رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربي الثالث

رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربي الثالث
فلسطين – نشرة الهيئة العربية العليا لفلسطين – العدد 55 – ايلول – 1965

         قضية فلسطين لا تماثلها اية قضية عربية اخرى، فهي ليست صراعا عربيا استعماريا فحسب، لكنها صراع مصيرى بين الوجود العربي والوجود الصهيوني، اللذين يختلفان اشد الاختلاف في عقائدهما وتضارب مصالحهما، فى الحاضر والمستقبل، ويتوقف على نتيجة هذا الصراع مصير الشرق العربي لا مصير فلسطين فحسب، فاما ان يظل عربيا حراً مستقلا، او يصبح مجالا حيويا للاستعمار واليهودية العالمية. ولا شك في ان كل يوم  ينقضي على الوجود الصهيوني في فلسطين يزيده قوة ومنعة وتمكنا في الوطن العربي، وان معالجة قضية فلسطين بالمطاولة والتسويف لا تزيد المعتدين الا غلوا في باطلهم وتماديا في عدوانهم، وتوسعا في اطماعهم، وان هذه القضية العربية المصيرية لو عولجت منذ بداية العدوان الصهيوني الاثيم، بالايمان والحزم والتصميم لما استفحل الخطر الصهيوني الى هذا المدى.

هل اعتبرت الامة العربية بكارثة فلسطين:
         هذه حقيقة لا مرية فيها، ولا يكابر فيها الا الذين عميت بصائرهم، او ماتت ضمائرهم. والهيئة العربية العليا لفلسطين، وقد صهرتها التجارب في معالجتها لقضية فلسطين والدفاع عنها، ما انفكت تهيب بالامة العربية، حكومات وشعوبا، ان تعي هذه الحقيقة وتضعها نصب عينيها، وتبادر الى مواجهة الواقع الخطير بما يتطلبه من حزم وتصميم وتعبئة لجميع القوى والطاقات التي تزخر بها اقطارنا العربية المترامية الاطراف، وامتنا العربية الكثيرة العدد والوفيرة الثروة. ومع ان كارثة فلسطين كانت اعظم درس، وابلغ عبرة للامة العربية ، وقد انقضت عليها سبع عشرة سنة كانت كافية لتنبيه الغافلين، وللم الشعب وتوحيد القوى لطرد العدو، وتحرير الوطن السليب من ربقته، فان الذي حدث كان العكس وبدت الامة العربية وقد ازدادت شعوبها تباعدا ، ودولها تنافرا ، واخذ بعضها بتلابيب بعض، وتحطمت قوى كثير منها في المعارك الجانبية والفتن الداخلية والخصومات الحزبية، وفعلت الدسائس الاجنبية فعلها في الكيد لهذه الامة وتفريق شملها وتفتيت وحدتها، حتى غدت وكأنها لا رابطة تربط بين اجزائها ولا وشائج تصل بين ابنائها، وغدا بعضهم عدوا لبعض، الا المتقين، وبدأ العرب كأنهم نسوا فلسطين وما

رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

اصابها من بوار ودمار، وخلا الجو للصهيونية تعبث في الأرض فسادا، وتمكن لقواتها المسلحة في فلسطين المحتلة بمساندة الدول الاستعمارية ومساعدتها، حتى اصبح مليونات من شراذم اليهود يرهبون مائة مليون من العرب ويقضون مضاجعهم، ويملأون نفوسهم خوفا ورعبا من غزوهم لهم في عقر دارهم، وحتى عدا الصهيونيون كأنهم طلسم سحري لا يجرؤ احد على الاقتراب منه، ومعجزة استحال على الامة العربية عجم عودها، وسبر غورها، وحتى كأن احدا من العرب لم يقرأ الاية الشريفة (فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله، والله مع الصابرين).

الزمن في صالح الاعداء
         منذ وقوع الكارثة والهيئة العربية العليا تناشد الدول العربية وجوب المبادرة الى وضع مخطط شامل لتحرير فلسطين تضطلع به الامة العربية كلها ويساهم فيه الشعب الفلسطيني في الطليعة. وتكون بادرة هذ ا العمل احياء كيان هذا الشعب المجاهد المنكوب وتهيئة الوسائل له ليكون قادرا على القيام بواجبه في تحرير وطنه. والحاح الهيئة على الدول العربية بوجوب القيام بهذا العمل مستمد من يقينها بان الزمن في صالح الاعداء، وخشيتها من ان يؤدي مرور الزمن الى مضاعفات تمكن للاعداء في الأرض المقدسة، وتوطد اقدامهم فيها وتزيدها قوة ومنعة، لما تمدهم به الدول المستعمرة من مساعدات مالية وعسكرية وسياسية، وان يصبح وطننا المقدس نواة لتحقيق المطامع اليهودية الخطيرة في انشاء دولتهم الكبرى (من النيل الى الفرات).

اثر التعويضات الالمانية و المساعدات الاجنبية في تقوية الاعداء
         وقد ظلت الاعتداءات اليهودية الهمجية تترى على العرب في فلسطين المحتلة وحدود الهدنة بما اشتملت عليه من فظائع ووحشية، وقد ازداد الصهيونيون قوة وطغيانا بما حصلوا عليه من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وغيرهما من الدول الاستعمارية من الهبات والقروض والمساعدات الأخرى المالية والعسكرية والفنية ومن مليارات الماركات من المانيا الغربية تحت ستار التعويضات، وهو امر طالما نبهت الهيئة العربية الى خطره في حينه منذ عام 1952 بما قدمته من مذكرات الى الدول العربية وجامعتها، وبما قامت به من اتصالات ومحادثات، وبما ارسلت من وفود الى المانيا الغربية وغيرها، لكن هذه التحذيرات لم تلق ما كانت تستحقه من اهتمام وعناية من بعض المراجع العربية المسؤولة.


 رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

استمرار الاعداء في عدوانهم وتسلحهم
         وقد استمرأ الصهيونيون سياسة البغى والعدوان دون ان يجدوا من العرب ما يصدهم  ويردهم على اعقابهم خاسرين، حتى اجترأوا في السنين الاخيرة على الشروع في اغتصاب المياه العربية وايصالها الى النقب لانشاء المستعمرات اليهودية المسلحة في اراضيه الواسعة واسكان ملايين من مهاجري اليهود فيها، وكذلك ظهر نشاطهم في الميدان الذري وتماديهم في الاستعداد لصنع القنبلة الذرية. ولم تتوان الهيئة العربية في موالاة النذر وتنبيه الامة العربية، حكومات وشعوبا الى هذه الاخطار المتلاحقة، وقد كان لذلك اثره في احاطة الرأي العام العربي علما بخطورة الموقف وسوء العاقبة، فهب يستصرخ الدول العربية بوجوب التوسل بالوسائل الجدية لدرء هذه الاخطار وانقاذ فلسطين من كارثة الاحتلال، وشعرت الدول العربية بحرج الموقف واشتداد الخطر، وبدرت من بعض المسؤولين فيها اقوال وتصريحات مشجعة بعثت من جديد آمال العرب بقرب تحرير فلسطين.. ثم جاءت الدعوة الى عقد مؤتمر القمة العربي الاول وما صحبها من تصريحات، ووعد ووعيد وانذار وتهديد، مقوية للامال بقرب انتهاج خطة عملية لبدء الكفاح، وتحرير الوطن السليب.

قرارات مؤتمر القمة العربي الاول لم تحقق الامل.
         غير ان قرارات المؤتمر الخاصة بفلسطين قد جاءت مخيبة للامال وباعثة للشكوك  والريب في مدى جديتها وجدواها، وذلك ما حمل الهيئة العربية على التنبيه في بيانها الصادر في 24 كانون الثاني 1964، الى ان بعض قرارات المؤتمر بشأن فلسطين، ولا سيما القرار الخاص بتحويل بعض روافد الاردن، تنطوي على التراجع عن المقررات العربية السابقة ، والعدول عن المواقف الحاسمة التي اجمعت الدول العربية على اتخاذها لصد  العدوان اليهودي، كما حذرت الهيئة في بيانها من العواقب السيئة التي ستنجم عن الموقف  الذي وقفه المؤتمر من موضوع انشاء الكيان الفلسطيني.
         ولم تلبث الاحداث ان جاءت مؤكدة صحة رأى الهيئة والمخاوف التي ساورتها، فان قرارات المؤتمر لم تقرب الامة العربية من هدفها وهو تحرير فلسطين، وقد استبعدت خطة الالتجاء الى القوة، وبدأ التردد واضحا في تنفيذ قرار تحويل الروافد، ومن جهة اخرى فاز اليهود بايصال مياه الاردن الى النقب، ووضعوا مشروعا لتحلية مياه البحر بمساعدة الولايات المتحدة الامريكية، وتوسعوا في برامجهم الاقتصادية والعسكرية، وضاعفوا جهودهم لانتاج القنبلة الذرية.
         كل ذلك اصاب الشعب العربي بصدمة عنيفة وخيبة امل شديدة.

 رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

… وقرارات مؤتمر القمة العربي الثاني
         على ان الامال العربية لم تلبث ان تجددت بانعقاد مؤتمر القمة الثاني بالاسكندرية في ايلول سنة 1964 رجاء ان يسفر عقده عن قرارات حازمة تؤدي الى نتائج حاسمة. ومن  دواعي الاسف ان جاءت قرارات هذا المؤتمر الخاصة بفلسطين كسابقتها مخيبة للامال. وقد اذاعت الهيئة حينئذ بيانا بتاريخ 28 ايلول 1964 صارحت فيه الامة العربية برأيها واعربت عن وجهة نظرها في تلك المقررات الخاصة بفلسطين ومما قالت فيه:
          “ان القضية الفلسطينية اليوم على مفترق طريق، وموقف حاسم خطير يقضي على الهيئة بان توضح الحقائق وتجهر بيقينها ان الخطط المرسومة الان لتحرير فلسطين، تفتقر الى الجد، وانها ملهاة للشعب الفلسطيني والامة العربية، ويخشى ان تؤدي في النهاية الى تصفية القضية الفلسطينية، رغم ما تحاط به من هالات المظاهر الخلابة والدعايات المدوية، والتلويح بالجيش والكتائب، وتحويل الروافد”.
         اخذ الخطر على قضية فلسطين يستفحل يوما بعد يوم، وقد امعنت السياسة الاستعمارية والصهيونية في تنفيذ خططها الرامية الى تصفية هذه القضية تصفية نهائية، دون ان يبادر العرب الى معالجة الاوضاع المتردية ومجابهة التصميم الصهيوني بتصميم مثله، وظل الصهيونيون ممعنين في استعداداتهم العسكرية وجهودهم لانتاج القنبلة الذرية. وبذلك تكون السياسة العربية قد ايدت بتصرفاتها ما ذهب اليه كثيرون، من انها تنطوي على التجاوز عن فكرة تحرير فلسطين والقتال في سبيلها.
         ومن جهة اخرى، لقد برهنت الاعمال والتصرفات الشاذة التي صدرت عن “منظمة التحرير الفلسطينية”، على بعدها عن روح الجهاد والفداء، وعجزها عن معالجة قضية فلسطين بعزم وتصميم، وافتقارها الى الصدق والجد فيما تقوم به من عمل ظاهره خدمة القضية والدفاع عنها ونتيجته الاساءة الى هذه القضية والمباعدة بين الفلسطينيين، وتحريض بعضهم على بعض، والزج بهم وبقضيتهم في ميدان النزاعات العربية والخلافات الدولية.
          ولما عقدت هذه المنظمة مهرجانها الفلسطيني في القاهرة في شهر ايار الماضي تحت اسم   (المجلس الوطني الفلسطيني) اعلنت فيه جهة عربية مسؤولة ما يفهم منه التخلي عن فكرة  تحرير فلسطين ريثما يصبح العرب قادرين على ذلك، مستشهدة بأن احتلال الصليبيين لفلسطين استمر سبعين عاما قبل ان يحررها العرب منه، وهذا القول يخالف الحقيقة والواقع اذ ان الذين قاوموا الصليبيين استمروا يقاتلونهم خلال هذه السنين الطويلة دون ان يتخاذلوا او يتواكلوا حتى تم لهم الفوز والنصر بتحرير فلسطين.

قرارات مؤتمر القمة العربي الثالث
         واخيرا انعقد مؤتمر القمة العربي الثالث في 13 ايلول في الدار البيضاء. وكان

 رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

المتوقع ان يعيد النظر في القرارات الصادرة عن المؤتمرين السابقين بشأن فلسطين ويتخذ من الاجراءات والتدابير ما يعيد الثقة الى النفوس، ويبشر بعمل جدي لتحرير فلسطين، ويلغي بعض القرارات السابقة التي اريد فرضها على الفلسطينيين كقرار انشاء  الكيان الفلسطيني بالصورة المزيفة التي انشئ عليها ولا سيما وقد تم عقد المؤتمر في جو ملائم لعمل فعال مشترك بعد انتهاء مشكلة اليمن وفقا لاتفاقية جدة.
         وانتهى مؤتمر القمة الثالث بصدور سلسلة من القرارات في موضوع العلاقات العربية، وبعض الشؤون الدولية، وقضية فلسطين.
         ولقد تتبعت الهيئة العربية أنباء المؤتمر وقراراته ودرستها بعناية تامة. وهي عملا  بخطتها في مصارحة الرأي العام تعرب عن رأيها فيها كما يلي:

ميثاق التضامن
         1 – ان الهيئة العربية التي ما انفكت تدعو الامة العربية ودولها الى التعاون الوثيق والتضامن الصادق ترحب بميثاق التضامن الذي اقره المؤتمر وترجو الا يكون هدنة مؤقتة او مرحلة املتها ظروف طارئة، وتنوه بما نص عليه الميثاق من عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية، لانطوائه على مبدأ تقرير حرية كل شعب من الشعوب العربية في معالجة اموره الداخلية وشؤونه الخاصة، وهو نفس المبدأ الذي اتخذ اساسا لاتفاقية جدة بشأن المشكلة اليمنية.
         وانطلاقا من هذا المبدأ، وعملا به تطالب الهيئة العربية، الدول العربية الموقرة وجامعتها، ان ترفع وصايتها المفروضة على الشعب الفلسطيني، وتعمل على تطبيق ميثاق التضامن عليه فتمتنع عن التدخل في شؤونه الداخلية، فان تطبيق هذا الميثاق على الشعب  الفلسطيني، يقضي بالتزام الدول العربية لقراراتها السابقة الصادرة بالاجماع عن مجلس الجامعة في دورته الأربعين المنعقدة بالقاهرة في ايلول عام 1963، التي اكدت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسة حقوقه الوطنية بالطرق الديمقراطية وانشاء كيانه بالانتخاب العام. كما ان مبادئ هذا الميثاق تقضي عليها بالعدول عن المواقف السابقة والقرارات المرتجلة التي اتخذتها بشأن الكيان الفلسطيني وتعيين ممثلي فلسطين في الجامعة.

سياسة التساهل والتراجع
         2 – ولا تستطيع الهيئة العربية، وهي تركز اهتمامها على ما خص فلسطين من قرارات المؤتمر، الا الاشارة الى ان سياسة التساهل والتراجع ما زالت سائدة في كافة النواحي الرئيسية للقضية، وانه ليس ثمة ما يدل على وجود سياسة حازمة لمعالجة هذه القضية بجد وتصميم، ولحرمانه العدو من كسب الوقت واغتنام الفرصة لصالحه، بل ان هناك ما يحمل على الاعتقاد بأن فكرة تحرير فلسطين قد طويت، على الصعيد العربي الرسمي، الى اجل  

 رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

غير مسمى ريثما يتم العرب استعدادهم العسكري ويصبحون في وضع يمكنهم من خوض معركة التحرير، ولا شك في ان الرأي العام العربي يجد في هذا التعلل مأخذا خطيرا لانه يدعو الى التساؤل عن العوامل والأسباب الحقيقية التي حالت دون استعداد العرب استعداداً عسكرياً وافيا خلال هذه المدة الطويلة التي ضاعت سدى واستفاد منها العدو في استكمال تسلحه واستعداده العسكري، كما انه يدعو الى التساؤل ايضاً عن الأسباب الحقيقية التي حالت دون تسليح الفلسطينيين وتدريبهم وتهيئتهم للقيام بواجبهم في تحرير وطنهم طيلة سبعة عشر عاما رغم مطالبتهم الجهات العربية المسؤولة بذلك.
         وما دام الامر كذلك فان من حق العرب عامة، والفلسطينيين خاصة ان يساورهم الشك في صحة البيانات والتصريحات التي كثيرا ما اذاعتها بعض المصادر العربية عن قوة التسلح العربي وتفوقه على قوة الاعداء في البر والبحر والجو تفوقا جعله اكبر القوى الضاربة في الشرق الاوسط.
         3 – فميا يختص بتحويل الروافد فان ما تقرر بشأنها ينطوي على تأجيل مشاريع التحويل، في انتظار تأمين الحماية اللازمة لها. ويظهر ذلك جليا في ارجاء الموافقة على المطالب المالية لهيئة الروافد حتى انعقاد مؤتمر القمة المقبل.
         ونرى هنا من الضروري ان نذكر ببعض القرارات الرسمية السابقة بشأن التحويل وهي:

أ –

قرار الجامعة العربية في 28/8/1960 وهو: “ان يعهد الى اللجنة العسكرية الدائمة بوضع مخطط شامل لمواجهة جميع الاحتمالات”.

ب –

قرار الجامعة العربية في 29/10/1960 وهو: “ان اقدام الصهيونيين على تحويل مياه نهر الاردن هو عمل عدواني ضد العرب”.

جـ –

قرار مجلس الدفاع العربي الاعلى وهو: “وجوب الالتجاء الى القوة لمنع الصهيونيين من الاستيلاء على المياه العربية..”

د –

بيان مؤتمر القمة العربي الاول بانه اتخذ القرارات العملية اللازمة لاتقاء الخطر الصهيوني الماثل سواء في الميدان الدفاعي او الميدان الفني.

هـ –

بيان مؤتمر القمة العربي الثاني بانه اتخذ القرارات الكفيلة بتنفيذ المخططات العربية وخاصة في الميدانين العسكري والفني ومن بينها بداية العمل الفورى في المشروعات العربية لاستغلال مياه روافد نهر الاردن.

          وللشعب العربي ان يقارن هذه القرارات، بما تم تنفيذه فعلا وبما وصلت اليه مشاريع تحويل الروافد العربية وحمايتها مما خيب امل الشعب الفلسطيني الذي كان يتوقع ان تستغل الدول العربية اصرار الاعداء على اغتصاب مياه الاردن فرصة لمباشرة معركة تحرير فلسطين.

رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

الكيان الفلسطيني ومنظمة التحرير:

         4 – وفيما يختص بالكيان الفلسطيني، فان القرارات والتواصي الصادرة بشأن ما يسمى “منظمة التحرير”، تنطوي على ابقاء قضية فلسطين ميدانا للاستغلال والمساومات ومسرحاً للعبث والتمثيليات، وقد ظهر جليا خطأ السياسة التي اتبعت في هذا الشأن، وثبت ان محاولة فرض المنظمة المذكورة على الشعب الفلسطيني لم تنجح الا في صدع وحدة الصف والاساءة الى قضية فلسطين والحاق الضرر بها، كما ظهر جليا ايضا ان هذه المنظمة  المعينة تعيينا، والتي تم تشكيلها لغايات خاصة وبلوغ اهداف لا تمت الى صالح قضية  فلسطين بسبب ولا نسب، لا تتوفر لها المقومات التي تؤهلها لتولي زمام قضية بالغة الخطورة كقضية فلسطين والاضطلاع بعبء الدفاع عنها واعداد شعبها للمساهمة في عملية تحريرها.
         وقد كان المأمول من المؤتمر الموقر، حرصا على سلامة قضية فلسطين، ودفعاً لخطر تصفيتها، واحتراما لارادة الشعب الفلسطيني ورغبته، وتمكينا له من ممارسة حقوقه الوطنية بالطرق الديموقراطية الانتخابية ان يعيد النظر في قراراته السابقة بشأن الكيان الفلسطيني وينسخ منها ما جاء مرتجلا وضاراً بقضية فلسطين، لكن المؤتمر استمر في تأييد منظمة التحرير رغم فشلها واخطائها وسوء تصرف رئيسها، وتغاضى عن تحقيق رغبة الفلسطينيين الشاملة في انشاء كيان حقيقي ممثل للشعب وقادر على تحمل الاعباء الجسام التي تفرضها عليه الاحداث الخطيرة الحاضرة والمقبلة.
         ان اقتناع السياسة العربية الرسمية، وان جاء متأخرا، بقيام كيان فلسطين يتحدى المستعمرين والصهيونيين، كان فرصة ملائمة لانشاء كيان حر حقيقي ومؤهل فعلا لخوض معركة التحرير، ولئن كانت الاهواء السياسية والمجاملات بين الدول العربية قد ادت الى اخراج كيان مصطنع، فمن المؤسف حقا ان يعمل بعض الفلسطينيين على اضاعة هذه الفرصة، فيقبلوا بتجاهل حقوق الشعب والخروج على ارادته ويفضلوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، ويرتضوا لانفسهم ان يكونوا اداة لاقامة كيان صورى يفتقر الى كل المقومات الاساسية وانشاء منظمة ملفقة على اساس الفرض والتعيين تكون وسيلة لاستغلال الشعب وتسخيره ، وايهامه ان الامر جد وانه قول فصل، وما هو بالهزل.
         لا جرم ان الشعب الفلسطيني لن يغفر هذه الاساءة البالغة لقضيته، وهذا المسخ والتشويه لمشروع كيانه الذي اضاع عليه فرصة ابراز شخصيته وقدرته على الكفاح لتحرير وطنه.
         5 – ان الخطاب الذي اذاعه رئيس منظمة التحرير مساء 30 ايلول 1965 من القاهرة ، والتمويهات التي حاول بها ان يبرر فشل منظمته وخذلان الشعب الفلسطيني له رغم ما

 رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

منحته مؤتمرات القمة من سلطات واسعة واموال وفيرة بددت. في غير سبيلها الصحيح، لن تخدع احداً ولن تجد سبيلا الي اسماع الفلسطينيين وعقولهم وضمائرهم التي حاول الشقيري ان يتصل بها ويوسوس اليها. وان تعجب فعجب حديثه عن الحرية والتحرير واشارته الى لزوم (تحرير ارادة الانسان الفلسطيني) ومطالبته (بحرية الشعب الفلسطيني في ممارسة  نشاطه القومي..) وقوله (ان شعب فلسطين في حاجة الى تحرير ارادته قبل تحرير وطنه).
         فان الشقيري الذي يطالب بالحرية للشعب الفلسطيني، قد تناسى انه عمل بيديه على وأد هذه الحرية بكيانه المصطنع الذي اقامه على اساس الفرض والتعيين، وانه رفض رفضا باتا وقاوم ما استطاع الى المقاومة سبيلا، ان يقوم الكيان على اساس سليم من الديموقراطية والحرية الانتخابية وهو ما طالبت به الهيئة العربية العليا في بياناتها ومذكراتها، وما طالب به الشعب الفلسطيني بمئات المعروضات والبرقيات التي قدمها الى المقامات العربية المسؤولة. والشقيري هو الذي وضع قضية فلسطين في سوق المناقصة فرست عليه. وقد ظل الشقيري عامين بعد ما رضى بوأد حرية الشعب الفلسطيني يواصل تنفيذ المهمة المنوطة به، واخيرا تقدم بمشروع انتخابي ملفق حاول به ان يلبس عمله الباطل لباس الحق والصدق. ولكن الحق ابلج، والباطل لجلج. وللباطل جولة ثم يضمحل وما كان الله ليصلح عمل المفسدين ..
         ان الشقيري الذي يشدد حملته الان على مؤتمر القمة، ويوجه اليه اللوم والتقريع، ويستعدي الفلسطينيين عليه، هو الذي آثر ان يكون معينًا من قبله وان يتقوى به. وقد كان باستمرار يتبجح بأن ثلاث عشرة دولة عربية قد عينته، وقد بلغ منه الغرور حد التصريح في الصحف بانه يحك كتفيه باكتاف الملوك والرؤساء العرب، فهو احق باللوم والتقريع، وهو الذي رفض ان يكون مندوباً للشعب الفلسطيني فقطع بذلك كل صلة له بهذا الشعب، الا الذين اغراهم بالوظائف والمرتبات الضخمة والاموال الطائلة. وهو الذي اقام اجتماعاً بالقدس دعاه المؤتمر الفلسطيني الاول” منكرا بذلك جميع المؤتمرات الفلسطينية السابقة، وطاوياً صفحات الجهاد الناصعة الخالدة، والتضحيات العظيمة التي سطرها اهل فلسطين خلال نصف قرن بدماء ابطالهم ومجاهديهم في تاريخ الجهاد الفلسطيني وكان من ابرز ما قرره مؤتمر الشقيري هذا، المنعقد في جوار المسجد الاقصى المبارك، انه اتخذ قرارا بانكار الصفة الاسلامية للقضية الفلسطينية، فترك ذلك اسوأ الاثر في العالم الاسلامي واستغله الصهيونيون لصالحهم ايما استغلال.

         وبعد فان الهيئه العربية العليا، الممثلة الشرعية لكفاح الشعب العربي الفلسطيني، اذ تصارح الرأي العام العربي برأيها في الوضع العام ومقررات مؤتمر القمة العربي الثالث،

 رأي الهيئة العربية العليا لفلسطين حول مقررات مؤتمر القمة العربى الثالث
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 525 – 533”

تناشد العرب جميعا ان يتصدوا لمباشرة مسؤولياتهم الجدية في معركة التحرير ضمن وحدة وطنية وكفاح حقيقي مستمر، دون ان يتسرب الى نفوسهم اليأس، وتعلن انها مصممة على مواصلة نضالها في طليعة الشعب الفلسطيني مع ابناء هذه الامة، جنبا الى جنب، وقلبا على قلب، حتى يتحقق الفوز والنصر، (ألا إن نصر الله قريب).


Scroll to Top