بيان “الجناح التقدمي” في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول تأسيس الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين

بيان “الجناح التقدمي” في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول تأسيس الجبهة الشعبية الديمقراطية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 64 – 68”

بيان “الجناح التقدمي” في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
حول تأسيس الجبهة الشعبية الديمقراطية
لتحرير فلسطين.

 

21/2/1969

(الحرية، العدد 452، بيروت،
24/2/1969، ص 4)

      منذ هزيمة 5 حزيران (يونيو) 67، وحركة القوميين العرب في الساحة الفلسطينية الأردنية تشهد تطورات أساسية بدأت ترسم المصير الحاسم للعلاقات داخل صفوفها، وقد سحبت هذه التطورات نفسها على الجبهة الشعبية التي تشكلت بعد هزيمة حزيران (يونيو).

      لقد تكشفت هذه التطورات الجارية منذ 5 حزيران (يونيو) 67، والتي تمتد جذورها إلى أوائل الستينات في عموم فروع حركة القوميين العرب، عن تناقض حاسم بين اتجاهين متعاكسين:
         أولهما – ارتداد عناصر القيادة التقليدية اليمينية المؤسسة لحركة القوميين العرب – أحد أطراف الجبهة – نحو مواقع نشأتها الفكرية والسياسية الأصلية ذات الأفق البورجوازي اليميني.
         وثانيهما – محاولة الجناح التقدمي الثوري النامي في الحركة والجبهة، التحرر من أفكار وبرامج اليمين والبورجوازية الصغيرة – التي هزمت وسقطت في حرب حزيران (يونيو) – والتقدم على طريق نهج وطني جذري متسلح بالأيديولوجية الجذرية الثورية، أيديولوجية العمال والفلاحين الأجراء والفقراء، نهج مناقض كليا لطبيعة نشأة الحركة الأصلية، النشأة اليمينية ذات الجذور الفاشية.

      وطبيعي أن يقود هذا التناقض في صفوف الحركة والجبهة إلى خطين متعاكسين بدأت تظهر نتائجهما على كافة البرامج الفكرية والسياسية والتنظيمية والعسكرية لجناحي الحركة والجبهة منذ الأشهر الأولى لتشكيل الجبهة.

      فالجناح اليميني الذي فرض هيمنته الإقطاعية على الحركة تاريخيا، عمل على قيادة الجبهة ضمن آفاقه البورجوازية اليمينية، فكريا وسياسيا وتنظيميا. وتبلور هذا النهج اليميني فكريا بالصمت الكامل على جميع الأوضاع الفلسطينية والعربية التي أدت إلى هزيمة 5 حزيران (يونيو) تحت شعار “عدم التدخل بالأوضاع العربية” حيث تحول هذا الشعار عمليا على يد الجناح اليميني التقليدي إلى “عدم الكشف عن عوامل وأسباب هزيمة حزيران (يونيو)”، والى “عدم التدخل بكل ما يمس القضية الفلسطينية من طرف الأوضاع العربية، أي إلى عدم التدخل بالقضية الفلسطينية ذاتها لان الأوضاع العربية تتدخل يوميا بالقضية الفلسطينية”. وسياسيا تمثل النهج اليميني بفهم معكوس “لمسألة الوحدة الفلسطينية وللعلاقات بين كافة فصائل حركة المقاومة”، حيث وضع اليمين الحركي قيادة الجبهة الشعبية بيد عناصر رأسمالية وبورجوازية كبيرة، ساهم هذا اليمين في وضع حركة المقاومة في قبضة اليمين الرجعي الفلسطيني بحكم المواقع القيادية التي احتلتها عناصر منه على رأس الجبهة الشعبية وعلى أكتاف المقاتلين أبناء الطبقات العاملة والفقيرة. وتنظيميا تمثلت الممارسة اليمينية بفرض القيادات المهترئة والمتخلفة التي انهارت كليا عام 1966، وبذلك كرست الإطارات الفاشلة تاريخيا والمنهارة عام 1966 على رأس تنظيمات الجبهة.

        وبذات الوقت فقد حاربت القيادة اليمينية دخول أية رياح للتغيير الثوري في صفوف المقاتلين والتنظيم، وعملت على تدعيم مراكز القوى والاقطاعات الخاصة والشلل وعبادة الفرد.

<1>

بيان “الجناح التقدمي” في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول تأسيس الجبهة الشعبية الديمقراطية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 64 – 68”

         ومنذ الأشهر الأولى لتشكيل الجبهة، اخذ الجناح التقدمي يناضل على طريق رفض البرنامج الذي فرضته القيادة اليمينية التقليدية، وطرح برنامجه الثوري المقابل الذي يتمثل فكريا بضرورة طرح دروس هزيمة حزيران (يونيو) على الجماهير والكشف “بالتحليل الملموس للواقع الفلسطيني والعربي الملموس” عن عوامل وأسباب هزيمة حزيران (يونيو) الكامنة في تكوين الأنظمة العربية الحاكمة الإقطاعية – البورجوازية، والأنظمة الوطنية البورجوازية الصغيرة التي سقطت وهزمت برامجها السياسية والعسكرية والاقتصادية في 5 حزيران (يونيو)، وضرورة الكشف عن العوامل التي قادت حركة التحرر الوطني الفلسطينية والعربية إلى الهزيمة بحكم تكوينها البورجوازي الصغير، العاجز عن قيادة الثورة الوطنية الديمقراطية في بلادنا، وضرورة وضع شعار “عدم التدخل بالأوضاع العربية في حجمه الحقيقي بالتدخل بكل ما يمس القضية الفلسطينية من طرف الأوضاع العربية”. وتمثل البرنامج السياسي التقدمي برفض ركوب اليمين الفلسطيني ظهر المقاومة، وبشكل خاص ظهر الجبهة الشعبية، والعمل على تشكيل “جبهة وطنية عريضة تضم كافة القوى الطبقية والسياسية الفلسطينية المقاتلة والمناضلة في ظل قيادة الفصائل المقاتلة، وممارسة سياسة وطنية جذرية تجاه جميع ما يمس قضية بلدنا فلسطينيا وعربيا ودوليا. وتنظيميا، تمثل الموقف التقدمي برفض وضع قيادة الجبهة بيد العناصر الرأسمالية والبورجوازية الكبيرة، ورفض  وضع قيادة “حركة القوميين العرب” بيد عناصر رأسمالية يمينية وعناصر مهترئة متخلفة كشفت عن إفلاسها الكامل بانهيارات عام 1966. وعسكريا، طالب الجناح التقدمي بالعمل على تحويل “كل مقاتل إلى سياسي ثوري، وكل تنظيمات الجبهة إلى كتائب ميليشيا شعبية تمارس دورها الثوري في حماية العمل الفدائي والقتال ضد احتمالات الغزو الصهيوني للضفة الشرقية”.

         وقد برز الصدام المبكر بين الجناحين في “مؤتمر نيسان (أبريل) 1968″، حيث انقلب اليمين على نتائجه الفكرية والسياسية والتنظيمية والعسكرية، مما دفع بالأزمة إلى انشقاق عملي غير معلن بين الجناح اليميني المتخلف وبين الجناح التقدمي النامي في صفوف الحركة والجبهة. وبدلا من أن يلتزم اليمين بنتائج نيسان (أبريل) 68، فقد مارس عمليا سياسة انشقاقية ختمها في 15 تموز (يوليو) 68 بحملة اعتقالات للإطارات التقدمية الأساسية، ولكن الجناح التقدمي مارس سياسة “ضبط نفس وطنية”، وطالب بعقد مؤتمر ديمقراطي لحسم التناقضات بين الجناحين.

مؤتمر آب (أغسطس) 1968 وبرامج الجناح التقدمي
          لقد جاء مؤتمر آب (أغسطس) ليشكل علامة فارقة تاريخية في الصراع الفكري والسياسي والتنظيمي القائم بين جناحي الجبهة، فقد تقدم الجناح اليساري بمجموعة الوثائق التي شكلت مادة المؤتمر وجدول أعماله، وخاض اليسار معركته الأيديولوجية والسياسية  مع اليمين داخل المؤتمر، وتقدم ببرنامج عمل للخلاص الوطني، فكري وسياسي وتنظيمي وعسكري. ورغم كل محاولات اليمين الفاشي – المدعوم بالتخلف ومراكز القوى – الذي شن حملة استفزاز دائمة على النهج اليساري والبرامج الثورية المطروحة، إلا أن الجناح التقدمي الذي تمتع بأغلبية ساحقة في المؤتمر صمد لكل الاستفزازات اليمينية إلى أن انتهى مؤتمر آب (أغسطس) إلى إعلان انحيازه بأغلبية ساحقة للبرنامج الفكري البروليتارى المطروح ولكل برنامج الخلاص الوطني الذي طرحه الجناح اليساري في المؤتمر، ولحقت باليمين هزيمة فكرية وسياسية وتنظيمية كاملة. وأمام إفلاس اليمين، انحنى لبرنامج اليسار انحناءه لفظية ليوافق على كل ما طرحه الفريق اليساري نظريا ثم يرفضه عمليا من خلال الممارسة اليومية بدءا منذ اليوم الأخير للمؤتمر وحتى هذه اللحظات.

          إن اليمين الفاشي يحاول عبثا التمسح بمؤتمر آب (أغسطس) 1968، وادعاء الولاء له بلغة يسارية لفظية، كما جاء في بيانه بتاريخ 9/2/ 69، بعد ان لجأ اليمين إلى قوة السلاح منذ 28/1/69 لحل التناقضات القائمة بين جناحي الجبهة في محاولة لخداع الجماهير والأعضاء وكل مقاتل شريف وعدم كشف أوراقه النظرية اليمينية على حقيقتها، بعد ان كشفته ممارساته العملية على امتداد تاريخه الفكري والسياسي طيلة السنوات الماضية، وتحديدا منذ أن تشكلت الجبهة حتى الآن.

         لقد انتهى مؤتمر آب (أغسطس) إلى سلسلة نتائج نظرية وسياسية وعسكرية وتنظيمية شكلت برنامج الخلاص الوطني الذي طرحه يسار الجبهة الشعبية على المؤتمر في الوقت الذي كان اليمين – الذي يدعي اليوم تمسحه بقرارات آب (أغسطس) – غارقا حتى أذنيه بسلسلة ممارسات يمينية أدانها المؤتمر إدانة كاملة وأدان القيادة اليمينية إدانة كاملة ممثلة برموزها البشرية: حورج حبش، حمد الفرحان، وديع حداد.
         إن الالتجاء للمغالطات التاريخية والفكرية لن تنفع اليمين الفاشي، وممارسة سياسة الخداع والتضليل للجماهير وللمقاتلين لن تطول كثيرا، وتقرير مؤتمر آب (أغسطس) الذي تقدم به الجناح التقدمي وصاغه الجناح التقدمي كفيل بفضح زيف اليمين وادعاءاته.

         لقد انتهى – مؤتمر آب (أغسطس) إلى جملة نتائج أساسية وتاريخية بالنسبة للجبهة ولحركة المقاومة الفلسطينية عموما. لقد انتهى تقرير المؤتمر في القسم الأول إلى الكشف عن قوانين التحرر الوطني والثورة الوطنية الديمقراطية في البلدان المتخلفة، وعلى رأسها “ان حركة البورجوازية الصغيرة غير مؤهلة لتحقيق مهمات التحرر الوطني”، وبان الطبقات المؤهلة لقيادة حركة التحرر الوطني وتحقيق مهماتها هي طبقة العمال وطبقة الفلاحين الفقراء المسلحة بالفكر الثوري الدائم، فكر الطبقة العاملة في ظل تحالف طبقي عريض يضم شرائح بورجوازية صغيرة، وقطاعا من البورجوازية الوطنية والمثقفين الثوريين. “تقرير مؤتمر آب (أغسطس)، القسم الأول – ص 11، القسم الثاني – ص 22”.

         كما انتهى تقرير المؤتمر إلى نتيجة بارزة مؤداها “ان الطبقات المؤهلة تاريخيا لحل مشكلات التحرر

<2>

بيان “الجناح التقدمي” في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول تأسيس الجبهة الشعبية الديمقراطية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 64 – 68”

الوطني في البلدان المتخلفة لن تتمكن من قيادة حركة الثورة الوطنية إلا في ظل طليعة منظمة تلتزم بفكر الطبقة العاملة، الفكر الوطني الجذري، ومثل هذه الطليعة لن تولد ولن توجد في البلدان المتخلفة إلا من خلال الأخذ بالكفاح المسلح والعنف الثوري، فالحزب الثوري ينمو ويتشكل من خلال الكفاح المسلح”. ” تقرير المؤتمر، القسم الأول – ص 12″. ومن هنا انبثق شعار يسار الجبهة الشعبية بضرورة “تحويل كل مقاتل إلى سياسي ثوري مسلح بالثقافة الطبقية العمالية الثورية وتحويل كل سياسي إلى مقاتل ثوري”.

         كما انتهى تقرير المؤتمر في محاكمته النقدية لمجموع الممارسات السياسية لقيادة الجناح اليميني “إلى الإدانة الكاملة لهذه الممارسات، التي نقدها الجناح التقدمي، وخاصة فيما يختص بممارسات القيادة اليمينية لشعار “عدم التدخل بالأوضاع العربية” الذي أعطته القيادة ترجمات خاطئة، وما يختص بالسياسة اليمينية “لمسألة الوحدة الوطنية الفلسطينية”. “تقرير المؤتمر، القسم الثاني – ص 22، 23، 24”.

         كما انتهى تقرير المؤتمر إلى “إدانة تجربة حركة القوميين العرب باعتبارها تجربة يمينية ذات جذور فاشية، بتكوينها الفكري والسياسي واستقطاباتها الطبقية اليمينية التي شكلت الإطارات القيادية للحركة طيلة الخمسينات، والتي انتقل فريق منها إلى صف الثورة المضادة”. “التقرير، القسم الثالث – ص 13”.

         كما انتهى المؤتمر إلى “إدانة الرموز البشرية المهيمنة على الحركة حتى مؤتمر آب (أغسطس)”. “التقرير، القسم الثالث – ص 7”. ولذا، فقد انتهى المؤتمر إلى “إدانة تجربة حركة القوميين العرب اليمينية نظريا وممارسة وطبقيا”. “التقرير، القسم الثالث – ص 8”.

         وانتهى أيضا إلى “الإدانة الكاملة للإطارات القيادية للحركة وللجهة التي تحكمت بالموقع القيادي الأساسي حتى مؤتمر آب (أغسطس)، والمحكوم عليها بالفشل التاريخي الذي أعطى الممارسات الفكرية والسياسية والتنظيمية الخاطئة واليمينية ليخرج المؤتمر بإدانة كاملة للأدوات البشرية التي أعطت هذه الممارسات”.
“التقرير، القسم الثالث – ص 10”.

         من هذا كله، فقد خرج المؤتمر بإعلان انحيازه الكامل للبرنامج اليساري الثوري الذي، تقدم به الجناح التقدمي في الجبهة الشعبية والذي يتلخص تحديدا:
          1 – بالانحياز الكامل لأيديولوجية الطبقة العاملة.
          2 – صياغة العلاقات الداخلية “مع الأعضاء” والخارجية “مع الجماهير”، ضمن قانون الديمقراطية المركزية فكريا وسياسيا، أي بطرح كل شيء على الجماهير مع حق الأقلية بطرح وجهة نظرها علنا في الشارع وأمام الجماهير.
          3 – العمل على نقل العمليات الكفاحية السياسية والمسلحة والجماهيرية إلى ارض الضفة الغربية والقطاع، والإقلال من الاعتماد على القواعد في الأغوار واعتبارها جسور تموين بالسلاح.
          4 – ضرورات نشر المقاومة الشعبية على امتداد الضفة الشرقية لصد أية احتمالات للغزو الصهيوني، والقتال دفاعا عن البلد شبرا شبرا ووضع مسألة حرب التحرير الشعبية موضع التنفيذ العملي المسلح.
          5 – النضال من اجل تشكيل جبهة وطنية عريضة تضم كافة القوى الطبقية والسياسية المعادية للاستعمار والصهيونية والرجعية في ظل قيادة الفصائل المقاتلة التقدمية.
          6 – وضع معركتنا مع إسرائيل في إطارها الصحيح، “معركة مع إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل”.
“التقرير، القسم الثالث – ص 12، 13”.

          وفي الأوضاع التنظيمية فقد اقر المؤتمر ضرورة “تطهير صفوف الجبهة من كافة العناصر المتخلفة والمعطلة، وتفتيت مراكز القوى، والاقطاعات الخاصة، والشلل والاستزلام”. “التقرير، القسم الثالث – ص 14، 15”.

         بعد كل هذا، أكد تقرير المؤتمر ان هذه الانحيازات اللفظية لا قيمة لها ان لم ترتبط بالترجمة العملية، وبداية ربطها بالممارسة ان تتسلم القيادة عناصر تقدمية ثورية، خاصة بعد ان أدان المؤتمر القيادة اليمينية التقليدية. “وعندما ظهرت نتائج انتخابات اللجنة المركزية التي سقط فيها اليمين، رفض اليمين نتائج المؤتمر، وارتد عليها، وهدد بقوة السلاح بضرورة فرض قيادة يرضى عنها بحكم تحكمه بمراكز القوى المسلحة في تلك الفترة، وفعلا فقد فرض اليمين بقوة السلاح تشكيل “قيادة توفيقية” رفض الجناح التقدمي الاغلبي في المؤتمر وفي اللجنة المركزية المشاركة بها، ولكنه خشية من الانشقاق الذي كنا على عتبته تراجع الجناح التقدمي خطوة إلى الوراء حفاظا على وحدة الجبهة في تلك الفترة ومحاولة التصحيح في ظل التعايش مع اليمين من جديد. وأخيرا رضى بمشاركة رمزية مشترطا بقاء علاقته رهنا بتنفيذ قرارات المؤتمر اليسارية والثورية”. “التقرير، القسم الثالث – ص 17”.

          وهكذا خرج المؤتمر بقرارات تقدمية وببرنامج تقدمي ثوري وسياسي وعسكري، ليوضع بيد القيادة اليمينية الفاشلة والتي أدانها المؤتمر، تحت ضغط السلاح وتهديد اليمين بالانشقاق، لتبدأ جولة جديدة في الصراع الفكري والسياسي والتنظيمي بين جناحي الجبهة منذ اليوم الأخير لمؤتمر آب (أغسطس)، وحتى لحظة انفجار التناقضات في 28/1/1969، حيث لجأ الجناح اليميني إلى سياسة الاحتكام للسلاح بعد أن تلمس إفلاسه الكامل في حل التناقضات لصالحه، وبات أمام هزيمة محققة في ظل الاحتكام للأصول الديمقراطية.

ماذا بعد مؤتمر آب (أغسطس)؟
          منذ اللحظة الأخيرة لانتهاء المؤتمر وفرض قيادة توفيقية على المؤتمرين بقوة السلاح، اخذ اليمين – الذي يدعي اليسارية الآن بعد تاريخ فاشي يميني حافل فكرا وممارسة وحتى الآن – برفض كل قرارات مؤتمر آب (أغسطس)، ورفض برنامج آب (أغسطس) اليساري فكريا وسياسيا وتنظيميا وعسكريا ليتأكد من جديد، وكما جاء في تقرير مؤتمر آب (أغسطس) “انه لا يمكن تحويل مؤسسة بورجوازية يمينية وبورجوازية صغيرة إلى موقع يساري ثوري بكاملها”، إذ لا يمكن تحويلها

<3>

بيان “الجناح التقدمي” في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول تأسيس الجبهة الشعبية الديمقراطية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 64 – 68”

بكاملها إلى نقيضها. وإن كان من الممكن أن تفرز من بين صفوفها نقيضها “حركة تقدمية ثورية” تضع موضوعات مؤتمر آب (أغسطس) ونتائجه موضع الترجمة الملموسة اليومية عندما يتسنى للقوى التقدمية الانفصال والاستقلال الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي والعسكري التام عن الفريق اليميني الذي يرفض عمليا الالتزام بقرارات آب (أغسطس) ويوافق عليها لفظيا. وليتأكد كما جاء في تقرير آب (أغسطس) “أن البورجوازية والبورجوازية الصغيرة بقدر ما تجيد صنع الشعارات والمواقف النظرية الثورية تجيد بذات القدر وأكثر وبذات الوقت إفراغها من محتواها ومدلولاتها الملموسة”.
“التقرير، القسم الثالث – ص 18”.

          بعد هذا كله، وبعد نضال دؤوب منذ آب (أغسطس) وحتى فترة قريبة حاول يسار الجبهة الشعبية أن يضع برنامجه الثوري الذي تقدم به في آب (أغسطس) موضع التنفيذ، ولكن يمين الجبهة الذي يقوده يمين حركة القوميين العرب والذي وافق على البرنامج لفظيا، راح يقاتل ضده عمليا ويوميا بدءا من رفضه نتائج انتخابات اللجنة المركزية التي سقط فيها اليمين، مرورا بحجب ومحاربة وصول “تقرير الجبهة السياسي الأساسي” إلى الجماهير حيث حجزه اليمين بعد طباعته، وانتهاء برفض تفتيت مراكز القوى، وبالعكس، الإمعان في هذه السياسة.

          وبدأ منذ أوائل كانون الأول (ديسمبر) 68، يتآمر ضمنا وعلنا لتطويق وتصفية الجناح التقدمي الثوري. “اعتقالات كانون الأول (ديسمبر)، كانون الثاني (يناير)، رسالة وديع حداد المنسوبة إلى جورج حبش من بيروت إلى العناصر الموالية لليمين التقليدي في عمان بضرورة العمل السريع لتصفية اليسار، تجويع القواعد الفدائية التقدمية ومحاولة تصفيتها”، وانتهاء بالحملة الفاشية الإرهابية التي بدأت في 28/1/1968 وحاولت دفع حركة المقاومة إلى مجزرة دموية رهيبة.. إلى 4 – 11 أخرى”.

          بعد هذا كله، فقد اتضح للجناح التقدمي الثوري في الجبهة الشعبية ان إمكانات التعايش مع يمين حركة القوميين العرب الذي يقود يمين الجبهة لم تعد ممكنة، رغم أننا قد طرحنا على اليمين عقد مؤتمر ديمقراطي يقوم على ضمانات حقيقية “حتى يتم التزام الأقلية بموقف الأكثرية”. ولكن اليمين – ممثلا بجورج حبش – رفض الاحتكام لمؤتمر ديمقراطي وطرحنا عليه فكرة طلاق ديمقراطي يحدد أين تقف أكثرية تنظيم الجبهة التي يحق لها العمل باسم الجبهة مع أننا لا نعترض على أية أقلية أن تعمل باسم الجبهة أو أي تسمية تشاء، ولكن اليمين رفض أيضا الطلاق الديمقراطي، واندفع في ممارسة سياسة إرهابية، منتهزا غياب القيادات الفلسطينية في القاهرة حيث اجتماعات المجلس الوطني، ففتح النار في 28/1/1969 معتمدا على قوة السلاح “لفرض الحلول بالقوة نظرا لإفلاسه الديمقراطي”، ومحاولا دفع الجناح التقدمي إلى “مجابهة العنف بالعنف” “والاعتقالات باعتقالات”، وهو امر كان من شأنه أن يعطى فرصة للدوائر المعادية لحركة المقاومة أن تتدخل لتصفية حركة المقاومة “بحجة الفصل بين المتحاربين ووقف إراقة الدماء”. ولكن الجناح التقدمي رفض هذه السياسة الفاشية، وناضل مع جميع فصائل حركة المقاومة لقطع الطريق عليها. وفعلا فقد وقفت جميع المنظمات الفدائية وكل الوطنيين الشرفاء في وجه محاولة اليمين، رغم انه حتى الآن لا زال يمارس سياسته والتي كان آخرها محاصرة بيوت المناضلين، وإطلاق الرصاص عليهم.

          ومن هنا، وبعد سلسلة من المؤتمرات في كل الفروع  الفلسطينية المنضوية تحت راية الجبهة الشعبية، فقد انتهت هذه المؤتمرات على امتداد الأشهر الثلاث الأخيرة إلى إعلان انحيازها إلى الجناح التقدمي في الجبهة. فقد تم انحياز أغلبية تنظيمات الجبهة في الضفتين الغربية والشرقية وكل الفرع الفلسطيني في العراق، وكل الفرع الفلسطيني في سوريا، وكل الفرع الفلسطيني في الكويت، وما يزيد عن نصف الفرع الفلسطيني في لبنان، وكل التنظيمات الطلابية الفلسطينية في الجمهورية المتحدة، وكل التنظيمات الطلابية الفلسطينية في أوروبا الشرقية والغربية، وكل التنظيم الطلابي في الولايات المتحدة الأميركية، والتنظيم الجبهوي في اميركا اللاتينية، وقد أنهت هذه التنظيمات والفروع علاقتها كليا بيمين حركة القوميين ويمين الجبهة الشعبية.

القرارات
          وانطلاقا من كل هذه التجربة الطويلة مع اليمين، وفشل كل محاولات تصحيح وتطوير أوضاع اليمين على طريق تنفيذ قرارات مؤتمر آب (أغسطس)، فقد انتهت كل الفروع وكل هذه التنظيمات في مؤتمراتها إلى القرارات التالية:
          أولا – الالتزام التام بقرارات مؤتمر آب (أغسطس)، والعمل على ترجمة برنامج آب (أغسطس) السياسي والعسكري الثوري.
          ثانيا – إدانة ممارسات يمين حركة القوميين العرب الذي يقود يمين الجبهة الشعبية، هذه الممارسات التي أدانها مؤتمر آب (أغسطس)، ومطالبة كافة فصائل حركة المقاومة أن تقف بصلابة ضد كل محاولات حل التناقضات الفكرية والسياسية بقوة السلاح، ورفع شعار “لتتوجه كل البنادق إلى صدور العدو الصهيوني الاستعماري” عاليا. ولنطرح أمام الجماهير ان الطريق الديمقراطي، طريق الاختيار الحر، هو الطريق الوطني الوحيد والمشروع لحل التناقضات في صفوف حركة المقاومة، وأي محاولة للاحتكام للسلاح في حل التناقضات، هي عملية فاشية مدانة من أي مصدر كان.
          ثالثا – إنهاء كل علاقة مع يمين حركة القوميين العرب ومع حركة القوميين العرب شكلا ومحتوى، وإنهاء علاقة هذه الفروع والتنظيمات بيمين الجبهة الشعبية، والعمل المستقل أيديولوجيا وسياسيا وعسكريا وتنظيميا.
          رابعا – حتى لا يحصل أي التباس في أذهان الجماهير، ودفعا لكل ألوان الاحتكاكات مع اليمين الفاشي الذي غادرنا نهائيا العلاقة معه، فقد أقرت اللجنة المركزية المنتخبة في مؤتمر آب (أغسطس) “الأكثرية التقدمية والتي ترتبط بها جميع تنظيمات الجبهة المذكورة، ولحين انعقاد المؤتمر القادم للجبهة الجديدة، أقرت، وبعد مناقشات طويلة مع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن تناضل تحت اسم الجبهة الشعبية

<4>

بيان “الجناح التقدمي” في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول تأسيس الجبهة الشعبية الديمقراطية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 64 – 68”

“الديمقراطية” لتحرير فلسطين.
          خامسا – النضال من اجل إقامة جبهة وطنية عريضة، تتمثل فيها كافة القوى الطبقية والسياسية المعادية للاستعمار والصهيونية والرجعية في ظل قيادة الفصائل المقاتلة الثورية، وصولا لوحدة وطنية فلسطينية حقيقية وثورية في ذات الوقت.

          إن جبهتنا الثورية “الجبهة الشعبية “الديمقراطية” لتحرير فلسطين” ستتابع كفاحها الثوري المسلح بأفق وطني جذري، يضع كل ما يمس القضية الفلسطينية موضع المراجعة النقدية الدائمة علنا وأمام الجماهير، مادة الثورة وبحرها الذي لا ينضب.

          إن جبهتنا الثورية، “الجبهة الشعبية “الديمقراطية” لتحرير فلسطين”، ستذيع وثيقة جذرية تفصيلية تنقد كل ممارساتها السابقة في ظل التعايش السابق مع يمين الجبهة الشعبية، وستطرح على الجماهير وعلى كافة فصائل حركة المقاومة مشروع برنامج لجبهة وطنية عريضة يخضع لمناقشة جماعية وجماهيرية وصولا لوحدة وطنية ثورية وفعالة.

          سادسا – إن جبهتنا “الجبهة الشعبية “الديمقراطية” لتحرير فلسطين”، ستقاتل مع جميع فصائل حركة المقاومة الشريفة، قتالا طويل الأمد، وعلى طريق حرب تحرير شعبية لتحرير بلادنا وحل معضلات تحررها الوطني في ظل دولة فلسطينية ديمقراطية شعبية يتمتع فيها الجميع بكامل حقوقهم الثقافية والدينية وبالمساواة الاجتماعية والدستورية.
          سابعا – إن جبهتنا “الجبهة الشعبية “الديمقراطية” لتحرير فلسطين”، التي أعطت برنامج آب (أغسطس) السياسي والعسكري الثوري، والذي يؤكد ان طريق تحرر البلدان المتخلفة “آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية” في هذا العصر – عصر الاستعمار والإمبريالية – هو طريق واحد، طريق الكفاح المسلح والعنف الثوري المرتبط بأيديولوجية ثورية، أيديولوجية الطبقة العاملة، ستناضل يوميا على طريق مجابهة الصهيونية والإمبريالية العالمية وقوى الثورة المضادة، بأفق حرب التحرير الشعبية مع جميع القوى المعادية للإمبريالية والرجعية في هذا العالم، ” قوى المعسكر الاشتراكي وحركة التحرر الوطني العالمية والأحزاب العمالية والاشتراكية في البلدان الرأسمالية الاستعمارية”، لدحر الإمبريالية العالمية الصهيونية، لتحرير الإنسان والأرض الوطنية. إن جبهتنا ستناضل على طريق بناء جبهة عالمية معادية للإمبريالية العالمية، هذه الإمبريالية التي تشن اليوم حربها الاستغلالية على امتداد العالم الثالث لقهر إرادة الشعوب الوطنية، ووقف تيار الثورة الاشتراكية العالمية. وما هجمة حزيران (يونيو) الصهيونية – الإمبريالية إلا حلقة من حلقات الثورة المضادة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، العدو رقم “1” لحركة التحرر الوطني العالمية وللمعسكر الاشتراكي بجميع محاوره.

          إن مسألة تحرير فلسطين مرتبطة، جدليا ويوميا، بالنضال العالمي المشترك ضد الاستعمار والإمبريالية والرجعية العالمية، تماما كما يرتبط بقاء “الكيان الإسرائيلي”، جدليا ويوميا، بالارتباط مع الإمبريالية العالمية عامة والإمبريالية الأميركية خاصة.
          لتتوجه كل البنادق إلى صدر العدو الصهيوني – الاستعماري.
          عاش تضامن جميع فصائل حركة المقاومة ضد محاولات تصفيتها من الخارج والداخل على أيدي الدوائر المعادية واليمين الفاشي.
          عاشت حركة المقاومة الفلسطينية الثورية، وعاشت وحدة الكفاح العالمي المشترك ضد الإمبريالية والصهيونية والثورة المضادة العالمية.


<5>

Scroll to Top