بيان إيدن عن الشرق الأوسط بعد صفقة الأسلحة

بيان ايدن عن الشرق الأوسط بعد صفقة الأسلحة في 9 من نوفمبر 1955
ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1175 – 1177″

بيان ايدن عن الشرق الأوسط
بعد صفقة الأسلحة (*)
في 9 من نوفمبر سنة 1955

       في 9 من نوفمبر سنة 1955 ألقى انتوني ايدن خطابا في دار البلدية في لندن تناول فيه شئون الشرق الأوسط وخص مشكلة فلسطين بجزء من خطابه وسنورد فيما يلي نص الخطاب:

       بين إسرائيل ومصر منطقة من التوتر الخطر وفي خلال السنوات السبع الماضية كنا نحن والحكومات التي تعاقبت على كرسي الحكم وحلفاؤنا نحاول الوصول إلى تسوية ما في ذلك الجزء من العالم من مشاكل ومنع التسابق على التسلح هناك.

       إننا لم نصب بالفشل التام في ذلك بالرغم من حوادث الحدود التي كانت تقع من حين لآخر على خطورة متفاوتة فإن الحرب لم تقع منذ سنة 1948 كما أبقى مستوى الأسلحة منخفضا نسبيا وكان هناك شىء من التوازن من أن كل جانب كان بطبيعة الحال يرفع الصوت قائلا: أنه أقل خطأ من الآخر. وكان لدي آمال: آمال حقيقية في أن الكثيرين من سكان تلك البلاد قد أخذوا يتبينون ضرورة إيجاد طريق للسلام وذلك لمصلحة الجميع.

       وقد كنا لزمن طويل مضى نعمل من أجل هذه النتيجة وفي هذا المجال لم يكن رد الفعل الذي قوبلت به مقترحات المستر دالاس في أغسطس الماضي مثبطا للعزائم بحال من الأحوال ويجب أن نتابع جهودنا.

       ولكن الآن وفي هذا الوضع الدقيق قررت الحكومة السوفييتية بعث عنصر جديد من الخطر وتوريد عدد حرب ودبابات وطائرات وحتى غواصات لجانب واحد فقط ومن السخف التظاهر بأن هذه العملية السياسية المتعمدة كانت مجرد صفقة تجارية بريئة ومن المؤكد أنها ليست من هذا القبيل.

       إنها حركة لكسب الشعب على حساب الامتناع الذي يبديه الغرب والمقصود بها تيسير الأمر على الشيوعية كي تتسرب إلى العالم العربي وقد ينبغي أن تكون عواقبها واضحة للجميع.

       وثمة كثير من الدول المعتدة بنفسها وبعضها لم يمض عليه وقت طويل وهو يتمتع بالاستقلال والكيان القومي ستصير مهددة بالانصهار في بوتقة الإمبراطورية الشيوعية إن وقعت هي فريسة لهذه المناورة.

       أما من جهتنا فإنه يتعذر علينا التوفيق بين هذا التصرف السوفييتي وبين إدعاء السوفيت بأنهم يرغبون في إنهاء الحرب الباردة بروح جنيف الجديدة ولابد أن


 

         (*)

Documents of International affairs 1955.

بيان ايدن عن الشرق الأوسط بعد صفقة الأسلحة في 9 من نوفمبر 1955
ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1175 – 1177″

يكون مدبر هذه الأعمال على علم تام سابق بما سيكون عليه التأثير الحتمي للوصول الفجائي لهذه المقادير الكبيرة من الأسلحة فها هو قد أدى إلى اشتداد التوتر اشتدادا بالغا مع الاحتمالات الخطيرة جدا بين مصر وإسرائيل بصفة خاصة ومع ذلك فإن الدول عندما تقابل الواحدة منها الأخرى وجها لوجه وهي بحالة عدوانية فليس ثمة فائدة كبيرة في لومها إذا ما حصلت على الأسلحة حين يمكنها ذلك وليس من العدل إلقاء التبعة على الذي يحصل على الأسلحة وإنما على الذي يقوم بتزويده.

         فما هو واجبنا العاجل؟ إنه الحيلولة دون اندلاع نار الحرب، إن الجنرال بيرنز كبير مراقبي الهدنة في فلسطين والجندي الكندي الممتاز لم يأل جهدا في إبعاد قوى الفريقين بعضهم عن بعض وقد أظهر هو ومعاونوه صبرا وشجاعة في أعمال خطيرة يشكرون عليها.

         وهو الآن يحث كلا الفريقين على سحب قواته من منطقة العوجة المنزوعة السلاح إننا نولي اقتراحه الحالي تأييدنا الدبلوماسي في العواصم ذات الشأن ويجب ألا يكون هناك أي خطأ فكل دولة ترفض النصح بالاعتدال تفقد عطف هذا البلد وعطف البلدان الأخرى المحبة للسلام. ومتى فقد هذا العطف كان من الصعب استرداده.

يا سيدي المحافظ:

         لقد تلطفت فأشرت إلى تجاربي في وزارة الخارجية وأود أن أقول في هذا الصدد إنني لم يسبق لي أن عرفت حالة كهذه يتضح فيها أن ليس بإمكان أي من الفريقين أن يأمل على طول المدى بأية فائدة من اصطدام حربي وإنه لمن مصلحة الفريقين إيجاد منطقة منزوعة السلاح بينهما.

         ولقد قابلت جنرال بيرنز عندما كان في لندن منذ ثلاثة أيام وهو يعلم أنه إذا كان لدينا أي عون آخر نستطيع تقديمه له فيسرنا أن نفعل ذلك وسيكون ربحا عظيما إذا كان بالإمكان التقليل من خطر حوادث الحدود وسيكون ربحا أعظم إذا كان بالإمكان معالجة مشكلة اللاجئين المفجعة.

         ويؤسفني جدا أن الدول ذات العلاقة لم تقبل حتى الآن تلك الجهود المضنية التي كرسها المستر جونستون من الولايات المتحدة لإعداد مشروعات الري وكان من الواجب قبولها إذ أنها لمصلحة الجميع من عرب وإسرائيليين على السواء ونحن على استعداد للمساعدة هنا أيضا كما فعلنا في قضية اللاجئين.

         وتحت القشرة البركانية لهذه الأخطار المحتقنة لا يزال يكمن خطر أبعد غورا فالعداء بين إسرائيل وجيرانها العرب ما برح قائما وهنا لم يكن الزمن علاجا ناجحا وليس ثمة من تقدم أطلعكم عليه حدث منذ اتفاقات الهدنة قبل ست سنوات. ولولا هذا الشعور الحاد الدائم لوقفت بلدان الشرق الأوسط جهودها على مشروعاتها الاقتصادية والاجتماعية ولعكفت على بناء مجتمعات مزدهرة في أراضيها.

         ولقد حاولت كما ذكرنا آنفا زمنا طويلا فيما مضى إيجاد صعيد مشترك لتسوية ما وأعتقد أن الوقت حان الآن إذ أن مخاطر الحالة الشديدة تجبرنا على المحاولة من جديد.

         ويترتب علينا أن نحاول بوجه ما معالجة سبب المشكلة الأساسي وتقع على بلدنا تبعة خاصة في هذا كله لما لنا من صداقة تقليدية عريقة مع الشرق الأوسط،

بيان ايدن عن الشرق الأوسط بعد صفقة الأسلحة في 9 من نوفمبر 1955
ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1175 – 1177″

وأعتقد أنه يجب أن يكون بالإمكان إيجاد صعيد مشترك بين الموقفين، فإن هنالك بعد هذا كله مصلحة واحدة ينبغي أن يشترك فيها الطرفان فلا إسرائيل ولا جيرانها العرب يودون أن يروا خلافاتهم تتحول لمنفعة جانب آخر على أتم الاستعداد للحصول على هذه المنفعة ومن نقطة الانطلاق هذه أليس في وسعنا جميعا أن نعيد النظر في المقترحات التي دعت إليها حكومة الولايات المتحدة ودعونا لها نحن أنفسنا؟

         ورغبتنا الوحيدة في هذا – لو أن أصدقاءنا من العرب والإسرائيليين يولوننا ثقتهم فقط – هي المساعدة في إيجاد وسيلة للعيش تمكن الشعوب التي يعنيها الأمر من أن تعيش جنبا إلى جنب بسلام ولنعط مثلا واحدا:

        إن أمكن الوصول إلى تدابير مقبولة بينهم بشأن الحدود فإننا أي حكومة صاحبة الجلالة مع الولايات المتحدة على ما أعتقد وربما مع دول أخرى أيضا سنكون مستعدين لتقديم ضمانة رسمية للجانبين قد تفضي في النهاية إلى الثقة والطمأنينة الحقيقيتين وقد تقدم بلداننا أيضا مساعدة جوهرية مالية وغيرها بشأن مشكلة اللاجئين المفجعة وهذا كله سنعمله ولكن ألا نستطيع الآن أن نخطو ولو خطوة صغيرة أخرى أبعد من ذلك؟

        إن الموقف يتلخص اليوم في أن العرب من جهة متمسكون بقرارات الأمم المتحدة لعام 1947 وغيرها من القرارات. هذا هو موقف العرب وقد قالوا أنهم مستعدون لفتح باب التفاوض مع إسرائيل على هذه القاعدة وأما الإسرائيليون من جهة ثانية فإنهم يقفون عند اتفاق الهدنة لعام 1949 ويتمسكون بالأراضي التي يحتلونها في الوقت الحاضر. وبين هذين الموقفين توجد بطبيعة الحال فجوة واسعة ولكن هل بلغت هذه الفجوة من الاتساع حدا لا يمكن معه لأية مفاوضات عبورها.

        إنني أوافق على أنه ليس من الحق تجاهل قرارات الأمم المتحدة ولكن أيمكن في الوقت نفسه التسليم بأنه في حيز المستطاع تنفيذ قرارات الأمم المتحدة كما هي؟

        إن الحقيقة الساطعة هي أن على هذه الدول إذا كانت تبغي الظفر بالسلام الذي هو في مصلحة الطرفين والذي نود مساعدتها في نيله أن توفق بطريقة ما بين هذين الموقفين وإنني مقتنع بأنه في الإمكان تحقيق ذلك فإن كان في وسعنا تحقيقه أراح ذلك هؤلاء الملايين وأسعدهم وكلما أسرعنا كان ذلك أفضل ولكن إذا لم نفعل فليس ثمة أحد يستطيع التكهن بما عسى أن تكون عليه العواقب.

        وأود أن أقول الليلة يا حضرة المحافظ: إن حكومة صاحبة الجلالة وأنا شخصيا مستعدون لتقديم أية خدمة في هذه القضية وإذا كان هنالك من شيء نستطيع القيام به للمساعدة يسرنا أن نفعله من أجل السلام.

0

Scroll to Top