بيان السيد علي صبري رئيس وزراء الجمهورية العربية المتحدة أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة

بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص56 – 66”

بيان السيد علي صبري، رئيس وزراء الجمهورية العربية المتحدة، امام مجلس
الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة           القاهرة 10 /2 /1965.

(الأهرام 11 /2 /1965)

السيد رئيس المجلس
ايها السادة اعضاء مجلس الأمة،

        تطورت العلاقات بين الجمهورية العربية وحكومة المانيا الاتحادية، خلال الفترة الأخيرة، حتى بلغت حد التدهور …
        وكانت الجمهورية العربية المتحدة حريصة على اثارة الأسباب التي تسئ الى الصداقة بين الشعبين العربي والالماني وما يشوب العلاقات الودية مع المانيا الغربية في كل مناسبة، الا ان حكومة المانيا الاتحادية، كانت دائما تسوق المبررات، والتصريحات، تؤكد فيها حرصها على تدعيم هذه الصداقة، وإزالة ما قد يعكر صفو العلاقات الودية، والتعاون المتبادل بين البلدين …
        وأخذت الجمهورية العربية المتحدة، ترقب تطور سياسة بون تجاه اسرائيل لعلها تعدل عن الانسياق فيما تعتبره الأمة العربية كلها، تهديدا مباشرا لها، حين تساهم المانيا الغربية في التمكين لبناء اسرائيل عن طريق اغداق المعونات والتعويضات الى هذه الدولة غير الشرعية اعدى اعداء الحياة والوجود العربي في هذه المنطقة …
        الا ان الفترة الأخيرة، قد كشفت عن عكس ما تمنيناه، وما سبق ان اكدته مرارا حكومة المانيا الغربية.
        فلقد تبين لحكومة الجمهورية العربية المتحدة بصورة قاطعة، ان العلاقات بين اسرائيل والمانيا الغربية، قد تعدت المعونات الاقتصادية والفنية، الى حد اهداء السلاح والعتاد الحربي الى اسرائيل.
        واذا كانت المعونات الاقتصادية، عاملا يساعد على اطالة الحياة غير الشرعية في اسرائيل لبعض الوقت، فان المعونات العسكرية ليست الا عاملا مساعدا للعدوان المباشر على الأمة العربية، واداة لقتل ابنائها على يد الصهيونية، التي اغتصبت منطقه من قلب العالم العربي دون ما سند من الحق او التاريخ …
        ولقد تأكد للجمهورية العربية المتحدة، ان المعونات العسكرية والعتاد الحربي مما تقدمه حكومة ألمانيا الاتحادية الى اسرائيل، كانت تعطي هدية بلا مقابل وبمقتضى اتفاقية سرية ……

 بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص56 – 66”

        واذا كانت الجمهورية العربية المتحدة، قد سلكت – من قبل – الوسائل الدبلوماسية التقليدية ازاء العلاقات المتزايدة، بين حكومة بون واسرائيل، فانها وهي تؤدي دورها الطبيعي- لا تستطيع أن تسكت أو تقف موقفا سلبيا، ولا أن تصدق بعد ذلك المبررات والأعذار، أمام ما يدير في الخفاء ضد الشعب العربي ولمصلحة دولة عنصرية غير شرعية استمدت بقاءها حتى اليوم من صور الغدر والخديعة والإرهاب … وأطماعها لا تقف عند حد اغتصاب قطعة في قلب الأمة العربية، بل انها تحاول جاهدة بعون من الاستعمار والسيطرة، ان تمتد لتدمير الكيان العربي، ولو ادى ذلك الى ابادة الشعب العربي، صاحب هذه المنطقة، وصانع كل ذرة من الحياة عليها بأمر من الله وعونه ….
        هكذا برزت في الفترة الأخيرة، علامات الخطر التي أدت إلى تدهور العلاقات بين الجهورية العربية المتحدة وحكومة المانيا الاتحادية ….
         ايها السادة اعضاء مجلس الأمة:

         يجدر بنا أن نستعرض هنا تطور سياسة الجمهورية العربية المتحدة تجاه المانيا الغربية وتجاه المشكلة الالمانية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية ….
        منذ أن قامت ثورة الثالث والعشرين من يوليو، وبلادنا تنتهج سياسة واضحة ومحددة، تجاه جميع المشاكل الدولية وتسلك طريق العلاقات المنزهة الصديقة، مع كل الشعوب صغيرها وكبيرها، لا تنحاز مع الأهواء أو الاغراءات، ولا تسكت عن أي تهديد أو ضغط، لا تعمل في الظلام والسر، ولا تخفي امرا وتعلن غيره، انما مضت سياستنا الصادرة من القاهرة وحدها واضحة وصريحة للعالم كله رغم ما واجهتنا من تحديات وصعوبات بالغة …
        وكما قال الرئيس عبد الناصر، “اننا نسالم من يسالمنا ونعادي من يعادينا”، نؤمن بمبادئنا، النابعة من ضميرنا، ايا كان الصديق ومهما كان العدو …
        لقد كانت سياسة بلادنا تجاه المشكلة الالمانية مثلا، قائمة على نفس المبدأ الذي نؤمن به لأنفسنا بالنسبة لشعبنا العربي، وندعو به لقضايا غيرنا من الشعوب التي فرضت الظروف والاحداث أو فرض الاستعمار عليها التجزئة والتقسيم … نؤمن بتوحيد الشعوب التي قسمها الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى أو التي قسمتها القوى المتصارعة وظروف الحرب العالمية الثانية ..
        ونؤمن في الوقت نفسه أن يتم توحيد اجزاء الأمة الواحدة بالوسائل السلمية، وبالارادة الحرة لهذه الشعوب، بعيدا عن المؤثرات الخارجية أو الضغط الأجنبي.

بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص56 – 66”

        إن هذه السياسة الأمينة لا نسلكها تجاه الشعب الالماني في الشرق والغرب ومشكلة المانيا وحدها بل انها هي نفس السياسة التي نعمل على هداها ومن أجل تحقيقها في مواجهة مخلفات تجزئة الوطن العربي، التي فرضت عليه، لتفتيت وحدته وإضعاف قوته.
         وبينما كانت الجمهورية العربية المتحدة، تسلك هذا السبيل الواضح السليم، كانت حكومة المانيا الاتحادية في الناحية الأخرى تتخذ اجراءات تعتبر طعنا للصداقة العربية الالمانية على النحو التالي:
        أولا – عقدت حكومة المانيا الاتحادية مع اسرائيل اتفاقية عام 1952 سميت باتفاقية التعويضات عما يقال جرائم اقترفتها النازية ضد يهود المانيا اثناء حكم هتلر. وادعت اسرائيل وأعوانها، بان من حقها أن تحصل على تعويض من المانيا، ووضعت نفسها بغير ما شرع أو حق وريثه لقتلى اليهود.
        لم تكن اسرائيل في الوجود ايام حكم هتلر، ولم يكن للأمة العربية شأن ما يسمى بجرائم النازية التي حدثت في المانيا ضد اليهود … اللهم الا اذا كان ما سمي عذاب النازية لليهود أيام هتلر وفوق الأرض الالمانية، يؤخذ قصاصا من الأمة العربية على يد الصهيونيين بعون من المانيا الغربية والاستعمار.
        ولقد بلغت قيمة هذه التعويضات 9500 مليون دولار تدفع خلال عشر سنوات.
        وحينئذ حاولت حكومة بون أن تبرر قبولها لهذا الأمر وتبدي اسفها تجاه هذه الاتفاقية، وتؤكد أن هذه الاتفاقية انما فرضت عليها رغما عنها بواسطة القوى التي تحتل بلادها وتسيطر على سياستها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.
        وأعلنت حكومة المانيا الغربية حرصها على عدم الاعتراف باسرائيل، واستعدادها للتعاون مع البلاد العربية.
        ثانيا – ترددت المعلومات عن ازدياد التعاون بين المانيا الغربية وبين اسرائيل في المجالات السياسية والاقتصادية والفنية … لكن المانيا كانت تؤكد من ناحية اخرى انها لن تجدد اتفاقية التعويضات بعد انتهائها رغم محاولات اسرائيل لتجديد هذه الاتفاقية، الذين أصابهم ضرر على يد النازية.

         ورغم هذه المعلومات فان سياسة الجمهورية العربية المتحدة تجاه المشكلة الالمانية لم تتغير، حفاظا منها على حق الشعب الالماني في وحدته، وحرصا على الصداقة التقليدية مع الشعب الالماني، سواء في الشرق أو الغرب بغض النظر عن نظام الحكم هنا أو هناك …
        ثالثا – تأكد للجمهورية العربية المتحدة أن العلاقات بين اسرائيل وبين الحكومة الالمانية الاتحادية، قد تعدت النواحي الاقتصادية والسياسية والفنية، الى تقديم المساعدات العسكرية هدية ودون مقابل.

بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص56 – 66”

       ومما يؤسف له أن هذا التعاون الرسمي في المجالات العسكرية تم في اجتماع عقد بمدينة نيويورك بين كوانراد اديناور، مستشار المانيا الاتحادية السـابق وبين دافيد بن جـوريون عام 1960.
       ولقد استطاعت الجمهورية العربية المتحدة أن تعرف الكثير عما اسفر عنه هذا الاجتماع الذي تمخض عن اتفاق سري بين اديناور وبن جوريون حصلت اسرائيل بمقتضاه على الأسلحة والمعدات الآتية:-

 

1 –

200 مدفع عيار 40 ملليمترا من طراز  – 70 المضاد للطائرات، مزود بأجهزة رادار.

 

2 –

50 مدفعا عيار 40 ملليمترا مضادة للطائرات من نوع  – 42.

 

3 –

36 مدفعا 205 ملليمترا مزودة بأجهزة الحركة من الطراز الأمريكي.

 

4 –

15 طائرة هليكوبتر طراز  58 الأمريكية الصنع.

 

5 –

جزء من صفقة تبلغ 24 طائرة تور اطلس.

 

6 –

مساعدات فنية اخرى في مجالات البحث العلمي، لصناعة اسلحة التدمير الشامل بما في ذلك النشاط البكتريولوجي والكيميائي.

 

7 –

80 دبابة طراز “جنرال باتون الأمريكية”.

        هذا ماتم تسليمه لاسرائيل بالارقام والتحديد.

        ولم تكتف المانيا الغربية بهذه الصفقة التي اعطتها لاسرائيل هدية ودون مقابل، بل تأكد لدى الجمهورية العربية المتحدة ان اتفاقا جديدا يوشك ان يوقع بين المانيا الغربية واسرائيل، اكبر حجما من الاتفاق السابق ويشتمل على ما يأتي:

من الطائرات:

 

48 قاذفة قنابل ومقاتلات ما بين أمريكية الصنع من طراز- 84 وبعضها ايطالية الصنع طراز  – – 91. تور اطلس.

 

صفقة من طائرات نقل من طراز تور اطلس.

 

عدد آخر من طائرات هليكوبتر  – 34.

 

27 من طائرات المواصلات والملاحظة الجوية طراز د ورونية 27.

من المدرعات:

– صفقة دبابات طراز – 47، و- 48 جنرال باتون.
– ناقلات مدرعة صغيرة طراز 
 2 – هوتشيكوس.
– ناقلات مدرعة طراز.  – 30 لاعمال الاستطلاع الحربي.
– صفقة دبابات المانية الصنع من الطراز الجديد ليونارد ….

بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 56 – 66”

من المدفعية:
         – 36 مدفعا من عيار 105 مم ذات الحركة ولها جرارات من النوع الأمريكي.
        – 36 مدفعا طراز هاروزر 155 سم على جرارات امريكية الصنع.

من القطع البحرية:

 

6 زوارق طوربيد جاجور.

 

معدات ومهمات للضفادع البشرية ويحتمل أن يكون جزء من هذه المهمات قد وصل بالفعل قبل الاتفاق على كمياتها.

 

غواصتين ساحليتين حمولتهما 250 طنا، 300 طن.

من الصواريخ:
         تتردد المعلومات أن اسرائيل حصلت من المانيا الغربية على عدد من الصواريخ الأمريكية الصنع، طراز
 hanest gone التي تستخدم من الأرض الى الأرض.
       وعلاوة على كل ذلك الذي دار ويدور بصفة سرية بين اسرائيل وحكومة بون، فان هناك تعاونا يجري كذلك فى الابحاث الفنية والعلمية بين المانيا الغربية واسرائيل….
       في المجال الثوري، من اجل التوصل الى اسلحة الدمار الذري …
       – وفي ميادين انتاج أسلحة الحرب البكتريولوجية والكيميائية.
       وبذلك تتكشف اعماق التعاون، الذي قام بين اسرائيل والمانيا الاتحادية، والذي لم يقف عند حد التعويضات، ولم يقتنع بالمعونات الاقتصادية والفنية، بل تعداه – بغير ما سبب – الي اهداء الاسلحة التقليدية لاسرائيل في الخفاء ….
       واذا كانت هذه المعونات تعتبر عملا عدائيا ضد الأمة العربية، وتهديدا لحياة البشرية من فوقها، فان التعاون مع اسرائيل لصنع اسلحة الدمار الشامل، يعتبر عملا غير انساني موجها ضد البشرية كلها، لتنفذه عصابات صهيونية عنصرية، تهدف الى القضاء على الكيان العربي كله وتدمير الحياة فوق أرضه.
       ولا يمكن ان تجهل حكومة بون ماذا يعني العون العسكري لاسرائيل، الا انه موجه الى صدر ابناء الأمة العربية.. ولا يمكن أن يكون خافيا على المانيا الغربية نتيجة اعطاء جهودها وامكانياتها لاسرائيل حتى تملك اسلحة الدمار التي لن توجه بالطبع الا لإفناء الحياة العربية من فوق العالم العربي.
       ومرة أخرى في مقابل السياسة الصريحة الواضحة، التي لا تقبل المناورة والمساومة والتي سلكتها الجمهورية العربية المتحدة ازاء القضية المانية من اجل الشعب الالماني ككل وصداقته لشعبنا العربي، كانت سياسة حكومة بون قائمة على المناورة وهي تعقد الاتفاقيات السرية العسكرية في الخفاء …

بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 56 – 66”

        وكان لا بد ان نعيد النظر في سياستنا وموقفنا من حكومة المانيا الغربية… فلا يمكن ولا يعقل ان تكون الجمهورية العربية المتحدة احرص على مصلحة الشعب الالماني وحقه في قضية توحيد المانيا من حكومة بون التي تسير في سياسة عدوانية تجاه الأمة العربية.
        وقبيل سفر السفير الالماني جورج فيديرر من القاهرة الى بلاده، استدعاه الرئيس جمال عبد الناصر، وأبلغه في صورة حاسمة وقاطعة أن الجمهورية العربية المتحدة لن تقف موقفا سلبيا ازاء المعونات العسكرية التي تهديها المانيا الاتحادية لاسرائيل .. وأن الجمهورية العربية المتحدة حكومة وشعبا تعتبر صفقة الأسلحة لعدوة الأمة العربية “اسرائيل”، عملا عدائيا، ولقد زادت في عداواته انه تم بصورة مشينه، لا تنطوي على أي شعور من المجاملة والابقاء على الصداقة بين البلدين، حين تم ذلك في الخفاء والسر ضمن ما دار في اجتماع اديناور وبن جوريون، رغم النفي المتكرر الذي جاء على لسان المسئولين في حكومة بون..
        ايها السادة:
        يرفض المنطق الثوري، والاسلوب الايجابي للحياة العربية الجديدة، مقابلة التحدي بالاستسلام او السكوت… ولا يمكن ان نواجه عملا نعتبره عدائيا ويتم في السر لصالح اعدائنا بأسلوب الصداقة والود من جانبنا، فلا يمكن ان تقوم صداقة من طرف واحد.
        فهذا مبدؤنا وتلك شريعتنا في التعامل مع كل الدول، نسالم من يسالمنا ونعادي من يعادينا ونمد ايدينا بالصداقة المنزهة الواضحة الى كل الشعوب، لا نقبل ان نخادع احدا ولا نقبل ان يخدعنا احد …
ايها السادة اعضاء مجلس الأمة …
        ولقد اثيرت بعض التعليقات في الأيام الأخيرة – سواء من المسئولين في حكومة المانيا الاتحادية أو في صحافتها – حول العلاقات بين الدول العربية وبين حكومة بون، تستحق أن أوضح هنا ابعادها وحقائقها، حتى يكون شعبنا الواعي على بينة من كل ما يقال هنا أو هناك.
        تردد بأن المانيا الغربية لم تعترف باسرائيل ارضاء للعرب وحفظا على صداقتهم التقليدية. واني اقولها واضحة.. إن هدية السلاح الى جانب كل المعونات التي قدمتها حكومة بون لاسرائيل – قاعدة التهديد الموجهة ضد الحياة العربية كلها هي اعتراف عملي باسرائيل، بل وهي دليل على وقوف حكومة المانيا الغريبة ضد قضية الشعوب العربية وبجانب الجريمة الصهيونية التي وقعت احداثها فوق الأرض العربية، ويريد لها اصحابها ان تمتد وأن تتسع على انقاض الشعب العربي.
        بل ان المعونات المالية، التي تقدمها المانيا الغربية الى اسرائيل، هي في حد ذاتها تمكين للخطر الماثل فوق ارضنا رغم ارادة أصحاب هذه المنطقة التي ستبقى عربية، وستعود عربية، رضيت اسرئيل ام كرهت.

بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 56 – 66”

        ولا يمكن ان يتم التعاون بين المانيا الغربية واسرائيل، لانتاج اسلحة الدمار الشامل، الا بين طرفين يعترف احدهما بالاخر، بل انه بالنسبة للامة العربية اكثر من اعتراف رسمي، ونعتبره حلفا عسكريا وسياسيا واقتصاديا، لا ينقصه الا العنوان الظاهري، والشكل الخارجي …. كل ذرة في جوهره، اعتراف باسرائيل، وتدعيم لها، والوقوف بجانبها ضد العرب ومساعدتها على تهديدهم بالدمار.
       كذلك تردد ضمن ما يتردد من التصريحات والأقوال، بعد ان انكشف لنا وللشعب الالماني نفسه حقائق المعونة العسكرية، ما قيل بأن المانيا الغربية، ستقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية العربية المتحدة، اذ تمت زيارة رئيس مجلس الدولة لجمهورية المانيا الشعبية التي تقررت بناء على دعوة ودية من الرئيس جمال عبد الناصر، للرئيس الالماني اولبريخت ….
ونحن نقولها بصراحة ووضوح أننا، نحن الذين سنقطع العلاقات مع المانيا الغربية اذا لم تتخذ حكومة بون، الخطوات العملية، لايقاف المساعدات العسكرية لاسرائيل التي توجه ضد كيان الشعوب العربية وحياتها وحقها الشرعي.
       فقد عقدت اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي برياسة الرئيس جمال عبد الناصر مساء الاحد الماضي، ودرست تطور العلاقات مع المانيا الغربية واستعرضت مواقف حكومة بون من اسرئيل، حتى بلغت حد اهداء المساعدات العسكرية لها والمعاونة في توصل اسرائيل الى امتلاك اسلحة التدمير… واصدرت قرارها الذي يقضي بان الجمهورية العربية المتحدة ستقطع علاقاتها بالمانية الغربية، اذا استمرت في تقديم المساعدات العسكرية لاسرائيل
ايها السادة اعضاء مجلس الأمة.
        لقد اتخذ مؤتمر رؤساء حكومات الدول العربية، الذي عقد في القاهرة، قراراً بالاجماع، ان الدول العربية سوف تعيد تحديد سياستها وتقييم تعاملها مع جميع الدول الاجنبية، طبقا لموقف هذه الدول، تجاه مشكلة فلسطين … اذ لا يمكن ان نمد يد الصداقة والتعاون العربي المشترك مع دول تمد العون والمساعدة والسلاح، وادوات الدمار لاسرائيل، اعدى اعداء الأمة العربية.
       ولذلك فقد بادرت الجمهورية العربية المتحدة بالاتصال بباقي الاشقاء من الدول العربية حتى تضع امامها دقائق الموقف الخطير وتطوره، لتشاركنا المعرفة الكاملة بما كان يدبر ضد الأمة العربية، وتتخذ الخطى الايجابية اللازمة التي يمليها الضمير العربي.

بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 56 – 66”

        كذلك فقد ابلغنا الدول العربية الاشقاء جميعها، بما اتخذته حكومة الجمهورية العربية المتحدة، وما قررته اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكي العربي على ضوء هذه الاحداث …
        ويجدر بي هنا ايها السادة اعضاء مجلس الأمة أن أعرض عليكم حقيقة ما يتردد في المانيا الغربية عما يسمونه معونة اقتصادية لمصر، واحتمال قطع حكومة بون لما أسمته بالمعونة الاقتصادية.
        انني اعلن هنا بكل وضوح … ان الجمهورية العربية المتحدة لا تحصل على اية معونة من المانيا الغربية ….
        وحقيقة هذا الأمر، ان بيننا وبين المانيا الغربية اتفاقية قروض، لتمويل بعض المشروعات الصناعية والانتاجية، تقدمها المانيا الغربية لمصر …. ومن شروط هذه القروض انها بفائدة سعرها هو السعر العادي ليست فيها اية مجاملة او مفاضلة، وتبلغ هذه الفائدة 6 % ، وقد تصل الى 7 % سنويا بالنسبة لبعض القروض. وهذه الفائدة هي ربح سنوي يؤدى لالمانيا الغربية ولمصلحتها … وإذن فشروط هذا القرض العادي ليست معونة، ولا تمت الى صفات المعونة بصلة ….
        اما القروض الانشائية، والتي كانت شروطها ايسر من هذه القروض، فكانت بفائدة قدرها 3 % سنويا، ويتم سدادها خلال فترة بين 12 و16 سنة. وحتى بالنسبة لهذه القروض الميسرة – فانني اعلن ان الاتفاقية الخاصة بها، تنص على ان تستخدم معظمها اساسا، لانشاء الكباري، واقامة محطات الكهرباء… الأمر الذي يمكننا أن نحصل على مثله الكثير من دول اخرى عديدة، بل وهناك تنافس بين الدول المختلفة في هذا المجال…
        فاذا كانت هذه القروض الميسرة، تعود على الجمهورية العربية المتحدة بالفائدة فهى في الوقت نفسه، فائدة للصناعة الالمانية التي تجد المنافسة الشديدة في مجال هذه المشروعات الانشائية على الصعيد الدولي …
        بقى هناك ان يعرف كل منا، الوضع بالنسبة للميزان التجاري بيننا وبين المانيا الغربية خلال السنوات الاخيرة حتى يتبين بجلاء ان علاقاتنا التجارية مع حكومة بون هي في صالح المانيا الغربية …
– في عام 59/60 بلغت صادراتنا الى المانيا الغربية 10 مليون و 200 الف جنيه. وبلغت وارداتنا منها 30 مليون و 100 الف جنيه.
        – وفي عام 60/61 كانت صادرات الجمهورية العربية المتحدة الى المانيا الغربية 6 مليون و 300 الف جنيه، وكانت وارداتنا منها 25 مليون و200 الف جنيه.

 بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 56 – 66”

        – وفي سنة 61/62 لم تتعد صادراتنا 5 مليون و 100 الف جنيه الى المانيا الغربية بينما بلغت وارداتنا منها 30 مليون و 300 الف جنيه.
         – وفي سنة 62/63 وصلت صادراتنا الى 10 مليون و400 الف جنيه الى المانيا الغربية وبلغت وارداتنا منها 34 مليون و300 الف جنيه.
        – وفي سنة 63/64 بلغت صادراتنا اليها 13 مليون و 100 الف جنيه، بينما كانت وارداتنا منها 44 مليون و900 الف جنيه.
        وفي الفترة من شهر يوليو الى شهر نوفمبر من عام 1964 بلغ جملة ما صدرناه الى المانيا 2 مليون و 800 الف جنيه بينما وصلت قيمة ما استوردناه منها خلال هذه الشهور ما قيمته 21 مليون جنيه.
        وكان الميزان التجاري دائما، في صالح المانيا الغربية، يتراوح ذلك بين ما قيمته 18 مليون و900 الف جنيه في السنة وبين 34 مليون و 400 الف جنيه في السنة.
         ايها الأخوة
         تلك هي تطورات الموقف السياسي الاقتصادي بين الجمهورية العربية المتحدة وبين المانيا الغربية، بالوضوح والحقائق ….
        وخلال الفترة الاخيرة، التي تدهورت العلاقات فيها بين البلدين، اتصلت حكومة المانيا الاتحادية بالحكومة الاسبانية، بوصفها صديقة للطرفين، لتقوم بدور الوساطة وبذل المساعي لاعادة العلاقات الطبيعية بين المانيا الاتحادية والجمهورية العربية المتحدة، ومحاولة ازالة الاسباب التي ادت الى هذه الأزمة.
        وسارعت الحكومة الأسبانية بإيفاد مبعوث خاص إلى القاهرة لاستطلاع رأي الجمهورية العربية المتحدة في بذل مساعيها للوساطة بين البلدين، لحل الأزمة التي نتجت عن تزويد إسرائيل بالأسلحة من قبل ألمانيا الاتحادية ….
        وقد جرت محادثات المبعوث الأسباني الماركيز دي نيرفا، حيث أوضحت حكومة الجمهورية العربية المتحدة بجلاء موقفها تجاه المعونات العسكرية التي تهديها ألمانيا الاتحادية إلى إسرائيل بمقتضى اتفاق سري، الأمر الذي تعتبره بلادنا طعنا للصداقة العربية الألمانية وتهديدا لسلامة الأمة العربية والحياة من فوق أرضنا.
        ولم يسع الجمهورية العربية المتحدة، إزاء هذا التناقض، إلا أن تعيد النظر في سياستها نحو حكومة ألمانيا الاتحادية …. كما أبلغت الحكومة المبعوث الأسباني، قرار اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي، بقطع العلاقات بين الجمهورية العربية المتحدة

بيان السيد علي صبري، أمام مجلس الأمة عن أزمة العلاقات بين بون والقاهرة
“الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 56 – 66”

وألمانيا الغربية، اذا ما استمرت مساعداتها العسكرية لإسرائيل، والأمة العربية تعتبر إسرائيل، أعدى أعدائها، والركيزة الاستعمارية العنصرية، التي اغتصبت قطعة من الوطن العربي، وتتحفز لاغتصاب المزيد من أرض العرب، لتمتد من النيل إلى الفرات، على أنقاض الشعب العربي كله …. وقدمت الجمهورية العربية المتحدة، الشكر والتقدير، لحكومة أسبانيا، على مسارعتها، بتقديم وساطتها ومساعيها ….
        ولقد دارت خلال الأيام القليلة الماضية اتصالات بين القاهرة ومدريد وبون في محاولة للتوصل إلى حل لهذه الأزمة، التي تكاد تقضي على العلاقات الودية بين البلدين.
        وأمس أبلغت حكومة ألمانيا الاتحادية رسميا، حكومة أسبانيا، قرارا باتخاذ الإجراءات الآتية، ابقاء منها على صداقة الجمهورية العربية المتحدة والأمة العربية، ويقضي هذا القرار بما يأتي:-

 

أولا:

وقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل.

 

ثانيا:

تبين بصفة مؤكدة أن المواد المشحونة في الوقت الحاضر إلى إسرائيل والتي ما تزال في الطريق إليها، ليست من المواد العسكرية والعتاد الحربي، والا كانت الجمهورية الاتحادية الألمانية قد أعادتها إلى ألمانيا من الطريق.

 

ثالثا:

العودة بسياسة ألمانيا الاتحادية إلى الالتزام بمبدأ حظر شحن الأسلحة إلى المناطق الحساسة والتي يسودها التوتر الدولي.

          وهكذا أسفرت الوساطة الأسبانية عن تطور جديد في موقف حكومة ألمانيا الاتحادية، يتم بالحرص على المصالح المشتركة والصداقة المتبادلة بين الشعبين العربي والألماني.
        اننا ننتظر بعد هذه الخطوة التي أعلنتها ألمانيا الغربية رسميا، ان تتخذ الخطوات العملية الايجابية الجديدة، لتنفيذ هذه السياسة نصا وروحا …

        وإننا بدورنا نرجو للعلاقات بين بلدينا ان لا تعود الى حالة التدهور التي بلغته وان تبقى الصداقة التقليدية بيننا …
        ومهما يكن من أمر، فان بلادنا تتابع بترقب ما سيحدث في المستقبل القريب من أحداث واجراءات.
        وتبقى الجمهورية العربية المتحدة على سياستها، تجعل المودة والصداقة لكل من يبادلها مودة وصداقة، وتمد ايديها بالتعاون لمن يتعاون معها وتحسب خطى علاقاتها على هدى من معاملة الدول الأخرى.
        والله ولي التوفيق … والسلام عليكم ورحمة الله ….

 

Scroll to Top