السجلات الرسمية للحكومة البريطانية وزعت بمعرفة وزير الدولة للهند

 

وثائق الحرب البريطانية لعام 1917 والتى كشف النقاب عنها عام 1967
السجلات الرسمية للحكومة البريطانية
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 الى 1969، وزارة الارشاد القومي، ج 2، ص 1665 – 1668”

مجلس الوزراء، 24/27
السجلات الرسمية للحكومة البريطانية

وزعت بمعرفة وزير الدولة للهند

 

سرى

مكتب الهند

فى 14 سبتمبر سنة 1917

عزيزى سيسل

          فى خلال المناقشة التى دارت بيننا فى مجلس الوزراء بشأن موضوع الصهيونية أوصيتم بقوة – أنتم واللورد ملنر- بأن آرائى التى اعتنقها هى آراء قلة من الناس، حتى اننى بدأت أعتقد وأظن ان المجلس أيضا بدأ يعتقد ان الآراء التى اذكركم بأننى أدليت بها اعرابا عن رأيى أنا فقط لا تكاد تمثل سوى رأى صاحبها وقلة اخرى من الأفراد الشاذين. ولهذا فقد اتخذت خطوات لمعرفة حقيقة الوضع على قدر المستطاع وهأنذا أعطيك الحقائق كما تأكدت من صحتها فيما يلي:

          لقد وطدت أمرى على اكتشاف ما اذا كان الصهاينة لهم الأغلبية واذا كان الأمر كذلك هل هى اغلبية كبيرة بالنسبة لليهود فى المملكة المتحدة. واننى لا اعلم بأى استفتاء أجرى عن أى موضوع بين أبناء جالية دينية معينة سواء فى هذه البلاد أو فى أى بلد آخر، ولهذا فأننى لا استطيع الا ان اقبل الدليل غير المباشر المتاح لى وهو الدليل الذى يتمثل فى نتيجة التصويت على قرار أصدرته هيئة تمثل، حسب فهمى، الجالية اليهودية فى مجموعها تمثيلا عادلا.

          لعله من حق “مجلس المندوبين اليهود” أن يدعى لنفسه، حسب فهمى، أن له صفة تمثيلية ذلك أنه مكون من ممثلى عدد كبير من المعابد اليهودية فى المملكة المتحدة. أن تمثيله “لليهود” ليس كاملا لأن بعض المعابد اليهودية لا ترسل أعضاء منها، كما أن بعض اليهود لا يلتحقون بعضوية المعابد التى يذهبون اليها والبعض الآخر لا يذهب الى المعابد ولكن رغم كل هذا فقد قيل له أن الصهاينة وغير الصهاينة على السواء يعتبرون “مجلس المندوبين اليهود” هو الهيئة الوحيدة التى يمكن الأخذ بقراراتها على انها تمثل رأى الجالية اليهودية فى مجموعها تمثيلا صحيحا الى حد ما.

          لقد جرت مناقشة اثناء اجتماع لهذا المجلس فى يوم 17 يونيو، تبعها انقسام فى الرأى. وبناء على هذا الانقسام يمكن اقامة الادعاء بأن غالبية اليهود البريطانيين صهاينة. ولكنى أود أن اذكركم بأن المناقشة وانقسام الآراء لم يتناولا الصهيونية ذاتها وانما تناولا. موضوعا فرعيا ذلك أنه توجد لجنة مشتركة من “مجلس المندوبين

 

وثائق الحرب البريطانية لعام 1917 والتى كشف النقاب عنها عام 1967
(تابع) السجلات الرسمية للحكومة البريطانية
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 الى 1969، وزارة الارشاد القومي، ج 2، ص 1665 – 1668”

اليهود” والجمعية الانجليزية اليهودية” ولقد نشرت هذه اللجنة المشتركة خطابا فى صحيفة “التايمز” بتاريخ 24 مايو حبذت فيه اعطاء اليهود فى فلسطين حقوقا مدنية وحرية دينية وتسهيلات للهجرة والاستعمار، الخ.. ولكنها عارضت ما اعتبره كاتبو الرسالة النقطتين الرئيسيتين فى الدعوة وهما:

         أولا: وجوب الاعتراف بأن اليهود المستوطنين فى فلسطين يتمتعون بطابع وطنى بالمعنى السياسى.

         وثانيا: انهم يتمتعون ببعض الحقوق الخاصة زيادة على الحقوق التى يتمتع بها باقى السكان (واستطيع ان أقول ان هذه الآراء هى تقريبا آرائى).

         وقد وجه النقد الى هذا الخطاب على اساس اعتبارين هما انه عارض الفكرة القومية التى هى عماد مبدأ الصهيونية. وان اللجنة المشتركة باصدارها هذا الخطاب على مسئوليتها الخاصة قد تجاوزت حقوقها بوصفها مجرد لجنة تنفيذية للهيئتين الرئيسيتين اللتين تنبثق عنهما اللجنة، ومن ثم كان لابد لها أن تستشيرهما قبل اصدار مثل هذا البيان السياسى الهام واذاعته على العالم.

         ومن الواضح ان هذا الشجب لم يحظ بتأييد الصهاينة فحسب، بل حظى أيضا بتأييد أولئك الذين شعروا بقوة هذا النقد الأخير، كما لعبت النقطة الثانية دورا كبيرا فى المناقشات. وقد وصفت صحيفة صهيونية وهى صحيفة “الجويش كرونيكل” هذا الشجب بوصفه “ثورة على النظام الذى ساد فى طائفتنا مدة طالت اكثر مما يجب وهو نظام الكبت من جانب القلة صاحبة السلطة”.

         ولقد أقر هذا التصويت- وهو الاختبار العددى الوحيد للادعاء بغالبية الصهاينة بين اليهود البريطانيين- بأغلبية 56 صوتا ضد 51 صوتا.

         وجدير بنا أن نتذكر بالنسبة للهدف الذى ارمى اليه من وراء بحث هذه المسألة أن موضوع الصهيونية واللاصهيونية قد اختلط بالمشكلة الناشئة من الاستخدام غير الصحيح للسلطة المخولة للجنة ولكن حتى لو صرفنا النظر عن ذلك “ولا ينبغى صرف النظر عنه” فان كل ما يمكن ان يقال هو ان الآراء التى اعتنقها والتى اعربت عنها فى مجلس الوزراء يعتنقها أيضا حوالى نصف الممثلين فى الهيئة التمثيلية الوحيدة التى أفصحت عن رأيها.

         بيد اننى لا استطيع ترك هذا الموضوع وأنا على وشك السفر من انجلترا والتغيب عنها لبضعة أشهر دون ان اذكرك بأن الصهيونية اصلها اجنبى. فقد انشأها ثيودور هرزل النمساوى وخلفه دافيد ولفسوهن من كولون الذى خلفه بدوره أوتو وأربورج من برلين. ووفقا لهذا المصدر الأجنبى للصهيونية عموما فان اليهود الأجانب المولد قد لعبوا دورا كبيرا فى الحركة الصهيونية فى انجلترا. ومن بين أشهر زعمائها فى انجلترا الدكتور جاستر وهو من أبناء رومانيا والدكتور هيرتز من أبناء النمسا والدكتور حاييم وايزمان الذى أعتقد أنه من أبناء روسيا. وهناك بالطبع زعماء بريطانيو المولد للهيئات الصهيونية فى انجلترا ولا أستطيع أن أتحدث بتأكيد عن نسبة الإنجليز الى ذوى الأصل الأجنبى من حيث المولد بين جملة المنتمين

وثائق الحرب البريطانية لعام 1917 والتى كشف النقاب عنها عام 1967
(تابع) السجلات الرسمية للحكومة البريطانية
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 الى 1969، وزارة الارشاد القومي، ج 2، ص 1665 – 1668”

الى صفوف الحركة الصهيونية فى انجلترا ولكنه من المعتقد لدى الجالية اليهودية عموما ان اليهود الأجانب المولدين فى الخارج يؤلفون نسبة كبيرة جدا بين الصهاينة فى انجلترا.

          واذا اجرى بحث مفصل للتحقق من الراى تجاه الصهيونية بين المسئولين عن بعض المؤسسات الكبرى مثل “مجلس الأوصياء لاغاثة الفقراء اليهود” و “الجمعية البريطانية اليهودية “التى تعالج بصفة أساسية المسائل الخاصة باليهود فى الشرق” و”اللجنة الروسية اليهودية” (التى عالجت المشكلة الكبيرة الخاصة بهجرة اليهود من روسيا) والمدرسة اليهودية الحرة الخ.. فانى اعتقد انه سيتبين أن العمل الخيرى الذى مثل النشاط الطائفى الرئيسي الذى يقوم به اليهود فى بريطانيا تمارسه غالبية راجحة من اليهود الذين لم يعربوا عن اى عطف على الصهيونية أو الذين عارضوها بالفعل.

          والآن استميحك المعذرة فى القول بأننى اذا كنت مصيبا فى اعتقادى بأن غالبية اليهود الانجليز المولد معادون للصهيونية، واذا كنت مصيبا فى الاعتقاد بأن مناهضة الصهيونية هى فكرة يعتنقها نصف عدد اليهود البريطانيين على الأقل فما هو السبب اذن الذى يدفع حكومتنا الى القيام بأى شيء فى هذا الموضوع وسط مشغولياتها الجسام وحيرتها؟ ان احد الأسباب التى ذكرت فى اثناء المناقشة التى جرت فى مجلس الوزراء هو دعم قضية الحلفاء فى أمريكا واننى لم أطلع على نصوص البرقية التى ارسلتها الى امريكا غير انه من الواضح ان الرئيس ولسون لا يرغب فى اصدار تصريح قاطع يحمل أى التزام حقيقى حاليا فهذا السبب اذن لا يعتد به ومن ثم أجدنى مضطرا الى ان اؤكد مرة أخرى أنه لا يجب ان يستخدم أى متحدث باسم الحكومة البريطانية أية صيغة كلامية توحى بأن هناك شعب يهودى بالمعنى السياسى وان اى يهودى يعيش حالياً فى بريطانيا أو فرنسا أو ايطاليا أو امريكا يعتبر منفيا بانتمائه الى الشعب الانجليزى أو الفرنسى أو الايطالى أو الامريكى الذى يقيم بينه حاليا. وأن مثل هذا التصريح سيكون بمثابة صدمة قاسية يشعر بها اليهود البريطانيون الذين يعشقون بريطانيا التى ولدوا فيها والتى ولد أجدادهم أيضا فيها على مدى أجيال عديدة – والذين يحبون انفاق حياتهم فى العمل من أجلها واسمى أمانيهم هى الاستمرار فى خدمتها.

          الا اننى أحرص بوجه خاص على عدم رفض الاستجابة الى النيات الكريمة للورد ملنر. وقد علمت بأن هناك هيئة قد تكونت منذ بضع سنين اسمها “المنظمة اليهودية الاقليمية” أعربت عن هدفها باستخدام الكلمات الآتية: “الحصول على أرض” لهؤلائك اليهود الذين لا يستطيعون أو الذين لا يرغبون في البقاء فى البلاد التى يعيشون فيها حاليا. فاذا كانت هناك رغبة فى أن نقول شيئا، فهل يمكن أن تكون العبارة التالية ذات فائدة؟:

          “أن حكومة جلالة الملك تقبل مبدأ اعطاء جميع فرص الاقامة فى فلسطين لليهود الذين لا يستطيعون أو الذين لا يرغبون البقاء فى البلاد التى يعيشون فيها حاليا، وستبذل ما فى وسعها لتسهيل تحقيق هذا الهدف كما انها مستعدة للنظر فى أى اقتراحات فى هذا الشأن قد ترغب فى عرضها عليه أية هيئه يهودية أو صهيونية.


وثائق الحرب البريطانية لعام 1917 والتى كشف النقاب عنها عام 1967
(تابع) السجلات الرسمية للحكومة البريطانية
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 الى 1969، وزارة الارشاد القومي، ج 2، ص 1665 – 1668”

ملحوظة:

          أننى لا أرغب فى قصر التقدم بالاقتراحات على الهيئات الصهيونية وحدها، وأننى افضل طبعا الا تقول الحكومة أى شيء بصفتها حكومة ولكنى آمل الا تذهب الحكومة الى أبعد من ذلك.

          الى: الرايت ادنورابل اللورد روبرت سيسل

المخلص ادوين س. مونتاجو

 

Scroll to Top