رسالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إلى الشعب اللبناني حول الحوادث الجارية في لبنان

رسالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إلى الشعب اللبناني حول الحوادث الجارية في لبنان
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5،ص 441 – 444”

رسالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”
إلى الشعب اللبناني حول الحوادث الجارية في لبنان.

 

26/10/1969

(حركة التحرير الوطني الفلسطيني
“فتح”، “الكتاب السنوي 1969″،
ص 150)

 

         حرص العمل الفدائي الفلسطيني منذ قيامه إلى اليوم، على أن لا يكون طرفا في أي شأن من الشؤون الداخلية في أي بلد عربي، وأن لا يستدرج إلى أية معارك جانبية من أي نوع، حفظا لطاقات العمل الفدائي من أن تستهلك فيما لا طائل تحته وان تتوجه إلى غير ما قامت في سبيله.

         وانطلاقا من هذه القاعدة الأساسية في العمل، فقد تحمل العمل الفدائي الشيء الكثير، وابتعد عن أسلوب الحملات والمهاترات، وتفادي أسباب الخصومة والصدام، في كل بلد عربي، إيمانا منه بوحدة المصير وبان كل البنادق العربية يجب أن تنطلق في اتجاه العدو، وإيمانا منه بأن جوهر القضية وقداسة المعركة وجسامة الموقف، وكل هذا قادر على توحيد الجهد والتقاء الطاقات وقادر على إلغاء أي تناقضات هامشية قد تنشأ أو تصطنع اصطناعا.

         وانطلاقا من تقديرنا بأن الخطر الصهيوني التوسعي يهدد كل الأرض العربية وسيادة كل قطر من الأقطار فإننا لم نجد بدا من أن نواجه هذا الخطر على كافة الجبهات العربية التي يهددها، ولذلك فإننا نعتبر كل الأراضي العربية المحيطة بالأرض المحتلة مراكز انطلاق وتحرك للعمل الفدائي. ولم يكن من المعقول أو من المقبول أن تقوم عقبة أو مانع من داخل أي بلد عربي تحول دون انطلاق العمل الفدائي لبذل الدم والجود بالنفس في سبيل تحرير الأرض المقدسة التي يحتلها العدو. ولا يمكننا أن نتصور لحظة، وشعبنا العربي في كل أقطاره مطالب بالفداء والشهادة، أن يقوم قطر ما أو مؤسسة من مؤسساته، بدور الحارس للاحتلال الصهيوني وذلك بمنع العمل الفدائي أو الحد من حريته.

         وقد وجد العمل الفدائي، وما يزال، من الشعب اللبناني، كل التأييد وكل الدعم وكل المشاركة. فالقضية واحدة والمصير واحد والعدو واحد.

         ولكن بعض العناصر المشبوهة في قيادة الجيش، حاولت الإساءة للعمل الفدائي منذ البداية، وذلك باختلاق الأزمات المستمرة واصطناع حالة من التوتر الدائم، ومواجهة العمل الفدائي بمواقف استفزازية، تتصف بالفظاظة والاستهتار. وقد دأبت هذه العناصر المشبوهة على التآمر الذي لا ينقطع لافتعال الصدام بين الفدائيين الفلسطينيين وبين أفراد الجيش اللبناني، واصطناع أسباب الجفوة والنفور بين الشعب اللبناني والثورة الفلسطينية.

         ولم تتورع هذه العناصر المشبوهة المتمركزة في بعض مراكز السلطة، من أجل تحقيق المخططات الموكولة إليها، من تدبير حوادث القتل والمذابح الجماعية والشروع في محاولات مجرمة في قلب بيروت، والقيام باتصالات مفضوحة على الحدود الجنوبية، كما أنها لم تكف لحظة عن شن حرب الأكاذيب والإشاعات والمبالغات ضد العمل الفدائي.

         وقد كنا نؤثر، دائما، أن نتحمل كل أذى بما في ذلك حرب التشهير الموجهة ضد العمل الفدائي، أملا في أن تستفيق ضمائر هذه الفئة المشبوهة المتآمرة، وابتعادا عن مزالق يراد جرنا إليها، ورفضا للاستجابة لأي استفزاز مفسد، وإيمانا بوعي الشعب اللبناني، وسلامة حدسه في رؤية الأشياء وتقدير الأمور وحكمه عليها، وحرصا منا على تفويت أغراض هذه الفئة المشبوهة المتآمرة.

         ولكن المذبحة الهمجية التي دبرتها هذه العناصر المشبوهة ضد الفدائيين الفلسطينيين وضد المواطنين اللبنانيين، على السواء، في جنوب لبنان، في الأيام الأخيرة، تكشف لنا إلى أي مدى إجرامي يمكن أن تصل يد هذه الفئة المشبوهة المجرمة. وهذا يضطرنا إلى مكاشفة الشعب اللبناني وطرح القضية على وجهها الصحيح:
         أولا: إن العمل الفدائي بطبيعته لا يمكن أن يستقر في قواعد ثابتة قريبة من الحدود المحتلة. وفي لبنان بالتحديد، فإن العمل الفدائي كان ينطلق أو يعود عبر الأراضي اللبنانية لتأدية مهامه، أو بعد القيام بها من نقاط أخرى في مجموعات سريعة الحركة لا تكاد تثبت في مكان.

         وقدم الأهالي في جنوب لبنان كل ما يستطيعونه من عون وفي حدود ما يستطيعون للفدائيين. ونود في هذه المناسبة الإشادة بروح التعاطف ومشاعر الأخوة من كل أفراد الشعب في جنوب لبنان الذين التحموا قلبا ويدا مع الثورة الفلسطينية، وكان جزاؤهم من السلطات اللبنانية المتآمرة هو جزاء الفدائيين بالضبط، وقد استمر هذا الوضع ما يقرب من سنتين إلى أن تعمدت الفئات المشبوهة في قيادة الجيش اللبناني لاعتبارات محض داخلية تتعلق بالصراع على السلطة عام 1970 من جهة ولاعتبارات سياسية تتعلق بارتباطاتها المشبوهة ببعض المراجع الإمبريالية في الخارج من جهة أخرى عمدت إلى التحرك في اتجاه عرقلة العمل الفدائي والتعرض له والوقوف في وجهه.

<1>

رسالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إلى الشعب اللبناني حول الحوادث الجارية في لبنان
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5،ص 441 – 444”

         ثانيا: اتخذ نشاط الفئة المشبوهة في قيادة الجيش نمطا متصاعدا في مواجهة العمل الفدائي وذلك في نهاية 1968. فإذا بقوات الجيش اللبناني تفرض طوقا عسكريا على منطقة الجنوب وتقوم بسلسلة من الإجراءات غير العادية لمنع وصول أي إمدادات للفدائيين وتبدأ بعمليات قصدها التحرش بالفدائيين. ورغم كل الأعمال الاستفزازية التي أقدمت عليها الفئة المشبوهة في قيادة الجيش اللبناني فإن الفدائيين احتفظوا بضبط النفس وقرروا عدم الاستجابة أو الرد على أي استفزاز بغية عدم الانجرار إلى ردود فعل محلية لا طائل تحتها ولا تخدم إلا تلك الفئة المشبوهة ومراجعها الإمبريالية.

         ثالثا: وحين تحرك الشعب اللبناني العظيم يوم 23 نيسان (أبريل) 1969 احتجاجا على تصرفات الفئة المشبوهة في قيادة الجيش وتعبيرا عن مساندته للثورة الفلسطينية بدأت تتكشف أول خيوط المؤامرة التي أعدتها السلطات المشبوهة. فقد أطلقت قوات الأمن اللبنانية بأوامر من قيادتها المشبوهة وبتواطؤ المسؤولين السياسيين المتظاهرين بتأييد العمل الفدائي نيران مدافعها الرشاشة على المظاهرات السلمية التي قام بها المواطنون في صيدا وبيروت وطرابلس وبر الياس، وكانت المجزرة المؤلمة التي سقط فيها حوالي 30 شهيدا.

         رابعا: لقد كان تدبير هذه المجزرة حدثا مفاجئا وغير مفهوم في أول الأمر إلى أن بدأنا نعى النيات المبيتة من وراء هذه المجزرة التي أعدتها الفئة المشبوهة في السلطة السياسية والعسكرية. فقد علمنا أن هذه الفئة المشبوهة تحاول الزج بالعمل الفدائي في قضايا لبنان الداخلية لتحقيق أغراضها الحقيرة سواء في تملق بعض المشاعر الطائفية أو في عقد تحالفات مع الأجنبي. فقررت الثورة الفلسطينية في ضوء هذه الاعتبارات أن تفسد الخطة على هذه الفئة وأن لا تفسح المجال للعابثين المجرمين أن يجروها مع سائر فئات الشعب اللبناني إلى مزالق الاقتتال والتناحر المحلي الذي لا طائل تحته.

         خامسا: رغم الدماء البريئة التي سفكت ورغم أن الفئة المشبوهة في قيادة الجيش والحكومة استطاعت أن ترفض مطالبة الجماهير بالتحقيق مع المسؤولين المجرمين الذين افتعلوا مجزرة صيدا وبر الياس وبيروت ورغم الحملة التشهيرية التي شنتها أجهزة الفئة المشبوهة ضد العمل الفدائي، رغم كل ذلك ومنعا لأية مضاعفات داخلية لا تخدم إلا إسرائيل والإمبريالية فقد رضيت الثورة الفلسطينية التفاوض مع السلطة اللبنانية تحت شعار التنسيق في شهر أيار (مايو) سنة 1969. وجاء المندوب الشخصي للرئيس عبد الناصر السيد حسن صبري الخولي للوساطة على هذا الأساس. ووصل بيروت وفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة السيد ياسر عرفات للتفاوض مع السلطات اللبنانية على هذا الأساس نفسه وهو التنسيق.

         ولكن الفئة المشبوهة نفسها عادت إلى رفض مبدأ التنسيق رغم تظاهرها بالموافقة بادئ الأمر. وقد تحملت الثورة الفلسطينية تدخلات هذه الفئة وأكاذيبها ونفاقها وتلونها واتخاذها لمواقف متناقضة، حرصا منها على الابتعاد عن المهاترات ومنعا لهذه الفئة من أن تستغل قضية العمل الفدائي لتحقيق أغراضها الإقليمية الضيقة.

         ولكن الثورة الفلسطينية وفاء منها لمبادئها ولدماء شهدائها أصرت على الاحتفاظ بحقها في حرية الحركة ضد العدو.

         سادسا: وتكررت بعد ذلك تحرشات الفئة المشبوهة بالعمل الفلسطيني والفدائيين الفلسطينيين وباللاجئين الفلسطينيين بدون مبرر وبلا انقطاع وتعمدت الفئة المشبوهة القيام بإجراءات استفزازية ضد مخيمات اللاجئين، فطوقتها وفرضت عليها إجراءات عسكرية صارمة واعتقلت عددا كبيرا من المواطنين الفلسطينيين. وفي الجنوب لم تنقطع استفزازات السلطة لحظة، سواء ضد السكان اللبنانيين في القرى الجنوبية الذين يعاونون الثورة الفلسطينية أو ضد قوات الفدائيين. وقد أصبحت استفزازات هذه الفئة المشبوهة ضد الثورة الفلسطينية وضد الشعب اللبناني مسألة يومية هدفها الواضح تفجير الوضع ودفعنا للاستجابة لهذه الاستفزازات اليومية. ومارسنا ضبطا للنفس غير عادي وذلك لمعرفتنا بنيات هذه الفئة المشبوهة وقصدها المتعمد بإشعال جو الاضطرابات والفوضى مبررا وحجة لتنفيذ مخططاتها في التسلط الداخلي. وتحملنا كل أذى هذه الاستفزازات وضغوطها اليومية حرصا منا على سلامة لبنان وسلامة الثورة الفلسطينية معا، وعدم جرنا لنكون طرفا في صراع داخلي ذميم على المغانم والأسلاب.

         سابعا: ولكن هذه الفئة التي هزمتها ثقتنا بالشعب اللبناني العظيم وسياستنا في ضبط النفس لم تكن لتقف عند حد. وقد حاولت هذه الفئة ارتكاب سلسلة من العمليات الإجرامية وفي مقدمتها مؤامرة لحرق بيروت تعزوها للمنظمات الفدائية وتجعل منها وسيلة وجسرا تعبر عليه لتنفيذ أطماعها من جهة ولتصفية العمل الفلسطيني من جهة أخرى. ولكن وعي الثورة الفلسطينية وتنبهها الكامل وترقبها الدقيق لكل التحركات المشبوهة استطاعت إفساد هذه الخطط ومواجهة الأجهزة التي تقف وراءها بكل شيء وتحميلها المسؤولية كاملة.

         ونحن لا نريد أن نخوض في تفاصيل هذه القضية الحساسة شعورا منا بضرورة تضييق دائرة الأزمة وإطفاء نيران الفتنة ونرجو أن لا تضطرنا تطورات الأحداث إلى كشف الستار عن كل شيء.

         ثامنا: وفي هذه الأثناء كنا نرصد سلسلة طويلة من الاتصالات جرت عبر حدود لبنان الجنوبية ولئن كنا الآن في صدد تحليلها ووضعها في إطارها الصحيح إلا أننا نجزم منذ الساعة بارتباطها بالمجزرة التي دبرتها الفئة المشبوهة في الجيش ضد أهالي مجدل سلم والفدائيين وارتباطها بالخطة الأساسية التي تستهدف تفجير الوضع الداخلي لأغراض تتصل بالصراع على السلطة عام 1970 من ناحية وتسديد فواتير محلية وعربية للمراجع الإمبريالية الأميركية من ناحية أخرى.

         وليست تصريحات ايغال آلون نائب رئيس وزراء إسرائيل، حول ضمان إسرائيل للوضع القائم في لبنان وبيانات وزارة الخارجية الأميركية وتحركات قواتها في منطقة شرق البحر المتوسط إلا مصداقا لما نقول في إطار الخطة الصهيونية – الإمبريالية – الرجعية المتناغمة لتطويق العمل الفدائي تمهيدا لضربه.

<2>

رسالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إلى الشعب اللبناني حول الحوادث الجارية في لبنان
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5،ص 441 – 444”

         تاسعا: وكانت أزمة مخيم نهر البارد هي أعجب الأزمات التي اصطنعتها بعض أجهزة السلطة اصطناعا وحاولت أن تجعل منها سببا في تفجير صدام عنيف بين قوات الأمن من جهة والمواطنين الفلسطينيين في المخيم من جهة أخرى. وقد بدأت هذه الأزمة المدبرة باتصال هاتفي بين ممثل فتح في بيروت ومندوب السلطة العسكرية الرائد سامي الخطيب تم على أثرها الإذن ببناء غرفة لقيادة الكفاح المسلح في مخيم نهر البارد. إلا أن ممثل الحركة هناك اتصل يقول إن السلطة قد داهمت المخيم وأمرت بوقف البناء. مرة أخرى عاد ممثل الحركة في بيروت واتصل بالرائد المذكور الذي كرر موافقته على الاستمرار في البناء ووعده بإبلاغ ذلك إلى السلطة العسكرية في منطقة الشمال.

         وحين جرى استئناف العمل بالبناء في أعقاب الاتصال الثاني عادت السلطة من جديد وداهمت المخيم وقامت بعملية الاعتداء المعروفة.

         هذه هي حقيقة أزمة نهر البارد .. عناصر السلطة المشبوهة تأذن بالبناء .. ثم تعود فتعترض .. ثم مرة أخرى تعود لتعترض من جديد وتختلق أسباب الصدام وافتعال الفتنة وهكذا لم يعد عندنا شك في أن العناصر المشبوهة في قيادة الجيش تخطط عن عمد وبوعي تام وسابق إصرار وتصميم على خلق ظروف للصدام الدموي بين قوات الجيش والفدائيين لتتمكن في ظل هذه الظروف من تحقيق مخططاتها في السيطرة والتسلط. وقد تذرعنا كعادتنا دائما بضبط النفس غير المحدود لمواجهة هذه المؤامرة والمحاولات الشرسة لإشعال نار الفتنة. لنفوت على هذه الفئة أغراضها وأطماعها.

         عاشرا: أما عن مجزرة مجدل سلم فقد بدأ الحصار بقيادة العميد انطون سعد والعميد أحمد زكا في وادي السلوقى .. وتفاديا للصدام المسلح انسحبت مجموعات الفدائيين إلى مجدل سلم إلا أن الحصار استمر ستة أيام خانقة كانت السلطة الحاكمة تصر فيها على أحد خيارين: الاستسلام أو تدمير القرية تدميرا كاملا ولقد رفضت السلطة العرض الذي قدمه لها أهل مجدل سلم في أن يفتحوا طريقا لانسحاب الفدائيين. ولقد فوجئنا بتحرك الجيش وبحجم القوات المتحركة ونوعيتها إذ بلغت لواء مشاة تدعمه المدرعات. فأرسلنا مندوبين من كبار المسؤولين العسكريين في الحركة للاتصال بالمجموعات المحاصرة والاطلاع على الموقف والاتفاق على حل .. إلا أن السلطة اللبنانية استعملت أسلوب المراوغة، فبعد أن منحتهما إذنا بالدخول إلى المنطقة المحاصرة أوحت إلى قواتها هناك بإهانتهما وإعادتهما ومنعهما من الوصول إلى منطقة القتال حتى يتسنى لها إحاطة الموضوع بالكتمان الشديد.

         ومن أجل مزيد من التكتم حول خبر تطويق الفدائيين والاعتداء عليهم قامت السلطة التي أزعجها الإعلان الصادر عن منظمة التحرير بهذا الخصوص بتعطيل الصحف اللبنانية التي نشرت هذا الخبر متذرعة كذبا بأن هناك اتفاقا مشتركا بيننا وبينها على الصمت.

         حادي عشر: أما عن رواية الاتصالات والمفاوضات والاتفاقات بين ممثلي الثورة الفلسطينية والسلطات اللبنانية، فإنها رواية مختلقة وليس لها أساس. فلم يكن بيننا وبين السلطة سواء في الجيش أو الحكومة أو الشعبة الثانية أي اتفاق سابق. إن المحاولة الوحيدة للاتفاق كانت محصورة بالاتصالات التي تمت اثر حوادث نيسان (أبريل) المعروفة .. تلك المحاولة التي جاءت تصرفات المسؤولين المشبوهين في الجيش ورسالة الرئيس شارل حلو لتقضى عليها.

         غير أن العناصر التي تدعي الوطنية في الشعبة الثانية في الجيش اللبناني استغلت حرصنا على عدم الانزلاق إلى المهاترات الإعلامية فبادرت إلى خداع الجماهير اللبنانية وتضليلها وعزلها عن حقائق القضية بادعاء واختلاق روايات خيالية من الاتصالات والاتفاقات المزعومة.

         ثاني عشر: ولقد كنا نحسب أن رئاسة الجمهورية اللبنانية وباقي المراجع السياسية الحاكمة ستحرص على تفهم حقيقة الأمور وملابسات المجزرة التي نفذتها الفئة العسكرية المشبوهة من وراء ظهر بعضها وبالتواطؤ مع بعضها الآخر، إلا إننا فوجئنا مرة أخرى بأن رئاسة الجمهورية اللبنانية كان همها في كل ما بعثت به من رسائل إلى رؤساء الحكومات العربية تغطية لتحركات هذه الفئة المشبوهة ورفض التحقيق بكل ما قامت به من مجازر.

         غير انه مهما اجتهدت هذه المراجع الحاكمة في التبرير والتغطية والتنصل فإن ثمة حقيقة بارزة لا يمكن طمسها ولا التستر عليها وهي ان عناصر من الجيش اللبناني قامت بأمر من ضباط لبنانيين معروفين بتوجيه سلاح لبناني عربي إلى صدور مناضلين عرب متجاوزة باستهتار وحدة المصير والنضال العربيين في وجه العدو الصهيوني بل مشاركة القوى الصهيونية والإمبريالية مخططها المفضوح لضرب العمل الفدائي وتصفية القضية الفلسطينية.

         هذه بإيجاز حقيقة الأحداث التي جرت مؤخرا في الساحة اللبنانية نكشف ملابساتها بصدق ووعي وثورية على اخوتنا أبناء الشعب اللبناني الصامد وأبناء الشعب الفلسطيني المناضل، وأبناء العروبة المتحفزين في كل مكان ليسمع الملأ صوت الحقيقة وليكون على بينة من كل المؤامرات التي تحاك لشعب لبنان في الظلام.

         لقد رفضنا ونرفض أن نتدخل في شؤون لبنان الداخلية ورفضنا ونرفض أن نتحول إلى قوة محلية يراد لها أن تلعب دورا في ميزان القوى وفي لعبة الصراع على السلطة. لقد رفضنا ونرفض كل ما من شأنه أن يجرنا بعيدا عن أرضنا المحتلة حيث يجثم عدونا الغاشم.

         إن بنادقنا ستبقى مصوبة إلى العدو الصهيوني في عكا وحيفا وصفد وطبريا والناصرة ويافا والقدس وغزة وبقية مدننا وقرانا في الأرض المحتلة ولن نسمح للعدو ولا لعملائه أن يستدرجونا إلى معارك جانبية في صور وصيدا وبيروت وطرابلس.

<3>

رسالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إلى الشعب اللبناني حول الحوادث الجارية في لبنان
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5،ص 441 – 444”

         إن مدبري مجزرة مجدل سلم هم المسؤولون وحدهم عن كل الضحايا اللبنانية البريئة التي سقطت في الأيام الأخيرة ويجب أن يتحملوا وحدهم ما انتهى إليه الوضع في كافة الأنحاء اللبنانية. وأن الثورة الفلسطينية ترفض أن تكون أداة أو ستارا لأية أحقاد طائفية أو تصفية حسابات محلية مؤكدة أن الشعب اللبناني البطل أذكى من أن تخدعه التحركات المشبوهة وأقوى من أن تضلله أكاذيب الصائدين بالماء العكر.

         ما نريده هو لبنان السيد المستقل حقا، لبنان القوي، لبنان العربي المتساند مع أخوته في العروبة والكفاح. لبنان الديمقراطي الذي يرفض أن يكون مطية لفئة مشبوهة لا تتورع عن حرقه تنفيذا لمآرب تسلطية ولمخططات استعمارية.

         ما نريده هو حرية الثورة الفلسطينية في التحرك على كامل الأراضي العربية من أجل التصدي للعدو الذي يتربص بالبلاد العربية جميعا.

         ما نريده هو وحدة الصف العربي ضد الصهيونية والاستعمار ولن ننزلق مطلقا إلى صراعات جانبية على السلطة والنفوذ والمغانم والأسلاب في أي قطر من الأقطار.

         عاش نضال الشعب اللبناني في سبيل الوحدة الوطنية والديمقراطية وفي سبيل الالتحام بالثورة الفلسطينية والعربية.

         عاش نضال الثورة الفلسطينية في سبيل تحرير الأراضي المحتلة. والعار كل العار للعملاء والخونة مستنزفي طاقات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في معارك جانبية لا تخدم إلا العدو وحلفاءه المستعمرين.

وثورة حتى النصر


<4>

Scroll to Top