منشور حزب الاستقلال العربي سنة 1932
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 549 – 550”
منشور حزب الاستقلال العربي
سنة 1932
نداء إلى كل عربي كريم وكل هيئة عربية وكل صحيفة عربية في أنحاء الأرض.
يبعث حزب الاستقلال العربي في فلسطين نداءه هذا وحالة العرب في فلسطين قد انتهت إلى ما تهلع له القلوب وتضطرب النفوس وتهتز المشاعر إذ أخذ المستقبل المشئوم يبدو كالحا مظلما، والخطر الملاشي لكيان العرب يتجسم يوما فيوما، ويحدق بهم إحداقا مفزعا، منبعثا من ناحيتين كبيرتين هما ناحية بيع الأراضي والهجرة اليهودية خاصة وناحية الحكم الاستعماري المباشر عامة. وكلتا الناحيتين تؤديان إلى تلاشي العرب وانهيار بنيانهم القومي وانسلاخهم عن أرض آبائهم وأجدادهم بفعل السياسة البريطانية الصهيونية.
ومشكلة الأرض بلغت حدها الأكبر من الخطر إذ نشط اليهود في المدة الأخيرة لابتياع الأراضي نشاطا عظيما وهي الأراضي العربية القليلة التي بقيت بأيدي العرب والتي إذا تسنى لليهود ابتياعها، وأكثرها واقع في السهول الساحلية ذات القيمة الزراعية الجيدة، أصبح اليهود يملكون معظم الجهات الساحلية الخصبة في البلاد سلسلة متصلة الحلقات. وظاهر ما في هذا من خطر ينذر البلاد بسوء المصير. يضاف إلى هذا الخطر الآخر الذي – يماشيه جنبا إلى جنب – وهو الهجرة الصهيونية وإغراق فلسطين بسيل عرم من المهاجرين اليهود يدخلون بجوازات سفر وبطرق غير مشروعة كل هذا نتيجة استقتال اليهود لبناء المملكة اليهودية في فلسطين على أنقاض الكيان العربي المتداعي إلى السقوط والانهدام.
ولقد أصبح أكثر من ستة وثمانين عائلة عربية لا أرض لها وبدون مأوى ولا كسب، وثبت هذا بشهادات التقارير الرسمية التي وضعها الخبراء الانجليز الذين كلفوا درس الحالة درسا دقيقا. وكانت النتيجة الواقعة حتى اليوم إن انتقلت أجود الأراضي إلى اليهود وانزوى العرب في المناطق الجبلية القاحلة وباتت فلسطين تشهد كل يوم مآسي انهدام كيانها بذهاب قرية بعد أخرى والأراضي قطعة بعد قطعة، وتشرد المزارعين وهيامهم على وجوههم إلى حيث الفناء والدمار، هم وعيالهم وأولادهم.
يجري كل هذا جريا مطرد سنة فسنة والسلطات الانجليزية في فلسطين ممعنة في حكم البلاد حكما استعماريا مباشرا، ثقيل الوطأة مسلحا بأقصى ما عرفه البشر من ضروب التقنين والتشريع والأنظمة، مما تدأب السلطات البريطانية في وضعه وتكبيل البلاد به وتمهيدها لإنشاء الوطن القومي اليهودي، وقد بلغت الحال خلال الخمس عشرة سنة السابقة من الويل والإرهاب مبلغا يعز وصفه ويصعب تصويره، فأصبح
(تابع) منشور حزب الاستقلال العربي سنة 1932
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 549 – 550”
العرب وليس لهم من أمر بلادهم ووسائل حمايتهم شيء، ولم تلتفت السلطات البريطانية إلى شيء من أنين الشعب العربي وتظلمه وشكايته ، طالباً وضع حد لهذه الغزوة الصهيونية المجتاحة وسن قانون عاجل يمنع بيع الأرض من العرب إلى اليهود منعا باتا ويغلق باب الهجرة الصهيونية، وطالبا أن يتسلم مقاليد حكم نفسه بنفسه، حفظا لكيانه وهو العلاج الطبيعي الوحيد الذي بغيره تظل فلسطين تتردى في الهوة السحيقة حيث الفناء المنتظر، فتمثل فاجعة الأندلس ثانية دون أن يغني فيها ندب أو عويل.
ويسار بالوطن القومي اليهودي في قلب البلاد العربية وعلى كنف الجزء الشمالي من جزيرة العرب والأقطار العربية المجاورة التي لم تقم بعمل بعد تشعر منه السياسة البريطانية بتضافر العرب على دفع الكارثة ودرء هذا الخطر الذي إذا استفحلت غزوته فسيشمل غير فلسطين لا محالة، كما أخذت الدلائل في شرق الأردن تدل عليه في هذه الفترة الأخيرة.
فحزب الاستقلال العربي في فلسطين وهو يرى كل هذا حافزا ويقيس على الواقع المصير المتوقع مستقبلا، يناشد كل عربي كريم وكل هيئة عربية وكل صحيفة عربية في أنحاء الأرض، ويناشد أهل البلاد العربية الشقيقة إلى التضافر والتآزر مع إخوانهم عرب فلسطين في رد هذه النكبة التي كادت تأتي عليهم، وإلى الوقوف في وجه السياسة الإنجليزية موقف المدافع عن حياته وبقائه وكيانه، ابتغاء وضع حد لهذه الحال المروعة التي كادت تفتك بقطر عربي وتذهب به فريسة المطامع الاستعمارية والصهيونية.