بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول وثائق القضية الفلسطينية ومسألة العلاقات بين العرب وألمانيا

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول القضية الفلسطينية ومسألة العلاقات بين العرب وألمانيا
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1331 – 1334”

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين
حول القضية الفلسطينية ومسألة العلاقات بين
العرب وألمانيا – بيروت 29 /3 / 1965(*)

         تعتقد الهيئة العربية العليا لفلسطين، أن من حق الشعب العربي الفلسطيني، أن يكون على إطلاع صحيح ومعرفة تامة بالحوادث والتطورات التي تقع في المنطقة العربية وخاصة ما يتعلق منها بقضية فلسطين التي هي قضية العرب الأولى، كما تعتقد ان من واجب المسئولين والقادة مصارحة الشعب بالحقائق، ومكاشفته بالوقائع بوضوح وجلاء ليكون على بينة من أمره وليدرك كنه المؤامرات المبيتة على وجوده وعلى قضيته الفلسطينية، وليستطيع تحديد موقفه تحديدا سليما من جميع الأوضاع والاتجاهات.

         وقد درجت الهيئة العربية، انطلاقا من هذا المبدأ، وقياما بواجبها الوطني، على مواجهة جميع ما يتعلق بقضية فلسطين من حوادث وتطورات بصدق وتصميم، ومجابهة شتى المداورات والمؤامرات التي تحاك خيوطها ضد الشعب العربي الفلسطيني وإعلان موقفها منها، وتحديد سياستها بشأنها.

         وترى الهيئة العربية، التزاما منها بخطتها السليمة ولمناسبة الحوادث والتطورات الخطيرة التي وقعت في المنطقة العربية، أن تصارح الشعب العربي برأيها ووجهة نظرها فيها واثقة من أن وطنية هذا الشعب، ونضجه ووعيه كفيلة بأن ترسم له سبيل العمل السليم ، ومضاعفة الجهود لإحباط المخططات والمشاريع المرسومة لتصفية قضية فلسطين.

1 – حلول لقضية فلسطين:
         في الحين الذي طرحت قضية فلسطين في سوق المساومات الدولية وبذلت مساع لاستغلالها وتسخير شعبها بغية تحقيق أغراض شخصية وأهداف سياسية خاصة، وفي الحين الذي مازال الأعداء وأعوانهم يعملون على إيجاد حلول لها تتنافى وأماني شعبها، ويضعون المخططات ويبيتون المؤامرات لتصفيتها لصالح الصهيونية والاستعمار ترتفع أصوات شاذة تنادي بوجوب الاعتراف بالأمر الواقع وتقدير الظروف القائمة، وكثيرا ما تتسم هذه الدعوات الضارة بعوامل التعقل والرزانة، وتتدثر بدبلوماسية بارعة، هدفها توفير جو تسوده قناعة. ويعمه شعور بضرورة الالتجاء إلى ” الحلول العملية الواقعية ” للقضية الفلسطينية. ومن الدلائل التي يدلي بها المسئولون البريطانيون حول إنشاء اتحاد فدرالي بين العرب واليهود لحل هذه القضية.


          (*) فلسطين – نشرة الهيئة العربية العليا لفلسطين – العدد 50 نيسان 1965.

 بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول القضية الفلسطينية ومسألة العلاقات بين العرب وألمانيا
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1331 – 1334”

         والشعب العربي الفلسطيني ينظر إلى مثل هذه التصريحات والمحاولات بعين الريبة، ويستنكرها ويؤكد بصورة قاطعة استمساكه بميثاقه الوطني الذي وضعه بمحض إرادته، وصان أهدافه بدمائه الزكية وتضحياته الغالية، طيلة سني جهاده المرير وثوراته العديدة، وهو لا يفرط في مبادئه وحقوقه أو يقبل أي حل يعرض لقضيته لا يحقق أهدافه. وهذا الشعب الذي صمد في وجه محاولات الأعداء والعملاء في الماضي لحل القضية عن طريق المساومات وأنصاف الحلول، لن يضلله ما تتستر خلفه المحاولات والاتجاهات الأخيرة ولن يخدعه ما ظهر على مسرح قضية فلسطين من تضليل سياسي، وسيظل متمسكا بأهدافه ومطالبه وميثاقه الوطني، وسيواصل كفاحه، مهما طال الأمد، وتعاظمت الصعوبات والتضحيات، حتى يتحقق له النصر المبين.

2 – العرب وألمانيا الغربية:
         لقد تعرضت العلاقات العربية- الألمانية في الأيام الأخيرة لأزمة عنيفة، شغلت العالم العربي قاطبة. والهيئة العربية تؤكد أن هذه الأزمة ليست بنت ساعتها، بل تعود في نشأتها وتطوراتها إلى خطة اللين والمهادنة التي اتبعتها السياسة العربية الرسمية خلال الإثنى عشر عاما المنصرمة في تعاملها مع الجمهورية الألمانية الاتحادية وعلاقاتها بحكومات هذه الدولة الضالعة مع الصهيونية والاستعمار.

         إن حكومة الجمهورية الألمانية الاتحادية عقدت في شهر أيلول من عام 1952 اتفاقية التعويضات المعروفة مع اليهود، ونظرا لما تلحقه هذه الاتفاقية بالعرب من أذى وضرر وما تنطوي عليه من أخطار عظيمة على مصالحهم ولا سيما قضيتهم الفلسطينية فقد بادرت الهيئة العربية بالاحتجاج على المساعي المبذولة لعقد هذه الاتفاقية واستنكارها وسعت لإحباطها قبل عقدها حينما شاع خبر المفاوضات بشأن التعويضات وسارعت بإرسال أول مذكرة بشأنها إلى كونراد اديناور مستشار المانيا الغربية في ذلك الحين كما أجرت اتصالات سريعة مع الدول العربية وجامعتها والدول الإسلامية وقدمت لها مذكرات بتاريخ 7 يونيو 1962، وكذلك إلى السكرتير العام للأمم المتحدة وأهابت بها لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحمل المانيا الغربية على العدول عنها. واستجابت الدول العربية حينئذ لنداء الهيئة وعقدت جامعة الدول العربية جلسة خاصة واحتجت الدول العربية على هذه الاتفاقية وطالبت ألمانيا بإلغائها وأنذرتها بالمقاطعة السياسية والاقتصادية إذا هي حاولت تنفيذها. وأيد الشعب العربي حكوماته في موقفها، وساندها بقوة. إزاء ذلك حاولت ألمانيا التراجع عن الاتفاقية، ولكن ما بذل من جهود دولية ومساع خارجية ولا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية وما لازمها من ضغط وتوجيه وإغراء أدى إلى تراجع العرب عن موقفهم، والعدول عن قراراتهم. فاندفعت ألمانيا الغربية في تنفيذ اتفاقية التعويضات المذكورة دون أن تقع من العرب معارضة أو مقاومة حقيقية، متخذة من خطة اللين والمهادنة التي اتبعتها السياسة العربية الرسمية وسيلة إلى ذلك، ثم لم تلبث أن أقدمت على عقد سلسلة جديدة من اتفاقيات التعويضات مع اليهود، أدت إلى انهمار سيل لا ينقطع من المساعدات الألمانية تجاوزت مبلغ مليون مارك يوميا.

         وفي الحين الذي واصلت الهيئة العربية جهودها لمنع اتفاقيات التعويضات لم تبادر السياسة العربية الرسمية إلى اتخاذ أي إجراء وقائي ضد هذا الأذى العظيم تلحقه حكومة ألمانيا الغربية بالوطن العربي وقضية فلسطين. بل حدث ما هو أدهى

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول القضية الفلسطينية ومسألة العلاقات بين العرب وألمانيا
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1331 – 1334”

وأمر إذ تعاون العرب مع ألمانيا الغربية في شتى الميادين الاقتصادية والتجارية وقبلوا منها القروض والمساعدات وفتحوا أسواق بلادهم على مصاريعها لمنتجاتها ومشاريعها الاستغلالية ورءوس أموالها وغير ذلك، وسكتوا على مزاعمها وادعاءاتها بأنها كانت مضطرة لدفع التعويضات لليهود، ومكرهة على مساعدتهم بسبب الضغط الخارجي والنفوذ الغربي.

         وفضلا عن ذلك كله، فإن استمرار الهيئة العربية في الاحتجاج على سياسة ألمانيا الغربية ومواقفها ومقاومة مساعداتها لليهود، ودولتهم الباغية في فلسطين المحتلة، عرضها لكثير من الانتقاد الرسمي، ولمحاولات عديدة لاخفات صوتها ومنع نشر احتجاجاتها وبياناتها، بغية القضاء على كل مقاومة للخطة الألمانية الضارة. ونمى إلى الهيئة العربية في 1962 إن حكومة ألمانيا الغربية تعاقدت مع دولة العصابات الصهيونية على تزويدها بأسلحة ومعدات عسكرية فاسترعت أنظار الدول العربية وجامعتها إلى هذا الأمر بمذكرات قدمتها وناشدتها المبادرة إلى مقاومة الاتجاه الألماني الجديد في تقديم الأسلحة والمعدات – لإسرائيل – بعد أن أتخمتها المساعدات المالية والاقتصادية كما بعثت بمذكرة احتجاج في هذا الشأن إلى مستشار ألمانيا الغربية. وقد نشرت الهيئة في مجلتها – فلسطين – في عدة مناسبات أنباء المساعدات الألمانية للصهيونيين وحذرت من نتائجها.

         يتبين مما تقدم عرضه أن الأزمة التي نشبت بين العرب وألمانيا الغربية ما كان لها أن تبلغ ما بلغته من الشدة والحدة وأن المساعدات الألمانية للصهيونيين، ما كانت لتستمر وتتسع، لو أن العرب واجهوا المانيا الغربية بعزم وتصميم وصف موحد منذ أقدمت على عقد اتفاقيات التعويضات مع اليهود عام 1952، ولما أقدمت على تحدي الأمة العربية بقرارها الرامي إلى إنشاء علاقات ديبلوماسية مع – إسرائيل -.

         وعلى الرغم من سوء الأثر الذي تركته مواقف السياسة العربية الرسمية من ألمانيا الغربية وتغاضيها عن مقاومة المساعدة الألمانية لليهود على اختلافها، وعدم العمل على إحباطها ومنعها، فإن الهيئة العربية ترجو أن تواصل الدول العربية جهودها العملية المثمرة، لحمل ألمانيا الغربية على العدول عن موقفها المعادي للعرب.

3 – الدول المؤيدة للصهيونيين:
         إن الهيئة العربية مازالت تطالب الدول العربية باستمرار بوجوب مواجهة الدول الاستعمارية الكبرى التي تؤيد – إسرائيل – وتساعدها وأن تبني تعاملها معها على أساس مواقف تلك الدول من – إسرائيل – ومع أن السياسة العربية الرسمية اتخذت في عدة مناسبات قرارات معروفة بهذا الصدد، فإن هذه القرارات لم توضع موضع التنفيذ، الأمر الذي شجع الدول المذكورة على التمادي في غيها والإمعان في سياستها، حتى تفاقم خطر مساعداتها – لإسرائيل تفاقما ملحوظا، حمل مؤتمري القمة الأول والثاني على اتخاذ مقرراتهما في هذا الشأن، ثم جاء قرار مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد في 14 آذار 1965 يؤكد هذه السياسة وهذا الاتجاه.

         والهيئة العربية العليا لا يسعها إلا أن تهيب بالدول العربية أن تبادر بوضع هذا القرار موضع التنفيذ، إذ لا قيمة لأية قرارات تتخذ إذا ظلت بدون تنفيذ.

         ولا يخفى أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتل المركز الأول في قائمة الدول التي

بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين حول القضية الفلسطينية ومسألة العلاقات بين العرب وألمانيا
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 إلى 1969، وزارة الإرشاد القومي، ج 2، ص 1331 – 1334”

تساعد – إسرائيل – وتدعم كيانها وتعمل على توفير جميع أسباب الاستقرار والبقاء لها، فضلا عما أثبتته الوقائع من أن هذه الدولة كانت ولا تزال العامل الأول في دفع ألمانيا الغربية ودول أخرى لمد (إسرائيل) بالمساعدات العسكرية والاقتصادية الأمر الذي يضاعف واجب العرب بضرورة المبادرة إلى اتخاذ موقف حازم، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وأن أي تخاذل أو تهاون في تنفيذ القرارات العربية بالنسبة للولايات المتحدة وإنجلترا خاصة، وسائر الدول الغربية التي تؤيد (إسرائيل) عامة، يجعل الأمة العربية في موقف ضعيف يشجع الدول الاستعمارية على الاستمرار في الاستهتار بكرامة العرب والاستهانة بقراراتهم.

         وتعتقد الهيئة العربية أن اتخاذ موقف جدي حازم سيحمل سائر الدول التي تساعد – إسرائيل – على إعادة النظر في موقفها وسياستها، في حين أن الوقوف في وجه الفرقاء التابعين للسياسة الأمريكية، والواقعين تحت سيطرتها كألمانيا الغربية، لا يمكن أن يؤدي وحده إلى تحقيق أي هدف من الأهداف التي تنشدها الأمة العربية.

4 – دعوة إلى التبصر في الأمور:
         ولمناسبة هذه الحوادث والتطورات المتتابعة التي تتعلق بصميم مستقبل الشعب العربي الفلسطيني وقضيته، تدعو الهيئة العربية العليا لفلسطين أبناء فلسطين. في الأقطار العربية إلى التبصر في الأمور وتتبع الأحداث بيقظة وتعقل ووعي، وإلى توحيد صفوفهم، فإن وحدتهم الوطنية هي الدرع الواقية من سهام المؤامرات التي تحاك ضد مصيرهم ومستقبلهم، وإن الانصراف بجميع جهودهم وطاقاتهم إلى قضية فلسطين هو السبيل إلى تجنيب قضيتهم الوقوع في مزالق خطيرة لا تحمد عقباها.

         وتؤكد الهيئة العربية من جديد أن التقاء الدول العربية على هدف تحرير فلسطين وتعزيز طاقاتها لتحقيق هذا الهدف وإقلاعها عن الدخول في معارك جانبية وتخليها عن الاختلافات الإقليمية، وقضائها على النعرات الطائفية، كل ذلك من شأنه اختزان طاقات الأمة العربية الهائلة وحصرها في إنقاذ فلسطين.

         وتدعو الهيئة العربية الفلسطينية جميعا إلى تجنب كل ما من شأنه استغلالهم وتسخيرهم والزج بهم في اتون الاختلافات الحزبية والطائفية الأمر الذي يفتت قواهم ويمزق وحدتهم ويصرفهم عن قضيتهم الأساسية، وتناشدهم العمل على توثيق علاقات الأخوة مع أشقائهم في الأقطار العربية، دون تفريق أو تمييز، فإنهم العدة والسند في معركة تحرير فلسطين، التي تحتاج إلى جهود الجميع دون استثناء.


Scroll to Top