رد الرئيس ترومان إلى الملك عبدالعزيز آل سعود

رد الرئيس ترومان إلى الملك عبد العزيز آل سعود في 28 أكتوبر سنة 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي،ج 1، ص859 – 862”

رد الرئيس مستر ترومان
إلى الملك عبد العزيز آل سعود

28 أكتوبر سنة 1946

        يا صاحب الجلالة :

        لقد استلمت الآن كتابكم بشأن فلسطين ، الذي تلطفتم جلالتكم وحولتموه إلى عن طريق المفوضية السعودية العربية بتاريخ 15 أكتوبر 1946 وأوليت الآراء التي عبرتم عنها فيه اهتماما كافيا .

        وإني لمقدر بصورة خاصة أسلوبكم الصريح الذي عبرتم عنه في كتابكم . أن صراحتكم تتفق تماما والعلاقات الودية التي تقوم منذ مدة طويلة بين بلدينا والصداقة الشخصية بين جلالتكم وسلفي المختار ، تلك الصداقة التي أرجو الاحتفاظ بها وتقويتها .

        وهى بالذات هذه العلاقة الودية القائمة بين بلادنا وموقف جلالتكم الودي ، هي التي تشجعني على أن أدعو اهتمامكم إلى بعض الاعتبارات التي دعت هذه الحكومة إلى اتباع الطريق الذي كانت تتبعه فيما يختص بقضية فلسطين واليهود المشردين في أوروبا .

        وإني لمتأكد أن جلالتكم سيوافق بسهولة على أن وضع اليهود المفجع ممن هم بقية ضحايا اضطهاد النازي في أوروبا يكون قضية ذات أهمية وتأثير لا يمكن لأناس ذوي نية طيبة وغرائز إنسانية أن يتجاهلوها . وإن هذه القضية تعتبر قضية ذات صبغة عالمية . ويتراءى لي بأن كلامنا تقع عليه مسئولية مشتركة للعمل على إيجاد حل يساعد أولئك المنكوبين الذي هم مضطرون إلى مغادرة أوروبا للعثور على أوطان جديدة حيث يمكنهم العيش بسلام وأمان .

        ومن بين الأشخاص المشردين الذين نجوا من الموت في المعتقلات في أوروبا هنالك عدد من اليهود حالتهم مفجعة بصورة خاصة ، وذلك من حيث أنهم يمثلون بقايا يرثى لها من الملايين التي اختارها زعماء النازي عمدا للقضاء عليها .

        أن كثيرا من هؤلاء الأشخاص تنظر إلى فلسطين كمأوى يأملون أن يجدوا فيه ملجأ بين أناس من أبناء دينهم ويباشرون قضاء حياة هادئة مفيدة ويساهمون في اضطراب تقدم الوطن القومي اليهودي .

         إن حكومة الولايات المتحدة وسكانها عاضدت مفهوم الوطن القومي اليهودي في

رد الرئيس ترومان إلى الملك عبد العزيز آل سعود في 28 أكتوبر سنة 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي،ج 1، ص859 – 862”

فلسطين منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى التي أثمرت في تحرير الشرق الأدنى ومن ضمنه فلسطين وإقامة عدد من الدول المستقلة التي هي أعضاء في هيئة الأمم اليوم .

        إن الولايات المتحدة التي ساهمت بدمها ومواردها للانتصار في تلك الحرب لا يمكنها أن تتخلى عن بعض المسئولية من أجل الطريقة التي عوملت بها تلك المناطق المتحررة أو من أجل مصير الشعوب التي كانت قد تحررت في ذلك الوقت . وقد اتخذت الموقف الذي لا تزال تلتزمه ألا وهو تهيئة هذه الشعوب للحكم الذاتي ووجوب إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين . وإني لسعيد بأن أشير إلى أن أكثر الشعوب التي تحررت هم الآن مواطنون في بلاد مستقلة .

        والوطن القومي اليهودي – على كل – لم يكتمل بعد ، تقدمه تماما . ولذلك فانه من الطبيعي حقا أن تشجع هذه الحكومة الآن دخول عدد هام من المشردين اليهود في أوروبا إلى فلسطين لا ليجدوا هنالك ملجأ بل أيضا ليتمكنوا من المساهمة بمواهبهم وجهودهم في سبيل تشييد الوطن القومي اليهودي .

        ولقد كان مما يتفق تماما والتقاليد السياسية لهذه الحكومة بأني- منذ عام سبق- قد أخذت أراسل رئيس وزراء بريطانيا للإسراع في حل المشكلة الملحة أي مشكلة من تبقى من اليهود في معسكرات اللاجئين وذلك بنقل عدد هام منهم إلى فلسطين .

        ولقد كان اعتقادي الذي لا أزال متمسكا به والذي يشاركني فيه عدد عظيم من سكان هذه البلاد بأن ليس هنالك ما يساهم بصورة فعالة في تخفيف مصير من تبقى من هؤلاء اليهود أكثر من السماح بدخول لا أقل من 100.000 منهم حالا إلى فلسطين .

        ومع أنه لم يتخذ بعد أي قرار فيما يختص بهذا الاقتراح ، لكن هذه الحكومة لا تزال تأمل بأنه من الممكن السير بموجب الخطة التي رسمتها إلى رئيس الوزراء وفي نفس الوقت يجب أن نهتم بالطبع لبذل الجهود لفتح أبواب البلاد الأخرى – ومنها الولايات المتحدة – في وجه أولئك المساكين الذين هم الآن على أبواب شتاء السنة الثانية ولا مأوى لهم .

        وأنا من جانبي قد أعلنت بأني مستعد لمطالبة كونجرس الولايات المتحدة – الذي يجب تهيئة مساعدته بموجب الدستور- ليضع تشريعا خاصا يقبل بموجبه إلى هذه البلاد أعدادا إضافية من هؤلاء الأشخاص علاوة على حصة المهاجرين التي تقررت بموجب قوانيننا .

        وعلاوة على ذلك كانت هذه الحكومة تعمل جاهدة – مع غيرها من الحكومات في استقصاء إمكانيات التعويض في بلاد أخرى خارج أوروبا لأولئك الأشخاص المشردين الذين كانوا مضطرين إلى الهجرة من تلك القارة . وفي هذا الصدد ، كان مما شد عزمنا أن نلاحظ تصريحات مختلف زعماء العرب واستعداد بلادهم للمساهمة في هذا المشروع الإنساني وذلك بقبولها عددا معينا من هؤلاء الأشخاص في بلادهم .

رد الرئيس ترومان إلى الملك عبد العزيز آل سعود في 28 أكتوبر سنة 1946
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي،ج 1، ص859 – 862”

        وأنا اعتقد اعتقادا مخلصا بأن الأيام ستثبت إمكانية الوصول إلى تسوية مرضية لقضية اللاجئين تتفق تماما والخطة التي ذكرتها أعلاه.

         وأما فيما يختص بإمكانية استخدام اليهود العنف في مشاريع عدوانية ضد البلاد العربية المجاورة كما تصورتموه جلالتكم فيمكنني أن أؤكد لكم بأن هذه الحكومة تقف معارضة العدوان مهما كان نوعه أو استخدام الإرهاب في سبيل الأغراض السياسية . وبإمكاني أن أضيف أيضا بأني مقتنع بأن زعماء اليهود المسئولين لا تفكر بسياسة عدوانية ضد البلاد العربية الملاصقة لفلسطين .

        ولا يمكنني أن أوافق جلالتكم ولا بصورة على أن تصريحي الصادر في 4 أكتوبر يتناقض والموقف الذي اتخذ في التصريح الصادر باسمي في 16 أغسطس . إن التصريح الأخير عبر عن الأمل في الوصول إلى حل عادل لقضية فلسطين واتخاذ خطوات مباشرة لتخفيف حالة اليهود المشردين في أوروبا وذلك كنتيجة للمحادثات المقترحة بين الحكومة البريطانية وممثلي اليهود والعرب .

        ولسوء الحظ أن هذه الآمال لم تتحقق . فالمحادثات التي تمت بين الحكومة البريطانية وممثلي العرب – كما فهمت- قد تأجلت حتى ديسمبر دون إيجاد أي حل لقضية فلسطين أو اتخاذ أية خطوات من شأنها تخفيف حالة اليهود المشردين في أوروبا .

        وفي هذه الحالة يظهر أنه يقتضي على أن أذكر بقدر ما يمكنني من الصراحة أهمية القضية ورأيي فيما يختص بالاتجاه الذي به يمكن الوصول إلى حل يقوم على العقل والرغبة الطيبة وبالخطوات المباشرة التي يجب اتخاذها . وهذا ذكرته في تصريحي الصادر في 4 أكتوبر .

        وقد أشكل على الفهم لماذا يبدو أن جلالتكم تشعرون بأن هذا التصريح يتضارب مع الوعود السابقة أو التصريحات التي صدرت من هذه الحكومة. وربما من المستحسن أن نتذكر هنا بأنه في الماضي كانت هذه الحكومة – عند تلخيص موقفها من فلسطين قد أعطت تأكيدات بأنها لن تتخذ أي إجراء من شأنه أن يكون عدائيا للشعب العربي وبأنها أيضا حسب رأيها لن تتخذ أي قرار فيما يختص بالوضع الأساسي في فلسطين دون استشارة سابقة مع كل من العرب واليهود .

        وأني لا أعتبر إلحاحي على السماح بقبول عدد هام من اليهود المشردين إلى فلسطين أو تصريحاتي فيما يختص بحل قضية فلسطين يعبر بأي معنى عن عمل عدائي نحو الشعب العربي ، بل أن شعوري نحو العرب – عندما أفضيت بهذه التصريحات – كان ولا يزال ذا طابع ودي جدا . وأني ليعتريني الأسف لأي نوع من النزاع بين العرب واليهود ، كما أنى مقتنع بأنه لو نظر كلاهما القضايا التي تجابههما بروح من التفاهم والاعتدال لأمكن حلها لمصلحة جميع من يعنيهم الأمر بصورة دائمة .

        وأني فضلا عن ذلك لا أشعر بأن تصريحاتي كانت عبثا لتتخلى هذه الحكومة  

 رد الرئيس ترومان إلى الملك عبد العزيز آل سعود في 28 أكتوبر سنة 1946
ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي،ج 1، ص859 – 862″

عن تأكيدها بأنه حسب رأيها لا يجب أن يتم قرار بشأن الوضع الأساسي في فلسطين دون التشاور مع كل من العرب واليهود . وفي بحر هذه السنة الجارية ، كان هناك عدد من المشاورات مع كل من العرب واليهود . وكشخص يهتم لمصلحة بلدكم كما يهتم لمصلحة بلده اهتماما عظيما كما تجلى ذلك في الأمور المتنوعة التي أشرت إليها سابقا ، أغتنم هذه الفرصة لأعبر عن أملي الجدي بأن جلالتكم الذي يحتل مركزا رفيعا كهذا في العالم العربي سيستخدم النفوذ العظيم الذي يتمتع به للمساعدة على إيجاد حل عادل ودائم في المستقبل القريب .

        وأني لحريص على عمل كل ما في وسعى للمساعدة في هذا الموضوع كما أنه بإمكاني أن أؤكد لجلالتكم بأن حكومة الولايات المتحدة وشعبها سيبقيان حماة عن مصالح العرب ورفاهيتهم كما أنهما يعلقان قيمة عظيمة على صداقتهم التاريخية .

        وأني لأغتنم هذه الفرصة لأبلغ جلالتكم تحياتي الشخصية الحارة وأطيب تمنياتي لاستمرار الصحة والسعادة لجلالتكم ولشعبكم .

المخلص جدا – هارى س. ترومان  

   

Scroll to Top