خطاب كنيدي إلى الرئيس جمال عبدالناصر ورد الرئيس عبدالناصر على الخطاب

الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

الخطابان المتبادلان
بين كيندي والسيد الرئيس (*)

خطاب كيندي للسيد الرئيس:
11 من مايو سنة 1961

عزيزي السيد / الرئيس
         لقد تركز اهتمام العالم في الأشهر الأخيرة حول عدد من المواقف الدولية القابلة للانفجار والتي يمكن أن تظهر نتيجتها الفرق بين الحرية والعبودية وبين السلام والحرب بالنسبة لملايين كثيرة من الناس وربما بالنسبة للجنس البشري كله في نهاية الأمر.

         وأعلم أن هذه المشاكل أثارت اهتمامكم العميق كما أثارت اهتمامي وإنني على أية حال واثق من أنكم تشاركونني في الاعتقاد بأنه من الممكن تبديد السحب المتجمعة في سماء الموقف الدولي الآن بفضل الجهود التي يبذلها بإخلاص الرجال ذوو النيات الطيبة في كل مكان بالعالم.

         وفي يقيني أنه يجب في هذه الأثناء على الزعماء المستجيبين لاحتياجات شعوبهم وأمانيها أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات فيما يتعلق بنشر الأسس الرئيسية للعدالة السياسية والاجتماعية.

         وإنني منذ أن توليت الرياسة في يوم 20 من يناير- وإن كنت قد شغلت كثيرا بالعديد من المسائل الدولية التي اقتضت الاهتمام العاجل بها- عنيت في الوقت نفسه بالتفكير كثيرا في غيرها من المسائل الدولية التي تقتضي منا جميعا العناية والاهتمام.

         وكثيرا ما اتجهت أفكاري نحو الشرق الأوسط تلك المنطقة التي ساهمت كثيرا جدا في التراث الديني والثقافي السائد في العالم اليوم والتي ما زالت تنطوي على إمكانيات عظيمة للمساهمة في الحضارة.

         وإني لفخور كذلك بالتشجيع الحقيقي الذي قدمته حكومتي والشعب الأمريكي لأمانيكم وأماني مواطنيكم فيما مضى وخاصة في أثناء أيام عام 1956 الحرجة.


          (*) من مطبوعات مصلحة الاستعلامات

الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

         إن حكومة الولايات المتحدة – وهي في ذاتها نتيجة لاتحاد تم بين عدة دويلات مستقلة – سرها أن تعترف بقيام الجمهورية العربية المتحدة يوم 22 فبراير سنة 1958 وهو يوم مولد واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

         ولقد لاحظت في الأسابيع الأخيرة بعض التكهنات عن الاتجاه الذي تسير فيه سياسة حكومة الولايات المتحدة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.

         وأود في هذا الصدد أن أؤكد لكم أن الآراء والأفكار التي ورثناها عن الرجال السابق ذكرهم جزء من الألياف السياسية التي يتكون منها كيان الأمة الأمريكية وإنني بوصفي رئيسا لهذه الأمه أعتزم التمسك بتلك الآراء والأفكار بمعنى أنكم ستجدوننا في كل وقت في كل مكان مساهمين في الكفاح في سبيل تحقيق تكافؤ الفرص وإقامة حكومات من الشعب وبالشعب لخدمة الشعب وفي سبيل التحرر من الغدر والخوف وكذا في سبيل تطبيق العدالة منذ تسوية المنازعات الدولية.

         وأود أن تعلموا ما يلي عن تطبيق هذه الآراء والأفكار العظيمة في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط خلال السنوات القلائل المقبلة:

1 –

ستقدم الولايات المتحدة في نطاق أقصى ما في وسعها كل مساعدة ملائمة لكل دول الشرق الأوسط المصممة على التحكم في مصيرها بقصد توافر مزيد من الرفاهية لشعوبها مع السماح لجاراتها بالعمل على تحقيق هذه الأهداف الأساسية نفسها.

2 –

إن الولايات المتحدة مستعدة دائما للمساهمة- في نطاق الأمم المتحدة وخارج نطاقها- في البحث عن حلول للمنازعات التي تبدد الطاقات الثمينة لدول الشرق الأوسط وتؤخر التقدم الاقتصادي الذي تريد كل الشعوب الحرة أن تتمتع به عن حق.

3 –

إن الولايات المتحدة إذ تتطلع إلى تحسين حال شعوب الشرق الأوسط مستعدة للاستمرار في تقديم المساعدات اللازمة لتنفيذ برامج التنمية القومية الموضوعية طبقا لخطط دقيقة كما أنها مستعدة لأن تقدم المنتجات الغذائية الأمريكية طبقا لبرنامج “الطعام في سبيل السلام” كذلك فإن الولايات المتحدة –  مستعدة للاستمرار في تشجيع المبادلات التعليمية بقصد تيسير التقدم السياسي والاقتصادي.

         وإذا كان التوتر قد احتد واشتد مع الأسف في بعض مناطق العالم الأخرى فإن منطقة الشرق الأوسط ظلت خلال السنوات الثلاث الماضية هادئة نسبيا.

         والفضل في ذلك عائد بدرجة كبيرة إلى حكم الساسة زعماء المنطقة الذين أعطوا برامج التنمية الاقتصادية البناءة الأولوية في اهتمامهم ولقد أخذت أنا والمستر راسك وزير الخارجية من إجماع ممثلي مختلف دول الشرق الأوسط في الرأي الذي أعربوا عنه وأكدوا فيه أن تبقى حالة الهدوء النسبي سائدة بالمنطقة.

         بيد أن ثمة حالات من التوتر مازالت مختفية تحت هذا الهدوء الظاهري ومن هذه الحالات النزاع العربي الإسرائيلي الباقي بدون حل وإني أعلم أن ثمة مشاعر عاطفية عميقة متصلة بتلك المسألة وإنه ليس ثمة حل سهل ظاهر لها.

 الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

         إن الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي يعتقد أنه من الممكن إيجاد تسوية مشرفة ومتسمة بطابع إنساني وهما مستعدان للمساهمة في الأعمال والأعباء التي لا بد أن تنجم عن حل لمثل هذه المشكلة العويصة إذا رغب الأطراف الذين يعنيهم الأمر في هذه المساهمة أننا مستعدون في حل مأساة مشكلة اللاجئين العرب على أساس المبدأ القاضي بإعادتهم إلى ديارهم أو تعويضهم عن ممتلكاتهم. كذلك نحن على استعداد للمساعدة في إيجاد حل منصف ومعقول للمشكلة الناجمة عن المشروع الخاص بتنمية موارد مياه نهر الأردن، كما أننا على استعداد للمساعدة في إحراز تقدم بشأن أية ناحية من نواحي هذه المشكلة المعقدة.

         وإني لمسرور لأن الجمعية العامة للأمم المتحدة أبرزت أخيرا ضرورة الإسراع بتنفيذ توصياتها السابقة بشأن مشكلة اللاجئين وأود بهذه المناسبة أن أذكر بوضوح أن موقف هذه الحكومة حيال تلك المشكلة يستند وسيظل مستندا إلى التمسك بتأييد توصيات الجمعية العامة بشأن اللاجئين مع الاهتمام بدون تحيز إلى تنفيذ تلك التوصيات بطريقة تعود على اللاجئين بأكبر قسط من المنفعة.

         وإن الولايات المتحدة بوصفها عضوا في لجنة التوفيق الفلسطينية وبوصفها دولة مهتمة كل الاهتمام بتقدم شعوب الشرق الأوسط على المدى الطويل تنظر بعين الجد إلى المهمة التي عهدت بها الأمم المتحدة إلى تلك اللجنة وإننا لمصممون على أن نستخدم نفوذنا حتى تضاعف هذه اللجنة جهودها للعمل على إحراز تقدم فيما يتعلق بإيجاد حل سلمي وعادل للمشكلة الفلسطينية.

         وطبيعي أنه ليس من الواضح حتى الآن ما الخطوات المحدودة التي يمكن أن تقوم بها اللجنة في هذا الشأن ولكني أستطيع أن أؤكد لكم أن الولايات المتحدة لن تتوانى في إبداء اهتمامها باتخاذ الإجراءات الفعالة.

         وإني لأرجو بكل إخلاص أن تتعاون كل الأطراف التي يعنيها الأمر تعاونا كليا مع اللجنة في أي برنامج تتخذه بقصد حماية مصالح اللاجئين الفلسطينيين وكفالة الرفاهية لهم.

         وبالإشارة إلى العلاقات بين الجمهورية العربية المتحدة والولايات المتحدة أعترف بأن آراءنا حيال المسائل الهامة ليست متشابهة دائما إلا أني في الوقت نفسه أشعر بسرور لأن العلاقات مستمرة بيننا في كثير من الميادين بطريقة تعود بالنفع على الجانبين ولأن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة بمقادير لها مغزى قد أدت دورا هاما في برنامج النهوض والتنمية الذي وضعتموه بكل دقة.

         وتعلمون أني اقترحت أخيرا على الكونجرس أن يوافق على أن تساهم الولايات المتحدة في المحافظة على آثار النوبة وإننا ما زلنا نرحب بمئات الطلبة المنتمين إلى الجمهورية العربية المتحدة الذين التحقوا بالمعاهد الأمريكية لاستكمال دراستهم وتعليمهم.

         ولقد حدثني السفير راينهارت في أثناء مشاوراته الأخيرة في واشنطن عن البرنامج العظيم الذي وضعته الجمهورية العربية المتحدة لإنشاء قاعدة للصناعة تسمح بزيادة الرفاهية وبرفع مستوى المعيشة لمواطنيكم أجمعين وإني لمسرور بوجه خاص

الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

لأننا استطعنا في كثير من المرات أن ندبر في ظروف ملائمة بيع كميات كبيرة من القمح وغيره من المواد الأخرى إلى الجمهورية العربية المتحدة لاعترافنا بأهمية الشعب إذا ما كان غذاؤه كاملا.

         وإني لأرجو أن يستمر بيننا مثل هذا التعاون المفيد للجانبين كذلك أرجو أن تتجلى لكم فائدة آرائي هذه عن الشرق الأوسط.

         ونظرا للتاريخ الطويل للعلاقات الودية بين الشعب العربي والشعب الأمريكي ونظرا للترابط بين كل الناس الذين يرغبون في أن يبقوا أحرارا أود أن أتيقن ألا تتكون لديكم أنتم وغيركم من زعماء العرب فكرة خاطئة عن موقفنا حيال الشعب العربي إن موقفنا ما زال موقفا ينطوي على الصداقة المخلصة وأعتقد أن المستقبل سيزيد من العلاقات الودية بين بلدينا وبين شعبينا المحبين للسلام وما دامت هذه العلاقات قائمة على أساس احترام كل جانب لآراء الآخرين وعلى أساس الاهتمام المشترك بتحسين حال البشرية وكذا على أساس المساهمة المشتركة في الجهود الخاصة بإزالة أسباب التوتر الدولي.

فيما يلي النص الرسمي والحرفي لرد الرئيس جمال عبد الناصر:
         عزيزي الرئيس جون. ف.. كيندي
         لقد تلقيت بمزيد من الارتياح والتقدير خطابكم إلي بتاريخ 11 من مايو سنة 1961 الذي تفضلتم فيه بإثارة بعض جوانب المشكلة ذات الأهمية البالغة والخاصة بالنسبة للأمة العربية على اختلاف شعوبها وهي – دون شك – قضية فلسطين وإذا كنت قد تأخرت في الرد على هذا الخطاب فلقد كان باعث التأخير هو إعطاؤه ما يستحقه من فرصة الدراسة الدقيقة المتأنية.

         ولعل مبعث الارتياح الذي شعرت به حين تلقيت خطابكم كما أشرت في العبارة الأولى من هذا الخطاب – أنني كنت من جانبي أقلب النظر في فكرة الاتصال بكم بشأن نفس هذه القضية التي أثرتم في خطابكم بعض جوانبها.

         ولقد كان فكري في الاتصال بكم يرتكز على مجموعة من العوامل:

أولا:

إن ما تم بالفعل من تبادل المراسلات بيننا في عدد من مختلف المشاكل العالمية كان واضحا في دلالته على أنكم تحاولون فتح أبواب التفاهم وإبقاءها مفتوحة بينكم وبين عدد من الشعوب الأخرى التي تولي قضايا السلام اهتمامها الأول حفاظا على هذا السلام وصونا للجنس البشري مما يتهدده من أخطار.

وفي اعتباري أن الوصول إلى التفاهم المشترك بين الشعب إنما هو في الوقت نفسه إقامة فرص للسلام على أمتن الأسس وأصلبها.

ثانيا:

قضية فلسطين وما تفرع عنها من مشاكل إنما هي بجانب كونها من القضايا الرئيسية التي تمس السلام العالمي مباشرة في عصرنا – في الوقت نفسه ذات اتصال وثيق بالعلاقات ما بين شعبينا. وأحب هنا أن أضيف أنني لا أربط احتمالات التفاهم بضرورة التقاء وجهات نظرنا في هذه المشكلة

 الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

 

على نحو كامل من التطابق وإنما الذي أقوله هو أنه من الأمور الحيوية في هذا الصدد أن تكون لدى كل منا صورة واضحة للحقيقة بقدر ما يمكن أن يبدو منها إنسانيا من وراء ضباب الزمان ودخان الأزمات.

ثالثا:

إنني تابعت باهتمام كل مرة تعرضتم فيها لهذه المشكلة سواء فيما ألقيتم من خطابات في الكونجرس حين كنتم تمثلون ولاية “ماساشوستس” أو ما صدر عنكم خلال حملة انتخابات الرياسة ولست أخفي عليكم أنني قبل أن يصلني خطابكم كنت – من تأثير فكر الاتصال بكم في موضوع فلسطين أحاول أن أستشف صورة لموقفكم منه خلال سطور كتابكم عن”استراتيجية السلام، ولقد كان إحساسي بما قرأت عنكم مباشرة أو بما نسب إليكم في هذا الموضوع يجعلني أعتقد أن هناك زوايا كثيرة في المشكلة تستحق مزيدا من الضوء.

         على أنني برغم هذا كله تصورت أنه ربما كان المناسب أرجئ الاتصال بكم في هذا الأمر باعتبار ما كان يواجهكم من مشاكل ضخمة ذات طابع ملح وعاجل في الميدان الدولي.

         ومن هنا – كما قلت لكم – أثار ارتياحي أنكم أخذتم المبادرة وكتبتم إلي في بعض زاوية الموضوع الذي كان بودي أن أحدثكم من جانبي في صورته الكاملة كما نراها هنا على الناحية العربية منها ولست أريد هنا أن أملأ هذا الخطاب بالوثائق وإنما أنا هنا أحاول أن أنقل إليكم تصورنا العام للمشكلة واسمح لي هنا أن أؤكد لك أن هذا التصور لا يقوم على أساس عاطفي وإنما ما حدث ماديا هو أساسه الوحيد.

سيادة الرئيس،
         اسمحوا لي أن أضع أمامكم هذه الملاحظات التالية علها تساعد مترابطة على توضيح صورة سريعة للمشكلة:

1 –

لقد أعطى من لا يملك من لا يستحق وعدا ثم استطاع الإثنان “من لا يملك” “ومن لا يستحق” بالقوة وبالخديعة أن يسلبا صاحب الحق الشرعي حقه فيما يملكه وفيما يستحقه.

تلك هي الصورة الحقيقية لوعد بلفور الذي قطعته بريطانيا على نفسها وأعطت فيه – من أرض لا تملكها وإنما يملكها الشعب العربي الفلسطيني – عهدا بإقامة وطن يهودي في فلسطين.

وعلى المستوى الفردي – يا سيادة الرئيس – فضلا عن المستوى الدولي فإن الصورة على هذا النحو تشكل قضية نصب واضحة تستطيع أية محكمة عادية أن تحكم بالإدانة على المسئولين عنها.

2 –

ومن سوء الحظ يا سيادة الرئيس أن الولايات المتحدة وضعت ثقلها كله في غير جانب العدل والقانون في هذه القضية مجافاة لكل مبادئ الحرية الأمريكية والديموقراطية الأمريكية وكان الدافع لذلك مع الأسف هو اعتبارات سياسية محلية لا تتصل بالمبادئ الأمريكية ولا بالمصلحة الأمريكية على

 الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

 

مستواها العالمي ولقد كانت محاولة اكتساب الأصوات اليهودية في انتخابات الرياسة هي ذلك الدافع المحلي ولقد قرأنا لأحد السفراء الأمريكيين السابقين في المنطقة إن سلفكم المستر هاري س. ترومان لما ألقى بكل قوته وفيها بالطبع قوة منصبه الخطير على رأس الأمة الأمريكية – ضد الحق الواضح في مستقبل فلسطين – لم يكن له من حجة إزاء الذين استرعوا نظره من المسئولين إلى خطورة موقفه غير قوله: ” هل للعرب أصوات في انتخابات الرياسة الأمريكية ؟ “

3 –

إن خرافة الانتصار العسكري الذي تحاول بعض العناصر أن تقيم على أساسه حقا مكتسبا للدولة الإسرائيلية في فلسطين ليست إلا وهما صنعته الدعايات التي بذلت جهدها لإخفاء معالم الحقيقة.
ولست أريدك أن تسمع – في هذا المجال – شهادتي كجندي عاش هذه التجربة بنفسه وإنما وثائق الأمم المتحدة وتقارير وسيط الهدنة الدولية في فلسطين ولجانها تستطيع أن تثبت لك أن القوات الإسرائيلية لم تستطع احتلال ما احتلته من الأراضي خلال المعارك وإنما من العجيب أن ذلك كله تم خلال الهدنة.

ولقد كان ما فعله العرب في ذلك الوقت أنهم أحسنوا الظن بالأمم المتحدة وتصوروها قوة قادرة على فرض العدل خصوصا إذا كان العدل أساسا هو كلمتها وقرارها ولقد ظن العرب أن الجانب الإسرائيلي سوف يعاقب على خرقه لأحكام الهدنة الدولية وأن ما تسلل إليه من الأرض تحت ستار الهدنة سوف يعاد إلى مكانه الأصلي. ومن سوء الحظ أننا عوقبنا فيما بعد على أن نظرتنا إلى الأمم المتحدة كانت نظرة مثالية تنبع من الثقة.

4 –

إن الخطر الإسرائيلي بعد ذلك كله لا يمثل مجرد ما تم حتى الآن من عدوان على الحق العربي وإنما هو يمتد إلى المستقبل العربي ويهدده بأفدح الأخطار.

         وإذا ما لاحظتم استمرار الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وتشجيعها وفتح الأبواب أمامها رأيتم معنا أن هذه الهجرة تصنع ضغطا داخل إسرائيل لا بد له أن ينفجر ويتجه إلى التوسع ودليل ذلك هو التفسير المنطقي للتحالف القوي بين إسرائيل وبين مصالح الاستعمار في منطقتنا فإن إسرائيل منذ قيامها لم تبتعد كثير عن الفلك الاستعماري. وكان واضحا أنها تشعر بترابط مصالحها مع الاستعمار كذلك كان الاستعمار من ناحيته يستخدم إسرائيل كأداة لفصل الأمة العربية فصلا جغرافيا بعضها عن بعض وكذلك كان يستخدمها كقاعدة لتهديد أية حركة تسعى للتحرر من سيطرته ولست في حاجة للتدليل على ذلك إلا بتذكيركم بالظروف التي تم فيها العدوان الثلاثي علينا والتواطؤ الذي سبقه سنة 1956.

         من هذا العرض السريع للصورة في خطوطها العامة أردت أن أقول لكم: إن موقفنا من إسرائيل ليس عقدة مشحونة بالعواطف وإنما هو عدوان تم في الماضي وأخطار تتحرك في الحاضر ومستقبل غامض محفوف بأسباب التوتر والقلق معرض للانفجار في أي وقت ممكن ولكي أكون منصفا فإنه يبدو لي أن بعض العناصر العربية قد ساهمت في تصوير المشكلة لديكم باعتبارها شحنة عاطفية وأذكر في هذا المجال أن سلفكم الرئيس دوايت ايزنهاور قال لي عندما كان لي شرف لقائه في نيويورك في 26 سبتمبر سنة 1960:

 الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

        إن بعض الساسة العرب كانوا يدلون بتصريحات علنية متشددة في موضوع فلسطين ثم يتصلون بالحكومة الأمريكية يخففون من وقع تشددهم قائلين: إن تصريحاتهم كانت موجهة للاستهلاك المحلي العربي.

        وإني لآسف حقيقة أن هذه الأصوات المتخاذلة المترددة استطاعت أن تجد من يسمعها في بلادكم وإن كانت في بلادنا – مهما تظاهرت بالتصلب في الحق – لم تجد من يسمعها أو يثق بها ولقد أثبتت الحوادث فيما بعد على أية حال أن هؤلاء الذين خدعوكم لم يتمكنوا من خداع شعوبهم.

سيادة الرئيس:
        لقد حاولت أن أكون صريحا إلى أبعد حدود الصراحة في حديثي إليكم ولقد يبدو من أصول اللغة الدبلوماسية التقليدية – أنني جاوزت ما تفرضه اعتبارات المجاملة – ولكني أؤكد لكم أنه في اعتباري لا يوجد أشرف في تكريم الصديق والحفاوة به أحسن من التعبير الصادق كما يحس صاحبه ومن هذا الأساس فإني أستأذنكم بعد أن عرضت للصورة من ناحيتها الإسرائيلية – أن أستطرد للناحية الأمريكية منها واسمحوا لي أولا أن أؤكد لكم أن إيماني العميق كان ولايزال – أن الوصول إلى تفاهم عربي أمريكي هدف هام بالنسبة لنا يستحق أن نبذل من أجله كل الجهود ونحاول من أجله ولا نيأس من المحاولة أو نمل.

        ونحن في هذا نصدر عن تتبع واع لمجرى التاريخ الأمريكي وعن إعجاب عميق بخصائص الأمة الأمريكية وعن مشاركة مخلصة في كثير من مبادئ النضال التي استهدت بها أمتكم العظيمة في صنع مكانها.

        والآن أستأذنكم في إبداء هذه الملاحظات:

1 –

لقد حاولنا دائما وما زلنا نحاول ولسوف نصر دائما على المحاولة أن نمد أيدينا للأمة الأمريكية وأؤكد لكم أن مما يحز في نفوسنا إلى أبعد الحدود أننا في كثير من الأحيان نجد يدنا معلقة وحدها في الهواء ولقد تفضلتم يا سيادة الرئيس وأشرتم في خطابكم إلى دور الرئيس وودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت في بروز دول عربية مستقلة ذات سيادة متكافئة في المجتمع الدولي.

واسمحوا لي أن أقول: إن الرئيسين الكبيرين لا يمثلان في بلادنا آمالا تحققت بقدر ما يمثلان آمالا لم تتحقق. لقد كانت في بلادنا ثورة وطنية عارمة تطلب حق تقرير المصير ولما أعلن الرئيس ويلسون نقطه الأربع عشرة المشهورة كان صداها على الثورة الوطنية العارمة في بلادنا قويا فعالا.

ولقد ذهب وفد يمثل الثورة الوطنية في مصر – في ذلك الوقت  –  إلى باريس ليحضر مؤتمر الصلح وينادي بحق مصر في تقرير مصيرها وكان هذا الوفد يرفع – بين ما يرفع من الأعلام –  مبادئ الرئيس وودرو وويلسون نفسها ويستند عليها ولكن الرئيس ويلسون رفض مقابلة هذا الوفد ولم يجد فرصة يشرح فيها قضية بلاده أمام مؤتمر الصلح في باريس ولم يكن أمام هذا الوفد وأمام هذا الشعب الذي أرسله إلى باريس غير المقاومة الشعبية المسلحة ضد الاستعمار

 

 

الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

 

وكانت القوة القاهرة سلاح الاستعمار لقمع الثورة الشعبية خلافا مع كل دعوى عن تقرير المصير.

كذلك استطاعت مبادئ الأطلنطي التي أعلنها الرئيس روزفلت سنة 1941 عن تحرير الشعوب أن تمتد إليها آمال شعبنا ولربما كان من سوء حظنا أن الرئيس روزفلت لم يعش ليرى يوم انتهاء الحرب حتى تتاح له الفرصة لوضع قوته الضخمة وقوة وطنه وراء المبادئ التي أعلنها وقت محنة الطغيان الفاشيستي ..

2 –

كانت الصدمة الكبرى في العلاقات العربية الأمريكية هي غلبة اعتبارات السياسة المحلية الأمريكية على اعتبارات العقل الأمريكي والمصلحة الأمريكية في تقرير موقفكم من الظروف التي أهدر فيها الحق العربي في فلسطين إهدارا كاملا ولقد سبقت لي الإشارة إلى هذا الأمر حين تعرضت لمشكلة فلسطين من جانبها لإسرائيل.

3 –

احتدم الخلاف بيننا وزادت حدته ما بين سنة 1954 وسنة 1955 بسبب التباين بين نظرة كل منا إلى مشكلة واحدة هي مشكلة الدفاع عن الشرق الأوسط.

كان رأينا أن الأحلاف العسكرية خصوصا تلك التي تستند على قوى عالمية كبيرة لا تكفل الدفاع عن الشرق الأوسط وإنما هي تزيد تعرضه للخطر بمقدار ما تزج به إلى الحرب الباردة.

وكان رأينا أن الدفاع الحقيقي عن الشرق الأوسط تقوم به بلدان هذا الشرق الأوسط وأن ميدانه ليس الخطوط الدفاعية بقدر ما هو الجبهات الداخلية للشعوب وكان الاستقلال الحر غير المشروط والاتجاه المجدي إلى التطوير الوطني البناء خير ضمان لسلامة الشرق الأوسط ضد أي عدوان كيفما كان مصدره ولقد أتيح لي أن اشرح بنفسي موقفنا هذا للمستر جون فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة في ذلك الوقت عندما أتيحت لي فرصة لقائه سنة 1953 في القاهرة.

4 –

في غمرة المناقشة حول الدفاع عن الشرق الأوسط وقعت الحادثة التي كانت بمثابة نقطة التحول في اتجاهات الحوادث وأعني بها الغارة على غزة في فبراير سنة 1955 حيث قام الجيش الإسرائيلي بغارة هجومية وحشية على مدينة غزة الفلسطينية ولست أريد أن أصف هذه الغارة بأكثر مما وصفتها به وثائق الأمم المتحدة وقد وصفتها بأنها غارة “وحشية مدبرة” ومع ذلك فإن وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الوزراء الحالي بعثا بتهنئتهما إلى الذين قاموا بها بناء على أمرهما.

كذلك استمرت الخطة العدوانية نفسها على مصر – في ذلك الوقت – هذه الخطة التي كانت تستهدف الجبهة الداخلية لمصر على حد ما تشهد به الوقائع المتسربة مما يسمونه عملية لافون في إسرائيل التي اتضح منها أن الهدف كان تفجير القنابل في بلادنا وتدمير منشآتنا وإشاعة الخلاقات بيننا وبين دول صديقة

الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

 

بينها الولايات المتحدة الأمريكية التي وضع العملاء الإسرائيليون القنابل الحارقة أمام مكاتبها في القاهرة.

وفي الوقت نفسه كانت هذه الخطة تستهدف خطوط الهدنة كما تجلى في الغارة على غزة.

لقد دفعنا ذلك إلى الإحساس بأن انهماكنا في عملية التطوير الوطني لا يجدي إزاء العدوان وتحتم أن نوجه جزءا من الاهتمام بجانب التطوير إلى الاستعداد المسلح لرد العدوان إذا ما تحرك ضدنا.

ولقد كان من هنا أن بدأنا بطلب شراء السلاح من الولايات المتحدة بإلحاح ولما ووجهنا بالمماطلة ثم بالرفض كان أن اتخذت قرار شراء السلاح من الاتحاد السوفيتي وأؤكد لك أنني سوف أظل أحتفظ من الوفاء لحكومة الاتحاد السوفيتي وأتصور أنك لو كنت مكاني لكان ذلك شعورك نفسه وأنت ترى التهديد يحيط بوطنك وتجد في الوقت نفسه أنك لا تملك وسيلة لإنزال العقاب بالمعتدين.

5 –

كان من أثر ذلك أن مرت العلاقات بيننا بفترة عاصفة وجرت محاولة تشويه سياستنا الوطنية عن عمد وتعرضنا لألوان من الحرب النفسية بينها توجيه عدد من محطات الإذاعة السرية توجه دعايتها المسمومة إلى شعبنا بغية تحوله عن الصمود وراء حكومته الثورية.

ثم كانت ذروة الحرب النفسية هنا هو ذلك القرار الذي أتخذ بسحب عرض المساهمة الأمريكية في تمويل سد أسوان العالي وهو العرض الذي كانت الحكومة الأمريكية قد تقدمت مختارة مشكورة به ثم تبع ذلك انسحاب البنك الدولي من عمليات تمويله ولم يكن هناك شك في أن الطريقة التي تم بها سحب هذا العرض كانت تنطوي على الكثير مما لا يرضى الشعب العربي في مصر لنفسه أن يتقبله.

6 –

قدرنا للولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك موقفها في محاولة إيجاد حل سلمي للمشكلة التي ثارت في ذلك الوقت بعد تأميم شركة قناة السويس.

كذلك كان تقديرنا فائقا للتأييد العظيم الذي تعنيه قضية الحرية في بلادنا من جانب الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي وكان ذلك حينما تكشفت مؤامرة التواطؤ على بلادنا من جانب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ثم حينما بدأت عملية الغزو يوم 29 من أكتوبر 1956 في اليوم الذي كان محددا لبدء المفاوضات في جنيف بغية الوصول إلى حل نهائي على ضوء قرارات مجلس الأمن بشأن قناة السويس.

ولقد كان إحساسنا أن الشعب الأمريكي يشعر بموقفنا من ذكريات تجاربه في بيرهاربور وصدق إحساسنا ومن سوء الحظ أن التحسن الكبير الذي طرأ على علاقاتنا في ظروف المحنة الدامية بدأ يتعرض لنكسة خطيرة فإن سياسة الولايات المتحدة اتجهت في أعقاب انتهاء معركة السويس بهزيمة العدوان إلى عزل مصر ومحاولة تحقيق أهداف العدوان بوسائل سلمية وكان ذلك عن طريق مشروع ايزنهاور الذي أراد معاملة الشرق الأوسط – على حد تعبيركم في أثناء المناقشة بصدده في الكونجرس الأمريكي – كما لو كان مقاطعة أمريكية.

 الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249- 1259”

7 –

تعرضت سورية بعد ذلك لأزمة خطيرة تهدد سلامتها وكان ذلك بتأثير تجمع عدد من دول حلف بغداد سواء بمجموعها كأعضاء منظمة أو بجهودها المنفردة وكان الهدف هو ضرب الجبهة الداخلية الوطنية لسورية وهو أمر كان يمكن أن تنتج عنه أوخم العواقب على سلامة الشرق الأوسط كله ولقد حاولنا مرارا أن نسترعي نظر الحكومة الأمريكية إلى خطورة مثل هذه الجهود الهدامة من جانب حلف بغداد ودوله.

8 –

انهار حلف بغداد وكان يوم الثورة في العراق هو الفاصل في أمره وبانهيار هذا الحلف انهارت كذلك سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربية وأصبحت الحاجة ماسة إلى سياسة جديدة واعية تستلهم الماضي تجربته وتقدر على مواجهة الحاضر وعلى احتمالات المستقبل.

ولقد كان أملنا كبيرا في أن تهيأ الفرصة أمام الولايات المتحدة لتدرس المنطقة على ضوء نظرة جديدة غير متأثرة بالاعتبارات القديمة وغير خاضعة لارتباطات لا تمثل الأماني الحقيقية للشعوب العربية.

ولقد كان مؤلما حقيقة ألا تسأل حكومة الولايات المتحدة نفسها بعد انهيار حلف بغداد فيما يتعلق بصلة الشعوب به.

“لماذا تحولت السياسة الأمريكية إلى انقضاض على هذا النحو؟

لماذا اختفى معظم الأصدقاء التقليديين للسياسة الأمريكية؟”

“لماذا تقف الولايات المتحدة وهي دولة قامت على الحرية وعلى الثورة ضد نزعة الحرية ونزعة الثورة وتجد نفسها مع القوى الرجعية والعناصر المعادية للتقدم في صف واحد؟”

9 –

بدأت بعد ذلك مرحلة من التحسن في العلاقات العربية الأمريكية لكن التحسن كان بطيئا وكانت الصدمات تتربص له دائما بتأثير دوافع غير أمريكية على الإطلاق وأذكر منها مقاطعة الباخرة العربية كليوباترة على أرصفة ميناء نيويورك..

ولقد أتيح لي بعد ذلك في سبتمبر سنة 1960 أن ألتقي بسلفكم الجنرال دوايت ايزنهاور وأن أتحدث إليه في العلاقات ما بين بلدينا وفي تطوراتها وفي ضرورة النظر إليه في ضوء جديد يتمشى مع ما نتطلع إليه جميعا من سلام قائم على العدل ولكن ذلك كان كما تذكرون في أواخر مدة رياسته ومن ثم لم تتح للمحاولة الجديدة أن توضع موضع الاختبار.

سيادة الرئيس:
        ليس معنى ذلك بحال أن علاقتنا خلال هذا كله لم تعش لحظاتها المشرقة كان هناك في تاريخ الأمة الأمريكية ما يشدنا إلى الكثير من المبادئ الأمريكية إلى ما أعطته الثورة الأمريكية التراث الإنساني من التجارب العميقة ومن الرجال الأبطال

        وكان هناك موقف بلادكم منا وقت العدوان علينا انتصارا للمبادئ وهو موقف أشدنا به دائما ولسوف يظل يحظى بعرفاننا مهما كان من تطورات العلاقات بيننا.

 الخطابان المتبادلان بين كيندي والسيد الرئيس
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1249 – 1259”

         كذلك كانت هناك مساعداتكم القيمة لنا عن طريق تصدير القمح أو عن طريق قروض صندوق التنمية كذلك لا يفوتني هنا أن أشيد بمساهمتكم القيمة في مشروع إنقاذ آثار النوبة ولقد كانت رسالتكم إلى الكونجرس في هذا الصدد تحية كريمة تقبلها شعبنا بمزيد من التقدير والرضا.

سيادة الرئيس:
         لقد كان هدفي من وراء هذا الشرح الطويل لبعض معالم الصورة أن أوضح أمامكم أن قضايا الشرق العربي متصلة بعضها ببعض اتصالا وثيقا.

         كان هدفي أن أشرح لكم أن حق اللاجئ الفلسطيني مرتبط بحق الوطن الفلسطيني وأن باقي الأوطان العربية لا يمكن أن تعزل نفسها عن العدوان الذي انقض على واحد منها بسبب واضح هو أن هذا العدوان فضلا عن كل ما يعنيه التضامن العربي- يهدد الأوطان العربية الباقية بالخطر نفسه وبالمصير نفسه.

         ولقد كان هدفي أيضا أن أشرح أن ما واجهناه من المصاعب في علاقتنا كان سلسلة متصلة تتشابك حلقاتها وفي رأيي أنها كانت تخضع لمؤثرات غير أمريكية في كثير من الظروف وعند هذه النقطة فإني أريد – يا سيادة الرئيس – أن أناشدكم مخلصا متوجها إلى شجاعتكم أنه قد حان الوقت الذي يتعين فيه على الولايات المتحدة أن تفتح عيونها على تطورات الأحداث في منطقتنا على أساس نظرة أمريكية بحته لا تتأثر باعتبارات السياسة المحلية الأمريكية بهذه المنطقة أكبر بكثير من أي اعتبار محلي وإننا لنشعر من بعيد بأن الشعب الأمريكي يجتاز مرحلة من البحث في أعماق النفس يواجه بها ظروف العالم المضطرب واحتمالاته الخطيرة.

         وليس أفضل من مثل هذه المرحلة مناسبة يتحرر فيها الفكر من القيود المصطنعة ومن أغلال المصلحة الحزبية القصيرة الأمد ليكون الموقف المستلهم من المبادئ والهادف لتحقيق السلامة الأمريكية العليا ولسنا نشك لحظة في أن تطلعكم إلى (الحدود الجديدة) على حد تعبيركم ومحاولاتكم الدائمة لاكتشاف طريق الواجب أمام شعب الولايات المتحدة العظيم سوف يكونان من بواعث الطمأنينة لدى شعوبنا ولدى شعوب كثيرة أخرى تتطلع للشعب الأمريكي بالمحبة والإعجاب.


 

Scroll to Top