ما كتبه هرتزل فى مذكراته عن مقابلته للسلطان عبد الحميد الثانى
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 129 – 131”
ما كتبه هرتزل فى مذكراته
عن مقابلته للسلطان عبد الحميد الثانى
18 /5 /1901
قلت له بواسطة إبراهيم أنى اكرس نفسى لخدمته لأنه يحسن الى اليهود. واليهود في العالم كله مدينون له بذلك. وأنى بشكل خاص مستعد لتأدية أية خدمة له وخاصة الخدمات الكبيرة (يوجد كثيرون لأداء الخدمات الصغيرة) وأكدت له اني لا أنوى نشر أى شىء عن اجتماعنا الحاضر. بامكانه أن يتحدث الى بثقة مطلقة. فشكرنى وقال إنى دائما صديق لليهود والواقع أنى لا أعتمد الا على المسلمين واليهود لا أثق الثقة نفسها برعاياى الآخرين.
فرثيت المظالم التى نعانيها فى العالم وقال إنه حافظ دائما على إبقاء إمبراطوريته مفتوحة أمام اللاجئين اليهود كملجأ لهم.
قلت عندما ابلغنى الاستاذ فامبرى بأن جلالته سيتفضل باستقبالى أخذت افكر بقصة اندروكليس والأسد القديمة الجميلة. فجلالتكم هو الأسد ولعلنى أنا اندروكليس وربما كانت هناك شوكة يجب سحبها .. الشوكة هى الدين العام. اذا أمكن ازالتها تمكنت تركيا من استعادة نشاطها وحيويتها.
فتنهد وابتسم وهو يتنهد وترجمه إبراهيم: منذ أن بدأ عهد جلالته المجيد وجلالته يسعى عبثا لازالة هذه الشوكة التى غرزت فى عهد اسلافه العظام والتى يبدو أن من المستحيل الخلاص منها ولا أحسن من أن أسهم أنا فى المساعدة إن أمكن.
قلت حسنا إذن اظن أنى أستطيع الاسهام لكن الضرورة الأولى هى السرية المطلقة.
رفع السيد عينيه إلى السماء ووضع يده على صدره وأخذ يتمتم انه سر.. انه سر.
قلت إن الحاحى هو لأن الدول التى تريد اضعاف تركيا سوف تسعى جهدها لمنع استعادتها نشاطها. ولذلك ستسلك كل سبيل لمنع هذه العملية وقلت أنى أريد تنفيذ العملية بواسطة اصدقائى فى كل دور البورصة فى أوروبة شرط موافقة جلالته. غير أنه لما يحين الوقت يجب أن تأخذ الموافقة شكلا خاصا فى مصادقة اليهود ويجب اعلانها فى شكل مناسب.
ترجم إبراهيم كلمات سيده بوجه حبور: لجلالته جوهرى يهودى. قد يقول له شيئا مناسبا لليهود ويأمره بأن ينشره فى الصحف. ولجلالته أيضا حاخام أكبر
ما كتبه هرتزل فى مذكراته عن مقابلته للسلطان عبد الحميد الثانى
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى علم 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 129 – 131”
لليهود، حاخام باشى. قد يقول له أيضا شيئا مماثلا، فاعترضت على ذلك، تذكرت أن الدكتور ماركس أخبرنى مرة أن حاخام باشى بصق مرة لدى ذكر اسمى. فقلت “كلا لن يخدم ذلك مقاصدنا. لن تذاع على العالم بشكل يخدمنا. سأسمح لنفسى فيما بعد بأن أشير على جلالته اللحظة التى نستطيع فيها الافادة منها. أريد أن أعبىء مشاعر اليهود الايجابية للعمل في سبيل الامبراطورية التركية لذلك يجب أن يكون للاعلان صفة الأمر. أما الكلام مع حاخام باشى فيبقى فى تركيا لوحدها فقط .. كل ماتحتاجه هذه البلاد الجميلة هو المهارة الصناعية لشعبنا يغتني الأوروبيون الذين يأتون عادة إلى هنا بسرعة ثم يخرجون بسرعة بغنائمهم للوسيط حق الربح الأمين بالطبع لكن عليه أن يبقى بعد ذاك فى البلاد حيث جمع ثروته.
هز السيد برأسه موافقا وقال لإبراهيم ما أعاده على فرحا: لا يزال يوجد فى بلادنا ثروات غير مستثمرة. اليوم فقط تلقى جلالته برقية من بغداد باكتشاف حقول نفط فيها أغنى من حقول نفط القوقاز. واذا كنت سأبقى هنا مدة كافية فان جلالته يود أن ألقى نظرة على المناطق التى تمتد فيها سكة حديد الاناضول فالأرض على جانبى السكة مثل جنة. وهناك أيضا حديد خام ومناجم ذهب وفضة كان الذهب فى عهد أسلاف جلالته العظام يستخرج ويسبك فى سبائك ويصاغ في عملة وبهذه الطريقة كانوا يدفعون للجنود رواتبهم.
والواقع أنى لاحظت أن السيد حينما كان يتفوه بكلماته الأخيرة كان يقيس فى الهواء الى مسافة معينة بكلتى يديه. والظاهر أنه قصد بها احجام قضبان الذهب الصغيرة.
ثم حصل شىء مفاجىء طلب منى السيد بواسطة إبراهيم أن أوصى له ماليا ما يقدر أن ينشىء موارد جديدة للبلاد: مثلا ضرائب غير باهظة جدا من نوع ضرائب الكبريت. هذا البرهان على ثقته فى أرضى غرورى. لكنى قلت أن الأمر ينطوى على مسئولية كبيرة على لأنى لمهمة من هذا النوع لا أستطيع أن أذكر الا من أثق بكفاءاته وأخلاقه. لكنى قلت أنى أفضل أن انظر فى المسألة وأن أعلم جلالة السلطان بمجرد أن أعثر على الرجل المناسب. وبالمناسبة فكرت بأن الرجل يجب أن يدرس الوضع الاقتصادى فى السر فقط ويقدم نتائجه الى وعلى أساس هذه المعلومات استطيع أن أصوغ برنامجى للاصلاح الاقتصادى، لكن السيد كان له رأى آخر أنه يفضل أن يعطي الرجل مركزا رسميا لأن ذلك يثير انتباها أقل. يجب الحاقه بوزارة المال كمدير عام ويقدم لك التقارير الدورية فاعترفت بسلامة هذه الفكرة وسألت كيف سأرسل رسائلى إلى جلالته – هل احتاج إلى علامة أو ختم خاص لذلك؟
قال جلالته بواسطة إبراهيم أن ختمى يكفى أن الرسائل التى تحمل ختمى سوف تسلم رأسا الى جلالته بواسطة تحسين بك.
ثم انتقل السيد الى مشروع تصفية الدين العام المعلق وقد شرح لى المشروع. تألفت التصفية من عقد دين جديد بدل القديم مما يوفر مليونا ونصف المليون جنيه لمواجهة عجز السنة الماضية.
ماذا؟ هذه الكمية فقط؟ وأبديت دهشة حزينة وكذلك فعل السيد ورجوته أن أعلم كل شىء عن مشروع التصفية لأحكم ما اذا كان يجب المضى فيه. فقد تكون
(تابع) ما كتبه هرتزل في مذكراته عن مقابلته للسلطان عبد الحميد الثانى
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 129 – 131”
التصفية جيدة وقد لا تكون. على أول أن أعرف تفاصيل الخطة. فأمر جلالته بتلبية طلبى. سيعهد الى أحدهم باعطائى المعلومات اللازمة.
واستأنفنا الحديث من موضوع الى آخر. وقد أثرت اهتمامه. وعرضت عليه برنامجا للمستقبل بخطوطه العريضة حول كل ما يمكن فعله في هذه المدينة الرائعه وفي الامبراطورية وحتى أحصل لهما على أوسمة ذكرت رفيقى ولفسون ومرمورك اللذين يمكن الافادة منهما: يمكن انشاء مصادر جديدة للدخل كاحتكار للقوى الكهربائية مثلا. فأخبرنى جلالته بواسطة إبراهيم أنه يوجد فى القصر مولد كهربائى وأن جلالته مسرور من النور الكهربائى فهو أفضل من الأنواع الأخرى من النور.
ثم تحدثت عن امكانات تحسينات أخري في المدينة مثلا جسر جديد لاسطنبول مرتفع لدرجة تمر تحته أكبر السفن إلى ميناء القرن الذهبى (وهى فكرة مرمورك) الا أن جلالته رجانى أن أصرف النظر عن هذه المشاريع حاليا وأن أشغل نفسى أولا بازالة الدين العام.
وكنت قد استنفذت قواى لابد أن المحادثة امتدت أكثر من ساعتين لقد حكت الخيوط كما شئت وتأكدت أنه يود أن يسمع تفاصيل أخرى منى لذلك جعلت الحديث يسترخى. والسيد أيضا لم يعد يجد شيئا يتحدث عنه وبعد لحظة صمت وقف وأعطانى يده. وردد: أنه سر .. سر ..
بعد ذلك طلبت تصريحا لصالح اليهود أعين موعده فيما بعد. (وكنت أفكر بالمؤتمر). وأخيرا طلبت عرضا مفصلا للوضع الاقتصادى ولمشروع التصفية. فوعدنى بذلك كله.