة. وعلى هذا فإذا أعطى ترخيص لترميم سقف أو أرض فإن ذلك لما يخول القائمين بالترميم الحق المطلق بملكية ذلك السقف أو تلك الأرض. كما أنه إذا منحت الطائفة حق تعليق مصباح أو صورة أو تغيير موضع أي مصباح أو صورة معلقة يعتبر ذلك بمثابة اعتراف بتملك العامود أو الحائط الذي يعلق عليه المصباح أو الصورة تملكا مطلقا. بينما أنه يجوز لطائفة من الجهة الأخرى أن تتمتع، مثلا، بحق التبخير في هيكل ما بدون أن تدعي بملكية مشتركة في ذلك الهيكل قط.
ومن السهل الإدراك أن تطبيق “حقوق” من هذا النوع يؤدي حتما إلى مشاكل عظيمة وإلى المرافعة والمقاضاة غالبا وعلى الأخص لأن كل تغيير فعلي في العادة الجارية قد يؤخذ دليلا على الوضعية القانونية.
ولهذا السبب كانت مهمة إدارة فلسطين في التأكد من الحالة الراهنة والمحافظة عليها مهمة شاقة. وفي الخلافات التي وقعت كانت الأشياء المختلف عليها تهمل في بعض الأحيان حتى تتلاشى بدلا من التعرض لوقوع أي تغيير في توازن القوى بين الطوائف المتنازعة. ولذا فإن كان التعمير أمرا لازما وقع على كاهل الإدارة أن تهتم به إذا ثبت لها عدم إمكان وصول الطوائف ذات الشأن إلى اتفاق حبي في تلك الحال.
وقد اتبعت إدارة فلسطين في المحافظة على الحالة الراهنة نفس هذه المبادئ عند الحائط الغربي وهنا أيضا كانت تصبو إلى صيانة الحالة الراهنة كما كانت قبل الحرب بقدر ما في وسعها التأكد من تلك الحالة.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي وقد بينت الحكومة البريطانية للبرلمان بغاية الوضوح في كتابها الأبيض الصادر في شهر تشرين الثاني سنة 1928 ما تعتبره مبادئ رئيسية لمعالجة الأمور المختلف عليها بين العرب واليهود ولا بد لنا في هذا الصدد من اقتباس الفقرات الآتية على الأخص في هذا الكتاب: “يؤلف الحائط الغربي أو المبكى قسما من الحائط الخارجي لهيكل اليهود القديم وهو بصفته هذه مقدس في نظر اليهود، وترجع عادة إقامة صلواتهم في هذا المكان إلى القرون الوسطى ومن الممكن إلى ما قبل ذلك. ويشكل هذا الحائط أيضا قسما من الحرم الشريف وهو بصفته هذه مقدس لدى المسلمين. وفضلا عن ذلك فهو من الوجهة القانونية ملك الطائفة الإسلامية الخاص كما أن الرصيف الذي تجاهه وقف كما هو ثابت بالوثائق التي يحتفظ بها متولى الوقف. وقد أثبتت الطائفة اليهودية حقا صريحا لها في السلوك إلى الرصيف لأجل اقامة الصلاة ولكن الحكومة التركية كانت تقرر على التوالي كلما رفعت المراجع الدينية الإسلامية صوتها بالاحتجاج بأنها لا تسمح بالتعدي على التعامل الجاري كوضع الكراسي والمقاعد في ذلك المكان. ومن المفهوم أنه صدر في سنة 1912 م. قرار بمنع وضع الستائر في ذلك المكان. “وقد رأت حكومة فلسطين وحكومة جلالة الملك، تطبيقا لأحكام المادة 13 من صك الانتداب على فلسطين أن المسألة توجب عليها المحافظة على الحالة الراهنة التي اعتبرناها بأنها تفيد بفحواها العام، أن للطائفة اليهودية حقا في السلوك إلى الرصيف لأجل إقامة الصلاة ويجوز لها أن تجلب إليه فقط الأشياء الطقسية بحسب ما كان مرخصا لها في زمن الحكم التركي. وكلما رفعت المراجع الدينية الإسلامية الشكوى بأنه قد جرت محدثا خلافا للتعامل الجاري واقتنعت حكومة فلسطين بعد التحقيق بأن الشكوى في محلها شعرت الحكومة بأن من واجبها منع خرق التعامل الذي نجمت الشكوى عنه”. وبناء على ذلك فقد قررت الحكومة البريطانية أن الحائط الغربي أو المبكى مقدس فى نظر الفريقين، وأنه حتى ولو كان أحد الفريقين يملك هذا الحائط ملكا مطلقا فإن الفريق الآخر كان يتمتع في زمن الحكم التركى وفى السنوات السابقة للحرب بحثا حرية السلوك إليه كموقع ديني. ويلوح أن الحكومة البريطانية وإدارة فلسطين، كانتا، عند اتباع تلك المبادئ ترغبان في صيانة الحالة الراهنة التي كانت قبل الحرب بشأن العلاقات بين الطائفتين اللتين لهما حق دينى فى نفس الموقع. وقد كانت ادارة فلسطين من هذه الوجهة تقوم بمهمة الإشراف على الحالة الراهنة من جهتين: فمن الجهة الواحدة سعت لمنع اليهود من جلب أدوات إلى الحائط تخالف العادة المسلم بها، ومن الجهة الأخرى جربت منع المسلمين من إجراء أية محدثات قد ينجم عنها ما يئول إلى ازعاج اليهود أو اقلاقهم في أثناء الصلوات التي اعتادوا إقامتها عند الحائط. ولذا اضطرت إدارة فلسطين أن تتخذ ما يلزم من الاجراءات بهذا الشأن في مناسبات مخصوصة في السنوات 1925 م. و1928 م. و1929 م. وقد جاءت لجنة شو بتقريرها على ذكر هذه المناسبات بإسهاب.
|
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
وكما جاء في الكتاب الأبيض لسنة 1928 م. المذكور آنفا اضطرت إدارة فلسطين إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات فورا كي تمنع أي تجاوز على الحالة الراهنة (الستاتيكو) فمنعت اليهود من أن يجلبوا إلى الحائط أية مقاعد أو كراسي أو ستائر أو حواجز لفصل الرجال عن النساء. بينما أنها من الجهة الأخرى سمحت لهم في التعليمات المؤقتة الصادرة سنة 1929 م. بأن يجلبوا مؤقتا إلى الحائط بعض أدوات طقسية أثبتت مفصلا في تلك التعليمات.
ثم أصدرت أمرا إلى المسلمين من الجهة الأخرى بإبقاء الباب (البوابة) الذي مر ذكره فيما تقدم في الطرف الجنوبي من الحائط مقفلا في ساعات معينة وبمنع سوق الدواب على الرصيف في أوقات معينة. وقد كانت حكومة فلسطين بإصدارها هذا الأمر تسير على مبدأ عدم السماح للمسلمين بإجراء أية محدثات أو تغييرات في أو بالقرب من الحائط نفسه مما يلحق باليهود إزعاجا يفوق ما كان يحصل لهم في الماضي أثناء إقامتهم الصلاة. ثم أوقف المسلمون من تلقاء أنفسهم أعمال البناء التي شرعوا فيها في ساحة الحرم سنة 1929 م. إلى أن تظهر نتيجة التحقيق الرسمي الذي أجري بشأن ما قد يكون لهذه الإنشاءات من أثر في الشروط التي يقيم بموجبها اليهود صلواتهم. إلا أنه رخص للمسلمين بعد ذلك بإتمام البناء مع أنه تقرر في الوقت نفسه أن يزاد ارتفاع الحائط الذي يطل على الزقاق المؤدي إلى محلة المغاربة وساحة الحرم إلى ما كان عليه في السابق كي يحول دون رؤية الرصيف، الأمر الذي أصبح ميسورا بسبب تخفيض الحائط.
ويلاحظ من وصف المكان (راجع ما تقدم ذكره) إن الزاوية التي بنيت عند الطرف الجنوبي من الحائط بقيت قائمة في مكانها، وكذلك بقي الباب الذي فتح حديثا في الجهة نفسها والدرج المؤدي منها إلى ساحة الحرم.
3 – ملكية الحائط وما جاوره
على اللجنة أن تصدر قرارا بشأن مطالب وادعاءات اليهود. ومع أن اليهود لا يدعون بملكية الحائط ولا بملكية الرصيف الكائن أمامه (خطاب وكلاء فريق اليهود الختامي – محضر اللجنة صفحة 908) فقد رأت اللجنة أن من واجبها التحقيق في مسألة الملكية من الوجهة القانونية إذ أن ذلك أساس ضروري لتقرير الوضعية القانونية في هذا الشأن. ولذا فاللجنة لا يسعها قبول الرأي الذي أبداه المسلمون بأنه ليس ما يدعو اللجنة لإبداء رأيها في مسألة الملكية طالما لم ينازعهم أحد فيها فيما مضى فضلا عن أنه لا يصح النزاع فيها واعتراضهم هذا نشأ في الحقيقة من التحفظين المتقدم ذكرهما.
فاللجنة تصرح في هذا المقام استنادا على التحقيق الذي أجرته بأن حق ملكية الحائط وحق التصرف به وما جاوره من الأماكن المبحوث عنها في هذا التقرير عائد للمسلمين. ذلك أن الحائط نفسه هو ملك المسلمين لكونه جزءا لا يتجزأ من الحرم الشريف. كما أنه ثبت للجنة من التحقيق الذي أجرته سواء في المحكمة الشرعية أو من الشهادات والبينات التي أدلى بها أمامها الشهود، أن الرصيف الكائن عند الحائط حيث يقيم اليهود صلواتهم هو أيضا ملك للمسلمين.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
وكذلك ثبت للجنة بأن المنطقة التي تكتنف الرصيف المذكور قد وقفها على المسلمين الملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي حوالي سنة 1193 بعد الميلاد. ويرجح كثيرا أن هذا المكان الذي كان فيما مضى جزءا من مساحة واسعة مكشوفة قد وقف في نفس الوقت الذي وقفت فيه المنطقة المجاورة باعتباره مشمولا فيها.
وحوالي سنة 1320 بعد الميلاد عندما أنشئت في الأصل المنازل الخصوصية التي يقيم فيها المغاربة الآن كي يستعملها حجاج المغاربة مساكن لهم أوقف أبو مدين الغوث هذه المنازل أيضا. أما صكوك الوقفية الأصلية فقد فقدت ولكن وقفيتها تأيدت بإعلان شرعي أصدره القاضي في سنة 1630 م. بعد سماع شهود على الطريقة العادية المقررة في الشرع الإسلامي.
وقد تثبت أحد أعضاء هذه اللجنة أثناء وجوده في المحكمة الشرعية بحضور مندوبين عن الفريقين من الحدود التقريبية لأملاك الوقف هذه، ورسم تلك الحدود على أن خارطة زودتنا بها إدارة فلسطين. وقد استرشدت اللجنة بهذه الخارطة في أثناء التحقيق الذي قامت به، ولم يعترض عليها أحد الفريقين.
أما فيما يتعلق بصفة الوقف القانونية وحكمه فإن اللجنة تعتمد بالأخص على الإيضاحات التي أبداها فريق المسلمين بهذا الشأن. إن الأوقاف على أنواع متعددة، ولكن لها مزية مشتركة بينها هي أنها جميعها خالدة مؤبدة يتصدق بثمرتها على المساجد أو الفقراء حسب شرط الواقف. ومع أنه قيل إن الوقف ملك لله وليس ملكا لأحد فليس تخصيصه لغايات دينية شرطا محتوما. ضف إلى ذلك، أن الموقوف قد يكون ريع العقار لا عينه والعين الموقوفة على جهة بر (غاية دينية) يمكن بحق اعتبارها مقدسة بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة. والمسجد وقف من أعلى المراتب. ومن الجهة الأخرى يمكن وقف أماكن لتكون رباطا للمسافرين والمنقطعين ونحو ذلك من وجوه الخير ويلوح لنا أن “الزاوية” التي قيل بأنها مكان يوقف للذكر وتعلم القرآن الكريم وتلقي الشريعة هي وقف في المرتبة الثانية.
نتقدم الآن للبحث في مختلف أقسام هذا الملك:
إن الحائط نفسه لكونه جزءا لا يتجزأ من الحرم الشريف هو وقف بلا ريب. وإذا أخذنا بعين الاعتبار المعلومات التي زودنا بها فريق المسلمين بشأن الوقف والمستندة إلى أحكام الشرع الإسلامي، يكون الرصيف الكائن أمام الحائط من نفس المرتبة كوقف محلة المغاربة. وتثبت البينة التي أدلى بها في هذا الصدد، فضلا عن ذلك، إن المسلمين يعتبرون أن الرصيف إنما وجد لمرور سكان المنازل الخصوصية المشار إليها فيما تقدم.
4 – قدسية الحائط والرصيف
يلاحظ مما تقدم بأن أملاك الوقف، بصفتها وقفا لا تعتبر جميعها مقدسة من وجهة الشرع الإسلامي، فمجرد كون الحائط جزء من السور الخارجي لساحة الحرم الشريف الكبيرة لا يدعو بحد ذاته إلى اعتبار الحائط “مقاما إسلاميا مقدسا” كالمساجد وغيرها من الأماكن القائمة في ساحة الحرم الشريف التي لها ميزة مقدسة خاصة.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
وفريق المسلمين لم يبد أي تصريح من هذا القبيل، بل جل ما تمسك به هو أن الحائط مقدس للمسلمين لسبب خاص سنتناوله بالبحث في مكان آخر من هذا التقرير. فإذا كانت هذه هي الحال فلا يمكن الادعاء بقداسة الرصيف الذي تجاه الحائط بالاستناد إلى صفته الوقفية طالما أنه يستعمل ممرا يؤدي إلى محلة المغاربة وطالما أصبح يستعمل أيضا ممرا من محلة المغاربة إلى ساحة الحرم الشريف منذ فتح الباب في طرفه الجنوبي.
بقي علينا الآن أن نبحث فيما إذا كان المسلمون يقدسون الحائط والرصيف الكائن أمامه لأي سبب خاص. فقد ادعى فريق المسلمين بأن هنالك سببا يحمل على تقديس هذا المكان، ذلك أنه يوجد داخل الحائط مسجد صغير أقيم في المكان الذي يعتقد أن النبي محمد ربط فيه براقه ليلة إسرائه إلى المسجد الأقصى. وقد فهمت اللجنة أن أكثرية المسلمين تعتقد أن براق النبي ربط بالفعل في ذلك المكان نفسه. ومما هو جدير بالملاحظة أن المكان المذكور لا يقع ضمن ذلك القسم من الحائط الملاصق للرصيف بل في طرفه الجنوبي وأن الوصول إلى مسجد البراق الصغير هو من داخل ساحة الحرم الشريف لا من خارجها.
وفي هذه الأحوال ترى اللجنة أنه لا يمكن اعتبار الرصيف الكائن أمام الحائط مكانا مقدسا من وجهة النظر الإسلامية. ففي عهد النبي محمد كان الرصيف جزءا من فناء مكشوف (راجع ما يلي) وليس في البينات التي أدلى بها أمام اللجنة ما يدل على أن قسما خاصا من ذلك الموقع كان منذ القدم مقدسا – لدى المسلمين. ويحتمل إن “الزاوية” التي أقيمت بجوار الرصيف سنة 1929 م. كانت تستعمل في زمن عريق في القدم، للغاية الدينية التي تستعمل لها في الوقت الحاضر. أما الرصيف نفسه فقد استعمله المسلمون منذ الأجيال الغابرة لأمور دنيوية وما زالوا يستعملونه كذلك لغاية الآن. ولم يستعمله المسلمون قط على ما هو معلوم لإقامة الصلاة فيه ورغما عن استعماله من اليهود لإقامة صلواتهم فقد كان على الدوام طريقا للمغاربة سواء للمرور أو لسوق دوابهم وإبلهم.
أما فيما يتعلق بالحائط نفسه فالأمر مختلف فيه. واللجنة تميل إلى قبول قول المسلمين بشأنه، أي أن حائط المبكى برمته مقدس للمسلمين لأنه المحل الذي نزل فيه النبي محمد ومر به ثم ربط براقه فيه. وفى رأيها أن الحقيقة لا تمنع اعتبار هذا الحائط مقدسا لليهود أيضا. فإذا كان احترام ذكرى مرور النبي بذلك المكان قد جعل الحائط الغربي برمته مقدسا لدى المسلمين رغما عن كون البراق ربط على مسافة معينة من المكان الذي يبكى عنده اليهود، فلماذا لا يجوز أيضا أن ينظر بعين الاعتبار وعلى نفس المنوال إلى الاحترام الذي ما فتئ اليهود يبدونه منذ قرون عديدة نحو هذا الحائط نفسه الذي يعتقدون بأنه البقية الباقية من الهيكل القديم وبأن الحضور الإلهي لا يبرحه، فالطوائف المسيحية بسبب منشئها المشترك، تقيم شعائر عبادتها، في كثير من الأحوال في نفس الأماكن والأبنية وبذلك يقع بينها أحيانا مشاحنات وخلافات بشأن ما لكل منها من حقوق في إقامة تلك الشعائر. ويصدق هذا القول أيضا، في بعض الظروف، على العرب واليهود ذينك الشعبين اللذين ينحدرا من صلب إبراهيم، وبالطبع ليس من السهل في مثل هذه الأحوال الوصول إلى اتفاق إذ أن المكان الذي يبجلونه واحد والعبادة يقيمونها في نفس المكان (مثال ذلك: – قبر راحيل
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
وحائط الحرم الشريف الإبراهيمي في الخليل). غير أنه ليس من الضروري أن تنشأ مثل هذه الخلافات بشأن الحائط الغربي لأن المكان الذي يقدسه كلا الفريقين واحد غير أن البواعث التي تحمل كليهما على تقديسه تختلف لدى كل منهما كل الاختلاف. وفي وسع كل فريق أن يؤدي صلواته في مكان منفرد عن الآخر، ذلك أن ساحة الهيكل هي مباحة لفريق واحد منهما بينما أن الفريق الآخر إنما يطلب حق السلوك إلى المكان الكائن أمام الحائط.
وقد حدا باللجنة أن تدلي برأيها هذا في هذا المقام كي تبين بجلاء إمكان إجراء ترتيب قد يكون مقبولا لدى الفريقين. أما مسألة “الحق” الذي يستطيع اليهود المطالبة والادعاء به في مكان ليس بملكهم قانونيا فمسألة مستقلة سنتناولها بالبحث فيما يلي من هذا التقرير.
5 – السلوك إلى المكان الكائن أمام الحائط:
لقد ثبت من البينات والشهادات التي أشرنا إليها فيما تقدم أن الحائط الغربي لساحة الهيكل كان موضع تقديس اليهود واحترامهم الديني لقرون عديدة، ولما اندثرت معالم الهيكل نفسه أخذ المتعبدون من اليهود، بدلا من الزوار الذين كانوا يؤمون أطلال الهيكل القديم يزورون البقية الباقية من الهيكل، أي الحائط الذي يعتقدون بأن الحضور الإلهي لم يبرحه قط. وفي الاستطاعة إقامة الدليل على ذلك حتى في القرن الرابع، ذلك أن نواح وصلوات اليهود كانت تسمع، قبل أن يصبح مكان البكاء وقفا إسلاميا لمدة طويلة، من نفس المكان الكائن الآن إمام الحائط تماما، ويظهر أن الرصيف كان في العصور القديمة كما ذكرنا فيما تقدم، جزءا من فناء مكشوف. وتأييدا لذلك نستدل، على سبيل المثال، بقول المؤرخ بنيامين من توديلا (نحو سنة 1167 بعد الميلاد) حيث قال: – “ويقوم إمام هذا المكان (أي الحرم الشريف الحالي) الحائط الغربي الذي هو أحد جدران قدس الأقداس، ويسمى بباب الرحمة وإلى الحائط الكائن في فناء مكشوف يذهب اليهود للصلاة” (دليل بنيامين من تودللا لادلر – صفحة 22 – 23 طبعة لندن سنة 1907 م.) .
ثم أقيم بعد ذلك حائط بين الحائط الغربي وبيوت المغاربة حتى إنه عندما أنشئت تلك البيوت أصبح المدخل الوحيد إليه من الطريق العام من طرف الحائط الشمالي. ومع ذلك لم يقم المسلمون، ذوو السلطان في ذلك الحين، بأي عمل كان لمنع اليهود من حرية السلوك إلى ذلك المكان إذ أنه كان مسموحا لهم، بأن يزوروا الحائط ويقيمون تضرعاتهم أمامه كما كانوا يفعلون فيما مضى. ولم تنقطع هذه العادة إلا في حالات مؤقتة إما بسبب قوة قاهرة أو عند وقوع حوادث سياسية كان ينفى اليهود على أثرها من القدس بين حين وآخر، ولكنهم كانوا يعودون إلى مزاولة هذه العادة حالما يتيسر لهم ذلك وبالمدى المستطاع.
ولذلك فإن اللجنة تعتقد تمام الاعتقاد بأن المكان المبحوث عنه يجب اعتباره “موقعا دينيا” يستعمله خصيصا لهذه الغاية الذين ينتمون للمذهب الموسوي
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
وبناء على ذلك فإن حرية السلوك إلى ذلك المكان لأجل إقامة الصلوات مضمونة بصراحة لليهود في المادة الثالثة عشرة من صك الانتداب التي ورد فيها، فيما ورد، ما يلي:
“تأخذ الدولة المنتدبة على عاتقها .. كل مسئولية بشأن الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية في فلسطين ومن ذلك .. تأمين حق السلوك إلى .. المباني والمواقع الدينية.”
وبقطع النظر عن هذا الضمان المثبت في صك الانتداب تعتقد اللجنة أن هنالك عادة تشكل حقا قديما يؤيد مطلب اليهود بحرية السلوك إلى هذا المكان.
وقد جادل فريق العرب بشدة بأن اليهود إنما سمح لهم بالسلوك إلى هذا المكان من قبيل التسامح.
ويلوح على كل حال بأن هذه الحجة التي أدلى بها فريق العرب تبرر الاستنتاج بأن مجرد سلوك اليهود إلى الحائط لم يعتبره العرب تعديا على الشرع الإسلامي، إذ أنهم لو اعتبروه تعديا لمنع اليهود من زيارة الحائط من زمن بعيد. ومما يلاحظ أن المبادئ المقررة في الشرع الإسلامي والقانون العثماني المعمول به في الوقت الحاضر إن كل أمر جرى التعامل به منذ القدم ولم يكن بحد ذاته غير قانوني يترك على قدمه (المادة 6 من المجلة) *.
وتعتقد اللجنة، بعد أن درست ما تيسر لها من البينات والشهادات، أنه وفقا للقوانين الأساسية لا يسوغ فعلا الادعاء بأي حق من حقوق الارتفاق كأساس لحق المرور في المكان. ومع ذلك ترى اللجنة أنه يوجد في هذه الحالة حق قائم بذاته يستند إلى عادة قديمة نشأت تحت حماية أحد هاتيك (التسامحات) التي من المعتاد اعتبارها أساسا لما يصبح من العوائد المشروعة قانونيا حتى ولو لم يكن في الاستطاعة الاستناد إلى قانون خاص تأييدا لهذه الحقيقة وبالكاد يمكن إنكار إن الحقوق المرعية والعادة الشائعة، في فلسطين، وعلى الأخص فيما يتعلق بالأمور الدينية، أصبحت على وجه العموم تعترف بالمبدأ القائل بجواز امتلاك الفريق الواحد لحق محدود في ملك الفريق الآخر وفي جميع مبادئ الحالة الراهنة (ستاتيكو) يلعب التسامح دورا مهما في تقرير ما يمكن اعتباره، في أي وقت كان، بأنه نما وأصبح بمثابة “حق مرعى”.
فما هي الضرورة إذا لتطبيق حالة راهنة معينة هذا التطبيق الذي ينطوي على الارتياب والتحسب، وما الداعي للتخوف من الإجحاف الذي يظن بأنه يلحق هذا التطبيق كأثر لا مفر منه لكل فعل أو إغفال من شأنه أن يغير الأحوال الحاضرة طالما أن “التسامح”، لم يعتبر فيما مضى كأساس يحتمل أن يغير الوضعية القانونية. أما فيما يتعلق بزيارة المكان والقيام ببعض الشعائر الدينية فيه، بدون الادعاء بالملكية، فمن المعلوم أن هنالك سوابق من هذا النوع بشأن الأماكن المقدسة المسيحية (راجع ما تقدم) ومنشأ هذه الحقوق يستند طبعا إلى عادة قديمة لا إلى أي اتفاق مدون في وثائق ومستندات.
وتود اللجنة في هذا المقام، أن تلفت النظر بوجه خاص إلى أنه في أدوار الحكم السابق لم يتناول المنع الذي كان يعلن عنه أحيانا حق الزيارة، كحق بل كان يتناول
(*) المقصود مجلة الأحكام العدلية
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
خصيصا بعض أعمال كان يقوم بها اليهود، ويعتبرها المسلمون تعديا على حق ملكيتهم أو توسعا في العادة القديمة التي جروا عليها فيما مضى في جوار الحائط.
إن الاعتراف بالعادة التي جرى عليها اليهود منذ القدم في زيارة الحائط لأجل التضرعات لا يمكن الافصاح عنه بوجه أوضح مما أدلى به فريق العرب من البينات والشهادات أمام اللجنة. وقد جاهر اليهود بما يخامرهم من ريب في صحة علاقة المرسوم المؤرخ في 24 رمضان سنة 1256 هـ. المبصوم بختم محمد شريف (الذيل السادس) في هذه المسألة، ولكن ليس لدى اللجنة ما يحملها على الريب في صحة هذه الوثيقة. إن هذه الوثيقة من حيث مضمونها، تثبت أن اليهود في ذلك الحين حذروا من القيام بأمور اعتقد بأنها من المحادثات في تضرعاتهم أمام الحائط.
إلا أن لهذا المرسوم أهمية كبرى، ذلك أنه يكشف القناع عما كان مفهوما في ذلك الحين من زيارات اليهود الطقسية. والسبب الوحيد الذي حدا بالسلطات إلى بحث هذه المسألة هو أن اليهود طلبوا إذنا بتبليط الأرض الكائنة أمام الحائط فرفض طلبهم هذا لأنه “ما سبق لليهود تعمير هكذا أشياء بالمحل المرقوم” ولأنه “وجد أنه غير جائز شرعا”. والظاهر أنه خشي أن يكتسب اليهود حقا شرعيا في تملك أملاك الوقف إذا قام اليهود بتبليط هذا المكان. ومما لا يقل عن ذلك أهمية أن نفس هذا المرسوم أيد الإذن “بزيارتهم (الحائط) على الوجه القديم” وطالما أن فريق العرب يؤكد بأن هذه الزيارات كانت من قبيل التسامح كمثل زيارات الأجانب أو غيرهم بدون إقامة صلوات وجب القول أن المسلمين حذروا المسيحيين، مدة طويلة، فيما مضى، من الاقتراب من الحائط أو من جواره وسمحوا بذلك لليهود كمنة خاصة.
وهنالك ما يدل دلالة أوضح على البواعث التي حملت المسلمين على الاعتراض هو قرار مجلس الإدارة في القدس المتخذ سنة 1911 الذي كثيرا ما استند إليه فريق المسلمين في هذه القضية. ففي ذلك الحين اشتكى متولي وقف أبو مدين بأن اليهود وضعوا كراسي على الرصيف خلافا للعادة، وطلب توقيفهم عن ذلك منعا لادعائهم في المستقبل بالملكية.
وعندما رفع استدعاء المتولى إلى المفتي وإلى المحكمة الشرعية أيدوه إذ أنه من الممنوع شرعا وضع الكراسي والستائر وما شابهها من الأدوات، أو القيام بأية محدثات “قد تثبت الملكية” أو التصرف “بموقع حائط الحرم الشريف” وبناء على ذلك قرر مجلس الإدارة منع وضع أية أدوات مما “يعتبر دليلا على الملكية”.
وقد أضيفت فقرة إلى هذا القرار قرر فيها المجلس “المحافظة على العادة القديمة إن كان ضروريا”.
وفي رأي اللجنة أن الباعث الجلي الذي حمل المتولى علي تقديم هذا الاستدعاء، وحدا بمجلس الإدارة اتخاذ هذا القرار هو منع اليهود في المستقبل من الادعاء بالملكية أو التصرف. ومع ذلك فقد اعترف صراحة في الوقت نفسه ، بالعادة المتبعة منذ القدم.
وبعد أن نظرت اللجنة في البيانات والشهادات التي أدلى بها فريق العرب توصلت إلى الاستنتاج بأن حرية سلوك اليهود إلى ذلك المكان لأجل إقامة التضرعات
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
قد اعترف بها المسلمون أنفسهم كحق قديم. والمسائل التي أدت إلى النزاع والخلاف في الأزمنة الأولى، كانت تدور حول صفة ومدى العادة التي جرى عليها اليهود في إقامة التضرعات عند الحائط.
أما فريق اليهود فقد علق أهمية كبرى على الفرمان الصادر سنة 1889 م. (الذيل السابع) وإلى الفرمان المشار إليه فيما تقدم، الذي قيل بأن له نفس المزية وإلى فرمانين صادرين في سنتي 1893 و 1909 م يتناولان نفس الموضوع.
وبهذه الفرمانات، التي تبلغت لرئاسة الحاخامين في المملكة العثمانية أو في القدس، ضمنت لليهود درجة من الحماية في ممارسة شعائرهم الدينية. وقد ترجم الأصل التركي لهذه الوثائق (إذ أن فرمان سنة 1889 م. أبرز وقرئت ترجمته أمام اللجنة) ترجمة مختلفة بواسطة ذوي الاختبار من الشهود من الجانيين فعندما استجوب الدكتور ليفانون من فريق اليهود ترجم نفس هذا الفرمان بأن اليهود وعدوا بأنهم ” لا يعارضون في أمور كنائسهم ولا في الأماكن التي يزورونها لأجل العبادة، ويحجون إليها ولا في طريقة إجراء شعائرهم الدينية” .
وقد سمعنا شهادة على رضا باشا، وهو علامة ثقة، استدعاه فريق المسلمين فصرح أنه يقبل بترجمة الدكتور ليفانون بوجه الإجمال غير أنه قال إنه يترجم هذه العبارة ترجمة حرفية على الوجه التالي: “في الأماكن التابعة لرئاسة الحاخامين كالكنائس وأماكن الزيارة الطقسية” .
وقد دارت مناقشة بين وكلاء الفريقين حول ما إذا كانت عبارة “التابعة لرئاسة الحاخامين” محددة تحديدا جغرافيا أو إداريا. ففي الحالة الأولى تبين أنه إذا كان المكان المبحوث عنه “مكان زيارة طقسية” لليهود فهو مشمول بالحماية المقصودة بالفرمان، وفي الحالة الثانية قد يكون من المقتضى، كي يستطاع حماية أي مكان كموقع ديني أن يكون تابعا لرئاسة الحاخامين من الوجهة الإدارية أو الكنسية. ومع ذلك فاللجنة تظن أنه سواء كانت هذه أو تلك الترجمة الصحيحة يجب اعتبار هذه الفرمانات بأنها تتضمن سياسة تعود لمصلحة اليهود ولحريتهم الدينية. وليس ما يدعو للاعتقاد، في رأي اللجنة، إن أولئك الذين كانوا يصلون أمام الحائط الغربي لم يتناولهم ذلك التسامح. فالاستدلالات الرسمية لتلك السياسة يلوح بأنها تزيد في أهمية هذا الأمر، ذلك لأن الفرمان الصادر سنة 1889. على الأقل قد قيد في سجل المحكمة الشرعية حسبما هو مثبت في ظهره وبذلك أخذت تلك المحكمة الموقرة علما به.
( 6 ) صيغة الصلوات اليهـودية ومداها:
واستنادا إلى الاعتبارات المذكورة فيما تقدم ترى اللجنة أن المكان المبحوث عنه هو موقع ديني، يقدسه اليهود وبأن لليهود حق السلوك إليه لإقامة بعض أنواع الصلاة، إلا أن اليهود يدعون بأن لهم حق تقرير شكل الصلاة التي يقيمونها أمام الحائط ومداها دون أدنى تداخل من الغير. وحجتهم في ذلك في الدرجة الأولى أن “حرية العبادة” قد ضمنت لهم بموجب أحكام صك الانتداب الصريحة، وأن لهم بناء على ذلك حق ترتيب صلواتهم حسب شعائرهم الخاصة، وجلب جميع الأدوات التي يستصوبون جلبها إلى الحائط ويعتقدون أنه، حتى ولو كانت عبادتهم في الأزمنة القديمة، كانت تتخذ شكل صلوات ومناحات افرادية ، فصلواتهم التي
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
تطورت في السنين الأخيرة إلى صلاة جماعة وصلاة منظمة، قد سمح بها بدون انقطاع بوجه الاجمال وكل تداخل من جانب المسلمين في شعائر اليهود طقوسهم هو محظور أيضا مبدئيا بموجب الفرمانات المتقدم ذكرها.
وقد ادعى فريق اليهود أيضا أن الحالة الراهنة الحقيقية قبل الحرب كانت زمنا طويلا تتفق مع ما يدعونه الآن، وأنه إذا كانت الأوامر الإدارية التى صدرت حقا لا تتفق مع هذه المطالب فإنها تتنافى مع حقوق اليهود المرعية.
والآن وقد تم البحث في هذه النقاط تتقدم اللجنة إلى الإدلاء برأيها كما يلى :
إذا نظرنا إلى أحكام صك الانتداب نرى بالحقيقة أن المواد (13 و 15 و 16) تضمن مبدأ الحرية الدينية، وبأن المادة 13 تنص بوجه خاص على ضمان “حرية العبادة” لجميع الطوائف.
غير أنه ليس من سداد الرأي أن يستنتج من هذه القاعدة العمومية أن الذين ينتمون لأي مذهب خاص لهم أن يتمتعوا بحق إقامة شعائرهم الدينية فى جميع الأماكن بدون مراعاة حقوق الآخرين في تلك الأماكن. فلو كانت الحالة كذلك لقضي تماما على مبدأ الحالة الراهنة في الأماكن المقدسة والمواقع الدينية الأخرى. ومما يزيد المشكلة حراجة فى هذه الحالة، أن هذا الموقع الديني هو أيضا وقف إسلامي واقع ضمن أوقاف إسلامية أخرى تحيط به ويعد أحدها من أعظم المقامات قداسة لدى جميع المسلمين.
فإن كان يجب المحافظة على الحائط الغربي والرصيف الكائن أمامه لمصلحة اليهود الدينية وجب على اليهود أيضا أن يراعوا حرمة المسلمين الذين أكرموا مثواهم، والذين ضمنت لهم أحكام صك الانتداب امتيازات مقاماتهم المقدسة.
ولهذا السبب تستنتج اللجنة بأن العادة الثابتة يجب اعتبارها الأساس والذين ضمنت لهم أحكام صك الانتداب امتيازات مقاماتهم المقدسة. ولهذا السبب تستنتج اللجنة بأن العادة الثابتة يجب اعتبارها الأساس الصحيح لتقرير حقوق اليهود المرعية عند الحائط غير أنه ليس في ذلك ما يستوجب على اللجنة الرجوع إلى الأشكال الأصلية التي اتصفت بها الصلوات التي كانت تقام عند الحائط في أقدم أدوارها بينما أن اللجنة ترى، من الجهة الأخرى أنه حتى يتاح اتخاذ العادة أساسا لحق ثابت يجب أن تكون تلك العادة قديمة نوعا ما.
ليس في وسعنا أن نقرر بتأكيد شكل الصلاة التي كان يقيمها الزوار الأولون أمام الحائط إلا أنه يظهر لنا من البيانات والشهادات التي أدلى بها أمامنا أن صلاة الجماعة أو “الصلاة المنظمة” كانت تقام عند الحائط قبل الآن بأجيال عديدة. فتطور الصلاة من شكل إلى آخر أقرته الطقوس الدينية اليهودية وهي ما فتئت منذ أقدم العصور تقتضي وجود عشرة أشخاص (منيان) لاجراء الخدمة الدينية الكاملة وتجيز لعشرة أشخاص (أي للمنيان) بأن يقيموا شعائر العبادة في أي مكان على نحو ما يفعلون في الكنيس تماما. ولا مشاحة أن جماعة واحدة أو أكثر من هذه الجماعات (المنيان) تألفت لأجل إقامة الصلاة عند الحائط أيضا. فهذه الجماعة كانت، نوعا ما، تقوم بطقوس العبادة التامة، وكانت على كل حال تصلى غالبا كجماعة لا كأفراد فقط. ولما كان من الصعب فصل النساء عن الرجال، في مثل هذا المكان على نحو ما يفصلون فى الكنيس، كانت النساء تنعزل في زاوية على حدة. وكان اليهود يجلبون معهم أيضا بعض الأدوات التي يستعملونها عادة في الخدمة الدينية ويرتدون الألبسة التي تقضى بها طقوسهم الدينية.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
أما سفر التوراة مع الخزانة الضرورية لحمله والمائدة التي توضع عليها عند القراءة فقد كانت تجلب إلى الحائط، في بادئ الأمر في المناسبات الخارقة العادة فقط عندما تأمر رئاسة الحاخامية بالصوم وإقامة الصلاة (أي في أوقات الجفاف أو عند وقوع المصائب والنكبات مثلا) – ثم توسعت عادة جلب سفر التوراة بالتوالي، وعلى الأخص في الأعياد الدينية الكبرى وأخذوا يجلبونها أيضا في الأزمنة الأخيرة في أيام السبت الاعتيادية أيضا.
ويلوح بأن الموسع في هذه العادة لم يعترض عليه طالما أن اليهود لم يتخذوا أية تدابير من شأنها أن تكون مبعثا للادعاء بالملكية كبذل الجهد في الحصول على حق بتبليط المكان أو جلب المقاعد، أو وضع ستار أو حاجز لفصل الرجال عن النساء بدلا من الرواق المخصص للنساء في الكنيس أو بربط خيمة في الحائط للوقاية من حرارة الشمس، وبغير ذلك من التدابير التي يستدل منها على الادعاء بملكية المكان.
وقد أشار قرار مجلس الإدارة المتخذ سنة 1911 بوجه خاص إلى منع وضع الستار عند الحائط ذلك أنه ورد فيه أن وضع ” الكراسي والستائر والحواجز ونحوها من الأدوات هي من قبيل المحدثات التي قد تدل على الملكية”.
وقد أبرز فريق اليهود بعض أدلة للدلالة على أن القرار الذي أشرنا إليه فيما تقدم قد نقضته الحكومة إذ ذاك على أن هذه النقطة لم توضح تمام الإيضاح كما أن قول اليهود بأنهم دفعوا في أوقات مختلفة كلفة تصليح الرصيف لم يؤيد بالحجة لدرجة يثبت معها بأنهم اكتسبوا بذلك حق ملكية المكان. ومن الجائز الافتراض أنه، في بعض الأحيان، لم يعترض على جلب اليهود مقاعد وكراسي وستائر وحواجز وما شابهها من الأدوات إلى الحائط وبأنهم اهتموا أحيانا بتنظيف أو تصليح الرصيف، غير أن ذلك لم يثبت أنهم جروا بقيامهم بمثل هذه الأمور على عادة لا نزاع فيها تستند إلى زمن طويل كما يصح بناء أية ادعاءات ومطالب قانونية عليها.
ومما هو جدير بالذكر بشأن أدوات العبادة الوارد ذكرها في الفقرتين (ب) و (ج) من التعليمات المؤقتة الصادرة سنة 1929 أن المسلمين، إذا اعتبرنا البينة التي أدلى بها أمامنا، لم يرفعوا عقيرتهم بالشكوى صراحة من جلب مثل هذه الأدوات إلى المكان لغاية آخر أدوار الخلاف الذي وقع بين العرب واليهود.
أن الكتاب الأبيض الصادر سنة 1928 المشار إليه فيما تقدم والذي يعلن سياسة الدولة المنتدبة فيما يتعلق بالحالة الراهنة قد تقدمته مخابرات مطولة دارت بين إدارة فلسطين والمفتي الأكبر، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى. ففي اليوم التاسع عشر من شهر شباط سنة 1922 تلقى وكيل حاكم القدس كتابا من المجلس الإسلامي الأعلى يطلب فيه رفع المقاعد والكراسي التي عند الحائط وفقا للتعليمات السابقة التي أصدرتها حكومة فلسطين بهذا الشأن، وبما أن اليهود عمدوا ثانية إلى وضع المقاعد عند الحائط بعث المجلس بكتاب آخر إلى الحاكم مؤرخ في 26 نيسان سنة 1922 طالبا إليه منع اليهود من جلب المقاعد والكراسي إلى ذلك المكان. ثم عاد المجلس، بناء على طلب سكان البيوت الكائنة بالقرب من الرصيف فبعث مع كتاب آخر مؤرخ في 8 كانون الثاني سنة 1923 يشتكي فيه من تكرار تعدي اليهود فيما يتعلق بهذه الأمور. فأجاب وكيل الحاكم المجلس في اليوم الثالث من شهر شباط سنة 1923 بأن الأوامر قد صدرت بمراعاة التعليمات السابقة كل المراعاة.
وبعد مرور مدة من الزمن احتج متولي وقف المغاربة على اليهود بناء على نفس
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
السبب تقريبا وبناء على ذلك أرسل المجلس الإسلامي الأعلى كتاب احتجاج إلى الحاكم مؤرخا في 28 أيلول سنة 1925 يذكره فيه بوعده المثبت في كتابة المؤرخ في 3 شباط – سنة 1923، ولما لم يتلق المجلس ردا خطيا من الحاكم، بعد مضي مدة من الزمن، أرسل ثانية كتابا إلى الحاكم مؤرخ في 7 حزيران سنة 1926 يطلب الجواب على كتابه السابق ويرجو منع اليهود “من تكرار هذا العمل والمحافظة على الحالة الراهنة” وأرفق بكتابه صورة استدعاء من أن اليهود أخذوا يضعون مقاعد وحصرا وموائد وكراسي ومصابيح مع أنه لم يسمح لهم بذلك قط فيما مضى. ثم قال متولي الوقف: – “إن ذلك لما يزعج المارين إذ أن هذا الممر يؤدي إلى بيوت الوقف، وهم بعملهم هذا قد تعدوا على جزء من أرض الوقف لأن عرض الممر لا يتجاوز المترين والنصف، ونحن في شجار دائم معهم إذ أنهم يصرون على وضع هذه الأشياء”.
وبعد أن تلقى المجلس جواباً من دائرة الحاكم مؤرخا في 28 حزيران سنة 1926 قيل فيه “بأن المسألة هي موضع التحقيق” أرسل ثانية بواسطة رئيسه كتابا مؤرخا في 20 تموز سنة 1926 كرر فيه ما جاء في كتابه المؤرخ في 7 تموز دون أن يشير إلى أية أدوات مخصوصة. وبما أن التحقيق الموعود به لم يسفر عن نتيجة. ما أرسل رئيس المجلس إلى حاكم مقاطعة القدس كتابا مؤرخا في 4 آب سنة 1926 ذكر فيه أن اليهود أخذوا يحاولون ثانية وضع مقاعد أمام الحائط على ما اتصل به من متولي وقف المغاربة وأنه في تكرار هذا الرجاء بالنيابة عن المجلس إنما كان مدفوعا بالشكاوي التي وجهت إليه. إلا أن المجلس في هذه المرة ختم كتابه قائلا “إن الغاية من كتابي المؤرخ في 20 تموز سنة 1926 هي اتخاذ التدابير لمنع اليهود من وضع أي شيء في البراق الشريف وعلى الأخص في أيام السبت والأعياد اليهودية”.
وفي اليوم الخامس والعشرين من شهر آب سنة 1926 أرسل القائمقام إلى رئيس المجلس الجواب التالي: – “إن التدابير التي أشرتم إليها في الفقرة الأخيرة من كتابكم قد اتخذت ولن يجري أي تغيير في الحالة الراهنة”.
ولم يقع بعد ذلك ما يستحق الذكر لغاية أول شهر تشرين الثاني سنة 1926 حينما اشتكى سكان محلة المغاربة من جلب اليهود كراسي صغيرة نقالة إلى الحائط بحجة ، أن مدير البوليس وعد بالسماح لهم باستعمال هذه الكراسي. ونجم عن ذلك مشاجرات بين المغاربة واليهود وطلب متولي الوقف منع اليهود من وضع أي شيء في ذلك المكان لا تجيزه المادة القديمة وحمل هذا الطلب المجلس الإسلامي الأعلى على إرسال كتاب إلى حاكم مقاطعة القدس مؤرخ في 7 كانون الأول سنة 1926 ينبئه فيه بالمشاجرة التي وقعت بسبب جلب الكراسي الصغيرة “خلافا للعادة القديمة” وختم كتابه قائلا :- “ونحن لا نعتقد بأن الحكومة تود تغيير الحالة الراهنة التي جرى تنفيذها لغاية الآن”
وفي أواخر سنة 1927 اعلم حاكم مقاطعة القدس رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بأنه من المرغوب فيه، رغبة في حفظ الأمن العام ، ألا يؤذن للسياح بالذهاب إلى الحائط أثناء ساعات معينة من النهار اعتاد فيها اليهود أن يجتمعوا لأجل الصلاة وأنه ينوي إصدار الأوامر إلى البوليس الكائن بالقرب من حائط المبكى بعدم السماح للسياح بزيارة الحائط في تلك الساعات المعينة.
وقد أرسل كتاب الحاكم هذا في اليوم الثاني من شهر كانون الأول سنة 1927.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
فرد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عليه باسهاب بكتاب بعث به إلى الحاكم في اليوم الخامس عشر من شهر كانون الثاني سنة 1928 اعترض فيه على منع السياح من الاقتراب من الرصيف لأن مثل هذا المنع هو بمثابة “منح اليهود حقوقا جديدة في المكان نفسسه فضلا عن أنه يثير عواطف المسلمين”. وأشار في كتابه إلى عدة حوادث ومشاكل أثارها اليهود بشأن مسألة البراق الشريف تدل صراحة على أنهم يتبعون في ذلك خطة مرسومة لوضع يدهم على هذا المكان تدريجيا” الأمر الذي أعرب عنه بجلاء فيما بعد في أثناء التحقيق الذي قامت به اللجنة.
ثم بعث حاكم مقاطعة القدس بكتاب إلى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في 30 اذار سنة 1928 يعلمه بأنه سيعلق إعلانا للسياح بالقرب من الحائط الغربي يذكر فيه الساعات المعينة التي تقام فيها الصلوات “ويرجو فيه الجمهور احترام خلوة المصلين في تلك الساعات” فأرسل رئيس المجلس ردا على هذا الكتاب مؤرخا في اليوم الثالث من شهر نيسان صرح فيه بعدم استطاعته الموافقة على تعليق هذا الإعلان، وأكد ثانية بأن كل محاولة من جانب اليهود للتوسع في مطالبهم وادعاءاتهم في البراق يتلقاها المسلمون بقلق عظيم ويرفضونها كل الرفض.
ولم يحتج رئيس المجلس الإسلامي الأعلى نفسه احتجاجا مباشرا مسهبا على عادة جلب اليهود أدوات العبادة إلى الحائط إلا في كتاب بعث به في اليوم الرابع والعشرين من شهر أيلول سنة 1928 أي في اليوم الذي وقع فيه الشغب الذي جاءت لجنة شو على وصفه في الصفحتين 39 و 40 من تقديرها. ومما ذكره في هذا الكتاب “أنه ليس من الجائز وضع خزانة خشبية مغطاة بقماش وستائر وحصر ومائدة كبيرة في الوسط والوصايا العشر موضوعة على الكراسي”. وقد لفت نظر المجلس إلى هذه المسألة بتقرير رفعه إليه مفتش المعاهد الدينية وبما أن هذا العمل أثار استياء المسلمين طلب من حاكم المقاطعة اتخاذ التدابير اللازمة لإزالة هذه الأشياء “الممنوعة والتي لا يمكن القبول بها”، وقد أعيدت هذه التظلمات والشكاوي مع الاستفاضة في الايضاح في كتب أخرى بعث بها رئيس المجلس في اليوم الثاني والرابع والسادس من شهر تشرين الأول سنة 1928 وقد أشير بشدة إلى هذه الكتب ليس إلى تجاوز اليهود على الحالة الراهنة بجلبهم كراسي صغيرة فحسب بل إلى استعمالهم “خزانة ومصابيح” وغيرها من أدوات العبادة التي تعني إحداث أشياء جديدة بقصد نزع ملكية المكان المقدس من أيدي المسلمين في النهاية.
وفي هذه الأثناء رفع متولي وقف أبي مدين مساء 23 أيلول شكوى إلى حاكم مقاطعة القدس على نحو ما ورد في الكتاب الأبيض الذي أصدرته الحكومة البريطانية بشأن وضع ستار يفصل الرجال عن النساء واجراء بعض محدثات في التعامل الجاري كجلب مصابيح غاز إضافية وعدد من الحصر وخزانة أكبر بكثير من تلك التي اعتادوا جلبها.
فأمر حاكم مقاطعة القدس برفع الستار ولكنه احتفظ بقراره فيما يتعلق بالمصابيح والحصر والخزانة. ويلوح لنا أن استعمال هذه الأدوات الأخيرة قد سمح به بالفعل إلى أن أصدر المندوب السامي تعليماته المؤقتة في أواخر أيلول سنة 1929 م. التي تضمنت بعض شروط واجبة المراعاة فيما يتعلق بصلوات اليهود
وقد توصلت اللجنة إلى الاستنتاج بالنظر للظروف التي جرى وصفها باسهاب فيما تقدم أن كلا فريقي النزاع الذي انتهى بإصدار الكتاب الأبيض في شهر تشرين
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
الثاني سنة 1928 م.، استندا في الحجج التي أدليا بها إلى قبول مبدأ الحالة الراهنة الشاملة لحقوقهما المرعية مع ما هنالك من التفاوت في الآراء بشأن الأمور المسموح بها بموجب الحالة الراهنة. وقد كانت الحالة عند الحائط تتوقف لدرجة كبرى على مدى العلاقات الودية الكائنة بين اليهود وسكان محلة المغاربة. فعندما مانع هؤلاء في جلب اليهود بعض أدوات إلى الحائط معتبرين جلبها تجاوزا على العادة جاء المجلس الإسلامي الأعلى فأيد آراءهم ورفع تظلماتهم إلى إدارة فلسطين وطلب بالنيابة عنهم التداخل في المسألة. وقد كانت هذه الشكاوي، مدة طويلة، تدور حول جلب أدوات كالمقاعد والكراسي والستائر ولم يحتج بصراحة، إلا في الدور الأخير، على المصابيح والحصر والخزانة. ومما يجب ذكره أيضا أن شكاوى متولي الوقف كانت تتناول المصابيح الإضافية والخزانة لكونها أكبر من المعتاد.
وترى اللجنة أن الكتاب الأبيض، الصادر في شهر تشرين الثاني سنة 1928 الذي ورد فيه أن السياسة البريطانية بشأن الحائط الغربي تنطوي على المحافظة على الحالة الراهنة كما كانت في عهد الحكومة العثمانية فيما يتعلق أيضا بأدوات العبادة المسموح لليهود بجلبها إلى الحائط قد بنى على نفس المبدأ الذي قبل به الفريقان كل القبول تقريبا.
وفضلا عن ذلك فقد تلقى المسلمون ما ورد في الكتاب الأبيض بمزيد الارتياح على حد ما ذكرته لجنة شو في تقريرها (صفحة 47). وفي 27 كانون الأول سنة 1928 أرسل مفتى القدس، بصفة كونه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى كتابا إلى حاكم مقاطعة القدس هذا نصه (صفحة 47 من تقرير لجنة شو): –
“اطلع المجلس الإسلامي الأعلى على الكتاب الأبيض الذي أصدره حضرة وزير المستعمرات في شهر تشرين الثاني سنة 1928 ونشرته الجريدة الرسمية بشأن قضية البراق (حائط المسجد الأقصى الغربي) فوجد أن ما فيه من الدقة وبعد النظر ومراعاة العدل من غير أي محاباة قد بدد بوضوح وصراحة تلك الغيوم التي حاولت الدعاية الواسعة والضجة المصطنعة أن تخفيا تحتها حقيقة الحالة الراهنة ووضعيتها الجلية، وهو يرى تقديم جزيل الشكر على الموقف العادل النزيه الذي وقفته الحكومة البريطانية في هذا الشأن، كما أنه يشكر سعادتكم وحكومة فلسطين لأنكم كنتم الواسطة المباشرة في إيضاح الحقائق التي أنتجت هذا التقرير العادل”.
“والمجلس الإسلامي الأعلى يرجو أن تقوم الحكومة عمليا بأسرع وقت بتنفيذ ما جاء في الكتاب الأبيض من وجوب المحافظة على الحالة الراهنة التي كانت في عهد الأتراك”.
أما فيما يتعلق بكيفية تنفيذ الكتاب الأبيض الصادر سنة 1928 فترى اللجنة أنه يجب أن تعلق أهمية كبرى على التعليمات المؤقتة التي أصدرتها إدارة فلسطين فيما بعد لتنفيذ الحالة الراهنة التي كانت مرعية قبل الحرب ويتراءى لنا أن هذه التعليمات الإدارية قد وضعت بعد النظر الدقيق في الحقائق من جميع وجوهها ولذا فليس من الواجب تعديلها إلا بالقدر الذي تستدعيه نتيجة التحقيق الذي قامت به هذه اللجنة.
ويلوح لنا أن إدارة فلسطين عندما وضعت هذه التعليمات أخذت بعين الاعتبار ما يعد في مقدمة دفاع فريق المسلمين من أن كل محدثات ترمي إلى تأييد الادعاء بحق الملكية من جانب اليهود يجب منعها. إلا أن المسلمين أخذوا في السنوات الأخيرة،
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
كما فعلوا أيضا في أثناء التحقيق الذي قامت به هذه اللجنة، يعربون عن رأي آخر ذلك أنهم اعترضوا على جلب أى أداة من أدوات العبادة مهما كان نوعها من شأنها أن تبين غاية اليهود في “تحويل المكان إلى كنيس” وقد ذكر فريق المسلمين، في هذا الصدد، أن كل تساهل يجرونه من هذا القبيل يعتبر مخالفا للشرع الإسلامي الذي اقتبسوا منه تلك الفقرة التي أوردناها فيما تقدم.
فاللجنة، آخذة وجهة النظر هذه بعين الاعتبار الكلي، ترى أن مخاوف المسلمين هذه تزيد في ضرورة عدم الموافقة على جلب أية أدوات إلى الحائط غير تلك الأدوات التي لم يعترض عليها قبل الحرب بل سمح بها باعتبار أنها تستند إلى عادة قديمة.
واستنادا إلى ما تقدم بيانه في شأن هذا الأمر وعلى الأخص بعد اعتبار المرسومين الصادرين سنتي 1840 و1911 اللذين أبرزهما فريق المسلمين في معرض البينة تقرر اللجنة وجوب: –
“منع وضع أية مقاعد أو كراسي أو خيم على الرصيف الكائن أمام الحائط سواء لراحة المصلين أو لغير ذلك”.
“ومنع وضع أى حاجز أو ستار سواء لفصل الرجال عن النساء أو لأية غاية أخرى”.
ومنع وضع أية سجاجيد أو حصر خلا تلك المقررة صراحة فيما يلى: –
أما الأشياء التي تصح تسميتها بأدوات العبادة، بما لهذه اللفظة من معنى محصور، فيجب ألا يغرب عن البال، في هذا الصدد، أيضا، أن القراءة من سفر أو أسفار التوراة في بعض المناسبات هي جزء مهم من الخدمة الدينية اليهودية. فإن احترام قداسة هذه الأسفار يقضي بأن يوضع الرق المدونة فيه هذه الأسفار في خزانة عند نقلها من الكنيس، وأن توضع على مائدة عند القراءة منها. والتعليمات الموقتة المرعية الآن تأذن لليهود بأن يضعوا بجانب الحائط خزانة تحفظ فيها الأسفار ومائدتين إحداهما لوضع الخزانة عليها والأخرى لوضع الأسفار عند القراءة منها تمكينا لهم من إقامة خدمة دينية تامة بالقرب من الحائط في أيام السبت وفي “أيام الأعياد” اليهودية وقد كانت هذه الأدوات – على حد ماذكرنا فيما تقدم – تجلب بانتظام إلى الحائط منذ الأزمنة القديمة في مناسبات مخصوصة حينما تقام الصلاة ويجري الصيام، مثال ذلك عند وقوع مصيبة أو نكبة وطنية أو لسبب وقوع حادث آخر خارق العادة. وفضلا عن ذلك فقد ثبت بمشاهدة الشهود الذين سمعت اللجنة شهادتهم أن هذه الأدوات كانت تجلب عادة إلى الحائط قبل الحرب الكبرى بزمن طويل وذلك في عيد رأس السنة وفي عيد الغفران. ولم ترد في معرض البينة في أثناء التحقيق الذي قامت به اللجنة دلائل لها نفس الوزن بشأن جلب الأدوات المختصة بقراءة الأسفار إلى الحائط في أية أعياد كبيرة أخرى ما عدا هذين العيدين. ومع ذلك فطالما سمح لليهود بمقتضى التعليمات المؤقتة باستعمال الأدوات المتقدم ذكرها في “أيام الأعياد اليهودية” المخصوصة (الأعياد الكبيرة) على وجه عام فإن اللجنة، مستندة أيضا إلى بعض الشهادات التي أدلى بها أمامها في معرض التحقيق، تجد ما يحملها على الاعتقاد أن التعليمات الإدارية المؤقتة بنيت، فيما يتعلق بهذا الأمر، على عادة مكتسبة منذ القدم، وعلى الأخص أن السماح لليهود بالاحتفال بأعيادهم الكبيرة بذهابهم جماعات
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
إلى الحائط والتجمع أمامه والقيام بخدمة دينية تامة – بما فيه قراءة التوراة – يلوح بأنه يتفق مع خطورة المكان باعتبار كونه موقعا ينظر إليه اليهود بعين التقديس العظيم.
وبالنظر لهذه الظروف ترى اللجنة أنه من الحق واللياقة أن يسمح لليهود بأن يجلبوا إلى الحائط خزانة تحتوى على أسفار التوراة مع المناضد أو الموائد التي يحتاج إليها لاستعمال الأسفار في المناسبات التالية: –
(أ) | أوقات الصيام أو الصلوات المخصوصة التي تعلنها رئاسة حاخامي القدس بسبب وقوع حادث غير عادي على أن يشترط في ذلك على الدوام أن تبلغ رئاسة الحاخامين إدارة فلسطين أمر الصيام والصلوات التي يراد القيام بها قبل ذلك بمدة كافية. |
(ب) | يوم عيد رأس السنة ويوم عيد الغفران. |
(جـ) | أيام الأعياد المخصوصة الأخرى المعتبرة من إدارة فلسطين والتي جرت العادة فيها على جلب مثل هذه الأدوات إلى الحائط. |
ويشترط في ذلك أيضا أن لا تجلب الخزانة المحتوية على سفر أو أسفار التوراة إلى الحائط إلا إذا ومتى كان مسموحا بجلبها من وجه آخر وعلى أن تكون هذه الأدوات ذات حجم يسهل معه حملها باليد وبألا تثبت في الحائط، وبأن تنقل من المكان الكائن أمام الحائط عند انتهاء كل عيد من تلك الأعياد.
ان قراءة الأسفار ضرورية أيضا للقيام بخدمة دينية تامة في بعض الأوقات مثال ذلك تجب قراءتها في الكنيس في أيام الاثنين والخميس والسبت. إلا أن جلب الأسفار والأدوات المختصة بها مسموح به فقط بمقتضى التعليمات المؤقتة المرعية الآن في أيام السبت الاعتيادية (من مساء يوم الجمعة لغاية غروب الشمس يوم السبت) ومن المرجح جدا أن تكون العادة التي بنيت عليها هذه التعليمات فيما يتعلق بهذه النقطة حديثة العهد نوعا ما على نحو ما ذكرنا فيما تقدم، ذلك لأنه لم يثبت للجنة، لدرجة تقنعها، إن اليهود جروا على هذه العادة بلا انقطاع قبل الحرب. وبالحقيقة أن بعض الشهود الذين لا يشك قط في صحة أقوالهم أدوا شهادة إيجابية، بأن الأدوات المبحوث عنها كانت تستعمل بالقرب من الحائط مدة ما قبل الحرب بينما أن شهودا آخرين لا يقلون صدقا وأمانة عن الفريق الأول، حسبما استطعنا أن نحكم، شهدوا بأنهم لا يتذكرون حسب وجدانهم بأنهم شاهدوا الخزانة وأسفار التوراة عند الحائط في أي يوم من أيام الأسبوع الاعتيادية حتى ولا في أيام السبت، إلا بعد الحرب مع أنهم كانوا يترددون كثيرا إلى الحائط، ولذلك فإن الرأي الذي أبدته اللجنة فيما يتعلق بالمقاعد والكراسي وخلافها ينطبق على هذه الأدوات أيضا، أي أنه من المعقول أن يكون اليهود استعملوا مثل هذه الأدوات في بعض الأحيان دون معارضة من المسلمين. على أنه لا يصح القول بأنه نشأ عن ذلك عادة لم يعترض عليها تستند إلى زمن طويل. أما كون المسلمين لم يقدموا اعتراضا رسميا أو حازما على استعمال الخزانة والموائد إلا مؤخرا فيمكن تفسيره بأن هذه الأدوات لم تكن تستعمل قبل الحرب بانتظام ولم تتمكن اللجنة من التثبت فيما إذا كان المغاربة الذين اعتبروا “الخزانة” في سنة 1928 “أكبر من المعتاد بكثير” (صفحة 67 من محضر اللجنة) قد قابلوا هذه الخزانة بالخزانة التي استعملت خلال أو قبل هذه المدة أو بخزانة كانت تستعمل في أزمنة أقدم
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
عهدا. ومع ذلك فمما يجدر ذكره أن الشاهد ابزاخاروف الذي أدى شهادة قاطعة بشأن جلب الخزانة مع سفر توراة “صغير” “ومائدة صغيرة” قبل الحرب ذكر أيضا أن هذه العادة كانت سائدة أيضا في أيام الاثنين والخميس. إلا أن التعليمات المؤقتة لم تعترف بأن هذه العادة تتفق مع الحالة الراهنة، وعلى كل فإن الشهادات التي أدلى بها أمام هذه اللجنة حول هذه النقطة متباينة، وليس من شأنها أن تؤيد حق اليهود في وضع الخزانة مع أسفار التوراة عند الحائط في أيام السبت الاعتيادية. غير أن اللجنة في تحديدها حق جلب الخزانة المحتوية على أسفار التوراة على نحو ما تقدم لا تقصد ولا ترغب في التعرض لطقوس العبادة اليهودية بل إنما ترمي إلى تأمين عدم جلب اليهود لأية أدوات إلى الحائط تختص بإقامة صلواتهم مما يحتمل أن تدل على أن لليهود نوعا من حق التصرف في المكان إلا إذا كان عملهم هذا يسوغه التعامل القديم. وقد تراءى للجنة أن لهذا الأمر أهمية ذات شأن في هذه المناسبة الخاصة. كل محدثات جرت قد يجوز الاستناد إليها في سبيل تأييد الادعاء بأن اليهود سمح لهم بتحويل المكان إلى كنيس ولذلك فمن الواجب حتما توطيدا للعدالة ورغبة في صيانة الأمن والنظام. ومع ذلك فمن المستحيل، على ما نفترض، أن ندحض الواقع بأن جلب أدوات إلى الحائط بانتظام كالخزانة المحتوية على أسفار التوراة قد ينشأ عنه سوء فهم من هذا النوع كما أن ليس هنالك ما يستدعي جلب هذه الأدوات بانتطام إذا نظرنا بعين الاعتبار والدقة إلى صفة وغاية المكان الأساسيتين والتقليديتين.
أما فيما يتعلق بأدوات العبادة الخصوصة الأخرى فهي، من وجهة النظر السابق ذكرها، أقل أهمية.
وقد ثبت بأن جلب منضذة محتوية على مصابيح طقسية وصندوق من الزنك تضاء فيه هذه المصابيح وطشت ووعاء ماء قائم على منضدة إلى الحائط يوميا يتفق مع العادة المسلم بها، ولذلك يجب السماح بجلب مثل هذه الأدوات في المستقبل أيضا على أن يشترط في ذلك عدم تثبيت أي من هذه الأدوات في الحائط نفسه أو في أي جدار من جدران أبنية الوقف المجاورة وعلى ألا يمنع اليهود من أن يضعوا قرب الحائط منضدة عليها كتب الصلاة لاستعمالها في أثناء الصلاة، كما كانوا يفعلون لغاية الآن، من غروب الشمس مساء يوم الجمعة إلى غروب الشمس يوم السبت ومن غروب الشمس ليلة أي يوم من الأعياد اليهودية لغاية غروب الشمس في اليوم التالي.
وترفع المنضدة التي أشرنا إليها أخيرا عند اختتام يوم السبت أو يوم العيد حسب مقتضى الحال.
وفضلا عن ذلك يحق لكل مصل أن يجلب معه، جريا على العادة، حصيرة صلاة في يومى عيد رأس السنة وعيد الغفران.
إن نفخ البوق (شوفار) لمن متممات الصلاة اليهودية في الكنيس في يوم عيد رأس السنة ويوم عيد الغفران، وقد ادعى اليهود بحق نفخ البوق فى هذه الأعياد أمام قمة الحائط. غير أن هذا الادعاء لم تؤيده التعليمات المؤقتة كما لا يستند إلى العادة الجارية ولم تجد اللجنة سببا كافيا لإقراره.
ولا يجوز لليهود أن يجلبوا إلى الحائط أية أدوات للعبادة عدا ماذكر فيما تقدم.
أما ما يتعلق بساحة الحرم الشريف وأملاك الوقف المجاورة وعلاقاتها، بصلوات
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
اليهود عند الحائط الغربي فتقرر اللجنة، وجوب المحافظة بقدر الإمكان على الحالة الراهنة (ستاتيكو) المتبعة الآن فيما يتعلق بالحائط والأملاك المجاورة له رغبة في عدم تسبيب إزعاج في كيفية قيام اليهود بصلواتهم عند الحائط يفوق ما كان يحصل لهم في الماضي أو يفوق مالا يمكن تحاشيه بسبب ما طرأ على الأحوال السائدة عند الحائط من تغيير وبالتالي فإن من حق المسلمين أن ينشئوا أو يبنوا ما يشاءون من أبنية في أملاك الوقف المجاورة للحائط وبأن يهدموا أو يعمروا أي بناء من الأبنية القائمة الآن على ألا يقع مما يجرونه من هذا القبيل تعد على ساحة الرصيف أو أضرار بما لليهود من حق السلوك إلى الحائط أو أي إزعاج لليهود يمكن اجتنابه في أثناء زيارتهم للمكان بالقرب من الحائط لإقامة تضرعاتهم.
وإذا كان لا يراد إقفال الباب الذي فتح مؤخرا في الطرف الجنوبي من الرصيف نهائيا يجب اتخاذ نفس التدابير المتخذة الآن لتأمين أقفاله من الساعة الخامسة مساء ليلة السبت وفي أيام الأعياد اليهودية المعترف بها من إدارة فلسطين وطيلة هذه الأيام لغاية غروب الشمس.
وتؤيد اللجنة أيضا ما ورد في التعليمات المؤقتة من منع الدواب على الرصيف في ساعات معينة.
واجتنابا لإزعاج المصلين اليهود يجب ألا تقام حفلة الذكر في أثناء الساعات التي اعتاد اليهود الصلاة فيها على مقربة من الرصيف بكيفية تسبب إزعاجا لهم.
وأننا نوجز فيما يلي الاستنتاجات التي توصلنا إليها، بالاستناد إلى الاستدلالات والشهادات التي أشرنا إليها فيما تقدم:
(أ) | للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف. وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير. إن أدوات العبادة و (أو) غيرها من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط إما بالاستناد إلى أحكام هذا القرار أو بالاتفاق بين الفريقين لا يجوز في حال من الأحوال أن تعتبر أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له. ومن الجهة الأخرى يكون المسلمون ملزمين بعدم إنشاء أو إقامة أي بناء أو هدم أو تعمير أي بناء من أبنية الوقف (ساحة الحرم ومحلة المغاربة) المجاررة للحائط بحيث يتجاوزون في عملهم هذا على الرصيف أو يعيقون سلوك اليهود إلى الحائط أو بحيث ينطوي ما يقومون به على إزعاج اليهود أو التعرض لهم في مواعيد زياراتهم إلى الحائط لإقامة تضرعاتهم إن كان اجتناب ذلك مستطاعا بأي وجه كان. |
(ب) | لليهود حرية السلوك إلى الحائط الغربي لإقامة التضرعات في جميع الأوقات مع مراعاة الشروط الصريحة المشار إليها فيما يلي: |
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
1 – | إن التعليمات المؤقتة التي أصدرتها إدارة فلسطين في أواخر شهر أيلول سنة 1929 م. بشأن أدوات العبادة (راجع الفقرات “أ” و “ب” و”ج” من المادة الثانية من التعليمات) يجب أن تكتسب الصيغة القطيعة على أن يجري فيها تعديل واحد هو السماح بوضع الخزانة المحتوية على سفر أو أسفار التوراة والمائدة التي توضع عليها الخزانة والمائدة التي توضع عليها الأسفار عند القراءة فيها عند الحائط، في المناسبتين التاليتين فقط:
| ||||
2 – | لا يعارض ولا يمانع اليهود، كأفراد، من جلب كتب صلاة يدوية معهم إلى الحائط أو أية أدوات أخرى اعتادوا استعمالها في صلواتهم إما بصورة مطلقة أو في مناسبات مخصوصة. ولا يعارضون ولا يمانعون في ارتداء أي ألبسة استعملت منذ القديم في صلواتهم. | ||||
3 – | إن منع جلب المقاعد والسجاجيد والحصر والكراسي والستائر والحواجز الخ .. وسوق الدواب عند الرصيف في ساعات معينة، المقررة في التعليمات المؤقتة، كما أن وجوب إبقاء الباب الكائن في طرف الحائط الجنوبي مقفلا أثناء ساعات معينة، يجب أن يقرر ويصبح مطلقا على أن يحترم في ذلك حق المسلمين في الذهاب والإياب على الرصيف بالطريقة الاعتيادية، ويبقى حقهم هذا مصونا من كل تعد كما هو الآن. | ||||
4 – | يمنع جلب أية خيمة أو ستار أو ما شابههما من الأدوات إلى الحائط لوضعها هناك حتى لو كان ذلك لمدة محدودة من الزمن. | ||||
5 – | لا يسمح لليهود بنفخ البوق ( الشوفار ) بالقرب من الحائط، ولا أن يسببوا أى إزعاج آخر للمسلمين مما يمكن تحاشيه. ومن الجهة الأخرى لا يسمح للمسلمين بإقامة حفلة “الذكر” بقرب الرصيف في أثناء قيام اليهود بالصلاة وبإزعاج اليهود على وجه آخر. | ||||
6 – | يجب أن يفهم أن للإدارة الحق في إصدار التعليمات التي تستصوبها بشأن قياس كل أداة من الأدوات المسموح لليهود بجلبها إلى الحائط وبشأن الأيام والساعات المخصوصة المشار إليها فيما تقدم، وبشأن أية أمور أخرى تستدعيها الضرورة لأجل تنفيذ قرار اللجنة هذا على أتم وأوفى وجه. |
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
7 – | محظور على أي كان استعمال المكان الكائن أمام الحائط أو ما جاوره لأجل إلقاء الخطب أو إقامة المظاهرات السياسية مهما كان نوعها. |
8 – | يعتبر أن من مصلحة المسلمين واليهود المشتركة على السواء عدم تشويه الحائط الغربي بأية نقوش أو كتابات عليه أو بدق مسامير أو ما شابهها من المواد فيه، وأيضا إبقاء الرصيف الكائن أمام الحائط نظيفا ومحترما من المسلمين واليهود على السواء. ويصرح هنا أن من حق المسلمين وواجبهم تنظيف الرصيف وتصليحه إذا ومتى كان ذلك ضروريا، بعد تبليغ الإدارة بذلك. |
9 – | بالنظر لكون الحائط أثرا تاريخيا يناط بإدارة فلسطين تعميره التعمير اللازم اللائق به. وكل تعمير تستدعي الضرورة إجراءه فيه تقوم به تلك الإدارة، ويجري تحت إشرافها وإنما بعد مشاورة المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الرباني لفلسطين. |
10 – | إذا لم يقم المسلمون بإجراء التعمير الضروري للرصيف في الوقت اللازم فتتخذ إدارة فلسطين التدابير الضرورية لتعميره. |
11 – | تكلف رئاسة حاخامي القدس بتعيين موظف واحد أو أكثر يكونون مفوضيها المعتمدين لأجل تلقي التعليمات والتبليغات التي تصدرها إدارة فلسطين من حين لآخر بشأن الحائط الغربي والرصيف الكائن أمامه والمعاملات التي تتبع فيما يتعلق بتقديم اليهود تضرعاتهم بالقرب من الحائط. |
إن المشكلة التي يدور النزاع حولها والتي وقع على عاتق هذه اللجنة أمر معالجتها لا يرجع منشأها إلى اختلاف الفريقين في كيفية فهم شريعة مقررة يعترفان ويسلمان بها، بل بالعكس فقد نشأت من تناقض كائن في مبادئ الحقوق والمعتقد الديني الأساسية، وهي لذلك بعيدة التأثير لأن كلا من الفريقين يعتقد اعتقادا جازما بأن المسألة المنازع فيها ستؤثر في مصالح هي في نظره ذات أهمية غير مادية (روحية) لا يستطيع التنازل عنها.
ولم تر اللجنة بدا، عند قيامها بمهمتها، من النظر بعين الاعتبار إلى الواقع بأن هذه المسألة المنازع فيها لم تحل إليها للفصل فيها من قبل الفريقين اللذين لهما علاقة مباشرة بها.
ولما كانت الحالة كذلك فإن اللجنة تعترف كما سبق لها فوضحت في مقدمة هذا التقرير، بأن الرغبة الصادقة التي أبداها كلا الفريقين في مساعدتها على التحقيق المكاني الذي قامت به قد كان لها فائدة لا تقدر فهذا الموقف الرقيق قد أنعش بالفعل آمال اللجنة بأن الفريقين قد يستطيعان الوصول إلى اتفاق ودي لتسوية اختلافاتهما المتبادلة على أساس هذا التحقيق، فهذه التسوية تفضل كثيرا في هذه الحالة على تسوية تفرض عليها فرضا. وعلى كل فإن الوصول إلى مثل هذا الاتفاق لم يكن مستطاعا لغاية الآن ولذا لم تجد اللجنة مندوحة عن إعطاء قرارها وقد بنى مضمون هذا القرار كليا على أساس الآراء التي توصلت إليها اللجنة بشأن جوهر القضية مستندة في الغالب إلى نفس وجهة النظر المنعكسة في صك الانتداب الحالي وفي إدارة الحكومة السابقة بشأن علاقات الطوائف المختلفة في فلسطين بعضها مع بعض.
(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 – 530”
ويجدر بنا في هذ المقام أن نذكر، فضلا عما سبق لنا ذكره، أن الباب العالي في المعاهدة التي عقدت بين الدول الأوربية الكبرى وتركيا بشأن تسوية شئون الشرق والموقعة في 13 تموز سنة 1878 صرح تصريحا اختياريا أعرب فيه عن رغبته في المحافظة على الحرية الدينية وتوسيع نطاقها أكبر توسيع (المادة 42 من المعاهدة).
أما في هذه القضية الخاصة التي عهد لهذه اللجنة بالتحقيق فيها فلا يمكن العمل بهذا المبدأ السامي إلا إذا أبدى أتباع هذين المذهبين المختلفين عند مراعاة القواعد المقررة أعلاه، استعدادا لإظهار الاحترام الواجب من الفريق الواحد نحو الآخر في مباشرة حقوق الملكية والتصرف التي للفريق الواحد بلا منازع والقيام بالخدمات الدينية من قبل الفريق الثاني على أرض ليس له فيها حق التصرف.
وتأمل اللجنة أن يقبل المسلمون واليهود بقرار اللجنة ويحترمونه ناظرين بعين الاعتبار إلى الوضعية الحاضرة وما يتوقف عليها ومدفوعين بالرغبة الصادقة للوصول إلى التفاهم المتبادل، الأمر الذي لا مندوحة عنه حباً في مصلحتهما المشتركة في فلسطين وتوطيد أركان السلام في العالم أجمع.
قد توصلت اللجنة إلى آرائها وقراراتها هذه بإجماع الرأي.
كانون الأول سنة 1930
| الياس لوفغرين |