بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية الناشئة عن بيان رئيس القضاة في الجلسة الثانية التي عقدتها اللجنة

بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 691 – 698″

بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل
لبعض المسائل القانونية الناشئة عن بيان
رئيس القضاة في الجلسة الثانية
التى عقدتها اللجنة في يوم
24 فبراير سنة 1939

      دعانى الوفد العربى – بموافقة وزير المستعمرات – الى حضور اجتماعات اللجنة ومخاطبة سعادتكم – يعنى رئيس القضاة – اليوم، ويجب أن أذكر ان مركزى يختلف عن مركز هؤلاء السادة في أن نص المكاتبات الذى يعرفونه من زمان طويل مما نشر بالعربية لم يصل الى علمى الا لما نشر في الصفحة الثامنة عشرة من تقرير اللجنة الملكية في سنة 1937، وهذا فيما يتعلق بكتاب السير هنرى مكماهون المؤرح في 24 أكتوبر 1915، اما سائر المكاتبات فلم أطلع عليها الا لما نشر كتاب المستر انطونيرس منذ ثلاتة شهور. ولا يمكن أن يكون هناك شك في أن الشريف حسين طلب في كتابه المؤرخ في 14 يولية 1915 كل ما يعرف الآن باسم سوريا والعراق وشبه جزيرة العرب وشرقى الأردن وفلسطين، مع استثناء عدن.

      أما ما تذهب اليه الحكومه البريطانية من انه لم يكن في نيتها أن تدخل فلسطين في منطقة الاستقلال، فانه يبدو لى مما لايقبل التصديق ان تحفظها كالتحفظ الخاص بعدن، لم يرد في أول كتاب من السير هنرى مكماهون الى الشريف، أو في كتابه الثانى ردا على كتاب الشريف حسين المؤرخ في سبتمبر وفيه يقول – على ما جاء في كتاب المستر انطونيوس – ان أمتنا تعتقد ان هذه الحدود هى الحد الأدنى اللازم لاقامة النظام الجديد الذى تسعى له.

      وقد حصل اهتمام كبير بما قاله السير هنرى مكماهون في كتابه الى التيمس في 23 يولية 1937 وما قاله السير جلبرت كليتون في كتابه المؤرخ في 12 ابريل 1925 الى السير هربرت صمويل.

      فاما ماقاله السير هنرى مكماهون أو السير جلبرت كليتون، فلا أرى له أية قيمة، فما كان هذان هما اللذان يعرضان العروض على الشريف حسين، وانما كانت الحكومة البريطانية هى التى تعرض ذلك، كما جاء في كتاب السير هنرى مكماهون المؤرخ في 24 أكتوبر 1915 وما كان المندوب السامى البريطانى في مصر، سوى أنبوبة تمر بها اقتراحات حكومة جلالته الى الجانب الآخر. ولم تكن مهمة السير جلبرت كليتون الا أعداد المشروعات الأولى للكتب. وأذكر هنا أن للورد هالسبرى

بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 691 – 698″

(رئيس القضاة) يومئذ كلمة مأثورة في قضية هلدر ضد دكسترا. ج. -1902 صفحة 477 فيما يتعلق بتفسير القانون، وهى كلمة تصدق على تفسير كل مكتوب، وعلى ما نحن بصدده أيضا – قال:

        “أتيح لى مرارا أن أقول فيما يتعلق بتفسير القوانين – انى أعتقد أن شر مفسر لها هو الرجل المسئول عن صوغها، فانه يميل كثيرا الى الخلط بين ما كان ينوى أن يفعل وتأثير اللغة – أو العبارة التى استعملها بالفعل، ولعله كان عند صوغ القانون يعتقد انه جاء بالعبارة المحكمة الدقيقة الأداء لما يريد، ولكنه قد يخطئ في تفسيرها فيما بعد، لان ما كان في ذهنه هو ما كان يعنيه، وان لم يكن هو بالضبط ما عبر عنه”.

        وكان موضوع القضية تفسير فصل من قانون الشركات الصادر في سنة 1900 وقد قال اللورد هالسبرى بعد العبارة التى اقتبستها من تعليقه :

        “لهذا السبب أتنحى عن وضع الحكم بنفسى في هذه القضية، ولكنى في الوقت نفسه أحب أن أقول بعد أن قرأت ما أعده زملائى العلماء النبلاء واقترحوه للحكم:

        انى موافق على كل كلمة. وأنا أعتقد ان التفسير الذى ذهبوا اليه هو الذى عناه القانون ولست أقول ان هذا ما عنيته أنا، بل ما كان يقصد اليه المشروع، ولقد كنت مسئولا الى حد كبير عن عبارة القانون، ولهذا السبب – وله وحده – لم أدون الحكم بنفسى، ولكنى أوافق على الحكم الذى وضعه زملائى العلماء النبلاء”.

        والقاعدة التى تتقيد بها محكمة تريد تفسير كتاب السير هنرى مكماهون المؤرخ في 24 أكتوبر 1915 هى القاعدة التى وصفها قاض ممتاز هو اللورد “ونسليديل” بانها القاعدة الذهبية للتفسير القانونى، ومؤداها انه عند تفسير عبارة مكتوبة يجب التمسك بالمعنى العادى اللغوى للألفاظ الا اذا كان هذا خليقا أن يؤدى الى سخافة ظاهرة، أو الى تناقض واضح وتنافر ظاهر مع بقية العبارة وفي هذه الحالة يجوز الانحراف قليلا عن المعنى اللغوى العادى للألفاظ، اجتنابا للسخافة أو التناقض بلا زيادة أو توسع . فالمسألة التى تواجهنا الآن هى: ما هو المقصود بعبارة السير هنرى مكماهون في كتابه المشار اليه اذا أخذنا بالمعنى العادى للألفاظ “أجزاء من بلاد الشام في الجهة الغربية من ولايات دمشق الشام وحمص وحلب وحماة لا يمكن أن يقال انها عربية بحتة”.؟

        وأرى أن الرجوع الى الخريطة رقم (1) الواردة في تقرير اللجنة الملكية وهى خريطة صادرة عن وزارة الحربية وفيها تظهر الأقسام الادارية التركية قبل الحرب في سوريا وفلسطين، أو الى الخريطة المواجهة لصفحة (248) من كتاب المستر انطونيوس، يسهل علينا جدا فهم المعنى العادى اللغوى لألفاظ الحكومة البريطانية التى وضع تحتها المندوب السامى في مصر امضاءه.

        فاذا درسنا التقسيمات الادارية على الخريطة، فكيف يمكن أن يصح التفسير الذى ذهب اليه المستر تشرشل، وهو وزير للمستعمرات في سنة 1922 ، اذ ذهب الى ان عبارة ” أجزاء من بلاد الشام، واقعة الى الغرب من ولايات دمشق وحمص وحماة وحلب” تشمل الجزء الجنوبى من ولاية بيروت وسنجق القدس المهم. من الواضح انه كان من الضرورى أن يقال هذا، مادام المراد هو اعتبار فلسطين التى تشمل سنجقى

 بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 691 – 698″

عكا والبلقاء في ولاية بيروت، وسنجق القدس المستقل، مخرجة من المنطقة التى وعد بها العرب.

         وبدلا من أن يكون من الواضح ان فلسطين داخلة في التحفظ الوارد في كتاب 24 أكتوبر 1915 نستطيع على العكس أن نقول: ان كل شىء ممكن قد عمل لبيان ان القصد كان أن تكون فلسطين داخلة في المنطقة التى وعد بها الشريف حسين، اذ لماذا لم تذكر ولايات دمشق وحمص وحماة وحلب وليس بينها واحدة واقعة شرقى فلسطين. ولكنها تنأى عن فلسطين شمالا على الترتيب الذى وردت به؟ ولماذا لم يرد شىء قط عن سنجقى حوران ومعان.. والى غربهما تقع فلسطين كلها؟ ولماذا اذا كان الغرض وصف فلسطين لم تذكر بحيرة الحولة، ونهر الشريعة، وبحيرة طبرية والبحر الميت، كحدود شرقية؟

         فبدلا من أن تؤدى الألفاظ – بمعناها العادى اللغوى – الى اخراج فلسطين، نفيد العكس. وتدع فلسطين داخلة بوضوح في المنطقة التى يمنح العرب فيها الاستقلال. والقول بغير ذلك يشبه فعل من يحاول وصف جنوب انجلترا، ويستثنى من هذا الجنوب المنطقة الواقعة جنوبى نهر التيمس – أى مقاطعات يوركشير وكنت – فلا يذكر الا مقاطعات جلوستر ومونموث، وهى على أميال من الخط الذى يريد أن يرسمه للحدود، وهو خط واضح جدا، لان نهرا يجرى فيه. وقد بين المستر انطونيوس ان المستر تشرشل في سنة 1922 حاول أن يثبت ان كلمة “منطقة” في الترجمة الانجليزية للعبارة الواردة في كتاب السير هنرى مكماهون بتاريخ 24 أكتوبر وهى “أجزاء من بلاد الشام واقعة الى الغرب من ولايات دمشق وحمص وحماة وحلب” مرادفة لكلمة “ولايت” التركية وانه لما كانت ولاية دمشق تشمل ذلك الجزء من سوريا المعروف الآن باسم شرقى الأردن، وهو شرقى نهر الأردن أو الشريعة، فانه يتبع ذلك ان الجزء من سوريا المعروف الآن باسم فلسطين والواقع غربى نهر الشريعة، كان داخلا في التحفظ الذى أورده السير هنرى مكماهون، على أن المستر انطونيوس بين في صفحتى (177 و 178)، من كتابه ان هذا القول لا تنهض فيه حجة، لأنه لم يكن شىء اسمه “ولاية دمشق” أو “ولاية حمص” أو “ولاية حماة”.

         وربما كانت كلمة “ولاية” العربية قد استعملت في ترجمة كتاب السير هنرى الى الشريف، ولكن معناها لا يزيد على معنى كلمة “منطقة” وهى لا تدل على مؤدى كلمة “ولايت” التركية التى كانت تفيد وحدة ادارية معينة، يحكمها “وال” – ومن هنا كانت تسميتها ولاية.

         والقول بان السير هنرى لما قال “ولاية دمشق” كان يعنى سوريا في العهد العثماني ، يعادل القول بان كلمتى  “مقاطعة ميدستون” معناها “مقاطعة كنت”.

         وقد قال اللورد لندلى في قضية “كميون ضد بيكس” سنة 1900 – الفصل الأول – الصفحة 419:

         ” لا أدرى هل هذا قانون أو مجرد قاعدة للتفسير، ولكنى أدرى أنه من الصواب أن نقول انه اذا حدث في وصية أو غيرها من الوثائق ان وجدت كلمة في أى مكان

بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 691 – 698″

ذات معنى واضح محدود، فان المفروض أن يكون هذا المعني الجلى المحدود هو المقصود كلما وردت في مكان آخر يكون مؤداها فيه غير جلي.

        وفي الفقرة الرابعة من كتاب السير هنرى في 24 أكتوبر ترد كلمة “ولاية” لا أقل من ست مرات، مقرونة الى أسماء ست مدن، وهى مرسين، والاسكندرون، ودمشق، وحمص، وحلب، وليس من بين هذه الأسماء الستة ما أطلق عليه اسم الولاية، في العهد التركى، غير “حلب”، ولما كان ما يقع غربى ولاية حلب هو البحر، فان هذه الولاية لا يمكن أن تكون هى المقصودة لتعيين ما يقع غربا، وازاء هذا يكون من المجانبة لما يشير به العقل أن يتمسك المرء باحدى المدن الخمس الباقية – أى دمشق – وأن يزعم أن الاشارة الى “ولايتها” يراد بها الولاية التى كانت هى بعضها، وهي ولاية لم تكن تحمل اسم دمشق، بل اسم الشام أو سوريا وكان يدخل فيها فضلا عن ذلك اثنتان من المدن الأخرى المذكورة – أى حمص وحماة – وردتا في كتاب السير هنرى بعد ذكر “ولاية دمشق” مباشرة. الا ينادى العقل بأن كلمة “ولاية” حينما وردت لما يراد بها ما هو واقع في جرار هذه المدن؟ بهذا التفسير وحده نصل الى فهم مستقيم للألفاظ التى استعملت، وبهذا وحده نستطيع أن نستخلص معنى كل كلمة بما في ذلك عبارة “ولايتي حمص وحماة”.

        ويلاحظ كذلك ان الشريف حسين في كتابه الذى رد فيه علي السير هنرى في 15 نوفمبر 1915 – راجع كتاب المستر انطونيوس صفحة 421 هامش رقم (1)، يستعمل كلمة “ولاية” عندما يذكر مرسين واطنة. ومن الواضح انه يستعملها بالمعنى العام أى منطقة، لأنه كان يعلم أنه لم يكن ثمة ولاية تركية اسمها ولاية مرسين وانما كانت هناك ولاية اطنة التى كانت مرسين بمينائها ومنطقتها واقعة فيها.

        فللمرء أن يعتقد ان الشريف حسين حيث ذكر مرسين واطنة انما عاد الى طريقة التعريف والتحديد التى استعملها في كتابه الأول في 14 يولية 1915 حين رسم الحدود الشمالية التى طلبها وعينها، لا بالأقسام الادارية من ولايات وسناجق، بل بخط من المدن واقع بالتقريب على خط طول محاذ لها.

        ولهذا أعتقد ان الشريف حسين استعمل كلمة “ولاية” العربية في هذا الكتاب بمعنى ما يحيط بالمدن المذكورة. وذلل ليس فقط حين أشار الى مرسين واطنة، بل كذلك حين ذكر فيما بعد ولايتى حلب وبيروت. وأنا أبنى هذا الاعتقاد أيضا على كونه حين ألح في ادماج هذه الأقاليم في منطقة الاستقلال العربى قال “ان ولايتى حلب وبيروت وسواحلهما الغربية ولايات عربية صرفا” وفي كتابه التالى المؤرخ في أول يناير 1913 يشير الشريف الى “الأجزاء الشمالية وجهاتها الساحلية” ثم الى “بيروت وجهاتها الساحلية.

        والآن لماذا عنى الشريف حسين بأن يشير الى “السواحل البحرية”، “الجهات الساحلية”؟ أن المرء حين يتكلم مثلا عن “ديرهام” لا يذكر “مقاطعة ديرهام وجهاتها الساحلية” أو “مقاطعة ديرهام ومنطقتها الساحلية “فان ذكر الساحل اذا كان الكلام على مقاطعة لا يكون الا تحصيل حاصل، ولكن اذا كان الغرض هو ان ينص في الوصف على جزء من المقاطعة يدخل فيه بعض ما يحيط بالمدينة الرئيسية التى تحمل

بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي،ج 1، ص 691-698″

نفس الاسم والساحل المجاور لها، فان من الطبيعى والمعقول أن يقول “منطقة دير هام وساحلها البحرى” أو “وجهاتها الساحلية”.

       ونقطة أخرى لها أهميه عظيمة هى ان السبب الذى من أجله استثنى السير هنرى مكماهون في كتابه أجزاء من سوريا واقعة الى الغرب من ولايات دمشق وحمص وحماة وحلب، وكذلك من ولايات مرسين وأطنه هو “انها الا يمكن القول انها عربية صرفا”، فأما مرسين فان فيها عددا كبيرا من الأهالى الأتراك ومثلها المنطقة الساحلية من ولاية حلب التى تقع في أطنه، وفي مناطق اللاذقية وطرابلس ولبنان عدد كبير من العلويين ومن الدروز وعن المارونيين الذين يختلفون في بعض الحالات من حيث الجنس، وفي جميع الحالات من حيث الدين عن أغلبية العرب المسلمين في سوريا. ومما له أعظم دلالة ان الأجزاء السورية التى يمكن أن توصف بدقة بأنها واقعة الى الغرب من دمشق وحمص وحماة وحلب، تشمل مناطق اللاذقية وطرابلس ولبنان التى توجد فيها الأقليات المذكورة. يضاف الى ذلك ان المنطقة التى لا يمكن ان يقال عنها ان أهاليها ليسوا من العرب هى فلسطين التى تبلغ فيها نسبة العرب على الأقل 95 في المائة، على الرغم من وجود عدد كبير من المؤسسات الأوروبية المسيحية فيها.

       وليس في مكاتبات مكماهون كلمة واحدة عن الأهمية العالمية للأراضى المقدسة، وانما كان الشرط الوحيد الذى يجب توفره قبل الاعتراف باستقلال العرب، وتأييد هذا الاستقلال في أية منطقة من المناطق، هو مراعاة مصالح فرنسا. ومعظم سنجق بيروت الصغير لان يقع غربى سنجق دمشق. وقد أدخلت هذه المنطقة وفي جملتها مدينتا صور وصيدا، فيما أعطى لفرنسا بمقتضى اتفاق “سيكس بيكو” في سنة 1916 ولا تزال الى اليوم جزءا من الأراضى التى يشملها الانتداب الفرنسى. فالقول بأن منطقة لها سعة فلسطين وأهمية الأراضى المقدسة فيها، اذا لم تكن مخرجة بكونها غير واقعة غربى دمشق وحمص وحلب وحماة، فان كانت النية اخراجها مراعاة لمصالح فرنسا التى كانت الحكومة البريطانية في ذلك الوقت تأبى الاعتراف بها هذا القول لا تنهض فيه أية حجة.

       وقد ورد فى كتاب السير هنرى مكماهون الى التيمس في 23 يولية 1937 الفقرة الأخيرة الآتية:

       “وقد كان لدى أيضا ما يحملنى على الاعتقاد في ذلك الوقت بان الملك حسين كان يعلم جيدا أن فلسطين لم تكن داخلة في العهد الذى قطعته له”.

       ولا يذكر السير هنرى الأسباب التى يبنى عليها اعتقاده هذا فهنا أيضا، اذا كان الأمر معروضا على محكمة، ومطلوبا منها أن تفسر وثيقة تثبت الوعد المبذول للملك حسين، فانها لا يمكن أن تعبأ شيئا بما يقوله الذى بذل الوعد بعد اثنتين وعشرين سنة من حصوله، من انه يعتقد أن الذى قبل الوعد فهمه، وانما تجعل المحكمة بالها الى الألفاظ التى استعملها من بذل الوعد والتى استعملها من قبله.

       ومما له أهمية في هذا الصدد الفقرة الثانية من الكتاب الثالث الذي بعث به الشريف حسين الى السير هنرى مكماهون في 5 نوفمبر1915، (راجع كتاب المستر انطونيوس صفحة 421) ردا على كتاب السير هنرى مكماهون المؤرخ في 24 اكتوبر 1915 ، وهذا نصها:

 بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية
” ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949 ورارة الارشاد القومي، ج1، ص 691 – 698″

         “تسجيلا للوفاق وخدمة للإسلامية، فرارا مما يكلفها المشاق والاحن وبما لحكومة بريطانيا العظمى من الصفات والمزايا الممتازة لدينا نترك الالحاح في إدخال ولايات مرسين وأطنة في أقسام الممـلكة العربية. وأما ولايات حلب وبيروت وسواحلهما فهي ولايات عربية محضة. ولا فرق بين العربي المسيحي والمسلم، فإنهما ابنا جد واحد، وستقوم فيهم منا معاشر المسلمين ما سلكه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من أحكام الدين الإسلامي، ومن تبعه من الخلفاء بأن يعاملوا المسيحيين كمعاملتهم لأنفسهم، بقوله لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. علاوة على امتيازاتهم المذهبية، وبما تراه المصلحة العامة وتحكم به”.

         ويلاحظ مرة أخرى أنه لا ذكر هنا لسنجق القدس، وأما ذكره لولايتي حلب وبيروت، فإن من الواضح إنه يعني جانبا من الولاية الأخيرة – بيروت – يقع غربي دمشق وحمص وحلب وحماه، المشار إليها في الكتاب الذي يرد عليه وهو يؤكد أن هذه أقاليم عربية بحتة سواء أكان الأهالي مسلمين أم مسيحيين، ومن الجلي انه لا يشير إلى المنطقة الواقعة غربي حوران، ولا إلى المنطقة الغربية من معان، وهي التي تقع فيها سناجق عكا والبلقاء والقدس، أو بعبارة أخرى فلسطين.

         ومما يؤكد هذا الرأي أنه يتعهد بأن يكفل حقوق العرب المسيحيين ومن الطبيعي إزاء ذلك أن نفهم أنه يفكر في الجالية المسيحية المارونية الكبيرة في لبنان وهي التي ظلت سنوات تتطلع، إلى فرنسا، وتعدها حامية لها، ثم إنها هي الجالية المسيحية الوحيدة التي تعيش كتلة واحدة في منطقة واضحة الحدود في هذه البلاد كلها.

         وقد رد السير هنري على كتاب الشريف حسين هذا، والرد مؤرخ في 14 ديسمبر 1916 وفيه يقول (راجع كتاب المستر انطونيوس صفحة 423):

         “وسرني ما رأيت فيه – يعني كتاب الشريف المذكور – من قبولكم اخراج. ولايتي مرسين وأطنة من حدود البلاد العربية.. أما بشأن ولايتي بيروت وحلب فحكومة بريطانيا قد فهمت كل ما ذكرتم بشأنهما ودونت ذلك عندها بعناية شديدة. ولكن لما كانت مصالح حليفتها فرنسا داخلة فيها، فالمسألة تحتاج إلى نظر دقيق. وسنخابركم بهذا الشأن مرة أخرى في الوقت المناسب”.

         ويلاحظ هنا أيضا أن الإشارة صريحة إلى ولايتي حلب وبيروت، وأن السير هنري مكماهـون لا يذكر كلمة واحدة عن سنجق القدس، وأن السبب الوحيد الذي يورده لإخراج هاتين الولايتين – حلب وبيروت – هو أن “مصالح حليفتنا فرنسا داخلة فيهما لا أنهما غير عربيتين. ولا ذكر على الإطلاق لفلسطين، ولا إشارة البتة في اهتمام العالم بالأراضي المقدسة.

         بعد هذا ننتقل إلى الكتاب الرابع الذي بعث به الشريف حسين في أول يناير 1916 (راجع كتاب المستر انطونيوس صفحة 425) وفيه الفقرة الأتي نصها:

         “أما الجهات الشمالية وسواحلها فما كان في الإمكان من تعديل أتينا به في رقمنا السابق هذا، وما ذاك إلا للحرص على الأمنيات المرغوب حصولها بمشيئة الله تبارك وتعالى وعن هذ الحس والرغبة هما التي ألزمتنا بملاحظة اجتناب ما ربما إنه يمس حلف بريطانيا العظمى لفرنسا، واتفاقهما إبان هذه الحرب والنوازل، إلا إننا مع هذا نرى من الفرائض التي ينبغي لشهامة الوزير صاحب الرياسة أن يتيقنها بأن

بيان أدلى به السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 691 – 698″

عند أول فرصة تضع فيها أوزار هذه الحروب.. سنطالبكم بما نغض الطرف عنه اليوم لفرنسا في بيروت وساحلها.. سيما وأن جوارهم لنا سيكون جرثومة للمشاكل والمناقشات التي لا يمكن معها استقرار الحالة، عدا أن البيروتيين بصورة قطعية لا يقبلون هذا الانفصال.. وعليه يستحيل امكان أي تساهل يكسب فرنسا أو سواها شبرا من أراضي تلك الجهات”.

        فهنا أيضا لا توجد كلمة واحدة عن الأراضي المقدسة، أو سنجق القدس أو أية إشارة لهـا دلالة جغرافية، سوى عبارة “الجهات الشمالية وسواحلها” وهي التي لا شك في أنها تقع إلى الغرب من مناطق دمشق وحمص وحماة وحلب.

        ومما له دلالة عظيمة أيضا أن الفقرة الأخيرة المقتبسة من كتاب الشريف حسين تذكر فرنسا وحدها، باعتبارها الدولة التي لا يسمح بالنزول لها عن شيء من الأرض. ومثل هذا يقال عن العبارة الوحيدة التي لها علاقة بالموضوع في الكتاب الأخير. فقد جاء في كتاب السير هنري مكماهون المؤرخ في 13 يناير 1916 (راجع كتاب المستر انطونيوس صفحة 426) ما يأتى:

        “أما عن الجهات الشمالية فقد لاحظنا بارتياح عظيم انكم لا ترغبون في عمل شيء من شأنه أن يمس التحالف بين بريطانيا العظمى وفرنسا”.

        ويخيل إلي أن الشريف حسين لا بد أن يكون حظه من نفاذ البصيرة عظيما، ومن العلم بالغيب كبيرا، ليدرك من هذه المكاتبات أن الحكومة تنوي أن تخرج فلسطين من المنطقة التي تتكفل باستقلالها، فإن كل كتاب من الكتب التي بعثت بها الحكومة البريطانية إليه بإمضاء السير هنري مكماهون لا يستفاد منه أي شيء ينبيء بأن في النية إخراج فلسطين واستثناءها، بل كل ما في هذه الكتب ينفي أن فلسطين موضوع مباحثه، وذلك لاستعمال أوصاف جغرافية تنطبق على الجهات المجاورة، ولا تصف فلسطين نفسها، أو تدل عليها، أو تشير إليها. ويخلو الكتب، عند ذكر أسباب الاستثناء، من الأسباب التاريخية والدينية ذات العلاقة بالأراضي المقدسة، وباقتصارها عـلى الأسباب السياسية الخاصة بشمال سوريا وهي أسباب لا يمكن أن تكون لها أية صلة بفلسطين.

        وقد اقتصرت في بياني هذا على ما يستخلص، بغير تمحل في فهم مدلول الألفاظ، من العبارات الواردة في المكاتبات على العموم.

        والتفسير الوحيد الذي جاءت به الحكومة – غير ما سمعناه من سيادتكم يعني رئيس القضاة – هو الذي ورد في الكتاب الأبيض الصادر في سنة 1922 وفيه يقول المستر تشرشل أن عبارة “أجزاء من بلاد الشام واقعة إلى الغرب من ولاية دمشق” – وقد اقتصر على هذه الفقرة، ولم يورد البقية – تعدها الحكومة شاملة لولاية بيروت وسنجق القدس المستقل أو بعبارة أخرى فلسطين كلها غربي نهر الشريعة.

        وفي الوقت الذي أذيع فيه هذا التفسير لم يكن شيء من المكاتبات قد نشر بالإنجليزية. وقد صرحت الحكومات المتعاقبة، بأن نشر المكاتبات يخالف المصلحة العامة.

        أما وقد نشرها الآن المستر انطونيوس، فإنه يخيل إلى أن الحكومة قد تزحزحت عن موقفها ذاك الذي يدل عليه تفسير المستر تشرشل، وعادت تقول الآن أنه “مما

بيان أدلى بهه السير متشيل ماكدونيل لبعض المسائل القانونية
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلي عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 691 – 698″

لا يتصور” أن تكون فلسطين قد اعتبرت داخلة في الدولة العربية وانها لابد أن تكون “قد اعتبرت خارجة بالبداهة، ومن تلقاء نفسها”.

       ولتأييد هذا القول، لجأت الحكومة الى الاستعانة بالاعتبارات الدينية والتاريخية والسياسية. وليس في نيتي أن أتناول هذه الاعتبارات فإن أعضاء المؤتمر أنفسهم أقدر على ذلك وأولى به ولكنى أحب أن ألاحظ أنه لا يجوز النظر في الظروف التي استعملت فيها الألفاظ، والغرض الذي توحى الظروف أن الشخص كان يقصد اليه،لا اذا كان من المستحيل، لفساد العبارة واضطرابها الوقوف على الغرض المقصود منها بغير بحث آخر.

       وعندى أن المعنى اللغوى العادى للألفاظ المستعملة في المكاتبات لا يؤدى إلى أية سخافة، ولا يوقع في أي تناقض. ولهذا السبب لا يبدو ضروريا – بل لا يجوز النظر في أية ظروف محيطة بقصد تعديل هذا المعنى. وأنا أقرر أنه لا يجوز الاحالة على الظروف المحيطة أو الاستعانة على التفسير بوثائق أخرى، الا في حالة الغموض، وما دام لا غموض هناك، فلا تأثير لأي بيان كتابي أو شفوي يأتى بعد ذلك في المعنى.

       وأخيرا هل لي أن أقول: ان حكومة جلالته قد غيرت حجتها أكثر من مرة في تاريخ هذا الخلاف ؟ ففي سنة 1922 كان اعتمادها كله على الزعم بأن فلسطين بأسرها، غربى نهر الشريعة، مخرجة من تعهد السير هنرى مكماهون، بمقتضى التحفظ الوارد على “أجزاء من سوريا واقعة إلى الغرب من ولاية دمشق”. واذا اعتبرنا ماجاء في صفحتى ( 19 و 20 ) من تقرير للجنة الملكية، فانها في أثناء ادلائها بأقوالها أمام تلك الهيئة قد اعتمدت على مطالب فرنسا الخاصة بمصالحها المزعومه في هذه المنطقة. أما حجة حكومة جلالته في الوقت الحاضر وهو أن فلسطين يجب أن تعد “بداهة وبصفة آلية” خارجة – بسبب الصمت عنها – من المنطقة المستقلة ، وهي حجة لا تستقيم على الحجج الأخرى السابقة، ولم تعلن قط من قبل، واذا كانت قد عرضت على اللجنة في جلسة سرية، فقد عدت قليلة الأهمية الى حد رأت معه اللجنة اهمال كل اشارة إليها في تقريرها

Scroll to Top