بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول المواقف العربية بعد حرب يونيه وضرورة اختيار طريق الكفاح المسلح للحيلولة دون “التصفية الكاملة” لقضية فلسطين

بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول المواقف العربية بعد حرب “يونيه”
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 796 – 799”

بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول المواقف العربية بعد حرب حزيران
(يونيو)، وضرورة اختيار طريق الكفاح المسلح للحيلولة دون “التصفية
الكاملة” لقضية فلسطين.

 

(الحرية، العدد 435، بيروت،
21/10/1968، ص5)

        تدور الآن في الجمعية العامة مناقشات خطيرة، تهدد القضية الفلسطينية برمتها، وتضعها على أبواب التصفية الكاملة. وفي ذات الوقت، تقف حركة المقاومة الفلسطينية بعيدة عن المناقشات الجارية، بل تقف في مقاعد المتفرجين ملتزمة بالصمت وكأن لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، وهي المطالبة باتخاذ موقف وطني صارخ من “المأساة” القائمة منذ هزيمة 67 وحتى هذه اللحظات.

        ان مواقف حركة المقاومة الفلسطينية، والمواقف العربية منذ هزيمة حزيران (يونيو) وحتى الآن انتهت إلى وضع القضية الفلسطينية، في مأزق تاريخي يتهددها “بالتصفية الكاملة”، كما جاء في قرار مجلس الأمن الصادر في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 67، والذي ينص على “حدود آمنة ومعترف بها لدولة إسرائيل”، وحق إسرائيل في الحياة، وحقها بالمرور بالممرات المائية العربية مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة بعد 5 حزيران (يونيو) 67، مع توفير مناطق مجردة من السلاح وضمانات دولية لأمن وسلامة إسرائيل. وقد جاء بيان وزير خارجية إسرائيل في الأمم المتحدة بتاريخ 9/10/1968 ليعلن “عن قبول إسرائيل بقرار مجلس الامن واستعدادها لتحقيق اتفاق على جميع المبادئ التي ورد ذكرها في القرار”.

        ان قضية فلسطين تعيش في هذه الفترة لحظاتها الحاسمة، وعلى حركة التحرر الفلسطينية ان تقف برجولة لرفض قرار مجلس الامن التصفوي، ومحاكمة وادانة أي موقف عربي متخاذل تجاه القضية الفلسطينية. ان هذا الموقف الوطني الشريف هو من صميم مهمات حركة المقاومة، وأية محاولة يقوم بها اليمين الرجعي الفلسطيني لتصوير هذا الموقف بأنه تدخل “بالشؤون الداخلية للأوضاع العربية” هي جزء لا يتجزأ من المؤامرة الامبريالية – الصهيونية – الرجعية الجارية لتصفية قضية فلسطين. ان ما يجري يمس ويتناول فلسطين، وعلى حركة المقاومة ان تتدخل بأي موقف عربي، أو فلسطيني، أو دولي يمس القضية الفلسطينية، والا فقدت حركة المقاومة مبررها وهويتها الفلسطينية، وتحولت إلي فصائل مسلحة ملحقة بالاوضاع والجيوش العربية دون ان يكون لها أي نفس فلسطيني. وان حركة المقاومة، في الوقت الذي ترفض فيه “التدخل بالاوضاع الداخلية العربية”، ترفض ايضا وبقوة “عدم التدخل بالشؤون الفلسطينية، وبأي موقف عربي، أو دولي يمس ويتعامل بالقضية الفلسطينية”.

        ان حركة المقاومة تضع المسألة في اطارها الصحيح، عندما تحاكم علنا في الشارع وأمام الجماهير أي موقف فلسطيني، أو عربي، أو دولي يمس القضية الفلسطينية. واليمين الرجعي الفلسطيني، الذي قفز ولا زال عن هذه المسألة، يضع نفسه – كعادته دائما – في خدمة قوى الثورة المضادة المتآمرة على عروبة وشعب فلسطين، وهو يحاول بهذا تطويع كل فصائل حركة المقاومة الفلسطينية لهذا الموقف الخياني القذر.

        “ان القبول بالتصفية السياسية لقضية بلدنا”، من خلال تنفيذ قرار مجلس الأمن المطبوخ في الدوائر الاستعمارية الحامية لاسرائيل، يشبه إلى حد كبير نكبة 48، بل هو تكريس وتثبيت لحدود آمنة ومعترف بها للكيان الاسرائيلي على كافة المستويات الفلسطينية والعربية والدولية. والقبول بقرار مجلس الأمن يمثل نتيجة طبيعية لاوضاع الانظمة العربية وحركة التحرر الوطني الفلسطينية والعربية، وهي التي أعطت نكبة 48، وهزيمة 67، ونتيجة طبيعية وموضوعية أيضا للبرامج الاقتصادية والعسكرية والسياسية المطروحة منذ حزيران (يونيو) الهزيمة حتى الآن.

        ان الأنظمة العربية الاقطاعية، البرجوازية، المتحالفة مع الاستعمار والتي حاربت جيوشها عام 48

<1>

بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول المواقف العربية بعد حرب “يونيه”
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 796 – 799”

ضمن حدود مشروع التقسيم الاستعماري وأعطت نكبة 48، ليست هي المطالبة برد هزيمة حزيران (يونيو) ولم تكن مخاطبة بحرب حزيران (يونيو)، فهذه الأنظمة قد حكمت على نفسها تاريخيا منذ 48، حيث ارتمت كليا في أحضان الاستعمار القديم والجديد وعلى رأسه الامبريالية الاميركية، وباتت جزءا من الثورة المضادة في المنطقة لتمارس عمليات القمع لقوى التحرر الوطني الفلسطينية والعربية. وهي، بحكم مصالحها وامتيازاتها الطبقية، وبحكم ارتباطها بالسوق الرأسمالية العالمية والامبريالية، ابقت بلدانها شبه مفتوحة لقوى الامبريالية والصهيونية.

        وبالإضافة إلى تحالفها مع الاستعمار، فهي عاجزة عن خوض أية معركة جدية لحماية الوطن وتحرير البلاد، بحكم اقتصادها الضعيف وتكوينها السياسي والعسكري الأضعف، ونزع أي سلاح من يد الشعب مع سياسة القمع الدائمة للقوى الوطنية الشريفة المناضلة ضد تحالف الاستعمار والاقطاع ورأس المال من أجل تعبئة الشعب وتسليحه لحماية الوطن وتحرير الأرض المحتلة.

        أن هذه الأنظمة تتخذ مواقف منسجمة مع طبيعتها الطبقية وتحالفها مع الامبريالية، واذا ارتفع صوت بعضها مزايدا من بعيد على ضرورات خوض معركة مسلحة ورفض قرار مجلس الأمن، فهو من باب الانتفاع الرخيص بقضية فلسطين. واذا كان جادا في مزايداته فعليه ان يبدأ بلوي عنق الامبريالية الاميركية التي تحمي وتحتضن إسرائيل، وذلك بتدمير وكنس كافة المصالح الاقتصادية والعسكرية الاستعمارية في بلده. اذ لولا مساندة الامبريالية ثم إسرائيل لما تمكنت من عدوان 56، وحرب 67. ولكن مجموع هذه الأنظمة الاقطاعية البرجوازية تهمها مصالحها وامتيازاتها أولا، وأخيرا تقف بالنتيجة عاجزة عن ممارسة أي دور وطني في التعبئة المادية والبشرية والمعنوية لحماية الوطن وتحرير البلاد. ومن هنا ركضها وراء قرار مجلس الامن التصفوي.

        ولكن الأنظمة البرجوازية الصغيرة وحركة التحرر الوطني الفلسطينية والعربية، التي لعبت دورا وطنيا عظيما في مقاومة الاستعمار القديم، والقوى العربية المتحالفة معه وقاتلت من أجل اسقاط تحالف الاستعمار والاقطاع ورأس المال المسؤول عن نكبة 48، وطرحت برنامجا وطنيا “اقتصاديا وطبقيا وعسكريا وسياسيا” لحل معضلات التحرر الوطني، ببناء اقتصاد وطني متحرر وجيوش وطنية متحررة كخطوات أساسية على طريق تحرير فلسطين، هذه الأنظمة هي المستهدفة بعدوان 56 الثلاثي، وهجمة حزيران (يونيو) الامبريالية – الصهيونية لهزمها وارغامها على التسليم بمخططات الامبريالية والصهيونية والأنظمة والقوى الطبقية الرجعية العربية المتحالفة مع الاستعمار في المنطقة، حتى يتم للثورة المضادة تركيع الحركة الوطنية، وتصفية قضية فلسطين، وترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط كما “تشتهى سفن الثورة المضادة”، وكما كانت هذه الأنظمة والحركة الوطنية هي المخاطبة بهزيمة حزيران (يونيو)، فهي المطالبة باعطاء الردود التاريخية الملموسة على الهزيمة. ولكن هذه الأنظمة ومعها الحركة الوطنية وقفت عاجزة عن الرد، وبدلا من ان تتقدم ببرنامج حرب التحرير الشعبية للتفوق على التفوق التكني الامبريالي – الصهيوني، تقدمت بذات البرنامج “الاقتصادي والعسكري والسياسي” الذي أعطى هزيمة حزيران (يونيو)، لتجد نفسها بهذا مرغمة على التراجع المتصل لصالح الامبريالية وإسرائيل، ممثلا بالموافقة على قرار مجلس الامن التصفوي.

        ان حركة التحرر الوطني “الرسمية والشعبية”، التي هزمت بحزيران (يونيو)، فشلت بحكم طبيعتها الطبقية والسياسية عن اعطاء الردود التاريخية الثورية على هجمة حزيران (يونيو) الامبريالية – الصهيونية، اذ كانت بين اختيارين، اما اختيار طريق الصدام بجبهة عريضة مع “إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل” واما اختيار طريق التراجع وصولا لتسوية وتصفية سياسية. وقد اختارت الطريق الثاني وهذا ما دفع إلى وضع القضية الفلسطينية في مأزقها التاريخي الراهن الذي يهددها بالتصفية الكاملة والنهائية.

        ان اختبار طريق الصدام مع “إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل” يتطلب تحويل بلادنا – الفلسطينية والعربية – فيتناما ثانية، بفتح النار على جميع المصالح والمواقع الاستعمارية وعلى امتداد الأرض العربية

<2>

بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول المواقف العربية بعد حرب “يونيه”
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 796 – 799”

الفلسطينية، “لارغام إسرائيل والامبريالية الاميركية خاصة” على التراجع والركوع أمام الثورة الوطنية التحررية الشاملة. ان الشعوب المتخلفة – وشعوب الشرق الاوسط منها – ليس أمامها من طريق لاحداث تفوق على التفوق التكني والعسكري الصهيوني – الامبريالي غير الطريق الفيتنامي والكوبي، ان حرب الجيوش النظامية وحدها هي حرب خاسرة بالنسبة للشعوب المتخلفة، حيث يتفوق علينا العدو الامبريالي – الصهيوني “وباعتراف جميع الأنظمة العربية القائمة”. والطريق الاوحد للتفوق على هذا التفوق هو طريق الحرب الشعبية، حيث يختلط قتال الطوابير النظامية مع المقاومة الشعبية مع حرب الانصار على امتداد الأرض الفلسطينية والعربية في معركة ضاربة، وطويلة النفس، بديلا عن استراتيجية العدو القائمة على الضرب بسرعة وتحقيق الانتصار بسرعة كما حدث في هزيمة 1967.

         ان هذا الطريق هو الوحيد المفتوح أمام شعبنا الفلسطيني والعربي “فأراضي عربية غير فلسطينية محتلة الآن، هذا فضلا عن كون فلسطين جزءا من الأمة العربية” لتحرير بلادنا ورفض قرار مجلس الأمن التصفوي.

         ان الجبهة الشعبية، وهي تنقد وتدين مواقفها الصامتة عن كل ما جرى تجاه القضية الفلسطينية طيلة الفترة التالية على هزيمة حزيران (يونيو)، وهي اذ تنقد مواقف كافة فصائل حركة المقاومة نتيجة للموقف المشابه، تعلن أنها ترفض رفضا قاطعا قرار مجلس الأمن التصفوي، وتعلن انها لا تكتفي بالرفض السلبي وحده، بل تدعو كافة القوى الوطنية الفلسطينية الشريفة “المقاتلة والمناضلة” إلى:
         1 – اعلان موقف وطني صريح تجاه قرار مجلس الأمن ورفضه، لاتخاذ موقف سياسي موحد تجاه قضية بلادنا واحتمالات التصفية عبر قرار مجلس الامن والتي تلوح في الافق.

         2 – الالتقاء بين كافة الفصائل الفدائية المقاتلة لتنسيق العمل المسلح وتكثيفه على الأرض المحتلة قبل وبعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967.

         3 – الالتقاء بين كافة الفصائل الفدائية المقاتلة لوضع خطة مشتركة لحماية العمل الفدائي، وقطع الطريق على الدوائر الاستعمارية العميلة التي تحاول تمزيق الكفاح المسلح وتسعير العداء بين القوى المقاتلة وضربها بعضها ببعض كما يلوح في الافق.

         4 – تشكيل جبهة وطنية فلسطينية عريضة تضم جميع القوى الطبقية والسياسية المعادية للاستعمار والصهيونية والمؤمنة بالكفاح المسلح في ظل قيادة القوى الوطنية الشريعة المقاتلة.

         والجبهة الشعبية، اذ ترفض قرار مجلس الامن، وتنقد وترفض الاخذ به أو تنفيذه من قبل أية دولة عربية لان هذا يمس القضية الفلسطينية برمتها، وهذا ليس تدخلا بالشؤون العربية بل هو تدخل في صميم الشؤون الفلسطينية وهو حق لكل فلسطيني، فهي تربط بين الرفض السلبي وبين ضرورات اتخاذ موقف ايجابي، بفتح النار على جميع المصالح والمواقع الاستعمارية على امتداد الارض الفلسطينية والعربية، وتحويل المعركة مع “إسرائيل الى حقيقتها، معركة مع إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل عامة وخاصة الامبريالية الاميركية”.

         ان هذا الموقف الوطني الشريف يتطلب تعبئة كافة طاقات البلاد المادية والبشرية والمعنوية، بتسليح الشعب وتدريبه وتنظيمه في كتائب الانصار والميليشيا الشعبية، واخضاع اقتصاد البلاد الى ضرورات الحرب الشعبية لشن حرب تحرير شعبية عريضة، مريرة، طويلة النفس، تفتح الأبواب لفيتنام ثانية في بلادنا، لاحداث تفوق بشري مسلح، بتضحيات عالية باهظة، على التفوق التكني الامبريالي – الصهيوني. ومن هنا يبدأ طريق تحرير فلسطين والأرض العربية المحتلة “سيناء والجولان” وترحيل إسرائيل والاستعمار عن بلادنا، لاقامة دولة عربية ديمقراطية على أرض فلسطين تحفظ فيها الحقوق الثقافية والدينية للتجمعات غير العربية ومنها التجمع البشري اليهودي.

         ان طريق حرب التحرير الشعبية – الطريق الفيتنامي – هو الطريق لرفض قرار مجلس الأمن التصفوي والتآمري، وهو الطريق للتفوق على التفوق التكني والحربي الامبريالي – الصهيوني، واحراز النصر. والطريق الآخر الذي أعطى نكبة 48 وهزيمة 1967، هو طريق التراجع والركوع لشروط الامبريالية والصهيونية المنتصرة، لشروط قرار مجلس الأمن


<3>

Scroll to Top