حديث الفريق أول محمد صادق حول موقف الرئيس جمال عبدالناصر من العمل الفدائي في الذكرى الثانية لوفاة الرئيس جمال عبدالناصر

حديث صحفي للفريق أول محمد صادق حول موقف الرئيس الراحل جمال من العمل الفدائي في ذكراه الثانية

حديث الفريق أول محمد صادق حول موقف الرئيس جمال عبدالناصر
من العمل الفدائي في الذكرى الثانية لوفاة الرئيس جمال عبدالناصر
القاهرة، 28 سبتمبر 1972
جريدة الأهرام، القاهرة: 29 سبتمبر 1972

         إن عبدالناصر كان يؤمن إيماناً قوياً بالعمل الفدائي باعتباره التجسيد الحقيقي لشعب فلسطين على أرض الصراع، وان انطلاقاته في أعقاب نكسة يونيه 1967 هي تأكيد للفكر العربي الثوري في رفض الهزيمة والإصرار على الصمود.

         ومن هذا المفهوم، وبهذا الإيمان أعطى عبدالناصر قلبه وروحه للعمل الفدائي. حتى أنني كنت أحس وهو يتكلم عن رجال المقاومة كأنه يتكلم عن إحدى وحدات القوات المصرية. فقد كان يفكر معهم وينفعل بهم وفي سبيل ذلك قدم للعمل الفدائي كل المساعدات المادية والعسكرية علاوة على التأييد السياسي عربياً ودولياً.

         إن الزعيم عبدالناصر كان يرى في مجال الحركة لإزالة آثار عدوان يونيه 1967، والحفاظ على حقوق شعب فلسطين واستعادة أرضه المغتصبة، إن وجود من يتخذون مواقف أكثر تشدداً من مواقفه أمر طبيعي، بل ويفيد المعركة. وبهذه النظرة الموضوعية كان يرى ضرورة ضمان حرية العمل الفدائي في التحرك. فنرى مصر تقبل قرار مجلس الأمن رقم 242 لسنة 67 وتلتزم به في حين لم تقبله المقاومة واستمرت في إطلاق النار دون إن يختلف معها عبدالناصر، بل على العكس أيدها في قرارها وساندها عليه.

         كذلك فانه حين تقدم بندائه إلى نيكسون في مايو 1970 حرص على إن يكون واضحاً مع العمل الفدائي فأكد لزعمائه انه لا يريد منهم أن يلتزموا بما قد يتخذه من خطوات. وحين قبل مبادرة روجرز باعتبارها منبثقة من قرار مجلس الأمن الذي سبق أنه قبله كان يرى أن رفض المقاومة الفلسطينية لتلك المبادرة أمر طبيعي ومنطقي حيث قد رفضوا من قبل قرار مجلس الأمن. بل وأكثر من ذلك فقد أيد زيادة نشاط العمل الفدائي خلال فترة وقف إطلاق النار باعتبار أن تثبت ذلك يخدم المعركة ولا يشكل أي عائق في طريق الحلول السياسية.

         ولقد كان للرئيس عبدالناصر موقفان من إذاعة العاصفة في القاهرة، وإن اختلف قراره في الموقفين من حيث الشكل إلا أن كليهما تأسس على مبدأ حرية العمل الفدائي في التحرك على أساس من الثقة المتبادلة.

         أما الموقف الأول، فإنه في أثناء إحدى أزمات الصدام بين المقاومة والسلطات الأردنية حين عجزت وسائل مواصلات المقاومة عن تحقيق الاتصال بين قيادتها وقواتها فإن ياسر عرفات طلب زيادة فترة إرسال إذاعة العاصفة إلى ساعتين في الليلة بدلاً من ساعة واحدة. وحين علم عبدالناصر بذلك أمر أن يستمر

<1>

حديث صحفي للفريق أول محمد صادق حول موقف الرئيس الراحل جمال من العمل الفدائي في ذكراه الثانية

إرسال العاصفة طوال الليل لتكون وسيلة المواصلات الرئيسية بين قيادة المقاومة وقواتها محققاً لها فوق ما تتمنى من حرية الحركة.

         أما الموقف الثاني، فقد كان في أعقاب قبول مصر لمبادرة روجرز، حيث بدأت إذاعة العاصفة في إذاعة تعليقات ضد مصر وهجوماً سافراً على عبدالناصر، وهنا عرض الأمر عليه مع اقتراح بوقف تلك الإذاعة ولكنه رفض، إيماناً منه بالعمل الفدائي وعملاً لحمايته.

         فقد أراد بذلك أن يظل الباب مفتوحاً لعلهم يراجعون أنفسهم، كذلك خشي أن يشعر العدو العملاء، إذا ما أوقفت، إن العمل الفدائي قد فقد تأييد مصر فينقضون عليه. واستمرت إذاعة العاصفة حتى بلغت صورة خشي معها أن تحدث بلبله في مصر وهي البلد التي يخرج منها صوتها. هنا فقط أمر عبدالناصر، وهو آسف، بوقفها غير حانق.

         إنني رأيت عبدالناصر في محنة أحداث سبتمبر 1970 عن قرب وقد سيطر على فكره أمر واحد وهو ضرورة الوصول بأسرع ما يمكن إلى وقف القتال في الأردن بين قوات الملك والمقاومة حتى يمكن إجراء اتصالات ومشاورات تستطيع أن تجد مخرجاً للأزمة غير الحرب الأهلية.

         وقد أوفدني يوم 17 سبتمبر 1970 برسالة إلى الملك حسين في عمان وذلك على اثر اجتماعه مع الرئيس القذافي في مرسى مطروح في نفس اليوم. ولم يكتف بالرسالة المكتوبة التي تحمل وجهة نظره هو والرئيس القذافي، ولكنه حَمَّلَهُ أيضاً مسؤولية أن يوضح شفوياً وجهة نظر عبدالناصر للملك في خطورة ما يتعرض له العمل الفدائي وهو التجسيد الحقيقي لشعب فلسطين وقضيته.

         إن ما بذله عبدالناصر، في هذه الفترة، في سبيل إنقاذ العمل الفدائي مما دبر له بقصد القضاء عليه، أمر سيذكره له التاريخ بالفخر والإكبار.

         وقد بدأت في نفس ذلك اليوم الاتصالات لعقد مؤتمر قمة للملوك والرؤساء العرب لبحث الموقف المتردي في الأردن، يحضره الملك حسين وياسر عرفات، والكل يعلم أمر هذا المؤتمر وكيف انتهى بعقد اتفاق القاهرة الذي أنقذ المقاومة وكذلك انتهى برحيل عبدالناصر إلى جوار ربه بعد أن أستنفذ آخر دقيقة من عمره.

         هذه كانت فلسفة عبدالناصر مع العمل الفدائي ولقد شاركه فيها في حياته الرئيس السادات كرفيق كفاح وهو اليوم يحمل من بعده عبء الرسالة على نفس الطريق.


<2>

Scroll to Top