مذكرة روحي الخطيب أمين القدس إلى اللجنة الخاصة للتحقيق في المخالفات الإسرائيلية ضد حقوق الإنسان في المناطق المحتلة

مذكرة روحي الخطيب، أمين القدس، إلى اللجنة الخاصة للتحقيق في المخالفات الإسرائيلية في المناطق المحتلة
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 578- 580”

مذكرة السيد روحي الخطيب، امين القدس، الى اللجنة
الخاصة للتحقيق في المخالفات الاسرائيلية ضد حقوق
الانسان في المناطق المحتلة.

عمان،8 / 7 / 1971

 

( محفوظات مؤسسة
الدراسات الفلسطينية )

        حضرة الرئيس،
       حضرات الاعضاء،
       1 – أرحب بكم ثانية، وأشكر للسيد الرئيس، ولاعضاء لجنتكم الكرام، ولكل عضو في فريقكم المحترم، عملكم وجهودكم الشاقة وتقريركم النبيل.

       2 – بما اني ما زلت امين القدس المبعد، وأحد المدنيين ضحايا السلطات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة، انتهز فرصة زيارتكم الثانية للتحقيق لأعرض عليكم وعلى لجنتكم مجموعة اخرى من الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان في القدس. واني لأؤكد هذا البيان ضمن شروط مهمتكم وأقصره على الانتهاكات التي ارتكبت بعد الفترة التي تلت مذكرتي الأولى حتى نهاية حزيران ( يونيو )، بين 16 / 4 / 1970 و 30 / 6 / 1971. وتشمل تلك الانتهاكات ما يلي:

1 – طرد العرب من القدس

         أذاع راديو إسرائيل في 17 / 5 / 1971 بيانا، قيل أنه صدر عن أمين القدس المحتلة، يعلن فيه ان اكثر من 4000 عربي طردوا من بيوتهم في القدس منذ 1967. وقد ذكرت مصادر عربية في القدس ان نحو 70% من هؤلاء الضحايا طردوا من بيوتهم في السنة الماضية، ومن بينهم اخر مجموعة طردت من قرية النبي صموئيل في ضواحي القدس الشمالية، وعددهم اكثر من مائتين. كان هؤلاء اخر ضحايا الجنرال دايان الذي امر في 22 اذار ( مارس ) 1971 بهدم بيوتهم التي يبلغ عددها 52 بيتا. وقد اعترفت ” هآرتس” في 21 / 6 / 1971 بنسف 46 بيتا فقط ولم تذكر عدد المطرودين.

2 – مصادرة اراض عربية اخرى في القدس

        اصدر السيد بنحاس سابير، وزير المال الاسرائيلي، امرا جديدا بمصادرة اراض عربية في القدس وحولها، وقد نشر هذا الامر في العدد رقم 1656 من الجريدة الرسمية الاسرائيلية المؤرخ 30 آب ( اغسطس ) 1970. اما مجموع مساحة الاراضي الجديدة المصادرة فهو، بناء على هذا الامر، 11680 دونما او ما يعادل 2920 فدانا. تخص هذه الاراضي اكثر من 10000 عربي في سبع قرى حول القدس، يعتمدون بصورة رئيسية في معيشتهم على دخل مستمد اما من العمل في اشجار في هذه المساحات، او فلاحة قسم من اراضيهم، او بوجود بيوت سكناهم في بعض اقسامها الأخرى. لقد تأثر هؤلاء بصورة مباشرة، وهم عرضة لمعاناة الطرد أو التشتيت كما حدث لسكان قرية النبي صموئيل احدى القرى الضحية التي هدمت في 22 آذار ( مارس ) 1971.

3 – مزيد من التهديد للسكان العرب من متابعة الحفريات الاثرية الاسرائيلية غير الشرعية حول اسوار المسجد الاقصى

        ذكرت مصادر عربية موثوقة من القدس في الاسبوع الماضي ان ” مدرسة جامع عثماني ” القريبة من سور الحرم الشريف الغربي في القدس، والمجاورة لدار الفتياني، وهي عائلة عربية قديمة في القدس، قد تصدعت نتيجة الحفريات التي أجراها تحتها فريق إسرائيلي غير قانوني تابع لوزارة الأديان الاسرائيلية. لقد شملت الحفريات حتى الآن الطابق الارضي في عشرين بناية عربية كبيرة، دينية وثقافية وسكنية، يسكنها لا اقل من 300 شخص، ومتصلة بثمانين بناية اخرى يسكنها اكثرمن 700 شخص اخرين. كل هذه البنايات مهددة بالنسف، وسكانها معرضون للمصير نفسه الذي تعرض له 4000 عربي مطرودين، كما صرح بذلك امين القدس المحتلة. ان هذه الاعمال تحد لقرار الاونيسكو المؤرخ 10 تشرين

<1>

مذكرة روحي الخطيب، أمين القدس، إلى اللجنة الخاصة للتحقيق في المخالفات الإسرائيلية في المناطق المحتلة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 578 – 580 “

الاول ( اكتوبر ) 1969.

4 – حقوق الانسان العربي يهددها مشروع القدس النموذجي الجديد

         وضع فريق اسرائيلي يضم وزارة الداخلية، ووزارة الاسكان، وامانة القدس المحتلة، مشروعا نموذجيا جديدا للقدس، اعلنه امين القدس المحتلة في كانون الاول ( ديسمبر ) 1970 وذلك لتوسيع مساحة المدينة الحالية ثمانية اضعاف، واضافة ثلاث بلدان عربية وثلاث وعشرين قرية عربية اضافية مع اكثر من مائة الف من السكان العرب. وسيدمج كل السكان الذين في هذه المنطقة، واملاكهم ضمنها، في القدس الكبيرة تحت سيادة دولة اسرائيل وضد ارادتهم. انتقد المشروع بشدة على اساس آراء في التخطيط الفني، اما حقوق الانسان لمائة الف عربي يعيشون في المنطقة فلم يعالجها حتى الآن اي مصدر اسرائيلي او غير اسرائيلي.

5 – السكن الاسرائيلي والمشاريع الصناعية في الارض العربية المصادرة تؤدي الى هجرة عربية واسعة من القدس

         كشف السيد زئيف شيريف، وزير الاسكان الاسرائيلي، متبجحا في مؤتمر صحافي عقد في القدس في 15 شباط ( فبراير ) 1971 قسما من سياسة حكومته الخاصة بدمج اليهود في القدس وحولها. اعلن ان اربع مستوطنات اسرائيلية جديدة ستقام ممتدة فوق سفوح الجبال المصادرة من العرب في القدس وحولها. واضاف ان اكثر من 35000 وحدة بناء سيتم انشاؤها في هذه المستوطنات خلال خمس سنوات تبدأ في 1971، وذلك لايواء نحو 122000 مستوطن يهودي جديد. وعلاوة على ذلك ذكرت ” هآرتس “، الصحيفة الاسرائيلية اليومية، في عدد 9 اذار ( مارس ) 1971 ان الجامعة العبرية في القدس تخطط لمشروعي بناء كبيرين على جبل الزيتون، الاول لمبان تضم 13500 طالب، والثاني لمبان تضم 18000 طالب آخرين، وسيتم المشروعان كما ذكرت الصحيفة في نهاية 1980.

         وذكرت ” هآرتس ” أيضا في عدد 6 تموز ( يوليو ) 1970 ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي تخطط لبناء 13 فندقا جديدا في القدس تضم 4200 غرفة قبل نهاية 1975، وستقام سبعة من هذه الفنادق على اراض عربية مصادرة. كذلك ذكرت “هآرتس ” في عدد 19 شباط ( فبراير ) 1971 ان 30 مشروعا صناعيا اسرائيليا جديدا ستقام على اراض عربية مصادرة قرب مطار القدس، وان المنطقة مخططة لاستيعاب 100 مشروع صناعي يهودي جديد.

         ليست هذه سوى بعض مشاريع الاستعمار الاسرائيلي التي اعلنت منذ زيارتكم الاولى في السنة الماضية. وكلها تؤيد بيان السيد شيريف في 15 شباط ( فبراير ) 1971 في القدس الذي يؤكد اهداف اسرائيل السياسية المتعلقة ” بتوطين مهاجرين جدد باسرع ما يمكن لابقاء القدس ( مدينة يهودية ) “.

         حضرة الرئيس،
         أهناك بيان بسياسة اوضح من ذلك ؟ هذه ليست غزوة عادية، بل ذات طبيعة مختلفة جدا. ليست مقصورة على اخضاع السكان المحتلين وحدهم، بل ابعد من ذلك. انها تهدف الى سلب الاراضي من اصحابها الاصليين بالقوة وباجراءات مختلفة غير شرعية وادعاءات زائفة. ان هذه الاراضي جزء من تراثنا ووطننا. ثم انها تهدف الى اخلاء هذه الاراض من اصحابها وشاغليها التعساء وجميعهم في “غيتو” عربي كما حدث في يافا وعكا وحيفا والناصرة وفي البلدان والمناطق العربية الاخرى التي احتلت في 1948. واخيرا، بجولات اخرى من الضغوط والادعاءات العرضية الزائفة، سيجبر العرب الباقون على هجرة جماعية ثالثة كما حدث خلال حربي 1948 و1967 وبعدهما. فهل راعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي حقوق الانسان في مثل هذه الظروف وهذا الاحتلال؟

6 – تحدي التعويضات الجديدة

         اعلن السيد شابيرا، وزير العدل الاسرائيلي، في الاسبوع الماضي ما يدعى سياسة اسرائيل لتعويض عرب القدس من املاكهم التي صودرت بعد حرب 1948. وكانت الحكومة نفسها قد اصدرت في 1968 قانونا ليطبق على عرب القدس دعي ” قانون ونظام الادارة، 1968″ نص البند الخامس منه على ان الاملاك غير المنقولة التي يملكها يهود، وكانت الحكومة الاردنية تديرها بين 1948 و1967، ستعاد الى اصحابها الاصليين او الى ورثتهم. ومن ناحية اخرى لا يعيد القانون نفسه الى عرب القدس الاملاك التي صودرت بموجب قانون الغائبين الاسرائيلي الذي صدر في 1950.

         اي فرق وتمييز عنصري هذا! ان كلا من القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة يفرض التزامات دقيقة ومحدودة على السلطات الاسرائيلية العسكرية المحتلة فيما يتعلق بجلاء وعودة اللاجئين الفلسطينيين، واعادة املاكهم، ودفع تعويض اذا اختاروا بديلا من العودة واعادة الاملاك. قرار الجمعية العامة رقم 194 (III) في 11 كانون الاول ( ديسمبر ) 1948.

         ان حق اللاجئين في العودة الى بيوتهم والعيش في وطن اجدادهم حق طبيعي شرعي ثابت واساسي من حقوق الانسان. ان اعلان حقوق الانسان العالمي ( 1948 ) ينص على ان لكل انسان الحق في العودة إلى بلده.

<2>

مذكرة روحي الخطيب، أمين القدس، إلى اللجنة الخاصة للتحقيق في المخالفات الإسرائيلية في المناطق المحتلة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 578- 580 “

          ان سياسة التعويض الاسرائيلية الجديدة المشار إليها سابقا في خطابي تنكر حقوق الانسان على عرب القدس في العودة إلى بيوتهم. اكثرمن مائة الف عربي تأثروا بهذا العمل غير القانوني وغير الانساني. يضاف إلى هذا أنه يشكل اسخف تناقض: من جهة ادعى الاسرائيليون الحق في العودة الى أرض اجدادهم المزعومين قبل الفي سنة، ومن جهة اخرى انكروا على اللاجئين من عرب القدس – الذين هم قسم من اللاجئين العرب الفلسطينيين- حقهم الطبيعي في العودة الى بيوتهم.

          ان ما يصر عليه عرب القدس هو حق الانسان في العودة، وما يتلوه من حق في اعادة املاكهم، والحق النهائي في تقرير المصير، وان هذه الحقوق هي ما سيناضلون لتحقيقه مع اخوانهم اللاجئين الفلسطينيين العرب.

          ان مسألة التعويض وسيلة شريرة خططتها سلطات الاحتلال العسكري الاسرائيلي لا لتصفية عرب القدس فقط بل ايضا الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية باسرهما.

          سيكون التعويض مقصورا على نحو ثلث السكان الاصليين، اي اولئك الذين لا يزالون يعيشون في القدس، ولا ينطبق على الذين طردوا من بيوتهم او الذين كانوا لسبب ما غائبين عن القدس في الوقت الذي احتلت فيه اقسام رئيسية من القدس في 1948. كذلك لا ينطبق على الذين اجبروا على الرحيل خلال حرب 1967، او الذين كانوا غائبين في زيارات موقتة او لقضاء اعمال خاصة او رسمية. كل هذه الاصناف من السكان اعتبرتها القوانين اليهودية متغيبة وممنوعة من العودة الى بيوتها او استعادة املاكها او حتى التعويض منها. ان هؤلاء الغائبين الذين يعدون اكثر من مائة الف شخص هم بموجب قانون التعويض الاسرائيلي الجديد مستثنون من نعمه. ويضع القانون ايضا مبادئ معينة قبل موافقة البرلمان الاسرائيلي عليه. ان التعويض، كما اظهر السيد شابيرا في مؤتمره الصحافي الذي عقده في القدس في 29 / 6 / 1971، سيقوم على اساس تقويم هذه الاملاك في 1948 مع اضافة 25% تدفع للمالكين العرب فقط اقساطا سنوية خلال عشرين سنة اعتبارا من تاريخ تنفيذ القانون.

          ليس موضوع خطابي التعليق على مثل تلك المبادئ، لان الاهم هو لفت نظر لجنتكم المحترمة الى النتائج السياسية الخطيرة التي قد تنشأ عن هذا القانون غيرالصحيح وغير الانساني اذا ما ووفق عليه ونفذ، والتي تضم ما يلي:
          1 – يضع عرب القدس الباقين تحت اكراه مستمر لبيع املاكهم المصادرة بعد 1948 لاسرائيل بموجب ما يدعى ” معاملة قانونية”.

          2 – يؤدي فيما بعد الى نشوء تفسير امام الدوائر الدولية والرأي العالمي بأن عرب القدس باعوا املاكهم باختيارهم لاسرائيل او للمواطنين الاسرائيليين.

          3 – هذه المراحل السابقة قد توسعها سلطات الاحتلال الاسرائيلي وتعرضها بصورة ماكرة لتدعم وتقوي ادعاءها ضم القدس، ثم تبعا لذلك ادعاءها بأن القدس عاصمتها.

          4 – يمحو حقوق عرب القدس في العودة واستعادة املاكهم.

          5 – سيعتبر سابقة لتطبيق المبادئ نفسها على باقي المناطق المحتلة.

          6 – يقضي على سكان القدس العرب، وفيما بعد على باقي سكان فلسطين العرب في المناطق المحتلة، بالعيش في ” غيتو” عربي.

          7 – واخيرا يصفي عرب القدس، وشعب فلسطين، والقضية الفلسطينية.

          حضرة الرئيس،
          ليست هذه سوى بعض الأمثلة للانتهاكات الجماعية لحقوق الانسان الخاصة بعرب فلسطين في القدس المحتلة، ترتكبها سلطات الاحتلال الاسرائيلي بصورة متواصلة، يوما بعد آخر، بالقوة والتصميم. ان استمرار مثل هذه الاجراءات غير الانسانية دون أن تتحداها الامم المتحدة وتوقفها سيؤدي الى مأساة نهائية لعرب المدينة، ولاخوانهم العرب في المنطقة، وللشعب الفلسطيني ككل. ان الوضع يزداد غموضا، وقد آن للرأي العالمي ان يفهم ما يجري في الارض المقدسة وفي مدينة القدس المقدسة.

          حضرة الرئيس،
          هذه مهمة عظيمة عهد بها اليكم، والى اعضاء لجنتكم الكرام، والى فريقكم المحترم. ان شعبي الذي رحب بجهودكم وجرأتكم في جولتكم الاولى وقدرها كثيرا ليدعو لكم ويبارككم في جولتكم الثانية. شكرا.


<3>

Scroll to Top