بيان المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة

بيان المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 861 – 864 “

بيان المجلس التأسيسي لرابطة العالم
الإسلامي في دورته التاسعة.

مكة، 30 / 10 / 1967

( البلاد، جدة 16 / 11 / 1967 )

          … ولقد درس المجلس التأسيسي نتائج بحوث اللجان المختصة واتخذ فيها القرار الاتي:

          أولا – قضية فلسطين:

أ – بيان إلى العالم الإسلامي:
          ان المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي قد انعقد في دورته التاسعة بمكة المكرمة وهو يشعر بأن المسلمين في هذه الظروف الحرجة احوج ما يكونون إلى توحيد الكلمة وجمع الشمل ولم شتات الطاقات الإسلامية المبعثرة والعودة إلى الله تعالى ومراقبته في شؤونهم كلها وتقوية اليقين فيه تعالى والثقة به ثقة كاملة.

          ويشعر المجلس التأسيسي بان الكارثة الراهنة لم تكن الا نتيجة للإعراض عن تعاليم الدين الحنيف والتفريط في اتباع احكامه والتخلق بأخلاقه وشيوع المنكرات والمفاسد بين المسلمين والاستهتار في حياة البذخ والشهوة والتجاهر بما يغضب الله ورسوله من أعمال وأقوال وكل ما يفقد الأمة روح الصمود في المقاومة والثبات على المبدأ والتصميم على احتمال الشدائد في سبيل نصرة العقيدة والحق والكرامة حتى حرمت نصر الله وتعرضت للخذلان.

          ان الكارثة الراهنة قد كشفت جوانب المؤامرة الصهيونية الواسعة وأهدافها البعيدة التي لا تقف عند الاستيلاء العدواني على فلسطين بكاملها وإنما تتعدى ذلك إلى الكيد للإسلام والمسلمين والعمل على هدم كيان هذا الدين وهى مؤامرة تعززها قوى دولية يجمع بينها الحقد على الإسلام والحرص على استبعاد المسلمين ونهب اوطانهم وثرواتهم.

          ومع ان هذه المؤامرة الواسعة لم تكن خافية على الكثيرين من ذوي البصيرة بين المسلمين وكان من الممكن اطفاء جذوتها من البداية باليسير من المجهودات الا ان الإهمال الطويل والتخاذل الممقوت قد اعانا على امتداد هذه النار وتفاقم شرها حتى وصلت إلى مرحلة خطيرة تحتاج إلى جهود عظيمة.

          ومع ما بلغته هذه المؤامرة المحكمة من نجاح وتمكين حتى الان الا انه لا يزال بالإمكان احباطها وتخليص العالم الإسلامي من ويلاتها قبل ان تزداد استفحالا وتفاقما ويصبح القضاء عليها امرا مستحيلا. وان ما جلبته الكارثة من عدوان غاشم على هذا الجزء العزيز من الوطن الإسلامي من تنكيل بالمسلمين تقتيلا وتشريدا وانتهاكا للأعراض والحرمات وما ارتكبه العدو الغاصب من عبث بالمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية

مجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 861 – 864 “

الأخرى.

          كل هذه الأعمال الهمجية يجب ان تكون نذيرا للمسلمين جميعا بالمصير المحتوم الذي ينتظر بلادا اسلامية اخرى ويهدد اعظم المقدسات الإسلامية التي يظن بعض الناس انها لا تزال بمأمن من تيارات الخطر مع ان زعماء العدو لا يفتأون يعلنون في كل مناسبة انها هى هدفهم البعيد تمشيا مع الخطة المرسومة التي ترمي إلى استئصال شأنه الإسلام وطمس معالمه وآثاره لا قدر الله.

          ولقد كان من اهم ما اعان على الوصول بالحالة إلى هذا الموقف الخطير ان الدول العربية عامة ولا سيما المحيطة منها بإسرائيل قد اشتغلت بخلافات وانقسامات عقائدية وشخصية انتقصت من قواها وأضعفت من قدرتها على مواجهة العدو. وقد ضاعف من خطورة هذا الانقسام تسرب المذاهب العقائدية والمطامع الدولية التي وجدت في هذه الحالة مجالا مواتيا لتمزيق كلمة العرب والمسلمين وصرفهم عن القضية الخطيرة التي تهدد دينهم وتراثهم وأوطانهم.

          ان المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة يرى من واجبه ان يذكر المسلمين حكاما وشعوبا بحقيقة الخطر الماثل على ديار الإسلام ومقدسات المسلمين وان ينذرهم جميعا بأن مزيدا من الكوارث يهدد البلاد الإسلامية اذا استمرت القضية تعالج بذات الأساليب التي عولجت بها حتى الان، وإذا بقي المسلمين على حالتهم الراهنة من الغفلة والتخاذل والخلاف والضعف وعدم الجدية في مواجهة الخطر الكبير.

          ويجب ان يدرك المسلمون ان قضية بيت المقدس والأراضي المغتصبة في فلسطين هي قضية اسلامية عامة مقدسة وان الجهاد في سبيل الله لانقاذ المسجد الأقصى والديار المحتلة من ايدي المعتدين اصبح فرض عين على المسلمين جميعا ولا يختص به شعوبهم دون الأخر.

          ان المجلس التأسيسي يعلن بوضوح ان العالم الإسلامي لن يسكت عن اغتصاب المقدسات الإسلامية واستباحة حرماتها ولن يقبل اي حل او تسوية لا تعيد بيت المقدس إلى حالتها السابقة. والمسلمون على استعداد كامل للمضي في طريق الجهاد المفروض حتى يأذن الله تعالى بالنصر المبين ويرى المجلس التأسيسي ان هذا الواجب الإسلامي العام اصبح يفرض على المسلمين حكاما وشعوبا ان يتلاقوا ويوحدوا صفوفهم وطاقاتهم وان يبذلوا النفس والمال في سبيله اعلاء لكلمة الله تعالى وذودا عن حياض الإسلام مدركين شرف موقفهم الجهادي وواثقين ما اعد الله للشهيد في سبيله من منزلة عالية واجر عظيم. وان حكومات الدول الإسلامية مسؤولة عن تهيئة شعوبها تهيئة اسلامية صحيحة بإشاعة روح الجهاد والتضحية ومحاربة اسباب الترف والميوعة وفرض حالة التقشف والجدية في جميع مظاهر الحياة العامة وفروض التدريب العسكري على جميع المواطنين القادرين وتوجيه جميع وسائل الثقافة والإعلام وجهة اسلامية جادة وتنقية برامج التعليم مما خالطها من افكار الحادية هدامة حتى تؤدي الغاية منها في اخراج اجيال مسلمة قوية تدرك واجباتها في الحياة وتؤدي حق الله والأمة عليها.

          وتفرض الكارثة الراهنة على الحكومات الإسلامية الامتناع عن مشاريع الترف والكماليات وتوفير المال من اجل المجهود الحربي وتسخير جميع الموارد والممكنات لبناء قوات عسكرية حديثة مؤمنة تكون دائما على أهبة الاستعداد لخوض المعركة المنتظرة دفاعا عن شرف الإسلام وحرصا على تخليص مقدساتهم وأوطانهم.

          ولقد كشفت هذه الكارثة كذلك عن اهمية تحقيق فكرة التضامن الإسلامي التي دعت رابطة العالم الإسلامي والمؤتمرات الإسلامية العامة ولا تزال تدعو إليها ادراكا منها بانها السبيل الوحيد لجمع كلمة المسلمين والتنسيق بين مجهوداتهم في صد الأخطار عن كيانهم وعقائدهم.

          ولقد تبين الان بوضوح ان انعدام التنسيق بين الدول الإسلامية وتأخر تحقيق التضامن الفعال فيها بينها قد أفقد القضية سلاحا رئيسا من اسلحة النصر وادى إلى وقوع المسلمين جميعهم فيما وقعوا فيه من هزيمة.

          ويرى المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ان تلافي اسباب الضعف والتفرق لا يكون الا بتحقيق فكرة التضامن الإسلامي على اساس من التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. مما

مجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 861 – 864 “

يحتم على المسلمين قادة وشعوبا السعي لهذه الفكرة والعمل على تحقيقها في اقرب وقت. وان المجلس التأسيسي ليعلن عن تصميمه على المضي في سبيل العمل لتحقيق هذا الأمل العزيز ان شاء الله والله المسؤول ان يجمع المسلمين على الهدى والعمل الصالح وان يوفقهم لسلوك سبيل الجهاد الصادق لإعلاء كلمته وابتغاء مرضاته انه سميع مجيب.

            د – القيام بحملة توعية دينية واسعة:
          يقرر المجلس التأسيسي القيام بحملة واسعة في البلاد الإسلامية عن طريق اعضاء المجلس التأسيسي والمؤسسات والمنظمات المنتسبة لرابطة العالم الإسلامي وبواسطة وفود اسلامية تبتعث لهذه الغاية وذلك لتبليغ المبادئ العامة التي تضمنها بيان الرابطة عن القضية الفلسطينية إلى الحكومات والشعوب وتذكير المسلمين بحقيقة الخطر الصهيوني على العالم الإسلامي بأسره وواجبهم حكاما وشعوبا ازاءه وضرورة حشد الطاقات الإسلامية في مخطط عملي يضمن القيام بحملة توعية دينية واسعة لمحو العدوان الجاثم على الوطن الإسلامي وتحرير اخواننا المسلمين من ربقة الاستعباد الإسرائيلي وتخليص المقدسات الإسلامية التي يتحتم على المسلمين ان يبذلوا النفس والنفيس لكي تبقى حرة آمنة أمام الوافدين اليها من كل قطر كما كانت دائما منذ قام المسلمون على حمايتها ورعاية شؤونها.

          هـ – يوصي المجلس الأمانة العامة بان تركز جهود الرابطة وإمكانياتها المادية والمعنوية للقضية الفلسطينية في هذه المرحلة والاستعداد لتوجيه حملة التوعية الإسلامية واتخاذ تدابير خاصة للإفادة من موسم الحج المقبل لتوضيح ابعاد الخطر الصهيوني ومسؤولية المسلمين حكاما وشعوبا في صده وذلك بواسطة الندوات العامة والكتب المختلفة وغير ذلك من وسائل التوجيه والإرشاد.

          و – شكر وتقدير للدول الإسلامية:

          ان المجلس التأسيسي ينظر بالتقدير والامتنان إلى المواقف النبيلة التي وقفتها اكثرية الدول الإسلامية الشقيقة تجاه الكارثة الراهنة مما يؤكد ازدياد الشعور بمسؤولية المسلمين المشتركة تجاه القضية الفلسطينية وإدراك تلك الدول لواجبها الإسلامي تجاه هذه القضية الخطيرة.

          ز – التشديد على مقاطعة الصهيونية:

          ان المجلس التأسيسي يناشد الدول الإسلامية العمل على مقاطعة اسرائيل والصهيونية مقاطعة تامة وان تتشاور فيما بينها لاتخاذ الإجراءات التي تجعل من هذه المقاطعة سلاحا ايجابيا، وتأمل من الدول التي لا تزال تعترف بإسرائيل – على اي صورة – ان تبادر إلى الغاء هذا الاعتراف وقطع جميع العلاقات التي تترتب عليه بعد ان اصبحت اسرائيل في حالة حرب كاملة مع العالم الإسلامي بأسره واستولت على المقدسات الإسلامية واستباحت حرماتها وقدسيتها. وعلى المؤسسات الشعبية ان تقوم بواجبها في الدعوة لمقاطعة اسرائيل وكل من يناصرها او يعاونها بأي شكل من الأشكال.

          ح – مؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في عمان:

          يقرر المجلس التأسيسي تبني القرارات التي اتخذها مؤتمر العالم الإسلامي في دورته الطارئة الخاصة بالقضية الفلسطينية في عمان ويوصي الأمانة العامة باتخاذ السبل الممكنة لتنفيذ تلك القرارات.

          ثانيا – التضامن الإسلامي:

          درس المجلس التأسيسي باهتمام بالغ جميع الظروف التي احاطت بالمساعي الحميدة لتحقيق فكرة التضامن الإسلامي والاتصالات الخيرة التي تمت في هذا السبيل على جميع المستويات، ويعتقد المجلس ان الكارثة الراهنة قد كشفت للعيان أهمية هذه الفكرة وفوائدها المحققة للبلاد الإسلامية عامة وللقضية الفلسطينية بوجه خاص وان اخراجها إلى حيز التنفيذ يجب ان يكون هدفا لكل من يعمل على وضع المسلمين والعرب في مركز القوة والمنعة امام الطامعين في ديارهم او المتآمرين على عقائدهم وتراثهم ويرى المجلس التأسيسي أن المرحلة الماضية قد اوضحت تماما ان فكرة التضامن الإسلامي تلقى تأييدا عميقا وشاملا بين المسلمين على اختلاف اقطارهم وأنها الحركة المرجوة التي يمكن ان تجمع العالم الإسلامي وتنظم طاقاته ومجهوداته للدفاع عن كيانه وعقيدته والمساهمة في خدمة الإنسانية وحفظ سلام عالمي يقوم على الحق والعدل. ولذلك يعبر

مجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 861 – 864 “

المجلس التأسيسي عن تصميمه على المضي قدما في الدعوة لتحقيق هذه الفكرة النبيلة ويقرر الاستمرار في القيام بالاتصالات الضرورية وفق خطة تفصيلية خاصة تستهدف ابراز الفكرة إلى حيز التنفيذ العملي في اقرب وقت ممكن.


Scroll to Top