بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف

بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

بيان الدكتور جون ديفيز (*)
مدير وكالة إغاثة اللاجئين
في مؤتمر اللاجئين العالمي
بتاريخ يناير سنة 1961 (في جنيف)

         إن غايتي اليوم هي أن أقدم صورة صحيحة عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين وحاجاتهم كما أراها، وإني أفعل ذلك على أمل أن تستطيع الهيئات التي تمثلونها من تقديم المزيد من المساعدات لهؤلاء المنكوبين.

         غير أنني قبل أن أفعل ذلك أريد أن أعبر عن تقديري العميق للمساعدات الفائقة الأهمية التي سبق للكثير من الهيئات الممثلة في هذه القاعة أن قدمتها وفي بعض الحالات تعود المساعدات التي قدمتها بعض هيئاتكم إلى ما قبل إنشاء الوكالة بأكثر من سنتين. ولقد واصلتم طيلة السنوات الثلاث عشرة الماضية إعانة اللاجئين بتقديم الكساء والتغذية الإضافية والمساعدات الصحية على أنواعها والتعليم وكثير من الخدمات الاجتماعية والشخصية من النوع الذي لا تستطيع الوكالة توفيره. ولقد توجتم هذا السجل الباهر بجهودكم الممتازة بتنظيم سنة اللاجئين العالمية والنهوض بها. أما الروح التي فعلتم ذلك بها والتي تحفز على العمل في سبيل الكائنات البشرية المعوزة، والاهتمام الشخصي والمحبة اللذان رافقا الخدمات التي قدمتموها، فقد زادت زيادة لا تقدر من قيمة جميع ما قدمتموه من خدمات، وموجز القول أنكم بذلتم أكثر من تقديم المساعدة لسد الاحتياجات المادية فقد ساعدتم على جعل حياة اللاجئ أكثر تحملا ببعثكم ولو قليلا من الأمل في نفسه وإبقائكم إيمانه في أخيه الإنسان وهذه عناصر تفتقر إليها معسكرات اللاجئين إلى حد بعيد. ولهذه الأسباب جميعها أشكركم كما أنني واثق أن اللاجئين يرغبون أيضا في أن أشكركم بالنيابة عنهم.

         على أنه بالرغم من فائدة هذه المساعدات لاتزال مشكلة اللاجئين دون حل، وفي الواقع أن عدد اللاجئين لا يزال يزداد بأكثر من 30.000 شخص كل عام وإن حالتهم لاتزال مفجعة من ناحية الآمال الخائبة وانعدام الفرص. وربما أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ليست مستمرة فحسب بل إنها تكبر أكثر فأكثر مع مرور الزمن، فإن الحاجة إلى المساعدات الطوعية غير الحكومية تستمر على نطاق متسع. وإن هذه الحاجة المتزايدة هو الأمر الذي أريد أن أبحثه معكم الآن.

         واسمحوا لي عند هذه النقطة أن أوضح أنني عالم بأن العالم بوجه عام قد مل من سماع أنباء اللاجئيين الفلسطينيين ولقد وصلت هذه الحقيقة إلى مسامعي مرارا


          (*) منشورات الأمم المتحدة

بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

وتكرارا عندما كنت أتحدث مع ممثلي الحكومات والجمعيات الخيرية خلال السنتين الأخيرتين، غير أن كثيرا من هذا الملل يرجع إلى عدم تفهم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين كما هي وما يترتب على هذه المشكلة من الأمور بالنسبة للعالم أجمع.

         ونظرا لعدم التفهم الواسع هذا، قررت أن أغتنم هذه الفرصة لأحاول إيضاح بعض المفاهيم الخاطئة التي تجعل المرء يصل إلى استنتاجات خاطئة غير أنني قبل أن أفعل ذلك أريد أن أذكر أنني لم ألاق عدم التفهم هذا في كل شخص قابلته إذ أنه يوجد في كل بلد من البلدان، لحسن الحظ، بعض الأفراد الملمين إلماما شاملا بهذه القضية وأن عددا من هؤلاء الأفراد موجودون بالطبع بيننا في هذه القاعة.

         الفكرة الخاطئة الأولى: إن عرب فلسطين عديمو الحيلة ويفضلون الصدقات الدولية على العمل من أجل كسب رزقهم. أما الواقع فهو أن هؤلاء الناس هم على وجه العموم ميالون إلى العمل ولديهم رغبة قوية في أن يصبحوا قادرين على إعالة أنفسهم. ففي عام 1948 كان الاقتصاد الفلسطيني والثقافة الفلسطينية أكثر بلدان الشرق الأوسط تقدما كما يدل على ذلك ظهور بوادر نشاط صناعي واقتصادي ملحوظ وبرنامج تعليمي متسع وقيام طبقة وسطى مستمرة النمو. وترى بوجه عام أن العمال البالغين الذين يؤلفون هذه الطبقة الوسطى وجدوا أعمالا بعد نزوحهم عن فلسطين ولم يعتمدوا على الوكالة في أي وقت من الأوقات، ولقد كان هؤلاء يؤلفون حوالي 20 بالمائة من جميع القابلين للعمل الذين نزحوا عن ديارهم.

         أما اللاجئون الأقل حظا من هؤلاء، أي أولئك الذين أصبحوا معتمدين على الإغاثة الدولية، فإنهم لم يصبحوا كذلك رغبة منهم أو تعمدا، فلقد كان من بين هذه الفئة المرضى والطاعنون في السن والمزارعون والعمال غير الماهرين. وكان العنصر الأكبر منهم يتألف من العائلات المزارعة التي كانت مشكلتها أنها احتشدت في بلدان كانت تفيض أصلا بمثل هؤلاء العمال وكانت النتيجة أن هذه العائلات لم تجد شيئا تستطيع عمله، ومازال هذا الوضع إلى حد بعيد مصدر شقائها إلى هذا اليوم. وبوجه الإجمال وجدت أوضاع مماثلة بالنسبة للعمال الذين تنقصهم المهارة.

         وليس هنالك بين اللاجئين رغبة صادقة في التحسين الذاتي والإعالة الذاتية أكثر من تلك التي يمكن مشاهدتها بين الشباب أي أولئك الذين هم بين سن السادسة عشرة والعشرين. فهؤلاء يملكون مقدرات كامنة تساوي تلك الموجودة في أي بلد تقريبا، وأنهم تواقون إلى الحصول على التدريب التخصصي. والجدير بالذكر أن هذا صحيح على الرغم من المحيط البائس الذي نموا فيه حتى بلغوا سن الرشد.

         الفكرة الخاطئة الثانية: إن الحكومات العربية المضيفة قد أساءت معاملة اللاجئين بإهمالها إياهم حتى “وبإبقائهم كرهائن في صراعها مع إسرائيل”. والحقيقة هي أن الحكومات المضيفة بوجه عام قد أبدت عطفا وسخاء في مساعدة اللاجئين ضمن حدود إمكانياتها، فلقد آوتهم في بلادها في الدرجة الأولى وهي تنفق في الوقت الحاضر ما يزيد عن الخمسة ملايين دولار في العام بشكل خدمات للاجئين. وبالإضافة إلى ذلك فقد تحملت بصبر المصاعب الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وردود الفعل التي تنشأ عن وجود أعداد كبيرة من اللاجئين ضمن حدودها.

 بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

         الفكرة الخاطئة الثالثة: إنه كان بالإمكان حل مشكلة اللاجئين منذ زمن بعيد لولا تآمر السياسيين العرب المجردين عن المبادئ الذين سعوا لإبقاء اللاجئين عاطلين عن العمل وإن هؤلاء لا يمثلون الرأي العام. أما ملاحظاتي الخاصة فهي أن السياسيين العرب يسلكون كما يسلك السياسيون في أي مكان آخر من العالم تقريبا من حيث أنهم متنبهون لشعور شعبهم وفي رأيي أن الناطقين العرب في بياناتهم أمام الجمعية العامة وسواها يعبرون بدقة عن الشعور العميق والآمال الكامنة في قلوب الشعب الذي يمثلونه وبتعبير صريح إن عقدة شعورهم هو رفضهم قبول إسرائـيل كجزء دائم من الشرق الأوسط. وإن اتصالاتي الواسعة في الشرق الأوسط مضاف إليها الآراء العديدة التي تبادلتها مع أشخاص غيرهم ممن لهم مثل هذه الاتصالات تقنعني أن هذا هو ما يشعر به بالفعل الشعب العربي بكامله لا المليون لاجئ فلسطيني فحسب. وإن هذا الموقف الذي تسنده وتقويه المشاعر العميقة هو الموقف الذي يشعر به السياسيون وينعكس في بياناتهم وتصرفاتهم.

         ويقابل هذا الشعور من جانب الشعب العربي تصميم من جانب الشعب اليهودي في إسرائيل على الدفاع عن بلاده ضد جميع الاحتمالات وكما يقال غالبا “وظهره للبحر”.

         والوضع كما أراه هو أن الشعور الأساسي لكلا الشعبين فيما يختص بالقضية الفلسطينية، لا أهواء السياسيين، هو الذي حال ولا يزال يحول دون الوصول إلى حل سياسي للمشكلة الفلسطينية. وإنه لمن الأهمية بمكان أن هذا التمييز بين مشاعر الشعوب وأهواء الساسة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عندما يحاول المرء تقدير احتمال التوصل إلى حل للمشكلة في المستقبل القريب. وإن عمق هذه المشاعر وشمولها هو ما جعلني أقدم في تقريري السنوي إلى الجمعية العامة على التحذير ضد إظهار تفاؤل سابق لأوانه فيما يختص بإيجاد حل سريع للمشكلة.

         الفكرة الخاطئة الرابعة – تتصل هذه الفكرة اتصالا وثيقا بالفكرة الخاطئة الثالثة – ومفادها أنه لو أمكن التوصل إلى حل سياسي بين إسرائيل وجاراتها العربيات عن طريق التفاوض فإن مشكلة اللاجئين ستحل. إن هذا بعيد عن الحقيقة وسوف يبعد عنها أكثر فأكثر مع مرور السنين، وقد سبق لي أن أوضحت إن السبب الأساسي في أن السواد الأعظم من اللاجئين أصبحوا عند نشوء المشكلة معتمدين على الصدقات الدولية هو أنهم كانوا متقدمين في السن أو معتلى الصحة إلى حد لا يستطيعون معه العمل أو لأنهم كانوا من فئات العمال (أي المزارعين أو العمال غير الماهرين) الذين كانت تفيض بأمثالهم البلدان التي احتشدوا فيها. وموجز القول أنهم أصبحوا معتمدين على الإغاثة لأنهم لم يكونوا حائزين على القابلية للعمل ضمن النظام الاقتصادي الذي كان نائما في هذه البلدان المضيفة. ومما زاد في تعقيد معضلتهم هو أنه ليس هناك بلد في العالم اليوم في حاجة إلى المهارات المحدودة التي يملكونها، وعلاوة على ذلك فإن الوضع يزداد تعقدا مع مرور السنين لأن تقدم الوسائل التكنولوجية في مجموع أنحاء العالم تخفف الحاجة النسبية للمزارعين والعمال الماهرين كجزء من مجموع العناصر التي تتكون منها القوى العاملة.

         أما صفوف اللاجئين الأصليين الذين وجدوا أنفسهم غير قابلين للعمل ضمن الجو الاقتصادي الذي كان سائدا في البلدان المضيفة في عام 1948 فقد اتسعت

 بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

بسبب السيل المتواصل من الشباب الذين بلغوا سن الرشد، ومعظمهم أقل قابلية للعمل حتى من والديهم نظرا لقلة الفرص المتاحة أمامهم للحصول حتى على عادات العمل ونظامه. ومما يدل دلالة واضحة على خطورة هذه الناحية من المشكلة أن ثلاثة من كل خمسة من اللاجئين الفلسطينيين الذكور البالغين اليوم قد بلغوا سن الرشد كلاجئين. والمهم في الأمر أن مشكلة اللاجئين سوف تستمر قائمة كمشكلة كبرى في الشرق الأوسط حتى ولو أمكن، عن طريق حدوث ما يشبه المعجزة، التوصل فورا إلى حل سياسي لمشكلة فلسطين ذلك أن أكثر هؤلاء اللاجئين هم في الواقع غير – قابلين للعمل ضمن النظام الاقتصادي الآخذ الآن بالبروز في العالم بأسره. وبالإضافة إلى ذلك فإن 30.000 من الشبان – 15.000 فتى و15.000 فتاة – ينضمون إلى هذه الفئة المنكوبة كل عام حينما يبلغون سن الرشد. إن هذه الحقيقة خطيرة مفزعة – وإني أطالب إليكم أن تمعنوا النظر فيها.

         وإذ أبرز هذه النواحي الاقتصادية والاجتماعية من مشكلة اللاجئين أتجاهل في أي شكل من الأشكال أن هناك ناحية سياسية خطيرة للمشكلة قائمة بالفعل وهي مشكلة يجب حلها لكي يمكن التوصل إلى حل عام. وأما ما أريد قوله فهو أنه حتى ولو أمكن التوصل الآن إلى مثل هذه التسوية السياسية فسوف تبقى مشكلة لاجئين كبرى نظرا لعدم قابلية اللاجئين للعمل بوجه عام أما انعدام هذه القابلية فليس ناتجا عن إهمال تعمدي من جانب الحكومات المضيفة أو عن نزوات الساسة العرب الهوائية بل على العكس أنها تتجه كامنة في الأوضاع التي اضطر اللاجئون الفلسطينيون العيش فيها خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية. ويعني ذلك بحكم الضرورة أن مشكلة اللاجئين قد اتخذت سنة بعد سنة طابعا أصلب وأكثر تأصلا بالنسبة لإمكانية التوصل إلى حل نهائي. وفوق ذلك فإن هذه النواحي الصلبة والمزمنة تزداد ضخامة مع مرور كل سنة من السنين كلما ازداد عدد الشباب، وأكثرهم لا يزال مفتقرا للفرص لتنمية مقدراتهم القيمة الكامنة التي وهبهم إياها الله، وبلغوا سن الرشد وانضموا إلى صفوف العاطلين.

         الفكرة الخاطئة الخامسة: إنه ينبغي اللجوء إلى الضغط الخارجي على الحكومات المضيفة لإجبارها على الإسراع في حل مشكلة اللاجئين. إن متبنيي هذه السياسة الذين اكتشفوا أنهم كثيرو العدد يشيرون بتململ إلى ما يزيد عن الثلاثمائة مليون دولار التي ساهمت بها الحكومات لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية، ويفصحون عن أن مواطنيهم والهيئات التشريعية في بلادهم قد تعبوا من “سكب الأموال لهذة القضية دون أية نتائج” أو بنتائج سلبية كما يشير البعض بمعنى أن عدد اللاجئين آخذ بالازدياد.

         إن هذا الشعور وهذا التململ يمكن فهمه بالطبع تماما وخاصة إذا فكر المرء، كما فعل أولئك الذين يؤيدون هذا الشعور، إن الثلاثمائة مليون دولار قد أنفقت في سبيل حل مشكلة اللاجئين. والواقع أنه لم ينفق أي جزء من هذا المبلغ على حل القضية في حد ذاتها، بل لتوفير الخدمات اليومية للاجئين، وتبدو هذه الحقيقة واضحة إذا ما توقف المرء ليفكر بأن معدل ما أنفقته الوكالة على اللاجئ الواحد خلال العشر سنوات من وجودها كان أقل من عشر سنتات في اليوم وهذا يشمل ثمن توفير الغذاء والمأوى والخدمات الصحية والتعليم الأساسي.

بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

         إن هذا الشعور بالتململ قد شجعه ولا ريب الفكرة الخاطئة التي سبقت الإشارة إليها، وهي أن القضية بقيت حية على الأكثر نتيجة “لتآمر” السياسيين العرب. وفي الوقت ذاته تجدر الإشارة إلى أنه لم يبد لنا بوجه عام أن مثل هذا التململ قد أظهر بصدد تنفيذ الحل الذي ساعدت على وضعه الأغلبية الساحقة من الحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة والتي أعادت تأكيده سنة بعد سنة في دورات الجمعية العامة المتتابعة. إني أشير إلى الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 الذي قررت فيه الجمعية العامة:

         “وجوب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم بأن يفعلوا ذلك في أقرب وقت عملي ممكن، ووجوب دفع تعويض عن أموال الذين يختارون عدم العودة وعن الخسائر والأضرار التي تلحق بها والتي تقتضي مبادئ القانون الدولي والعدالة أن تقوم الحكومات والسلطات المسئولة بتعويضها “

         واسمحوا لي أن أضيف على الهامش أن الوكالة لم تكلف قط بمسئولية تنفيذ القرار رقم 194.

         وبالطبع لو كان صحيحا أن المشكلة مستمرة بغير حل نتيجة لتآمر السياسيين العرب وأن هذا هو السبب الرئيسي لمثل هذا التقدم البطيء فعند ذلك يبدو من المعقول استعمال الضغط على الحكومات العربية لحل المشكلة، غير أنه نظرا لعدم قابلية السواد الأعظم من اللاجئين للعمل في الوقت الحاضر ضمن المحيط الاقتصادي الذي يبرز في الشرق الأوسط وكذلك في جميع أنحاء العالم، فإن الحكومات العربية المضيفة لا تستطيع هي بنفسها حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وكما أوضحت في تقريري السنوي أن من رأيي أن ثلثي اللاجئين على الأقل يحتاجون لعبور حدود دولية لكي يجدوا أعمالا مناسبة. فاستعمال الضغط في هذه الظروف على الحكومات المضيفة سوف لا يسفر عن تعجيل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بل على العكس فإنه سيزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في هذه البلدان وهذا بدوره سيؤخر عوضا عن أن يسهل إيجاد الحل الدائم.

         وهناك عدد آخر من المفاهيم الخاطئة الأساسية بالنسبة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي يمكن ذكرها، والتي نظرا لضيق الوقت ينبغي على أن أغض النظر عنها. غير أن تلك التي عرضتها تشكل أساسا للموضوع الذي أريد بحثه الآن أي حاجات اللاجئين ألفلسطينيين التي لم يتحقق إيفاؤها.

         والواقع أن حاجات اللاجئين التي لم تسد لا حدود لها تقريبا نظرا لميزانية الوكالة المحدودة وبالتالي ضآلة الخدمات التي تقدمها الوكالة. وعلى ذلك، بما أنه لا يمكن سد جميع الاحتياجات يضطر المرء إلى التفكير ضمن حدود الأسبقية. وإني أعتقد اعتقادا راسخا أن أعظم حاجات اللاجئين الفلسطينيين التي لم تسد ضمن نطاق ولاية الوكالة هو مساعدة الشباب على تنمية مقدراتهم الثمينة التي وهبهم إياها الله والاستفادة منها – وهي مقدرات سمح لها خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية بالذبول والضياع. وإن المحادثات التي جرت مع زعماء اللاجئين ومع الحكومات المضيفة تؤيد هذه الحقيقة فبغير التدريب التخصصي المناسب يصبح الشباب اللاجئون أشقى ضحايا المأساة الفلسطينية بكاملها نظرا لأن حياتهم كلها بعد أن يبلغوا سن

 بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

الرشد تكون قد قضى عليها. وبالإضافة إلى ذلك فإن الشعوب العربية والعالم بوجه عام يفقدون المساهمة المنتجة والزعامة التي يمكن لهؤلاء الشباب الموهوبين أن يقدموها فيما لو أتيحت لهم الفرص.

         وكخطوة أساسية نحو سد هذه الحاجة الخطيرة للشباب اللاجئين لتنمية مواهبهم الكامنة قدمت إلى الجمعية العامة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي برنامجا من خمس نقاط وهو برنامج أعتقد أن لدى الوكالة الاستعداد الكامل لتنفيذه. وبالاختصار إن هذا البرنامج يشتمل على ما يلي:

(أ)

توسيع جوهري في التدريب المهني بحيث يتيح للوكالة عند حلول حزيران (يونيو) 1963 الطاقة اللازمة لتخريج 2500  طالب في السنة يقابل ذلك ثلاثمائة في عام 1960. وهذا التوسيع يشمل بناء خمسة مراكز جديدة للتدريب المهني على الأقل في المناطق التي لا توجد فيها مثل هذه المؤسسات في الوقت الحاضر. وسوف يصمم كل مركز من هذه المراكز بشكل يسمح للوكالة بزيادة طاقته كلما سمحت الأموال بذلك. وترمي الوكالة إلى بناء الوحدات الأولية ثم مضاعفة طاقة كل مركز قبل حلول حزيران ( يونيو ) 1963.

(ب)

زيادة المنح الجامعية لطلاب السنة الأولى من 90 إلى 180 في السنة.

(جـ)

ودعما للنقطتين (أ) و (ب)  زيادة التعليم الابتدائي والثانوي زيادة متواضعة ولكنها هامة مع التشديد بصورة خاصة على التعليم الثانوي إن هذا لمن الأمور الضرورية كأساس تعليمي لبرامج التدريب التخصصي.

(د)

استمرار برنامج القروض والإعانات بطريقة متواضعة وذلك باستعمال الأموال التي تتوفر بعد تحقيق أهداف التدريب المهني والمنح الجامعية.

(هـ)

الاحتفاظ بخدمات الوكالة في حقل الإغاثة على أقرب ما يكون من مستواها الحالي للشخص الواحد، بما في ذلك مخصصات الاعاشة والصحة ومساعدات الإسكان والخدمات الاجتماعية. وينبغي الاحتفاظ بهذه الخدمات على المستوى الحالي لا لأن الوكالة تعتبر بأن هذا هو مقياس ما يجب عمله من أجل اللاجئ بل لأن الوكالة تعتبر أن مساعدة شباب اللاجئين على الاستفادة من مواهبهم ومقدراتهم الكامنة من الأمور الأكثر أهمية.

         ولقد لاقت هذه التوصيات تأييدا إجماعيا في اللجنة السياسية الخاصة من مندوبي 45 حكومة ممن تحدثوا في الجمعية العامة في موضوع قضية اللاجئين الخريف الماضي. وفي نهاية المناقشات العامة حول تقرير المدير السنوي أوضحت لمندوبي الدول الأعضاء أنني أنوي على ضوء المناقشات والقرارات السابقة، السير بحزم في تنفيذ هذا البرنامج، ولو أن اتخاذ القرار قد أرجئ إلى حين التئام الجمعية العامة من جديد. ولقد أبدى الأعضاء قبولا عاما لهذا التفسير وبناء على ذلك فإننا قد شرعنا في تنفيذ برنامج الوكالة بصورة فعالة حسب المنهاج. وهذا يعني بالطبع أنه ينبغي علينا السير قدما واثقين أن الأموال الكافية لا يمكن توفيرها وأنها سوف تتوفر وإنني أعتقد اعتقادا راسخا بأن هذا سيتحقق.

 بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

         إن تنفيذ برنامج تدريب الشباب هذا سيتطلب نفقات إجمالية تبلغ حوالي 12 مليون دولار خلال فترة الثلاث سنوات زيادة على مصروفات عام 1960. وإلى هذا المبلغ يجب إضافة 4 ملايين دولار أخرى للإغاثة الأساسية لمواجهة الزيادة في عدد اللاجئين وارتفاع الأسعار المتوقعة، وبذلك يبلغ مجموع الزيادة في الميزانية للفترة المذكورة 16 مليون دولار. وكما سبق أن أوضحت في مناسبة مماثلة منذ عام، لقد وضعت الوكالة هدفا للحصول على مالا يقل عن أربعة ملايين دولار من هذا المبلغ من سنة اللاجئين العالمية وغيرها من المصادر الخارجة عن الموازنة. وبتاريخ أول كانـون الثاني (يناير) 1961 بلغ ما حصلت عليه الوكالة سواء ما دفع بالفعل أو ما تأمن دفعه بصورة قاطعة. حوالي 2.5 مليون دولار من هذا المبلغ – ومعظمه من سنة اللاجئين العالمية. ولا زلت مصمما تصميما أكيدا على الحصول على مبلغ الـ 1.5 مليون دولار المتبقي، وهذا ما أرجوكم أن تساعدوني عليه. وعندما يتحقق بلوغ هذا الهدف سوف يبلغ الرصيد المتبقي لفترة الثلاث سنوات حوالي 12 مليون دولار وتسعى الوكالة إلى الحصول على هذا المبلغ من الحكومات.

         والآن أعود فأوجه نظركم إلى مبلغ 1.5 مليون دولار الذي يجب أن تحصل عليه الوكالة من المصادر الخارجة عن الموازنة. وما لم يتحقق الحصول على هذا المبلغ كله لا تستطيع الوكالة تنفيذ برنامج السنوات الثلاث بكامله، أو بالطريقة المتزنة التي اختطتها له. ولإيضاح أهمية هذا المبلغ بالنسبة لبرنامج الوكالة الشامل أقول أنه يساوي أكثر من التكاليف الأولية اللازمة لبناء وتجهيز ثلاث من وحدات التدريب المهني الخمس الأساسية، أو بدلا من ذلك أنه سيمكن الوكالة من مضاعفة طاقة خمس من الوحدات الأساسية.

         وكثيرا ما وجه إلي هذا السوال: ماذا تستطيع هيئة خيرية متطوعة بمفردها أن تفعل لمساعدة اللاجئين؟ والجواب على ذلك أنها تستطيع أن تفعل الكثير لأن كل مساعدة صغيرة لها فائدتها. ودعوني أزيدكم إيضاحا بخصوص الطريقة التي يمكنكم معها تكييف مساعداتكم بحيث تتحقق منها الفائدة القصوى. ففي بعض الأحيان يرافق استيضاحا ما اقتراح بأن يقدم للوكالة مبلغ محدود يخصص للاستعمال في خدمة اجتماعية معينة. فإذا كان ذلك لغاية سبق للوكالة أن رصدت لها الأموال اللازمة فهذا حسن وجميل وخاصة إذا قدم المبلغ للمساعدة في تنفيذ برنامج الخمس نقاط الذي سبق لي أن أوجزته لكم.

         أما فيما يختص بالتدريب المهني، وهو الأمر الذي تضع عليه أقصى التشديد للمستقبل، فإن لدى الوكالة على ما أعتقد استعدادا يفوق استعداد أكثر الهيئات الخيرية لتنفيذ مثل هذا البرنامج وخاصة بسبب الموعد المقرر الذي تعمل الوكالة ضمن حدوده أي حزيران (يونيو) 1963.

         وبالطبع إذا استطاعت إحدى الهيئات المتبرعة أن تقدم هبة بما يقارب النصف مليون دولار في المستقبل القريب، وإذا كان لديها الاستعداد للتفاوض مع الحكومات، ووضع الخطط اللازمة، والإشراف على البناء، وتعيين المدرسين (وهذا يعني في الواقع تدريبهم) وإدارة العمل عند إنجاز الوحدة، فسوف يكون في إمكان مثل هذه الهيئة أن تبني وتدير بكفاءة مركزها التدريبي الخاص، ونحن سوف نرحب بذلك. غير أنني أفترض أن مثل هذه الهيئة المتبرعة ستكون الحالة الشاذة لا القاعدة بل وربما كانت الحالة الشاذة النادرة.

 

بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

        أما بالنسبة للهيئات التي لديها أقل من هذا المبلغ فإن الوكالة تستطيع أن تنقش بصورة دائمة اسم أي متبرع على بناية أو غير ذلك من الأقسام الهامة عندما يكون المبلغ المقدم كبيرا. وبوجه عام ينطبق ذلك على الهبات التي تبلغ 25.000 دولار أو أكثر. ومن الناحية الأخرى فإن الهبات الأصغر من ذلك والتي تكفي في الأكثر لتمويل بعض احتياجات المركز، كتوفير الأجهزة مثلا. فهي ليست قابلة للتعريف الدائم عن اسم المتبرع بها. وبالنسبة للهبات التي تبلغ 25.000 دولار أو أكثر، تقوم الوكالة في الوقت الحاضر بإعداد مخطط بين مختلف الأجزاء التي يتكون منها مركز كامل للتدريب المهني بحيث تظهر الأقسام القابلة لوضع اسم المتبرع عليها بوجه التحديد وإننا سوف نكون على استعداد لتقديم مثل هذه المعلومات عند الطلب لكل من يهمه الأمر منكم.

        ومن الناحية الأخرى إذا كان المبلغ المتبرع به للوكالة لتوفير خدمة من نوع الخدمات التي لا تقدمها الوكالة في الوقت الحاضر، فعندها سيترتب على قبولنا للمال واستعماله لتلك الغاية المعينة إنفاق المزيد من الوقت والمال – وهما عاملان غير متوفرين في ميزانية الوكالة وهذا من شأنه أن يخفض من مقدرتنا على تنفيذ برنامجنا ذي الخمس نقاط. وعلاوة على ذلك، إذا أردنا أن نشرع بتوفير أية خدمة جديدة ولو على نطاق محدود فإن ذلك سيؤدي إلى مطالبة لاجئين آخرين بالمنافع ذاتها. وإذا نحن أذعنا لهذه المطالب فإن ذلك سيناقض مبدأ إبقاء الخدمات على مستواها الحالي للشخص الواحد كي يكون في مقدورنا بذل أقصى المساعدة للشبان البالغين سن الرشد والنقطة الهامة هي أن الوكالة بوجه عام تفضل أن يكون التبرع بالأموال للمساعدة في الأعمال القائمة. وفيما يختص بالخدمات التي لا توفرها الوكالة الآن، قد يكون من الأفضل لجميع من يعنيهم الأمر أن تقوم الهيئة الخيرية المتطوعة التي تفضل استعمال الأموال بهذا الشكل بإدارة المشروع بطرقها الخاصة وإني أقول هذا لأسباب عمليه لا انتقادا للحوافز والغايات التي قد تكون في ذهن متبرع معين.

        وفي الختام اسمحوا لي أن أشير إلى أنني لا أتقدم ببرنامج النقاط الخمس هذا بوصفه ترياقا لحل مشكلة اللاجئين في نواحيها الكبرى. إن الوكالة بحد ذاتها لا تستطيع حل مشكلة اللاجئين وإن أي حل عام لمشكلة فلسطين المعقدة التي تؤلف مشكلة اللاجئين جزءا منها فقط، سيأتي في الغالب عن طريق قوى خارجية عن الوكالة تلك القوى التي ستقرر وتكون مستقبل الشرق الأوسط. وإن طبيعة الحل النهائي ستقرره إلى حد كبير مشاعر وأحاسيس شعوب الشرق الأوسط بمرور الزمن. والزمن هو بحد ذاته عنصر هام لأي حل مرضي- لا الزمن العقيم الذي يبقى على الأوضاع الراهنة، بل الزمن الذي يصحبه الاستقرار والتقدم الاقتصادي والاجتماعي الملموس. وفي حين أن الوكالة في حد ذاتها سوف لا تكون عاملا كبيرا في تكوين وتنفيذ الحل إلا أنها تستطيع بل وينبغي عليها أن تعمل بانسجام مع تلك القوى التي ستكون المستقبل ومن الناحية الاقتصادية إن عشر سنوات من تاريخ الوكالة تثبت الحقيقة الواقعة وهي أن مشاريع التنمية الكبرى التي تستهدف بصورة خاصة توطين اللاجئين ليست مقبولة من اللاجئين أو الحكومات المضيفة على السواء. وإن من رأيي أن أي مشروع تنمية كبير في الشرق الأوسط يجب أن يسير مستقلا عن الوكالة ودون الإشارة المباشرة إلى توطين اللاجئين.

بيان الدكتور جون ديفيز مدير وكالة إغاثة اللاجئين في مؤتمر اللاجئين العالمي في جنيف
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1239 – 1247”

         واسمحوا لي أن أضيف أن القوى التي ستكون مستقبل الشرق الأوسط هي في الأساس نفس القوى التي تعيد تكوين العالم اليوم، وهذا لا ينطبق في الحقل الاقتصادي فقط بل يتعداه إلى الحقلين الثقافي والسياسي وعلى أماني الشعوب في المناطق المتخلفة من العالم. وإن سجل عصر ما بعد الحرب بكامله يشهد على أهمية هذه القوى وصمودها. وبوجه عام إن أولئك الذين يسعون لإيقاف هذه القوى يمنون الفشل، وإني أرى أن هذا الأمر سينطبق على الشرق الأوسط بالنسبة للمستقبل بما في ذلك حل مشكلة فلسطين وإذا ما نظرنا إلى الأمر نظرة بعيدة، نجد أن حلا يفرض بطريقة مصطنعة سوف لا يدوم، وإن أي حل دائم يجب أن ينبع من عقول وقلوب ومشاعر شعوب المنطقة وأن يقوم على مبادئ أساسية عادلة، فإن الوكالة ليست هي وحدها التي ينبغي أن تعمل بانسجام مع القوى التي ستكون مستقبل الشرق الأوسط بل ينبغي أن تفعل ذلك أيضا كيانات أخرى خارجة عن المنطقة، تلك الكيانات التي تهتم اهتماما صادقا بسلام العالم.

         وفي غضون الفترة التي تسبق إيجاد حل، وأعيد مرة أخرى إن لا شأن للوكالة في صنع هذا الحل، تستطيع الوكالة أن تقوم بدور هام لصالح اللاجئين والعالم بتقديم خدمات أساسية للاجئين – أي تلك الخدمات التي تخفف من آلام البشرية والتي من شأنها بالإضافة إلى ذلك أن تعد عددا متزايدا من شباب اللاجئين لحياة نافعة منتجة بغض النظر عن المكان الذي سيعيشون فيه نهائيا. وأن تقوم بهذه الأعمال بطريقة تساعد على الاستقرار العام في الشرق الأوسط. وهذا بدوره سيؤدي إلى خلق جو يمكن القوى التي تكون مستقبل المنطقة على الحمل بطريقة أكثر انتظاما وسرعة وبقيامها بهذا الدور تساهم الوكالة مساهمة هامة في سلام العالم. وفي سبيل هذه الغاية أناشدكم أن تتعاونوا معنا وأن تقدموا لنا مساعدتكم الخالصة.


Scroll to Top