توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الإنجليزية ـ الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوربا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي ج 1، ص 765 – 779”

 

توصيات وتعليقات
لجنة التحقيق – الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود
فى أوروبا وقضية فلسطين 1946

تمهيد:
         عينتنا حكومتا الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة كهيئة مشتركة مؤلفة من أعضاء أمريكيين وبريطانيين لتقوم بالمهمات التالية:

1 –

للتحقيق في أحوال فلسطين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي علاقاتها بمشكلة الهجرة اليهودية وتهجير السكان الموجودين هناك حاليا.

2 –

للتحقيق في وضع اليهود في البلدان الاوروبية التي كانوا فيها ضحايا الاضطهاد النازي والفاشي وفي التدابيرالتي اتخذت أو ستتخذ في تلك البلدان لتمكينهم من التمتع بالحياة محررين من الجور والتفريق الجنسي وفي تقديرعدد الذين يرغبون في المهاجرة الى فلسطين أو البلدان الاخرى في خارج أوروبا، أو يجبرون على ذلك تحت ضغط ظروفهم الخاصة.

3 –

للاستماع الى آراء الشهود ذوي العلاقة ولاستشارة ممثلي العرب واليهود في مشاكل فلسطين تلك المشاكل التي تتأثر بحالات هى عرضة للتحقيق وفاقا لأحكام الفقرتين 1، 2 الآنفتين وبظروف وحقائق أخرى متعلقة بها ولعمل توصيات لحكومتى صاحب الجلالة البريطانية والولايات المتحدة الامريكية تعلن بواسطتها هذه المشاكل مع حلها النهائي الدائم.

4 –

ولعمل أية توصيات أخرى ضرورية الى حكومتى صاحب الجلالة البريطانية والولايات المتحدة الامريكية لا مندوحة من عملها لمجابهة حاجات فورية ملحة تنشأ عن أحوال تنطبق عليها مضامين الفقرة الثانية المذكورة أعلاه وذلك بعمل اصلاحى في الدول الاوروبية الآنفة الذكر أو بتهيئة التسهيلات الممكنة للهجرة الى البلدان في خارج البلاد الاوروبية والاستيطان فيها.

        وقد ألحت علينا الحكومتان معا بوجوب الاسراع الشديد في انهاء المواضيع التي عهد الينا بدرسها وتقديم تقريرنا لها في خلال مائة وعشرين يوما من تاريخ مباشرتنا التحقيق.

        وهكذا، فقد اجتمعنا في مدينة واشنطون في يوم الجمعة الواقع في 4 كانون الثانى سنة 1946 وباشرنا عقد جلساتنا العامة في يوم الاثنين التالي وأبحرنا من

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

الولايات المتحدة الامريكية في 18 كانون الثانى واستأنفنا عقد جلستنا العامة في لندن في 25 منه.

       ثم برحنا لندن الى أوروبا في 4، 5 شباط وقسمنا لجنتنا الى لجان فرعية وشرعنا بتحقيقاتنا على الترتيب التالى:

       في ألمانيا فبولونيا فتشيكوسلوفاكيا فالنمسا فايطاليا فاليونان وفي 28 شباط امتطينا غارب الجو الى القاهرة حيث عقدنا عددا من الجلسات ثم برحناها الى القدس فوصلنا اليها في 6 آذار. وقد تخلل الجلسات التى عقدناها في فلسطين زيارات شخصية الى أقسام البلاد المتعددة. وقد كانت الغاية من هذه الزيارات الشخصية الاطلاع في الدرجة الاولى على أوصافها ومميزاتها المختلفة وعلى أساليب معيشة سكانها. وزارت اللجان الفرعية عواصم سورية ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية وشرق الاردن لتطلع على آراء الحكومات العربية وممثلى الهيئات التي لها علاقة بالمواضيع التى أمامنا. وتركنا فلسطين في 28 آذار وختمنا مذكراتنا في سويسرا. وقد أسهمنا في بيان سفرتنا هذه في الملحق رقم 1 وها نحن الآن نقدم تقريرنا فيما يلى:

(الفصل الاول)
توصيات وتعليقات المعضلة الأوربية
(التوصية الأولى)

       يتوجب علينا أن نعلن أن المعلومات التى حصلنا عليها تجعلنا على يقين من ان جميع البلدان ما عدا فلسطين لا يمكن الاعتماد عليها في اعداد مساكن لليهود الذين يرغبون في ترك أوروبا. أو انهم يرغبون على تركها.

       ولكن فلسطين وحدها لا تستطيع استيعاب جميع اليهود وضحايا الاضطهاد النازى والفاشى والأمر الذى يجعل العالم باسره مسئولا عنهم وعن جميع الأشخاص المشردين.

       ولذا، فاننا نوصى حكومتينا معا أن تشرعا فورا بالتعاون مع البلدان الاخرى بالسعي الحثيث لايجاد مساكن جديدة لجميع الاشخاص المشردين بقطع النظر عن عقيدتهم أو جنسيتهم أولئك المشردين الذين انفصمت عرا روابطهم لجماعاتهم السابقة ولم يبق لهم أمل باعادتها.

       وعلى الرغم من أن الهجرة ستحل مشاكل بعض ضحايا الاضطهاد فان الأكثرية الساحقة بما فيها عدد غير قليل من اليهود ستبقى مقيمة في أوروبا ولهذا فاننا نوصى حكومتينا بأن تسعى لضمان تنفيذ أحكام ميثاق الامم المتحدة الذي يدعو إلى ” تشجيع الاقدام الشامل لحقوق الانسان مع المحافظة على الحريات الاساسية للبشر أجمع دون تمييز في العرق أو اللغة أو الدين”.

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج1، ص 765 – 779”

 

التعليق

       اننا بتوصية حكومتينا بأن تسعيا بالتعاون مع البلدان الاخرى لايجاد مساكن جديدة للأشخاص المشردين عن أوطانهم فاننا لا نقترح على أية بلاد أن تجعل تبديلا دائما في سياسة الهجرة التى تسير عليها، فالاحوال التى شاهدناها في أوروبا لم يسبق لها مثيل ولا يحتمل أن يظهر مثلها مرة آخرى ولهذا فاننا مقتنعون بأن أحكاما خاصة يمكن لا بل يجب أن تدخل على قوانين الهجرة المعمول بها حاليا لمجابهة هذه الحالة المحزنة والفريدة في بابها والداعية الى اليأس.

       وفضلا عن ذلك فاننا نعتقد انه بالامكان القيام بأمور كثيرة لا سيما بما يتعلق ” بالاشخاص المشردين ” ومن ضمنهم اليهود الذين لهم انسباء في البلدان الكائنة في خارج أوروبا وذلك لتسهيل القوانين الادارية المعمول لها في هذه البلدان.

       لقد قادتنا تحرياتنا الى الاعتقاد بان عددا كبيرا من اليهود سيواصلون السكنى في معظم البلدان الاوروبية وفي رأينا ان هجرة جميع اليهود الاوروبيين جماعات جماعات لن تكون ذات نفع لليهود أنفسهم ولا لأوروبا. ولذا يجب أن تبذل الجهود لتمكين اليهود من اعادة بناء جماعاتهم المشتتة وذلك بالسماح بهجرة الذين يرغبون منهم في تحقيق هذا الامر، وتحقيقا لهذه الرغبة يجب أن ينفذ حالا أمر ارجاع أموال اليهود المسلوبة اليهم في أقرب وقت ممكن وقد تبين لنا من التحريات التى قمنا بها أن الحكومات المختصة قد سنت في أكثر الأماكن قوانين بهذا الصدد، في ان العقبة في سبيل ذلك هى ان تنفيذ هذه القوانين على الأخص بما يتعلق منها بالملكيات الفردية يثير من جديد العداء الشديد للساميين. ولذا فاننا نقترح لأجل اعادة بناء المجتمعات اليهودية أن تكون المساعدة في ارجاع ممتلكات اليهود الشائعة اما عن طريق دفعات مالية على سبيل تعويض أو بطرق أخرى وهذه القضية هى من الأهمية في المكان الأول.

       وقد ترك الاحتلال النازى وراءه روح العداء للساميين. هذا العداء الذي لا يمكن مقاومته بالتشريع فقط بل أيضا بتشدد الحكومات في ضمان الحريات الدينية والمساواة في الحقوق وبوضع منهاج تعليمي فعلى يقوم على الأسس الديمقراطية الصحيحة التى يدعمها الرأى العامة العالمي القوى ويقترن بالنهضة الاقتصادية والاستقرار.

هجرة اللاجئين الى فلسطين

       أولا : إن تصدر في الحال اجازة تخول دخول فلسطين لليهود الذين كانوا ضحية اضطهاد النازية وعسف الفاشية.

       ثانيا: وأن تمنح هذه الاجازات ان أمكن خلال العام الحالى وأن تتم هجرة هذا العدد الفعلية بأسرع وقت تسمح به الظروف.

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

        وترى اللجنة بأن الاحياء الباقين من الاضطهاد النازى والفاشى الذين اتصلنا بهم يزيد عددهم على مائة ألف شخص. وفي الواقع يوجد أكثر من هذا العدد في ألمانيا والنمسا وايطاليا فقط. وعلى الرغم من مرور عام كامل على تحرير اليهود فلا تزال الأغلبية منهم التى تقطن في ألمانيا والنمسا تعيش في مراكز تجمع تعرف بمعسكرات التجمع وهى أشبه بالجزر بين الاقوام الذين لاقت على أيديهم أصناف العذاب والعسف. وترى اللجنة أنه لصالح هؤلاء اليهود ولصالح أوروبا نفسها يجب أن تغلق هذه المعسكرات ويوضع حد لبقائهم فيها، ان معظم هؤلاء اليهود على حق في طلبهم الرحيل عن أوروبا لأن أكثرهم هم الافراد الوحيدون الباقون على قيد الحياة بعد فناء عائلاتهم وقليل منهم هم الذين مازال لهم ارتباط في البلاد التى كانوا يسكنون فيها.

        ومنذ نهاية الحرب لم يعمل سوى القليل في سبيل ترحيلهم الى بلدان أخرى واسكانهم فيها. فقوانين الهجرة وقيودها تقف حائلا دون دخولهم الى أكثر البلدان ولا بد من مرور وقت طويل قبل امكان تعديل هذه القوانين وهذه القيود وقبل أن توضع هذه التعديلات موضع التنفيذ على ان في وسع بعضهم أن يذهبوا إلى البلدان حيث يوجد لهم أنسباء وفي وسع البعض الآخر أن يدخلوا بموجب نظام الكوتا وانما هؤلاء عددهم صغير نسبيا.

        ولا تعرف بلاد أخرى يمكن للأكثرية الساحقة من هؤلاء اليهود أن تهاجر، إليها في المستقبل القريب غير فلسطين وفضلا عن هذا، فكلهم تقريبا يرغبون في الذهاب إلى فلسطين. وذلك لأنهم على ثقة من أنهم سيستقبلون هناك بالترحاب الذي لا يحلمون بالحصول عليه في أى بلد أخرى وانهم هناك يأملون أن يعيشوا بأمان ويجددوا أمانيهم فى الحياة.

        ونعتقد ان من الضروري تسهيل ذلك لهم في أقرب وقت ممكن. وفضلا عن ذلك فقد أكد لنا زعماء الوكالة اليهودية ان هؤلاء المهاجرين سيجدون كل عناية ومساعدة وعطف.

        ولذا، فاننا نوصى باعطاء مائة ألف رخصة لدخول فلسطين تحقيقا لهذه الغاية ونشعر بأن التنفيذ العاجل لهذا الامر يكون له أعظم تأثير على الموقف برمته.

        ويجب أن تعطى الأولوية في منح هذه الرخص بقدر المستطاع الى الأشخاص الموجودين حاليا في المعسكرات والى الذين حرروا في ألمانيا والنمسا وخرجوا من المعسكرات ولكنهم باقون في هذين البلدين. ولا نرغب في أن يستثنى من هذا العدد الضحايا الآخرون من اليهود الذين يريدون أن يتركوا البلاد الموجودين فيها حاليا أو الذين تضطرهم ظروفهم الى تركها أو الذين هربوا خوفا من الاضطهاد. قبل اندلاع نار الحرب. ونحن نعترف بان هناك صعوبة في تقدير قضايا الأولوية ولكننا مع هذا نلح بتطبيق هذه الطريقة بقدر المستطاع ولدى تطبيقها أن ينظر بمنح الأولوية قبل اى شيء آخر الى العجزة والمشوهين والاطفال والصناعيين الذين يحتاج الى خدماتهم مدة أشهر عدة والعمل الذى أصبح القيام به ضروريا لسبب هذا السيل الجارف من المهاجرين.

        ومن الضروري أن يعلن أن لا فائدة ترجى بعد الحصول على شهادة الهجرة من التنقل من قطر الى آخر ومن الدخول الى فلسطين بصورة غير مشروعة.

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 137 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

       ومما لا ريب فيه أن هذا العدد الوافر من المهاجرين سيكون عبئا ثقيلا على فلسطين. ولكننا على ثقة من أن السلطات المختصة ستتحمل ذلك على عاتقها وأنها ستحصل على معاونة الوكالة اليهودية التامة في حمل هذا العبء.

       وسيواجه المسئولون عن تنظيم هذه الهجرة والقائمون بها مشاكل عسيرة غير أنه مما لا ريب فيه ان المنظمات الأوروبية العديدة الخاصة والعامة ولا سيما مؤسسة الانعاش والتعمير التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ستمد يد المعونة الممكنة ذلك لأن التعاون الاجتماعي ضروري جدا في كل شىء وفي جميع المراحل.

       ونحن متأكدون بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية التي أبدت اهتماما كبيرا في هذا الأمر ستساهم بقوة وسخاء مع حكومة بريطانيا العظمى في العمل على تحقيقه وهناك طرق أخرى شتى يمكن تقديم المساعدة بها.

       وعلى أولئك الذين يعارضون في السماح لهذا الشعب التعس بالدخول الى فلسطين أن يعرفوا بأننا أخذنا بعين الاعتبار جميع ما عرضوه علينا من بيانات ووثائق ولنا كل الرجاء أنهم سيعدون النظر في هذه الوضيعة وأنهم سيقدرون الاعتبارات التي أدت بنا الى هذه النتيجة حق قدرها وأنهم علاوة على ذلك كله اذا لم يكونوا مستعدين لمد يد المساعدة، فعلى الأقل يجب ألا يكونوا سببا في زيادة آلام ومصاعب هؤلاء المعذبين.

مبادئ الحكم

       لا دولة عربية ولا دولة يهودية.

       لأجل البت نهائيا في مطالب العرب واليهود بشأن الاستئثار بفلسطين نرى من الضروري التصريح عن المبادىء التالية:

1 –

أن لا سيادة لليهود على العرب ولا للعرب على اليهود في فلسطين.

2 –

أن لا تكون فلسطين دولة يهودية ولا دولة عربية.

3 –

أن الشكل النهائي للحكم الذي ينشأ في فلسطين يجب أن يضمن – بضمانات دولية – حماية ورعاية المصالح المسيحية والاسلامية واليهودية على السواء في الأراضي المقدسة وهكذا يجب أن تصبح فلسطين في النهاية دولة ترعى وتحمى حقوق ومصالح المسلمين واليهود والمسيحيين على السواء وتمنح السكان بمجموعهم أكبر نصيب من الحكم الذاتي الذي يتفق وأحكام المبادىء الثلاثة الأساسية الآنفة الذكر.

التعليق

       أن المصلحه العظيمة التى للعالم المسيحي في فلسطين قد أهملت اهمالا تاما أو تنوسيت أو تركت جانبا في جميع أدوار النزاع الدموي الطويل بين اليهود والعرب للسيطرة على تلك البلاد حيث يهتف كل فريق منهما بأعلى صوته قائلا:

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص765 – 779”

        إن هذه الأرض هي ملكنا.

        باستثناء الاشارة القصيرة المقتضبة الواردة في تقرير اللجنة الملكية ” المدعو بعدئذ بتقرير بيل” والشهادات الصغيرة التى تلقيناها تحريرا وشفاها حول هذه النقطة.

        ولذا، فاننا نصرح بقوة بأن فلسطين أرض مقدسة في نظر المسيحى والمسلم واليهودي على السواء وبالنظر لكونها كذلك، فهى ليست ولا يمكن أن تكون في يوم من الأيام أيضا يستطيع أي شعب أو أى دين أن يدعى ادعاء عادلا بأنها ملك له.

        ونصرح بنفس القوة أن فلسطين بكونها أرضا مقدسة تختلف كل الاختلاف عن غيرها من البلدان الأخرى ولذا يجب أن تكرس للمبادىء والتعاليم التى تقتضيها الأخوة البشرية لا التى تستلزمها القومية الضيقة.

        وعدا ذلك فبالنظر لتاريخ فلسطين الطويل ولا سيما خلال الثلاثين سنة الماضية لا يمكن اعتبارها أرضا عربية صرفة ولا أرضا يهودية صرفة.

        لليهود صلة تاريخية بالبلاد والوطن القومي اليهودى. وان كان يتضمن أقلية من السكان فقد غدا حقيقة واقعة بضمانة دولية وأصبح له الحق في الاستمرار والحماية والتطور باضطراد.

        ومع ذلك فليست فلسطين أرضا يهودية صرفة ولا يمكن أن تكون كذلك في المستقبل فهى في مفترق طرق العالم العربي وسكانها العرب الذين استوطن أسلافهم هذه المنطقة منذ أقدم الأزمنة ينظرون بحق الى فلسطين كوطن لهم.

        ولذلك، ليس من العدل في شيء ولا بالأمكان من الناحية العملية أن تصبح فلسطين دولة عربية تهيمن فيهما أكثرية عربية على مقدرات أقلية يهوديه أو دولة يهودية تهيمن فيها أكثرية اليهود على مقدرات أقلية عربية وفي كلتا الحالتين لن يكون لضمانات الاقلية القوة الكافية لحماية الجماعة التي تحت حكمها.

        وقد أوضح أحد الفلسطينيين الموقف بالعبارات التالية:

        “لقد كان الخوف يساور قلوبنا نحن معشر اليهود من أن تصبح هذه البلاد يوما ما دولة عربية وأن نصبح نحن تحت حكم العرب. وقد كان هذا الخوف يبلغ فينا أحيانا درجة الرعب. والآن بدأ هذا الشعور بالخوف نفسه يخالج أفئدة العرب وهو الخوف من ازدياد نفوذ اليهود وتقدمهم عليهم وحكمهم لهم.”

        فينبغى اذن جعل فلسطين بلادا يمكن فيها التوفيق بين الأمانى الوطنية المشروعة لليهود والعرب كليهما معا دون ان يخشى أي فريق تسلط الفريق الآخر عليه. وفي رأينا أنه لا يمكن تحقيق هذه الغاية في ظل أى شكل من اشكال الدساتيرالتى يكون فيها للأكثرية العددية الرأى الحاسم، ذلك لأن نضال الفريقين في سبيل الحصول على الغالبية العددية هو الذى يعكر جو العلاقات بين العرب واليهود ولضمان حكم ذاتي صحيح لكلتا الجماعتين العربية واليهودية لابد من جعل هذا النضال عديم الجدوى بحكم الدستور نفسه .

 توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلي عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

الانتداب بوصاية الامم المتحدة

      لقد توصلنا الى النتيجة التالية وهى أن العداء بين العرب واليهود ولا سيما اصرار كل فريق منهما على السيطرة على الفريق الآخر عن طريق العنف اذا اقتضى الأمر يجعل في حكم المؤكد أن كل محاولة لتأسيس دولة مستقلة في فلسطين في الوقت الحاضر أو بعد فترة من الزمن تؤدي الى نزاع داخلي قد يهدد السلام العالمي. ولذا فاننا نوصى ريثما يتلاشى هذا العداء باستمرار الحكم في فلسطين على ما هو عليه تحت الانتداب الى أن يتم الاتفاق على تنفيذ وصاية الامم المتحدة عليها.

التعليق

      نحن نعترف أن مهمة بريطانيا كدولة منتدبة على فلسطين لم تكن بالمهمة الهينة بالنظر الى القوات العظيمة الحربية اليهودية – العاملة في خارج فلسطين. وقد صرحت لجنة بيل في سنة 1937 بأن الانتداب غير قابل للتطبيق، واستنادا الى ذلك أوضحت لجنة الانتدابات الدائمة في عصبة الامم ان نظام الانتداب يكاد يكون غير قابل للتطبيق (بعد أن صرحت لجنة بيل بمثل هذا التصريح) وبعد سنتين من هذا التاريخ أعلنت الحكومة البريطانية عن عزمها على اتخاذ الخطوات اللازمة لانهاء الانتداب بانشاء دولة فلسطينية مستقلة وذلك بعد أن وجدت أن حل المشكلة على أساس القسيم الذى اقترحته لجنة بيل غير قابل للتطبيق ايضا. أن توصياتنا هذه مؤسسة على ما نعتقد انه في هذه المرحلة اعدل حل ممكن للجميع وذلك بالنظر الى ما حصل في السابق وإلى جميع ما تم اجراؤه حتى الآن. ونحن نعترف بأن هذه التوصيات لاتتفق مع مطالب أي من الفريقين هذا فضلا عن خروجها على سياسة الدولة المنتدبة في الآونة الاخيرة ونجن نعرف بأن الأخذ بهذه التوصيات يترتب عليه فترة وصاية طويلة الأمد، الأمر الذى يتضمن عبئا ثقيلا جدا يصعب على أية حكومة الاضطلاع به رحدها. غير أنه بالامكان تخفيف هذا العبء عن كاهل الوصى فيما قدر الأعضاء الآخرون في هيئة الأمم المتحدة الصعوبات حق قدرها وآزروا الوصى في القيام باعباء مهمته.

المساواة بمستوى المعيشة
التوصية الخامسة

      اننا نوصى ونحن نتجه بأنظارنا الى شكل من الحكم الذاتى يتفق والمبادىء الثلاثة المبسوطة في التوصية الثالثة بلزوم قيام الدولة – سواء أكانت منتدبة أم وصية – باعطاء التصريح التالى – وهو ان تقدم العرب الاقتصادى والعلمى والسياسى في فلسطين يجب أن يكون مساويا لتقدم اليهود في هذا المضمار. كما ينبغى على الحكومة ان تقوم بالخطوات اللازمة التى تستهدف سد الثغرة القائمة الآن بين المستويين ورفع مستوى معيشة العرب. وبهذا يتسنى لكلا الشعبين تفهم مصالحهما المثستركة ومصيرهما المشترك في الارض التى يعود كلاهما اليها.

 توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطبن من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي ج 1، ص 765 – 779”

التعليق

       ان دراستنا للأحوال في فلسطين ساقتنا الى النتيجة التالية وهى أن أحد الأسباب الرئيسية للتصادم والنزاع هو التفاوت العظيم والفرق الشاسع بين مستوى معيشة العرب وبين مستوى معيشة اليهود حتى ان ظروف الحرب التى عادت على العرب بمبالغ مالية كبيرة لم نقرب شقة التباعد بينهما بصورة محسوسة ولا يمكن رفع مستوى معيشة العرب ليصل الى مستوى معيشة اليهود الا اذا اتبعت الدولة المنتدبة سياسة رسمت بعناية ودقة لتحقيق هذا الغرض. ولدى التشديد على ضرورة انتهاج سياسة كهذه يجدر بنا أن نشير بنوع خاص الى التفاوت في الخدمات الاجتماعية – بما فيها المستشفيات الميسورة لليهود والعرب في فلسطين.

       اننا نعترف اعترافا تاما بأن الخدمات الاجتماعية اليهودية تمول الى حد بعيد من قبل الطائفة اليهودية في فلسطين بمساعدة المنظمات اليهودية في الخارج وتشدد على انه يجب ألا يعمل أى شيء بقصد خفض مستوى هذه الخدمات الاجتماعية الى مستوى الخدمات الاجتماعية عند العرب أو وقف التحسينات المستمرة التى تجرى فيها الآن.

       اننا نقترح ان ينظر فيما اذا كان من المستحسن تشجيع العرب على تأليف جماعة عربية على غرار الجماعة اليهودية التى تهيمن الآن على الخدمات الاجتماعية اليهودية وتمولها الى حد بعيد ولابد للعرب من ان يعتمدوا أكثر من اليهود بمراحل على مساعدات الحكومة المالية. ولكن يجب على يهود فلسطين أن يسلموا بضرورة انفاق الجزء الاكبر من الضرائب التى تجبى منهم ومن العرب على العرب لتلافى البون الشاسع الموجود حاليا بين مستوى المعيشة لدى الشعبين.

سياسة الهجرة المستقبلة

       ريثما تحال قضية فلسطين قريبا الى منظمة الامم المتحدة وينفذ فيها نظام الوصاية فاننا نوصى بوجوب ادارة فلسطين من قبل الدولة المنتدبه بموجب أحكام نظام الانتداب الذى يصرح بشأن الهجرة. بأن ادارة فلسطين مكلفة بتسهيل الهجرة اليهودية في أحوال ملائمة مع مراعاة عدم الاضرار بحقوق الطوائف الأخرى ومركزها.

التعليق

       لقد أوصينا بقبول 100.000 مهاجر من ضحايا الاضطهاد النازى بالسرعة الممكنة ونتصدى الآن الى الموقف بعد دخول ذلك العدد. اننا لا نستطيع أن نتطلع الى المستقبل البعيد كما أنه لا يسعنا أن نضع مقياسا للهجرة السنوية.

       والى ان تنفذ اتفاقية الوصاية فان من رأينا الصريح ان تدار فلسطين حسب نصوص نظام الانتداب الآنف ذكرها ولا نستطيع الذهاب الى أبعد من هذا الحد في معرض التوصية

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في فلسطين وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج1، ص 765 – 779”

       وقد يكون من المجازفة التكهن في هذا العالم المضطرب بما سيكون عليه الوضع الاقتصادي لأى بلاد بعد سنوات قليلة. ومن العسير بنوع خاص التنبؤ بمستقبل فلسطين الاقتصادي والسياسى بعد مضى سنوات. فنرجو والحالة هذه ان تضمحل وشيكا الخصومة والاضطراب السائدتان حاليا وان يحل محلهما عهد سلم لم تعرفه الاراضى المقدسة منذ زمن بعيد. وان يتحقق اليهود والعرب معا قريبا بأن التعاون من مصلحتهما المشتركة بيد انه لا يستطيع أحد أن يتكهن كم من الوقت يحتاج هذا الأمر لكي يتم.

       وتتوقف امكانية احتمال البلاد زيادة كبيرة في السكان مع الاحتفاظ بمستوى معيشة ملائم على مستقبلها الاقتصادي. وهذا بدوره يتوقف الى درجة كبيرة على امكان أو عدم امكان تنفيذ الخطط الوارد ذكرها في التوصية الثامنة واقتطاف ثمارها.

       ذكرت لجنة بيل بأن هناك عوامل سياسية واقتصادية تتعلق بالهجرة يجب أخذها بعين الاعتبار. وأوصت اللجنة المذكورة بادخال 12.000 في السنة “كحد أساسى أعلى” أما نحن فلا يسعنا تحديد حد أعلى أو أدنى للهجرة السنوية في المستقبل اذ أن هناك عدة عوامل غير واضحة ما زالت قائمة.

       على اننا نرغب في بيان بعض العوامل التي نوافق على وجوب أخذها بعين الاعتبار لدى تعيين عدد المهاجرين من الذين ينبغي قبولهم في أى فترة من الزمن . من البديهي ان من حق كل أمة مستقلة رعاية لمصالح أبنائها أن تعين عدد المهاجرين الواجب قبولهم في أراضيها وعلى هذا القياس فان من حق حكومة فلسطين فيما نعتقد أسوة بالحكومات الأخرى أن تقرر بالنظر الى مصلحة جميع سكان فلسطين وغيرهم عدد المهاجرين الواجب ادخالهم في أيه فترة في المستقبل.

       ففي فلسطين يوجد الوطن القومي لليهود الذى أحدث نتيجة تصريح بلفور فقد يرى البعض أن ذلك التصريح كان خاطئا وما كان يجب اعطاؤه. وقد يرى البعض الآخر انها فكرة عظيمة جدا وانه بالامكان تنفيذ أجرأ وأهم برنامج عرفه التاريخ ومن العبث الجدل في أى الرأيين أقرب الى الصواب. فالوطن القومى قائم في فلسطين وجذوره عميقة في تربتها ولا يمكن محوه من سجل الوجود بالجدل كما أنه لا يمكن بأي وجه من الوجوه وقف والغاء اقدام المرتادين اليهود عن تنفيذ رغبتهم.

       وحكومة فلسطين بصفة كونها مكلفة برعاية جميع السكان وتوفير الرفاه لهم لا يسعها أن تتجاهل مصالح هذا الجزء المهم من سكانها. ولا يسعها أيضا أن تتجاهل ما تم تحقيقه في غضون ربع القرن الأخير. ولا يمكن لأية حكومة في فلسطين تؤدى واجبها نحو شعبها أن تعجز عن بذل قصاراها لا للمحافظة على الوطن القومي فحسب بل لتشجيع تطوره أيضا تطورا صحيحا كما يبدو لنا لابد لهذا التطور من أن يشمل الهجرة.

       ويجب أن تكون مصلحة الشعب بمجموعه بما فيه اليهود والعرب وسواهم الهدف الأساسي في فلسطين اننا نرفض الرأى القائل بعدم جواز قبول هجرة يهودية إلى فلسطين دون موافقة العرب، الأمر الذي سيؤدى سيطرة العرب على اليهود ونرفض كذلك طلب اليهود الملح بتقرير هجرة يهودية اجبارية باسراع ما يمكن بغية

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

ايجاد أكثرية يهودية، ومن ثم تأسيس وانشاء دولة يهودية في فلسطين. ان سعادة اليهود يجب ألا تكون خاضعة لسعادة العرب ولا سعادة هؤلاء خاضعة لسعادة أولئك. ان رفاه الفريقين والحالة الاقتصادية في فلسطين كمجموع ودرجة تنفيذ المشروعات للزيادة في تحسينها وتقدمها، ان كل هذا يجب أن يؤخذ بعين – الاعتبار عند تقرير عدد المهاجرين الممكن قبولهم في أية فترة خاصة.

       أن فلسطين أرض مقدسة للأديان الثلاثة ويجب ألا تصبح أرض أى واحد منها دون الآخرين، والهجرة لانماء الوطن القومي يجب ألا تصبح سياسة تحيز ضد المهاجرين الآخرين، وعليه فكل شخص يرغب في دخول فلسطين ويكون أهلا لذلك بموجب القوانين المرعية يجب ألا يرفض قبوله بداعي انه ليس يهوديا، وكل تشريع يتعلق بالهجرة يجب أن يوضع ويطبق على هذا المبدأ دائما.

       وفضلا عن ذلك، فاننا مع اعترافنا بان كل يهودي يدخل فلسطين وفقا لقوانينها يكتسب حق الاقامة فيها نشجب بشدة وجهة نظر بعض المحافل اليهودية في أن فلسطين قد منحت أو قد تنوزل عنها بطريقة ما لتكون دولة ليهود العالم قاطبة وأن كل يهوي اينما وجد هو مواطن فلسطينى لمجرد كونه يهوديا وفي وسعه اذن دخول فلسطين كحق مكتسب من حقوقه دون الالتفات الى الشروط التى تفرضها الحكومة على المهاجرين وان ليس هناك هجرة يهودية غير مشروعة الى فلسطين.

       (اننا نصرح ونؤكد أن كل مهاجر يهودى يدخل فلسطين خلافا لقوانينها انما هو مهاجر غير شرعى).

سياسة الأراضي.

       اننا نوصى بما يلى:
1 –  الغاء القوانين المتعلقة بانتقال ملكية الأراضى الصادرة في سنة 1940، واستبدالها بقوانين تستند الى سياسة حرة في بيع الأراضي وايجارها والانتفاع بها بقطع النظرعن الجنس أو الملة أو العقيدة مع حماية صغار الملاك والزراع والمستأجرين .

2 –  وعدا ذلك اتخاذ التدابير اللازمة لابطال وضم الأحكام المتعلقة بنقل الملكية والايجارات والاتفاقيات المتعلقة بالأراضي التي تنص على جواز استخدام افراد عنصر أو طائفة أو دين واحد دون غيرهم في تلك الأراضى وحواليها أو فيما له صلة بها.

3 –  وجوب ممارسة الحكومة رقابة دقيقة على الأماكن والمواقع المقدسة كبحر الجليل (بحيرة طبرية) وما جاورها مما يضمن عدم انتهاك حرمتها واستعمالها في أوجه لا يرتاح اليها ضمير أهل الدين وان تسن فورا القوانين اللازمة لتحقيق هذا الغرض.

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

التعليق

        كانت قوانين انتقال ملكية الأراضي الصادرة في سنة 1940 تستهدف حماية المستأجر العربى والمالك الصغير بمنع بيع الأرض الا للعربى الفلسطينى في احدى المناطق وتقييد هذه البيوع في منطقة أخرى والسماح ببيعها بصورة أخرى حرة في منطقة ثالثة مما أدى الى التحيز ضد اليهود. وهكذا نجد أن هذه القوانين ترمى الى فصل العرب عن اليهود وابقائهم منعزلين بعضهم عن بعض. وفي المناطق التي منعت فيها البيوع أو قيدت فقد حيل بين العربي وبين ما يغريه على بيع أرضه التى غالبا ما تتوقف عليها معيشته ومعيشة افراد أسرته نظير مبلغ لا يتناسب مطلقا وقيمتها الحقيقية. ومع أن تلك القوانين وضعت بغية المحافظة على مستوى معيشة الزراع العرب الراهن وتلافى خلق مجموعة كبيرة من السكان العرب الذين لا أرض لهم فانها لا تفى العربى المقيم في المنطقة الحرة ذلك لانه بامكانه بيع أرضه بسعر خيالي والانتقال الي احدى المنطقتين الأخريين وبذلك يزيد في ازدحامهما وكذلك العربي الذي يقيم على قيد مسافة قصيرة من حدود المنطقة الحرة أو عبرها مباشرة لا يستطيع الحصول على مبلغ يقرب مما يحصل عليه في المنطقة الحرة ثمنا لأرض مساوية لأرضه في جودتها.

        اننا نعارض أى تشريع أو أية قيود يظهر فيها تحيز ضد اليهود أو العرب. ونعترف بالحاجة الى حماية المالك والمستأجر العربى الصغير واتخاذ ما يلزم من التدابير لتلافي نشوء مجموعة كبيرة من السكان العرب الذين لا أرض لهم وأيضا لرفع مستوى معيشة العرب. وقد اعترفت لجنة بيل بهذه الضرورة في تقريرها (الفقرة 10 من الفصل والتاسع) الذى ايد المبدأين التاليين الموجودين في تقارير سابقة وهما:

1 –

ان اراضي فلسطين مالم يطرأ تبديل ملحوظ في أساليب الزراعة المتبعة فيها فانها لاتقوى على احتمال زيادة كبيرة في السكان.

2 –

ان أراضي المناطق الجبلية مزدحمة بسكانها منذ الآن.

        ولا يزال هذان المبدآن صحيحين ان لم يكونا أصبحا أكثر صحة اليوم.

        اننا لا نعتقد بعدم امكان ضمان الحماية الضرورية للعرب الا عن طريق حصر اليهود في أجزاء خاصة من فلسطين . ان هذه السياسة التي اقترحتها لجنة بيل تتفق مع الحل الذي تقدمت به هى ونعنى به التقسيم. ولكنها لا تتفق مع الحل الذي عرضناه نحن.

        ان عقود الايجار التى يجريها “الصندوق الوطنى اليهودي” تتضمن نصا مآله ألا يستخدم المستأجر عمالا غير يهود في الأرض المستأجرة أو حولها أو فيما له صلة بها ونصا آخر بأن كل عقد ايجار فرعى يجب أن يتضمن شروطا مماثلة.

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

       اننا نعارض هذا التحيز كما ذكرنا آنفا، ونعتقد أن أحد الأسباب التي لأجلها وضعت مثل هذه الأحكام انما هو ضمان استخدام المهاجرين اليهود في الأراضي ولكننا لا نرى أن هذا الغرض يبرر الاحتفاظ بتلك النصوص والأحكام التى تعرقل التآزر والتفاهم بين العربى واليهودى.

       ان الأراضي التى يملكها ” الصندوق الوطني اليهودي” أو التى يحولها المجلس الاسلامي الأعلى الى وقف تصبح غير قابلة للانتقال. وقد أعربت لجنة بيل عن رأيها (فى الفقرة 80 من الفصل التاسع من تقريرها) بأن من المستحسن أن تتريث الحكومة في بيع الأراضى الأميرية لمثل هاتين الهيئتين. فالوضع والحالة هذه يتطلب المراقبة ذلك لأنه ليس من مصلحة سكان فلسطين أن يصبح قسم كبير من أراضي بلادهم غير قابل للانتقال سواء أكان المالك هذه المؤسسة أو تلك.

       انه لمن مصلحة اليهود والعرب معا في بلاد صغيرة كثيفة السكان كفلسطين التى يزداد سكانها بسرعة أن تستثمر جميع الأراضى وتستعمل على أكمل وجه ممكن كما أنه يجب العمل على تسوية حقوق الأراضي بالسرعة المستطاعة وتسهيل استثمار أراضي الدولة الصالحة للاستعمال والتي لا تطلب لأغراض عامة.

       وتضم أراضي فلسطين المقدسة ضمن حدودها وفي جميع أنحائها أماكن مقدسة في نظر أتباع الديانات العظمى الثلاثة ولذا فإن وجود الليدو برقصه وموسيقاه على ضفة بحر الجليل (بحيرة طبريا) لمما يجرح احساس الكثيرين من المسيحيين. وقد علمنا بوجود مشاريع أخرى ان تمت فلن تقل عن مشروع الليدو سوء مغبة.

       ولذلك فقد رأينا من الصواب أن نشدد في توصيتنا بلزوم ممارسة رقابة شديدة ودقيقة وتعزيز القوانين المعمول بها اذا اقتضى الأمر.

التطور الاقتصادي
التوصية الثامنة

       لقد عرضت علينا تصاميم مختلفة لتطور فلسطين الزراعى والصناعى على نطاق واسع. وهذه التصاميم اذا ما نفذت بنجاح تزيد في قابلية البلاد على استيعاب واعاشة عدد أكبر من السكان وترفع مستوى معيشة اليهود والعرب على السواء.

       ولسنا في وضع يؤهلنا لتقدير مدى صحة هذه التصاميم الخاصة وانما لايسعنا الا أن نؤكد أنها مهما كانت عملية من الوجهة الفنية فستنتهى بالاخفاق ما لم يكن ثمة سلم مستتب في فلسطين وفضلا عن ذلك فان نجاحها التام يستلزم مؤازرة الدول العربية المجاورة لها لأنها ليست مثل مشاريع فلسطينية صرفة. ولهذا فاننا نوصى بأن

 

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

تدقق هذه المشاريع كلها تدقيقا كاملا وتبحث وتنفذ منذ البداية وباستمرار التشاور التام والتآزر ليس مع الوكالة اليهودية فحسب بل أيضا مع حكومات الدول العربية المجاررة التى يعنيها الأمر مباشرة.

التعليق

       لقد أتيح للاقتصاد اليهودي في مرحلته الانشائية مزية وقدرة رءوس الأموال التى قدمت وفق شروط جعلت الربح المادى في درجة ثانوية. أما العرب فلم تتح لهم مثل هذه المزية. أما نحن مبدئيا فلا نعتقد بأن من الحكمة فى شىء أو من المناسب أن تضطلع أية مؤسسة خصوصية بمشاريع كمشروع وادى الأردن مثلا اذ ارتئى أنها سليمة من الوجهة الفنية حتى ولو كانت تلك المؤسسة مستعدة لتقديم الضمانات بالمنافع التى سيجنيها العرب وبأن لهم أن يشتركوا في ادارتها على نحو ما اقترحته الوكالة اليهودية.

       ان مثل هذه المشاريع بالنظر لجسامتها وما تنطوى عليه من آثار بعيدة المدى يجب أن ينظراليها كمشاريع عامة تقع ضمن نطاق أعمال الحكومة فلا تنفذ الا على أساس كونها نافعة لجميع طبقات السكان. غير أن الاضطلاع بأى مشروع نافع يجب ألا يتأخر بسبب عقبات مالية محضة يمكن التغلب عليها بمساعدة مؤسسات شبه خيرية. ولا نرى أنه يتعذر الوصول الى حل وسط يجمع بين التمويل اليهودى والمسئولية والمراقبة الحكوميتين.

       اننا نرحب بما أعدته حكومة فلسطين نفسها من برامج للتعمير في فترة ما بعد الحرب. وحبذا لو تيسر وجود الوسائل للقيام بمشاريع أوسع مدى وأضخم مقياسا. ولكننا نعترف بأنه من الخير جدا ايجاد الأموال اللازمة سواء عن طريق الموارد العامة أو القروض حتى يستتب الهدوء السياسي.

       ونقترح في الوقت نفسه أن تحصل الحكومة على الصلاحيات التي تمارسها في الوقت الحاضر بشأن القيام بتحريات واسعة وكاملة عن مدى الموارد الحالية المتيسرة في البلاد والسيطرة على استعمال المياه التى تحت الأرض وتقرير الحقوق المتعلقة بالمياه التى فوق الأرض.

       اننا نشك في امكانية توسيع مدى الناحية الاقتصادية في فلسطين توسيعا كاملا بالنظر الى مرافقها الطبيعية المحدودة دون اجراء تبادل في البضائع والخدمات مع الأقطار المجاورة تبادلا حرا كاملا. والواقع أن مؤازرة تلك الأقطار بصورة فعالة في بعض النواحى كالمشاريع التى تتضمن تجهيزات مياه لا يمكن الاستغناء عنها لضمان التطور الكامل المبنى على أسس اقتصادية.

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

التعليم
التوصية التاسعة

        تعزيزا للتفاهم بين الشعبين وسعيا وراء تحسين مستوى معيشة العرب بصورة عامة فاننا نوصى باصلاح نظام التعليم لليهود والعرب كليهما على أن يشمل هذا الاصلاح ادخال التعليم الاجباري خلال فترة معقولة من الوقت.

التعليق

        لقد أشارت لجنة بيل في الفصل السادس عشر من تقريرها الى مساوئ نظام التعليم المعمول به في فلسطين والى التفاوت الكبير بين المبالغ التى تنفق على تعليم العرب واليهود. وقد أكد التقرير المذكور أيضا أن نظام التعليم في فلسطين لدى اليهود ا والعرب معا قائم على أسس قومية واسترعى الانتباه بصورة خاصة الى الدعايات القومية المنتشرة في المدارس العربية.

        لقد تبين لنا من التحريات التى قمنا بها أن المدارس اليهودية أيضا – وهى تحت اشراف الطائفة اليهودية وتدار بأموالها – قد أصبحت مشبعة بروح قومية ملتهبة وغذت وسائل فعالة بالغة الأثر لبث الروح القومية العبرية الاعتدائية. ولذا فاننا نوصى بشدة بوجوب سيطرة الحكومة التامة على نظام التعليم اليهودى والعربي للقضاء على هذا التشبث المشبع بروح العنصرية ومسخ التعليم لأغراض الدعاية. كما أن من واجب الحكومة العمل على جعل التعليم أداة للتفاهم بين الشعبين وذلك بالاشراف على الكتب المدرسية ومناهج التعليم وتفتيش المدارس اشرافا دقيقا.

        ولعل من المستحسن فيما نعتقد أن تتولى جزءا كبيرا من مسئولية التعليم العربي طائفة عربية على غرار الطائفة اليهودية التى سبق تأسيسها في فلسطين ولكن اذا استهدفت الطائفتان اليهودية والعربية التعليم الاجبارى فلابد والحالة هذه من تخصيص نسبة اعظم بمراحل مما خصص حتى الآن من ميزانية فلسطين السنوية للتعليم. وسوف تنفق أكثر هذه الاعتمادات على تعليم العرب. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف الا اذا خفضت بصورة محسوسة النسبة المخصصة الآن للأمن العام من الميزانية العامة.

        ونشدد بنوع خاص على ضرورة زيادة التسهيلات المهيأة للعرب في الوقت الحاضر للتعليم المهنى والثانوى والجامعي بصورة عاجلة. ان التفاوت في مستوى معيشة الشعبين الذى سبق لنا أن استرعينا اليه الانتباه يعزى الى حد كبير الى كون عدد أفراد الطبقة المهنية والوسطى اليهودية يزيد كثيرا عما هو عليه لدى العرب. ولا يمكن ازالة هذا الفرق الا بزيادة التسهيلات المتيسرة للعرب للتعليم العالى زيادة كبيرة جدا.

توصيات وتعليقات لجنة التحقيق الانجليزية – الأمريكية بشأن مشاكل اليهود في أوروبا وقضية فلسطين 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 765 – 779”

الحاجة الى استتباب السلم في فلسطين
التوصية العاشرة

       اننا نوصى في حالة العمل بما ورد في هذا التقرير بأن يوضح لكل من العرب واليهود معا بصورة لا تقبل الشك بأن كل محاولة من أى فريق ترمى عن طريق التهديد باستعمال العنف أو عن طريق تنظيم جيوش غير قانونية واستخدامها للحيلولة دون تنفيذه سوف تقمع بحزم.

       واضافة الى ذلك من رأينا أن تستأنف الوكالة اليهودية في الحال التعاون الفعال مع السلطة المنتدبة لقطع دابر الارهاب والهجرة غير المشروعة ولصيانة الامن والنظام في جميع أنحاء فلسطين. لأن ذلك ضروري لمصلحه الجميع بما فيهم المهاجرين الجدد.

0

 

Scroll to Top