بيان سياسي للهئية العاملة لتحرير فلسطين حول قيادة الكفاح الفلسطيني المسلح

بيان سياسي للهيئة العاملة لتحرير فلسطين حول قيادة الكفاح الفلسطيني المسلح
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 350 – 351”

بيان سياسي للهيئة العاملة لتحرير فلسطين حول قيادة
الكفاح الفلسطيني المسلح.

 

28/8/1969

(محفوظات مؤسسة الدراسات
الفلسطينية)

 

        تنفي الهيئة العاملة لتحرير فلسطين نفيا باتا ما أوردته بعض الصحف ووكالات الأنباء ومحطات الإذاعة مؤخرا عن انضمامها إلى قيادة الكفاح الفلسطيني المسلح وتؤكد من جديد ان موقفها من الكفاح المسلح هو موقف واضح يستند إلى النقاط التالية:

أولا

– تشكيل قيادة الكفاح المسلح تجمعا لعدد من الأجنحة العسكرية لمنظمات فدائية مختلفة، ويخضع هذا التجمع لقيادة سياسية مغلقة لا تعكس الفكر الثوري للمنظمات المشاركة فيه، ذلك ان القيادة السياسية للكفاح المسلح هي اللجنة التنفيذية الحالية لمنظمة التحرير الفلسطينية المنبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني الخامس الذي عقد في شباط سنة 1969 وخرج إلى الوجود نتيجة لتحالف ثنائي بين منظمتين من منظمات العمل الفدائي بعد ان قاطعته كافة فصائل النضال الفلسطيني ومن بينها بعض المنظمات التي انضمت إلى الكفاح المسلح مؤخرا.

 

        ولا شك ان لقاء عسكريا لا يصحبه لقاء على المستوى السياسي واتفاق على حد أدنى من التصور المشترك لمعركة التحرير، هو أمر يتنافى مع ابسط مبادئ المنطق الثوري. فالجناح العسكري لأية منظمة فدائية هو الأداة التي تسعى المنظمة من خلالها لتحقيق هدفها السياسي، وليست هناك قيمة ثورية على الإطلاق لجناح عسكري لا يوجهه تخطيط سياسي.

 

        ومن هنا يصبح التقاء الأجنحة العسكرية لمنظمات مختلفة تحت القيادة السياسية لمنظمتين منها فقط دون مشاركة المنظمات المنضمة في جهاز التخطيط السياسي ودون الاتفاق على استراتيجية أساسية، نقول يصبح هذا الالتقاء تصرفا ثوريا خاطئا يلغي مبررات الوجود المستقل للمنظمات التي تقبل به. لذا فان الانضمام إلى الكفاح المسلح بشكله الراهن يعني بداهة ما يلي:

أ –

القبول بالصيغة المرفوضة التي قام عليها المجلس الوطني الخامس والتسليم بالاتفاق الذي جمع بين المنظمتين اللتين قام عليهما، بكل ما يتضمنه ذلك من تراجع عن المواقف السابقة التي أعلنتها المنظمات التي قاطعته وكذلك الاعتراف بأن مقاطعة المجلس الوطني الخامس لم تكن مقاطعة تستند إلى مبررات ثورية عقائدية.

ب –

الإقرار العملي بأن الصيغة غير المعلنة للاتفاق بين المنظمتين اللتين قام عليهما المجلس الخامس هي الأساس الاستراتيجي لمعركة التحرير.

ج –

الاعتراف بأن البرامج السياسية للمنظمات المنضمة هي أمور ثانوية يمكن التغاضي عنها في ظروف معينة.

د –

استعداد المنظمات المنضمة للتنازل للقيادة السياسية الثنائية – بخطها الفكري الغامض – عن أجنحتها العسكرية بحيث تصبح هذه الأجنحة أداة تحقق الأهداف السياسية للقيادة الثنائية بعيدا عن كل التصورات الثورية والأهداف السياسية للمنظمات الأخرى.

ثانيا –

لقد فشل الكفاح المسلح في خلق أي تقارب بين المنظمات المشاركة فيه، وليس سرا أن اعنف التناقضات المتصارعة في الساحة الآن هي التي تقوم بين بعض منظماته.

ثالثا –

لم تتجاوز إنجازات الكفاح المسلح حتى الآن تشكيل جهاز للشرطة العسكرية وآخر للإعلام العسكري، وهذان الجهازان، حتى لو حققا أقصى درجات النجاح، يبقيان مظهرين من مظاهر الوحدة ولا يمتان إلى جوهرها من قريب أو بعيد.

 

        ومع تسليمنا بأن هذا الإنجاز، على تواضعه، هو خطوة للأمام بدون أدنى شك، إلا ان الموضوعية تجبرنا على الإشارة إلى ان إحدى المنظمات المشاركة في الكفاح المسلح استغلت جهاز الإعلام العسكري لتضفي صفة الشرعية على ادعاءاتها لعمليات قامت بها منظمات أخرى. نذكر على سبيل المثال ان الهيئة العاملة لتحرير فلسطين أودعت لدى قيادة الكفاح المسلح في 9/7/1969 مغلفا يحوي تفاصيل عملية نسف خزانات الكلور في تل أبيب التي نفذت بنجاح في 14/7/1969 كما أودعت لديها في 18/7/1969 مغلفا آخر يحوي تفاصيل عملية نسف مجمع السيارات في منطقة بتاح تكفا في تل أبيب والتي نفذت بنجاح أيضا في 24/7/1969، إلا ان وجود تلك الوثائق لم يحل دون قيام تلك المنظمة بادعاء مسؤوليتها عن عملياتنا والإعلان عنها ببلاغات صادرة عن الكفاح المسلح وممهورة بختمه.

 

        ولعل من المفيد ان نشير هنا إلى ان قيادة الكفاح المسلح بعد ان اضطرت إلى الاعتراف عن مسؤولية منظمتنا عن تفجير مجمع السيارات في تل أبيب بكتابها المرقم 378/دع/24، المؤرخ في 24/7/1969، والذي نقضت به بلاغها العسكري رقم (401) الصادر بتاريخ 23/7/1969 أعادت لنا ولمنظمات أخرى بكتابها الرسمي المرقم 455/دع /24 والمؤرخ في 30/7/1969 مغلفات عن عمليات مقبلة كانت قد أودعت لديها وذلك على اثر قرار عاجل اتخذته اللجنة التنفيذية ولا نشك ان مغزى هذا القرار يخفى على الجماهير!!

 

        ان ما سبق من أمثلة تضاف لها أمثلة عديدة أخرى، تؤكد فشل الكفاح المسلح في وضع حد للتسيب الإعلامي الذي أساء إلى الثورة وما زال يسيء إليها.


<1>

بيان سياسي للهيئة العاملة لتحرير فلسطين حول قيادة الكفاح الفلسطيني المسلح
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 350 – 351”

 

          ان التنسيق في مجالات الشرطة العسكرية والإعلام، ليس بديلا للوحدة العسكرية الكاملة، فأن ما تتطلبه المعركة وما تصر عليه الهيئة العاملة لتحرير فلسطين هو وحدة عسكرية كاملة تنصهر فيها الأجنحة العسكرية للمنظمات الشريفة في جيش واحد يخضع لقيادة عسكرية واحدة وقيادة سياسية واحدة.

رابعا

– ان إجماع الواقع العربي الرسمي على الكفاح المسلح – وهو الذي لم يجمع حتى الآن على شيء – والضغوط المباشرة وغير المباشرة التي يمارسها لتجميع كافة الفصائل الفدائية تحت لواء الكفاح المسلح هو أمر يدعو لكثير من التساؤل والدهشة. ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا اجتهدنا بأن العلاقات السياسية في الوطن العربي تقوم على توازن دقيق بين أنظمة الحكم المختلفة، تنظمه وتحافظ عليه جامعة الدول العربية ومؤتمرات القمة. غير ان المقاومة الفلسطينية بنموها وتصاعدها بدأت تهدد هذا التوازن بأخطار جسيمة، فكان لا بد وان يكبح جماح المقاومة، أو ان تحول إلى مقاومة أليفة ليعود التوازن السياسي إلى المنطقة من جديد، وذلك أمر يسهل تحقيقه باحتواء المقاومة ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية وليدة مؤتمرات القمة.
          هناك أدلة عديدة تعطي هذه النظرية ثقلا كبيرا منها:

أ –

ان كلا من المنظمات المنضمة إلى الكفاح المسلح ترتبط بدولة عربية ارتباطا مباشرا أو غير مباشر باستثناء منظمة واحدة انضمت إلى الكفاح المسلح تحت وطأة ظروف خاصة.

ب –

ان كافة المنظمات المستقلة رفضت المشاركة في الكفاح المسلح بشكله الراهن.

جـ –

ان انضمام بعض المنظمات الرسمية وشبه الرسمية المفاجئ إلى الكفاح المسلح مؤخرا قد تم بمعزل عن أية تصورات سياسية مشتركة للمعركة وبدون المشاركة في الجهاز السياسي الموجه للكفاح المسلح، كما انه وقع في ذروة خلافات سياسية عنيفة بين المنظمات المنضمة والمنظمات المؤسسة للكفاح المسلح وهو ما يجعل عضوية الكفاح المسلح أمرا مشابها لعضوية جامعة الدول العربية.

د –

وعلى الرغم من المواقف الرسمية المعلنة لعديد من الدول العربية تؤكد فيها دعمها لمنظمات المقاومة دون تمييز، إلا أن بعض هذه الدول تشترط عضوية الكفاح المسلح قبل تقديم الدعم فتنقض بذلك في السر ما تجهر به في العلن.

هـ –

تفرض الأجهزة الإعلامية لبعض الدول العربية حظرا على أخبار المنظمات غير المنضمة إلى الكفاح المسلح وعلى رأسها منظمتنا. والانكى من ذلك انها تتبرع بالكثير من عملياتنا العسكرية لمنظمات أخرى تتمتع بعضوية الكفاح المسلح.

 

          ان الهيئة العاملة لتحرير فلسطين ترى في كل ما تقدم من قرائن دليلا على نية مبيته لاحتواء الثورة الفلسطينية وربطها بعجلة السياسة العربية التقليدية. والهيئة العاملة إذ ترفض مبدأ الاحتواء والتبعية تؤكد من جديد إيمانها الذي لا يتزعزع بوحدة الثورة العربية ووحدة معركة التحرير العربية، وإصرارها على ان من شروط التحرير ان ترتبط الثورة العربية الفلسطينية بالثورة العربية ارتباطا ثوريا كريما، وتعلن الهيئة رفضها القاطع لكافة ارتباطات التبعية والذيلية.

خامسا

– ان الحملات الإعلامية المركزة التي تهدف إلى تصوير الكفاح المسلح بأنه أقصى ما يؤمل تحقيقه، فضلا عن انها تسهم في خداع الجماهير وتزيف الحقائق أمامها، تشكل إهانة لثورية الشعب العربي الفلسطيني واتهاما صريحا له بالعجز عن الارتفاع إلى مسؤوليات الثورة والتوصل إلى الصيغة الثورية السليمة للوحدة الوطنية.

سادسا

– ان تطور الكفاح المسلح منذ بدايته حتى الدرجة التي وصل إليها الآن، لا يشكل دليلا على سلامة أسسه بقدر ما يعكس الاعتبارين التاليين:

أ

– الحاجة التي دفعت بعض المنظمات إلى الالتجاء إليه في ظروف معلومة.

ب

– اعتبارات سياسية دولية دفعت منظمات لا تملك إرادتها المستقلة إلى المشاركة فيه تحقيقا لأهداف ليست لها علاقة مباشرة بالكفاح المسلح.
          لكل ما تقدم من أسباب، تؤكد الهيئة العاملة أن رفضها للمشاركة في قيادة الكفاح المسلح هو موقف عقائدي ينبع من عميق إيمانها بضرورة الوحدة الوطنية السليمة ورفضها لكل الصيغ التي تميع الوحدة باسم الوحدة، وتعلن ان الصيغة السليمة التي ترتئيها للوحدة الوطنية والتي يمكن ان تكون أساسا للبحث تقوم على المبادئ التالية:

1

– إقامة جبهة وطنية متكافئة بين المنظمات الفدائية العاملة بعد الاتفاق على ميثاق يعالج بوضوح الأمور التالية:
          1 – هدف الثورة.
          2 – معنى التحرير.
          3 – استراتيجية التحرير.
          4 – هوية العدو.
          5 – قوى الثورة وقوى الثورة المضادة والموقف منها.

2

– تشكيل مجلس ثوري من المنظمات المشاركة على أن يكون هذا المجلس مجلسا تشريعيا وتوكل إليه مهمة انتخاب القيادة السياسية للثورة.

3

– توحيد كافة الأجنحة العسكرية في جيش واحد يخضع للقيادة السياسية المنتخبة.

4

– وضع كافة ممتلكات المنظمات بما في ذلك الصندوق القومي الفلسطيني ومحطات الإذاعة تحت تصرف القيادة السياسية المنتخبة.

 


<2>

Scroll to Top