خطاب دولة فارس بك الخوري رداً على خطاب مستر اتلي في مؤتمر فلسطين بلندن

مؤتمر فلسطين – خطاب فارس بك الخوري ردا على خطاب مستر اتلي في 11 سبتمبر 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 805 – 806”

خطاب دولة فارس بك الخوري
ردا على حطاب مستر اتلي في مؤتمر لندن (*)
11 سبتمبر سنة 1946

     حضرات أصحاب السمو الأمراء، حضرات السادة:

     ألقى مستر أتلي خطابه الافتتاحي لهذا المؤتمر وقد وعدنا برد الوفود العربية علية اليوم، واني أغتنم الفرصة لتكرار الشكر باسمهم على كريم وفادة الحكومة البريطانية والمجهود الذى تبذله لتيسير اقامتنا وعملنا كما أتلو باسمهم هذا الرد:

     لقد شهد ربع القرن الأخير من الشعوب العربية كافة جهودا متصلة في سبيل استقلالها وحريتها وكرامتها القومية والمساهمة بنصيب موفور في سير المدنية الانسانية، ولقد وفقت الى كثير مما جاهدت في سبيله رغم ما لقيته في طريقها من عقبات، ولعله من الحق أن نذكر في هذا الصدد.. لبريطانيا العظمى ما أبدته في كثير من المناسبات عن رغبة صادقة في مسايرة النهضة العربية ومعاونة بعض الشعوب العربية لتحقيق أهدافها في الحرية والاستقلال ، ولقد توثقت العلاقات على وجه الخصوص بين بريطانيا والشعوب العربية المنسلخة عن الامبراطورية العثمانية نتيجة للتعاون الذى ابتدأ في الحرب العالمية الأولى، والذى نهض فيه العرب لتحرير أنفسهم في ثورتهم الكبرى وأدوا نصيبهم في سبيل النصر المثشرك.

     على أننا اذ نذكر ما صادفته سائر الدول العربية من نجاح سياسي لا يسعنا الا أن نأسف أشد الأسف لما أصاب فلسطين الشقيقة من عائق أثقل جناحيها عن اللحاق بأخواتها فهي في الجهاد شريكة لسوريا ولبنان وفي الأردن والعراق كانت لهؤلاء زميلة في موقفها تجاه الدولة العثمانية، تث هي لهؤلاء صنو في مركزها ل الاجتماعي والثقافي ومع هذا كله تخلفت عنها في تحقيق أمانيها السياسية لأسباب خارجة عن ارادتها وارادة العرب جميعا.

     لقد طولبت فلسطين بعمل المستحيل، اذ أريد منها وحدها أن تحقق أحلام الصهيونية السياسية وأطماعها فألقى بذلك على عاتقها عبء ثقيل أنقض ظهرها فكأنما أريد لأهلها أن تقتلع جذورهم من بلادهم اقتلاعا ليحل غيرهم مكانيم، ولقد كان للخلط بين مشاكل اليهود العالمية وفلسطين أسوأ الآثار.

     فمشاكل اليهود عالمية ولابد لها من حل عالمي ولا شأن لفلسطين بها ولا حل لها فيها وينبغي أن يعنى بها العالم كله.

     أنا بغير شك نؤيد مستر أتلي في رغبته الصادقة نحو رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي في جميع الشعوب العربية، وهذا هو بعض ما حدا بنا الى انشاء الجامعة العربية ونرحب بكل تعاون اقتصادي مع بريطانيا يكون فيه مصلحة الفريقين ولكننا


      (*) ” الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين” – جامعة الدول العربية.

مؤتمر فلسطين – (تابع) خطاب فارس بك الخوري ردا على خطاب مستر اتلي في 11 سبتمبر 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 805 – 806”

على ثقة تامة من أن هذا التعاون مهما كان كبيرا لا يؤدى الى نتيجة اذا اعترف لليهود في فلسطين بأي نوع من أنواع الكيان السياسي المستقل – كما اننا على ثقة أن في ذلك خطرا عظيما يهدد حياتنا الاقتصادية وتؤمل ان لا يدور في خلد أحد أن فائدة التعاون الاقتصادي تحملنا على التساهل في قضية فلسطين.

      انها لفرصة ثمينة حقا أن تجتمع الدول العربية في هذا المؤتمر لتعبر عن آمال العرب في المسألة الفلسطينية ولتنهض دليلا حيا على ان الدول العربية في صميمها شعب واحد اتحدت آماله وآلامه. ولئن أسفنا لشيء.. فهو أن نتلفت فلا نرى بيننا من يمثل فلسطين من أبنائها، ومع ذلك فالعالم العربي كله حينما يقف بجانب فلسطين في محنتها فانما يذود عن قطر من أقطاره وعن كيانه القومي وسلمه.

      اننا نشارك مستر أتلي الرأى بأن مشكلة فلسطين ليس من المستحيل حلها، فان بدا عليها شيء من الاستحالة فعله ذلك أننا نرى الحل الطبيعي سبيله واضح فندير له ظهورنا لنفكر في حلول مصطنعة. والحل الطبيعي الذي تمليه البداهة أن نعترف لأهل فلسطين بحق العيش في أرضهم آمنين وحق تقرير مصيرهم، كما يعترف بذلك لكل أمة من أمم الأرض، والا ننكر على الفلسطينيين تطبيق المبادئ الديمقراطية في وطنهم تلك المبادئ التى بذلت الامم الحرة في سبيلها ملايين الضحايا وأقامت عليها نظام الأمم المتحدة وضمنته المعالي السامية في ميثاق الاطلنطي والحريات الأربع.

      تلك هي النظرة الطبيعية للموقف ان خلصت النية وصح العزم على الوصول الى النتيجة الصحيحة. ان طبيعة الأشياء هي أن تكون فلسطين لأهلها ينعمون بالحياة الحرة الآمنة المطمئنة فيها على اختلاف أديانهم. وفي سبيل الوصول الى حل عادل مستقيم مع الأصول الديمقراطية لا يهمنا ان نرجع الى الماضي أو الى التاريخ أو الى أي جدل نظري إلا بالقدر اللازم لظهور الحق ووضع الأمور في نصابها وضعا يتيسر به الحل العملي. والذي يهمنا من الأمر هو ألا يفقد العرب في فلسطين حقهم التاريخي الخالد وان يعترف لفلسطين بحقها كإخوانها الدول العربية وان لا يقتطع شيء منها ليكون وطنا أو دولة لمجموعة من المهاجرين المنتسبين إلى أقوام شتى وان اتفقوا في الدين.

      وعلى هذا الوضع وفي هذه الحدود جئنا نبادل الرأي والمشورة في روح من الصداقة والتعاون مع بريطانيا العظمى لعلنا نهتدى واياها سواء السبيل فينشر السلام لواءه على العالم العربي ثم على أنحاء الأرض جميعا اذ السلام كما قيل كل لا يتجزأ ولقد اشار مستر أتلي الى اضطراب الأمن في فلسطين ونحن نشاركه الاسف على وصول هذه الحالة الى قدر عظيم من الخطورة والسوء. لقد بلغ التسلح الصهيوني حدا كبيرا والارهاب الشنيع الذي تقوم به العصابات الصهيونية يعرض باستمرار حياة السكان وأمنهم لخطر دائم، فاذا لم تنهض الدولة المنتدبة بواجبها فى حزم سريع فاننا نخشى أن تتطور الأمور إلى أسوأ مما هي عليه الآن مما قد يضطر الأهالي الالتجاء إلى وسائلهم الخاصة للدفاع عن أنفسهم.

      ولقد كان يسرنا كل السرور لو مكنت الظروف مستر أتلي من الاستمرار معنا في أعمال المؤتمر فله الشكر على اهتمامه بافتتاح المؤتمر ومشاركته في السيرة.

      اننا نتقدم اليكم واثقين من أنفسنا مطمئنين الى عدالة حقنا الذى لا ينازعنا فيه منصف.

Scroll to Top