مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية بشأن مسألة تهويد القدس

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية بشأن مسألة تهويد القدس
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 633- 635 “

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين الى الدول العربية،
بشأن مسألة تهويد القدس.

بيروت،22 / 7 / 1971

 

( فلسطين، العدد125، بيروت،
آب – اغسطس- 1971، ص 13 )

         ان الهيئة العربية العليا لفلسطين، شعورا منها بتفاقم اخطار التهويد والتدويل على مدينة القدس، تقدم الى الحكومات العربية الموقرة المذكرة التالية راجية ان تلقى منها ما يستحقه موضوعها من العناية والاهتمام: ان مدينة القدس يتجاذبها تياران: الاول تيار التهويد والثاني تيار التدويل.

         1 – تهويد القدس: لقد شرع اليهود منذ احتلالهم القدس عام 1967 في تنفيذ مخطط رهيب اعدوه من قبل فأعلنوا ضمها الى ” اسرائيل” واخذو يتصرفون فيها تصرف المالك المطلق في ملكه ويعملون على تهويدها تهويدا كاملا في اسرع وقت ممكن لوضع العرب والمسلمين والعالم اجمع امام الامر الواقع، فعمدوا الى تشريد سكان المدينة العرب، وهدم المنازل والمساجد والمدارس، ومصادرة الاراضي والممتلكات العربية بحجة التنقيب عن الاثار اليهودية، واقامة الساحات والمتنزهات العامة، وشرعوا في انشاء احياء سكنية جديدة على الاراضي العربية المصادرة على شكل اطواق ثلاثة تحيط بالحرم الشريف وبالمدينة القديمة وبالقدس على نطاق اشمل لسيطرتهم عليها عن طريق تطويقها وعزلها عن سائر الاراضي والمدن في الضفة الغربية. وقد تناولت عملية التهويد المقدسات والآثار العربية والاسلامية لقطع كل صلة تاريخية او حضارية أو دينية للقدس بالعرب والمسلمين. ( نرفق بطيه خريطتين توضحان عملية تطويق القدس ومصادرة العقارات وهدم احياء بكاملها ).

         2 – تدويل القدس: نظرا الى مطالبة بعض الجهات الاجنبية بتدويل القدس كحل بديل عن تهويدها، اعتقادا منها ان ذلك أدعى الى المحافظة على الاماكن المقدسة، فان الهيئة العربية تسترعي نظر الدول العربية الموقرة الى الحقائق التالية:
         أ – ان المطالبة بالتدويل هي تسليم بالامر الواقع الناشئ عن احتلال اليهود للقدس وشروعهم في تحويلها الى مدينة يهودية صرفة. واليهود يحاولون استدراج المسلمين والمسيحيين للمطالبة بتدويل المدينة القديمة داخل السور في حين انهم ( اي اليهود ) يتظاهرون برفض هذا الشكل من التدويل مخادعة منهم للمطالبين بالتدويل .

         والحقيقة ان الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية لا تنحصر في القدس القديمة كما يحاول اليهود ان يوهموا العالم بل هي منتشرة في كثير من أنحاء مدينة القدس القديمة والجديدة بل وفي سائر فلسطين بوجه عام.

         ب – ان كل محاولة لحفظ سلامة الاماكن المقدسة في ظل أكثرية يهودية طاغية تحيط بالاماكن المقدسة من جميع الجهات هي محاولة فاشلة لا تخدم سوى الاهداف اليهودية، وهي في أفضل الحالات، تكون قاصرة على تحويل الاماكن المقدسة الى متاحف وأماكن اثرية تفقد قيمتها الدينية والروحية وارتباط اصحابها بها، ان لم تعد القدس الى وضعها الاصلى السابق للعدوان حين كانت الاكثرية العربية الاسلامية والمسيحية ترعى المدينة المقدسة بنزاهة وعدل طوال اربعة عشر قرنا اثبتت خلالها قدرتها على ضمان حرية الوصول الى الاماكن المقدسة وحرية العبادة فيها وفق نظام الحالة الراهنة ( ستاتوكو ).

         جـ – ليس لليهود في القدس أية أماكن مقدسة، وان ما يدعونه من حق لهم في الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف ( الذي يشتمل على المسجد الأقصى ومسجد الصخرة المشرف ) المعروف بالبراق والذي يسميه اليهود حائط المبكى ويدعون كذبا أنه من بقايا جدار الهيكل إنما هو ادعاء منقوص تاريخيا وقانونيا. إذ أن الاسناد التاريخية تؤكد ان الهيكل دمر تدميرا كاملا ولم يبق منه حجر على حجر منذ حوالي عشرين قرنا. وقد أثبت تقرير لجنة البراق الدولية عام 1930 بعد التحقيق الذي اجرته في قضية البراق والثورة الناجمة عنها، ان المكان المذكور هو جزء من الحرم القدسي ومن املاك الوقف الاسلامي. وليس اضفاء اليهود صفة القداسة على حائط المبكى سوى بدعة ابتدعها زعماء الحركة الصهيونية العدوانية لجمع اليهود في فلسطين من انحاء العالم حول

<1>

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية بشأن مسألة تهويد القدس
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 633- 635 “

هذا الحائط طمعا في إزالة المسجد الاقصى المبارك بأية وسيلة واقامة هيكل يهودي على انقاضه.

         ولما كانت المقدسات القائمة فعلا في القدس هي مقدسات اسلامية ومسيحية، بالنظر الى انتقاء وجود اي خلاف بين المسلمين والمسيحيين عليها فان هذه الحقيقة تنفي الحاجة الى التدويل نفيا قاطعا وتؤكد ان فكرة التدويل ناجمة عن الوجود اليهودي الطارئ في المدينة وهو، ادعاء اليهود الباطل لانفسهم بمقدسات وهمية.

         والهيئة العربية العليا لفلسطين اذ ترجو الدول العربية الموقرة، الحريصة على سلامة قضية فلسطين، دعم الشعب الفلسطيني في اصراره على انقاذ القدس وفي رفضه تهويدها او تدويلها مستندا في ذلك الى حقوقه الشرعية في ملكيته للمدينة، والى حقه في وطنه وصيانة كيانه ووحدة أراضيه، يهمها ان تسترعي النظر الى الاسس التالية:
         1 – ان القدس جزء لا يتجزأ من فلسطين وان سلامتها وعروبتها لا تجيز فصل قضيتها عن قضية فلسطين الاساسية ولا استثناء القدس من انسحاب القوات اليهودية المعتدية من الاراضي المحتلة.

         2 – لقد صدرت عدة قرارات عن الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ومنظمة اليونسكو اعتبرت جميع الاجراءات التي اتخذتها السلطات اليهودية لتبديل معالم القدس باطلة وطالبتها بالغائها فورا وبعدم القيام بأية أعمال اخرى تؤدي الى تغيير وضع القدس. ونظرا لعدم تنفيذ هذه القرارات فان الهيئة العربية تحض الدول العربية على التشدد في المطالبة بتنفيذها وعدم الاكتفاء بوضع حد للاجراءات اليهودية بل بالغاء جميع ما اتخذه اليهود من تدابير منذ حزيران ( يونيو ) 1967 بدلت من معالم المدينة.

         3 – ان موقع القدس الجغرافي والاستراتيجي العظيم الاهمية بالنسبة للضفة الغربية خاصة ولفلسطين عامة يجعل من تدويلها عملية خطيرة لا تستهدف انتزاعها نهائيا وحسب من اصحابها العرب بل ترمي الى السيطرة على سائر الضفة الغربية.

         وختاما فان الهيئة العربية ترجو من الدول العربية الموقرة معارضة اي حل لقضية القدس على حساب اصحابها العرب من مسلمين ومسيحيين من شأنه ان يؤدي الى تغيير معالمها التاريخية العربية الاصيلة، وان لا تدخر وسعا في سبيل صيانتها في حاضرها ومستقبلها والمحافظة على المقدسات والقيم الاسلامية والمسيحية فيها، وعلى ما لها من مكانة دينية عظمى ومنزلة تاريخية ممتازة في العالمين الاسلامي والمسيحي.


<2>

Scroll to Top