رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي الذي ألقاه أمام لجنة الانتداب في جنيف

 

رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب

“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

رد حزب الاستقلال العربي
على بيان المندوب السامي
الذي ألقاه أمام لجنة الانتداب في جنيف (*)
عام 1933

واجب الحزب في نشر هذا الرد:

         اطلع حزب الاستقلال العربي على البيان الذي ألقاه المندوب السامي في فلسطين أمام لجنة الانتدابات في جنيف بتاريخ  10/ 11/ 1932 عن السياسة والأعمال التفصيلية الجارية في هذا القطر العربي.

         إن حزب الاستقلال وإن كان من مبادئه رفض الانتداب ووعد بلفور واعتبار الوضع الحاضر في فلسطين غير متفق مع آمال العرب وحقوقهم وضارا بمصالحهم وكيانهم فإنه يرى من واجبه وقد تضمن بيان المندوب أمورا عديدة جديرة بالرد والتفنيد أن ينشر هذا البيان ويعلق فيه على تلك البيانات بما يراه ضروريا وتصحيحا للوقائع والحقائق من وجهة النظر العربية مع تأييد رفضه للانتداب ووعد بلفور واعتبارهما وضعين غير مستندين إلى حق شرعي.

إصابة المندوب في قوله إنه في حاجة إلى تفهم مسائل كثيرة:

1 –

ذكر المندوب السامي اهتمامه منذ وصوله إلى فلسطين للتجول في البلاد ومقابلة ممثلي الطبقات المختلفة ولقد أصاب في قوله أنه لا يزال في حاجة إلى تفهم كثير من مسائل فلسطين لأن بيانه الذي ألقاه يدل على أنه قد أغفل أمورا جوهرية عن حالة فلسطين ومطالب سكانها ومشاكلها.

المهمات الثلاث التي تتناولها مهمته:

2 – ذكر المندوب السامي أن مهمته تتناول ثلاثة أمور مهمة:

 

(أ)

حفظ الأمن العام.

 

(ب)

تشجيع شعور حسن النية بين مختلف طبقات السكان ومساعدتهم للتقدم الاقتصادي.

 

(جـ)

تقوية شعور الثقة المتبادلة بين الشعب والحكومة.

 


          * الجامعة العربية – القدس 15 / 1 / 1933 ص 2 -، 16 / 1 / 1933 ص 2 – 18 / 1 / 1933 ص 4 – 19 / 1 / 1933 ص 4.

 

(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

مهمة الأمن العام في فلسطين:

3 – ذكر فيما يختص بالمهمة الأولى أن السلطات في فلسطين تنفق ثلث الميزانية على قوة البوليس والدفاع وأن أعمال الحكومة ونشاطها معرقلة شر عرقلة بسبب ذلك وأنه يؤسفه جد الأسف أن لا يستطيع توصية إنقاص قوة الدفاع والبوليس لا هذه السنة ولا في المستقبل القريب.

ثلث الميزانية أي ينفق على الأمن الداخلي وهل لهذا مبرر شرعي

        ويستولى على المرء دهشة حينما يرى أن ثلث الميزانية يبلغ نحو ثمانماية ألف جنيه وأن هذا المبلغ جميعه ينفق على تأمين الأمن العام في بلاد سكانها نحو مليون نفس ومساحتها نحو تسعة آلاف ميل مربع ويزداد المرء دهشة حينما يذكر أن فلسطين ليست مهددة بعدوان خارجي كما يقول المندوب نفسه ويظهر له جليا أن هذه النفقات الباهظة إنما تنفق على تأمين الأمن الداخلي فيها. وإذا ذكرنا ضيق مساحة فلسطين وقلة سكانها وما كانوا عليه من هدوء وسكينة في عهد الحكم العثماني بما لا يشبههم فيه أي قطر آخر وما كان فيها من قوة قليلة لتأمين الأمن العام الداخلي ثبت لنا ثبوتا قاطعا أن عوامل القلق والاضطراب التي تساور السلطات البريطانية في هذه البلاد من اختلال الأمن العام فيها راجعة بالدرجة الأولى إلى طبيعة السياسة الممقوتة التي تسير عليها والتي تحتوي على كل عوامل الاستفزاز والدفاع عن النفس والكيان وهي سياسة حكم البلاد حكما استعماريا مباشرا من قبل أناس لا يفهمون روحها ولا يشعرون بحاجاتها وعواطفها أولا ومحاولة إقامة بنيان قومي غريب فيها على أنقاض أهلها العرب ثانيا. في حين أن العرب كانوا ولا يزالون يرون أن لهم كل الحق في الاستقلال والحكم الوطني استنادا إلى حقهم الطبيعي والدماء التي أراقوها في الثورة العربية الاستقلالية.

موقف العرب واليهود أمام بعضهما:

        ولقد كان من نتائج هذه السياسة الممقوتة أن أصبح في فلسطين شعبان لهما آمال متناقضة ورغبات متباينة وجهود متعاكسة. أحدهما وهو الشعب العربي صاحب البلاد الشرعي الذي يرى نفسه أمام مؤامرة فظيعة ترمي إلى اكتساح أراضيه وامتلاء بلاده بشذاذ الآفاق ومتشردي اليهود ومزاحمتهم له في معاشه وكيانه وإلى حرمانه من حياته القومية الاستقلالية وثانيهما الشعب اليهودي الذي تثير عواطفه الخيالات القومية وتمد حركته الأموال والدعايات والتنظيمات المستندة إلى المطامع الانجليزية الاستعمارية وقوتهم الحربية وتجعله يرى لنفسه الحق في أن يمتلك فلسطين وأن يسود فيها وأن يدحر شعبها العربي عنها.

        فالسلطات البريطانية والحالة هذه تنفق هذا المبلغ العظيم على تأمين الأمن في بلاد تقف في مثل هذا الموقف الدقيق الحرج. ومعنى ذلك أنها تنفقه على تنفيذ هذه السياسة الشاذة الممقوتة التي لا مثيل لها في تاريخ البشر.

أموال العرب تنفق على مشروع اليهود:

        وبما أن أكثرية السكان الساحقة هي عرب فإن القسم الأكبر من هذا المبلغ العظيم يخرج من جيوب العرب. ومثل ذلك مثل من يحكم على امرئ بالموت

 

(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

ظلما وغدرا ثم تصادر أمواله بالقوة لينفقها على قتله ودفنه وفي هذا من موجبات الاشمئزاز ومغايرات كل عاطفة إنسانية ما يجعل كل إنسان مهما كانت جنسيته ومركزه أن يستنكر هذه السياسة الفظيعة.

       وقد كان على الإنجليز أن يشعروا بذلك وهم يتبجحون بالمدنية والعدل. إذ ليس من ريب في أن إنفاق ثلث ميزانية البلاد على الأمن الداخلي يعد أعجب حادث في سياسة الدول وميزانياتها ويسجل على السلطات البريطانية بمزيد الدهشة والاستنكار ويكفي وحده ليعرف العالم ما هي المصائب الفادحة والغرائب المفجعة التي يقاسيها أهل هذا الجزء من البلاد العربية من السلطات البريطانية الاستعمارية.

القصد من تأمين الأمن هو تأمين مشروع اليهود فقط

       وإذا أضفت إلى هذا ما ذكره المندوب السامي في مكان آخر من خطابه من أن 119 حادثة قتل وقعت في فلسطين خلال سنة واحدة ظهرت لك قيمة هذا الأمن العام الذي تنفق عليه هذه النفقات وظهر لك إن كل ما يهم السلطات منه هو دعم اليهود وتنفيذ مشروعهم بالقوة.

اعتراف صريح بإفلاس السلطات في المشاريع الحيوية للبلاد

       أما ما ذكره من الأسف لأن إنفاق هذا المبلغ العظيم يعرقل أعمال الحكومة الأخرى شر عرقلة فهو بمثابة اعتراف صريح بإفلاس السلطات القائمة في البلاد في مشاريع العمران والتعليم وترقية مصالح السكان الأخرى وبإفلاس سياسة الانتداب التي أريد بها مساعدة السكان وترقية مشاريع البلاد العمرانية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية وهو ما يسجل على هذه السياسة والقائمين بها العار والفشل.

المندوب السامي بين أقواله وبين عهده:

       ولقد أشار المندوب السامي إلى هذه المهمة في الخطاب الرسمي الذي ألقاه في دار الحكومة يوم وصوله لفلسطين في السنة الفائتة إذ أنه ذكر حينئذ أن هذه المهمة ستكون مهمته الأولى في هذه البلاد. وقد خشي العرب أن يكون فخامته قد فكر أن يقوم بهذه المهمة على المنوال الذي قام به السير هربرت صموئيل واللورد بلومر والسير تشانسلور في هذه البلاد فراجعوه في الأمر وحذروه من أن يكون اعتماده سبيل هذه الغاية على قوة الجند والبوليس فقط. وقد أفهموه بصراحة أن هذه القوة مهما كانت كبيرة لا تقدر وحدها على منع تكرر الاضطرابات الأليمة السابقة وأنه عليه إذا كان حقا يعتبر أن مهمته الأولى في هذه البلاد المقدسة هي تأمين الأمن أن يقوم قبل كل شيء بأعمال من شأنها أن تزيل ما يساور الناس هنا من خوف وقلق على مستقبل هذا الجزء من البلاد العربية من جراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية والصهيونية ويأسف حزب الاستقلال أن يصرح هنا أن فخامته الذي مضى على حكمه في فلسطين اثنا عشر شهرا ونيف لم يقم بأي عمل كان في مصلحة العرب، وأن سياسته في هذه البلاد لم تختلف في شيء عن سياسة أسلافه فيها اللهم إلا أن ظاهر الحال يدل على أن السياسة الصهيونية قد نشطت في زمانه أكثر من كل وقت آخر فيما يتعلق بالهجرة اليهودية وشراء الأراضي القليلة الباقية للعرب.

(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

الإنجليز منتدبون ومنتدب عليهم

        والموظفون الإنجليز هم الذين يكونون ما يسمى حكومة فلسطين فعلا لأن رؤساء جميع الدوائر المركزية وغير المركزية منهم وهم الذين يتألف منهم المجلس التنفيذي والمجلس الاستشاري ومنهم حكام الألوية ومساعدوهم وهنا تبدو الغرابة التامة في وضع فلسطين الشاذ لا توجد في فلسطين دولة إنجليزية منتدبة وحكومة محلية منتدبة عليها فالإنجليز هم المنتدبون والإنجليز هم المنتدب عليهم. وليست حكومة فلسطين إلا اسم بلا مسمى.

        وهذا الوضع مخالف كل المخالفة للأوضاع التي يشيرون إليها في أبحاثهم وصكوكهم وبياناتهم عدا عن كونه فاقدا لمعنى الإرشاد والتدريب والترقية والتعليم كل الفقدان. والغريب أن لجنة الانتدابات التي تعرف ذلك ولا ريب لا تحرك ساكنا تجاهه كأنما هو أمر عادي في حين أنه من الغرابة والتناقض ما يستفز الاندهاش والاستنكار.

توجد حكومة في فلسطين من الوجهة القانونية:

        فالسلطة التي تلقب بحكومة فلسطين هي في الحقيقة سلطة إنجليزية بحتة ليس لها من الوجهة الحقوقية الصرفة صبغة فلسطينية وأن كل ما في الأمر أن الحكومة البريطانية قد أرسلت لهذه البلاد مندوبين بريطانيين يحكمونها مباشرة وأنه لمن الغلط القول بأن في فلسطين حكومة وأن الحكومة البريطانية منتدبة على هذه الحكومة إذ أنه لا يعقل أن يتصور المرء وصيا دون أن يكون هنالك شخص موصى عليه. فأين هي إذن الحكومة الفلسطينية التي يرغب المندوب السامي في أن يوجد الثقة بين أهالي فلسطين وبينها؟ إن هذه الحكومة لم توجد بعد.

        وإذا كان يعني المندوب السامي فيما قاله في هذا الشأن إيجاد الثقة بين الأهالي وبين بعض البريطانيين الذين أرسلتهم الحكومة البريطانية ليحكموا فلسطين بالنيابة عنها فحزب الاستقلال يستطيع أن يصرح هنا بأن فخامته لم يوفق حتى الآن في هذه المهمة.

شذوذ وضعية فلسطين بالنسبة للأقطار العربية الأخرى:

        ويزداد اعتقادنا في الظلم الذي يحتوي عليه هذا الوضع الشاذ الغريب حينما نقايس بينه وبين الأقطار العربية الأخرى وبنوع خاص سوريا التي لم تكن فلسطين إلا جزءا طبيعيا منها. فسوريا الداخلية هي أوسع مساحة وأكثر سكانا من فلسطين بمرتين ومع ذلك فليس في حكومتها من الموظفين الفرنسيين إلا نحو مائة موظف لا تزيد رواتبهم السنوية عن ما معدله (50000) ج. ف. وسوريا الساحلية المسماة بلبنان الكبير التي هي مثل فلسطين مساحة وسكانا ليس في دوائر حكومتها إلا نحو خمسين موظفا فرنسيا لا تزيد رواتبهم السنوية عن ما معدله (30000) ج. ف.

        هذا عدا عن سعة التشكيلات وضخامة المرتبات الأخرى التي هي في فلسطين أضعاف ما هي في سوريا.

ضخامة التشكيلات في فلسطين

        فالسلطات الإنجليزية في فلسطين ترهق الشعب إرهاقا شديدا جدا في تحميله

 

(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

عبء هذه التشكيلات الواسعة والمرتبات الضخمة ثم عبء هذا العدد العظيم من موظفي الإنجليز وما تحتاج إليه طبيعة وجودهم من تراجمة ومساعدين وكتبة من عرب ويهود لم يكونوا لولاهم.

        ويظهر لك العبء بصورة واضحة أكثر إذا عرفت أن ميزانية نفقات سوريا الساحلية التي هي مثل فلسطين لا تزيد عن ما معدله مليون جنيه فلسطيني. ونفقات سوريا الداخلية التي هي ضعف فلسطين لا تزيد عن ما معدله مليون وثمانماية ألف جنيه فلسطيني في حين أن ميزانية نفقات فلسطين هي دائما في حدود المليونين ونصف المليون من الجنيهات.

تنزيلات الضرائب وعدم جديتها

4 –

لقد أشار المندوب السامي إلى التنزيلات الكبيرة التي أجريت على ضريبة الإعشار وإنها بلغت نحو 170.000 ج. ف. ويقول المندوب السامي إنه على الرغم من هذه التنزيلات ظل دخل الحكومة محتفظا بمستوى السنة السابقة وأرجع السبب في ذلك إلى زيادة كبرى في رسوم الواردات. ومن المؤسف أن المندوب السامي لم يذكر الزيادة الفاحشة التي أضيفت إلى ضريبة الأملاك. فبينما كانت الضريبة 9 بالماية رفعت إلى 15 بالماية.

الشذوذ القانوني في ضريبة الأملاك

        ومن أغرب الشذوذ القانوني الذي ارتكب في سياق هذه الزيادة أنها جبيت عن ستة أشهر سابقة لصدور القانون بها. وقد كانت هذه الزيادة غريبة جدا ووقعت في وقت اشتدت فيه الأزمة إلى حد أن إيجارات الأملاك كانت هابطة إلى مستوى الثلثين والنصف وأقل من النصف في بعض الأنحاء فجاءت صدمة شديدة جدا شعرت بها أكثر الطبقات وحملتهم على عقد المؤتمرات ورفع الاحتجاجات والاستنكارات فالتنزيلات التي يذكرها المندوب دليلا على رحمة السلطات الإنجليزية للأهالي قد عوضت من الأهالي أنفسهم وبصورة أشد ظلما وأبعد عن المنطق القانوني والحالة الاقتصادية.

سوء حالة فلسطين الاقتصادية:

        أما زيادة رسوم الواردات فليس فيها ما يصح أن يتفاءل به المندوب السامي على ما نعتقد. إذ أنها تنذر بسوء الحالة الاقتصادية العامة في البلاد وفي الحقيقة أن واردات البلاد لإنزال تتراوح سنويا بين ستة وسبعة ملايين جنيه في حين أن صادراتها تنقص دائما عن مليوني جنيه فهذا الفرق العظيم دليل شؤم وباعث خوف كبير وما يقاسيه العرب فلاحهم ومدنيهم من البؤس والأزمة إنما هو راجع في سببه الأكبر إلى كثرة استهلاكه وقلة إنتاجه. وهو الأمر الذي أوقع العرب فلاحهم ومدنيهم على السواء تحت عبء ثقيل جدا من الديون. وقل أن توجد قرية عربية في فلسطين من الألف قرية لم تكن مدينة ببضعة آلاف من الجنيهات ومن القرى العربية ما هو مدين بعشرات الآلاف من الجنيهات. والضيق على الطبقات العربية الوسطى في المدن مشتد اشتدادا كبيرا حتى أن منهم من لا يكسب قوت يومه إلا بشق النفس ومنهم من لا يعيش إلا بالدين. وهو في كل لحظة تحت خطر الإفلاس.

        وكم يستغرب العرب الذين يعانون ما يعانون من البؤس والشدة والديون

 

(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

وشظف العيش حينما يسمعون أن المندوب السامي يقول إن الحالة الاقتصادية في فلسطين لا تزال مرضية. ولا شك أنه يعني بهذا القول اليهود الذين لا يعيشون في مشروعهم الصهيوني على مواردهم المحلية كما هو معروف ولأجل هذا فإن التفاؤل الذي تفاءل به المندوب السامي لم يكن قائما على أساس ولم يكن مطابقا للوقائع والحقائق الراهنة.

سوء حالة الفلاح العربي وبؤسه:

5 –

ذكر المندوب السامي بتوجع حالة الفلاح العربي وبؤسه وأن متوسط دخل العائلة العربية هو عشرون جنيها في السنة. والعائلة تتألف عادة من خمسة أشخاص فيكون الشخص الواحد مضطرا إلى أن يعيش في السنة بأربعة جنيهات أو بعبارة ثانية بنحو أحد عشر ملا في اليوم. والجنيه هو ألف مل. ويدخل في ذلك طعامه وشرابه وكسوته وعلاجه.

هذا عدا ما عليه من أثقال الديون والضرائب المتنوعة

والحقيقة أنه جدير بكل توجع وعطف.

          ولكن المندوب السامي لم يذكر مع الأسف العلاجات الحقيقية التي داوى أو ينوي أن يداوي بها هذه الحالة التى تنذر بكل ويل وشر.

معالجات غير شافية:

          نعم لقد ذكر أنه قدم للفلاحين قرض بنحو 33 ألف جنيه. وأننا نسأله عما إذا كان درس طرق توزيع هذا المبلغ التافه وكيف أن بعض الفلاحين لم يصبه ما يصح أن يسمى قرضا بل ما يصح أن يكون أجرة نقل بذار وأن الإدارة في بعض الأنحاء أعطت القرض باليمين ثم أخذته بالشمال وفاء لضرائبها المتأخرة على المستقرض ونحن على يقين أنه لو درس ذلك لما كان رأى أنه يصح أن يذكر هذا المبلغ التافه كعلاج من علاجات تفريج أزمة الفلاح ولعرف ما وقع فيها من الشذوذ والتناقض. والصحف المحلية مملوءة بأخبار ذلك وحوادثه دون أن تكذب الأمر الذي يدل على صحة وقوعها. ولقد ذكر كذلك أن السلطات وزعت بعض الأطنان من البذار وبعض الآلاف من البيض وبعض الآلاف القليلة من الفسائل. ولكننا لا نستطيع أن نهنئ السلطات على ذكر مثل هذه المجهودات الضئيلة في سبيل مساعدة الفلاح الذي يقول المندوب السامي أن حاله وفقره قد أثرا فيه تأثيرا سيئا.

          وهل استطاع المندوب السامي أن يذكر ما فعله في سبيل تخليصه من أعباء الدين وقد كلت الألسنة والأقلام بطلب إعادة البنك الزراعي الذي استولت السلطات البريطانية على أمواله وجبت بقاياها من الفلاح بالقوة والإرهاق.؟

          الحقيقة أن السلطات البريطانية القائمة في البلاد منذ خمسة عشر عاما قد أهملت الفلاح إهمالا فظيعا جعله في هذه الحالة السيئة جدا أما الوعود التي جرت على لسان المندوب السامي بمساعدته فلا نستطيع أن نعدها إلا من قبيل الوعود الكثيرة التي تكتب في التقارير وتعلن في البيانات والتي أهمل تطبيقها كل الإهمال.

(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

حالة المعارف العربية وإهمالها الشديد:

6 –

يعترف المندوب السامي أن الأماكن المعينة في المدارس الابتدائية تنقص كثيرا عن المطلوب. وذكر أنه عين لجنة تحقيق لدرس الحاجة وطرق سدها.

         ان السلطات البريطانية فى هذه البلاد منذ خمسة عشر سنة ولكنها الى الآن لم تفكر مع الاسف الشديد فى وضع برنامج انشائى للتعليم ، ويكفى أن نذكر فى هذا الصدد :

(أ)

أنه يوجد في فلسطين نحو ألف قرية عربية في حين أنه لا يوجد مدارس إلا في نحو ثلاثماية منها.

(ب)

إن عدد الأولاد العرب الذين هم في سن الدراسة صبيانا وبنات يبلغ نحو ماية وخمسين ألفا على أقل تقدير في حين أنه لا يوجد في المدارس منهم إلا نحو ثلاثين ألفا. وأن أكثر من ماية ألف صبي وبنت محرومون من نعمة التعليم بسبب عدم وجود مدارس على شدة التنبيه والرغبة الظاهرة في البلاد للتعليم.

(جـ)

وأنه يتقدم سنويا آلاف الأطفال في المدن فلا يجد منهم مقاعد إلا عدد قليل لا يكاد يبلغ العشر ويرد الباقي خائبا.

(د)

وأنه لم توجد إلى الآن مدرسة صناعية واحدة ولم توجد إلا مدرسة ثانوية واحدة كاملة الصفوف وأنه لولا هبة قادروي اليهودي لما وجدت مدرسة طول كرم الزراعية التي فتحت منذ سنتين والتي يذكرها المندوب السامي كأنها عمل من أعمال السلطات البريطانية التي يحق لها أن تفخر بها.

(هـ)

وأن إدارة المعارف التي تشرف على مدارس العرب تدار من قبل موظفين إنجليز هم الذين يضعون المناهج والأنظمة.

(و)

وإن إدارة المدارس هي إدارة شديدة الوطأة إرهابية المسلك تكاد تحرم أي تعليم قومي وأي روح وطني وأنها تراقب المعلمين العرب في ذلك مراقبة شديدة وتطلب منهم أن يكونوا رقباء على بعضهم.

(ز)

وأن رئيس هذه الإدارة الذي هو مدير المعارف هو في ذات الوقت رئيس جمعية أجنبية ذات صبغة تبشيرية.

         يكفي أن نذكر هذا ولو موجزا للدلالة على درجة الإهمال العظيم الذي أهملته هذه الناحية الخطيرة من نواحي حياة العرب التهذيبية ويزيد في ألم العرب من هذا الإهمال الشديد رؤيتهم ما عند اليهود من حركة تهذيبية عظيمة.

        فمدارسهم حرة في إدارتها وبرامجها ونظمها ولهم فيها مجال واسع للتهذيب القومي وجميع أولادهم صبيانا وبنات الذين هم في سن الدراسة في المدارس. ففي مدارسهم نحو ثلاثين ألف تلميذ وهو سدس مجموع عددهم وبمعنى آخر هو العدد الطبيعي للذين هم في سن الدراسة.

        ولديهم مدارس عديدة ثانوية كاملة وفنية وصناعية. وإدارتهم تستوفي نصيبها من ميزانية المعارف حسب نسبة اليهود العددية في البلاد.

(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

سياسة المحاباة:

        ففي سيطرة الانجليز على مدارس العرب فقط وإعطاء اليهود حصتهم من ميزانية المعارف نقدا – حسب نسبتهم العددية وجعلهم مطلقي الحرية – والإدارة في تنشئة ناشئتهم ووضع سياسة التعليم والتهذيب القومي وفق آمالهم ورغباتهم أكبر برهان على سياسة المحاباة التي تسير عليها السلطات الانجليزية في فلسطين بالنسبة لليهود وعلى رغبتها في الضغط على العرب في التهذيب والثقافة القومية والوطنية.

سياسة التخدير ولجنة المعارف:

        أما ما أشار إليه المندوب من تعيين لجنة تحقيق للمعارف فيأسف الحزب أن يقول إن العرب قد قابلوا هذا التعيين بكل جمود وفتور، وأن الأعضاء العرب الذين انتدبوا لعضوية هذه اللجنة قد استقالوا واحدا إثر واحد لأن سياسة السلطات الانجليزية في اللجان وأعمالها ونتائجها أفقدت كل ثقة وطمأنينة من نفوس العرب وجعلتهم يعتبرونها أسلوبا من أساليب التخدير والعبث.

        على أن مما يؤسف له جد الأسف أن تكون السلطات الانجليزية مسيطرة على البلاد منذ خمس عشرة سنة ثم لا يكون عندها بحوث وافية عن حاجة البلاد ولا مشاريع جاهزة عن كيفية سد هذه الحاجة ولا سياسة تعليمية واضحة للسير عليها وأن تعمد الآن فقط وبعد أن تكررت ضجة الأهالي واحتجاجاتهم إلى تعيين لجنة الدرس المشروع وهذا ما يؤكد عدم ثقة العرب بسياسة اللجان وأعمالها.

        وللعرب كل الحق بعد هذا أن يطلبوا بإلحاح أن يعطوا نصيبهم في ميزانية المعارف بنسبتهم العددية وأن يتولوا هم أنفسهم إدارة مدارسهم وسياسة تهذيب ناشئتهم.

المشروع الانشائي وأسسه الباطلة:

7 –

أشار المندوب السامي إلى المشروع الانشائي وتقرير فرنش عنه والخطوات التي تمت في سبيل درسه وتحقيقه. ومن الواجب أن نذكر هنا تعليقا على هذه الإشارة أن المشروع الانشائي هذا لن يكون العلاج لمشكلة معقدة كمشكلة الأراضي في فلسطين وأن اللجنة التنفيذية العربية قد رفضته رفضا باتا لأنها لم تر فيه حلا لهذه المشكلة بسبب كونه قائما على أساسين: (أ) تحديد حاجة العرب (ب) إيجاد السبل لتيسير الأراضي لإسكان اليهود. ثم بسبب كون الذي أريد من تحديد حاجة العرب هو تعيين العدد الذي أصبح بدون أرض ولا عمل بسبب انتقال الأراضي لليهود وجعل الوكالة اليهودية ذات رأي في هذا التعيين أيضا.

        وهو أسلوب لا يدفع قطعيا الخطر الذي يهدد العرب من جراء انتقال الأراضي التي في يده لليهود.

مسألة الأراضي الخطيرة:

        إن مساحة الأراضي الزراعية في فلسطين محدودة جدا والتحقيقات التي أجراها

(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

خبراء الإنجليز الرسميون أثبتت أن الأرض التي بقيت في يد العرب تنقص عن حاجتهم كمجموع نقصا كبيرا. وأن ستة وثمانين ألف عائلة عربية هي اليوم بدون أرض وأن ما بقي من الأرض في يد العرب لا يؤمن لهم معيشة الكفاف وأن الفلاح من جراء ذلك هو في ضنك وبؤس شديدين. وهذه الحاجة هي بقطع النظر عن الازدياد التناسلي المستمر في العرب. ومعنى ذلك أن هذا النقص في كفاية الأراضي وهذا العدد من العرب الذين هم بدون أرض سيزداد سنة بعد سنة وإذا لاحظنا أن الزيادة التي ظهرت خلال السنوات العشرة الأخيرة التي مرت بين الإحصاءين الرسميين قد بلغت نحو 20 في الماية ظهر لنا هذا ظهورا واضحا وحق لنا أن نتساءل عما تكون وضعية العرب عليه إزاء مشكلة الأراضي بعد عشر سنين ثم بعد عشرين ثم بعد ثلاثين سنة.

       وليس من ريب أن الجواب على هذا السؤال سيتضمن خطرا شديدا ومستقبلا قريبا مظلما للعرب في هذه البلاد. ومن هنا يثبت بصورة قاطعة أن حاجة العرب لا يمكن تحديدها قط وأن أية محاولة في ذلك إنما هي محاولة نظرية للوهم فيها الأثر الأكبر. وإذا اعتبرنا أن اليهود ليسوا أصحاب حاجة وأنهم يملكون اليوم نيفا وأربعين ألف دونم زيادة عن حاجاتهم ظهر لنا مقدار الظلم والتناقض في معنى تحديد حاجة العرب لتيسير أراض جديدة لليهود.

       وإذا سلمنا جدلا أن السلطات أمام حاجتين: حاجة العرب الذين هم في البلاد وحاجة اليهود الذين خارجها فإن البداهة تملي على هذه السلطات أن حاجة الذين هم في البلاد هي التي يجب عليها أن تضمنها وأنه إذا تعارضت الحاجتان فإن الذي يجب إسقاطه منهما هي حاجة الذين هم في الخارج حتما.

       أضف إلى هذا أن المشروع الإنشائي المزعوم الذي يتوقف تطبيقه على ملايين الجنيهات سيحمل البلاد أعباء مالية عظيمة وبما أن الأكثرية الساحقة في البلاد هي من العرب فإن النصيب الأكبر من هذه الأعباء سيقع عليهم في حين أن فوائد هذا المشروع سيجنيها اليهود في الدرجة الأولى وسيخسر العرب من جرائها أراضيهم.

       هذا هو سر نظر العرب إلى هذا المشروع بنظر الأحجام وهذه هي بعض الأسباب التي من أجلها نفض العرب أيديهم منه ورفضوه رفضا باتا.

       إن مشكلة الأراضي في فلسطين هي من أشد مشاكلها تعقيدا والعرب كأمة ينظرون إليها كأشأم مشاكلهم حالا ومستقبلا لأنها تحمل بين طياتها عوامل الاندحار والانهدام للكيان العربي بصورة عملية. وهم يرون أن سكوت السلطات البريطانية عن معالجة هذه المشكلة معالجة حاسمة حتى الآن لا يتفق وتعهد الحكومة البريطانية بالمحافظة على كيان العرب ووضعيتهم في البلاد الأمر الذي أخذ يستولي من جرائه ذعر وهلع شديدان على العرب.

وجوب وضع تشريع لمنع بيع الأراضي من العرب إلى اليهود:

       والعلاج الحاسم لهذه المشكلة الخطيرة لن يكون إلا بوضع تشريع سريع يمنع انتقال الأراضي من العرب إلى اليهود منعا باتا. وبهذه الصورة يضمن للعرب عدم انهدامهم كأمة. لأن الضائقة المالية وإغراء المال اليهودي يؤثران بطبيعتهما في الأفراد




(تابع) رد حزب الاستقلال العربي على بيان المندوب السامي أمام لجنة الانتداب
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 553 – 562”

فيستمرون على بيع أراضيهم من اليهود في حين أن هذه الأراضي يزرعها العرب أما البائعون أنفسهم وإما العرب الذين لا أراض لهم. ولن يستطيع العرب أن يحموا أنفسهم كأمة ضد هذه البيوعات الفردية أو أن يدبروا الأموال لمشتري الأراضي التي يعرضها أصحابها للبيع فهم في حاجة ماسة لحماية قانونية وإذا كانت القوانين توضع للحاجة ولحماية طبقات الناس وحقوقهم وأمنهم فإن وضع تشريع لمنع انتقال أراضي العرب لليهود هو أشد ما تتطلبه الحاجة إلى حماية الشعب العربي برمته من الاكتساح والتهديم هذا الشعب الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه أمام قوى اليهود المالية الهائلة وفي ظروف وصل فيها صاحب الأرض العربي إلى أدنى دركات الفقر والبؤس والباهظ من الديون والضرائب. وما لم يوضع هذا التشريع تبقى مشكلة الأراضي في تعقيدها وخطرها ويبقى اليهود ممعنين في اكتساح أراضي العرب وتحطيم بنيانهم. وليس في هذا إلا العار والظلم يسجلهما التاريخ على السلطات الإنجليزية في سبيل إرضاء المطامع اليهودية وإشباع شهواتها.

مسألة الهجرة اليهودية الخطيرة:

        8 – قد أشار المندوب السامي في بيانه إلى عدد المهاجرين الذين سمح بدخولهم. في الستة الأشهر الأخيرة وهو 3000 رجل و1500 امرأة وقال إنه سمح بهذا العدد بناء على الحالة الاقتصادية المرضية في البلاد. ولا يسع الحزب إلا أن يقابل هذا القول بالدهشة الشديدة. إذا أنه يرى تناقضا عجيبا. فبينما يشكو المندوب السامي في مكان آخر من خطابه من الأزمة المالية وفقر الأهالي وبؤسهم يقول هنا إن الحالة الاقتصادية مرضية. فإذا كان يعنى بهذه الحالة الاقتصادية المرضية حالة اليهود. العالمية فإن هذه الحالة لا يصح أن تكون مقياسا قط. لسنا ندري ما هي الأساليب التي سارت عليها السلطات على حذر في السماح للمهاجرين الجدد وأن تتأكد في أول الأمر عدم وجود عمال عاطلين من العرب واليهود على السواء. ونظرة واحدة إلى القرى والمدن العربية تكفي لمعرفة العدد الكبير العاطل من العرب الذين يتضورون جوعا والذين لا يجدون عملا يقتاتون منه. ثم نظرة ثانية إلى ما يقع من حين لآخر من مزاحمات ومشاجرات بين عمال اليهود وعمال العرب على العمل ومن مطالبة نقابات عمال اليهود من السلطات الإنجليزية تهيئة عمل لعمالها العاطلين تكفي للمعرفة أن في البلاد عمالا كثيرين عاطلين عن العمل عربا ويهودا فسماح المندوب السامي والحالة هذه بمثل هذا العدد العظيم في مدى ستة أشهر لا يمكن أن يفسر إلا بأن الدوائر التي تقدر ظروف العمل والحاجة إلى عمال يهود لا تجري في أعمالها على ما تتحمله حالة البلاد الاقتصادية وإنما تجري على رغبة الدوائر اليهودية التي ترغب دائما وبإلحاح عنيف في فتح باب البلاد على مصراعيه لمهاجرة ضخمة تغرق البلاد بقطع النظر عما تؤدي إليه من أضرار ومزاحمات اقتصادية وويلات أيضا. ومن حق العرب الذين يعتبرون مسألة الهجرة كمسألة الأراضي من الأخطار التي تهدد كيانهم القومي والاقتصادي أن يعتقدوا بحق أن السلطات الإنجليزية القائمة في البلاد هي راضخة في مسألة الهجرة لشهوات اليهود ورغباتهم وأنها لا تعبأ ولا تهتم لحماية كيان العرب ومصالحهم.

Scroll to Top