بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته

بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته في 17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته
في 17 مايو سنة 1939

        كانت حكومة جلالته قد أعربت في البيان الذى أصدرته عن فلسطين في اليوم التاسع من شهرتشرين الثانى سنة 1938 عن رغبتها في دعوة مندوبين عن عرب فلسطين وبعض البلاد العربية المجاورة وعن الوكالة اليهودية للتفاوض معهم في لندن بشأن السياسة المقبلة. وكانت تأمل باخلاص الوصول إلى شىء من التفاهم بنتيجة اجراء مباحثات وافية مقرونة بمنتهى الحرية والصراحة وقد عقدت في الآونة الأخيرة مؤتمرات مع وفود العرب واليهود استغرقت بضعة أسابيع وكانت هذه المؤتمرات وسيلة لتبادل الآراء بصورة مستكملة بين الوزراء البريطانيين ومندوبى العرب واليهود. وقد وضعت حكومة جلالته على ضوء المباحثات المشار اليها والحالة السائدة في فلسطين وتقرير اللجنة الملكية وتقرير لجنة التقسيم بعض المقترحات، وعرضت تلك المقترحات على وفود العرب واليهود كأساس لتسوية متفق عليها. غير انه لم تر وفود العرب ولا وفود اليهود ان في استطاعتها قبول تلك المقترحات ولذلك لم تسفر المؤتمرات عن اتفاق. وبناء على ذلك ترى حكومة جلالته نفسها حرة في وضع سياستها الخاصة وقد قر رأيها بعد انعام النظر الدقيق على التمسك بصورة عامة بالمقترحات التى عرضت نهائيا على وفود العرب واليهود وبحثت معهم:

        لقد كان صك الانتداب على فلسطين الذى أقر نصوصه مجلس عصبة الامم في سنة 1922 أساس السياسة التى اتبعتها الحكومات البريطانية المتعاقبة زهاء عشرين عاما، وهذا الصك ينطوى على تصريح بلفور ويفرض على الدولة المنتدبة أربعة التزامات رئيسية وقد بسطت هذه الالتزامات في المواد الثانية والسادسة والثالثة عشرة من صك الانتداب. ومن بين هذه الالتزامات التزام لم يقم أى خلاف حول تفسيره وهو الالتزام الذي يبحث في حماية الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية وتسهيل الوصول اليها. أما الالتزامات الأخرى فهى اجمالا كما يلى:

1 –

وضع البلاد في أحوال سياسية وادارية واقتصادية من شأنها ان تضمن انشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وتسهيل هجرة اليهود في أحوال ملائمة وتشجيع حشد اليهود في الأراضي بالتعاون مع الوكالة اليهودية.

2 –

صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن العنصر والدين وضمان عدم الحاق الضرر بحقوق ووضع فئات الاهالى الأخرى مع تسهيل الهجرة اليهودية واستيطان اليهود في الأراضي.

 

 بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته في 17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

3 –

وضع البلاد في أحوال سياسية وادارية واقتصادية من شأنها ان تضمن ترقية مؤسسات الحكم الذاتى.

        وقد لفتت اللجنة الملكية ولجان التحقيق الاخرى التى سبقتها، النظر إلى الغموض المحيط ببعض العبارات الواردة في صك الانتداب كعبارة “وطن قومي للشعب اليهودى” ووجدت في هذا الغموض وفي ما نشأ عنه من الريبة حول الاهداف التى ترمي إليها الخطة السياسية سببا أساسيا للقلق والشحناء بين العرب واليهود. ان حكومة جلالته مقتنعة ان مصلحة السلام ورفاه جميع أهالي فلسطين تحتم وضع تعريف صريح للخطة السياسية ولأهدافها. ولقد كان من شأن اقتراح التقسيم الذى أوصت به اللجنة الملكية أن يوفر مثل هذه الصراحة غير أنه وجد أن تشكيل دولتين مستقلتين ضمن فلسطين احداهما عربية والأخرى يهودية يكون في استطاعتهما سد نفقاتهما بذاتهما ليس من الأمور العملية. ولذلك كان لزاما على حكومة جلالته أن تستنبط بدلا من التقسيم سياسة أخرى من شأنها ان تفى بما تتطلبه الحالة في فلسطين على وجه يتفق مع الالتزامات المترتبة عليها نحو العرب ونحو اليهود. وقد أدرجت آراء ومقترحات حكومة جلالته ادناه في ثلاثة أبواب هى:

 

1 – الدستور

2 – المهاجرة

3 – الأراضي

1 – الدستور:
        
لقد قيل في معرض الجدل أن عبارة “وطن قومي للشعب اليهودي”، تفسح المجال لصيرورة فلسطين على مرور الزمن دوله أو مملكة يهودية. ان حكومة جلالته لا تود أن تقارع الرأى الذى أعربت عنه اللجنة الملكية وهو أن الزعماء الصهيونيين كانوا يدركون حين صدر تصريح بلفور ان نصوص ذلك التصريح لا تحول دون قيام دولة يهودية في النهاية. غير أن حكومة جلالته تشاطر اللجنة الملكية الاعتقاد بأن واضعى صيغة الانتداب الذى أدمج فيه تصريح بلفور لا يمكن أن يكونوا قد قصدوا تحويل فلسطين إلى دولة يهودية خلافا لادارة سكان البلاد العرب . أما انه لم يكن المقصود تحويل فلسطين الى دولة يهودية فيمكن استنتاجه ضمنا من الفقرة التالية المقتبسة عن الكتاب الابيض الصادر سنة 1922:

        لقد قيلت أقوال غير مصرح بها مؤداها ان الغاية التى يرمى اليها هذا التصريح هي خلق فلسطين يهودية برمتها. واستعملت عبارات كمثل القول بأن فلسطين ستصبح يهودية، كما ان انجلترا انجليزية وحكومة جلالته تعتبر ان كل أمل كهذا غير ممكن التحقيق وهي لترمى الى مثل هذا الهدف كما انه لم يخطر في بالها في أي وقت من الأوقات أن يزول الشعب العربي أو اللغة أو الثقافة العربية في فلسطين أو أن تصبح مسيطرا عليها . وهي تود ان تلفت النظر الى أن نص التصريح المشار اليه (أى تصريح بلفور) لا يرمي الى تحويل فلسطين بكليتها إلى وطن قومي يهودي بل الى أن وطنا كهذا سيؤسس في فلسطين.

        غير ان هذا البيان لم يزل الشكوك ولذلك فان حكومة جلالته تصرح الآن بعبارة لا لبس فيها ولا ابهام انه ليس من سياستها أن تصبح فلسطين دولة يهودية. وهي

 بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلاته في 17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

تعتبر في الواقع انه مما يخالف الالتزامات المترتبة عليها نحو العرب بموجب صك الانتداب والتأكيدات التى أعطيت للشباب العربي فيما مضي ان يجعل (بضم الياء) سكان فلسطين العرب رعايا دولة يهودية خلافا لارادتهم.

       وقد وصفت ماهية الوطن القومي اليهودي وصفا أوفى في الكتاب الأبيض الصادر سنة 1922 على النحو التالى:

       “لقد أعاد اليهود في القرنين أو الثلاثة قرون الأخيرة تكوين طائفة منهم في فلسطين يبلغ عددها الآن ثمانين الفا ربعهم تقريبا مزارعون أو عملة في الأرض. ولهذه الطائفة هيئاتها السياسية الخاصة ومجمع منتخب لادارة شئونها الداخلية ومجالس منتخبة في المدن وهيئة للاشراف على مدارسها ولها رئاسة ربانيين منتخبة ومجلس رباني منتخب لادارة شئونها الدينية. وتستعمل هذه الطائفة اللغة العبرية كلغة محلية. ولها صحف عبرية تفى بحاجتها وهى تتبع نمطا تهذيببيا يميزها عن سواها وتبدى نشاطا كبيرا في الحركة الاقتصادية فهذه الطائفة بسكان المستعمرات والمدن وبتشكيلاتها السياسية والدينية والاجتماعية ولغتها الخاصة وعاداتها وطرق معيشتها الخاصة لها في الحقيقة مميزات قومية. ولو سأل سائل عن معنى تنمية الوطن القومي اليهودي في فلسطين اجمالا بل زيادة نمو الطائفة اليهودية بمساعدة اليهودي الموجودين في أنحاء العالم حتى تصبح مركزا يكون فيه للشعب اليهودى برمته اهتمام وفخر من الوجهتين الدينية والعنصرية. ولكى يكون لهذه الطائفة خير أمل في التقدم الحر ويفسح للشعب اليهودي مجالا واف يظهر فيه كفاياته كان من الضروري ان يعلم أن وجوده في فلسطين هو كحق وليس كمنة. ذلك هو السبب الذى جعل من الضروري ضمان وجود وطن قومي لليهود في فلسطين ضمانا دوليا والاعتراف. رسميا بأنه يستند الى صلة تاريخية قديمة”.

       ان حكومة جلالته تتمسك بهذا التفسير لتصريح سنة 1917 وتعتبره وصفا معتمدا وشاملا لماهية الوطن القومي اليهودي في فلسطين وهذا التفسير ينطوى على اطراد نمو الطائفة اليهودية الموجودة في البلاد بمساعدة اليهود الموجودين في أنحاء العالم الأخرى.. ومما يقيم الدليل على ان حكومة جلالته ما فتئت تقوم بالتزاماتها من هذه الناحية انه منذ صدور بيان الخطة السياسية سنة 1922 هاجر الى فلسطين ما يزيد على 300.000 يهودي وان عدد سكان الوطن القومي قد ارتفع حتى بلغ نحو 450.000 نسمة أو ما يقرب من ثلث سكان البلاد برمتهم ، هذا وأن الطائفة اليهودية لم تقصر من جهتها في اغتنام الفرص التى أتيحت لها الى أقصى حد فنمو الوطن القومي اليهودي وما توصل الى اتيانه في كثير من الميادين هو مجهود انشائي جدير بالاعتبار وحرى بأن ينال اعجاب العالم وبأن يكون على الأخص مصدر فخر للشعب اليهودى.

       وقد رددت الوفود العربية في سياق المباحثات الأخيرة الحجة القائلة بأن فلسطين مشمولة في المنطقة التى تعهد السير هنرى مكماهون بالنيابه عن الحكومة البريطانية في شهر تشرين الأول سنة 1915 ان يعترف باستقلال العرب فيها ويؤيده. وقد بحث مندوبون من البريطانيين والعرب خلال المؤتمرات التى عقدت مؤخرا في لندن في صحة هذا الادعاء الذى يستند الى المراسلات المتبادلة بين السير هنرى مكماهون وشريف مكة بحثا مقرونا بالدقة والعناية. ويقول تقريرهم الذى تم نشره ان المندوبين

 بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته في 17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

العرب والبريطانيين بذلوا جهدهم ليفهم كل فريق منهما وجهة نظر الفريق الآخر. ولكنهم لم يتمكنوا من الوصول الى اتفاق حول تفسير هذه المراسلات. ولا حاجة هنا الى تلخيص الحجج التى أوردها كل من الفريقين ان حكومة جلالته تأسف لسوء الفهم الذي نشأ حول بعض العبارات المستعملة في تلك المراسلات. وهي من جهتها استنادا الى الأسباب التى بسطها مندوبوها في التقرير لا يسعها الا أن تتمسك بالرأى القائل ان جميع فلسطين الواقعة غربى الأردن كانت قد استثنيت من العهد الذى قطعه السير هنرى مكماهون وهى لذلك لا تستطيع أن توافق على أن مراسلات مكماهون تشكل أساسا عادلا للادعاء بوجوب تحويل فلسطين الى دولة عربية مستقلة.

        ان حكومة جلالته ملزمة بصفتها الدولة المنتدبة “أن تضمن ترقية مؤسسات الحكم الذاتى في فلسطين” وهى عدا هذا الالتزام المعين، تعتبر ان بقاء سكان فلسطين تحت تدريب الدولة المنتدبة الى الابد يخالف روح نظام الانتداب من أساسه. فمن الصواب أن يتمتع أهل البلاد بما أمكن من السرعة بحقوق الحكم الذاتي التي يمارسها أهالي البلاد المجاورة. ان حكومة جلالته لا تستطيع في الوقت الحاضر أن تتنبأ بشكل الحكم الدستوري الذى ستصطبغ به حكومة فلسطين في النهاية ولكن الهدف الذى ترمى اليه هو اقامة الحكم الذاتى وهى ترغب في ان ترى قيام دولة فلسطينية مستقلة في النهاية. وينبغى أن تكون تلك الدولة دولة يساهم فيها الشعبان المقيمان في فلسطين العرب واليهود بممارسة سلطة الحكم على وجه يكفل ضمان المصالح الرئيسية لكل من الفريقين.

        ان تشكيل دولة مستقلة في فلسطين والتخلى التام عن رقابة الانتداب فيها يتطلبان نشوء علاقات ما بين العرب واليهود من شأنها أن تجعل حكم البلاد حكما صالحا في حيز الامكان. اضف الى ذلك أن نمو مؤسسات الحكم الذاتى في فلسطين لا بد له أن يسير على قاعدة النشوء والارتقاء شأنه في البلاد الأخرى.

        فقبل الوصول الى الاستقلال لابد من فترة انتقال تحتفظ خلالها حكومة جلالته بالمسئولية النهائية بصفتها السلطة المنتدبة بينما يزداد في اثنائها نصيب أهالى البلاد من الاضطلاع بالحكم وتنمو فيهم روح التفاهم والتعاون. وستبذل حكومة جلالته جهودها المتواصلة لترويج نمو العلاقات الطيبة بين العرب واليهود.

        وعلى ضوء هذه الاعتبارات تصدر حكومة جلالته التصريح التالى معلنة فيه نواياها بشأن حكومة فلسطين المقبلة:

1 –

ان الهدف الذى ترمى اليه حكومة جلالته هو أن تشكل خلال عشر سنوات حكومة فلسطينية مستقلة ترتبط مع المملكة المتحدة بمعاهدة تضمن للبلدين تطلباتهما التجارية والحربية في المستقبل ضمانا مرضيا. وهذا الاقتراح بتشكيل دولة مستقلة من شأنه أن ينطوى على التشاور مع مجلس عصبة الأمم بقصد انهاء الانتداب.

2 –

ان الدولة المستقلة يجب أن تكون دولة يساهم العرب واليهود في حكومتها على وجه يضمن صيانة المصالح الأساسية لكل من الفريقين.

 بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته في 17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949 وزارة الارشاد القومي، ج 1 ، ص 717 – 726″

3 –

يكون تشكيل الدولة المستقلة مسبقا بفترة انتقال تحتفظ حكومة جلالته خلالها بمسئولية حكم البلاد. وفي أثناء فترة الانتقال يعطى أهل فلسطين نصيبا متزايدا في حكومة بلادهم. وستتاح لكلا فريقى السكان فرصة للاشتراك في ادارة الحكومة وسيسار في هذه العملية سواء اغتنم كلا الفريقين هذه الفرصة أم لا.

4 –

حالما يتوطد الأمن والنظام في فلسطين توطيدا كافيا تتخذ التدابير لتنفيذ هذه السياسة ألا وهى سياسة اعطاء أهل فلسطين نصيبا متزايدا في حكومة بلادهم والهدف الذى يرمى (بضم الياء) اليه هو توليه الفلسطينيين زمام جميع دوائر الحكومة بمساعدة مستشارين بريطانيين. خاضعا ذلك لرقابة المندوب السامي. وتحقيقا لهذه الغاية ستكون حكومة جلالته مستعدة لاجراء الترتيبات اللازمة لتولية الفلسطينيين فورا زمام بعض الدوائر مع مستشارين بريطانيين. ويكون رؤساء الدوائر الفلسطنيين أعضاء في المجلس التنفيذي الذى يزود المندوب السامي بالمشورة. ويدعى مندوبون عن العرب واليهود لتولى مناصب رؤساء الدوائر بنسبة عدد السكان من كل من الفريقين على وجه التقريب. ويزداد عدد الفلسطينيين الذين يتولون زمام الدوائر كلما سمحت الظروف بذلك الى أن يصبح رؤساء جميع الدوائر فلسطينيين يمارسون المهام الادارية والاستشارية التى يقوم بها الآن الموظفون البريطانيون. وعند بلوغ تلك المرحلة ينظر في أمر تحويل المجلس التنفيذي الى مجلس وزراء مع اجراء ما يترتب على ذلك من التغيير في وضع ومهام رؤساء الدوائر الفلسطينيين.

5 –

ان حكومة جلالته لا تتقدم في هذه المرحلة بأية مقترحات حول تشكيل هيئة تشريعية منتخبة. ولكنها على الرغم من ذلك تعتبر هذا الأمر تطورا دستوريا في محله واذا أعرب الرأى العام في فلسطين فيما بعد عن تحبيذه لمثل هذا التطور تكون حكومة جلالته مستعدة لتشكيل الاداة اللازمة بشرط أن تسمح الأحوال المحلية بذلك.

6 –

لدى انقضاء خمس سنوات على توطيد الأمن والنظام تشكل هيئة ملائمة من ممثلى أهل فلسطين وحكومة جلالته للنظر في كيفية سير الترتيبات الدستورية خلال فترة الانتقال وللبحث في وضع دستور لدولة فلسطينية مستقلة وتقديم التواصى بذلك الشأن.

7 –

وستتطلب حكومة جلالته أن تقتنع بأن المعاهدة المنظور عقدها في البند (1) أو الدستور المنظور وضعه في البند (6) اعلاه قد ضمن النصوص الوافية:

( أ )

لحماية الاماكن المقدسة وتسهيل الوصول اليها وحماية مصالح واملاك الهيئات الدينية المختلفة.

(ب)

لحماية مختلف الطوائف في فلسطين وفقا للالتزامات المترتبة على حكومة جلالته نحو العرب ونحو اليهود وفيما يتعلق بالوضع الخاص الذى للوطن القومى اليهودي في فلسطين.

(جـ)

بشأن الامور المطلوبة لملافاة الحالة الحربية مما قد تعتبره حكومة جلالته ضروريا على ضوء الظروف التى تكون سائدة في ذلك الحين.

 بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة حلالته في 17 مايو 1939
” ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

       وستتطلب حكومة جلالته ايضا ان تقتنع بأن المصالح التى لبعض البلاد الاجنبية في فلسطين والتى تضطلع حكومة جلالته الآن بمسئولية المحافظة عليها وهى مصونة صيانة وافية.

       وستبذل حكومة جلالته كل ما في وسعها لايجاد ظروف تمكن الدولة الفلسطينية المستقلة من الخروج الى حيز الوجود خلال عشر سنوات. واذا ظهر لحكومة جلالته لدى انقضاء عشر سنوات ان الظروف تتطلب ارجاء تشكيل الدولة المستقلة خلافا لما تأمله فانها تتشاور مع ممثلى أهالي فلسطين ومجلس عصبة الأمم والدول العربية المجاورة قبل اتخاذ قرار بشأن الارجاء فاذا أقر رأى حكومة جلالته انه لا مناص من هذا الارجاء فانها تدعو هؤلاء الفرقاء للتعاون معها في وضع خطط للمستقبل بقصد الوصول الى الهدف المنشود في أقرب وقت ممكن.

       وستتخذ التدابير أثناء فترة الانتقال لزيادة سلطات ومسئوليات البلديات والمجالس المحلية:

2 – المهاجرة:

       ان ادارة فلسطين مكلفة بمقتضى المادة السادسة من صك الانتداب “بتسهيل هجرة اليهود في أحوال ملائمه، مع ضمان عدم الحاق الضرر بحقوق ووضع جميع فئات الاهالى الأخرى” وياستثناء ما تقدم لم يحدد مدى الهجرة اليهودية المسموح بها الى فلسطين في أى موضع آخر من صك الانتداب. ولكن ورد في الكتاب الابيض الصادر سنة 1922 (رقم 1700) انه تنفيذا لسياسة انشاء وطن قومي يهودى.

       “من الضرورى أن تتمكن الطائفة اليهودية في فلسطين من زيادة عددها عن طريق المهاجرة. وهذه المهاجرة لا يمكن أن يكون مقدارها بحيث تتجاوز قدرة البلاد الاقتصادية في حينه على استيعاب القادمين الجدد. ومن المحتم ضمان عدم صيرورة المهاجرين عبئا على أهالي فلسطين عموما وألا يحرموا أية فئة من السكان الحاليين من عملهم.

       ومن الوجهة العملية اعتبرت قدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب منذ ذلك التاريخ فصاعدا وحتى الآونة الاخيرة العامل الوحيد الذى تحدد الهجرة على أساسه. وورد في الكتاب الذى أرسله المستر رمزى مكدونالد بصفته رئيسا للوزارة الى الدكتور وايزمان في شهر شباط سنة 1931 في معرض بسط الخطة السياسية ان قدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب هى الاساس الوحيد لتحديد الهجرة. ثم أيد هذا التفسير بقرارات اتخذتها لجنة الانتدابات الدائمة. لكن حكومة جلالته لا ترى في بيان الخطة السياسية الصادر سنة 1922 ولا في كتاب رئيس الوزراء الصادر سنة 1931 ما يمكن تفسيره بان صك الانتداب يقضى عليها في جميع الاوقات وفي كافة الظروف أن تسهل هجرة اليهود الى فلسطين على أساس اعتبار قدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب دون سواها. كما انها لا تجد في صك الانتداب ولا في بيانات الخطط سياسية التى صدرت بعده ما يؤيد الرأى القائل بان انشاء وطن قومى لليهود في فلسطين لا يمكن تحقيقه الا اذا سمح للهجرة بالاستمرار الى ما لا نهاية له. فاذا كانت الهجرة تؤثر في وضع البلاد الاقتصادية تأثيرا سيئا فمن الواضح انه يجب تقييدها. وكذلك الحال اذا كان للهجرة أثر يضر ضررا خطيرا بوضع البلاد

 بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته في 17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

السياسي فان ذلك عامل يجب ألا يغفل ومع انه ليس من الصعب أن يقال في معرض الجدل بان ذلك العدد الكبير من المهاجرين اليهود الذين دخلوا البلاد حتى الآن قد استوعبتهم البلاد من الناحية الاقتصادية فإن المخاوف التى تساور العرب من ان هذه الهجرة المتدفقة ستستمر الى مالا نهاية له حتى يصبح السكان اليهود في وضع يمكنهم من السيطرة عليهم. وقد اسفرت عن نتائج عظيمة الخطورة لليهود وللعرب على السواء والسلام ورفاة فلسطين. فما هذه الاضطرابات المفجعة التى وقعت خلال السنوات الثلاث الماضية إلا آخر وأثبت مظهر برزت فيه تلك المخاوف العظيمة التى تساور العرب.

        أن الاساليب التى سلكها الارهابيون العرب ضد مواطنيهم من العرب وضد اليهود على السواء يجب أن يقابل بالاستنكار المطلق، غير انه لا يمكن الانكار ان الخوف من استمرار الهجرة اليهودية استمرارا لا نهاية له منتشر انتشارا واسعا بين السكان العرب وان هذا الخوف هو الذى هيأ السبيل لوقوع الاضطرابات التى صدمت تقدم البلاد الاقتصادى صدمة عنيفة واستنزفت خزينة فلسطين وجعلت الناس غير مطمئنين على أرواحهم وأموالهم وخلقت بين السكان العرب واليهود مرارة يؤسف لحدوثها بين مواطنى بلاد واحدة. ولو استمرت الهجرة في هذه الظروف الى الحد الأعلى الذى تسمح به قدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب بقطع النظر عن سائر الاعتبارات الأخرى لأدى ذلك الى تخليد عداوة قاتلة بين الشعبين ولأمكن أن تصبح الحالة في فلسطين عندئذ مصدرا دائما للاحتكاك بين جميع شعوب الشرق الادنى والأوسط. وحكومة جلالته لا يسعها أن تأخذ بالرأى القائل إن الالتزامات المترتبة عليها بموجب صك الانتداب أو أن العقل الراجح والعدالة تقضى عليها بتجاهل هذه الظروف لدى وضع سياستها بشأن الهجرة.

        لقد كان من رأى اللجنة الملكية أن ادماج سياسة تصريح بلفور بنظام الانتداب ينطوى على الاعتقاد بامكان التغلب على موقف العرب العدائي من ذلك التصريح عاجلا أم آجلا. ولقد كانت الحكومات البريطانية منذ صدور تصريح بلفور تأمل أن ترضي السكان العرب مع مرور الزمن عن اطراد نمو الوطن القومي اليهودى بعد أن يدركوا الفوائد التي سيجنونها من الاستيطان والعمران اليهـودي في فلسطين. ولكن هذا الأمل لم يتحقق. وأصبح على حكومة جلالته الآن أن تختار بين سياستين: فهى:

1 –

اما أن تعمل على توسيع الوطن القومي توسيعا لا نهاية له عن طريق الهجرة ضد رغبات سكان البلاد من العرب التى اعربوا عنها بكل شدة.

أو:

2 –

أن تسمح بزيادة توسع الوطن القومي عن طريق الهجرة اذا كان العرب على استعداد للقبول بتلك الهجرة ولكن ليس بدون ذلك.

        أما السياسة الاولى فمؤداها الحكم بالقوة وهي بقطع النظر عن الاعتبارات الاخرى تخالف في رأى حكومة جلالته روح المادة الثانية والعشرين من ميثاق عصبة الأمم كل المخالفة كما انها تناقض أيضا الالتزامات الصريحة المترتبة عليها نحو العرب بموجب صك الانتداب على فلسطين. أضف الى هذا ان العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين لا بد لها أن تبنى عاجلا أم آجلا على أساس تبادل التسامح والنية الطيبة فسلام الوطن القومي اليهودي نفسه وتقدمه يتطلب ذلك. ولذلك قررت حكومة جلالته

 بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته في 17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 لإلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

بعد انعام النظر والتدقيق وبعد اعتبار المدى الذى سهل فيه نمو الوطن القومي اليهودي خلال السنوات العشرين الماضية انه قد حان الوقت للأخذ من حيث المبدأ بالسياسة الثانية من السياستين المشار اليهما أعلاه.

       لقد طلب بالحاح وقف كل هجرة أخرى الى فلسطين في الحال. ان حكومة جلالته لا تستطيع أن تقبل باقتراح كهذا اذ ان من شأنه أن يلحق الضرر بنظام فلسطين المالى والاقتصادي بأكمله وبذلك يؤثر تأثيرا سيئا في مصالح العرب واليهـود على السواء.. ثم ان حكومة جلالته ترى انه ليس من الانصاف للوطن القومي اليهودي وقف كل هـجرة أخرى وقفا فجائيا. غير ان حكومة جلالته فضلا عن هذا كله تلم بالمحنة القاسية التى يعانيها الآن عدد كبير من اليهود الذين يلتمسون ملجأ يلجأون اليه من بعض البلاد الاوروبية وهى تعتقد ان في استطاعة فلسطين أن تساهم بنصيب آخر في سبيل حل هذه المشكلة العالمية الملحة وانه ينبغى لها أن تقوم بذلك.

       وفي جميع هذه الظروف تعتقد انها باتخاذها المقترحات التالية بشأن الهجرة تكون قد سارت وفقا لالتزامات الانتداب الملقاة على عاتقها ازاء العرب واليهود معا وفي خير طريق يؤدى الى خدمة مصالح سكان فلسطين باسرهم. وهذه المقترحات هي كما يلى:

1 –

تكون الهجرة اليهودية خلال السنوات الخمس التالية بمقدار من شأنه أن يزيد عدد السكان اليهود في فلسطين الى ما يقرب من ثلث مجموع سكان البلاد بشرط أن تسمح قدرة الاستيعاب الاقتصادية بذلك. فاذا أخذت بعين الاعتبار الزيادة الطبيعية المتوقع حصولها في عدد السكان العرب واليهود وحسب حساب عدد المهاجرين اليهود غير الشرعيين الموجودين الآن في البلاد فان ذلك يسمح بادخال نحو 75.000 مهاجر يهودي خلال السنوات الخمس التالية اعتبارا من أول شهر نيسان من السنة الحالية وسينظم دخول هؤلاء المهاجرين مع مراعاة قدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب على أساس القاعدة التالية:

( أ )

يسمح في كل سنة من السنوات الخمس التالية بدخول حصة من المهاجرين اليهود لا يتجاوز مقدارها 10.000 شخص مع العلم ان كل نقص يقع في أية سنة يمكن أن يضاف الى حصص السنين التالية خلال مدة السنوات الخمس بشرط أن تسمح بذلك قدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب.

(ب)

بالاضافة الى ذلك ومن قبيل المساهمة في حل مشكلة اللاجئين اليهود يسمح بدخول 25000 لاجىء الى البلاد حالما يقتنع المندوب السامى بأن الوسائل الوافية لاعالتهم قد أصبحت مضمونة ويرجح من هؤلاء اللاجئين الاطفال والمعالين.

2 –

يحتفظ بالادارة الحالية لتقرير قدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب ويضطلع المندوب السامى بالمسئولية النهائية في تقرير حدود قدرة الاستيعاب الاقتصادية. ويستنير برأى مندوبين من اليهود والعرب قبل اتخاذ قراره بشأن كل فترة.

 

بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته في17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

3 –

لدى انقضاء السنوات الخمس المشار اليها لا يسمح بهجرة يهودية أخرى إلا اذا كان عرب فلسطين على استعداد للقبول بها.

4 –

ان حكومة جلالته مصممة على قمع الهجرة غير المشروعة وتتخذ الآن اجراءات أخرى للحيلولة دونها. واذا أفلح عدد من المهاجرين اليهود غير الشرعيين في دخول البلاد على الرغم من تلك الاجراءات وكان هؤلاء ممن لا يمكن ابعادهم ينزل عددهم من الحصص السنوية.

        ان حكومة جلالته مقتنعة أنه متى تمت الهجرة التى يفكر فيها الآن على مدار السنوات الخمس المشار اليها لن يكون لها مبرر كما انها لن تكون تحت طائلة أى التزام لتسهيل انشاء الوطن القومى اليهودي عن طريق السماح بهجرة أخرى بقطع النظر عن رغبات السكان العرب.

3 – الأراضي:

        ان المادة السادسة من صك الانتداب تقضى على ادارة فلسطين “بتسهيل حشد اليهود في الاراضي مع ضمان عدم الحاق الضرر بحقوق ووضع جميع فئات الاهالى الاخرى ” ولم يفرض لغاية الآن أى قيد على انتقال الاراضى من العرب الى اليهود. وقد دلت التقارير التى وضعتها مختلف لجان الخبراء على انه بالنظر لنمو عدد السكان الطبيعي واستمرار بيع الاراضي من العرب إلى اليهود في السنوات الاخيرة لا يوجد الآن في بعض المناطق أى مجال لانتقال الاراضى من العرب الى اليهود في بعض المناطق الاخرى اذا كان يراد احتفاظ المزارعين العرب بمستوى معيشتهم الحالى والحيلولة دون تكوين جماعة كبيرة من العرب ممن لا أرض لهم. وبالنظر لهذه الظروف سيمنح المندوب السامي سلطات عامة تخول منع وتنظيم انتقال الأراضى . وسيبدأ العمل بهذه السلطات من تاريخ نشر هذا البيان ويحتفظ المندوب السامى بها طيلة فترة الانتقال.

        وستنصرف سياسة الحكومة الى اعمار الاراضى وتحسين الاساليب الزراعية حينما يكون ذلك ممكنا. وعلى ضـوء هذا العمران سيباح للمندوب السامى لدى اقتناعه بان حقوق ووضع السكان العرب قد حفظت حفظا تاما بأن يعيد النظر في أية أوامر أصدرها بمنع انتقال الاراضى أو تقييده وتعديل تلك الاوامر.

        لقد بذلت حكومة جلالته لدى وضعها هذه المقترحات جهدها باخلاص للتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بموجب صك الانتداب نحو العرب واليهود معا، فان غموض العبارات التى استعملت في بعض الحالات لوصف هذه الالتزامات قد أدى الى المشادة وجعل مهمة تفسير تلك العبارات شاقة.

        ان حكومة جلالته لا يمكنها أن تأمل بارضاء الذين يتحيزون الى هذا الفريق أو ذاك في هذه المشادة التى نشأت عن صك الانتداب. والغاية التى ترمى اليها هي أن

 

بيان الخطة السياسية الصادرة من حكومة جلالته في17 مايو 1939
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 717 – 726″

تقف موقف الانصاف بين الشعبين المقيمين في فلسطين اللذين تناولت الحوادث العظمى التى وقعت في السنوات الاخيرة مقدراتهما في تلك البلاد واللذين يتحتم عليهما أن يتدربا على تبادل التسامح والنية الحسنة والتعاون ماداما سيعيشان جنبا الى جنب في فلسطين.  وحكومة جلالته اذ تنظر الى المستقبل لا يغرب عن بالها أن بعض الحوادث التى وقعت في الماضى ستجعل انشاء هذه العلاقات مهمة شاقة غير انه مما يشجعها على هذا الامل ان العرب واليهود كثيرا ما عاشوا معا في السنوات الاخيرة بصفاء في أماكن عديدة في فلسطين.  ان على كل طائفة من هاتين الطائفتين أن تساهم بنصيب وافر في سبيل رفاه بلادهما المشتركة ولابد لكل منهما أن تجنح الى السلم بنية صادقة كي يتاح لها أن تساهم في العمل على اطراد رفاه أهل البلاد بأجمعهم. ومما يزيد في خطورة التبعة الملقاة على عاتقهم وعلى عاتق حكومة جلالته من حيث التعاون معا في سبيل تأمين السلام ان البلاد يقدسها في كافة أنحاء العالم ملايين عديدة من المسلمين واليهود والمسيحيين الذين يبتهلون الى الله تعالى أن يخيم السلام في ربوعها وأن يوفر أسباب السعادة لأهلها.

Scroll to Top